بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الْحُدُودِ

بَابُ مَا جَاءَ فِي رَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَجَلْدِ الْبِكْرِ وَتَغْرِيبِهِ

4013- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا قَالا: إنَّ رَجُلًا مِنْ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إلا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ - نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّه وَائْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قُلْ» . قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ - لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ - إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَتْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

قَالَ مَالِكٌ: الْعَسِيفُ: الأَجِيرُ، وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُثْبِتُ الزِّنَا بِالإِقْرَارِ مَرَّةً وَمَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى الرَّجْمِ.

4014- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِنَفْيِ عَامٍ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.

4015- وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلام - حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ - ضَرَبَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا

(2/374)


يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
4016- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ.

4017- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَجُلِدَ الْحَدَّ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

4018- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجَمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ جَلْدًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَوْلُهُ: «وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ التَّغْرِيبِ وَوُجُوبِهِ عَلَى مَنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ التَّغْرِيبِ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ: لا تَغْرِيبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: «جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ مُعَاذ. وَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لِلْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ الْجَلْدُ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى إيجَاب الجلد مَعَ الرَّجْمِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْعِتْرَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ تَمَسُّكًا بِمَا سَلَفَ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لا يُجْلَدُ الْمُحْصَنُ بَلْ يُرْجَمُ فَقَطْ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَجْلِدْ مَاعِزًا بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى رَجْمِهِ، قَالُوا: وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحَادِيثِ الْجَلْدِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورِ
وَيُجَابُ بِمَنْعِ التَّأَخُّرِ. إلى أن قَالَ: وَعَلَى فَرْضِ تَأَخُّرِهِ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الرَّجْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ.

بَابُ رَجْمِ الْمُحْصَنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَأَنَّ الإِسْلامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الإِحْصَانِ

4019- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

(2/375)


بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ: «مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ» ؟ فَقَالُوا: تُسَخَّمُ وُجُوهُهُمَا وَيُخْزَيَانِ، قَالَ: «كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» . فَجَاءُوا بِالتَّوْرَاةِ وَجَاءُوا بِقَارِئٍ لَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى إذَا انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ تَلُوحُ، فَقَالَ أَوْ فقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ وَلَكِنَّا كُنَّا نَتَكَاتَمُهُ بَيْنَنَا، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَا، قَالَ: رَأَيْتُهُ يَجْنَأُ عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَةَ بِنَفْسِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4020- وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِقَارئ لَهُمْ أَعْوَرَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ صُورِيَا.

4021- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ وَرَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ وَامْرَأَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

4022- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ مَجْلُودٍ فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: «أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ» ؟ قَالَ: لا، وَلَوْلا أَنَّك نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ بِحَدِّ الرَّجْمِ، وَلَكِنْ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا وَكُنَّا إذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ
عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ إنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَك إذْ أَمَاتُوهُ» . فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} إلَى قَوْلِهِ: {إنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} ، يَقُولُونَ: ائْتُوا مُحَمَّدًا فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} . قَالَ: هِيَ فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزِّنَا

(2/376)


يُقَامُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِ.

بَابُ اعْتِبَارِ تَكْرَارِ الإِقْرَارِ بِالزِّنَا أَرْبَعًا

4023- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ - فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: «فَهَلْ أُحْصِنْتَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ فَرَجَمْنَاهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِحْصَانَ يَثْبُتُ بِالإِقْرَارِ مَرَّةً، وَأَنَّ الْجَوَابَ بِنَعَمْ إقْرَارٌ.
4024- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ جِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «فَلَعَلَّكَ» ؟ قَالَ: لا وَاَللَّهِ إنَّهُ قَدْ زَنَى الآخِرُ فَرَجَمَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

4025- وَلأَحْمَدَ: أَنَّ مَاعِزًا جَاءَ فَأَقَرَّ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ.

4026- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: «أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْك» ؟ قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعَتْ بِجَارِيَةِ آلِ فُلانٍ» . قَالَ: نَعَمْ. فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

4027- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا مَرَّتَيْنِ فَطَرَدَهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: «شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

(2/377)


4028- وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا فَجَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ مَرَّةً فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّانِيَةَ فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّالِثَةَ فَرَدَّهُ، فَقُلْت لَهُ: إنَّك إنْ اعْتَرَفْتَ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ، قَالَ: فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ إلا خَيْرًا قَالَ: فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ.

4029- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ لَوْ جَلَسَ فِي رَحْلِهِ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَرْجُمْهُ، وَإِنَّمَا رَجَمَهُ عِنْدَ الرَّابِعَةِ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
4030- وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَيْضًا قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا، أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ يَرْجِعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا، وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «أَبِكَ جُنُونٌ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِمَامِ الاسْتِفْصَالُ وَالْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَال.

قَوْلُهُ: «فَهَلْ أَحْصَنْتَ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ تَزَوَّجْتَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ زِيَادَاتٌ فِي الِاسْتِفْصَالِ، مِنْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: ... «لَعَلَّك قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» .

قَوْلُهُ: (إنَّهُ قَدْ زَنَى الآخِرُ) هُوَ مَقْصُورٌ بِوَزْنِ الْكَبِدِ أَيْ الأَبْعَدِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الإِقْرَار بِالزِّنَا أَنْ يَكُون أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا لَمْ يَثْبُت الْحَدُّ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ يَكْفِي وُقُوعُ الإِقْرَارِ مَرَّةً بِحَدِيثِ الْعَسِيفِ وَغَيْرِهِ إلى أن قَالَ: ومَا وَقَعَ مِنْ التَّكْرَارِ فِي الْحَدِيثِ فلِقَصْدِ الِاسْتِثْبَاتِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ اسْتِفْسَارِ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا وَاعْتِبَارِ تَصْرِيحه بِمَا لا تَرَدُّدَ فِيهِ

4031- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ... «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْت» ؟ قَالَ: لا يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: ... «أَنِكْتَهَا» - لا يكني - قَالَ: نَعَمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

(2/378)


4032- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ الأَسْلَمِيُّ إلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الْخَامِسَةِ، فَقَالَ: «أَنِكْتَهَا» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي
الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا» ؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلالًا، قَالَ: «فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ» ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لا يَكْنِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ مِنْ الْكِنَايَة: أَيْ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحًا وَلَمْ يَكْنِ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ كَالْجِمَاعِ.

بَابُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ لا يُحَدُّ

4033- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ، قَالَ وَحَضَرَتْ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ إلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِي كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ» . أَوْ «حَدَّكَ» . أَخْرَجَاهُ.

4034- وَلأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوُهُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَديث مَعْنَاهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ، وَهِيَ هُنَا مِنْ الصَّغَائِرِ لأَنَّهَا كَفَّرَتْهَا الصَّلاةُ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَدُّ الْمَعْرُوفُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحُدَّهُ لأَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ مُوجِبَ الْحَدِّ. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ لا يُطَالَبُ بِالتَّفْسِيرِ وَلا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. انْتَهَى.

قَالَ َفِي الاختيارات: وَالْعُقُوبَاتُ الَّتِي تُقَامُ مِنْ حَدٍّ أَو تَعْزِيزٍ إِذَا ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ فَإِذَا أَظْهَرَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدَّ لَمْ يُوثَقْ مِنْهُ بِهَا فَيُقَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ تَائِبًا فِي
الْبَاطِنِ كَانَ الْحَدُّ مُكَفِّرًا وَكَانَ مَأْجُورًا عَلَى صَبْرِهِ وَإِنْ جَاءَ تَائِبًا

(2/379)


بنَفْسِهِ فَاعْتَرَفَ فَلا يُقَامُ عَلَيْهِِ فِي ظَّاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الأَصْحَابُ وَغَيْرِهِمْ فِي الْمُحَارِبِينَ. وَإِنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا شَهِدَ بِهِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَاخْتَارَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أُقِيمَ وَإِلا لا. انْتَهَى.

بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الإِقْرَارِ

4035- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ مَاعِزٌ الأَسْلَمِيُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الآخَرِ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الآخَرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ، فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ فَرَّ يَشْتَدُّ حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ حَتَّى مَاتَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ فَرَّ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ وَمَسَّ الْمَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلا تَرَكْتُمُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

4036- وَعَنْ جَابِرٍ - فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ - قَالَ: كُنْت فِيمَنْ رَجَمَ الرَّجُلَ، إنَّا لَمَّا خَرَجْنَا بِهِ فَرَجَمْنَاهُ فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ صَرَخَ بِنَا: يَا قَوْمُ رُدُّونِي ... إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ قَوْمِي قَتَلُونِي وَغَرُّونِي مِنْ نَفْسِي وَأَخْبَرُونِي أَنَّ ... رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ قَاتِلِي، فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ فَلَمَّا رَجَعْنَا إلَى ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: «فَهَلا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ» ؟ لِيَسْتَثْبِتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ، فَأَمَّا تَرْكُ حَدٍّ فَلا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «هَلا تَرَكْتُمُوهُ» . اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَل مِنْ الْمُقِرِّ الرُّجُوعُ عَنْ الإِقْرَارِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْعِتْرَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلٍ لَهُ. وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْبَتِّيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لا يُقْبَل مِنْهُ الرُّجُوعُ عَنْ الإِقْرَارِ بَعْدَ كَمَالِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الإِقْرَارَاتِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: مَسْأَلَةُ إذَا هَرَبَ الْمَرْجُومُ بِالْبَيِّنَةِ أُتْبِعَ الرَّجْمَ حَتَّى يَمُوتَ لا بِالإِقْرَارِ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَاعِزٍ: «هَلا خَلَّيْتُمُوهُ» . انْتَهَى.

(2/380)


بَابُ أَنَّ الْحَدَّ لا يَجِبُ بِالتُّهَمِ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ

4037- عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلانِيُّ وَامْرَأَتِهِ، فَقَالَ شَدَّادُ بْنُ الْهَادِ: هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا» . قَالَ: لا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ قَدْ أَعْلَنَتْ فِي الإِسْلامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4038- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ فُلانَةَ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهَا الرِّيبَةُ فِي مَنْطِقِهَا وَهَيْئَتِهَا وَمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.

وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَحُدَّ الْمَرْأَةَ بِنُكُولِهَا عَنْ اللِّعَانِ.

4039- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.

4040- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ إنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا، وَأَنَّ الْوَقْفَ أَصَحُّ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ.
4041- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاَللَّهِ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا النَّسَائِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (كَانَتْ قَدْ أَعْلَنَتْ فِي الإِسْلامِ) . أَيْ: كَانَتْ تُعْلِنُ بِالْفَاحِشَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ وَلا اعْتِرَافٍ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَإِنْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ لا زَوْجَ لَهَا وَلا سَيِّدٌ حُدَّتْ إِنْ لَمْ تَدْعُ

(2/381)


شُبْهَة وَكَذَا مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ. وَهُو رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدٍ فِيهِمَا. انْتَهَى.

بَابُ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَجَحَدَتْ

4042- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ فَأَنْكَرَتْ، فَحَدَّهُ وَتَرَكَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقد اسْتَدَلَّ بِالحَدِيثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فَقَالا: يُحَدُّ مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةً لِلزِّنَا لا لِلْقَذْفِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُحَدُّ لِلْقَذْفِ فَقَطْ، وقَدْ َذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ يُحَدُّ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ. هُوَ الظَّاهِرُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الْحَثِّ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ إذَا ثَبَتَ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّفَاعَةِ فِيهِ

4043- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالنَّسَائِيُّ وقَالَ: «ثَلاثِينَ» . وَأَحْمَدُ بِالشَّكِّ فِيهِمَا.

4044- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَهُوَ مُضَادُّ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِ الرَّأْفَةِ بِالْعُصَاةِ وَرَدْعِهِمْ عَنْ هَتْكِ حُرُمِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا الْحَدَّ عَلَيْهِ» . وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّرْهِيبِ لِفَاعِلِهَا بِمَا هُوَ غَايَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ وَصْفُهُ بِمُضَادَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَقِيَ الزُّبَيْرُ سَارِقًا فَشَفَعَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الإِمَامَ. قَالَ: إذَا بَلَغَ الإِمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ. وَأَخْرَجَ أَبُو

(2/382)


دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ وَعَمَّارًا وَابْنَ عَبَّاسٍ أَخَذُوا سَارِقًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْت: بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ حِينَ خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ. فَقَالُوا: لا أُمَّ لَك، أَمَا لَوْ كُنْت أَنْتَ لَسَرَّك أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُك. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ أَنَّ السُّنَّةَ بُدَاءَةُ الشَّاهِدِ
بِالرَّجْمِ وَبُدَاءَةُ الإِمَامِ بِهِ إذَا ثَبَتَ بِالإِقْرَارِ

4045- عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ لِشُرَاحَةَ زَوْجٌ غَائِبٌ بِالشَّامِ وَأَنَّهَا حَمَلَتْ فَجَاءَ بِهَا مَوْلاهَا إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ زَنَتْ وَاعْتَرَفَتْ فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ مِائَةً، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَحَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ وَأَنَا شَاهِدٌ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ، يَشْهَدُ ثُمَّ يُتْبِعُ شَهَادَتَهُ حَجَرَهُ، وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَاهَا، فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ ثُمَّ رَمَى النَّاسُ وَأَنَا فِيهِمْ، فَكُنْتُ وَاَللَّهِ فِيمَنْ قَتَلَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: حَكَى ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اسْتَحَبُّوا أَنْ يَبْدَأَ الإِمَامُ بِالرَّجْمِ إذَا ثَبَتَ الزِّنَا بِالإِقْرَارِ وَتَبْدَأُ الشُّهُودُ بِهِ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ.

بَابُ مَا فِي الْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ

4046- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَرْجُمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ، وَلا أَوْثَقْنَاهُ، وَلَكِنْ قَامَ لَنَا فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْخَزَفِ، فَاشْتَكَى فَخَرَجَ يَشْتَدُّ حَتَّى انْتَصَبَ لَنَا فِي عُرْضِ الْحَرَّةِ فَرَمَيْنَاهُ بِجَلامِيدِ الْجَنْدَلِ حَتَّى سَكَتَ.

4047- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّك تَرُدُّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: «إمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي» . فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ

(2/383)


قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ» . فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ
فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَخَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبَّهُ إيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلاً يَا خَالِدُ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» . ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

4048- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْت، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى قَوْمِهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟ فقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلا وَفِي الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نَرَى، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ، وَلا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةُ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

4049- وَأَحْمَدُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ فَجُعِلَ فِيهَا إلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِهِ.

4050- وَعَنْ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلاجِ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ - فَذَكَرَ قِصَّةَ رَجُلٍ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا - قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُحْصِنْتَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، فَذَهَبْنَا فَحَفَرْنَا لَهُ حَتَّى أَمْكَنَنَا وَرَمَيْنَاهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى هَدَأَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إمَّا لا» قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ (إمَّا) وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَبِالإِمَالَةِ، وَمَعْنَاهُ: إذَا أَبَيْت أَنْ تَسْتُرِي نَفْسَك وَتَتُوبِي عَنْ قَوْلِكِ فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَتُرْجَمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «صَاحِبُ مَكْسٍ» : هُوَ مَنْ يَتَوَلَّى الضَّرَائِبَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْمَكْسُ: النَّقْصُ وَالظُّلْمُ، وَدَرَاهِمُ كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْ بَائِعِي السِّلَعِ فِي الأَسْوَاقِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

(2/384)


قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلامَ عَلَى فِقْهِهَا، وَإِنَّمَا سَاقَهَا الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا لِلاسْتِدْلالِ بِهَا عَلَى مَا تَرْجَمَ الْبَابَ بِهِ وَهُوَ الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ حَفِيرَةٌ لا يُمْكِنُهُ الْوُثُوبُ مِنْهَا وَالْمُثْبَتُ عَكْسُهُ. إلى أن قَالَ: وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ فَالْوَاجِبُ تَقْدِيمُ رِوَايَةِ الإِثْبَاتِ عَلَى النَّفْيِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ تَأْخِيرِ الرَّجْمِ عَنْ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ
وَتَأْخِيرِ الْجَلْدِ عَنْ ذِي الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ

4051- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ» . فَقَالَتْ: أَرَاك تُرِيدُ أَنْ تُرَدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ ابْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «وَمَا ذَاكَ» ؟ قَالَتْ: إنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا. قَالَ: «أَنْتِ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: «حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ» . قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ. قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَ: «إذًا لا نَرْجُمُهَا وَتَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ» . فَقَامَ رَجُلٌ
مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: إلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: «فَرَجَمَهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ والدراقطني، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

4052- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِيَّهَا، فَقَالَ: «أَحْسِنْ إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي» . فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: نُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدَتْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ» ؟ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَةْ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ مُحْتَرَزٌ تُحْفَظُ عَوْرَتُهُ مِنْ الْكَشْفِ.

(2/385)


4053- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَنَتْ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَأَتَيْتُهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ إنْ أَجْلِدْهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَحْسَنْت اُتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْحَدِّ عَنْ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ حَتَّى تُرْضِعَ وَتَفْطِمَ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهَا لا تُؤَخَّرُ إلَى الْفِطَامِ إلا إذَا عُدِمَ مِثْلُهَا لِلرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ، فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ لَمْ تُؤَخَّرْ، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ.

قَوْلُهُ: «اُتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ» بِالْمُثَلَّثَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَمَاثَلَ الْعَلِيلُ: قَارَبَ الْبُرْءَ، وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُد: «حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْهَا الدَّمُ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يُقَارِبَ الْبُرْءَ.
بَابُ صِفَةِ سَوْطِ الْجَلْدِ وَكَيْفَ يُجْلَدُ مَنْ بِهِ مَرَضٌ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ

4054- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ، فَقَالَ: «فَوْقَ هَذَا» . فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ، فَقَالَ: «بَيْنَ هَذَيْنِ» . فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ لانَ وَرُكِبَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ عَنْهُ.

4055- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رُوَيْجِلٌ ضَعِيفٌ مُخْدَجٌ فَلَمْ يُرَعْ الْحَيُّ إلا وَهُوَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إمَائِهِمْ يَخْبُثُ بِهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَقَالَ: «اضْرِبُوهُ حَدَّهُ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ أَضْعَفُ مِمَّا تَحْسَبُ، لَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةً قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ: «خُذُوا لَهُ عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، ثُمَّ اضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» . قَالَ: فَفَعَلُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.

4056- وَلأَبِي دَاوُد مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ الأَنْصَارِ. وَفِيهِ وَلَوْ حَمَلْنَاهُ إلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ مَا هُوَ إلا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ.

(2/386)


قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّوْطُ الَّذِي يُجْلَدُ بِهِ الزَّانِي مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْعَتِيقِ وَهَكَذَا إذَا كَانَ الْجَلْدُ بِعُودٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَبَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْعَتِيقِ. وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْجَلْدَ ضُرِبَ بِعُثْكُولٍ أَوْ مَا يُشَابِهُهُ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ.
بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ
أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ أَوْ أَتَى بَهِيمَةً

4057- عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَقِيت خَالِي وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْت: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ أَخْذَ الْمَالِ.

4058- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللُّوطِيَّةِ يُرْجَمُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

4059- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلا حَدَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَحُّ.

قَوْلُهُ: (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ) قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ قَطْعِيًّا مِنْ قَطْعِيَّاتِ الشَّرِيعَةِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} وَلَكِنَّهُ لا

(2/387)


بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي أَمَرَ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتْلِهِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ وَفَعَلَهُ
مُسْتَحِلًّا وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ. انْتَهَى. قال في المقنع: وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه كنكاح المزوجة والمعتدة والخامسة وذوات المحارم من النسب والرضاع أو استأجر امْرَأَةَ للزنا أو لغيره وزنى بها أو زنى بامرأة له عليها القصاص أو بصغيرة أو مجنونة أو بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها أو أمكنت العاقلة من نفسها مجنونًا أو صغيرًا فوطئها فعليهم الحد. انْتَهَى.

قَوْلُهُ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» قَالَ ابْنُ الطَّلاعِ فِي أَحْكَامِهِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ رَجَمَ فِي اللِّوَاطِ وَلا أَنَّهُ حَكَمَ فِيهِ. وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ الشَّارِحُ: وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ رَجَمَ لُوطِيًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ برْجَم اللُّوطِيُّ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ فِي حَقِّ رَجُلٍ يُنْكَحُ كَمَا يُنْكَحُ النِّسَاءُ، فَسَأَلَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ يَوْمَئِذٍ قَوْلًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: هَذَا ذَنْبٌ لَمْ تَعْصِ بِهِ أُمَّةٌ مِنْ الأُمَمِ إلا أُمَّةً وَاحِدَةً صَنَعَ اللَّهُ بِهَا مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، نَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنْ يُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ. وَفِي إسْنَادِهِ إرْسَالٌ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: يُرْجَمُ وَيُحَرَّقُ بِالنَّارِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ اللُّوطِيِّ فَقَالَ: يُنْظَرُ أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْقَرْيَةِ فَيُرْمَى بِهِ مُنَكَّسًا ثُمَّ يُتْبَعُ الْحِجَارَةَ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الشِّفَاءِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَتْلِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَمَا أَحَقَّ مُرْتَكِبَ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَمُقترِفَ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ الذَّمِيمَةِ بِأَنْ يُعَاقَبَ عُقُوبَةً يَصِيرُ بِهَا عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ وَيُعَذَّبَ تَعْذِيبًا يَكْسِرُ شَهْوَةَ الْفَسَقَةِ الْمُتَمَرِّدِينَ، فَحَقِيقٌ بِمَنْ أَتَى بِفَاحِشَةِ قَوْمٍ مَا سَبَقَهُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ أَنْ يَصْلَى مِنْ الْعُقُوبَةِ بِمَا يَكُونُ
فِي الشِّدَّةِ وَالشَّنَاعَةِ مُشَابِهًا لِعُقُوبَتِهِمْ. وَقَدْ خَسَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ وَاسْتَأْصَلَ بِذَلِكَ الْعَذَابِ بِكْرَهُمْ وَثَيِّبَهُمْ.

قَوْلُهُ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ» قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ

(2/388)


اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فمَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَقِيلَ يُقْتَلُ. وَقِيل: يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا. وَقِيل: يُعَزَّرُ. قَالَ الْحَاكِمُ: أرى أن يُجْلَدُ ولا يبلغ به الحد. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةَ والعلة فِي ذَلِكَ مَا َرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَنَّهُ قِيل لابْنِ عَبَّاسٍ مَا شأن الْبَهِيمَةَ؟ قَالَ: مَا أراه قَالَ ذَلِكَ إلا أَنَّهُ يكره أن يؤكل لحمها وقد عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلَّة أن يُقَالُ: هَذِهِ الَّتِي فُعِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا.

بَابُ فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ

4060- عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ غَشِيَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَك جَلَدْتُكَ مِائَةً، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُحِلَّهَا لَك رَجَمْتُك. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

4061- وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ النُّعْمَانِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: «إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ جَلَدْتُهُ مِائَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ رَجَمْته» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّ عَلَيْهِ الرَّجْمُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى مَا رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ. قَالَ
الشَّارِحُ: وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ لأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَال فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ. زَادَ أَبُو دَاوُد: فَوَجَدُوهُ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً.

بَابُ حَدِّ زِنَا الرَّقِيقِ خَمْسُونَ جَلْدَةً

4062- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى أَمَةٍ سَوْدَاءَ زَنَتْ لأَجْلِدَهَا الْحَدَّ، قَالَ: فَوَجَدْتهَا فِي دَمِهَا، فَأَتَيْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِي: «إذَا تَعَالَتْ مِنْ نِفَاسِهَا فَاجْلِدْهَا خَمْسِينَ» . رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ.

(2/389)


وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ - فَجَلَدْنَا وَلائِدَ مِنْ وَلائِدِ الإِمَارَةِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ فِي الزِّنَا. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} وَلا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الأَمَةِ وَالْعَبْدِ.

قَوْلُهُ: «إذَا تَعَالَتْ مِنْ نِفَاسِهَا» بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ خَرَجَتْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْهَلُ مَنْ كَانَ مَرِيضًا حَتَّى يَصِحَّ مِنْ مَرَضِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

بَابُ السَّيِّدِ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقِهِ

4063- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4064- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو دَاوُد وَذَكَرَا فِيهِ: «فِي الرَّابِعَةِ الْحَدَّ وَالْبَيْعَ» . قَالَ الْخَطَّابِيِّ: مَعْنَى لا يُثَرِّبْ: لا يَقْتَصِرْ عَلَى التَّثْرِيبِ.
4065- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالا: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، قَالَ: «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4066- وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ خَادِمًا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْدَثَتْ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ، فَأَتَيْتهَا فَوَجَدْتهَا لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «إذَا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا فَأَقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ، أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ «وَلا يُعَنِّفْهَا» وَالْمُرَادُ أَنَّ اللازِمَ لَهَا شَرْعًا هُوَ الْحَدُّ فَقَطْ فَلا يَضُمُّ إلَيْهِ

(2/390)


سَيِّدُهَا مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ شَرْعًا وَهُوَ التَّثْرِيبُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ السَّيِّدِ عَلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى التَّثْرِيبِ دُونَ الْحَدِّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يُفْهِمُهُ السِّيَاقُ. وأحاديث الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الأَمَةَ إنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كَانَ أَمْرُ حَدِّهَا إلَى الإِمَامِ إلا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا عَبْدًا لِسَيِّدِهَا فَأَمْرُ حَدِّهَا إلَى السَّيِّدِ، وَاسْتَثْنَى أَيْضًا الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الأَمَةَ وَالْعَبْدَ يُجْلَدَانِ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَمْ لا وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُور وَرُوِيَ عَن ابن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: لا حَدَّ عَلَى مَمْلُوك حتى يتزوج تمسكًا بقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} وأجاب عنه في البحر بأن لفظ الإحصان حتمل لأنه بمعنى أسلمن وبلغن وتزوجن. قال: ولو سلم فخلاف ابن عباس منقوض. والأولى الجواب بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي كم حديث أبي عبد الرحمن السلمي
أن أمير المؤمنين عليًا - رضي الله عنه - خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن. انتهى مُلَخَّصًا.

(2/391)