بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَمْ يُقْطَعُ السَّارِقُ؟

4067- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

4068- وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ: قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ.

3141 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا ابْنَ مَاجَةْ.

4070- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.

4071- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

4072- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

4073- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ، وَلا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» . وَكَانَ رُبُعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

4074- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا

(2/392)


دُونَ ثَمَنِ الْمِجَنِّ» . قِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا ثَمَنُ الْمِجَنِّ؟ قَالَتْ: رُبُعُ دِينَارٍ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
4075- وَعَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» . قَالَ الأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ، وَالْحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ مِنْهَا مَا يُسَاوِي دَرَاهِمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ زِيَادَةُ قَوْلِ الأَعْمَشِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مَا تَقْتَضِيهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ مِنْ ثُبُوتِ الْقَطْعِ فِي ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعِ دِينَارٍ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَمِنْهُمْ الْخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُقَوَّمُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. فَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ لا بِرُبُعِ الدِّينَارِ إذَا كَانَ الصَّرْفُ مُخْتَلِفًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الأَصْلُ فِي تَقْوِيمِ الأَشْيَاءِ هُوَ الذَّهَبُ لأَنَّهُ الأَصْلُ فِي جَوَاهِرِ الأَرْضِ كُلِّهَا. وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي تَقْوِيمِ الْعُرُوضِ بِمَا كَانَ غَالِبًا فِي نُقُودِ أَهْلِ الْبَلَدِ. إلى أن قَالَ: الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَطْعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَدَاوُد وَالْخَوَارِجِ، وَاسْتَدَلُّوا بِإِطْلاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} . وَيُجَابُ بِأَنَّ إطْلاقَ الآيَةِ مُقَيَّدٌ بِالأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ فِيهِ: «يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْقِيرُ شَأْنِ السَّارِقِ وَخَسَارِ مَا رَبِحَهُ، وَأَنَّهُ إذَا جَعَلَ السَّرَقَة عَادَةً لَهُ جَرَّأَهُ ذَلِكَ عَلَى سَرِقَةِ مَا فَوْقَ الْبَيْضَةِ وَالْحَبْلِ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي تُقْطَعُ بِهِ الأَيْدِي، هَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيِّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْفِيرِ عَنْ السَّرِقَةِ وَجَعْلُ مَا لا قَطْعَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا فِيهِ الْقَطْعُ كَمَا فِي حَدِيثِ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ» مَعَ أَنَّ مَفْحَصَ الْقَطَاةِ لا يَكُونُ مَسْجِدًا، وَلَكِنَّ
مَقَامَ التَّرْغِيبِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالصَّدَقَةِ اقْتَضَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْضَةِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْبَابِ عَنْ الأَعْمَشِ، وَلا شَكَّ أَنَّ لَهَا قِيمَةً. وَكَذَلِكَ الْحَبْلُ فَإِنَّ فِي الْحِبَالِ مَا تَزِيدُ

(2/393)


قِيمَتُهُ عَلَى ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ كَحِبَالِ السُّفُنِ، وَلَكِنَّ مَقَامَ الْمُبَالَغَةِ لا يُنَاسِبُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا - رضي الله عنه - قَطَعَ فِي بَيْضَةِ حَدِيدٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِينَارٍ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ وَالْقَطْعِ فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ

4076- عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ، وَلا كَثَرٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

4077- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: «مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.

4078- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحَرِيسَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي مَرَاتِعِهَا قَالَ: «فِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالثِّمَارُ وَمَا أُخِذَ مِنْهَا فِي أَكْمَامِهَا؟ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ بِفَمِّهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ احْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ أَجْرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

4079- وَلِابْنِ مَاجَةْ مَعْنَاهُ.
4080- وَزَادَ النَّسَائِيّ فِي آخِرِهِ: «وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ» .

وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ فَقُوِّمَتْ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ.

(2/394)


قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَلا كَثُرَ» بِفَتْحِ الْكَافِ والثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَا الْجُمَّار.

قَوْلُهُ «الْجَرِينُ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ التَّمْرِ وَهُوَ لَهُ كَالْبَيْدَرِ لِلْحِنْطَةِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الْحَرِيسَةِ) قِيلَ: هِيَ الَّتِي تَرْعَى وَعَلَيْهَا حَرَسٌ. وَقِيلَ: هِيَ السَّيَّارَةُ الَّتِي يُدْرِكُهَا اللَّيْلُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى مَأْوَاهَا. وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْحَرِيسَةُ الْمَسْرُوقَةُ، وَجِدَارٌ مِنْ حِجَارَةٍ يُعْمَلُ لِلْغَنَمِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ: «فِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّأْدِيبِ بِالْمَالِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ. وَقَوْلُهُ: «وَضَرْبُ نَكَالٍ» فِيهِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ عُقُوبَةِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ.

قَوْلُهُ: (فِي أَكْمَامِهَا) جَمْعُ كِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ: وَهُوَ وِعَاءُ الطَّلْعِ.

وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ رَافِعٍ عَلَى أَنَّهُ لا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ الثَّمَرَ وَالْكَثَرَ سَوَاءٌ كَانَا بَاقِيَيْنِ فِي مَنْبَتِهِمَا أَوْ قَدْ أُخِذَا مِنْهُ وَجُعِلا فِي غَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: وَلا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ وَلا فِيمَا أَصْلُهُ مُبَاحٌ كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لا قَطْعَ فِي الثَّمَرِ وَالْكَثَرِ وَالطَّبَائِخِ وَالشِّوَاءِ
وَالْهَرَائِسِ إذَا لَمْ تُحْرَزْ، وَأَمَّا إذَا أُحْرِزَتْ وَجَبَ فِيهَا الْقَطْعُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْجُمْهُورِ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الأَكْثَرِ أَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ الْحِرْزُ. وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ فِي الثَّمَرِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْرَزٍ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَإِنَّ فِيهِ: «إنَّ مَنْ أَصَابَ مِنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ بِفِيهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلا ضَمَانَ إنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَإِنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُحْرَزَ فِي الْجَرِينِ قُطِعَ إذَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحِرْزِ أَيْضًا رِوَايَةُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدَ فِي سَارِقِ الْحَرِيسَةِ وَالثِّمَارِ. وَأَمَّا أَثَرُ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ فَلا يُعَارِضُ مَا وَرَدَ فِي اعْتِبَارِ الْحِرْزِ؛ لأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالْحِرْزِ فِيمَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الأُتْرُجَّةَ كَانَتْ قَدْ أُحْرِزَتْ وَهَكَذَا حَدِيثُ رَافِعٍ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ مُطْلَقًا وَلَكِنَّهُ مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

(2/395)


بَابُ تَفْسِيرِ الْحِرْزِ وَأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ

4081- عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: كُنْت نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي فَسُرِقَتْ فَأَخَذْنَا السَّارِقَ فَرَفَعْنَاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي خَمِيصَةٍ ثَمَنُ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا؟ أَنَا أَهَبُهَا لَهُ أَوْ أَبِيعُهَا لَهُ قَالَ: «فَهَلا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.

4082- وَفِي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ: فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.

4082- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ سَرَقَ بُرْنُسًا مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (بُرْنُسًا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هُوَ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ، دُرَّاعَةً كَانَ أَوْ جُبَّةً.

قَوْلُهُ: (صُفَّةِ النِّسَاءِ) : أَيْ الْمَوْضِعِ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ وصفة الْمَسْجِد مَوْضِعٌ مُظَلَّلٌ مِنْهُ. وَحَدِيثُ صَفْوَانَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الإِمَامِ لا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ قَبْلَ الرَّفْعِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثَيْ الْبَابِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحِرْزِ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ حِرْزٌ لِمَا دَاخِلَهُ مِنْ آلَةٍ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلاسِيَّمَا بَعْدَ أَنْ جَعَلَ صَفْوَانُ خميصة تَحْتَ رَأْسِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَاتِ.

مَا جَاءَ فِي الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْخَائِنِ وَجَاحِدِ الْعَارِيَّةِ

4084- عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلا مُنْتَهِبٍ، وَلا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

4085- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

4086- وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عُبَيْدٍ، قَالَ فِيهِ: فَشُهِدَ عَلَيْهَا.

4087- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ

(2/396)


وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا، فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أُسَامَةُ لا أَرَاك تَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا فَقَالَ: «إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ، وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْت يَدَهَا» . فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

4088- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: اسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ - يَعْنِي حُلِيًّا - عَلَى أَلْسِنَةِ نَاسٍ يُعْرَفُونَ وَلا تُعْرَفُ هِيَ، فَبَاعَتْهُ، فَأُخِذَتْ فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا، وَهِيَ الَّتِي شَفَعَ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَالَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ) فِي رِوَايَةٍ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ فَقَالَتْ: إنَّ فُلانَةَ تَسْتَعِيرُ حُلِيًّا فَأَعَارَتْهَا فَمَكَثَتْ لا تَرَاهَا، فَجَاءَتْ إلَى الَّتِي اسْتَعَارَتْ لَهَا تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: مَا اسْتَعَرْتُك شَيْئًا، فَرَجَعَتْ إلَى الأُخْرَى فَأَنْكَرَتْ، فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا اسْتَعَرْت مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ: «اذْهَبُوا إلَى بَيْتِهَا تَجِدُوهُ تَحْتَ فِرَاشِهَا» . فَأَتَوْهُ وَأَخَذُوهُ، فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ.

قَوْلُهُ: (فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِرْزٍ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقَطْعِ لِمَنْ جَحَدَ الْعَارِيَّةَ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ أَوْجَبَا الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ، وَالْجَاحِدُ لِلْوَدِيعَةِ لَيْسَ بِسَارِقٍ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْجَحْدَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ السَّرِقَةِ؛ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورَةِ قَدْ وَقَعَ مِنْهَا السَّرَقُ، فَذِكْرُ جَحْدِ الْعَارِيَّةِ لا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ لَهُ فَقَطْ. وَلا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ لأَجْلِ ذَلِكَ الْجَحْدِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

(2/397)


بَابُ الْقَطْعِ بِالإِقْرَارِ وَأَنَّهُ لا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْمَرَّةِ

4089- عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلِصٍّ فَاعْتَرَفَ اعْتِرَافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ الْمَتَاعُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أخَالُكَ سَرَقْتَ» ؟ قَالَ: بَلَى. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْطَعُوهُ ثُمَّ جِيئُوا بِهِ» . قَالَ: فَقَطَعُوهُ ثُمَّ جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قُلْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ» . فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

4090- وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا.

4091- وَابْنُ مَاجَةْ وَذَكَرَ مَرَّةً ثَانِيَةً فِيهِ قَالَ: «مَا أخَالُكَ سَرَقْت» ؟ قَالَ: بَلَى.

وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لا يُقْطَعُ السَّارِقُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ. حَكَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاحْتَجَّ بِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَا أَخَالُكَ سَرَقْت» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا: أَيْ مَا أَظُنُّكَ سَرَقْت، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ.

قَوْلُهُ: (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الإِقْرَارَ بِالسَّرِقَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً لا يَكْفِي، وَيُجَابُ أَنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الإِقْرَارِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ تَلْقِينُ الْمُسْقِطِ لِلْحَدِّ عَنْهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِثْبَاتِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ حَسْمِ يَدِ السَّارِقِ إذَا قُطِعَتْ وَاسْتِحْبَابِ تَعْلِيقِهَا فِي عُنُقِهِ

4092- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِسَارِقٍ قَدْ سَرَقَ شَمْلَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أخَالَهُ سَرَقَ» . فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ احْسِمُوهُ، ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ» . فَقُطِعَ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ: «تُبْ إلَى اللَّهِ» . قَالَ: قَدْ تُبْتُ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: «تَابَ اللَّهُ عَلَيْك» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

(2/398)


4093- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: سَأَلْنَا فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ أَمِنَ السُّنَّةِ؟ ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا أَحْمَدَ وَفِي إسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «ثُمَّ احْسِمُوهُ» ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَسْمَ وَاجِبٌ، أَيْ يُكْوَى مَحَلُّ الْقَطْعِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَثَمَنُ الدُّهْنِ وَأُجْرَةُ الْقَطْعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ مِنْ مَالِ السَّارِقِ.

قَوْلُهُ: (فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيقِ يَدِ السَّارِقِ فِي عُنُقِهِ لأَنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الزَّجْرِ مَا لا مَزِيدَ عَلَيْهِ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّارِقِ يُوهَبُ السَّرِقَةُ
بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالشَّفْعِ فِيهِ

4094- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرُو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَعَافَوْا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.
4095- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلا الْحُدُودَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ - رضي الله عنه - لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ، فَقَالَ: لا، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إذَا بَلَغْت بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ.

4096- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ. قَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(2/399)


قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُعَافَاةِ فِي الْحُدُودِ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الإِمَامِ لا بَعْدَهُ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ إقَالَةَ أَرْبَابِ الْهَيْئَاتِ إنْ وَقَعَتْ مِنْهُمْ الزَّلَّةُ نَادِرًا. قَالَ الشَّارِحُ: وَذَوِي الْهَيْئَاتِ الَّذِينَ يُقَالُونَ عَثَرَاتِهِمْ الَّذِينَ لَيْسُوا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلَّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «إلا الْحُدُودَ» أَيْ فَإِنَّهَا لا تُقَالُ بَلْ تُقَامُ عَلَى ذِي الْهَيْئَةِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الإِمَامِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيُسْتَحَبُّ السَّتْرُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» . انْتَهَى مُلَخَّصًا. بَابُ تَفْسِيرِ الْحِرْزِ قَالَ: كُنْت نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي فَسُرِقَتْ فَأَخَذْنَا السَّارِقَ فَرَفَعْنَاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقُلْت: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَفِي خَمِيصَةٍ ثَمَنُ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا؟ أَنَا أَهَبُهَا لَهُ أَوْ أَبِيعُهَا لَهُ قَالَ: «فَهَلا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» ؟ فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.

بَابٌ فِي حَدِّ الْقَطْعِ وَغَيْرِهِ هَلْ يُسْتَوْفَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْ لا؟

4097- عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ: أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا يَسْرِقُ فِي الْغَزْوِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ وَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْقَطْعِ فِي الْغَزْوِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْهُ الْمَرْفُوعُ.

4098- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «جَاهِدُوا النَّاسَ فِي اللَّهِ، الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، وَلا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَأَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ» . رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ عُبَادَةَ يَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ عُمُومَاتُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِطْلاقَاتُهُمَا لِعَدَمِ الْفَرْقِ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ، وَلا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لأَنَّ حَدِيثَ بُسْرٍ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ، وَبَيَانُهُ أَنَّ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْغَزْوِ، وَأَيْضًا حَدِيثُ بُسْرٍ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ فِي عُمُومِ الْحَدِّ. انْتَهَى.

(2/400)