بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ
بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْجِهَاد وَفَضْل الشَّهَادَة وَالرِّبَاط
وَالْحَرَس
4173- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّه خَيْرٌ مِنْ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.
4174- وَعَنْ أَبِي عَبْسٍ الْحَارِثِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ... «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ
اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
4175- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ
عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرُبَتْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَالنَّسَائِيُّ.
4176- وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.
4177- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ
الْجَنَّةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
4178- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
4179- وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
4180- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي
(2/427)
سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا
وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ
مِنْ
الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ أَوْ
الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
4181- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فُوَاقَ
نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ
اللهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً، فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ لَوْنُهَا الزَّعْفَرَانُ وَرِيحُهَا كالْمِسْكُ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4182- وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ
أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِابْنِ مَاجَةْ مَعْنَاهُ.
4183- وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ
شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ
يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
4184- وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: ... «حَرْسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ
أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ يُقَامِ لَيْلِهَا وَيُصَامِ نَهَارِهَا» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4185- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: «عَيْنَانِ لا تَمَسَّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ
خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
4186- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ
فِينَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ لَمَّا نَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة
والسلام وَأَظْهَرَ الإِسْلامَ، قُلْنَا هَلْ نُقِيمُ فِي أَمْوَالِنَا
وَنُصْلِحُهَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {أَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ
وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ} . فَالإِلْقَاءُ بِأَيْدِينَا إلَى التَّهْلُكَة أَنْ
نُقِيمَ فِي أَمْوَالنَا وَنُصْلِحَهَا وَنَدَعَ الْجِهَادَ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
4187- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«جَاهِدُوا
(2/428)
الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فُوَاقَ نَاقَةٍ»
هُوَ قَدْرُ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ مِنْ الِاسْتِرَاحَةِ.
قَوْلُهُ: (الإِلْقَاءُ بِأَيْدِينَا إلَى التَّهْلُكَة أَنْ نُقِيمَ فِي
أَمْوَالنَا) إلى آخره، هَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ
الآيَةُ لأنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلنَّهْيِ لِكُلِّ أَحَدٍ مَنْ كُلِّ مَا
يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الإِلْقَاءِ بِالنَّفْسِ إلَى
التَّهْلُكَةِ وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ
السَّبَبِ، فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ الَّتِي قَالَ النَّاسُ
إنَّهَا مِنْ بَابِ الإِلْقَاءِ مِنْ صُوَرِ الإِلْقَاءِ لُغَةً أَوْ
شَرْعًا فَلا شَكَّ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ عُمُومِ الآيَةِ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
قال الحافظ: حمل الواحد على العدد الكثير إن كان لفرط شجاعته فهو حسن، ومتى
كان مجرد تهور فممنوع. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَاب أَنَّ الْجِهَاد فَرْض كِفَايَة وَأَنَّهُ شُرِعَ مَعَ كُلّ بَرٍّ
وَفَاجِر
4188- عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: {إِلاَّ تَنفِرُواْ
يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} و {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ}
إلَى قَوْلِهِ: {يَعْمَلُونَ} ، نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
4189- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ
الأجْرُ وَالْمَغْنَمُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ.
4190- وَلأحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ
الْبَجَلِيِّ مِثْلُهُ.
وَفِيهِ مُسْتَدَلٌّ بِعُمُومِهِ عَلَى الإِسْهَامِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ
الْخَيْلِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ الإِسْهَامِ لِبَقِيَّةِ
الدَّوَابِّ.
4191- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«ثَلاثٌ مِنْ أَصْلِ الإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لا إلَهَ إِلا
اللهُ لا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ وَلا نُخْرِجُهُ مِنْ الإِسْلامِ بِعَمَلٍ،
وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنذ بَعَثَنِي اللهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ
أُمَّتِي الدَّجَّالَ لا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلا عَدْلُ عَادِلٍ،
وَالإِيمَانُ بِالأقْدَارِ» .
(2/429)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَكَاهُ أَحْمَدُ
فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ.
قَوْلُهُ: (نَسَخَتْهَا الآيَةُ) {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً} قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ
وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لا نَسْخَ بَلْ
الْمَرْجِعُ إلَى يقين الإِمَامِ وَإِلَى الْحَاجَةِ.
بَاب مَا جَاءَ فِي إخْلاص النِّيَّة فِي الْجِهَاد
وَأَخْذ الأجْرَة عَلَيْهِ وَالإِعَانَة
4192- عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ
رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ
لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
4193- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ
اللهِ فَيُصِيبُونَ غَنِيمَةً إِلا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ فِي
الآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً
تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ
وَالتِّرْمِذِيَّ.
4194- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ
الأجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «لا شَيْءَ لَهُ»
فَأَعَادَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «لا شَيْءَ لَهُ» . ثُمَّ قَالَ: «إنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنْ
الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
4195- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَيْهِ رَجُلٌ اُسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ
فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلَتْ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى
اُسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنْ قَاتَلْتَ لأنْ يُقَالَ جَرِيءٌ
فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يُلْقَى
فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ
الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا
عَمِلْت فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ
فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّك تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ
لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ
قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي
(2/430)
النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ
وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ
نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ فَمَا عَمِلْت فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ
مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَك،
قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْت لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ
قِيلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ فَأُلْقِيَ فِي
النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4196- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ الأمْصَارُ، وَسَتَكُونُونَ
جُنُودًا مُجَنَّدَةً يُقْطَعُ عَلَيْكُمْ بُعُوثٌ فَيَكْرَهُ الرَّجُلُ
مِنْكُمْ الْبَعْثَ فِيهَا فَيَتَخَلَّصُ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ يَتَصَفَّحُ
الْقَبَائِلَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ: مَنْ أَكْفِيهِ بَعْثَ
كَذَا، مَنْ أَكْفِيهِ بَعْثَ كَذَا، أَلا وَذَلِكَ الأجِيرُ إلَى آخِرِ
قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4197- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لِلْغَازِي أَجْرُهُ وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ
الْغَازِي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4198- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا،
وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ
فِي سَبِيلِ اللهِ» قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ
إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ الأوَّلُ قَصْدَ إعْلاءِ كَلِمَةِ
اللهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا يَنْضَافُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ» . إلى آخره، قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ
اللهُ تَعَالَى: وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَ
الطَّاعَاتِ الْعَظِيمَةِ مَعَ سُوءِ النِّيَّةِ مِنْ أَعْظَمِ الْوَبَالِ
عَلَى فَاعِلِهِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ صَلاحَ النِّيَّةِ وَخُلُوصَ
الطَّوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: «أَلا وَذَلِكَ الأجِيرُ إلَى آخِرِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ» قَالَ
الشَّارِح: أَيْ لا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ دَمِهِ شَيْءٌ، بَلْ
فِي سَبِيلِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الأجْرَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْغَزْوِ
مَعَ قَوْمِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِ قَوْمِهِ
مِمَّنْ طُلِبُوا إلَى الْغَزْوِ لِيَكُونَ عِوَضًا عَنْ أَحَدِهِمْ
بِالأجْرَةِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ:
مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي
(2/431)
الأجْرِ. ثُمَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: «كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا
يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» .
بَاب اسْتِئْذَان الأبَوَيْنِ فِي الْجِهَاد
4199- بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى
وَقْتِهَا» . قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟، قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» . قُلْت:
ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» . حَدَّثَنِي بِهِنَّ،
وَلَوْ اسْتَزَدْته لَزَادَنِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4200- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِي
الْجِهَادِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
«فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4201- وَفِي رِوَايَةٍ: أَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - إِنِّي جِئْت أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ، وَلَقَدْ
أَتَيْت وَإِنَّ وَالِدَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: «فَارْجِعْ إلَيْهِمَا
فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَةْ.
4202- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً هَاجَرَ إلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْيَمَنِ. فَقَالَ: «هَلْ لَك
أَحَدٌ بِالْيَمَنِ» ؟ فَقَالَ أَبَوَايَ فَقَالَ: «أَذِنَا لَك» ؟ قَالَ:
لا قَالَ: «ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَك
فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4203- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيُّ أَنَّ جَاهِمَةَ
السُّلَمِيُّ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُك أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: «هَلْ
لَك مِنْ أُمٍّ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ
عِنْدَ رِجْلَيْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَإِذَا
تَعَيَّنَ فَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ.
4204- وَ: «لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَإِنْ أَذِنَا
فَجَاهِدْ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
(2/432)
يَجِبُ اسْتِئْذَانُ الأبَوَيْنِ فِي
الْجِهَادِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُور، وَجَزَمُوا بِتَحْرِيمِ
الْجِهَادِ إذَا مَنَعَ مِنْهُ الأبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لأنَّ
بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا
تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلا إذْنَ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ
بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، نَعَمْ إنْ كَانَ سَفَرُهُ لِتَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ
فَلا مَنْعَ، وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَفِيهِ خِلافٌ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
بَاب لا يُجَاهِد مَنْ عَلَيْهِ دَيْن إِلا بِرِضَا غَرِيمه
4205- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ
وَالإِيمَانَ بِاَللَّهِ أَفْضَلُ الأعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْت إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللهِ تُكَفَّرُ عَنِّي
خَطَايَايَ؟ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ
إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ
غَيْرُ مُدْبِرٍ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«كَيْفَ قُلْت» ؟ قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللَّه
تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ
إِلا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4206- وَلأحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.
4207- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَغْفِرُ لِلشَّهِيدِ كُلَّ
ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4208- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ
خَطِيئَةٍ» . فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِلا الدَّيْنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «إِلا الدَّيْنَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ
بِأَحَادِيثِ الْبَاب عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ
أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجِهَادِ إِلا بِإِذْنِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ.
(2/433)
بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِعَانَة
بِالْمُشْرِكِينَ
4209- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ
أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ،
فَفَرِحَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ
رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ: جِئْت لأتْبَعَك وَأُصِيبَ مَعَك
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَرَسُولِهِ» ؟ قَالَ: لا، قَالَ: ... «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ
بِمُشْرِكٍ» . قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إذَا كَانَ بِالشَّجَرَةِ
أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ،
فَقَالَ: لا، قَالَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» . قَالَ:
ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ
أَوَّلَ مَرَّةٍ: «تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ،
فَقَالَ لَهُ: «فَانْطَلِقْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4210- وَعَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: أَتَيْت ... النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُرِيدُ
غَزْوًا - أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَلَمْ نُسْلِمْ، فَقُلْنَا: إنَّا
نَسْتَحِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ،
فَقَالَ: «أَسْلَمْتُمَا» ؟ فَقُلْنَا: لا، قَالَ: «فَإنَّا لا نَسْتَعِينُ
بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» . فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا
مَعَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4211- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَلا
تَنْقُشُوا عَلَى خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ.
4212- وَعَنْ ذِي مِخْبَرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: «سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا تَغْزُونَ أَنْتُمْ
وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4213- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ فِي خَيْبَرَ فِي حَرْبِهِ فَأَسْهَمَ
لَهُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ.
قَوْلُهُ: «وَلا تَنْقُشُوا عَلَى خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا» . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَيْ لا
تَنْقُشُوا (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) كَأَنَّهُ قَالَ: نَبِيًّا
عَرَبِيًّا، يَعْنِي نَفْسَهُ.
(2/434)
قَوْلُهُ: «اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ
الْيَهُودِ» إلى آخره. قال البيهقي: وَالصَّحِيحُ مَا أَخْبَرَنَا
الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ. فَسَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى
إذَا خَلَفَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ إذَا كَتِيبَةٌ، قَالَ: «مَنْ هَؤُلاءِ»
؟ قَالُوا: بَنُو قَيْنُقَاعِ رَهْطُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ:
«أَوْ تُسْلِمُوا» ؟ قَالُوا: لا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا. وَقَالَ:
«إنَّا لا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ» . فَأَسْلَمُوا. قَالَ الْحَافِظُ
أَقْرَب الأوجه أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً ثُمَّ رُخِّصَ
فِيهَا.
بَاب مَا جَاءَ فِي مُشَاوَرَة الإِمَام الْجَيْش وَنُصْحه لَهُمْ
وَرِفْقه بِهِمْ وَأَخْذهمْ بِمَا عَلَيْهِمْ
4214- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - شَاوَرَ -
حِينَ بَلَغَهُ إقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ - فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ
سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: إيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ
لأخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إلَى بِرْكِ
الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - النَّاسَ فَانْطَلَقُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4215- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ كَانَ
أَكْثَرَ مَشُورَةً لأصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ.
4216- وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً
يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ
عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4217- وَفِي لَفْظٍ: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ،
ثُمَّ لا يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَلا يَنْصَحُ لَهُمْ إِلا لَمْ يَدْخُلْ
الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
4218- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا
فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ
أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ.
4219- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ فَيُزْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو
لَهُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(2/435)
4220- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
غَزْوَةَ كَذَا وَكَذَا، فَضَيَّقَ النَّاسُ الطَّرِيقَ، فَبَعَثَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنَادِيًا فَنَادَى: «مَنْ ضَيَّقَ
مَنْزِلًا، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلا جِهَادَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَا رَأَيْت أَحَدًا
قَطُّ» إلى آخره. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلإِمَامِ أَنْ
يَسْتَكْثِرَ مِنْ اسْتِشَارَةِ أَصْحَابِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ دِينًا
وَعَقْلاً.
قَوْلُهُ: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا
يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَلا يَنْصَحُ لَهُمْ إِلا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ»
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ،
فَمَنْ ضَيَّعَ مَنْ اسْتَرْعَاهُ اللهُ أَوْ خَانَهُمْ أَوْ ظَلَمَهُمْ
فَقَدْ تَوَجَّهَ إلَيْهِ الطَّلَبُ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى التَّحَلُّلِ مِنْ ظُلْمِ أُمَّةٍ
عَظِيمَةٍ.
قَوْلُهُ: «مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلا جِهَادَ
لَهُ» . فِيهِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لأحَدٍ تَضْيِيقُ الطَّرِيقِ الَّتِي
يَمُرُّ بِهَا النَّاسُ، وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ تَضْيِيقُ الْمَنَازِل.
بَاب لُزُوم طَاعَة الْجَيْش لأمِيرِهِمْ مَا لَمْ يَأْمُر بِمَعْصِيَة
4221- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «الْغَزْوُ غَزْوَانٍ: فَأَمَّا مَنْ ابْتَغَى وَجْهَ اللهِ،
وَأَطَاعَ الإِمَامَ، وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ، وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ،
وَاجْتَنَبَ الْفَسَادَ، فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ،
وَأَمَّا مَنْ غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَسُمْعَةً وَعَصَى الإِمَامَ،
وَأَفْسَدَ فِي الأرْضِ فَإِنَّهُ لَنْ يَرْجِعَ بِالْكَفَافِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
4222- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ
عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعْ الأمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ
الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4223- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} . قَالَ: نَزَلَتْ فِي
عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، بَعَثَهُ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ.
(2/436)
4224- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَ
رَسُولُ اللهِ سَرِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنْ الأنْصَارِ
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا فَعَصَوْهُ فِي شَيْءٍ:
فَقَالَ: اجْمَعُوا ... لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا
نَارًا فَأَوْقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ:
فَادْخُلُوهَا، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: إنَّمَا
فَرَرْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ النَّارِ،
فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتْ النَّارُ، فَلَمَّا
رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ
يَخْرُجُوا مِنْهَا أَبَدًا» وَقَالَ: «لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ،
إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا طَاعَةَ فِي
مَعْصِيَةِ اللهِ» أَيْ لا تَجِبُ، بَلْ تَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَ
قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ.
وَقَوْلُهُ: «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» فِيهِ بَيَانُ مَا
يُطَاعُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ أُولِي الأمْرِ، وَهُوَ الأمْرُ
الْمَعْرُوفُ لا مَا كَانَ مُنْكَرًا.
بَاب الدَّعْوَة قَبْلَ الْقِتَال
4225- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا قَاتَلَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْمًا قَطُّ إِلا دَعَاهُمْ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4226- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ
أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَبِمَنْ مَعَهُ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اُغْزُوا بِسْمِ اللهِ فِي
سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا وَلا تَغُلُّوا
وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا
لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ -
أَوْ خِلالٍ - فَأَيَّتَهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ
عَنْهُمْ، اُدْعُهُمْ إلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ
مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ
دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ
فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى
الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي
عَلَيْهِمْ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي
الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ إِلا أَنْ
(2/437)
يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ
هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ
وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ
وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ
فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلا
تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّه وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ
لَهُمْ ذِمَّتَك وَذِمَّةَ أَصْحَابِك، فَإِنَّكُمْ إنْ تُخْفِرُوا
ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا
ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ
وَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ فَلا تُنْزِلْهُمْ عَلَى
حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك، فَإِنَّك لا تَدْرِي
أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّه أَمْ لا» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ لا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ
الْكِتَابِ، وَأَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، بَلْ الْحَقُّ
عِنْدَ اللهِ وَاحِدٌ، وَفِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ وَمِنْ
التَّمْثِيلِ.
4227- وَعَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ
أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي وَمُدْبِرِهِمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَلَمَّا
وَلَّيْت دَعَانِي، فَقَالَ: «لا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى
الإِسْلامِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4228- وَعَنْ ابْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَتَبْت إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ
الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَكَتَبَ إلَيَّ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي
أَوَّلِ الإِسْلامِ، وَقَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى
الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَصَابَ
يَوْمَئِذٍ جَوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللهِ
بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ.
4229- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيٌّ» ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ
يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ
فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ:
نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: «عَلَى
رِسْلِك حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الإِسْلامِ
وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاَللَّهِ لأنْ يَهْتَدِيَ
بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
(2/438)
4230- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا مِنْ
الأنْصَارِ إلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ
بَيْتَهُ لَيْلًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ نَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَادْعُهُمْ إلَى
الإِسْلامِ» وَقَعَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ: «ثُمَّ اُدْعُهُمْ» قَالَ
عِيَاضٌ: الصَّوَابُ إسْقَاطُ (ثُمَّ) ، وَقَدْ أَسْقَطَهَا أَبُو عُبَيْدٍ
فِي كِتَابِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ دُعَاءِ الْكُفَّارِ إلَى الإِسْلامِ قَبْلَ
الْمُقَاتَلَةِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاثَةُ مَذَاهِبَ، إلى أنْ قَالَ:
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجِبُ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغهُمْ الدَّعْوَةُ وَلا
يَجِبُ إنْ بَلَغَتْهُمْ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ:
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الأحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ عَلَى مَعْنَاهُ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ
اخْتِلافُ مِنْ الأحَادِيثِ.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ» فِيهِ تَرْغِيبُ
الْكُفَّارِ بَعْدَ إجَابَتِهِمْ وَإِسْلامِهِمْ إلَى الْهِجْرَةِ إلَى
دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، لأنَّ الْوُقُوفَ بِالْبَادِيَةِ رُبَّمَا كَانَ
سَبَبًا لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ لِقِلَّةِ مَنْ فِيهَا مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَوْلُهُ: «وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلا
أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ» ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لا
يَسْتَحِقُّ مَنْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ وَلَمْ يُهَاجِرْ نَصِيبًا فِي
الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يُجَاهِدْ، وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ.
قَوْلُهُ: «فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ» ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ
الْكَافِرِ وَالْعَجَمِيِّ وَالْعَرَبِيِّ وَالْكِتَابِيِّ وَغَيْرِ
الْكِتَابِيِّ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالأوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ
مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ. وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: لا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ
إِلا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمَجُوس عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا.
قَوْلُهُ: «فَلا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ» . إلَى آخره هَذَا
النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَكَذَلِكَ
الَّذِي قَبْلَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ الْحَقَّ مَعَ
وَاحِدٍ، وَأَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، وَالْخِلافُ فِي
الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ مِنْ
الصَّوَابِ لا مِنْ الإِصَابَةِ.
(2/439)
بَاب مَا يَفْعَلهُ الإِمَام إذَا أَرَادَ
الْغَزْو
مِنْ كِتْمَان حَاله وَالتَّطَلُّع إلَى حَالَ عَدُوِّهِ
4231- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
4232- وَهُوَ لأبِي دَاوُد، وَزَادَ «وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ» .
4233- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» .
4234- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم -: الْحَرْبَ خُدْعَةً.
4235- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ» ؟ - يَوْمَ الأحْزَابِ - قَالَ
الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ» ؟
قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِنَّ.
4236- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
بُسْبَسًا عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ. فجاء
فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَتَكَلَّمَ فَقَالَ: «إنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا
فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا» . فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ
فِي ظَهْرِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «لا، إِلا مَنْ كَانَ
ظَهْرُهُ حَاضِرًا» فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إلَى بَدْرٍ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «خُدْعَةٌ» بِفَتْحِ
الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا مَعَ سُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ
وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّ الأولَى أَفْصَحُ قَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ
الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كَيْفَ مَا أَمْكَنَ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِيهِ
نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ فَلا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: فَقَالَ: «إنَّ لَنَا طَلِبَةً» بِكَسْرِ اللَّامِ كَمَا فِي
الْقَامُوسِ. وَفِي النِّهَايَةِ: الطِّلَبَةُ: الْحَاجَةُ، هَذَا فِيهِ
إبْهَامٌ لِلْمَقْصُودِ.
(2/440)
بَاب تَرْتِيب السَّرَايَا وَالْجُيُوش
وَاِتِّخَاذ الرَّايَات وَأَلْوَانهَا
4237- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ
السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلافٍ، وَلا
تُغْلَبُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي
أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - مُرْسَلًا.
وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَيْشَ إذَا كَانَ اثْنيْ
عَشَرَ أَلْفًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفِرَّ مِنْ أَمْثَالِهِ وَأَضْعَافِهِ
وَإِنْ كَثُرُوا.
4238- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَةْ.
4239- وَعَنْ سِمَاكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ
قَالَ: رَأَيْتُ رَايَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَفْرَاءَ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4240- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ
مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَحْمَدَ.
4241- وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانٍ الْبَكْرِيِّ قَالَ: قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى
الْمِنْبَرِ وَبِلالٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَقَلِّدٌ بِالسَّيْفِ،
وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، فَسَأَلْت: مَا هَذِهِ الرَّايَاتُ؟ فَقَالُوا:
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ
مَاجَةْ.
4242- وَفِي لَفْظٍ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا
هُوَ غَاصٌّ بِالنَّاسِ، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، وَإِذَا بِلالٌ
مُتَقَلِّدٌ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-، قُلْت: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو
بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
4243- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَايَةِ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا كَانَتْ؟ قَالَ: كَانَتْ سَوْدَاءَ
مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَوْلُهُ: (كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سَوْدَاءُ)
وَعِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ: كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى رَايَةِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - لا إلَهَ إلا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.
(2/441)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
اللِّوَاءُ بِكَسْرِ اللامِ وَالْمَدِّ هُوَ الرَّايَةُ وَيُسَمَّى أَيْضًا
الْعَلَمَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اللِّوَاءُ غَيْرُ
الرَّايَةِ، فَاللِّوَاءُ مَا يُعْقَدُ فِي طَرَفِ الرُّمْحِ وَيُلْوَى
عَلَيْهِ، وَالرَّايَةُ مَا يُعْقَدُ فِيهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى تُصَفِّقَهُ
الرِّيَاحُ. وَقِيلَ: اللِّوَاءُ دُونَ الرَّايَةِ.
بَاب مَا جَاءَ فِي تَشْيِيع الْغَازِي وَاسْتِقْبَاله
4244- عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «لأنْ أُشَيِّعَ غَازِيًا فَأَكْفِيَهُ
فِي رَحْلَهُ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا
فِيهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
4245- وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ خَرَجَ النَّاسُ
يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ السَّائِبُ: فَخَرَجْت
مَعَ النَّاسِ وَأَنَا غُلامٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ، وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوَهُ.
4246- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ ثُمَّ قَالَ:
«انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللهِ» . وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ» .
يَعْنِي النَّفَرَ الَّذِينَ وَجَّهَهُمْ إلَى كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (التَّشْيِيعُ) :
الْخُرُوجُ مَعَ الْمُسَافِرِ لِتَوْدِيعِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ الآخر
دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَلَقِّي الْغَازِي إلَى خَارِجِ الْبَلَدِ
لِمَا فِي الِاتِّصَال بِهِ مِنْ الْبَرَكَةِ. انْتَهَى ملخصًا.
بَاب اسْتِصْحَاب النِّسَاء لِمَصْلَحَةِ الْمَرْضَى وَالْجَرْحَى
وَالْخِدْمَة
4247- عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ
وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إلَى الْمَدِينَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
4248- وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: غَزَوْتُ مَعَ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي
رِحَالِهِمْ وَأَصْنَعُ لَهُمْ الطَّعَامَ وَأُدَاوِي
(2/442)
الْجَرْحَى وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ.
4249- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنْ الأنْصَارِ يَسْقِينَ
الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
4250- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ نَرَى
الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لَكِنْ أَفْضَلُ
الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُا: (وَأُدَاوِي
الْجَرْحَى) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ
الأجْنَبِيَّةِ مُعَالَجَةُ الرَّجُلِ الأجْنَبِيِّ لِلضَّرُورَةِ.
بَاب الأوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا الْخُرُوج
إلَى الْغَزْو وَالنُّهُوض إلَى الْقِتَال
4251- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
خَرَجَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ
يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4252- وَعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله
عليه وسلم - «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» . قَالَ:
فَكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ
النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ
تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيّ.
4253- وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - كَانَ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ
الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلَ
النَّصْرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمذي وَصَحَّحَهُ.
4254- وَالْبُخَارِيُّ وَقَالَ: انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأرْوَاحُ
وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ.
4255- وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يَنْهَضَ إلَى عَدُوِّهِ عِنْدَ زَوَالِ
الشَّمْسِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(2/443)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَكَوْنُهُ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْخُرُوجَ يَوْمَ
الْخَمِيسِ لا يَسْتَلْزِمُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ مَانِعٍ
مِنْهُ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ لِحَجَّةِ
الْوَدَاعِ يَوْمَ السَّبْتِ قَالَ الشَّارِح: وَحَدِيثُ صَخْرٍ
الْمَذْكُورُ فِيهِ التَّبْكِيرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِيَوْمٍ مَخْصُوصٍ
سَوَاءٌ كَانَ
ذَلِكَ فِي سَفَرِ جِهَادٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ فِي الْخُرُوجِ
إلَى عَمَلٍ مِنْ الأعْمَالِ وَلَوْ فِي الْحَضَرِ.
بَابُ تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ وَجَعْلِ سِيمَاهُ
وَشِعَارٍ يُعْرَفُ وَكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ
4256- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: صَفَفْنَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَدَرَتْ
مِنَّا بَادِرَةٌ أَمَامَ الصَّفِّ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَقَالَ: «مَعِي مَعِي» .
4257- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- كَانَ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ.
رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
4258- وَعَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنْ بَيَّتَكُمْ الْعَدُوُّ فَقُولُوا:
حم لا يُنْصَرُونَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
4259- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ الْعَدُوَّ غَدًا فَإِنَّ
شِعَارَكُمْ حم لا يُنْصَرُونَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4260- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ
- زَمَنَ ... رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ شِعَارُنَا:
أَمِتْ أَمِتْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4261- وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ
النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عِنْدَ الْقِتَالِ.
4262- وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - بِمِثْلِ ذَلِكَ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «حم لا يُنْصَرُونَ»
هَذَا اللَّفْظُ فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِعَدَمِ انْتِصَارِ الْخَصْمِ مَعَ
حُصُولِ الْغَرَضِ بِالشِّعَارِ وَهُوَ الْعَلامَةُ فِي الْحَرْبِ.
(2/444)
قَوْلُهُ: (أَمِتْ أَمِتْ) أَمْرٌ
بِالْمَوْتِ، وَفِيهِ التَّفَاؤُلُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ. وَفِي لَفْظٍ: (يَا
مَنْصُورُ أَمِتْ أَمِتْ) .
قَوْلُهُ: (يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عِنْدَ الْقِتَالِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ حَالَ الْقِتَالِ وَكَثْرَةَ اللَّغَطِ
وَالصُّرَاخِ مَكْرُوهَةٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَ كَرَاهَتِهِمْ لِذَلِكَ أَنَّ
التَّصْوِيتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رُبَّمَا كَانَ مُشْعِرًا بِالْفَزَعِ
وَالْفَشَلِ بِخِلافِ الصَّمْتِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ الثَّبَاتِ وَرِبَاطِ
الْجَأْشِ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الْخُيَلاءِ فِي الْحَرْبِ
4263- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللهُ، وَمِنْ الْغَيْرَةِ مَا
يَبْغُضُ اللهُ، وَإِنَّ مِنْ الْخُيَلاءِ مَا يُحِبُّ اللهُ، وَمِنْهَا
مَا يَبْغُضُ اللهُ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ
فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُ اللهُ
فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ الرِّيبَةِ، وَالْخُيَلاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللهُ
فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَاخْتِيَالُهُ
عِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَالْخُيَلاءُ الَّتِي يُبْغِضُ اللهُ فَاخْتِيَالُ
الرَّجُلِ فِي الْفَخْرِ وَالْبَغْيِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ.
قَوْلُهُ: «فَالْغَيْرَة فِي الرِّيبَةِ» نَحْوُ أَنْ يغار الرَّجُلُ عَلَى
مَحَارِمِهِ إذَا رَأَى مِنْهُمْ فِعْلاً مُحَرَّمًا. وَأَمَّا الْغَيْرَةُ
فِي غَيْرِ الرِّيبَةِ فَنَحْوُ أَنْ يَغْتَارَ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ
أَنْ يَنْكِحَهَا زَوْجُهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَحَارِمِهِ، فَإِنَّ هَذَا
مِمَّا يَبْغُضُهُ اللهُ تَعَالَى، لأنَّ مَا أَحَلَّهُ اللهُ تَعَالَى
فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا الرِّضَا بِهِ، فَإِنْ لَمْ نَرْضَ بِهِ، كَانَ
ذَلِكَ مِنْ إيثَارِ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللهُ
لَنَا.
بَابُ الْكَفِّ وَقْتَ الإِغَارَةِ عَمَّنْ عِنْدَهُ شِعَارُ الإِسْلامِ
4264- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا
غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغْزُ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِن سَمِعَ أَذَانًا
أَمْسَكَ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
(2/445)
4265- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يُغِيرُ إذَا
طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا
أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ، وَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ،
اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى
الْفِطْرَةِ» . ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إِلا اللهُ فَقَالَ:
«خَرَجْتَ مِنْ النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
4266- وَعَنْ عِصَامٍ الْمُزَنِيّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا بَعَثَ السَّرِيَّةَ يَقُولُ: «إذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ
سَمِعْتُمْ مُنَادِيًا فَلا تَقْتُلُوا أَحَدًا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
إِلا النَّسَائِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَإِذَا لَمْ
يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ مَنْ
بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الْحُكْمِ بِالدَّلِيلِ لِكَوْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - كَفَّ عَنْ
الْقِتَالِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الأذَانِ. وَفِيهِ الأخْذُ بِالأحْوَطِ فِي
أَمْرِ الدِّمَاءِ لأنَّهُ كَفَّ عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَعَ
احْتِمَالِ أَنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
قَوْلُهُ: «خَرَجْتَ مِنْ النَّارِ» هُوَ نَحْوُ الأدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ
بِأَنَّ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهِيَ
مُطْلَقَةٌ مقيدة بِعَدَمِ الْمَانِعِ جَمْعًا بَيْنَ الأدِلَّةِ.
بَابُ جَوَازِ تَبْيِيتِ الْكُفَّارِ وَرَمْيِهِمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَإِنْ
أَدَّى
إلَى قَتْلِ ذَرَارِيِّهِمْ تَبَعًا
4267- عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ
فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، ثُمَّ قَالَ: «هُمْ
مِنْهُمْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا النَّسَائِيّ.
4268- وَزَادَ أَبُو دَاوُد قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
4269- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قَالَ: بَيَّتْنَا هَوَازِنَ مَعَ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4270- وَعَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ
(2/446)
الطَّائِفِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
هَكَذَا مُرْسَلاً.
بَابُ الْكَفِّ عَنْ قَصْدِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرُّهْبَانِ
وَالشَّيْخِ الْفَانِي بِالْقَتْلِ
4271- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: وُجِدَتْ امْرَأَةٌ
مَقْتُولَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
فَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا النَّسَائِيّ.
4272- وَعَنْ رِيَاحِ بْنِ رَبِيعٍ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرَّ رِيَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتْ الْمُقَدِّمَةُ،
فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهَا - يَعْنِي وَهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ
خَلْقِهَا - حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى
رَاحِلَتِهِ فَأَفْرَجُوا عَنْهَا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ» . فَقَالَ
لأحَدِهِمْ: «الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ: لا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلا
عَسِيفًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4273- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ وَبِاَللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - لا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلاً
صَغِيرًا، وَلا امْرَأَةً، وَلا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ
وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد.
4274- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: «اُخْرُجُوا بِاسْمِ اللهِ تَعَالَى،
تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَنْ كَفَرَ بِاَللهِ، لا تَغْدِرُوا، وَلا
تَغُلُّوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا
أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» .
4275- وَعَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَعَثَ إلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِخَيْبَرَ
- نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
4276- وَعَنْ الأسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لا تَقْتُلُوا الذُّرِّيَّةَ فِي الْحَرْبِ» .
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَلَيْسَ هُمْ أَوْلادَ الْمُشْرِكِينَ؟ ،
قَالَ: «أَوَلَيْسَ خِيَارُكُمْ أَوْلادَ الْمُشْرِكِينَ» . رَوَاهُنَّ
أَحْمَدُ.
(2/447)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: «وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا
يَجُوزُ قَتْلُ مَنْ كَانَ مُتَخَلِّيًا لِلْعِبَادَةِ مِنْ الْكُفَّارِ
كَالرُّهْبَانِ لإِعْرَاضِهِ عَنْ ضَرِّ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَاسُ عَلَى
ذَلِكَ مَنْ كَانَ مُقْعَدًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّنْ كَانَ
لا يُرْجَى نَفْعُهُ وَلا ضَرُّهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَاب الْكَفّ عَنْ الْمُثْلَةِ وَالتَّحْرِيقِ وَقَطْعِ الشَّجَرِ وَهَدْمِ
الْعُمْرَانِ إِلا لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ
4277- عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ: «سِيرُوا بِاسْمِ اللهِ وَفِي
سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللهِ، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا
تَغْدِرُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ
مَاجَةْ.
4278- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - فِي بَعْثٍ فَقَالَ: «إنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا وَفُلانًا -
لِرَجُلَيْنِ - فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ» . ثُمَّ قَالَ حِينَ
أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: «إنِّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلانًا
وَفُلانًا، وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا
إلا اللهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيق - رضي الله عنه
- بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ يَزِيدُ أَمِيرَ رُبُعٍ مِنْ تِلْكَ الأرْبَاعِ،
فَقَالَ: إنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرِ خِلالٍ: لا تَقْتُلْ امْرَأَةً، وَلا
صَبِيًّا، وَلا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلا تَقْطَعْ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلا
تُخَرِّبْ عَامِرًا، وَلا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلا بَعِيرًا إلا
لِمَأْكَلَةٍ، وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلاً وَلا تُحَرِّقْهُ وَلا تَغْلُلْ،
وَلا تَجْبُنْ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ عَنْهُ.
4279- وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «أَلا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ» ؟ قَالَ:
فَانْطَلَقْت فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا
أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا فِي الْيَمَنِ
لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ فِيهِ نُصُبٌ يُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ كَعْبَةُ
الْيَمَانِيَةِ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا،
ثُمَّ بَعَثَ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ يُكَنَّى أَبَا أَرْطَاةَ إلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُهُ
(2/448)
بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْت حَتَّى
تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4280- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ. وَلَهَا
يَقُولُ حَسَّانٌ:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ
مُسْتَطِيرُ
وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا}
الآيَةُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ الشِّعْرَ.
4281- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا أُبْنَى فَقَالَ: «ائْتِهَا
صَبَاحًا ثُمَّ حَرِّقْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَةْ. وَفِي إسْنَادِه صَالِحِ بْنِ أَبِي الأخْضَرِ، قَالَ
الْبُخَارِيُّ: هُوَ لَيِّنٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ
فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ فِي بِلادِ الْعَدُوِّ. قَالَ
فِي الْفَتْحِ: ذَهَبَ الْجُمْهُورِ إلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ
وَالتَّخْرِيبِ فِي بِلادِ الْعَدُوِّ، وَكَرِهَهُ الأوْزَاعِيُّ
وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجُّوا بِوَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ.
وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَصْدِ
لِذَلِكَ بِخِلافِ مَا إذَا أَصَابُوا ذَلِكَ فِي حَالِ الْقِتَالِ
وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
بَابُ تَحْرِيمِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ إذَا لَمْ يَزِدْ الْعَدُوُّ
عَلَى ضِعْفِ
الْمُسْلِمِينَ إِلا الْمُتَحَيِّزَ إلَى فِئَةٍ وَإِنْ بَعُدَتْ
4282- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» . قَالُوا: وَمَا هُنَّ يَا
رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ
النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا،
وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ
الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4283- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ: {إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ، فَكَتَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ
لا يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَزَلَتْ:
(2/449)
.. {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ} الآيَةَ،
فَكَتَبَ أَنْ لا تَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَبُو دَاوُد.
4284- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً،
وَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنْ
الزَّحْفِ، وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ، ثُمَّ قُلْنَا لَوْ دَخَلْنَا
الْمَدِينَةَ فَبِتْنَا، ثُمَّ قُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا
نُفُوسَنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنْ كَانَتْ
لَنَا تَوْبَةٌ، وَإِلا ذَهَبْنَا، فَأَتَيْنَاهُ قَبْلَ صَلاةِ
الْغَدَاةِ، فَخَرَجَ فَقَالَ: «مَنْ الْفَرَّارُونَ» ؟ فَقُلْنَا: نَحْنُ،
قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ، أَنَا فِئَتُكُمْ وَفِئَةُ
الْمُسْلِمِينَ» . قَالَ فَأَتَيْنَاهُ حَتَّى قَبَّلْنَا يَدَهُ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: (حَاصُوا) أَيْ حَادُوا حَيْدَةً، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:
{مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} وَيُرْوَى جَاضُوا جَيْضَةً بِالْجِيمِ
وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ بِمَعْنَى حَادُوا أيضًا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ فِي الْبَحْرِ:
مَسْأَلَةٌ: وَمَهْمَا حُرِّمَتْ الْهَزِيمَةُ فُسِّقَ الْمُنْهَزِمُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللهِ} وَقَوْلِهِ:
«الْكَبَائِرُ سَبْعٌ» {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} وَهُوَ أَنْ يَرَى
الْقِتَالَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ فَيَنْتَقِلُ
إلَيْهِ. {أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ} وَإِنْ بَعُدَتْ إذْ لَمْ
تُفَصِّلْ الآيَةُ، وَلِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - لأهْلِ غَزْوَةِ
مُؤْتَةَ: «أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ» .
بَابُ مَنْ خَشِيَ الأسْرَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْسِرَ
وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ حَتَّى يُقْتَلَ
4285- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَشَرَةَ رَهْطٍ عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ
ثَابِتٍ الأنْصَارِيَّ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِالْهَدْأَةِ -
وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ - ذُكِرُوا لِبَنِي لِحْيَانَ
فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ
فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا
إلَى فَدْفَدٍ وَأَحَاطَ بِهِمْ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا
وَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لا
نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ
السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا
(2/450)
فَوَاَللَّهِ لا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي
ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ خَبِّرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ
بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ
إلَيْهِمْ ثَلاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ، خُبَيْبِ
الأنْصَارِيُّ، وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا
مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ
الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاَللَّهِ لا
أَصْحَبُكُمْ إنَّ لِي فِي هَؤُلاءِ لأُسْوَةً - يُرِيدُ الْقَتْلَى -
فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ
وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ
بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ - وَذَكَرَ قِصَّةَ خُبَيْبِ - إلَى أَنْ قَالَ:
اسْتَجَابَ اللهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا
أُصِيبُوا. مُخْتَصَرٌ لأحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ
لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُدَافَعَةِ وَلا أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ أَنْ
يَسْتَأْسِرَ، وَهَكَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ:
بَابُ هَلْ يَسْتَأْسِرُ الرَّجُلُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ.
بَاب الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ
4286- عَنْ جَابِرٍ بن عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ
وَرَسُولَهُ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةُ: أَتُحِبُّ أَنْ
أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: فَأْذَنْ لِي
فَأَقُولَ قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ هَذَا -
يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا
الصَّدَقَةَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاَللَّهِ قَالَ: فَإِنَّا قَدْ
اتَّبَعْنَاهُ، فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إلَى مَا يَصِيرُ
أَمْرُهُ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ
فَقَتَلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4287- وَعَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قَالَتْ: لَمْ أَسْمَعْ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَذِبِ
مِمَّا تَقُولُ النَّاسُ، إِلا فِي الْحَرْبِ وَالإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ
وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ قَدْ اُسْتُدِلَّ
بِهِ عَلَى جَوَازِ الْكَذِبِ
(2/451)
فِي الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ
الْبُخَارِيُّ بَابَ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ:
الظَّاهِرُ إبَاحَةُ الْكَذِبِ فِي الأمُورِ الثَّلاثَةِ لَكِنَّ
التَّعْرِيضَ أَوْلَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْكَذِبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ إنَّمَا هُوَ
فِيمَا لا يُسْقِطُ حَقًّا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ أَخْذِ مَا لَيْسَ
لَهُ أَوْ لَهَا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُبَارَزَةِ
4288- عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: تَقَدَّمَ عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ وَمَعَهُ ابْنُهُ وَأَخُوهُ فَنَادَى مَنْ يُبَارِزُ؟
فَانْتُدِبَ لَهُ شَبَابٌ مِنْ الأنْصَارِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟
فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ لا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمْ إنَّا أَرَدْنَا بَنِي
عَمِّنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قُمْ يَا
حَمْزَةُ قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ» .
فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إلَى عُتْبَةُ، وَأَقْبَلْتُ إلَى شَيْبَةَ،
وَاخْتَلَفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَانِ، فَأَثْخَنَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَهُ ثُمَّ مِلْنَا إلَى الْوَلِيدِ فَقَتَلْنَاهُ
وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4289- وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ
يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
قَالَ قَيْسٌ: فِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قَالَ: هُمْ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ
بَدْرٍ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَشَيْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةُ.
4290- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ، وَفِي مُبَارَزَتِنَا يَوْمَ بَدْرٍ {هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} . رَوَاهُمَا وَالْبُخَارِيُّ.
4291- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قَالَ: بَارَزَ عَمِّي يَوْمَ
خَيْبَرَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ،
وَمَعْنَاهُ لِمُسْلِمٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي الأحَادِيثِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ الْمُبَارَزَةُ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ، وَشَرَطَ الأوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ إذْنَ الإمِام.
بَابُ مَنْ أَحَبَّ الإِقَامَةَ بِمَوْضِعِ النَّصْرِ ثَلاثًا
4292- عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنَّهُ كَانَ إذَا ظَهَرَ عَلَى
(2/452)
قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاثَ
لَيَالٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4293- وَفِي لَفْظٍ لأحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: بِعَرْصَتِهِمْ.
4294- وَفِي رِوَايَةٍ لأحْمَدَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَقَامَ
بِالْعَرْصَةِ ثَلاثًا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهَا تُشْرَعُ الإِقَامَةُ بِالْمَكَانِ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ حِزْبُ
الْحَقِّ عَلَى حِزْبِ الْبَاطِل ثَلاثَ لَيَالٍ. قَالَ الْمُهَلَّبُ:
حِكْمَةُ الإِقَامَةِ إِرَاحَةِ الظَّهْرِ وَالأنْفُسِ. وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ تَأْثِيرِ الْغَلَبَةِ
وَتَنْفِيذِ الأحْكَامِ وَقِلَّةِ الِاحْتِفَالِ بِالْعَدُوِّ وَكَأَنَّهُ
يَقُولُ: مَنْ كَانَتْ فِيهِ قُوَّةٌ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ إلَيْنَا.
قَالَ الْحَافِظُ: وَلا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ فِي أَمْنٍ
مِنْ عَدُوٍّ طَارِقٍ.
بَابُ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ
وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
4295- عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - إلَى بَعِيرٍ مِنْ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ
وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: «وَلا يَحِلُّ لِي مِنْ
غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذَا إلا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ»
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
4296- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ فِي غَزْوَتِهِمْ إلَى بَعِيرٍ مِنْ
الْمَقْسِمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ إلَى الْبَعِيرِ مِنْ الْمَقْسِمِ
فَتَنَاوَلَ وَبَرَةً بَيْنَ أُنْمُلَتَيْهِ، فَقَالَ: «إنَّ هَذَا مِنْ
غَنَائِمِكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ لِي فِيهَا إِلا نَصِيبِي مَعَكُمْ إِلا
الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ
وَالْمِخْيَطَ وَأَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَصْغَرَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
الْمُسْنَدِ.
4297- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - فِي
قِصَّةِ هَوَازِنَ - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَنَا مِنْ
بَعِيرٍ فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ هَذَا الْفَيْءُ شَيْءٌ - وَلا هَذِهِ -
إلا الْخُمُسَ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ
وَالْمِخْيَطَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ
يَذْكُرُوا: ... «أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ» .
(2/453)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وأحاديث الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَأْخُذُ الإِمَامُ مِنْ
الْغَنِيمَةِ إلا الْخُمُسَ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ مِنْهَا بَيْنَ
الْغَانِمِينَ، وَالْخُمُسُ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَيْضًا لَيْسَ هُوَ لَهُ
وَحْدَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى
حَسَبِ مَا فَصَّلَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ} .
بَابُ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْمُوسٍ
428- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - عام يَوْمَ حُنَيْنٌ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ
لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ. قَالَ: فَرَأَيْت رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ
قَدْ عَلا رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْت إلَيْهِ حَتَّى
أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ وَأَقْبَلَ
عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ
أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،
فَقَالَ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْت: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ
رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ
قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ
سَلَبُهُ» . قَالَ: فَقُمْت فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ،
ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُمْت فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟
ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقُمْت، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ» ؟ فَقَصَصْت
عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ
اللهِ، سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لاهَا اللهِ إذًا لا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ
أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيَكَ
سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ
فَأَعْطِهِ» . إيَّاهُ فَأَعْطَانِي، قَالَ: فَبِعْت الدِّرْعَ فَابْتَعْت
بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ
فِي الإِسْلامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4299- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٌ: «مَنْ قَتَلَ رَجُلاً فَلَهُ سَلَبُهُ» .
فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلابَهُمْ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4300- وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ تَفَرَّدَ بِدَمِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَلَهُ
سَلَبُهُ» . قَالَ: فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ بِسَلْبِ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ
رَجُلاً. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(2/454)
4301- وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ
قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
4302- وَعَنْ عَوْفٍ وَخَالِدٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - لَمْ يُخَمِّسْ السَّلَبَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4303- عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: تَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلاً
مِنَ الْعَدُوِّ فَأَرَادَ سَلَبَهُ فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لِخَالِدٍ: مَا مَنَعَكَ أَنْ
تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ» . قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:
«ادْفَعْهُ إِلَيْهِ» . فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ
ثُمَّ قَالَ: هَلْ
أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتُغْضِبَ
فَقَالَ: «لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ
تَارِكُونَ لِى أُمَرَائِى إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ
رَجُلٍ اسْتُرْعِىَ إِبِلاً أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا؛ ثُمَّ تَحَيَّنَ
سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ
وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ» .
4304- وَفِي رِوَايَةْ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِى
غَزْوَةِ مُؤْتَةَ وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ
وَمَضَيْنَا فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ
لَهُ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذْهَبٌ وَسِلاحٌ مُذْهَبٌ فَجَعَلَ
الرُّومِىُّ يُفْرِي بِالْمُسْلِمِينَ فَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ
صَخْرَةٍ فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ فَخَرَّ وَعَلأهُ
فَقَتَلَهُ وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلاحَهُ فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ
السَّلَبِ قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالسَّلَبِ
لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّى اسْتَكْثَرْتُهُ. قُلْتُ:
لَتَرُدَّنَّهُ إِلَيْهِ أَوْ لأُعَرِّفَنَّكَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ عَوْفٌ
فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَصَصْتُ
عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ. وضكر بقية الحديث
بمعنى ما تقدم. رواه أحمد وأبو داود.
وفيه حجة لمن جعا تاسلب االمسكثر إلى الإمام وأن الدابة من السلب.
(2/455)
4305- وَعَنْ سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ
قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَوَازِنَ
فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَضَحَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ فَأَنَاخَهُ ثُمَّ انْتَزَعَ
طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ فَقَيَّدَ بِهِ الْجَمَلَ ثُمَّ تَقَدَّمَ
فَتَغَدَّى مَعَ الْقَوْمِ وَجَعَلَ يَنْظُرُ وَفِينَا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ
فِى الظَّهْرِ وَبَعْضُنَا مُشَاةٌ إِذْ خَرَجَ يَشْتَدُّ فَأَتَى جَمَلَهُ
فَأَطْلَقَ قَيْدَهُ ثُمَّ أَنَاخَهُ وَقَعَدَ عَلَيْهِ فَأَثَارَهُ
فَاشْتَدَّ بِهِ الْجَمَلُ فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ.
قَالَ سَلَمَةُ: وَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ فَكُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ النَّاقَةِ.
ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ
الْجَمَلِ ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الْجَمَلِ
فَأَنَخْتُهُ فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ فِي الأرْضِ اخْتَرَطْتُ سَيْفِي
فَضَرَبْتُ رَأْسَ الرَّجُلِ فَنَدَرَ ثُمَّ جِئْتُ بِالْجَمَلِ أَقُودُهُ
عَلَيْهِ رَحْلُهُ وَسِلاحُهُ فَاسْتَقْبَلَنِى رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ» .
فَقَالُوا: ابْنُ الأكْوَعِ. قَالَ: «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» .
4306- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا
وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ - يَوْمَ بَدْرٍ - فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَإِذَا
أَنَا بِغُلامَيْنِ مِنَ الأنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ
أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ:
يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ
إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ
رَأَيْتُهُ لا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأعْجَلُ
مِنَّا. فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ لِي
مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِى جَهْلٍ يَزُولُ فِي
النَّاسِ، قُلْتُ: أَلا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي.
قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاهُ، ثُمَّ
انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهُ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَاهُ
فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ» . قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا
قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا» . قَالا: لا.
فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: «كِلاكُمَا قَتَلَهُ» . وقضى
بسَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. والرجلان مُعَاذَ ابْنَ
عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ. متفق عليه.
4307- وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَفَّلَنِي رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ كَانَ قَتَلَهُ.
رواه أبو داود ولأحمد معناه.
(2/456)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: «فَلَهُ سَلَبُهُ» السَّلَبُ هُوَ مَا يُوجَدُ مَعَ الْمُحَارِبِ
مِنْ مَلْبُوسٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: لا
تَدْخُلُ الدَّابَّةُ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يَخْتَصُّ بِأَدَاةِ
الْحَرْبِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْقَاتِلَ
يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، سَوَاءٌ قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَبْلَ ذَلِكَ:
مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ أَمْ لا.
قوله: «لا تعطه يا خالد» . فيه دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير
القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره.
قوله: «هل أنتم تاركون لي أمرائي» فيه الزجر عن معارضة الأمراء ومغاضبتهم
والشماتة بهم لما تقدم من الأدلة على وجوب طاعتهم في غير معصية الله.
قوله: (نفلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سيف أبي جهل) قال
الشارح: ولفظ أحمد الذي أشار إليه المصنف عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن
مسعود أنه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع يذب الناس عنه بسيف
له فأخذه عبد الله بن مسعود فقتله به فنفله رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- بسبلبه. وعنده ابن إسحاق: فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل لعنه الله
فوجده بآخر رمق.
قوله: (فنظر في السيفين) قال المهلب: نظره - صلى الله عليه وسلم - في
السيفين واستلاله لهما ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمل دخولهما في
جسم المقتول ليحكم بالسلي لمن كان في ذلك أبلغ وإنما قال: «كلاكما قتله»
لتطيب نفس الآخر. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَاب التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَمَنْ قَاتَلَ وَمَنْ
لَمْ يُقَاتِلْ
4308- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ -: «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ مِنْ النَّفَلِ
كَذَا وَكَذَا» . قَالَ فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ
الرَّايَاتِ فَلَمْ يَبْرَحُوا بِهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ
قَالَ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ لَوْ انْهَزَمْتُمْ لَفِئْتُمْ
إلَيْنَا فَلا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى فَأَبَى الْفِتْيَانُ
وَقَالُوا: جَعَلَهُ ... رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَنَا،
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ
(2/457)
الأَنْفَالُ
لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} - إلَى قَوْلِهِ -: {كَمَا أَخْرَجَكَ رُبُّكَ مِنْ
بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} .
يَقُولُ فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا،
فَأَطِيعُونِي فَإِنِّي أَعْلَمُ بِعَاقِبَةِ هَذَا مِنْكُمْ فَقَسَمَهَا
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالسَّوَاءِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4309- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا فَالْتَقَى النَّاسُ
فَهَزَمَ اللهُ تعالى الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي أَثَرِهِمْ
يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْغَنَائِمِ
يَحْوُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - لا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً حَتَّى إذَا
كَانَ اللَّيْلُ وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، قَالَ الَّذِينَ
جَمَعُوا الْغَنَائِمَ، نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا، فَلَيْسَ
لأحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ، وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ:
لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ نَفَيْنَا عَنْهَا الْعَدُوَّ
وَهَزَمْنَاهُمْ، وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ مِنَّا نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ
غِرَّةً فَاشْتَغَلْنَا بِهِ، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ
قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا
ذَاتَ بَيْنِكُمْ} . فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَلَى فُوَاقٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
4310- وَفِي لَفْظٍ مُخْتَصَرٍ: فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ
اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلاقُنَا فَنَزَعَهُ اللهُ
مِنْ أَيْدِينَا فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَسَمَهُ فِينَا عَلَى بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى السَّوَاءِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
4311- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ
الرَّجُلُ يَكُونُ حَامِيَةَ الْقَوْمِ، أَيَكُونُ سَهْمُهُ وَسَهْمُ
غَيْرِهِ سَوَاءً؟ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ابْنَ أُمِّ سَعْدٍ، وَهَلْ
تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4312- وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ أَنَّ لَهُ فَضْلاً
عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ
تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» ؟ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ.
4313- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ إنَّمَا
تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(2/458)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِالسَّوَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ
الْجَيْشِ قِطْعَةٌ فَغَنِمَتْ شَيْئًا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ لِلْجَمِيعِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَيْشَ الْقَاعِدَ فِي بِلادِ الإِسْلامِ، قَالَ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَإِنَّمَا قَالُوا: هُوَ بِمُشَارَكَةِ الْجَيْشِ
لَهُمْ إذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ يَلْحَقُهُمْ عَوْنُهُ وَغَوْثُهُ
لَوْ احْتَاجُوا. انْتَهَى ملخصًا.
قَوْلُهُ: (فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى
فُوَاقٍ) أَيْ قَسَمَهَا بِسُرْعَةٍ فِي قَدْرِ مَا بَيْنَ
الْحَلْبَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: «هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» قَالَ
ابْنُ بَطَّالٍ: تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّ الضُّعَفَاءَ أَشَدُّ إخْلاصًا
فِي الدُّعَاءِ وَأَكْثَرُ خُشُوعًا فِي الْعِبَادَةِ لِخَلاءِ قُلُوبِهِمْ
عَنْ التَّعَلُّقِ بِزُخْرُفِ الدُّنْيَا. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: أَرَادَ -
صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ حَضَّ سَعْدٍ عَلَى التَّوَاضُعِ وَنَفْيِ
الزَّهْوِ عَلَى غَيْرِهِ.
بَابُ جَوَازِ تَنْفِيلِ بَعْضِ الْجَيْشِ لِبَأْسِهِ وَغِنَائِهِ
أَوْ تَحَمُّلِهِ مَكْرُوهًا دُونَهُمْ
4314- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ - وَذَكَرَ قِصَّةَ إغَارَةِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيِّ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَاسْتِنْقَاذَهُ مِنْهُ- قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرَ
رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ» . قَالَ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ فَجَعَلَهُمَا لِي
جَمِيعًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِم وَأَبُو دَاوُد.
4315- وَعَنْ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: جِئْت إلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ - بِسَيْفٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ إنَّ اللهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي الْيَوْمَ مِنْ الْعَدُوِّ، فَهَبْ
لِي هَذَا السَّيْفَ، فَقَالَ: «إنَّ هَذَا السَّيْفَ لَيْسَ لِي وَلا
لَكَ» . فَذَهَبْتُ وَأَنَا أَقُولُ: يُعْطَاهُ الْيَوْمَ مَنْ لَمْ يُبْلِ
بَلائِي، فَبَيْنَا أَنَا إذْ جَاءَنِي رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَقَالَ: أَجِبْ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ نَزَلَ فِي شَيْءٌ
بِكَلامِي فَجِئْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«إنَّكَ سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ وَلَيْسَ هُوَ لِي وَلا لَكَ، وَإِنَّ
اللهَ قَدْ جَعَلَهُ لِي فَهُوَ لَكَ، ثُمَّ قَرَأَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ
الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} » . إلَى آخِرِ
الآيَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
(2/459)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) إلَى
آخْره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ
بَعْضَ الْجَيْشِ بِبَعْضِ الْغَنِيمَةِ إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْعِنَايَةِ
وَالْمُقَاتَلَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ.
بَابُ تَنْفِيل سَرِيَّةِ الْجَيْشِ عَلَيْهِ وَاشْتِرَاكهمَا فِي
الْغَنَائِم
4316- عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- نَفَّلَ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي بَدْأَتِهِ، وَنَفَّلَ الثُّلُثَ
بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4317- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ، وَفِي الرَّجْعَةِ
الثُّلُثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
4318- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إذَا أَغَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَّلَ
الرُّبُعَ، وَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا وَكُلُّ النَّاسِ نَفَّلَ الثُّلُثَ،
وَكَانَ يَكْرَهُ الأَنْفَالَ وَيَقُولُ: «لِيَرُدَّ قَوِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعِيفِهِمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4319- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا
لأنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ وَالْخُمُسُ فِي
ذَلِكَ كُلُّهُ وَاجِبٌ.
4320- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -
بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَخَرَجْت فِيهَا فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا
اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- بَعِيرًا بَعِيرًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
4321- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَصَبْنَا نَعَمًا كَثِيرًا، فَنَفَّلَنَا
أَمِيرُنَا بَعِيرًا بَعِيرًا لِكُلِّ إنْسَانٍ، ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - بَيْنَنَا غَنِيمَتَنَا، فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا
اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ وَمَا حَاسَبَنَا رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - بِاَلَّذِي أَعْطَانَا صَاحِبُنَا، وَلا عَابَ
عَلَيْهِ مَا صَنَعَ، فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا ثَلاثَةَ عَشَرَ
بَعِيرًا بِنَفَلِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4322- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ
دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ
(2/460)
أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ
سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ
عَلَى قَاعِدِهِمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4323- وَقَالَ أَحْمَدُ: - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم -: «السَّرِيَّةُ تَرُدُّ عَلَى الْعَسْكَرِ،
وَالْعَسْكَرُ يَرُدُّ عَلَى السَّرِيَّةِ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَالْخُمُسُ فِي
ذَلِكَ كُلُّهُ وَاجِبٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَخْمِيسُ
النَّفْل. قَالَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: إنْ أَرَادَ الإِمَامُ تَفْضِيلَ
بَعْضِ الْجَيْشِ لِمَعْنًى فِيهِ، فَذَلِكَ مِنْ الْخُمُسِ، وَإِنْ
انْفَرَدَتْ قِطْعَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يُنَفِّلَهَا مِمَّا غَنِمَتْ
فَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ بِشَرْطِ أَنْ لا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الشَّرْطُ قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: لا يَتَحَدَّدُ.
بَابُ بَيَانِ الصَّفِيِّ الَّذِي كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -
وَسَهْمُهُ مَعَ غَيْبَتِه
4324- عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا بِالْمِرْبَدِ إذْ
دَخَلَ رَجُلٌ مَعَهُ قِطْعَةُ أَدِيمٍ، فَقَرَأْنَاهَا فَإِذَا فِيهَا:
(مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى بَنِي زُهَيْرِ
بْنِ قَيْسٍ: إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لا إلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَأَقَمْتُمْ ... الصَّلاةَ، وَآتَيْتُمْ
الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمْ الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَسَهْمَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَهْمَ الصَّفِيِّ، أَنْتُمْ آمِنُونَ
بِأَمَانِ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَقُلْنَا: مَنْ كَتَبَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ:
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ.
4325- وَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - سَهْمٌ يُدْعَى الصَّفِيَّ إنْ شَاءَ عَبْدًا، وَإِنْ شَاءَ
أَمَةً، وَإِنْ شَاءَ فَرَسًا يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ.
4326- وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ سَهْمِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّفِيِّ فَقَالَ: كَانَ يُضْرَبُ
لَهُ سَهْمٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ، وَالصَّفِيُّ
يُؤْخَذُ لَهُ رَأْسٌ مِنْ الْخُمُسِ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ. رَوَاهُمَا
أَبُو دَاوُد وَهُمَا مُرْسَلانِ.
4327- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4328- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ
(2/461)
وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا
يَوْمَ أُحُدٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَخْتَصَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِشَيْءٍ
لا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ (الصَّفِيُّ)
، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلافَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ أن أَرْبَعَةِ
أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ. قال: وقد ذهب إلى أن الإمام يستحق
الصفي العترة، وخالفهم. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَنْ يُرْضَخُ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ
4329- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَغْزُو بِالنِّسَاءِ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنْ
الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ.
4330- وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَتَبَ إلَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ
سَأَلْت عَنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ هَلْ كَانَ لَهُمَا سَهْمٌ مَعْلُومٌ
إذَا حَضَرَا النَّاسَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سَهْمٌ مَعْلُومٌ،
إِلا أَنْ يُحْذَيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ.
4331- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ مِنْ الْغَنَائِمِ دُونَ مَا يُصِيبُ
الْجَيْشُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4332- وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: شَهِدَتْ خَيْبَرَ
مَعَ سَادَتِي، فَكَلَّمُوا فِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
فَأَمَرَنِي فَقُلِّدْتُ سَيْفًا فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ، فَأُخْبِرَ
أَنِّي مَمْلُوكٌ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4333- وَعَنْ حَشْرَجِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّهَا
خَرَجَتْ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ خَيْبَرَ
سَادِسَ سِتِّ نِسْوَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَبَعَثَ إلَيْنَا فَجِئْنَا فَرَأَيْنَا فِيهِ
الْغَضَبَ، فَقَالَ: «مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ، وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ»
؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعْرَ، وَنُعِينُ
فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى، وَنُنَاوِلُ
السِّهَامَ، وَنَسْقِي السَّوِيقَ، فَقَالَ: «قُمْنَ فَانْصَرِفْنَ» .
حَتَّى إذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ
لِلرِّجَالِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا جَدَّةُ وَمَا كَانَ ذَلِكَ؟
قَالَتْ: تَمْرًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
(2/462)
4334- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ
قَاتَلُوا مَعَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد فِي
مَرَاسِيلِهِ.
4335- وَعَنْ الأوْزَاعِيِّ قَالَ: أَسْهَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - لِلصِّبْيَانِ بِخَيْبَرَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَيُحْمَلُ الإِسْهَامُ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ عَلَى الرَّضْخِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ
الْعِلْمِ هَلْ يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ إذَا حَضَرْنَ؟ فَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ لا يُسْهَمُ لَهُنَّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ. قَالَ الشَّارِح: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لا يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالذِّمِّيِّينَ، وَمَا وَرَدَ مِنْ
الأحَادِيثِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الرَّضْخِ وَهُوَ الْعَطِيَّةُ
الْقَلِيلَةُ جَمْعًا بَيْنَ الأحَادِيثِ. انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ الإِسْهَامِ لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ
4336- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْهَمَ
لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ
لِفَرَسِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4337- وَفِي لَفْظٍ: أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4338- وَفِي لَفْظٍ: أَسْهَمَ يَوْمَ حُنَيْنٌ لِلْفَارِسِ ثَلاثَةَ
أَسْهُمٍ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ. رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَةْ.
4339- وَعَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى الزُّبَيْرَ سَهْمًا وَأُمَّهُ سَهْمًا
وَفَرَسَهُ سَهْمَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4340- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَوْمَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لِلزُّبَيْرِ
وَسَهْمًا لِذِي الْقُرْبَى لِصَفِيَّةَ أُمِّ الزُّبَيْرِ وَسَهْمَيْنِ
لِلْفَرَسِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
4341- عَنْ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَمَعَنَا فَرَسٌ، فَأَعْطَى كُلَّ
إنْسَانٍ مِنَّا سَهْمًا، وَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَاسْمُ هَذَا الصَّحَابِيِّ عَمْرُو بْنُ
مُحَصِّنٍ.
(2/463)
4342- وَعَنْ أَبِي رُهْمٍ قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَخِي
وَمَعَنَا فَرَسَانِ أَعْطَانَا سِتَّةَ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ
لِفَرَسَيْنَا وَسَهْمَيْنِ لَنَا.
4343- وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأنْمَارِيِّ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ كَانَ الزُّبَيْرُ عَلَى
الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَكَانَ الْمِقْدَادُ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ
الْيُمْنَى، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ
وَهَدَأَ النَّاسُ جَاءَا بِفَرَسَيْهِمَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْهُمَا وَقَالَ: «إنِّي قد
جَعَلْتُ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا، فَمَنْ نَقَصَهُمَا
نَقَصَهُ اللهُ» . رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ.
4344- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ بِخَيْبَرَ سَهْمَيْنِ
سَهْمَيْنِ.
4345- وَعَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: لا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لِلْفَارِسِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ
وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ» . رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ.
4346- وَعَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الأنْصَارِيِّ قَالَ: قُسِمَتْ
خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ
أَلْفًا
وَخَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلاثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ
سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد،
وَذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ. قَالَ: وَأَتَى الْوَهْمُ
فِي حَدِيثِ مُجَمِّعٍ أَنَّهُ قَالَ ثَلاثُمِائَةِ فَارِسٍ إنَّمَا
كَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ
حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِفَرَسَيْنِ فَصَاعِدًا هَلْ يُسْهَمُ لِكُلِّ فَرَسٍ
أَمْ لِفَرَسٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ
إنَّهُ يُسْهَمُ لأكْثَرِ مِنْ فَرَسَيْنِ إِلا مَا رُوِيَ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الإِسْهَامِ لِمَنْ غَيَّبَهُ الأمِيرُ فِي مَصْلَحَةٍ
4347- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ -
يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ - فَقَالَ: «إنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ
اللهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ، وَأَنَا أُبَايِعُ لَهُ» . فَضَرَبَ لَهُ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَهْمٍ وَلَمْ يَضْرِبْ لأحَدٍ
غَابَ غَيْرَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4348- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ
- فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ
(2/464)
بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- وَكَانَتْ مَرِيضَةً - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«إنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ وَسَهْمَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَوْلُهُ: «وَأَنَا أُبَايِعُ لَهُ» الظاهر أن هذه المبايعة كانت يوم
الحديبية حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ
مَرِيضَةً) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ خَلَّفَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى رُقَيَّةَ
فِي مَرَضِهَا لَمَّا خَرَجَ إلَى بَدْرٍ، فَمَاتَتْ رُقَيَّةُ حِينَ
وَصَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ.
بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الإِسْهَامِ لِتُجَّارِ الْعَسْكَرِ
وَأُجَرَائِهِمْ
4349- عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً سَأَلَ أَبِي
عَنْ الرَّجُلِ يَغْزُو وَيَشْتَرِي وَيَبِيعُ وَيَتَّجِرُ فِي غَزْوِهِ،
فَقَالَ لَهُ: إنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِتَبُوكَ نَشْتَرِي وَنَبِيعُ وَهُوَ يَرَانَا وَلا يَنْهَانَا. رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَةْ.
4350- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ قَالَ: أَذَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - بِالْغَزْوِ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ لِي خَادِمٌ،
فَالْتَمَسْتُ أَجِيرًا يَكْفِينِي، وَأُجْرِي لَهُ سَهْمَهُ، فَوَجَدْتُ
رَجُلاً، فَلَمَّا دَنَا الرَّحِيلُ أَتَانِي، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا
السُّهْمَانُ وَمَا يَبْلُغُ سَهْمِي فَسَمِّ لِي شَيْئًا كَانَ السَّهْمُ
أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَسَمَّيْتُ لَهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ، فَلَمَّا
حَضَرَتْ غَنِيمَةٌ، أَرَدْتُ أَنْ أُجْرِيَ لَهُ سَهْمَهُ، فَذَكَرْتُ
الدَّنَانِيرَ فَجِئْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ
أَمْرَهُ، فَقَالَ: «مَا أَجِدُ لَهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ إِلا دَنَانِيرَهُ الَّتِي سَمَّى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4351- وَقَدْ صَحَّ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأكْوَعِ كَانَ أَجِيرًا
لِطَلْحَةَ حِينَ أَدْرَكَه عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُيَيْنَةَ لَمَّا
أَغَارَ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَاهُ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ،
وَهَذَا الْمَعْنَى لأحْمَدَ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَجِيرٍ يَقْصِدُ مَعَ الْخِدْمَةِ الْجِهَادَ،
وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَنْ لا يَقْصِدُهُ أَصْلًا جَمْعًا
بَيْنَهُمَا.
(2/465)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ) هُوَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ
الْمَشْهُورُ وَمُنْيَةُ أُمُّهُ. وَقَدْ يُنْسَبُ تَارَةً إلَيْهَا كَمَا
وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَدَدِ يَلْحَقُ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ
4352- عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا،
مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي، أَحَدُهُمَا أَبُو
بُرَيْدَةَ، وَالآخَرُ
أَبُو رُهْمٍ، إمَّا قَالَ فِي بِضْعَةٍ، وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاثَةٍ
وَخَمْسِينَ، أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي قَالَ:
فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إلَى النَّجَاشِيِّ
بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ
عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
بَعَثَنَا هَا هُنَا وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ، قَالَ فَأَقَمْنَا مَعَهُ
حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا ... رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ: أَعْطَانَا
مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لأحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا
إِلا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلا لأصْحَابِ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ
وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لهم مَعَهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4353- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ حَدَّثَ سَعِيدَ
بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَانَ
بْنَ سَعِيدِ بْن الْعَاصِ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قِبَلَ
نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا وَأَنَّ حُزُمَ
خَيْلِهِمْ لِيفٌ، فَقَالَ أَبَانُ: اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ،
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: لا تَقْسِمْ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ،
قَالَ أَبَانُ: أَنْتَ بِهَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ عَلَيْنَا مِنْ رَأْسِ
ضَالٍّ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اجْلِسْ يَا أَبَانُ»
. وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَمَا قَسَمَ لأحَدٍ
غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ) إلَى آخره. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْغَنِيمَةِ وَيُعْطِيَ بَعْضَ
مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمَدَدِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم
- أَعْطَى مَنْ قَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَهُمْ.
(2/466)
بَابُ مَا جَاءَ فِي إعْطَاءِ
الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ
4354- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَسَمَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَنَائِمَ فِي قُرَيْشٍ،
فَقَالَتْ الأنْصَارُ: إنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إنَّ سُيُوفَنَا
تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ،
وَإِنَّ غَنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ: «مَا الَّذِي بَلَغَنِي
عَنْكُمْ» ؟ قَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ - وَكَانُوا لا يَكْذِبُونَ-
فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا إلَى
بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إلَى ... بُيُوتِكُمْ» ؟
فَقَالُوا: بَلَى، فَقَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا،
وَسَلَكَتْ الأنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ
الأنْصَارِ وَشِعْبَ الأنْصَارِ» .
4355- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنْ الأنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ
اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ
يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنْ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ
لِرَسُولِ اللهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ
مِنْ دِمَائِهِمْ، فَحُدِّثَ بِمَقَالَتِهِمْ فَجَمَعَهُمْ وَقَالَ: إنِّي
أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا
تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ
بِالنَّبِيِّ إلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاَللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ
خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ
رَضِينَا.
4356- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا آثَرَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ
مِائَةً مِنْ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى
أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي
الْقِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ
فِيهَا وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ
لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيْتُهُ
فَأَخْبَرْته، فَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِلْ اللهُ وَرَسُولُهُ؟
ثُمَّ قَالَ: «رَحِمَ اللهُ مُوسَى فَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا
فَصَبَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
4357- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ بِسَبْيٍ فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى قَوْمًا
وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إنِّي
أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ضَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ قَوْمًا إلَى
مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْغِنَى مِنْهُمْ
عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» . فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: مَا أُحِبُّ
أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ
النَّعَمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ إعْطَاءَهُمْ كَانَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مِنْ
الْخُمُسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ
(2/467)
يَكُونَ نَفَلًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ
الْغَنِيمَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ التَّنْفِيلَ مِنْهَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «رَحِمَ اللهُ
مُوسَى» إلَى آخْره، فِيهِ الإِعْرَاضُ عَنْ الْجَاهِلِ وَالصَّفْحُ عَنْ
الأذَى وَالتَّأَسِّي بِمَنْ مَضَى. وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يُؤْثِرَ بِالْغَنَائِمِ أَوْ
بِبَعْضِهَا مَنْ كَانَ مَائِلاً مِنْ أَتْبَاعِهِ إلَى الدُّنْيَا
تَأْلِيفًا لَهُ وَاسْتِجْلابًا لِطَاعَتِهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى مَنْ
كَانَ مِنْ أَجْنَادِهِ، قَوِيَّ الإِيمَانِ، مُؤْثِرًا لِلآخِرَةِ عَلَى
الدُّنْيَا.
بَابُ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إذَا أَخَذَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ
أُخِذَتْ مِنْهُمْ
4358- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: أُسِرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ
الأنْصَارِ وَأُصِيبَتْ الْعَضْبَاءُ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْوَثَاقِ
وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ،
فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ الْوَثَاقِ، فَأَتَتْ الإِبِلَ
فَجَعَلَتْ إذَا دَنَتْ مِنْ الْبَعِيرِ رَغَا، فَتَتْرُكُهُ حَتَّى
تَنْتَهِيَ إلَى الْعَضْبَاءِ فَلَمْ تَرْغُ، قَالَ: وَهِيَ نَاقَةٌ
مُنَوَّقَةٌ - وَفِي رِوَايَةٍ: مُدَرَّبَةٌ - فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا
ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ، وَنُذِرُوا بِهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ،
قَالَ: وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا
لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ،
فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
فَقَالَتْ: إنَّهَا نَذَرَتْ لِلَّهِ إنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا
لَتَنْحَرَنَّهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَذَكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ! بِئْسَمَا جَزَتْهَا
نَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا؟ لا وَفَاءَ
لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِم.
4359- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ
الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي
زَمَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ
بِأَرْضِ الرُّومِ،
وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
4360- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ غُلامًا لابْنِ عُمَرَ أَبَقَ إلَى
الْعَدُوِّ فَظَهَرَ عَلَيْهِم الْمُسْلِمُونَ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - إلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُقْسَمْ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ
الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: لا يَمْلِكُ
أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ،
وَلِصَاحِبِهِ
(2/468)
أَخْذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا.
وَعَنْ عَلِيٍّ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْحَسَنِ لا
يُرَدُّ أَصْلاً، وَيَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْمَغَانِمِ. وَقَالَ عُمَرُ
وَسُلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعَطَاءٌ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ
وَآخَرُونَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا، وَنَقَلَهَا ابْنُ
أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: إنْ
وَجَدَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ
وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلا يَأْخُذُهُ إِلا بِالْقِيمَةِ، وَإِلَى
هَذَا التَّفْصِيلِ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَاب مَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ نَحْوِ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ بِغَيْرِ
قِسْمَةٍ
4361- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي
مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلا نَرْفَعُهُ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
4362- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا وَعَسَلًا، فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ
الْخُمُسُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4363- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: أَصَبْتُ جِرَابًا
مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ ... خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لا أُعْطِي
الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - مُتَبَسِّمًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
4364- وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ
خَيْبَرَ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا
يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ.
4365- وَعَنْ الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ الْجَزَرَ
فِي الْغَزْوِ وَلا نَقْسِمُهُ حَتَّى إنْ كُنَّا لَنَرْجِعُ إلَى
رِحَالِنَا وَأَخْرِجَتُنَا مَمْلُوءَةٌ مِنْهُ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (الْجَزَرَ) بِفَتْحِ
الْجِيمِ جَمْعُ جَزُورٍ: وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي تُجْزَرُ: أَيْ تُذْبَحُ
كَذَا قِيلَ. إلى أن قَالَ: وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ أَخْذُ الطَّعَامِ - وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْعَلَفُ لِلدَّوَابِّ -
بِغَيْرِ قِسْمَةٍ، وَلَكِنَّهُ يَقْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ
الْكِفَايَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى. وَإِلَى ذَلِكَ
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ سَوَاءٌ أَذِنَ الإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ.
(2/469)
بَاب أَنَّ الْغَنَمَ تُقْسَمُ بِخِلافِ
الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ
4366- عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ
وَجَهْدٌ وَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَإِنَّ قُدُورَنَا
لَتَغْلِي إذْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي عَلَى
قَوْسِهِ فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ
اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ ثُمَّ قَالَ: «إنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ
مِنْ الْمَيْتَةِ» . أو «إِنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ
النُّهْبَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4367- وَعَنْ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ فَأَصَبْنَا فِيهَا غَنَمًا
فَقَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَائِفَةً وَجَعَلَ
بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَوْلُهُ: (فَقَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
طَائِفَةً) . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الإِمَامَ يَقْسِمُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْغَنَمِ
وَنَحْوِهَا مِنْ الأنْعَامِ مَا يَحْتَاجُونَهُ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ
وَيَتْرُكُ الْبَاقِيَ فِي جُمْلَةِ الْغُنْمِ.
بَابُ النَّهْي عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَغْنَمُهُ الْغَانِمُ
قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ إِلا حَالَة الْحَرْبِ
4368- عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ - يَوْمَ حُنَيْنٌ -: «لا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَبْتَاعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ،
وَلا يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ
رَدَّهُ فِيهِ، وَلا أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ
حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد.
4369- وَعَنْ ابْن مَسْعُودٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إلَى أَبِي جَهْلٍ -
يَوْمَ بَدْرٍ - وَهُوَ صَرِيعٌ وَهُوَ يَذُبُّ النَّاسَ عَنْهُ بِسَيْفٍ
لَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ، فَأَصَبْتُ
يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ، فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ حَتَّى قَتَلْتُهُ،
ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ
فَنَفَّلَنِي بِسَلَبِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ
اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ دَوَابِّهِمْ - يَعْنِي أَهْلَ الْحَرْبِ
- وَلُبْسِ ثِيَابِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ سِلاحِهِمْ حَالَ الْحَرْبِ،
وَرَدِّ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ.
(2/470)
بَاب مَا يُهْدَى لِلأمِيرِ وَالْعَامِلِ
أَوْ يُؤْخَذُ مِنْ مُبَاحَاتِ دَارِ الْحَرْبِ
4370- عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4371- وَعَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ: أَصَبْتُ جَرَّةً حَمْرَاءَ
فِيهَا دَنَانِيرُ فِي إمَارَةِ مُعَاوِيَةَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، قَالَ:
وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ
بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ فَأَتَيْتُهُ بِهَا
فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى
رَجُلاً مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: لَوْلا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا نَفَلَ إِلا بَعْدَ
الْخُمُسِ» . لأعْطَيْتُكَ. قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ
نَصِيبِهِ فَأَبَيْتُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي
الْجُوَيْرِيَةِ) اسْمُهُ حِطَّانَ ابْنُ خَفَّافٍ. إلى أنْ ... قَالَ:
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي بَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد: بَابُ النَّفَلِ
مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِنْ أَوَّلِ مَغْنَمٍ: أَيْ هَلْ يَجُوزُ
أَمْ لا؟ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ
مُبَاحَاتِ دَارِ الْحَرْبِ وَأَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لا
يُخْتَصُّ بِهَا.
بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الْغُلُولِ وَتَحْرِيقِ رَحْلِ الْغَالِّ
4372- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَلَيْنَا، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلا وَرِقًا، غَنِمْنَا
الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إلَى الْوَادِي
وَمَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدٌ لَهُ وَهَبَهُ لَهُ
رَجُلٌ مِنْ جُذَامَ يُسَمَّى رِفَاعَةَ بْنَ يَزِيدَ مِنْ بَنِي
الضَّبِيبِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِيَ قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَكَانَ فِيهِ
حَتْفُهُ فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللهِ،
فَقَالَ: «كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ
لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنْ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ
لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ» . قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ
بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَصَبْتُ هَذَا
يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «شِرَاكٌ
مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2/471)
4373- وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا كَانَ
يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ وَفُلانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا
عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «كَلًّا إنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا
أَوْ عَبَاءَةٍ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا
ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ إنَّهُ لا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ
إِلا الْمُؤْمِنُونَ» . قَالَ: فَخَرَجْت فَنَادَيْتُ: «إنَّهُ لا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ إِلا الْمُؤْمِنُونَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4374- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: كَرْكَرَةُ
فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُوَ فِي
النَّارِ» . فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ
غَلَّهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
4375- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - إذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلالًا فَنَادَى فِي
النَّاسِ فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ فَيُخَمِّسُهُ وَيَقْسِمُهُ،
فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِمَامٍ مِنْ شَعْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ هَذَا فِيمَا كُنَّا أَصَبْنَا مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ:
«أَسَمِعْت بِلالًا نَادَى ثَلاثًا» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا
مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ» ؟ فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: «كُنْ أَنْتَ
تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ مِنْكَ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4376- قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَالِّ، وَلَمْ يَأْمُرْ
بِحَرْقِ مَتَاعِهِ.
4377- وَعَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ
مَسْلَمَةُ أَرْضَ الرُّومِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ غَلَّ فَسَأَلَ
سَالِمًا عَنْهُ، فَقَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا
وَجَدْتُمْ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ» .
قَالَ: فَوَجَدَ فِي مَتَاعِهِ مُصْحَفًا، فَسَأَلَ سَالِمًا عَنْهُ،
قَالَ: بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4378- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ حَرَّقُوا
مَتَاعَ الْغَالِّ وَضَرَبُوهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4379- وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا تَعْلِيقًا: وَمَنَعُوهُ سَهْمَهُ.
(2/472)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْغُلُولِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ
بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ. إلى أن قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى
الأخْذِ بِظَاهِرِ حَدِيثِ الإِحْرَاقِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ
قَوْلُ مَكْحُولٍ وَالأوْزَاعِيِّ، وَعَنْ الْحَسَنِ يُحَرَّقُ مَتَاعُهُ
كُلُّهُ إِلا الْحَيَوَانَ وَالْمُصْحَفَ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَتَحْرِيقُ رَحْلِ الْغَالِّ مِنْ بَابَ
التَّعْزِيرِ لا الْحَدّ الْوَاجِب، فَيَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِيهِ بِحَسَبِ
الْمَصْلَحَةِ، وَمِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَالِيَّةِ حِرْمَانَهُ عَلَيْهِ
السَّلام السَّلْب لِلْمددي لِمَا كَانَ فِي أَخْذِه عُدْوَانًا عَلَى
وَلِيِّ الأَمْرِ.
بَابُ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِي حَقِّ الأسَارَى
4380- عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا
عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ مِنْ جِبَالِ
التَّنْعِيمِ عِنْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُمْ، فَأَخَذَهُمْ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَلَمًا فَأَعْتَقَهُمْ، فَأَنْزَلَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} إلَى آخِر الآيَةِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
4381- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ
حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
4382- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ
مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ
الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ
إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَاذَا عِنْدَكَ
يَا ثُمَامَةُ» ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إنْ تَقْتُلْ
تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى
(2/473)
شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ
فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا
ثُمَامَةُ» ؟ قَالَ:
عِنْدِي مَا قُلْت لَكَ؛ إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ
تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ
مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
حَتَّى كَانَ الْغَدُ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ» ؟ قَالَ:
عِنْدِي مَا قُلْت لَكَ؛ إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ
تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ
مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» . فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ
الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ
لا إلَهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
يَا مُحَمَّدُ وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأرْضِ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ
وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَيَّ،
وَاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ
دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إلَيَّ، وَاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ
بَلَدٍ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ
الْبِلادِ كُلِّهَا إلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ
الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ
قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -، وَلا وَاَللَّهِ لا تَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةَ
حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4383- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا أَسَرُوا
الأسَارَى - يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ - قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - لأبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاءِ الأسَارَى» ؟ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ
وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا
قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلامِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَرَى يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ» ؟ فَقَالَ: لا وَاَللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو
بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ؛
فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي
مِنْ فُلانٍ - نَسِيبًا لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَمَكِّنْ فُلانًا
مِنْ فُلانٍ - قَرَابَتِهِ - فَإِنَّ هَؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ
وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوَى
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ
يَهْوَ مَا قُلْت، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْت فَإِذَا رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ،
قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ
وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً
تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ
الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ» . - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ
فِي الأرْضِ} إلَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا
طَيِّبًا} فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ.
(2/474)
4384- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ
الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4385- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ
أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ،
وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلادَةٍ كَانَتْ لَهَا عِنْدَ خَدِيجَةَ،
أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً،
فَقَالَ: «إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا
لَهَا الَّذِي لَهَا» ؟ قَالُوا: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4386- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ.
4387- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ الأسْرَى - يَوْمَ
بَدْرٍ - لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلادَ الأنْصَارِ
الْكِتَابَةَ، قَالَ: فَجَاءَ يَوْمًا غُلامٌ يَبْكِي إلَى أَبِيهِ،
فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ قَالَ: ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي، قَالَ: الْخَبِيثُ
يَطْلُبُ بِذَحْلِ بَدْرٍ، وَاَللَّهِ لا تَأْتِيهِ أَبَدًا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ مِنْ
الْفَوَائِدِ رَبْطُ الْكَافِرِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَنُّ عَلَى الأسِيرِ
الْكَافِرِ والاغْتِسَالُ عِنْدَ الإِسْلامِ، وَأَنَّ الإِحْسَانَ يُزِيلُ
الْبُغْضَ وَيُثَبِّتُ الْحُبَّ. انْتَهَى مُلَخَّصًا إلى أن قَالَ: وَقَدْ
اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالأحَادِيثِ عَلَى مَا تَرْجَمَ الْبَابَ بِهِ
مِنْ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِي حَقِّ الأسَارَى، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ
أَنَّ الأمْرَ فِي الأسَارَى الْكَفَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ إلَى الإِمَامِ
يَفْعَلُ مَا هُوَ الأحْظَ لِلإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ. قَالَ
التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ:
وَالْعَمَلَ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَر أَهْلِ الْعِلْم مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ
يَمُنّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ الأسَارَى وَيَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ
وَيَفْدِيَ مَنْ شَاءَ.
بَابُ أَنَّ الأسِيرَ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ
عَنْهُ
4388- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ
لِبَنِي عُقَيْلٍ
(2/475)
فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسَرَ أَصْحَابُ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ
وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ،
فَأَتَاهُ فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ» ؟ فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي وَأَخَذْتَ
سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ يَعْنِي الْعَضْبَاءَ، فَقَالَ: «أَخَذْتُكَ
بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ» . ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَادَاهُ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَا ... شَأْنُكَ» ؟ قَالَ: إنِّي
مُسْلِمٌ، قَالَ: «لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْتَ
كُلَّ الْفَلاحِ» . ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ يَا
مُحَمَّدُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ» ؟ فَقَالَ: إنِّي جَائِعٌ
فَأَطْعِمْنِي، وَظَمْآنُ فَاسْقِنِي، قَالَ: «هَذِهِ حَاجَتُكَ» .
فَفُدِيَ بَعْدُ بِالرَّجُلَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «بِجَرِيرَةِ
حُلَفَائِكَ» الْجَرِيرَةُ: الْجِنَايَةُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ:
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ثَقِيفًا لَمَّا نَقَضُوا الْمُوَادَعَةَ الَّتِي
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُنْكِرْ
عَلَيْهِمْ بَنُو عُقَيْلٍ صَارُوا مِثْلَهُمْ فِي نَقْض الْعَهْدِ. وَفِي
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ الْبَابَ بِهِ مِنْ
أَنَّهُ لا يَزُولُ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الأسِيرِ بِمُجَرَّدِ
إسْلامِهِ، لأنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ فِي
الأسْرِ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَفُكَّهُ
مِنْ أَسْرِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ مِلْكِ مَنْ أَسَرَهُ.
وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ
قَبُولِ إسْلامِ مَنْ عَرَفَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي الإِسْلامِ
وَإِنَّمَا دَعَتْهُ إلَى ذَلِكَ الضَّرُورَةُ وَلاسِيَّمَا إذَا كَانَ فِي
عَدَمِ الْقَبُولِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
بَابُ الأسِيرِ يَدَّعِي الإِسْلامَ قَبْلَ الأسْرِ وَلَهُ شَاهِدٌ
4389- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ
بِالأسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا
يَنْفَلِتَنَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ» . قَالَ
... عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إِلا
سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الإِسْلامَ،
قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا رَأَيْتُنِي
فِي ... يَوْمٍ أَخْوَفَ أَنْ يَقَعَ عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ
مِنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إِلا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ» . قَالَ: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} إلَى آخِرِ الآيَاتِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(2/476)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْبَابَ مِنْ
أَنَّهُ يَجُوزُ فَكُّ الأسِيرِ مِنْ الأسْرِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ إذَا
ادَّعَى الإِسْلامَ قَبْلَ الأسرِ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدٌ،
بَابُ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ
4390- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ
بَعْدَ ثَلاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُهَا فِيهِمْ، سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ» . قَالَ: وَجَاءَتْ
صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذِهِ
صَدَقَاتُ قَوْمِنَا» . قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ
عَائِشَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَعْتِقِيهَا
فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4391- وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلاثُ خِصَالٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي بَنِي تَمِيمٍ لا أَزَالُ أُحِبُّهُمْ بَعْدَهُ
كَانَ عَلَى عَائِشَةَ مُحَرَّرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
-: «أَعْتِقِي مِنْ هَؤُلاءِ» . وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ: «هَذِهِ
صَدَقَاتُ قَوْمِي» . قَالَ: ... «وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ قِتَالًا فِي
الْمَلاحِمَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
4392- وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ - حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ
هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ
وَسَبْيَهُمْ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«أَحَبُّ الْحَدِيثِ إلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ، إمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ
اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ» . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ،
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
غَيْرُ رَادٍّ إلَيْهِمْ إِلا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا
نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:
«أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ إخْوَانَكُمْ هَؤُلاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ،
وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ
يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى
حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللهُ
عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ» . فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا
رَسُولَ اللهِ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «إنَّا لا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ
يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى تَرْفَعَ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ»
. فَرَجَعَ النَّاسُ
فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ
(2/477)
طَيَّبُوا وَأَذِنُوا، فَهَذَا الَّذِي
بَلَغْنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَأَبُو دَاوُد.
4393- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ
الْحَارِثِ فِي السَّبْيِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَوْ
لِابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً
حُلْوَةً مُلَّاحَةً، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ
أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهِ وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلاءِ مَا لَمْ
يَخْفَ عَلَيْكَ، فَجِئْتُك أَسْتَعِينُكَ عَلَى كِتَابَتِي، قَالَ:
«فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ» ؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ
اللهِ؟ قَالَ: «أَقْضِي كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكَ» . قَالَتْ: نَعَمْ
يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ» . قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ
إلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَ
جَوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، فَقَالَ النَّاسُ أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، قَالَتْ: فَلَقَدْ
أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ إيَّاهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى
قَوْمِهَا مِنْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ فِي رِوَايَةِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَقَالَ: لا أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ: لَيْسَ
عَلَى عَرَبِيٍّ مِلْكٌ، قَدْ سَبَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
الْعَرَبَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ حِينَ سَبَى بَنِي
نَاجِيَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ
الْعَرَبِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى فِي الْبَحْرِ
عَنْ الْعِتْرَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي
الْعَرَبِ إِلا الإِسْلامُ أَوْ السَّيْفُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ} الآيَةَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ قَتْلِ الْجَاسُوسِ إذَا كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ ذِمِّيًّا
4394- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - عَيْنٌ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ
يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْسَلَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«اُطْلُبُوهُ فَاقْتُلُوهُ» . فَسَبَقْتُهُمْ إلَيْهِ فَقَتَلْتُهُ،
فَنَفَّلَنِي سَلَبَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
4395- وَعَنْ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ ذِمِّيًّا، وَكَانَ
(2/478)
عَيْنًا لأبِي سُفْيَانَ وَحَلِيفًا
لِرَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ، فَمَرَّ بِحَلْقَةٍ مِنْ الأنْصَارِ فَقَالَ:
إنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ
يَقُولُ إنَّهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«إنَّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلُهُمْ إلَى إيمَانِهِمْ، مِنْهُمْ فُرَاتُ
بْنُ حَيَّانَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَتَرْجَمَهُ بِحُكْمِ
الْجَاسُوسِ الذِّمِّيِّ.
4396- وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأسْوَدِ
فقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا
ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا» . فَانْطَلَقْنَا
تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إلَى الرَّوْضَةِ،
فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ،
فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ،
أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا،
فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا فِيهِ:
مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى نَاسٍ ... مِنْ الْمُشْرِكِينَ
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَقَالَ ... رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا
حَاطِبُ مَا هَذَا» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إنِّي
كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا،
وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ
يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي
ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ
بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا وَلا
رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «لَقَدْ
صَدَقَكُمْ» . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ
هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: «إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ
لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (أَتَى النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ قَتْلُ الْجَاسُوسِ
الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ وَهُوَ بِاتِّفَاقٍ. قَالَ الشَّارِح: وَحَدِيثُ
فُرَاتٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْجَاسُوسِ الذِّمِّيِّ.
قَوْلُهُ: «إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ
فِي تَرْكِ قَتْلِهِ كَوْنُهُ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَلَوْلا ذَلِكَ
لَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ
يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
(2/479)
قَوْلُهُ: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ»
إلى آخره. هَذِهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لأهْلِ بَدْرٍ رِضْوَانُ اللهِ
عَلَيْهِمْ لَمْ تَقَعْ لِغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاتَّفَقُوا
أَنَّ الْبِشَارَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ
الآخِرَةِ لا بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ
وَغَيْرِهَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ أَنَّ عَبْدَ الْكَافِرِ إذَا خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا فَهُوَ
حُرٌّ
4397- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَعْتَقَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الطَّائِفِ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ
عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4398- وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ: سَأَلْنَا
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرُدَّ إلَيْنَا أَبَا
بَكْرَةَ - وَكَانَ مَمْلُوكَنَا فَأَسْلَمَ قَبْلَنَا - فَقَالَ: «لا،
هُوَ طَلِيقُ اللهِ، ثُمَّ طَلِيقُ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4399- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ عُبْدَانُ إلَى
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ
قَبْلَ الصُّلْحِ - فَكَتَبَ إلَيْهِ مَوَالِيهِمْ فَقَالُوا: وَاَللَّهِ
يَا مُحَمَّدُ مَا خَرَجُوا إلَيْكَ رَغْبَةً فِي دِينِكِ، وَإِنَّمَا
خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ، فَقَالَ نَاسٌ: صَدَقُوا يَا رَسُولَ
اللهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَقَالَ: «مَا أُرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى
يَبْعَثَ اللهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا» .
وَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُمْ وَقَالَ: «هُمْ عُتَقَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ هَرَبَ مِنْ عَبِيدِ الْكُفَّارِ إلَى
الْمُسْلِمِينَ صَارَ حُرًّا لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُمْ
عُتَقَاءُ اللهِ» وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يُنَجِّزَ عِتْقَهُمْ
كَمَا وَقَعَ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ.
بَابُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ
أَحْرَزَ أَمْوَالَه
4400- قَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «فَإِذَا
قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا» .
4401- وَعَنْ صَخْرِ ابْنِ عَيْلَةَ: أَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
فَرُّوا عَنْ أَرْضِهِمْ
(2/480)
حِينَ جَاءَ الإِسْلامُ فَأَخَذْتهَا
فَأَسْلَمُوا، فَخَاصَمُونِي فِيهَا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- فَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ: «إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَحَقُّ
بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
4402- وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ، فَقَالَ: «يَا صَخْرُ
إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ» .
4403- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الأعْشَمِ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي الْعَبْدِ إذَا جَاءَ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ جَاءَ
مَوْلاهُ فَأَسْلَمَ أَنَّهُ حُرٌّ، وَإِذَا جَاءَ الْمَوْلَى ثُمَّ جَاءَ
الْعَبْدُ بَعْدَ
مَا أَسْلَمَ مَوْلاهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: «اذْهَبْ إلَيْهِ» قُلْت: وَهُوَ
مُرْسَلٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ» الظَّاهِرُ أَنَّ الأمْوَالَ تَشْمَلُ الْمَنْقُولَ
وَغَيْرَ الْمَنْقُولِ، فَيَكُونُ الْمُسْلِمُ طَوْعًا أَحَقَّ بِجَمِيعِ
أَمْوَالِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا
أَسْلَمَ طَوْعًا كَانَتْ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ فِي مِلْكِهِ، وَلا فَرْقَ
بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إسْلامُهُ فِي دَارِ الإِسْلامِ أَوْ دَارِ الْكُفْرِ
عَلَى ظَاهِرِ الدَّلِيلِ. إلى أن قَالَ: وأحاديث الْبَابِ الأوَّلِ
تَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ مِنْ
أَنَّ عَبْدَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ صَارَ حُرًّا بِإِسْلامِهِ،
فَقَدْ دَلَّ عَلَى جَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّفْصِيلِ
غَيْرُهُ مِنْ الأحَادِيثِ فَلا يَضُرُّ إرْسَالُهُ.
بَابُ حُكْمِ الأرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ
4404- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ
فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللهَ وَرَسُولَهُ
فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4405- وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه
-: أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ
بَبَانًا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلا
قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ
وَلَكِنْ أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
4406- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: لَئِنْ عِشْت إلَى هَذَا الْعَامِ الْمُقْبِلِ
لا تُفْتَحُ لِلنَّاسِ
(2/481)
قَرْيَةٌ إِلا قَسَمْتُهَا بَيْنَهُمْ
كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
4407- وَعَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - حِينَ ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةً
وَثَلاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ، فَجَعَلَ نِصْفَ
ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ سِهَامُ
الْمُسْلِمِينَ وَسَهْمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا،
وَجَعَلَ النِّصْفَ الآخَرَ لِمَنْ يَنْزِلُ بِهِ مِنْ الْوُفُودِ
وَالأمُورِ وَنَوَائِبِ النَّاسِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4408- وَعَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ:
قَسَمَ ... رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ:
نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
قَسَمَهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4409- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - افْتَتَحَ بَعْضَ خَيْبَرَ عَنْوَةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4410- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا
وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَيْهَا وَدِينَارهَا، وَمَنَعَتْ
مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» .
شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ»
إلَى آخْره، فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الأرْضَ الْمَغْنُومَةَ تَكُونُ
لِلْغَانِمِينَ، قَالَ الْخَطَّابِيِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرْضَ
الْعَنْوَةِ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الأمْوَالِ الَّتِي تُغْنَمُ وَأَنَّ
خُمُسَهَا لأهْلِ الْخُمُسِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ.
قَوْلُهُ: «وَقَفِيزَهَا» الْقَفِيزُ: مِكْيَالٌ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكُ،
الْمُدْيُ: مِائَةٌ مد وَاثْنَانِ وَتِسْعُونَ مُدًّا، وَالإِرْدَبُّ
أَرْبَعَةً وَعِشْرونَ صَاعًا.
قَوْلُهُ: «وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» أَيْ رَجَعْتُمْ إلَى
الْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ،
(2/482)
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْلامِ
النُّبُوَّةِ، لِإِخْبَارِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا سَيَكُونُ مِنْ
مُلْكِ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الأقَالِيمَ وَوَضْعِهِمْ الْجِزْيَةَ
وَالْخَرَاجَ، ثُمَّ بُطْلانِ ذَلِكَ. وَوَجْهُ اسْتِدْلالِ الْمُصَنِّفِ
بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ عَلِمَ
بِأَنَّ الصَّحَابَةَ يَضَعُونَ الْخَرَاجَ عَلَى الأرْضِ وَلَمْ
يُرْشِدْهُمْ إلَى خِلافِ ذَلِكَ بَلْ قَرَّرَهُ وَحَكَاهُ لَهُمْ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ هَلْ هُوَ عَنْوَةٌ أَوْ صُلْحٌ؟
4411- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ ذَكَرَ فَتْحَ
مَكَّةَ فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ
مَكَّةَ فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنَّبَتَيْنِ وَبَعَثَ
خَالِدًا عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الأخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى
الْحُسَّرِ فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي كَتِيبَتِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا،
وَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا
مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا، قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: فَفَطِنَ فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» . قُلْت:
لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «اهْتِفْ لِي بِالأنْصَارِ وَلا
يَأْتِينِي إِلا أَنْصَارِيٌّ» . فَهَتَفَ بِهِمْ فَجَاءُوا فَطَافُوا
بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «تَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ
قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ» ؟ ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إحْدَاهُمَا عَلَى
الأخْرَى: «اُحْصُدُوهُمْ حَصَدًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا» . قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ
يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ إِلا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ
يُوَجِّهُ إلَيْنَا شَيْئًا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ
آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» . فَأَغْلَقَ
النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَفِي يَدِهِ
قَوْسٌ وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ فَأَتَى فِي طَوَافِهِ عَلَى
صَنَمٍ إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَعْبُدُونَهُ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهِ فِي
عَيْنِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} ثُمَّ أَتَى
الصَّفَا فَعَلا حَيْثُ يَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ، فَرَفَعَ
يَدَهُ فَجَعَلَ يَذْكُرُ اللهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُوَهُ
وَالأنْصَارُ تَحْتَهُ، قَالَ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا
الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ
بِعَشِيرَتِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَجَاءَ الْوَحْيُ وَكَانَ إذَا
جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يَرْفَعُ
طَرَفَهُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يُقْضَى،
فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ رَفَعَ
(2/483)
رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ
الأنْصَارِ أَقُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي
قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ» ؟ قَالُوا: قُلْنَا ذَلِكَ يَا
رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَمَا اسْمِي إذَنْ؟ كَلًّا إنِّي عَبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ،
وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ» . فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ:
وَاَللَّهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلا الضِّنَّ بِرَسُولِ اللهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذُرَانِكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4412- وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: ذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ
ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ
هَذِهِ» ؟ فَقُلْت: أَنَا أُمُّ هَانِئِ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ:
«مَرْحَبًا يَا أُمَّ هَانِئٍ» . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ
فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا
انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ - أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ - فُلانَ بْنَ
هُبَيْرَةَ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ
أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» . قَالَتْ: وَذَلِكَ ضُحًى.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4413- وَفِي لَفْظٍ لأحْمَدَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ
أَجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي، فَأْدْخَلْتُهُمَا بَيْتًا
وَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِمَا بَابًا، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ،
فَتَفَلَّتَ عَلَيْهِمَا بِالسَّيْفِ. وَذَكَرَتْ حَدِيثَ أَمَانِهِمَا.
4414- وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ
أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ
وَرْقَاءَ
يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى
أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ
لِلْعَبَّاسِ: «احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ خَطْمِ الْجَبلِ حَتَّى
يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ» . فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ
الْقَبَائِلُ تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، حَتَّى
أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا، قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ
هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الأنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ
مَعَهُ الرَّايَةُ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا ... أَبَا
سُفْيَانَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ
الْكَعْبَةُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ
الذِّمَارِ. ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ، وَهْىَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ،
(2/484)
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ
الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ
بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: «وَمَا قَالَ» ؟ قَالَ: قَالَ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ: «كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ
الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ» . قَالَ: وَأَمَرَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ
بِالْحَجُونِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟ قَالَ: نعم. وَأَمَرَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ
أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِىُّ -
صلى الله عليه وسلم - مِنْ كدي. رواه البخاري.
4415- وَعَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ
مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ إِلا
أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ. رواه النسائي وأبو داود.
4416- وَعَنْ أُبَيِّ بن كَعْب قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُد قُتِلَ
مِنَ الأنْصَارِ سِتُّونَ رَجُلاً. وَمِن الْمُهَاجِرِينَ سِتَّة فَقَالَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَئِنْ كَانَ لَنَا
يَوْمٌ مِثْلَ هَذَا مِنَ الْمُشرِكِينَ لنربين عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا كَانَ
يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ رَجُلٌ لا يعرف: لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ.
فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَمِنَ الأسْوَدُ
وَالأبْيَضُ إِلا فُلانًا وَفُلانًا نَاس سَمَّاهُمْ فَأَنْزَلَ اللهُ
تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ
وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «نَصْبِرْ وَلا نُعَاقبْ» . رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بن
أَحْمَدْ فِي الْمُسْنَدْ.
4417، 4418- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةُ وَأَبِي شُرَيْح إِلا
أَنَّ فِيهِمَا: «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَار» .
وَأَكْثَرُ هَذِهِ الأحَأدِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ عُنْوَةْ.
4419- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللهِ أَلا تَبْنِي لَنَا بَيْتًا بِمِنَى يَظلك؟ قَالَ: «لا منى
مناخ لِمَنْ سَبَق» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النِّسَائِي. وَقَالَ
التِّرْمِذيُّ: حَدِيث حسنْ.
4420- وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ
مَكَّةَ إِلا السَّوَائِبَ مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ وَمَنِ اسْتَغْنَى
أَسْكَنَ. رَوَاهُ ابن ماجة.
(2/485)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبتين) بِضَمِّ الْجِيم وَكَسْرِ
النُّون الْمُشَدَّدَةْ. قَالَ فِي الْقَامُوس: والْمجنبة بِفَتْحِ
النُّونِ الْمُقدمة والْمجنبتان بالكسر الميمة والميسرة.
قَوْلُهُ: (بِسِيَةِ قُوسِه) سِيَةُ الْقَوْسِ: مَا تعَطَفَ مِنْ
الطَّرَفَيْنِ لأنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ
الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مُخَفَّفَةٌ.
قَوْلُهُ: (يَوْمَ الذَّمَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةْ وَتَخْفِيف الْمِيمْ
أي الْهَلاكِ. قَالَ الْخَطَّابِي: تَمَنَّى أَبُو سُفْيَان أَنْ يَكُونَ
لَهُ يَدُ فَيحمِي قَوْمَهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ. وَقِيلَ: الْمُرادُ هَذَا
يَوْمَ الْغَضَبِ لِلْحَرِيم وَالأهْلِ. وَقِيلَ: الْمُراد هَذَا يَوْم
يلزمك فيهِ حِفْظِي وِحِمَايَتِي مِنْ أَنْ يَنَالَنِي فِيهِ مَكْرُوه.
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة وَحَدِيث أُمُّ هَانِئ مَنْ
قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ فتحت عَنْوَة. وَفِي حَدِيثِ سَعْد وَحَدِيث أُبَي بن
كَعْب عَلَى أَنَّ مَكَّة فُتِحَتْ صلْحًا. وَقَدْ اختلف أَهْلِ الْعِلْم
فِي ذَلِك فَذَهَبَ الأكْثَر إِلَى أَنَّهَا فتحت عُنْوة. وَعَنْ
الشَّافِعي وَرِوَايَة أَحْمَد أَنَّهَا فُتِحَتْ عُنْوة قَوْلهُ - صلى
الله عليه وسلم -: «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعةٌ مِنْ نَهَار» . قَالَ
الْحَافِظْ: وَالْحَقَّ أَنَّ صُورَة فتحها كان عُنْوَةْ وَمُعَامَلة
أَهْلِهَا مُعَامَلة مَنْ دَخَلَتْ بِأَمَانْ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ بَقَاءِ الْهِجْرَةِ من دار الحرب إلَى دَارِ الإِسْلامِ
وَأَنْ لا هِجْرَةَ مِنْ دَارٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا
4421- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ
فَهُوَ مِثْلُهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4422- وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ فَاعْتَصَمَ
نَاسٌ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ
وَقَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ
الْمُشْرِكِينَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِمَ؟ قَالَ: «لا
تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
(2/486)
4423- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه -
قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا
تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ
التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4424- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ
مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
4425- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ
وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إِلا ابْنَ مَاجَةْ.
4426- لَكِنْ لَهُ مِنْهُ «إذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» .
4427- وَرَوَتْ عَائِشَةُ مِثْلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4428- وَعَنْ عَائِشَةَ - وَسُئِلَتْ عَنْ الْهِجْرَةِ - فَقَالَتْ: لا
هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُ يَفِرُّ بِدِينِهِ إلَى اللهِ
وَرَسُولِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ
اللهُ الإِسْلامَ، وَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
4429- وَعَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدِ
بْنِ مَسْعُودٍ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَذَا
مُجَالِدٌ جَاءَ يُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: «لا هِجْرَةَ
بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلامِ
وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَهُوَ مِثْلُهُ»
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيم مُسَاكَنَة الْكُفَّار وَوُجُوب
مُفَارَقَتْهِمْ. وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَال لَكِن يَشْهَدْ
لِصِحَّتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ} .
قَوْلُهُ «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» أَصْلُ الْهِجْرَةِ هَجْرُ
الْوَطَنِ، وَأَكْثَرُ مَا تُطْلَقُ عَلَى مَنْ رَحَلَ مِنْ الْبَادِيَةِ
إلَى الْقَرْيَةِ.
قَوْلُهُ: «وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» . قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ:
هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ حُكْمِ مَا بَعْدَهُ لِمَا
قَبْلَهُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ
الْوَطَنِ الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الأعْيَانِ إلَى الْمَدِينَةِ
انْقَطَعَتْ إِلا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ،
وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَالْفِرَارِ مِنْ
دَارِ الْكُفْرِ
(2/487)
وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ
وَالْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنْ الْفِتَنِ وَالنِّيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ:
الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ،
وَكَانَتْ فَرْضًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَاَلَّتِي
انْقَطَعَتْ أَصْلًا هِيَ الْقَصْدُ إلَى حَيْثُ كَانَ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
(2/488)
|