بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ الأمَانِ وَالصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ

بَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ بِالأمَانِ وَصِحَّتِهِ مِنْ الْوَاحِدِ

4430- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4431- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غُدْرَتِهِ، أَلا وَلا غَادِرَ أَعْظَمَ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

4432- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

4433- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ» يَعْنِي تُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي حَدِيث أَنَس وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيد دَلِيل عَلَى تَحْرِيم الْغَدْرِ وَغِلَظه لاسِيَّمَا من صَاحِب الْولاية الْعَامَةُ لأنْ غَدْرُهُ يَتَعَدَّى ضَرَرَهُ إِلَى خَلْق كَثِير.

قَوْلُهُ: «يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» أَيْ: أَقَلُّهُمْ، فَدَخَلَ كُلُّ وَضِيعٍ بِالنَّصِّ، وَكُلُّ شَرِيفٍ بِالْفَحْوَى، وَدَخَلَ فِي الأدْنَى الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ الصَّبِيِّ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَلامُ غَيْرِهِ يُشْعِرُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُرَاهِقِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْقِلُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

(2/489)


بَاب ثُبُوت الأمَانِ لِلْكَافِرِ إذَا كَانَ رَسُولاً

4434- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ - رَسُولا مُسَيْلِمَةَ - إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُمَا: «أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللهِ» ؟ قَالا: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا» . قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

4435- وَعَنْ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الأشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْت - حِينَ قرأ كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ - قَالَ لِلرَّسُولَيْنِ: «فَمَا تَقُولانِ أَنْتُمَا» ؟ قَالا: نَقُولُ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاَللَّهِ لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْت أَعْنَاقَكُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

4436- وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ -مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَعَ فِي قَلْبِي الإِسْلامُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ لا أَرْجِعُ إلَيْهِمْ، قَالَ: «إنِّي لا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ، وَلا أَحْبِسُ الْبُرُدَ، وَلَكِنْ ارْجِعْ إلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِك الَّذِي فِيهِ الآنَ فَارْجِعْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ: هَذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْيَوْمَ لا يَصْلُحُ. وَمَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي شَرَطَ لَهُمْ فِيهَا أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (ابْنَ النَّوَّاحَةِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَبَعْدَ الألِفِ مُهْمَلَةٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللهِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ حِنَةٌ، وَإِنِّي مَرَرْت بِمَسْجِدٍ لِبَنِي حَنِيفَةَ فَإِذَا هُمْ يُؤْمِنُونَ بِمُسَيْلِمَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ فَجِيءَ بِهِمْ فَاسْتَتَابَهُمْ غَيْرَ ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَالَ لَهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «لَوْلا أَنَّك رَسُولٌ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، فَأَنْتَ الْيَوْمَ لَسْت بِرَسُولٍ» . فَأَمَرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فِي السُّوقِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَتِيلاً فِي السُّوقِ. وَالْحَدِيثَانِ الأوَّلانِ يَدُلَّانِ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الرُّسُلِ الْوَاصِلِينَ مِنْ الْكُفَّارِ إنْ تَكَلَّمُوا بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ فِي حَضْرَةِ الإِمَامِ. وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ لِلْكُفَّارِ كَمَا يَجِبُ لِلْمُسْلِمِينَ لأنَّ الرِّسَالَةَ تَقْتَضِي جَوَابًا يَصِلُ عَلَى يَدِ

(2/490)


الرَّسُولِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِ الْعَهْدِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ مَعَ الْكُفَّارِ
وَمُدَّةِ الْمُهَادَنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

4437- عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا، إِلا أَنِّي خَرَجْت أَنَا وَأَبِي الْحُسَيْلِ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ وَمَا نُرِيدُ إِلا الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لِنَنْطَلِقَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ. وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ رَأَى يَمِينَ الْمُكْرَهِ مُنْعَقِدَةً.

4438- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لا نَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، وَمَنْ جَاءَ مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4439- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ» . فَوَاَللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إذَا هُمْ بِقَتَرَةٍ الْجَيْش، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَته، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلأتْ الْقَصْوَاءُ خَلأتْ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا خَلأتْ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ» . قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا» . ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمْدٍ قَلِيلٍ الْمَاءِ

(2/491)


يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثْ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاَللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ جَاءَهُمْ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إنِّي تَرَكْت كَعْبَ بْنِ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنِ لُؤَيٍّ، نَزَلُوا إعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوك وَصَادُّوك عَنْ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَهُ» . فَقَالَ بُدَيْلُ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَدْ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ
أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لا حَاجَةَ لَنَا إلَى أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَيْ قَوْمُ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوْ لَسْت بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْت أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ اقْبَلُوهَا وَذَرُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْصَلْت أَمْرَ قَوْمِك هَلْ سَمِعْت بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَك؟ وَإِنْ تَكُنْ الأخْرَى فَإِنِّي وَاَللَّهِ لأرَى وُجُوهًا، أَوْ إنِّي لأرَى أَشْوَابًا مِنْ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوك، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: اُمْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ إنْ نَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَك عِنْدِي وَلَمْ أَجْزِك بِهَا لأجَبْتُكَ. قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ

(2/492)


السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ ... إلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَك عَنْ لِحْيَةِ ... رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ أَلَسْت أَسْعَى فِي غَدْرَتِك؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا الإِسْلامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْت مِنْهُ فِي شَيْءٍ» . ثُمَّ إنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَيْنِهِ، قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّك بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا
تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمُ، وَاَللَّهِ لَقَدْ وَفَدْت عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْت عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاَللَّهِ إنْ رَأَيْت مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاَللَّهِ إنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّك بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ. دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا فُلانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ» . فَبَعَثُوهَا لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْت الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ» . فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُهُ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ سَهَّلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» . قَالَ: مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ ابْنُ عَمْرِو فَقَالَ: هَاتِ اُكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اُكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنْ اُكْتُبْ:

(2/493)


بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كُنْت تَكْتُبُ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاَللَّهِ لا نَكْتُبُهَا إِلا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اُكْتُبْ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ» . ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -» . فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاَللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاك عَنْ الْبَيْتِ وَلا قَاتَلْنَاك وَلَكِنْ اُكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاَللَّهِ إنِّي لَرَسُولُ اللَّه وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اُكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ» . - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا» . قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفُ بِهِ» . فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاَللَّهِ لا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنْ لا يَأْتِيَكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلا رَدَدْتَهُ إلَيْنَا، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ كَيْفَ يُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ» . قَالَ: فَوَاَللَّهِ إذَنْ لا أُصَالِحُك عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَأَجِزْهُ لِي» . فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، فَقَالَ: «بَلَى فَافْعَلْ» . قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَرْنَاهُ لَك، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: أَلَسْت نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: «بَلَى» . قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَى» . قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إذَنْ؟ قَالَ: «إنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي» . قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى» . فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْت: لا، قَالَ: فَإِنَّك آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيُّ
اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْت: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إذَنْ؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاَللَّهِ إنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ

(2/494)


يُحَدِّثُنَا أَنَا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَك أَنَّك تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَإِنَّك إذَنْ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأصْحَابِهِ: ... «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا» . فَوَاَللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّه أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اُخْرُجْ وَلا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقًا فَيَحْلِقَك، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بدنه. وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} - حَتَّى بَلَغَ - {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ تَمْر لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لأحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاَللَّهِ إنِّي لأرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ وَاَللَّهِ إنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْت بِهِ ثُمَّ جَرَّبْت، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُ: «لَقَدْ
رَأَى هَذَا ذُعْرًا» . فَلَمَّا انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُتِلَ وَاَللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَك، قَدْ رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ» . فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سيف الْبَحْرَ، قَالَ: وَتَفَلَّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاَللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إلَى الشَّامِ إِلا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُنَاشِدُهُ اللهَ

(2/495)


وَالرَّحِمَ لَمَا أَرْسَلَ إلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَيْهِمْ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} - حَتَّى بَلَغَ - ... {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} وَكَانَ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

4440- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَفِيهِ: وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُشْرِكُهَا وَمُسْلِمُهَا. وَفِيهِ: «هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَسُهَيْلُ ابْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ» . وَفِيهِ: «وَإِنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَإِنَّهُ لا إغْلالَ وَلا إسْلالَ» . وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ «أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ» . فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» . وَفِيهِ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحِلِّ.
4441- وَعَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ قَالا: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لا يَأْتِيك أَحَدٌ مِنَّا - وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِك - إلا رَدَدْتَهُ إلَيْنَا وَخَلَّيْت بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرْجِعُهَا إلَيْهِمْ فَلَمْ يُرْجِعْهَا إلَيْهِمْ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِنَّ: {إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} إلَى {وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

4442- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

(2/496)


كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ أَنْ يَرُدُّوا إلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لا يُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ قُرَيْبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيُّ، فَتَزَوَّجَ قُرَيْبَةَ مُعَاوِيَةُ، وَتَزَوَّجَ الأخْرَى أَبُو جَهْمٍ، فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَدَاءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} وَالْعِقَابُ: مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إلَى مَنْ هَاجَرَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْكُفَّارِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللَّاتِي هَاجَرْنَ وَمَا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إيمَانِهَا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

قَوْلُهُ: (الأحَابِيشُ) : أَيْ الْجَمَاعَاتُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنْ قَبَائِلَ. وَالتَّحَبُّشُ: التَّجَمُّعُ، وَالْجَنْبُ: الأمْرُ، يُقَالُ: مَا فَعَلْت كَذَا فِي جَنْبِ حَاجَتِي، وَهُوَ
أَيْضًا الْقِطْعَةُ مِنْ الشَّيْءِ تَكُونُ مُعْظَمَهُ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُ وَمَحْرُوبِينَ: أَيْ مَسْلُوبِينَ قَدْ أُصِيبُوا بِحَرْبٍ وَمُصِيبَةٍ، وَيُرْوَى (مَوْتُورِينَ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَوْلُهُ: الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، يَعْنِي: النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. وَالْعَائِذُ: النَّاقَةُ الْقَرِيبُ عَهْدُهَا بِالْوِلادَةِ. وَالْمُطْفِلُ: الَّتِي مَعَهَا فَصِيلُهَا. وَحَلْ حَلْ: زَجْرٌ لِلنَّاقَةِ. وَأَلَحَّتْ: أَيْ لَزِمَتْ مَكَانَهَا. وَخَلأتْ: أَيْ حَرِنَتْ. وَالثَّمَدُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَالتَّبَرُّضُ: أَخْذُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا. وَالْبَرَضُ: الْقَلِيلُ. وَالأعْدَادُ جَمْعُ عِدٍّ: وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي لا انْقِطَاعَ لِمَادَّتِهِ. وَجَاشَتْ بِالري: أَيْ فَارَتْ بِهِ. وَعَيْبَةُ نُصْحِهِ: أَيْ مَوْضِعُ سِرِّهِ؛ لأنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَضَعُ فِي عَيْبَتِهِ حُرَّ مَتَاعِهِ. وَجَمُّوا: أَيْ اسْتَرَاحُوا. وَالسَّالِفَةُ صَفْحَةُ الْعُنُقِ. وَالْخِطَّةُ: الأمْرُ وَالشَّأْنُ. وَالأوْشَابُ: الأخْلاطُ مِنْ النَّاسِ، مَقْلُوبُ الأوْبَاشِ وَالضُّغْطَةُ - بِالضَّمِّ - الشِّدَّةُ وَالتَّضْيِيقُ. وَالرَّسْفُ: الشَّيْءُ الْمُقَيَّدُ. وَالْغَرْزُ لِلرَّحْلِ بِمَنْزِلَةِ الرِّكَابِ مِنْ السَّرْجِ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى بَرَدَ: أَيْ مَاتَ. وَمِسْعَرُ حَرْبٍ: أَيْ مُوقِدُ حَرْبٍ، وَالْمِسْعَرُ وَالْمِسْعَارُ مَا تحْمَى بِهِ النَّارُ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ. وَسِيفُ الْبَحْرِ: سَاحِلُهُ. وَامْتَعَضُوا مِنْهُ: كَرِهُوا وَشَقَّ عَلَيْهِمْ، وَالْعَاتِقُ: الْجَارِيَةُ حِينَ تُدْرِكُ. وَالْعَيْبَةُ: الْمَكْفُوفَةُ الْمُشْرِجَةُ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ الْقُلُوبِ وَنَقَائِهَا مِنْ الْغِلِّ وَالْخِدَاعِ. وَالإِغْلالُ: الْخِيَانَةُ. وَالإِسْلالُ مِنْ السِّلَّةِ وَهِيَ السَّرِقَةُ.

(2/497)


وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فَوَائِدَ كَثِيرَةً فَنُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا إشَارَةً تُنَبِّهُ مَنْ يَتَدَبَّرُهُ عَلَى بَقِيَّتِهَا. فِيهِ أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتٌ لِلْعُمْرَةِ كَالْحَجِّ، وَأَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ سُنَّةٌ فِي نَفْلِ النُّسُكِ وَوَاجِبِهِ. وَأَنَّ الإِشْعَارَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَأَنَّ أَمِيرَ الْجَيْشِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْعَثَ الْعُيُونَ أَمَامَهُ نَحْوَ الْعَدُوِّ، وَأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمُشْرِكِ الْمَوْثُوقِ بِهِ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ؛ لأنَّ عُيَيْنَةَ الْخُزَاعِيَّ كَانَ كَافِرًا، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مَعَ كُفْرِهَا عَيْبَةَ نُصْحِهِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ مَشُورَةِ الْجَيْشِ، إمَّا
لِاسْتِطَابَةِ نُفُوسِهِمْ أَوْ اسْتِعْلامِ مَصْلَحَةٍ، وَفِيهِ جَوَازُ سَبْيِ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ بِانْفِرَادِهِمْ قَبْلَ التَّعَرُّضِ لِرِجَالِهِمْ. وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ جَوَازُ التَّصْرِيحِ بِاسْمِ الْعَوْرَةِ لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِفُحْشٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَفِي قِيَامِ الْمُغِيرَةِ عَلَى رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ اسْتِحْبَابُ الْفَخْرِ وَالْخُيَلاءِ فِي الْحَرْبِ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي ذَمِّهِ لِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا. وَفِيهِ أَنَّ مَالَ الْمُشْرِكِ الْمُعَاهَدِ لا يُمْلَكُ بِغَنِيمَةٍ بَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ. وَفِيهِ بَيَانُ طَهَارَةِ النُّخَامَةِ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّفَاؤُلِ، وَأَنَّ الْمَكْرُوهَ الطِّيَرَةُ وَهِيَ التَّشَاؤُمُ. وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْجَدِّ. وَفِيهِ أَنَّ مُصَالَحَةَ الْعَدُوِّ بِبَعْضِ مَا فِيهِ ضَيْمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ دَفْعًا لِمَحْذُورٍ أَعْظَمَ مِنْهُ. وَفِيهِ أَنَّ مَنْ وَعَدَ أَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَلَمْ يُسَمِّ وَقْتًا فَإِنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي. وَفِيهِ أَنَّ الْحَلاق نُسُكٌ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَأَنَّ لَهُ نَحْرَ هَدْيِهِ بِالْحِلِّ لأنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي نَحَرُوا فِيهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحِلِّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} وَفِيهِ أَنَّ مُطْلَقَ أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْفَوْرِ، وَأَنَّ الأصْلَ مُشَارَكَةُ أُمَّتِهِ لَهُ فِي الأحْكَامِ. وَفِيهِ أَنَّ شَرْطَ الرَّدِّ لا يَتَنَاوَلَ مَنْ خَرَجَ مُسْلِمًا إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الإِمَامِ. وَفِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ لا يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِنَّ لِلآيةِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِنَّ فِي الصُّلْحِ، فَقِيلَ: لَمْ يَدْخُلْنّ فِيهِ لِقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ لا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ إِلا رَدَدْتَهُ. وَقِيلَ: دَخَلْنَ فِيهِ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايةٍ أُخْرَى: لا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ لَكِن نُسِخَ ذَلِكَ، أَوْ بُيِّنَ فَسَادُهُ بِالآيةِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَنْبِيه عَلَى غَيْرِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيل» . مُنَاسَبَةٌ ذَكَرَهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ لَوْ دَخَلُوا مَكَّة عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَدَّهُمْ قُرْيش عَنْ ذَلِكَ لَوَقَعَ

(2/498)


بَيْنَهُمْ قِتَالٌ قَدْ يُفْضِي إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَنَهْبِ الأَمْوَالِ كَمَا لَوْ قُدِّرَ دُخُولُ الْفِيل وَأَصْحَابه مَكَّةَ، لَكِن سَبَقَ فِي عَلْمِ اللهِ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ
فَي الإِسْلامِ خَلْقٌ مِنْهُمْ وَسَيُخْرِجُ مِنْ أَصْلابِهِمْ نَاسٌ يُسْلِمُونَ وَيُجَاهِدُونَ. وَكَانَ بِمَكَّة جَمْعٌ كَثِيرٌ مُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي هَذِهِ الْقِصَّة جَوَازُ التَّشْبِيه مِنْ الْجِهَةِ الْعَامَّةِ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْجِهَةُ الْخَاصَّةُ لأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ مَحْضٍ وَأَصْحَابَ هَذِهِ النَّاقَة كَانُوا عَلَى حَقٍّ مَحْضٍ، وَلَكِن جَاءَ التَّشْبِيه مِنْ جِهَةِ إِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى مَنْع الْحَرَمِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْخَطابِيُّ: مَعْنَى تَعْظِيم حُرُمَاتِ اللهِ فِي هَذِهِ تَرْك الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ وَالْجُنُوحِ إِلَى الْمُسَالَمَةِ وَالْكّفِّ عَنْ إِرَادَةِ سَفْكِ الدِّمَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقٍ: يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ حُرُمَاتِ اللهِ.

بَابُ جَوَازِ مُصَالَحَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً

4443- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ خَيْبَرَ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إلَى قَصْرِهِمْ وَغَلَبَهُمْ عَلَى الأرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلُوا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ وَلِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْحَلْقَةُ وَهِيَ السِّلاحُ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَكْتُمُوا وَلا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيٌّ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتْ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمِّ حُيَيِّ وَاسْمُهُ سَعْيَةُ: «مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ النَّضِيرِ» ؟ قَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ: «الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ» . وَقَدْ كَانَ حُيَيِّ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَعْيَةَ إلَى الزُّبَيْرِ فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ حُيَيًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَا هُنَا. فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي
هَذِهِ الأرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا لأصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ عَلَيْهَا وَكَانُوا لا يَفْرُغُونَ أَنْ

(2/499)


يَقُومُوا عَلَيْهَا فَأَعْطَاهُمْ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَشَيْءٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْتِيهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُضَمِّنُهُمْ الشَّطْرَ، فَشَكَّوْا إلَى ... رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةَ خَرْصِهِ وَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: تُطْعِمُونِي السُّحْتَ، وَاَللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وَلأنْتُمْ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إيَّاكُمْ، وَحُبِّي إيَّاهُ عَلَى أَنْ لا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ غَشُّوا، فَأَلْقَوْا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ فَفَدَعُوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ، فَقَسَمَهَا عُمَرُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَئِيسُهُمْ: لا تُخْرِجْنَا دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِرَئِيسِهِمْ: أَتُرَاهُ سَقَطَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ «كَيْفَ بِكَ إذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا» . وَقَسَمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: أَنَّ تَبَيُّنَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ الْمَشْرُوطِ يُفْسِدُ الصُّلْحَ حَتَّى فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَأَنَّ قِسْمَةَ الثِّمَارِ خَرْصًا مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ جَائِزَةٌ، وَأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ جَائِزٌ، وَأَنَّ مُعَاقَبَةَ مَنْ يَكْتُمُ مَالًا جَائِزَةٌ، وَأَنَّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً يَجُوزُ قِسْمَتُهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ.

4444- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا فَتَظْهَرُونَ عَلَيْهُمْ فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ،
فَتُصَالِحُونَهُمْ عَلَى صُلْحٍ فَلا تُصِيبُوا مِنْهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْحَلْقَةُ) فِيهِ مُصَالَحَةُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَئِيسُهُمْ: لا تُخْرِجْنَا، دعنا نكون فيها كما أقرنا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) الذي فِي الْبُخَارِيِّ: (وقد أقرنا محمد) قَالَ الحافظ: تنبيه، وقع للْحُمَيْدِيِّ

(2/500)


نِسْبَةِ رواية حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ مطولة جدًا إلَى الْبُخَارِيِّ، وَكَأَنَّهُ نَقَلَ السِّيَاقَ مِنْ مُسْتَخْرَجِ الْبَرْقَانِيّ كعادته، وذَهِلَ عَنْ عَزْوِ إليه، ِوَقَدْ نَسبهَ الإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى أَنَّ حَمَّادًا كَانَ يُطَوِّلُهُ تَارَةً وَيَرْوِيهِ تَارَةً مُخْتَصَرًا. قَالَ الشَّارِح: وَقَدْ وَهِمَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ فِي نِسْبَةِ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى الْبُخَارِيِّ، وَلَعَلَّهُ نَقَلَ لَفْظَ الْحُمَيْدِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَالْحُمَيْدِيِّ كَأَنَّهُ نَقَلَ السِّيَاقَ مِنْ مُسْتَخْرَجِ الْبَرْقَانِيِّ إلى أنْ قَالَ: وذَهِلَ عَنْ عَزْوِ إلَى الْبَرْقَانِيِّ وَعَزَاهُ إلَى الْبُخَارِيِّ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «فَلا تُصِيبُوا مِنْهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وُقُوعِ الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَنَقْضِ الْعَقْدِ وَهُمَا مُحَرَّمَانِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ سَارَ نَحْوَ الْعَدُوِّ فِي آخِرِ مَدَّةِ الصُّلْحِ بَغْتَةً

4445- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَسِيرُ بِأَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَدٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُمْ، فَإِذَا انْقَضَى الأمَدُ غَزَاهُمْ، فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى دَابَّةٍ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لا غَدْرٌ، إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلا يَحِلَّنَّ عُقْدَةً وَلا يَشُدَّنَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبُذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ» . فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعَ فَإِذَا الشَّيْخُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْبَابَ مِنْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْمَسِيرُ إلَى الْعَدُوِّ فِي آخِرِ مُدَّةِ الصُّلْحِ بَغْتَةً، بَلْ الْوَاجِبُ الِانْتِظَارُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ أَوْ النَّبْذُ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ.

بَابٌ الْكُفَّارُ يُحَاصَرُونَ فَيَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

4446- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ - أَوْ - خَيْرِكُمْ» . فَقَعَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

(2/501)


فَقَالَ: «إنَّ هَؤُلاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» . قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، فَقَالَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ» .

4447- وَفِي لَفْظٍ قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نُزُولُ الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَلْزَمُهُمْ مَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ.

بَابُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَعَقْدِ الذِّمَّةِ

4448- عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
4449- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

4450- وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَامِلِ كِسْرَى: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

4451- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ وَجَاءَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَشَكَوْهُ إلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: «أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ» . قَالَ: كَلِمَةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: «كَلِمَةً وَاحِدَةً قُولُوا: لا إلَهَ إِلا اللهُ» . قَالُوا: إلَهًا وَاحِدًا مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ، قَالَ: فَنَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} إلَى قَوْلِهِ: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

4452- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: «إنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» . يَعْنِي أَهْلَ

(2/502)


الذِّمَّةِ مِنْهُمْ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.

4453- وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي حَدِيثٍ لِمُعَاذٍ.

4454- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الأنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4455- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَبِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ وَكَانُوا مَجُوسًا. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الأمْوَالِ.

4456- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ، فَأَخَذُوهُ فَأَتَوْا بِهِ فَحَقَنَ دَمَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لا تَخْتَصُّ بِالْعَجَمِ؛ لأنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ عَرَبِيٌّ مِنْ غَسَّانَ.

4457- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَالَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي صَفَرٍ، وَالْبَقِيَّةُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهَا إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَارِيَّةٍ ثَلاثِينَ دِرْعًا وَثَلاثِينَ فَرَسًا وَثَلاثِينَ بَعِيرًا وَثَلاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلاحِ يَغْزُونَ بِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ ذَاتُ غَدْرٍ عَلَى أَنْ لا يُهْدَمَ لَهُمْ بِيَعَةٌ، وَلا يُخْرَجَ لَهُمْ قَسٌّ، وَلا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ مَا لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا، أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.

4458- وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَهْلُ نَجْرَانَ وَكَانُوا نَصَارَى. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الأمْوَالِ.

4459- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلاةً، فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الأنْصَارِ فَقَالُوا: لا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} . الآية رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

(2/503)


وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَثَنِيَّ إذَا تَهَوَّدَ يُقَرُّ وَيَكُونُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَعَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قُلْتُ لَمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْيَسَارِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

4460- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَصْلُحُ قِبْلَتَانِ فِي أَرْضٍ، وَلَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِالإِسْلامِ وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ إحْدَاثِ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ.

4461- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ، إنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

4462- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَرَدْت أَنْ أَقْتُلَكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ» . قَالَ: فَقَالُوا: أَلا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: «لا» . فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ لا يَنْتَقِضُ بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مِنْ الْكَلامِ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ؛ لأنَّ الْمُرَادَ سُنَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ الأكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ أَنَّ الَّذِي يَلْحَقُهُمْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الدُّخُولِ فِي الإِسْلامِ
مَعَ مَا فِي مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الِاطِّلاعِ عَلَى مَحَاسِنِ الإِسْلامِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْوَثَنِيُّ الدُّخُولَ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ جَازَ تَقْرِيرُهُ عَلَى ذَلِكَ.

(2/504)


قَوْلُهُ: «وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ» أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ الزَّكَاةِ مِنْ الضَّرَائِبِ. وَالْمَكْسِ وَنَحْوهِمَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: يُرِيدُ عُشُورَ التِّجَارَاتِ دُونَ عُشُورِ الصَّدَقَاتِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى الْعُشُورِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ، وَمِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أنه سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يدخل صاحب مكس الجنة» . قال يزيد بن هرون: يعني العشار. رواه أَبُو دَاوُد وابن خزيمة في صحيحه. قال البغوي: يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسًا باسم العشر: قال الحافظ الْمُنْذِرِيُّ: أما الآن فإنهم يأخذون مكسًا باسم العشر ومكوسًا أخر ليس لها اسم بل شيئًا يأخذونه حرامًا وسحتًا ويأكلون في بطونهم نارًا حجتهم فيه داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد.

بَابُ مَنْعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ سُكْنَى الْحِجَازِ

4463- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالشَّكُّ مِنْ سُلَيْمَانَ الأحْوَلِ.
4464- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لا أَدَعَ فِيهَا إِلا مُسْلِمًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

4465- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «لا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» .

4466- وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

(2/505)


وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَذَكَرَ حرب يَهُودَ خَيْبَرَ إلَى أَنْ قَالَ: أَجْلاهُمْ عُمَرُ إلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . قَالَ الأصْمَعِيُّ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولاً، وَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالاهَا مِنْ أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا أَحَاطَ بِهَا بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ ثُمَّ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، أَوْ مَا بَيْنَ عَدَنَ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ طُولًا، وَمِنْ جُدَّةَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ عَرْضًا قَالَ الشَّارِح: وَظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ كُلِّ مُشْرِكٍ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ سَوَاءٌ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا. وَحَكَى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الَّذِي يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ هُوَ الْحِجَازُ خَاصَّةً، قَالَ: وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَا وَالاهَا لا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ لا يُمْنَعُونَ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَالَ: وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ مُطْلَقًا إِلا الْمَسْجِدَ. وَعَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ
دُخُولُهُمْ الْحَرَمَ لِلتِّجَارَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ أَصْلًا إِلا بِإِذْنِ الإِمَامِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي بُدَاءَتِهِمْ بِالتَّحِيَّةِ وَعِيَادَتِهِمْ

4467- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4468- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4469- وَفِي رِوَايَةٍ لأحْمَدَ «فَقُولُوا: عَلَيْكُمْ» بِغَيْرِ وَاوٍ.

4470- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمْ إنَّمَا يَقُولُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُلْ: عَلَيْكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(2/506)


4471- وَفِي رِوَايَةٍ لأحْمَدَ وَمُسْلِمٍ «وَعَلَيْكَ» . بِالْوَاوِ.

4472- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ» . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ: «قَدْ قُلْت: وَعَلَيْكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «عَلَيْكُمْ» . أَخْرَجَاهُ.

4473- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي رَاكِبٌ غَدًا إلَى يَهُودَ فَلا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلامِ، وَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4474- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ» . فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: ... «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

4475- وَفِي رِوَايَةٍ لأحْمَدَ أَنَّ غُلامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَضَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَهُ وَيُنَاوِلُهُ نَعْلَيْهِ فَمَرِضَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ» . إلَى آخْره فِيهِ تَحْرِيمُ ابْتِدَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ، وَقَدْ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ عَامَّةِ السَّلَفِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ.

قَوْلُهُ: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ» . هذا من عظيم خلقه - صلى الله عليه وسلم - وكمال حلمه وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة. وفي الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسده قَالَ: الشَّافِعِيِّ: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل.

قَوْلُهُ: (كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ) زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ اسْمُهُ عَبْدُ الْقُدُّوسِ. وَفِي

(2/507)


الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الزَّائِرُ يَرْجُو بِذَلِكَ حُصُولَ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ

بَابُ قِسْمَةِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَمَصْرِفِ الْفَيْءِ

4476- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وَتَرَكَتْنَا قَالَ: «إنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو
هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلا لِبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.

4477- وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ جِئْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَؤُلاءِ بَنُو هَاشِمٍ لا يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ، أَرَأَيْتَ إخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ: «إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إسْلامٍ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . قَالَ: ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَرْقَانِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

4478- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالْعَبَّاسُ وَفَاطِمَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى فَأَقْسِمَهُ فِي حَيَاتِكَ كَيْ لا يُنَازِعَنِي أَحَدٌ بَعْدَكَ فَافْعَلْ، قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَسَمْتُهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ وَلَّانِيهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى كَانَتْ آخِرُ سَنَةٍ مِنْ سِنِي عُمَرَ، فَإِنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

4479- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: وَلانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَحَيَاةَ عُمَرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَصَارِفَ الْخُمُسِ خَمْسَةٌ.

4480- وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزٍ: أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ

(2/508)


الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَإِنَّا نَقُولُ: هُوَ لَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4481- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ - حِينَ خَرَجَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - أَرْسَلَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى لِمَنْ يَرَاهُ، فَقَالَ: هُوَ لَنَا لِقُرْبَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَهُمْ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَيْنَا شَيْئًا مِنْهُ رَأَيْنَاهُ دُونَ حَقِّنَا فَرَدَدْنَاهُ عَلََيْهِ وَأَبَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ، وَكَانَ الَّذِي عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينَ نَاكِحَهُمْ، وَأَنْ يَقْضِيَ عَنْ غَارِمِهِمْ، وَأَنْ يُعْطِيَ فَقِيرَهُمْ وَأَبَى أَنْ يَزِيدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

4482- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ. - وَفِي لَفْظٍ -: يَحْبِسُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ، وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4483- وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا أَتَاهُ الْفَيْءُ قَسَمَهُ فِي يَوْمِهِ، فَأَعْطَى الآهِلَ حَظَّيْنِ، وَأَعْطَى الْعَزَبَ حَظًّا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

4484- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أُعْطِيكُمْ وَلا أَمْنَعُكُمْ، أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَيْءَ مُلْكًا لَهُ.

4485- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: حَاجَتُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: عَطَاءُ الْمُحَرَّرِينَ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلَ مَا جَاءَهُ شَيْءٌ بَدَأَ بِالْمُحَرَّرِينَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

4486- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» . فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ ... رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ أَوْ عِدَّةٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْت: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ

(2/509)


لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِي حَثْيَةً وَقَالَ: عُدَّهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4487- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ كَتَبَ أَنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ مَوَاضِعِ الْفَيْءِ فَهُوَ مَا حَكَمَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَرَآهُ الْمُؤْمِنُونَ عَدْلًا، مُوَافِقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «جَعَلَ اللهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» . فَرَضَ الأعْطِيَةَ وَعَقَدَ لأهْلِ الأدْيَانِ ذِمَّةً بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يَضْرِبْ فِيهَا بِخُمْسٍ وَلا مَغْنَمٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

4488- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَحْلِفُ عَلَى أَيْمَانٍ ثَلاثٍ: وَاَللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، وَوَاللهِ مَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إِلا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ إِلا عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَلَكِنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَقَسْمِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَالرَّجُلُ وَبَلاؤُهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَقِدَمُهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَغَنَاؤُهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، وَوَاللهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ لأُوتَيَنَّ الرَّاعِيَ بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ يَرْعَى مَكَانَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

4489- وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ - يَوْمَ الْجَابِيَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ -: إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَنِي خَازِنًا لِهَذَا الْمَالِ وَقَاسِمًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ اللهُ قَاسِمُهُ. وَأَنَا بَادِئٌ بِأَهْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَشْرَفِهِمْ، فَفَرَضَ لأزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَةَ آلافٍ إِلا جَوَيْرِيَةَ وَصْفِيَّةَ وَمَيْمُونَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَنَا، فَعَدَلَ بَيْنَهُنَّ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي بَادِئٌ بِأَصْحَابِي الْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَإِنَّا أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ثُمَّ أَشْرَفِهِمْ، فَفَرَضَ لأصْحَابِ بَدْرٍ مِنْهُمْ
خَمْسَةَ آلافٍ، وَلِمَنْ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الأنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لِمَنْ شَهِدَ أُحُدًا ثَلاثَةَ آلافٍ، قَالَ: وَمَنْ أَسْرَعَ فِي الْهِجْرَةِ أُسْرِعَ بِهِ فِي الْعَطَاءِ، وَمَنْ أَبْطَأَ فِي الْهِجْرَةِ أُبْطِئَ بِهِ فِي الْعَطَاءِ، فَلا يَلُومَنَّ رَجُلٌ إِلا مُنَاخَ رَاحِلَتِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَ عَطَاءُ الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلافٍ خَمْسَةَ آلافٍ، وَقَالَ عُمَرُ: لأُفَضِّلَنَّهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ.

(2/510)


وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلاثَةَ آلافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافٍ؟ قَالَ: إنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبُوهُ، يَقُولُ: هُوَ لَيْسَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ.

وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاَللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلا لَهُمْ زَرْعٌ وَلا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ وَأَنَا ابْنَةُ خُفَافِ بْنِ إيمَاءٍ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَقَفَ مَعَهَا عَمَرُ وَلَمْ يَمْضِ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غَرَارَتَيْنِ مَلأهُمَا طَعَامًا، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا خِطَامَهُ، فَقَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى هَذَا حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللهُ بِخَيْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، فَوَاَللَّهِ إنِّي لأرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ وَأَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. أَخْرَجَهُنَّ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ قَالَ: بِمَنْ تَرَوْنَ أَبْدَأُ؟ فَقِيلَ لَهُ: ابْدَأْ بِالأقْرَبِ فَالأقْرَبِ بِكَ، قَالَ: بَلْ أَبْدَأُ بِالأقْرَبِ فَالأقْرَبِ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

قَوْلُهُ: «إنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى لِبَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ قَرَابَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قُرَيْشٍ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً، وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْكُوفِيِّينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمِيعُ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً لأهْلِ الْقَوْلِ الأوَّلِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى كَانَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي عُمَرَ، فَإِنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ) قَالَ الشَّارِح: وَزَادَ أَبُو دَاوُد بَعْدَ قَوْلِهِ: فَعَزَلَ حَقَّنَا ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيَّ فَقُلْت: بِنَا عَنْهُ الْعَامَ غِنًى وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ حَاجَةٌ فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ لَمْ يَدْعُنِي إلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ، فَلَقِيتُ الْعَبَّاسَ

(2/511)


بَعْدَمَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ حَرَمْتَنَا الْغَدَاةَ شَيْئًا لا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلاً داهية. وَالأحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ مَصَارِفِ الْخُمُسِ قُرْبَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الإِمَامَ يَقْسِمُ الْخُمُسَ حَيْثُ شَاءَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: أَصَابَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيًا، فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي فَاطِمَةُ نَسْأَلُهُ، فَقَالَ: «سَبَقَتْكُمَا يَتَامَى بَدْرٍ» . قَالَ الْحَافِظُ فِي الاسْتِدْلالِ: بِذَلِكَ نَظَرٌ، لأنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْفَيْءِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَقَسْمِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ التَّفْضِيلَ لَمْ يَقَعْ مِنْ عُمَرَ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِهَادِ، وَأَنَّهُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
قَوْلُهُا: (وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالضَّبُعُ السَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ، قَالَ الشَّارِح: وَالْمُرَادُ بِالنَّسَبِ الْقَرِيبِ: الَّذِي يَعْرِفُهُ السَّامِعُ بِلا سَرْدٍ لِكَثِيرٍ مِنْ الآبَاءِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الأشْرَافِ الْمَشَاهِير.

قَوْلُهُ: (بَلْ أَبْدَأُ بِالأقْرَبِ فَالأقْرَبِ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْبُدَاءَةِ بِقَرَابَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقْدِيمِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ.

(2/512)