بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ
بَابُ مَا يَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ
4490- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «لا سَبَقَ إِلا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنُ مَاجَةْ «أَوْ نَصْلٍ» .
4491- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَابَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - بَيْنَ الْخَيْلِ فَأُرْسِلَتْ الَّتِي ضَمُرَتْ مِنْهَا،
وَأَمَدُهَا الْحَفْيَاءُ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَاَلَّتِي لَمْ
تَضْمُرْ أَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ بَيْنَ الْحَفْيَاءِ
إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةَ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةً.
وَلِلْبُخَارِيِّ قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ
الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَمِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ
إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ.
4492- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
سَبَّقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ.
4493- وَفِي لَفْظٍ: سَبَّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَأَعْطَى السَّابِقَ.
رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
4494- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - سَبَّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَفَضَّلَ الْقُرَّحَ فِي
الْغَايَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4495- وَعَنْ أَنَسٍ وَقِيلَ لَهُ: أَكُنْتُمْ تُرَاهِنُونَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟
(2/513)
أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُرَاهِنُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَاهَنَ عَلَى فَرَسٍ
يُقَالُ لَهُ سَبْحَةٌ، فَسَبَقَ النَّاسَ فَبَهَشَ لِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4496- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ لِلْنَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لا تُسْبَقُ، فَجَاءَ
أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا:
سُبِقَتْ الْعَضْبَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«إنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا إِلا
وَضَعَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَوْلُهُ: «لا سَبَقَ إلا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
السِّبَاقِ عَلَى جَعْلٍ، فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ غَيْرِ
الْمُتَسَابِقِينَ كَالإِمَامِ يَجْعَلُهُ لِلسَّابِقِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلا
خِلافٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الْمُتَسَابِقِينَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ مُحَلِّلٌ بِشَرْطِ
أَنْ لا يُخْرِجَ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ عَنْ صُورَةِ
الْقِمَارِ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَقًا، فَمَنْ غَلَبَ
أَخَذَ السَّبَقَيْنِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى
مَنْعِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي الْمُحَلِّلِ أَنْ لا يَكُونَ
يَتَحَقَّقُ السَّبَقُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (زُرَيْقٌ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ
مَشْرُوعِيَّةُ الْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعَبَثِ بَلْ
مِنْ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى تَحْصِيلِ
الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ،
وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الاسْتِحْبَابِ وَالإِبَاحَةِ بِحَسَبِ الْبَاعِثِ
عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لا خِلافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ
عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدَّوَابِّ وَعَلَى الأقْدَامِ، وَكَذَا
الرَّمْيُ بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَالُ الأسْلِحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ
التَّدَرُّبِ عَلَى الْجَرْيِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَضْمِيرِ الْخَيْلِ.
قَوْلُهُ: «إنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ
الدُّنْيَا إلا وَضَعَهُ» . قَالَ الشَّارِح: وَفِي الْحَدِيثِ
التَّزْهِيدُ فِي الدُّنْيَا لِلإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا
لا يَرْتَفِعُ إلا اتَّضَعَ، وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - وَتَوَاضُعُهُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُحَلِّلِ وَآدَابِ السَّبَقَ
4497- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لا يَأْمَنُ أَنْ
(2/514)
يَسْبِقَ فَلا بَأْسَ، وَمَنْ أَدْخَلَ
فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
4498- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ: فَرَسٌ يَرْبِطُهُ الرَّجُلُ فِي
سَبِيلِ اللهِ فَثَمَنُهُ أَجْرٌ، وَرُكُوبُهُ أَجْرٌ، وَعَارِيَّتُهُ
أَجْرٌ، وَعَلَفُهُ أَجْرٌ. وَفَرَسٌ يُغَالِقُ فِيهِ الرَّجُلُ
وَيُرَاهِنُ فَثَمَنُهُ وِزْرٌ وَعَلَفُهُ وِزْرٌ وَرُكُوبُهُ وِزْرٌ.
وَفَرَسٌ لِلْبَطْنَةِ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ سَدَادًا مِنْ الْفَقْرِ إنْ
شَاءَ اللهُ» .
4499- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ: فَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ، وَفَرَسٌ لِلإِنْسَانِ،
وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ، فَأَمَّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ فَاَلَّذِي
يَرْتَبِطُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَعَلَفُهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ وَذَكَرَ
مَا شَاءَ اللهُ، وَأَمَّا فَرَسُ الشَّيْطَانِ فَاَلَّذِي يُقَامِرُ، أَوْ
يُرَاهِنُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فَرَسُ الإِنْسَانِ فَالْفَرَسُ يَرْتَبِطُهُ
الإِنْسَانُ يَلْتَمِسُ بَطْنَهَا فَهِيَ سِتْرُ فَقْرٍ» . رَوَاهُمَا
أَحْمَدُ.
وَيُحْمَلانِ عَلَى الْمُرَاهَنَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
4500- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا جَلَبَ وَلا جَنَبَ يَوْمَ الرِّهَانِ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
4501- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا جَلَبَ وَلا جَنَبَ وَلا شِغَارَ فِي
الإِسْلامِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4502- وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «يَا عَلِيُّ قَدْ جَعَلْتُ إلَيْكَ هَذِهِ السُّبْقَةَ بَيْنَ
النَّاسِ» . فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَدَعَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا
سُرَاقَةُ إنِّي قَدْ جَعَلْتُ إلَيْكَ مَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - فِي عُنُقِي مِنْ هَذِهِ السُّبْقَةِ فِي عُنُقِك، فَإِذَا
أَتَيْتَ الْمِيطَانَ - قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَالْمِيطَانُ
مُرْسِلُهَا مِنْ الْغَايَةِ - فَصُفَّ الْخَيْلَ ثُمَّ نَادِ هَلْ مِنْ
مُصْلِحٍ لِلِجَامٍ أَوْ حَامِلٍ لِغُلامٍ أَوْ طَارِحٍ لِجُلٍّ فَإِذَا
لَمْ يُجِبْكَ أَحَدٌ فَكَبِّرْ ثَلاثًا ثُمَّ خَلِّهَا عِنْدَ
الثَّالِثَةِ يُسْعِدُ اللهُ بِسَبْقِهِ مَنْ يشَاءَ مِنْ خَلْقِهِ.
وَكَانَ عَلِيٌّ يَقْعُدُ عِنْدَ مُنْتَهَى الْغَايَةِ، وَيَخُطُّ خَطًّا
وَيُقِيمُ رَجُلَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ عِنْدَ طَرَفِ الْخَطِّ
طَرَفُهُ بَيْنَ إبْهَامَيْ أَرْجُلِهِمَا، وَتَمُرُّ الْخَيْلُ بَيْنَ
الرَّجُلَيْنِ وَيَقُولُ: إذَا خَرَجَ أَحَدُ الْفَرَسَيْنِ عَلَى صَاحِبهِ
بِطَرَفِ أُذُنَيْهِ أَوْ أُذُنٍ أَوْ عِذَارٍ فَاجْعَلُوا السُّبْقَةَ
لَهُ، فَإِنْ شَكَكْتُمَا فَاجْعَلا سَبْقَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِذَا
قَرَنْتُمْ ثِنْتَيْنِ
(2/515)
فَاجْعَلُوا الْغَايَةَ مِنْ غَايَةِ
أَصْغَرِ الثِّنْتَيْنِ وَلا جَلَبَ وَلا جَنَبَ وَلا شِغَارَ فِي
الإِسْلامِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَهُوَ لا يَأْمَنُ
أَنْ يَسْبِقَ» اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي
الْمُحَلِّلِ أَنْ لا يَكُونَ مُتَحَقِّقَ السَّبَقِ وَإِلَّا كَانَ
قِمَارًا. وَقِيلَ إنَّ الْغَرَضَ الَّذِي شُرِعَ لَهُ السِّبَاقُ هُوَ
مَعْرِفَةُ الْخَيْلِ السَّابِقِ مِنْهَا وَالْمَسْبُوقِ، فَإِذَا كَانَ
السَّابِقُ مَعْلُومًا فَاتَ الْغَرَضُ الَّذِي شُرِعَ لأجْلِهِ.
قَوْلُهُ: «وَيُحْمَلانِ عَلَى الْمُرَاهَنَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ» أَيْ
بِأَنْ يَكُونَ الْجَعْلُ لِلسَّابِقِ مِنْ الْمَسْبُوقِ مِنْ غَيْرِ
تَعْيِينٍ.
قَوْلُهُ: «وَلا جَلَبَ وَلا جَنَبَ» قَالَ الشَّارِح: وَالْمُرَادُ
بِالْجَلَبِ فِي الرِّهَانِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَجُلٍ يَجْلُبُ عَلَى
فَرَسِهِ: أَيْ يَصِيحُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْبِقَ وَالْجَنَبُ: أَنْ
يَجْنُبَ فَرَسًا إلَى فَرَسِهِ حَتَّى إذَا فَتَرَ الْمَرْكُوبُ تَحَوَّلَ
إلَى الْمَجْنُوبِ.
قَوْلُهُ: «هَذِهِ السُّبْقَةُ» هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَجْعَلُهُ
الْمُتَسَابِقَانِ بَيْنَهُمَا يَأْخُذُهُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا.
بَابُ الْحَثِّ عَلَى الرَّمْيِ
4503- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ بِالسُّوقِ،
فَقَالَ: «ارْمُوا يَا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ
رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلانٍ» . قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ
الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «مَا لَكُمْ لا تَرْمُونَ» ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ
مَعَهُمْ؟ فَقَالَ: «ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
4504- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ... «وَأَعِدُّوا لَهُمْ
مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} «أَلا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلا
إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» .
4505- وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ
عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
(2/516)
4506- وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ اللهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةَ
نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ
الْخَيْرَ، وَاَلَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاَلَّذِي
يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ» وَقَالَ: «ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأنْ
تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا» . وَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ
يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلا ثَلاثًا: رَمْيَهُ عَنْ
قَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلاعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ
مِنْ الْحَقِّ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
4507- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّه
- صلى الله عليه وسلم - قَوْسٌ عَرَبِيَّةٌ، فَرَأَى رَجُلاً بِيَدِهِ
قَوْسٌ فَارِسِيَّةٌ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟ أَلْقِهَا وَعَلَيْك بِهَذِهِ
وَأَشْبَاهِهَا وَرِمَاحِ الْقَنَا، فَإِنَّهُمَا يُؤَيِّدُه اللهُ بِهِمَا
فِي الدِّينِ، وَيُمَكِّنُ لَكُمْ فِي الْبِلادِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
4508- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ
عَدْلٌ مُحَرَّرٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
4509- وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «مَنْ بَلَغَ الْعَدُوَّ بِسَهْمٍ فِي
سَبِيلِ اللهِ فَلَهُ دَرَجَةٌ» .
4510- وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ
بَلَغَ الْعَدُوَّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ كَانَ لَهُ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَأَنَا مَعَكُمْ
كُلِّكُمْ» بِكَسْرِ اللَّامُ وَفِي الْحَدِيثِ النَّدْبُ إلَى اتِّبَاعِ
خِصَالِ الآبَاءِ الْمَحْمُودَةِ وَالْعَمَلِ بِمِثْلِهَا، وَفِيهِ أَيْضًا
حُسْنُ أَدَبِ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَحُسْنُ خُلُقِهِ وَالتَّنْوِيهُ بِفَضِيلَةِ الرَّمْيِ.
قَوْلُهُ: «أَلا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا
فَسَّرَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ تَظْهَرُ
بِإِعْدَادِ غَيْرِهِ مِنْ آلاتِ الْحَرْبِ لِكَوْنِ الرَّمْيِ أَشَدَّ
نِكَايَةً فِي الْعَدُوِّ وَأَسْهَلَ مُؤْنَةً. قَالَ الشَّارِح: وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِية الاشْتِغَالِ بِتَعَلُّمِ آلاتِ الْجِهَادِ
والتَّمَرُّنِ فِيهَا فِي إِعْدَادهَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/517)
بَابُ النَّهْيُ عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ
وَإِخْصَائِهَا
وَالتَّحْرِيشِ بَيْنَهَا وَوَسْمِهَا فِي الْوَجْهِ
4511- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.
4512- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ دَخَلَ دَارَ الْحَكَمِ بْنِ
أَيُّوبَ فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ:
نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُصَبَّرَ الْبَهَائِمُ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
4513- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ
غَرَضًا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
4514- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَنْ إخْصَاءِ الْخَيْلِ وَالْبَهَائِمِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ:
فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4515- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ.
4516- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ، وَعَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4517- وَفِي لَفْظٍ: مُرَّ عَلَيْهِ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ،
فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4518- وَفِي لَفْظٍ: مُرَّ عَلَيْهِ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ،
فَقَالَ: «أَمَا بَلَغَكُمْ أَنِّي لَعَنْتُ مَنْ وَسَمَ الْبَهِيمَةَ فِي
وَجْهِهَا أَوْ ضَرَبَهَا فِي وَجْهِهَا» وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد.
4519- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -
حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، قَالَ: «فَوَاَللَّهِ لا
أَسِمُهُ إِلا فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ، وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ
فَكُوِيَ فِي جَاعِرَتَيْهِ» . فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَوَى
الْجَاعِرَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (عَنْ إخْصَاءِ
الْخَيْلِ) الإِخْصَاءُ: سَلُّ الْخُصْيَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ:
وَخَصَاهُ خَصْيًا: سَلَّ
(2/518)
خُصْيَتَهُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
تَحْرِيمِ خَصْيِ الْحَيَوَانَاتِ، انتهى. قال القرطبي: الخصاء في غير بني
آدم ممنوع في الحيوان إلا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطيب اللحم أو قطع ضرر عنه.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: والنهى عن الخصاء نهي تحريم في بني آدم بلا
خلاف.
بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ مِنْ الْخَيْلِ وَاخْتِيَارِ تَكْثِيرِ
نَسْلِهَا
4520- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«خَيْرُ الْخَيْلِ الأدْهَمُ الأقْرَحُ الأرْثَمُ، ثُمَّ الْمُحَجَّلُ
طُلُقُ الْيَمِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ
... الشِّيَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
4521- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «يُمْنُ الْخَيْلِ فِي شُقْرِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
4522- وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - «عَلَيْكُمْ بِكُلِّ كُمَيْتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ
أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
4523- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَكْرَهُ الشِّكَالَ مِنْ الْخَيْلِ، وَالشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ
الْفَرَسُ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَى بَيَاضٌ، وَفِي يَدِهِ الْيُسْرَى، أَوْ
فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَفِي رِجْلِهِ الْيُسْرَى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد.
4524- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَبْدًا مَأْمُورًا مَا اخْتَصَّنَا بِشَيْءٍ دُونَ النَّاسِ إِلا
بِثَلاثٍ: أَمَرَنَا أَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ، وَأَنْ لا نَأْكُلَ
الصَّدَقَةَ، وَأَنْ لا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4525- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أُهْدِيَتْ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - بَغْلَةٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنْزَيْنَا الْحُمُرَ
عَلَى خَيْلِنَا فَجَاءَتْنَا بِمِثْلِ هَذِهِ، فَقَالَ: «إنَّمَا يَفْعَلُ
ذَلِكَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4526- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «يَا عَلِيُّ أَسْبِغْ
(2/519)
الْوُضُوءَ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْكَ، وَلا
تَأْكُلْ الصَّدَقَةَ، وَلا تُنْزِ الْحُمُرَ عَلَى الإِبِلِ، وَلا
تُجَالِسْ أَصْحَابَ النُّجُومِ» . رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي
الْمُسْنَدِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (الأدْهَمُ) هُوَ
شَدِيدُ السَّوَادِ. ... وَ (الأقْرَحُ) هُوَ الَّذِي فِي جَبْهَتِهِ
قُرْحَةٌ: وَهِيَ بَيَاضٌ يَسِيرٌ. وَ (الأرْثَمُ) هُوَ الَّذِي فِي
شَفَتِهِ الْعُلْيَا بَيَاضٌ. وَ (الْكُمَيْتَ) هُوَ الَّذِي لَوْنُهُ
أَحْمَرُ يُخَالِطُهُ سَوَادٌ وَيُقَالُ: هُوَ أَشَدُّ الْخَيْلِ جُلُودًا
وَأَصْلَبُهَا حَوَافِرَ وَ (الشِّيَةِ) كُلُّ لَوْنٍ يُخَالِفُ مُعْظَمَ
لَوْنِ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: «يُمْنُ الْخَيْلِ فِي شُقْرِهَا» الْيُمْنُ: الْبَرَكَةُ.
قَوْلَهُ: (يَكْرَهُ الشِّكَالَ مِنْ الْخَيْلِ) قَالَ الْقَاضِي: قَالَ
الْعُلَمَاءُ: كُرِهَ لأنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْمَشْكُولِ. وَقِيلَ:
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَرَّبَ ذَلِكَ الْجِنْسَ فَلَمْ تَكُنْ
فِيهِ نَجَابَةٌ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ
أَغَرَّ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ لِزَوَالِ شَبَهِهِ لِلشِّكَالِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ لا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ) قَالَ
الْخَطَّابِيِّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ أَنَّ الْحُمُرَ إذَا حُمِلَتْ عَلَى الْخَيْلِ قَلَّ عَدَدُهَا
وَانْقَطَعَ نَمَاؤُهَا وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهَا، وَالْخَيْلُ يُحْتَاجُ
إلَيْهَا لِلرُّكُوبِ وَالرَّكْضِ وَالطَّلَبِ وَالْجِهَادِ وَإِحْرَازِ
الْغَنَائِمِ وَلَحْمُهَا مَأْكُولٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ،
وَلَيْسَ لِلْبَغْلِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ فَأَحَر أَنْ يُكْثِرَ نَسْلَهَا
لِيَكْثُرَ الِانْتِفَاعُ بِهَا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسَابَقَةِ عَلَى الأقْدَامِ وَالْمُصَارَعَةِ
وَاللَّعِبِ بِالْحِرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
4527- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - فَسَبَقْتُهُ، فَلَبِثْنَا حَتَّى إذَا أَرْهَقَنِي
اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4528- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ،
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الأنْصَارِ لا يُسْبَقُ شَدًّا فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلا
مُسَابِقٌ إلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ، فَقُلْتُ: أَمَا
تُكْرِمُ كَرِيمًا، وَلا تَهَابُ شَرِيفًا؟ قَالَ: لا إِلا أَنْ يَكُونَ
رَسُولَ اللهِ
(2/520)
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُلْت: يَا
رَسُولَ اللَّه بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ذَرْنِي فَلأسَابِقْ الرَّجُلَ،
قَالَ: «إنْ شِئْتَ» . قَالَ: فَسَبَقْتُهُ إلَى الْمَدِينَةِ. مُخْتَصَرًا
مِنْ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ.
4529- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رُكَانَةُ: أَنَّ رُكَانَةُ
صَارَعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4530- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ
عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ
فَأَهْوَى إلَى الْحَصْبَاءِ فَحَصَبَهُمْ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4531- وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ: فِي الْمَسْجِدِ.
4532- وَعَنْ أَنَسٍ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
الْمَدِينَةَ لَعِبَتْ الْحَبَشَةُ لِقُدُومِهِ بِحِرَابِهِمْ فَرَحًا
بِذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4533- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
رَأَى رَجُلاً يَتْبَعُ حَمَامَةً، فَقَالَ: «شَيْطَانٌ يَتْبَعُ
شَيْطَانَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ، وَقَالَ:
«يَتْبَعُ شَيْطَانًا» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَوْلُهُ: (أَنَّ رُكَانَةُ
صَارَعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الْمُصَارَعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهَكَذَا بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ، وَلاسِيَّمَا إذَا كَانَ مَطْلُوبًا لا طَالِبًا، وَكَانَ
يَرْجُو حُصُولَ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ بِذَلِكَ أَوْ كَسْرَ
سُورَةِ كِبْرِ مُتَكَبِّرٍ أَوْ وَضْعَ مُتَرَفِّعٍ بِإِظْهَارِ الْغَلَبِ
لَهُ.
قَوْلُهُ: (يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
بِحِرَابِهِمْ) فِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْمُهَلَّبُ:
الْمَسْجِدُ مَوْضُوعٌ لأمْرِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا كَانَ مِنْ
الأعْمَالِ يَجْمَعُ مَنْفَعَةَ الدِّينِ وَأَهْلِهِ جَازَ فِيهِ. وَفِي
الْحَدِيثِ جَوَازُ النَّظَرِ إلَى اللَّهْوِ الْمُبَاحِ.
قَوْلُهُ: فَقَالَ: «شَيْطَانٌ» إلَى آخْره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ
اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ
فِيهِ، وَقَدْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
(2/521)
بَابُ تَحْرِيمِ الْقِمَارِ وَاللَّعِبِ
بِالنَّرْدِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ
4534- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى
فَلْيَقُلْ: لا إلَهَ إِلا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ
أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4535- وَعَنْ بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ
يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد.
4536- وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.
4537- وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ لَعِبَ بِالْكِعَابِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
4538- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخِطْمِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَثَلُ
الَّذِي يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي مَثَلُ الَّذِي
يَتَوَضَّأُ بِالْقَيْحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَلْيَتَصَدَّقْ»
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمُقَامَرَةِ، لأنَّ الصَّدَقَةَ
الْمَأْمُورَ بِهَا كَفَّارَةٌ عَنْ الذَّنْبِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ:
وَقَامَرَهُ مُقَامَرَةً وَقِمَارًا فَقَمَرَهُ رَاهَنَهُ فَغَلَبَهُ.
قَالَ الشَّارِح: فَالْمُرَادُ بِالْقِمَارِ الْمَذْكُورِ هُنَا
الْمَيْسِرُ وَنَحْوُهُ مِمَّا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ، وَهُوَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ
يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ} وَكُلُّ مَا لا يَخْلُو اللاعِبُ فِيهِ مِنْ غَنَمٍ أَوْ
غُرْمٍ فَهُوَ مَيْسِرٌ.
قَوْلُهُ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ» قَالَ النَّوَوِيُّ:
النَّرْدَشِيرُ هُوَ النَّرْدُ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَشِيرُ مَعْنَاهُ
حُلْوٌ. وَقِيلَ: هُوَ خَشَبَةٌ قَصِيرَةٌ ذَاتُ فُصُوصٍ يُلْعَبُ بِهَا
وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِ
اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ لَعِبَ بِالْكِعَابِ» . هِيَ فُصُوصُ النَّرْدِ،
وَاخْتُلِفَ فِي الشِّطْرَنْجِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ
مَكْرُوهٌ. وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ
(2/522)
التَّابِعِينَ. وَقَالَ مَالِكٌ
وَأَحْمَدُ: هُوَ حَرَامٌ. قَالَ مَالِكٌ: هُوَ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ
وَأَلْهَى.
وَرَوَى الْبَيْهَقِي أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الشِّطْرَنْجِ: هُوَ مِنْ
الْمَيْسِرِ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّهُ قَالَ: لا
يُسَلَّمُ عَلَى أَصْحَابِ النَّرْدَشِيرِ وَالشِّطْرَنْجِ. وَإِذَا كَانَ
بِحَيْثُ لا يَخْلُو أَحَدُ اللاعِبَيْنِ مِنْ غُنْمٍ أَوْ غُرْمٍ فَهُوَ
مِنْ الْقِمَارِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَالَ عَلِيٌّ أَنَّهُ مِنْ.
الْمَيْسِرِ وَالْمُجَوِّزُونَ لَهُ قَالُوا: إنَّه يَشْبَهَ السَّبْقَ
وَالرَّمْيَ. وَلا نِزَاعَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ اللَّهْوِ الَّذِي نَهَى
اللهُ عَنْهُ، وَلا رَيْبَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إيغَارُ الصُّدُورِ وَتَنتَج
عَنْهُ الْعَدَاوَاتُ، وَتَنْشَأُ مِنْهُ الْمُخَاصَمَاتُ، فَطَالِبُ
النَّجَاةِ لِنَفْسِهِ لا يَشْتَغِلُ بِمَا هَذَا شَأْنُهُ، وَأَقَلُّ
أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي آلَةِ اللَّهْوِ
4539- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ - الأشْعَرِيُّ سَمِعَ نبِيّ الله - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ
الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» . أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ.
4540- وَفِي لَفْظٍ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ
يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ
بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللهُ بِهِمْ الأرْضَ
وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ
وَقَالَ: عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ وَلَمْ يَشُكَّ وَالْمَعَازِفُ:
الْمَلاهِي، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
4541- وَعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ،
فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ عَنْ
الطَّرِيقِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ،
فَيَمْضِي حَتَّى قُلْتُ: لا، فَرَفَعَ يَدَهُ وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ إلَى
الطَّرِيقِ وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ
زَمَّارَةَ رَاعٍ فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَةْ.
4542- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ «إنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ
وَالْغُبَيْرَاءَ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد.
4543- وَفِي لَفْظٍ: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى أُمَّتِي الْخَمْرَ،
وَالْمَيْسِرَ، وَالْمِزْرَ، وَالْكُوبَةَ، وَالْقِنِّينَ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
(2/523)
4544- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ
اللهِ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ
وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
وَالْكُوبَةُ: الطَّبْلُ، قَالَهُ سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ.
وَقَالَ ابْنُ الأعْرَابِيِّ: الْكُوبَةُ: النَّرْدُ، وَقِيلَ الْبَرْبَطُ،
وَالْقَنِينُ: هُوَ الطُّنْبُورُ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَالتَّقْنِينُ
الضَّرْبُ بِهِ. قَالَهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ.
4545- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ «فِي هَذِهِ الأمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ» . فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ:
«إذَا ظَهَرَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
4546- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله
عليه وسلم - «إذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلًا، وَالأمَانَةُ مَغْنَمًا،
وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَتُعَلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَأَطَاعَ
الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَأَدْنَى صَدِيقَهُ، وَأَقْصَى
أَبَاهُ، وَظَهَرَتْ الأصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَسَادَ الْقَبِيلَةَ
فَاسِقُهُمْ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ
الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَظَهَرَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ،
وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأمَّةِ أَوَّلَهَا،
فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا
وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ
فَتَتَابَعَ بَعْضُهُ بَعْضًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ... وَقَالَ:
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
4547- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «تَبِيتُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَهْوٍ
وَلَعِبٍ، ثُمَّ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَتُبْعَثُ عَلَى
أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَائِهِمْ رِيحٌ فَتَنْسِفُهُمْ كَمَا نُسِفَ مَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ بِاسْتِحْلالِهِمْ الْخَمْرَ وَضَرْبِهِمْ بِالدُّفُوفِ
وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقَيْنَاتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَفِي إسْنَادِهِ فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ
بِقَوِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ النَّاسُ.
4548- وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إنَّ اللهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ،
وَأَمَرَنِي
(2/524)
أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ
وَالْكَبَارَاتِ - يَعْنِي الْبَرَابِطَ وَالْمَعَازِفَ - وَالأوْثَانَ
الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زَحْرٍ ثِقَةٌ، وَعَلِيُّ بْنُ
يَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ.
4549- وَبِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ، وَلا تَشْتَرُوهُنَّ، وَلا
تُعَلِّمُوهُنَّ، وَلا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ
حَرَامٌ» . فِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَمِنْ النَّاسِ
مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إلَى
آخِرِ الآيَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
4550- وَلأحْمَدَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ نُزُولَ الآيَةِ فِيهِ.
4551- وَرَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ: «لا يَحِلُّ
ثَمَنُ الْمُغَنِّيَةِ وَلا بَيْعُهَا وَلا شِرَاؤُهَا وَلا الِاسْتِمَاعُ
إلَيْهَا» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «يَسْتَحِلُّونَ
الْحِرَ» ضَبَطَهُ ابْنُ نَاصِرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ
وَالرَّاءِ الْخَفِيفَةِ: وَهُوَ الْفَرْجُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ:
هُوَ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ تَصْحِيفٌ، وَالْمَعْنَى يَسْتَحِلُّونَ
الزِّنَا.
قَوْلُهُ: «زَمَّارَةَ» قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الزَّمَّارَةُ
كَجَبَّانَةٍ: مَا بِهِ كَالْمِزْمَارِ.
قَوْلُهُ: «فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ
لِمَنْ سَمِعَ الزَّمَّارَةَ أَنْ يَصْنَعَ كَذَلِكَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ
فِي الْغِنَاءِ مَعَ آلَةٍ مِنْ آلاتِ الْمَلاهِي وَبِدُونِهَا. فَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إلَى التَّحْرِيمِ، وَذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
وَافَقَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ
إلَى التَّرْخِيصِ فِي السَّمَاعِ وَلَوْ مَعَ الْعُودِ وَالْيَرَاعِ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْغِنَاءِ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ فَقَالَ فِي الإِمْتَاعِ:
إنَّ الْغَزَالِيَّ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى حِلِّهِ. وَاخْتَلَفَ
هَؤُلاءِ الْمُجَوِّزُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ. قَالُوا: لِكَوْنِهِ يُرِقُّ
الْقَلْبَ وَيُهَيِّجُ الأحْزَانَ وَالشَّوْقَ إلَى اللهِ. إلى أنْ قَالَ:
فَلا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ إذَا خَرَجَ عَنْ
دَائِرَةِ الْحَرَامِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دَائِرَةِ الاشْتِبَاهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ وَقَّافُونَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ
(2/525)
اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعَرْضِهِ، وَمَنْ
حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ. وَلاسِيَّمَا إذَا كَانَ
مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْرِ الْقُدُودِ وَالْخُدُودِ، فَإِنَّ سَامِعَ مَا
كَانَ كَذَلِكَ لا يَخْلُو عَنْ بَلِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّصَلُّبِ
فِي ذَاتِ اللهِ عَلَى حَدٍّ يَقْصُرُ عَنْهُ الْوَصْفُ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
بَابُ ضَرْبِ النِّسَاءِ بِالدُّفِّ لِقُدُومِ الْغَائِبِ وَمَا فِي
مَعْنَاهُ
4552- عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إنْ رَدَّك اللهُ
صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنِ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فَقَالَ
لَهَا: «إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ
فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلا» فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ
وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ
عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتْ الدُّفَّ
تَحْتَ اسْتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ. إنِّي
كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ،
ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ
تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتْ الدُّفَّ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ
بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ عِنْدَ
الْقُدُومِ مِنْ الْغَيْبَةِ. وَالْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ يَخُصُّونَ
مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَنْعِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَوَاطِنِ التَّخْصِيصِ اللَّهْوِ فِي الْعُرْسِ،
وَالأعْيَادِ. وَرَوَى الْمُبَرِّدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ
عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ دَاخِلًا فِيهِ بَيْتُهُ تَرَنَّمَ
بِالْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَنَّهُ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ: «حَرِّكْ بِالْقَوْمِ» .
فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. والله أعلم.
(2/526)
|