بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ الصَّيْدِ
بَابُ مَا يَجُوزُ فِيهِ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ وَقَتْلُ الْكَلْبِ
الأسْوَدِ الْبَهِيمِ
4612- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ
زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ انْتُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
4613- وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لا يَعْنِي عَنْهُ
زَرْعًا وَلا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4614- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلابِ إِلا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ
كَلْبَ مَاشِيَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4615- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لَوْلا أَنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ مِنْ الأمَمِ
لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا الأسْوَدَ الْبَهِيمَ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
4616- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- بِقَتْلِ الْكِلابِ حَتَّى إنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدُمُ مِنْ الْبَادِيَةِ
بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالأسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي
النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
(2/540)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي هَذِهِ الأحَادِيثِ إبَاحَةُ اتِّخَاذِ
الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ لِلزَّرْعِ وَكَرَاهَةُ
اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ إِلا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ
وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ اتِّخَاذُهَا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ
الْمَضَارِّ قِيَاسًا فَتَمْحَضُ كَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ
لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ وَامْتِنَاعِ
دُخُولِ الْمَلائِكَةِ إلَى الْبَيْتِ الَّذِي الْكِلابُ فِيهِ. قَالَ
الشَّارِح: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ فِي اتِّخَاذِهِ مَا
لَمْ يَحْصُلْ الاتِّفَاقُ عَلَى قَتْلِهِ وَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْبَازِي
وَنَحْوِهِمَا
4617- عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ
أَنَا بِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ،
وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ فَقَالَ: «مَا
صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ
بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ. فَكُلْ، وَمَا
صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» .
4618- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي
أُرْسِلُ الْكِلابَ الْمُعَلَّمَةَ فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ وَأَذْكُرُ اسْمَ
اللهِ، قَالَ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ
اللهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» . قُلْت: وَإِنْ قَتَلْنَ قَالَ:
«وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا» . قُلْتُ
لَهُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأَصِيدُ. فَقَالَ:
«إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ
بِعَرْضِهِ فَلا تَأْكُلْهُ» .
4619- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا
أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ
قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ
ذَكَاةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الإِبَاحَةِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْكَلْبُ جَرْحًا أَوْ
خَنْقًا.
4620- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ
وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» .
(2/541)
قُلْتَ:
وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَإِنَّمَا
أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَمَا صِدْت
بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ» الْمُرَادُ بِالْمُعَلَّمِ الَّذِي إذَا أَعداهُ
صَاحِبُهُ عَلَى الصَّيْدِ طَلَبَهُ، وَإِذَا زَجَرَهُ انْزَجَرَ، وَإِذَا
أَخَذَ الصَّيْدَ حَبَسَهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
قَوْلُهُ: «مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا» فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ أَكْلُ مَا يُشَارِكُهُ كَلْبٌ آخَرُ فِي
اصْطِيَادِهِ وَمَحِلُّهُ مَا إذَا اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ
مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ
مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ حَلَّ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ
إرْسَالُهُمَا مَعًا فَهُوَ لَهُمَا وَإِلا فَلِلأوَّلِ.
قَوْلُهُ: «وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا
أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ وَلَوْ كَانَ الْكَلْبُ
مُعَلَّمًا. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ فِيهِ. انتهى.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَازٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ مُجَالِدٌ
بِذِكْرِ الْبَازِ فِيهِ وَخَالَفَ الْحُفَّاظَ.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَرْجعَ فِي تَعْلِيمِ
الْفَهْدِ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ مِنْ جِنْسِ
تَعْلِيمِ الصَّقْرِ بِالأَكْلِ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِنْ قَالُوا إِنَّهُ
يعلم بِتَرْكِ الأَكْلِ كَالْكَلْبِ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِذَا أَكَلَ
الْكَلْبُ بَعْد تَعَلُّمِهِ لَمْ يَحْرِمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ
وَلَمْ يُبَحْ مَا أَكَلَ مِنْهُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ
4621- عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْتَ كِلابَكَ الْمُعَلَّمَةَ
وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إِلا أَنْ
يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا
أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4622- وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
قَالَ: قَالَ ... رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَرْسَلْتَ
الْكَلْبَ فَأَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَلا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا
(2/542)
أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا
أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى
صَاحِبِهِ» .
4623- وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي صَيْدِ الْكَلْبِ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ
اللهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4624- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ
الْخُشَنِيُّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ لِي كِلابًا مُكَلَّبَةً
فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا، قَالَ: «إنْ كَانَتْ لَك كِلابٌ مُكَلَّبَةٌ
فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَتْ عَلَيْك» . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكِيٌّ
وَغَيْرُ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: «ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ» . قَالَ: وَإِنْ
أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: «وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ
أَفْتِنِي فِي قَوْسِي، قَالَ: «كُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك قَوْسُكَ» .
قَالَ ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: «ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ» .
قَالَ: فَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي؟ قَالَ: «وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْك مَا لَمْ
يَصِلَّ - يَعْنِي يَتَغَيَّرْ - أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ
سَهْمِكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: «وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى حِلِّ مَا
أَكل مِنْهُ الْكَلْبُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ الْحَافِظُ: وَسَلَكَ النَّاسُ
فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ طرقًا: الأوْلَى حَمْلُ حَدِيثُ
الأعْرَابِيِّ عَلَى مَا إذَا قَتَلَهُ وخلاه ثُمَّ عَاد فَأَكَلَ مِنْهُ
الثَّانِية التَّرْجِيحُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: «كِلابًا مُكَلَّبَةً» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ
الْكَلْبِ بِسُكُونِ اللامِ اسْمُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ
خَصَّ مَا صَادَهُ الْكَلْبُ بِالْحِلِّ إذَا وُجِدَ مَيْتًا دُونَ مَا
عَدَاهُ مِنْ الْجَوَارِحِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى:
{مُكَلِّبِينَ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
مُشْتَقًّا مِنْ الْكَلَبِ بِفَتْحِ اللام وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى
التَّكْلِيبِ وَهُوَ التَّضْرِيَةُ، وَيُقَوِّي هَذَا عُمُومُ قَوْلِهِ:
{مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} فَإِنَّ الْجَوَارِحَ الْمُرَادَ بِهَا
الْكَوَاسِبُ عَلَى أَهْلِهَا وَهُوَ عَامٌّ.
بَابُ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ
4625- عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْت: يَا
رَسُولَ اللَّه
(2/543)
إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، قَالَ:
«إنْ أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ
أَكَلَ مِنْهُ فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» .
قُلْت: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي أَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لا أَدْرِي
أَيُّهُمَا أَخَذَهُ؟ قَالَ: «فَلا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى
كَلْبِكِ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» .
4626- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ
كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ - وَقَدْ قَتَلَ - فَلا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لا
تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَوْحَاهُ أَحَدُهُمَا وَعَلِمَ
بِعَيْنِهِ فَالْحُكْمُ لَهُ؛ لأنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ قَاتَلَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَسَمَّيْت»
اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى
ذَلِكَ، إنَّمَا الْخِلافُ فِي كَوْنِهَا شَرْطًا فِي حِلِّ الأكْلِ،
فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّهَا شَرْطٌ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالشَّافِعِيُّ - وَهُوَ
مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ - إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ. وَاخْتَلَفُوا
إذَا تَرَكَهَا نَاسِيًا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ
وَالثَّوْرِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ الشَّرْطِيَّةَ إنَّمَا
هِيَ فِي حَقِّ الذَّاكِرِ، فَيَجُوزُ أَكْلُ مَا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ
عَلَيْهِ سَهْوًا لا عَمْدًا. انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَوْلُهُ: (أَوْحَاهُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى أَنْهَاهُ إلَى
حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ.
بَابُ الصَّيْدِ بِالْقَوْسِ وَحُكْمُ الرَّمْيَةِ إذَا غَابَتْ أَوْ
وَقَعَتْ فِي مَاء
4627- عَنْ عَدِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ
إنَّا قَوْمٌ نَرْمِي فَمَا يَحِلُّ لَنَا؟ قَالَ: «يَحِلُّ لَكُمْ مَا
ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذَكَرْتُمْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَخَزَقْتُمْ فَكُلُوا
... مِنْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا قَتَلَهُ السَّهْمُ بِثِقَلِهِ لا يَحِلُّ.
4628- وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ - رضي الله عنه - عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغَابَ
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ مَا لَمْ يَنْتَنْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
(2/544)
4629- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الصَّيْدِ ...
فَقَالَ: «إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ
قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إِلا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّك لا
تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّهْمَ إذَا أَوْحَاهُ أُبِيحَ لأنَّهُ قَدْ
عَلِمَ أَنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ.
4630- وَعَنْ عَدِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا
رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ
بِهِ إِلا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلا
تَأْكُلْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
4631- وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللهِ،
فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلا أَثَرَ سَهْمِكَ
فَكُلْ إنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلا
تَأْكُلْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
4632- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
إنَّا نَرْمِي الصَّيْدَ فَنَقْتَفِي أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ
ثُمَّ نَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ، قَالَ: «يَأْكُلُ إنْ شَاءَ
اللهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
4633- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- قُلْتُ: إنَّ أَرْضَنَا أَرْضُ صَيْدٍ فَيَرْمِي أَحَدُنَا الصَّيْدَ
فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَيَجِد فِيهِ سَهْمُهُ،
قَالَ: ... «إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ
وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ.
4634- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أَرْمِي الصَّيْدَ
فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ، قَالَ: «إذَا عَلِمْتَ أَنَّ
سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَكُلْهُ مَا لَمْ
يَنْتَنْ» جَعَلَ الْغَايَةَ أَنْ يَنْتَنَ الصَّيْدُ، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي
دُونِهَا مَثَلاً بَعْدَ ثَلاثٍ وَلَمْ يَنْتَنْ حَلَّ، فَلَوْ وَجَدَهُ
دُونَهَا وَقَدْ أَنْتَنَ فَلا، هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَأَجَابَ
النَّوَوِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِهِ إذَا أَنْتَنَ
لِلتَّنْزِيهِ.
قَوْلُهُ: «إِلا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ» وَجْهُهُ أَنَّهُ
يَحْصُلُ حِينَئِذٍ التَّرَدُّدُ هَلْ
(2/545)
قَتَلَهُ السَّهْمُ أَوْ الْغَرَقُ فِي
الْمَاءِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: مَحِلَّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ الصَّيْدُ
بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ.
قَوْلُهُ: «لَيْسَ بِهِ إِلا أَثَرُ سَهْمِكَ» مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذا
وُجِدَ فِيهِ أَثَرٌ غَيْرُ سَهْمِهِ لا يُؤْكَلُ. انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ
4635- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ: «إنَّهَا لا تَصِيدُ
صَيْدًا وَلا تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ
... الْعَيْنَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4636- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهِ سَأَلَهُ
اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا
حَقُّهُ؟ قَالَ: «أَنْ تَذْبَحَهُ وَلا تَأْخُذَ بِعُنُقِهِ فَتَقْطَعَهُ»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
4637- وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَزَقْتَ
فَكُلْ، وَإِنْ لَمْ تَخْزِقْ فَلا تَأْكُلْ، وَلا تَأْكُلْ مِنْ
الْمِعْرَاضِ إِلا مَا ذَكَّيْتَ، وَلا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقَةِ إِلا
مَا ذَكَّيْتَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَهُوَ مُرْسَلٌ. إبْرَاهِيمُ لَمْ
يَلْقَ عَدِيًّا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ عَدِيٍّ وَإِنْ كَانَ
مُرْسَلاً لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ الْخَذْفِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ
الرَّمْيُ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ أَوْ بَيْنَ
الإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ أَوْ عَلَى ظَاهِرِ الْوُسْطَى وَبَاطِنِ
الإِبْهَامِ. وَالْمُرَادُ بِالْبُنْدُقَةِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ الَّتِي
تُتَّخَذُ مِنْ طِينٍ وَتَيْبَسُ فَيُرْمَى بِهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ:
تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ.
قَوْلُهُ: «بِغَيْرِ حَقِّهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ
الْعُصْفُورِ وَمَا شَاكَلَهُ لِمُجَرَّدِ الْعَبَثِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/546)
بَابُ الذَّبْحِ وَمَا يَجِبُ لَهُ وَمَا
يُسْتَحَبُّ
4638- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ،
وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ
وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأرْضِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
4639- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ
قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللهِ
عَلَيْهِ أَمْ لا؟ فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوا» ،
قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ وَالأفْعَالَ تُحْمَلُ عَلَى
حَالِ الصِّحَّةِ وَالسَّلامَةِ إلَى أَنْ يَقُومَ دَلِيلُ الْفَسَادِ.
4640- وَعَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَتْ
لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ
مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ
لَهُمْ: لا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ سَأَلَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ
فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. قَالَ: وَقَالَ
عُبَيْدُ اللهِ: يُعْجِبُنِي أَنَّهَا أَمَةٌ وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ
بِحَجَرٍ.
4641- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ ذِئْبًا نَيَّبَ
فِي شَاةٍ فَذَبَحُوهَا بِمَرْوَةِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي أَكْلِهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَةْ.
4642- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّا
نَصِيدُ فَلا نَجِدُ سِكِّينًا إِلا الظِّرَارَ وَشِقَّةَ الْعَصَا،
فَقَالَ: «أَمِرَّ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّه عَلَيْهِ»
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
4643- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّا
نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ
عَلَيْهِ
فَكُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا أَوْ ظُفْرًا، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ
ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى
الْحَبَشَةِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
4644- وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إنَّ اللهَ كَتَبَ
(2/547)
الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا
قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا
الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
4645- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ وَأَنْ تُوَارَى عَنْ
الْبَهَائِمِ، وَقَالَ: «إذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
4646- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ
يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ
وَاللَّبَّةِ، وَلا تُعَجِّلُوا الأنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ، وَأَيَّامُ مِنًى
أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
4647- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالا:
نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ
وَهِيَ الَّتِي تُذْبَحُ فَيُقْطَعُ الْجِلْدُ وَلا تُفْرَى الأوْدَاجُ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
4648- وَعَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4649- وَعَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ قَالَ:
«لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخْذِهَا لأجْزَأَكَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَهَذَا
فِيمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ.
4650- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ
يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ. فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ
أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا
بِهِ هَكَذَا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ
ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ» الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَذْبَحَ لِغَيْرِ اللهِ
تَعَالَى كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيبِ أَوْ لِمُوسَى أَوْ
لِعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكُلُّ
هَذَا حَرَامٌ وَلا تَحِلُّ هَذِهِ الذَّبِيحَةُ
(2/548)
سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا أَوْ
كَافِرًا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، فَإِنْ قَصَدَ
مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيمَ الْمَذْبُوحِ لَهُ غَيْرُ اللهِ تَعَالَى
وَالْعِبَادَةُ لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا، فَإِنْ كَانَ الذَّابِحُ
مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا. وَذَكَرَ الشَّيْخُ
إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَا
يُذْبَحُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ أَفْتَى
أَهْلُ بُخَارَى بِتَحْرِيمِهِ لأنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ
اللهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَذَا إنَّمَا يَذْبَحُونَهُ اسْتِبْشَارًا
بِقُدُومِهِ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلادَةِ الصبي.
قَوْلُهُ: فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ» قَالَ الْمُهَلَّبُ: هَذَا
الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا. وَقَالَ
ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ التَّسْمِيَةُ هُنَا عِنْدَ
الأكْلِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ
كُلَّ مَا يُوجَدَ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولٌ عَلَى
الصِّحَّةِ، وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ أَعْرَابُ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَحِلُّ
ذَبِيحَةُ الْمَرْأَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (إِلا الظِّرَارَ) بِالْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءَانِ
مُهْمَلَتَانِ بَيْنَهُمَا أَلْفٌ جَمْعُ ظُرَرٍ: وَهِيَ الْحِجَارَةُ.
قَوْلُهُ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ» أَيْ أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةٍ.
قَوْلُهُ: «وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ
التَّسْمِيَةِ لأنَّهُ عَلَّقَ الإِذْنَ بِمَجْمُوعِ الأمْرَيْنِ.
قَوْلُهُ: «أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ» قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ قِيَاسٌ
حُذِفَتْ مِنْهُ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ،
وَالتَّقْدِيرُ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَكُلُّ عَظْمٍ لا يَحِلُّ
الذَّبْحُ بِهِ، وَطَوَى النَّتِيجَةَ لِدَلالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ
عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: «وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» أَيْ وَهُمْ كُفَّارٌ.
وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلاحِ
وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ. وَقِيلَ: نَهَى عَنْهُمَا لأنَّ الذَّبْحَ
بِهِمَا تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَلا يَقَعُ بِهِ غَالِبًا إِلا الْخَنْقُ
الَّذِي هُوَ عَلَى صُورَةِ الذَّبْحِ.
قَوْلُهُ: «عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ» أَيْ ذَبِيحَتِهِ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ: شَرِيطَةُ الشَّيْطَانِ قِيلَ هِيَ الذَّبِيحَةُ الَّتِي لا
يُقْطَعُ أَوْدَاجُهَا وَلا يُسْتَقْصَى ذَبْحُهَا وَهُوَ
(2/549)
مِنْ شَرْطِ الْحَجَّامِ، وَكَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَقْطَعُونَ بَعْضَ حَلْقِهَا وَيَتْرُكُونَهَا حَتَّى
تَمُوتَ، وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إلَى الشَّيْطَانِ لأنَّهُ هُوَ الَّذِي
حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَحَسَّنَ هَذَا الْفِعْلَ لَدَيْهِمْ وَسَوَّلَهُ
لَهُمْ.
قَوْلُهُ: «لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا» إلَى آخره قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ
بِالْحَدِيثِ: هَذَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالمترَدِّي فِي الْبِئْرِ
وَأَشْبَاهِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد بَعْدَ إخْرَاجِهِ: هَذَا لا يَصِحُّ
إِلا فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّافِرَةِ وَالْمُتَوَحِّشَةِ.
قَوْلُهُ: (نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَرَسًا) فِيهِ أَنَّ النَّحْرَ يُجْزِئُ فِي الْخَيْلِ كَمَا يُجْزِئُ فِي
الإِبِلِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: الأصْلُ فِي الإِبِلِ النَّحْرُ، وَفِي
الشَّاةِ وَنَحْوِهَا الذَّبْحُ. وَأَمَّا الْبَقَرُ فَجَاءَ فِي
الْقُرْآنِ ذِكْرُ ذَبْحِهَا وَفِي السُّنَّة ذِكْرُ
نَحْرِهَا. وَاخْتُلِفَ فِي ذَبْحِ مَا يُنْحَرُ وَنَحَرَ مَا يُذْبَحُ،
فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
قَوْلُهُ: «أَوَابِدَ» جَمْعُ آبِدَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ مَا
رُمِيَ بِالسَّهْمِ فَجُرِحَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ جَسَدِهِ
بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وَحْشِيَّا أَوْ مُتَوَحِّشَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ.
بَابُ ذَكَاةِ الْجَنِينِ بذَكَاةِ أُمِّهِ
4651- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ
قَالَ فِي الْجَنِينِ: «ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
4652- وَفِي رِوَايَةٍ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ
وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ
أَمْ نَأْكُلُ؟ قَالَ: «كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ
أُمِّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ
ذَكَاةُ أُمِّهِ» مَرْفُوعَان بِالابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ
الإِخْبَارُ عَنْ ذَكَاةِ الْجَنِينِ بِأَنَّهَا زَكَاةُ أُمِّهِ فَيَحِلُّ
بِهَا كَمَا تَحِلُّ الأمُّ بِهَا وَلا يَحْتَاجُ إلَى تَذْكِيَةٍ.
(2/550)
بَابُ أَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ
مَيْتَةٌ
4653- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَن النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا
قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
4654- وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَبِهَا نَاسٌ يَعْمِدُونَ إلَى
أَلَيَّاتِ الْغَنَمِ وَأَسْنِمَةِ الإِبِلِ يَجُبُّونَهَا، فَقَالَ: «مَا
قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ - وَهِيَ حَيَّةٌ - فَهُوَ مَيْتَةٌ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
4655- وَلأبِي دَاوُد مِنْهُ الْكَلامُ النَّبَوِيُّ فَقَطْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَهُوَ مَيْتَةٌ»
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَائِنَ مِنْ الْحَيِّ حُكْمُهُ حُكْمُ
الْمَيْتَةِ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ وَنَجَاسَتِهِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَحَيَوَانِ الْبَحْرِ
4656- قَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
4657- عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إِلا ابْنَ مَاجَةْ.
4658- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ وَأَمِيرُنَا
أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا
مَيْتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ
نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ
الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا
ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «كُلُوا رِزْقًا
أَخْرَجَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ، أَطْعِمُونَا إنْ كَانَ مَعَكُمْ»
. فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ فَأَكَلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4659- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا
الْمَيِّتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ
وَالطِّحَالُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَهُوَ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَاده قَالَ أَحْمَدُ: وابْنُ
الْمَدِينِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ ضَعِيفٌ وَأَخُوهُ عَبْدُ
اللهِ ثِقَةٌ.
(2/551)
4660- وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ ذَبَحَ مَا فِي الْبَحْرِ لِبَنِي
آدَمَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي
شُرَيْحٍ مَوْقُوفًا.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - قَالَ: الطَّافِي
حَلالٌ.
وَعَنْ عُمَرَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}
قَالَ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ إِلا مَا قَذَرْت مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ صَيْدِ نَصْرَانِيٍّ،
أَوْ يَهُودِيٍّ، أَوْ مَجُوسِيٍّ.
وَرَكِبَ الْحَسَنُ عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلابِ الْمَاءِ ذَكَرَهُنَّ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (نَأْكُلُ مَعَهُ
الْجَرَادَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَعِيَّةِ مُجَرَّدُ الْغَزْوِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَعَ أَكْلِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي مَا
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ بِلَفْظٍ وَيَأْكُلُهُ مَعَنَا
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ أَكْلِ الْجَرَادِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى حِلِّ أَكْلِ الْجَرَادِ وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ
سَبَبٍ، إلى أنْ قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى إبَاحَةِ مَيْتَةِ
الْبَحْرِ سَوَاءٌ مَاتَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ مَاتَتْ بِالاصْطِيَادِ. وَلا
خِلافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ السَّمَكِ عَلَى اخْتِلافِ
أَنْوَاعِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانِ
الْبَرِّ كَالآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، فَعِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ يُحَرَّمُ،
وَالأصَحُّ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ الْحِلُّ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ
الْمَالِكِيَّةِ، إِلا الْخِنْزِيرَ فِي رِوَايَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ
الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي
الْبَرِّ، وَمَا لا فَلا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ،
وَاسْتَثْنَتْ الشَّافِعِيَّةُ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
وَهُوَ نَوْعَانِ: النَّوْعُ الأوَّلُ مَا وَرَدَ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ
شَيْءٌ يَخُصُّهُ كَالضُّفْدَعِ، وَكَذَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَدُ وَمِنْ
الْمُسْتَثْنَى التِّمْسَاحُ وَالْقِرْشُ وَالثُّعْبَانُ وَالْعَقْرَبُ
وَالسَّرَطَانُ وَالسُّلَحْفَاةُ للاسْتِخْبَاثِ وَالضَّرَرِ اللاحِقِ
مِنْ السُّمِّ. النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَانِعٌ
فَيَحِلُّ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّذْكِيَةِ كَالْبَطِّ وَطَيْرِ الْمَاءِ.
(2/552)
بَابُ الْمَيْتَةُ لِلْمُضْطَرِّ
4661- عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ
إنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا مَخْمَصَةٌ فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ
الْمَيْتَةِ؟ فَقَالَ: «إذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَعْتَبِقُوا وَلَمْ
تَحْتَفِئُوا بِهَا بَقْلاً فَشَأْنُكُمْ بِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4662- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ كَانُوا.
بِالْحَرَّةِ مُحْتَاجِينَ قَالَ: فَمَاتَتْ عِنْدَهُمْ نَاقَةٌ لَهُمْ -
أَوْ لِغَيْرِهِمْ - فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي أَكْلِهَا، قَالَ: فَعَصَمَتْهُمْ بَقِيَّةَ شِتَائِهِمْ أَوْ
سَنَتِهِمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4663- وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ رَجُلاً نَزَلَ الْحَرَّةَ وَمَعَهُ أَهْلُهُ
وَوَلَدُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ نَاقَةً لِي ضَلَّتْ فَإِنْ وَجَدَتْهَا
فَأَمْسِكْهَا، فَوَجَدَهَا فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا فَمَرِضَتْ،
فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: انْحَرْهَا، فَأَبَى فَنَفَقَتْ، فَقَالَتْ:
اُسْلُخْهَا حَتَّى نَقْدُرَ شَحْمَهَا وَلَحْمَهَا وَنَأْكُلَهُ، فَقَالَ:
حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ» ؟ قَالَ: لا، قَالَ:
«فَكُلُوهُ» . قَالَ: فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ:
هَلا كُنْت نَحَرْتَهَا؟ قَالَ: اسْتَحَيْتُ مِنْكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى إمْسَاكِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَلَمْ تَحْتَفِئُوا
بِهَا بَقْلاً» مِنْ الْحَفَاءِ وَهُوَ الْبُرْدِيِّ - بِضَمِّ
الْمُوَحَّدَةِ - نَوْعٌ مِنْ جَيِّدِ التَّمْرِ. وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ
بِأَنَّ الْبُرْدِيَّ لَيْسَ مِنْ الْبُقُولِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ
أَصْلُ الْبُرْدِيِّ الأبْيَضِ الرُّطَبُ وَقَدْ يُؤْكَلُ قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَصْطَبِحُوا
وَتَغْتَبِقُوا
وَتَجْمَعُوهُمَا مَعَ الْمَيْتَةِ قَالَ الأزْهَرِيُّ: قَدْ أُنْكِرَ
هَذَا عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ وَفُسِّرَ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ تَجِدُوا
أَلْبِنَةً تَصْطَبِحُونَهَا أَوْ شَرَابًا تَغْتَبِقُونَهُ وَلَمْ
تَجِدُوا بَعْدَ عَدَمِ الصَّبُوحِ وَالْغَبُوقِ بَقْلَةً تَأْكُلُونَهَا
حُلَّتْ لَكُمْ الْمَيِّتَةُ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ الشَّارِح: وَقَدْ دَلَّتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَكْفِيهِ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْمُضْطَرُّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ
الْمَيْتَةِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ
(2/553)
الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ لا
السُّؤَال. وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ
عَادٍ} قَدْ قِيلَ إِنَّهُمَا صِفَةٌ لِلشَّخْصِ مُطْلَقًا، فَالْبَاغِي
كَالْبَاغِي عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَادِي كَالصَّائِلِ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمَا صِفَة لِضَرُورَتِهِ فَالْبَاغِي الَّذِي يَبْغِي
الْمُحَرَّم مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَلالِ، وَالْعَادِي الَّذِي
يِتَجَاوَزُ قَدْرَ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي
مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} . وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ
السَّلَفِ وَهُوَ الصَّوَابُ بِلا رَيْبٍ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُؤْكَلَ طَعَامُ الإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
4664- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا
بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَيُنْتَثَلُ
طَعَامُهُ وَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ
أَطْعِمَتَهُمْ، فَلا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا ...
بِإِذْنِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4665- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ قَالَ: شَهِدْتُ خُطْبَةَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى، وَكَانَ فِيمَا خَطَبَ، أَنْ
قَالَ: «وَلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلا مَا طَابَتْ بِهِ
... نَفْسُهُ» . قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ أَرَأَيْتَ لَوْ لَقِيتُ فِي
مَوْضِعٍ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي فَأَخَذْتُ مِنْهَا شَاةً فَاجْتَزَرْتُهَا
هَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: «إنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ
شَفْرَةً وَأَزْنَادًا فَلا تَمَسَّهَا» .
4666- وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ
سَادَتِي نُرِيدُ الْهِجْرَةَ حَتَّى إذَا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ
قَالَ: فَدَخَلُوا وَخَلَّفُونِي فِي ظَهْرِهِمْ، فَأَصَابَتْنِي مَجَاعَةٌ
شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَمَرَّ بِي بَعْضُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ،
فَقَالُوا: لَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَأَصَبْتَ مِنْ تَمْرِ
حَوَائِطِهَا، قَالَ: فَدَخَلْتُ حَائِطًا فَقَطَعْتُ مِنْهُ قِنْوَيْنِ،
فَأَتَانِي صَاحِبُ الْحَائِطِ وَأَتَى بِي إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَأَخْبَرَهُ خَبَرِي وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ، فَقَالَ لِي:
«أَيُّهُمَا أَفْضَلُ» ؟ فَأَشَرْتُ إلَى أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: «خُذْهُ
وَأَعْطِ صَاحِبَ الْحَائِطِ الآخَرَ» . فَخَلَّى سَبِيلِي. رَوَاهُمَا
أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَشْرُبَتُهُ»
وَالْمُرَادُ هُنَا الْغُرْفَةُ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامُ،
شَبَّهَ - صلى الله عليه وسلم - ضُرُوعَ الْمَوَاشِي فِي حِفْظِهَا مَا
فِيهَا مِنْ اللَّبَنِ
(2/554)
بِالْمَشْرُبَةِ فِي حِفْظِهَا لِمَا
فِيهَا مِنْ الطَّعَامِ، فَكَمَا أَنَّ هَذِهِ يَحْفَظُ فِيهَا الإِنْسَانُ
طَعَامَهُ فَتِلْكَ تَحْفَظُ لَهُ شَرَابَهُ وَهُوَ لَبَنُ مَاشِيَتِهِ،
وَكَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ يَكْرَهُ دُخُولَ غَيْرِهِ إلَى مَشْرُبَتِهِ
لأخْذِ طَعَامِهِ كَذَلِكَ يَكْرَهُ حَلْبَ غَيْرِهِ مَاشِيَتَهُ فَلا
يَحِلُّ الْجَمِيعُ إِلا بِإِذْنِ الْمَالِكِ.
قَوْلُهُ: «إنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا» هَذَا
فِيهِ مُبَالَغَةٌ مِنْ الْمَنْعِ فِي أَخْذِ مُلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ
إذْنِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى حَالٍ مُشْعِرَةٍ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَاشِيَةَ
مُعَدَّةٌ لِلذَّبْحِ حَامِلَةً لِمَا تَصْلُحُ بِهِ مِنْ آلَةِ الذَّبْحِ
وَهِيَ الشَّفْرَةُ، وَآلَةُ الطَّبْخِ وَهُوَ الأزْنَادُ وَهِيَ جَمْعُ
زَنْدٍ: وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي يُقْدَحُ بِهِ النَّارَ.
قَوْلُهُ: «وَأَعْطِ صَاحِبَ الْحَائِطِ الآخَرَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
تَغْرِيمِ السَّارِقِ قِيمَةَ مَا أَخَذَهُ مِمَّا لا يَجِبُ فِيهِ
الْحَدُّ، وَعَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ لا تُبِيحُ الإِقْدَامَ عَلَى مَالِ
الْغَيْرِ مَعَ وُجُودِ مَا يُمْكِنُ الانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ
وَلَوْ كَانَ مِمَّا تَدْعُو حَاجَةُ الإِنْسَانِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ هُنَا
أَخَذَ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ النَّخْلِ.
بَابُ مَا جَاءَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ لِابْنِ السَّبِيلِ
إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِطٌ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً
4667- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلا
يَتَّخِذْ خُبْنَةً» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
4668- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - عَنْ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَائِطَ، فَقَالَ: «يَأْكُلُ
غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4669- وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ،
فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ
فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ
فَلْيُصَوِّتْ ثَلاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ،
فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلا يَحْمِلْ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ ابْنُ
الْمَدِينِيِّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ.
4670- وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ حَائِطًا فَأَرَادَ أَنْ
يَأْكُلَ فَلْيُنَادِ: يَا صَاحِبَ الْحَائِطِ ثَلاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ
(2/555)
وَإِلا فَلْيَأْكُلْ، وَإِذَا مَرَّ
أَحَدُكُمْ بِإِبِلٍ فَأَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا
فَلْيُنَادِ: يَا صَاحِبَ الإِبِلِ أَوْ يَا رَاعِيَ الإِبِلِ، فَإِنْ
أَجَابَهُ وَإِلا فَلْيَشْرَبْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: فِي تَرْجَمَةِ
الْبَابِ «إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِطٌ» . وَظَاهِرُ الأحَادِيثِ
الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ مُخَالِفٌ لِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
التَّرْجَمَةَ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «إذَا لَمْ يَكُنْ
حَائِطٌ» أَيْ جِدَارٌ يَمْنَعُ الدُّخُولَ
إلَيْهِ بِحِرْزِهِ طُرُقُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الإِشْعَارِ بِعَدَمِ
الرِّضَا، وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الأحَادِيثَ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلا
مَلْجَأَ إلَى هَذَا بَلْ الظَّاهِرُ الإِطْلاقُ وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ.
قَوْلُهُ: «وَلا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ مَا
تَحْمِلُهُ فِي حِضْنِكَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَهَذَا الإِطْلاقُ فِي
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ
الأمْرِ بِالنِّدَاءِ ثَلاثًا. إلى أنْ قَالَ: وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ
الْبَابِ جَوَازُ الأكْلِ مِنْ حَائِطِ الْغَيْرِ وَالشُّرْبِ مِنْ
مَاشِيَتِهِ بَعْدَ النِّدَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ
أَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا إلَى الأكْلِ أَمْ لا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الضِّيَافَةِ
4671- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - إنَّك تَبْعَثُنِي فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لا يَقْرُونَا فَمَا
تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا: «إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا
يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا
مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» .
4672- وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الأخَرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» . قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا ...
رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ
أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلا يَحِلُّ لَهُ
أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
4673- وَعَنْ الْمِقْدَامِ - أَبِي كَرِيمَةَ - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى
كُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا
لَهُ عَلَيْهِ، إنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» .
4674- وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ
فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ
(2/556)
أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ» .
رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4675- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا ضَيْفٍ نَزَلَ بِقَوْمٍ
فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ قِرَاهُ
وَلا حَرَجَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَلَهُ أَنْ
يُعْقِبَهُمْ» إلَى آخره قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ:
أَيْ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْضِهِمْ وَزَرْعِهِمْ بِقَدْرِ مَا
يَكْفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. قَالَ ابْنُ رَسْلانَ: وَالضِّيَافَةُ مِنْ
مَكَارِمِ الأخْلاقِ وَمَحَاسِنِ الدِّينِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عِنْدَ
عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الشَّارِح: وَالْحَقُّ وُجُوبُ الضِّيَافَةِ.
بَابُ الأدْهَانُ تُصِيبُهَا النَّجَاسَةُ
4676- عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ،
فَقَالَ: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
4677- وَفِي رِوَايَةٍ: سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ
فَقَالَ: «إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ
مَائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
4678- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ
فَمَاتَتْ، فَقَالَ: «إنْ كَانَ جَامِدًا فَخُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا ثُمَّ
كُلُوا مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مَحْفُوظٌ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
إسْمَاعِيلَ، يَعْنِي الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: هَذَا خَطَأٌ.
قَالَ: وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ، يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (فَمَاتَتْ) اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لاِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَائِعَ إذَا حَلَّتْ فِيهِ
النَّجَاسَةُ لا يُنَجَّسُ إِلا بِالتَّغَيُّرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
الْبُخَارِيِّ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/557)
بَابُ آدَابِ الأكْلِ
4679- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ، فَإِنْ
نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
4680- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَلا
يَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ
وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4681- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ فِي وَسَطِ الطَّعَامِ،
فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ، وَلا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4682- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
كُنْتُ غُلامًا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ
يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي: «يَا غُلامُ سَمِّ اللهَ
وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4683- وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «أَمَّا أَنَا فَلا آكُلُ مُتَّكِئًا» .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ.
4684- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ إذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ وَقَالَ:
«إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأذَى
وَلْيَأْكُلْهَا وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ» . وَأَمَرَنَا أَنْ
نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ وَقَالَ: «إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِي أَيِّ
طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
4685- وَعَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: ضِفْتُ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ
فَشُوِيَ، قَالَ: فَأَخَذَ الشَّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحْتَزُّ لِي بِهَا
مِنْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4686- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ فَدَخَلَ، ثُمَّ أَذِنَ لِي
فَدَخَلْتُ، فَقَالَ: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ» ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَأُتِيَ
بِثَلاثَةِ أَقْرِصَةٍ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ
(2/558)
قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ،
ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، فَجَعَلَ نِصْفَهُ
بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ مِنْ
أُدُمٍ» ؟ قَالُوا: لا إِلا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ، قَالَ: «هَاتُوهُ فَنِعْمَ
الأدْمُ هُوَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
4687- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه -:
أَنَّ رَجُلاً مِنْ قَوْمِهِ - يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ - صَنَعَ
لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا، فَأَرْسَلَ إلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ائْتِنِي أَنْتَ وَخَمْسَةٌ مَعَكَ،
قَالَ: فَبَعَثَ إلَيْهِ: (أَن ائْذَنْ لِي فِي السَّادِسِ) . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ
4688- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى
يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4689- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ فِيهِ: «بِالْمِنْدِيلِ» .
4690- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - أَمَرَ بِلَعْقِ الأصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ: «إنَّكُمْ لا
تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ.
4691- وَعَنْ نُبَيْشَةَ الْخَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ، ثُمَّ لَحِسَهَا اسْتَغْفَرَتْ
لَهُ الْقَصْعَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
4692- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّت
النَّارُ، فَقَالَ: لا، لَقَدْ كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - لا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ إِلا قَلِيلاً،
فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلا أَكُفَّنَا
وَسَوَاعِدَنَا وَأَقْدَامَنَا ثُمَّ نُصَلِّي وَلا نَتَوَضَّأُ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
4693- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ
يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيّ.
4694- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا
مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(2/559)
4695- وَفِي لَفْظٍ: كَانَ إذَا فَرَغَ
مِنْ طَعَامِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا
غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مَكْفُورٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
4696- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: ... «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
4697- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ
غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
4698- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «مَنْ أَطْعَمَهُ اللهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ
لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللهُ لَبَنًا
فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ» . وَقَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِي مَكَانَ
الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ غَيْرَ اللَّبَنِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا
النَّسَائِيّ.
قَوْلُهُ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ» إلى
آخره، قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِيه دَلِيلٌ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْمِيَةِ لِلأكْلِ، وَأَنَّ النَّاسِيَ يَقُولُ فِي
أَثْنَائِهِ: بِسْمِ اللهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ.
قَوْلُهُ: «لا يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ» إلى آخره، فِيهِ النَّهْيُ
عَنْ الأكْلِ وَالشُّرْبِ بالشِّمَالِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ
يَنْبَغِي اجْتِنَابُ الأفْعَالِ الَّتِي تُشْبِهُ أَفْعَالَ الشَّيْطَانِ.
قَوْلُهُ: «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ فِي وَسَطِ الطَّعَامِ» وَفِيهِ
مَشْرُوعِيَّةُ الأكْلِ مِنْ جَوَانِبِ الطَّعَامِ قَبْلَ وَسَطِهِ.
قَوْلُهُ: «أَمَّا أَنَا فَلا آكُلُ مُتَّكِئًا» سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ
قِصَّةُ الأعْرَابِيِّ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ
عِنْدَ ابْنِ مَاجَةْ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ:
أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَاةً فَجَثَا عَلَى
رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيُّ: مَا هَذِهِ
الْجِلْسَةُ؟ فَقَالَ: «إنَّ اللهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ
يَجْعَلنِي جَبَّارًا عَنِيدًا» . قَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّمَا فَعَلَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، قَالَ
الشَّارِح: وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الاتِّكَاءِ،
(2/560)
فَقِيلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ
لِلأكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَقِيلَ: أَنْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ
شِقَّيْهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ
الأرْضِ. وَجَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ الْمَيْلُ عَلَى أَحَدِ
الشِّقَّيْنِ. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ الأكْلِ مُتَّكِئًا،
فَزَعَمَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ
فَقَالَ: يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا لأنَّهُ مِنْ فِعْلِ
الْمُتَعَظِّمِينَ وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ، قَالَ
الشَّارِح: وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلافَ الأوْلَى
فَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ لِلأكْلِ أَنْ يَكُونَ جَاثِيًا
عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَظُهُورِ قَدَمَيْهِ أَوْ يَنْصِبَ الرِّجْلَ
الْيُمْنَى وَيَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: «لَعِقَ أَصَابِعَهُ» فِيهِ اسْتِحْبَابُ لَعْقِ الأصَابِعِ
مُحَافَظَةً عَلَى بَرَكَةِ الطَّعَامِ وَتَنْظِيفًا.
قَوْلُهُ: «فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأذَى» فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ أَكْلِ
اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ.
قَوْلُهُ: «فَلا يَمْسَحُ يَدَهُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ
الْيَدَ عَلَى الأصَابِعِ الثَّلاثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يرَادُ بِالْيَدِ
الْكَفِّ كُلِّهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ الأوْلَى فَيَشْمَلُ
الْحُكْمُ مَنْ أَكَلَ بِكَفِّهِ بِكُلِّهَا أَوْ بِأَصَابِعِهِ فَقَطْ
أَوْ بِبَعْضِهَا.
قَوْلُهُ: (فَبَعَثَ إلَيْهِ أَنْ ائْذَنْ لِي فِي السَّادِسِ) فِيهِ أَنَّ
الْمَدْعُوَّ إذَا تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ يَنْبَغِي
لَهُ أَنْ لا يَأْذَنَ لَهُ وَلا يَنْهَاهُ، وَإِذَا بَلَغَ بَابَ دَارِ
صَاحِبِ الطَّعَامِ أَعْلَمَهُ بِهِ لِيَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ،
وَأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ إنْ لَمْ
يَتَرَتَّبْ عَلَى حُضُورهِ مَفْسَدَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَلَطَّفَ فِي
رَدِّهِ.
قَوْلُهُ: (غَمَرَ) . بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ مَعًا:
هُوَ رِيحٌ دَسِمُ اللَّحْمِ وَزُهُومَتُهُ كَالْوَضَرِ مِنْ السَّمْنِ.
قَوْلُهُ: (إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ) . قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صلى الله
عليه وسلم - لَمْ يَأْكُلْ عَلَى خُوَانٍ قَطُّ قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَقَدْ تُطْلَقُ الْمَائِدَةُ وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ الطَّعَامِ.
قَوْلُهُ: «غَيْرَ مَكْفِيٍّ» . قَالَ الْخَطَّابِيِّ: أَيْ غَيْرُ
مُحْتَاجٍ إلَى أَحَدٍ لَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْعِمُ عِبَادَهُ
وَيَكْفِيهِمْ
(2/561)
قَوْلُهُ: «وَلا مُوَدَّعٍ» أَيْ غَيْرَ
مَتْرُوكٍ.
قَوْلُهُ: «وَلا مَكْفُورٍ» أَيْ مَجْحُودٍ فَضْلُهُ وَنِعْمَتُهُ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/562)
|