تطهير الجنان والقواعد الأربع ومنهج السالكين

 [القواعد الأربع]
[مقدمة]
(2) القواعد الأربع تأليف محمد بن سليمان التميمي من أكبر علماء القرن الثاني عشر

(1/59)


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين أسأل الله الكريمَ ربَّ العرش العظيم أن يتولاّك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركاً أينما كُنْتَ، وأن يجعلكَ مِمن إذا أعطي شَكَر، وإذا ابْتُلي صَبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هذه الثلاث عنوانُ السعادة.
اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية مِلةَ إبراهيمَ أنْ تَعبُدَ الله مُخلصاً له الدين، وبذلك أمرَ الله جميع الناس، وخَلَقهم لها كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فإذا عرفتَ أن الله خلقك لعبادته فاعلم أنّ العبادةَ لا تُسمى عبادةً إلا مع التوحيد، (كما أنّ الصلاة لا تُسمى صلاة إلا مع الطهارة) ، فإذا دخل الشركُ فيها فسدتْ، (كالحَدَثِ إذا دخل في الصلاة) ، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة: 17]

(1/61)


فإذا عرفتَ أنّ الشرْكَ إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أن أهمَّ ما عليك: معرفةُ ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة، وهي الشرْكُ بالله وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله في كتابه:

[القاعدة الأولى الكفارَ الذين قاتَلَهمْ رسولُ الله صلى الله عليه] وسلم كانوا مقرّين أنّ الله هو الخالقُ الرازقُ
القاعدة الأولى: أنْ تعلم أن الكفارَ الذين قاتَلَهمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرّين أنّ الله هو الخالقُ الرازقُ المحي المميتُ النافعُ الضار الذي يُدبر جميعَ الأمور، وما أدخلهم ذلك في الإسلام. والدليل قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31]

[القاعدة الثانية الكفار كانوا يقولون ما توجهنا إليهم ودعوناهم إلّا] لِطَلَب القُربة والشَّفاعة
القاعدة الثانية: أن أولئك الكفار كانوا يقولون: ما توجهنا إليهم ودعوناهم إلّا لِطَلَب القُربة والشَّفاعة، نريد مِنَ الله لا منهم، لكنْ بشفاعتهم والتقرب إليهم.
ودليلُ القُرْيَةِ قوله تعالىَ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3] وقوله تعالى:

(1/62)


{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 28]
ودليل الشفاعة قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]

[القاعدة الثالثة النبيَّ صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين] في عباداتِهِم غير الله
القاعدة الثالثة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عباداتِهِم غير الله، منهم من يعبدُ الشمسَ والقمر، ومنهم من يعبد الصالحين، ومنهم من يعبدً الملائكة، ومنهم من يعبدُ الأنبياء، ومنهم من يعبدُ الأشجار والأحجارَ، وقاتلهم صلى الله عليه وسلم جميعاً وما فرق بينهم.
والدليل على قتالهم جميعاً قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193] ودليلُ عبادتهم الشمس والقمر قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]

(1/63)


ودليل عبادتهم الصالحين قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56 - 57]
ودليل عبادتهم الصلاة قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ - قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ - فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [سبأ: 40 - 42]
ودليل عبادتهم الأنبياء قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ - مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 116 - 117]
ودليل عبادتهم الأشجار والأحجار حديث أبي واقد الليثي، قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حُدَثاء عهد بكفر،

(1/64)


وللمشركين سِدْرة (1) يعكفون عندها وينوطون (2) بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر إنها السنن، قلتم - والذي نَفْسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ - إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 138 - 140] »

[القاعدة الرابعة أن مشركي زماننا أعظم شركاً من الأولين]
القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أعظم شركاً من الأولين؛ لأن الأولين كانوا يخلصون لله في الشدة ويشركون في الرخاء، أما مشركو زماننا فشركُهم دائم في الرخاء والشدة.
والدليل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ - لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 65 - 66]
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
_________
(1) نوع شجر.
(2) يعلقون.

(1/65)