تهذيب
الآثار الجزء المفقود (تَتِمَّة مُسْند عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
رَضِي الله عَنهُ)
(1/15)
ابْن عَوْف، وَبِخِلَاف اللَّفْظ الَّذِي
ذكره ابْن عدي عَن مُحَمَّد بن جُبَير. وَالثَّالِثَة أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يشْهد حلف المطيبين، وَلَا
أدْركهُ، وَإِنَّمَا شهد حلف الفضول الَّذِي عقد فِي دَار عبد الله بن
جدعَان التَّيْمِيّ الَّذِي رُوِيَ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن
جدعَان حلفا، مَا أحب أَن لي بِهِ حمر النعم، وَلَو دعيت إِلَيْهِ الْيَوْم
فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت ".
قَالُوا: وَهَذَا الْحلف - أَعنِي حلف الفضول - شهده رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل أَن يبْعَث نَبيا، وَهُوَ الْحلف
الَّذِي تعاقده بَنو هَاشم، وَبَنُو الْمطلب، وَبَنُو أَسد بن عبد
الْعُزَّى، وَبَنُو زهرَة، وَبَنُو تيم بن مرّة على أَن لَا يدعوا بِمَكَّة
مظْلمَة إِلَّا ردوهَا.
قَالُوا: وَأما حلف المطيبين، فَإِنَّهُ جرى بَين بني مَخْزُوم، وجمح،
وَسَهْم، وعدي، وَبني عبد الدَّار على نصْرَة بني عبد الدَّار إِذْ نازعتهم
بَنو أعمامهم من بني عبد منَاف اللِّوَاء، والحجامة، والندوة، وَقَالُوا:
نَحن أَحَق بذلك مِنْكُم.
فحالفت بَنو عبد الدَّار من ذكرنَا من الْقَبَائِل، وحالفت بَنو عبد منَاف.
بني أَسد، وزهرة - وهما الْحَارِث بن فهر - على نصْرَة عبد منَاف على عبد
الدَّار، قَالُوا: فَهَذَا حلف جرى بَين الْقَوْم على حَرْب على أَمر من
أُمُور الْجَاهِلِيَّة، وَلم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لَو كَانَ شهده ليقول: " لَو دعيت إِلَيْهِ الْيَوْم
لَأَجَبْت ".
(1/17)
قَالُوا: وَإِنَّمَا شهد حلف الفضول
الَّذِي تعاقده الْقَوْم على أَن لَا يدعوا بِمَكَّة مظْلمَة إِلَّا
ردوهَا، فَأخْبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْإِسْلَام
أَنه لَو دعِي إِلَى ذَلِك لأجاب.
(1/18)
(" ذكر من روى هَذَا الْخَبَر عَن جُبَير
بن مطعم، فَلم يَجْعَل بَينه وَبَين رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أحدا وَخَالف فِي مَعْنَاهُ مَعْنَاهُ، وَفِي لَفظه لَفظه ")
1 - حَدثنَا أَبُو كريب وَعَبدَة بن عبد الله الصفار، قَالَا: حَدثنَا
مُحَمَّد بن بشر، قَالَ: حَدثنَا زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، قَالَ
حَدثنِي سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن أَبِيه، عَن جُبَير بن مطعم، عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا حلف فِي الْإِسْلَام،
وَأَيّمَا حلف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا
شدَّة ".
(1/19)
(" ذكر الْخَبَر الْوَارِد عَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: لقد شهِدت فِي دَار
عبد الله بن جدعَان حلفا هُوَ أحب إِلَيّ من حمر النعم ")
2 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن ابْن
إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر بن قنفذ [التَّيْمِيّ، أَنه
سمع طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف الزُّهْرِيّ يَقُول] قَالَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن
جدعَان حلفا، هُوَ أحب إِلَيّ من حمر النعم، وَلَو دعيت إِلَيْهِ الْيَوْم
فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت ".
(1/20)
قَالُوا: وَمن الدَّلِيل على أَن الْحلف
الَّذِي شهده النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
حلف الفضول:
3 - مَا حَدثنَا بِهِ ابْن حميد، قَالَ حَدثنَا سَلمَة، عَن ابْن إِسْحَاق،
قَالَ: حَدثنِي يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، عَن
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: " كَانَ بَين الْحُسَيْن بن عَليّ، وَبَين
الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان مُنَازعَة فِي مَال كَانَ بَينهمَا
بِذِي الْمَرْوَة. قَالَ: فَكَانَ الْوَلِيد تحامل على الْحُسَيْن بن عَليّ
فِي حَقه لسلطانه.
(1/21)
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: أقسم بِاللَّه
لتنصفن لي من حَقي، أَو لآخذن سَيفي، ثمَّ لأقومن فِي مَسْجِد النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ لأدعون بِحلف الفضول؟
فَقَالَ عبد الله بن الزبير - وَهُوَ عبد الْوَلِيد حِين قَالَ الْحُسَيْن
مَا قَالَ -: وَأَنا أَحْلف بِاللَّه لَئِن دَعَا بِهِ لآخذن سَيفي، ثمَّ
لأقومن مَعَه حَتَّى ينصف من حَقه أَو نموت جَمِيعًا. فبلغت الْمسور بن
مخرمَة بن نَوْفَل الزُّهْرِيّ فَقَالَ: مثل ذَلِك. وَبَلغت عبد الرَّحْمَن
بن عُثْمَان بن عبد الله التَّيْمِيّ فَقَالَ مثل ذَلِك. فَلَمَّا بلغ
الْوَلِيد بن عتبَة أنصف حُسَيْنًا من حَقه ".
(" القَوْل فِيمَا فِي هَذَا الْخَبَر من الْفِقْه ")
وَالَّذِي فِيهِ من ذَلِك: الدَّلِيل على أَن كل حلف كَانَ عقد فِي
الْجَاهِلِيَّة قبل الْإِسْلَام، أَن على أَهله الْوَفَاء بِهِ؛ وَذَلِكَ
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي الْحلف
الَّذِي شهده مَعَ أَعْمَامه من بني هَاشم، وَبني الْمطلب قبل الْإِسْلَام:
" مَا أحب أَن لي حمر النعم وَأَنِّي أنكثه ".
وَذَلِكَ نَظِير الْأَخْبَار الْوَارِدَة عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَا حلف فِي الْإِسْلَام، وَمَا كَانَ من حلف
فِي الْجَاهِلِيَّة فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة ".
(1/22)
(" ذكر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بذلك عَنهُ
")
4 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن شريك، عَن سماك، عَن
عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا حلف فِي الْإِسْلَام، وَمَا كَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّة فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة ".
5 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا مُصعب بن الْمِقْدَام، عَن
إِسْرَائِيل بن يُونُس، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولى آل طَلْحَة،
عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا حلف فِي الْإِسْلَام، وكل حلف كَانَ
فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة، وَمَا يسرني أَن
لي حمر النعم، وَأَنِّي أنقض الْحلف الَّذِي كَانَ فِي دَار الندوة ".
(1/23)
6 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم،
قَالَ: حَدثنَا هَيْثَم، قَالَ: أخبرنَا مُغيرَة، عَن أَبِيه، عَن شُعْبَة
بن التوأم الضَّبِّيّ، عَن قيس بن عَاصِم أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْحلف؟ قَالَ: فَقَالَ: " مَا كَانَ من
حلف فِي الْجَاهِلِيَّة فَتمسكُوا بِهِ، وَلَا حلف فِي الْإِسْلَام ".
(1/24)
7 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا
جرير، عَن مُغيرَة، عَن أَبِيه، عَن شُعْبَة بن التوأم الضَّبِّيّ، أَن قيس
بن عَاصِم سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
الْحلف؟ فَقَالَ: " لَا حلف فِي الْإِسْلَام، وَلَكِن تمسكوا بِحلف
الْجَاهِلِيَّة ".
8 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن دَاوُد بن أبي عبد
الله، عَن ابْن جدعَان، عَن جدته، عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا حلف فِي الْإِسْلَام، وَمَا
كَانَ من حلف فِي الْجَاهِلِيَّة لم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة ".
فَإِن قَالَ لنا قَائِل: فَإِن كَانَ الْأَمر فِي الْحلف فِي الْإِسْلَام
كَمَا قلت من أَنه غير جَائِز عقده، فَمَا أَنْت قَائِل فِيمَا:
9 - حَدثكُمْ بِهِ ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن عَاصِم، عَن أنس
قَالَ: " حَالف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين
(1/25)
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فِي دَاري
الَّتِي بِالْمَدِينَةِ "؟
قيل: هَذَا أَمر كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار،
وَكَانُوا يتوارثون بذلك العقد، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة فِي
جَاهِلِيَّتهَا تفعل ذَلِك، فنسخ الله - تَعَالَى ذكره - ذَلِك بقوله:
{وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} .
ورد الْمَوَارِيث إِلَى الْقرَابَات بالأرحام، وَالْحُرْمَة بقوله:
{يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ}
الْآيَتَيْنِ.
فَإِن قَالَ: وَهل من دَلِيل على صِحَة مَا قلت؟
10 - قيل: حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن أبي بشر، عَن سعيد بن جُبَير فِي قَول الله تبَارك
وَتَعَالَى: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} قَالَ: " كَانَ الرجل يعاقد
الرجل فيرثه، وعاقد أَبُو بكر مولى فورثه ".
(1/26)
11 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا
يحيى بن وَاضح، عَن الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن يزِيد النَّحْوِيّ، عَن
عِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم،
فآتوهم نصِيبهم} . قَالَ: " كَانَ الرجل يحالف الرجل لَيْسَ بَينهمَا نسب،
فيرث أَحدهمَا الآخر، فنسخ ذَلِك فِي الْأَنْفَال فَقَالَ: {وأولو
الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} .
فَكَانَ هَذَا هَكَذَا إِلَى أَن فتحت مَكَّة، فَلَمَّا فتحت مَكَّة نسخ
ذَلِك فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَئِذٍ:
" أَوْفوا بِحلف الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ لم يزده الْإِسْلَام إِلَّا
شدَّة ".
12 - حَدثنَا حميد بن مسْعدَة الشَّامي، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع،
قَالَ: حَدثنَا حُسَيْن الْمعلم، وَحدثنَا مُجَاهِد بن مُوسَى قَالَ:
حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، قَالَ: حَدثنَا حُسَيْن.
13 - وحَدثني حَاتِم بن بكر الضَّبِّيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن
حُسَيْن الْمعلم، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه،
عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي
خطْبَة يَوْم فتح مَكَّة: " أَوْفوا بِحلف الْجَاهِلِيَّة، فَإِنَّهُ لَا
يزِيدهُ الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة، وَلَا تحدثُوا حلفا فِي الْإِسْلَام ".
(1/27)
14 - وَحدثنَا تَمِيم بن الْمُنْتَصر،
قَالَ: أخبرنَا يزِيد قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن
شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: " لما دخل رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَكَّة عَام الْفَتْح، قَامَ خَطِيبًا فِي
النَّاس فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس! : مَا كَانَ من حلف فِي
الْجَاهِلِيَّة، فَإِن الْإِسْلَام لم يزده إِلَّا شدَّة، وَلَا حلف فِي
الْإِسْلَام ".
15 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن بكير، قَالَ: حَدثنَا
(1/28)
مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن
شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مثله.
16 - وَحدثنَا أَبُو كريب قَالَ: حَدثنَا أَسد بن عَمْرو، عَن مُحَمَّد بن
إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله.
17 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن مخلد، قَالَ: حَدثنَا
سُلَيْمَان بن بِلَال، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن
عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَحْوِهِ.
فَإِن قَالَ لنا: أَو جَائِز فِي الْحلف الَّذِي أَمر النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/29)
بِالْوَفَاءِ بِهِ من حلف الْجَاهِلِيَّة،
وَقد علمت أَن الْقَوْم إِنَّمَا كَانُوا يتعاقدون بَينهم على أَن يَرث
بَعضهم بَعْضًا، وَيكون بَعضهم عونا لبَعض على من أرادوه بظُلْم أَو
أَرَادَهُم بذلك أَن يُوفي بِشُرُوطِهِ الَّتِي كَانُوا تعاقدوه عَلَيْهَا
فِي الْجَاهِلِيَّة؟
قيل: إِن الَّذِي أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِالْوَفَاءِ بِهِ من ذَلِك هُوَ مَا لم يفسخه الْإِسْلَام، وَلم يُبطلهُ
حكم الْقُرْآن، وَهُوَ التعاون على الْحق، والنصرة على الْأَخْذ على يَد
الظَّالِم الْبَاغِي. فَإِن قَالَ: فَإِن هَذَا حق لكل مُسلم على كل مُسلم
فَمَا الْمَعْنى الَّذِي خص بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى وَجب من أَجله
الْوَفَاء بِهِ، وَنهى عَن مثله فِي الْإِسْلَام استئنافه؟ وَهل على مُسلم
من حرج فِي معاقدة إخْوَان لَهُ من أهل الْإِسْلَام على التناصر إِن بغى
أحدا مِنْهُم أحد بظُلْم أَو قَصده بِسوء؟
قيل: إِن ذَلِك من معنى مَا ذهب إِلَيْهِ بعيد.
وَإِنَّمَا معنى قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
مَا كَانَ من حلف فِي الْجَاهِلِيَّة، فَتمسكُوا بِهِ " إِنَّمَا هُوَ
الْحلف على النُّصْرَة من بَعضهم لبَعض فِي الْحق، وَذَلِكَ، وَإِن كَانَ
وَاجِبا على كل مُسلم لكل مُسلم، فَإِن على الحليف من ذَلِك لحليفه من وجوب
حق نصرته على من بغاه بظُلْم دون سَائِر النَّاس غَيره مَا يجب للقريب على
قَرِيبه، والنسيب على نسيبه، دون سَائِر النَّاس غَيره.
وَإِن نابته نائبة من عَدو لَهُ قَصده بظُلْم من الدفاع عَنهُ، فَلهُ من
استصراخه عَلَيْهِ بِمَا قد نهي عَن استصراخ عشيرته وقبيلته بِمثلِهِ،
وَذَلِكَ أَن الْأَخْبَار متظاهرة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " من تعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة، فأعضوه
بِهن أَبِيه وَلَا تكنوا ".
(1/30)
والتعزي بعزاء الْجَاهِلِيَّة: هُوَ أَن
يُنَادي من ركب بظُلْم: يال بني فلَان كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(فَلَمَّا الْتَقت فرساننا ورجالهم ... دعوا: يَا لكعب {واعتزينا بعامر)
فَنهى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَظْلُوم عَن الاعتزاء
بِمَا ذكرنَا وَأمر من ظلم فاستصرخ على ظالمه أَن يَقُول: يَا لعباد الله}
وَيَا للْمُسلمين.
ثمَّ أطلق لَهُ من الاستصراخ بحليفه مِمَّا نهى عَن الاستصراخ بِمثلِهِ
بنسيبه من قبيلته وعشيرته.
فَأجَاز للرجل من أهل حلف الفضول أَو غَيره أَن يَقُول: يَا لحلف الفضول
{أَو يَا لحلف المطيبين} وَمَا أشبه ذَلِك.
أوما تسمعه يَقُول فِي الْخَبَر الَّذِي ذكرت عَن عبد الله بن طَلْحَة
التَّيْمِيّ: " وَلَو دعيت إِلَيْهِ الْيَوْم فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت "؟
أوما ترى الْحُسَيْن بن عَليّ قَالَ للوليد بن عتبَة: أقسم بِاللَّه لتنصفن
لي من حَقي أَو لآخذن سَيفي، ثمَّ لأقومن فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ لأدعون بِحلف الفضول؟
(1/31)
فَذَلِك هُوَ الْخُصُوص الَّذِي خص بِهِ
الحليف بِالْحلف الَّذِي كَانَ عقده فِي الْجَاهِلِيَّة من حليفه دون
سَائِر النَّاس غَيره.
فَإِن قَالَ لنا قَائِل: هَل وَافق الزُّهْرِيّ فِيمَا روى من هَذَا
الْخَبَر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه
قَالَ: " شهِدت مَعَ عمومتي حلف المطيبين " أحد من أهل النَّقْل فِي
رِوَايَته؟ .
قيل: أما بِإِسْنَاد مُتَّصِل فَلَا نعلمهُ، وَلَكِن:
18 - حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَامر، قَالَ:
حَدثنَا عَليّ، عَن يحيى، عَن أبي سَلمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ - وَهُوَ على الْمِنْبَر -: " مَا شهِدت لقريش
قسَامَة إِلَّا حلف المطيبين، وَمَا يسرني أَن لي حمر النعم وَأَنِّي نكثته
".
(1/32)
(" ذكر مَا صَحَّ عندنَا من خبر ابْن
عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِمَّا لم يمض ذكره ")
19 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن ابْن
إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عمر، فَقَالَ: هَل سَمِعْتُمْ فِيمَا سَمِعْتُمْ
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الرجل إِذا أوهم
فِي صلَاته، فَلَا يدْرِي أزاد أَو نقص؟ .
قلت: لَا. فَأتى علينا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: فيمَ أَنْتُمَا؟
فَقَالَ عمر: سَأَلته هَل سَمِعْتُمْ فِيمَا سَمِعْتُمْ عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الرجل إِذا أوهم فِي صلَاته،
فَلَا يدْرِي أزاد أم نقص، كَيفَ يصنع؟ فَقَالَ: لَا.
فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: فَأَنا أحدثكُم. فَقَالَ عمر: هَات فحدثنا فَأَنت
الصَّادِق الْمُسلم. فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته، فَلَا يدْرِي أصلى
اثْنَتَيْنِ أَو وَاحِدَة فليجعلها وَاحِدَة، وَإِذا شكّ فِي الثِّنْتَيْنِ
وَالثَّلَاث فليجعلها ثِنْتَيْنِ، وَإِذا شكّ فِي الثَّلَاث والأربع
فليجعلها ثَلَاثًا، حَتَّى يكون الشَّك فِي الزِّيَادَة،
(1/33)
فَإِذا فرغ من صلَاته فليسجد سَجْدَتَيْنِ،
ثمَّ يسلم ".
20 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية، قَالَ:
أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي مَكْحُول أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا صلى أحدكُم فَشك فِي
صلَاته، فَإِن شكّ فِي الْوَاحِدَة والثنتين فليجعلها وَاحِدَة، وَإِن شكّ
فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاث فليجعلها ثِنْتَيْنِ، وَإِن شكّ فِي
الثَّلَاث والأربع فليجعلها ثَلَاثًا، حَتَّى يكون الْوَهم فِي
الزِّيَادَة، ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم، ثمَّ يسلم ".
قَالَ مُحَمَّد: قَالَ لي حُسَيْن بن عبد الله: هَل أسْندهُ لَك؟ فَقلت:
لَا. قَالَ: وَلكنه حَدثنِي أَن كريبا مولى ابْن عَبَّاس حَدثهُ، عَن ابْن
عَبَّاس
(1/34)
قَالَ: جَلَست مَعَ عمر بن الْخطاب
فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس {أَرَأَيْت إِذا اشْتبهَ على الرجل فِي صلَاته،
فَلَا يدْرِي أزاد أم نقص؟
قلت: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَدْرِي. مَا سَمِعت فِي ذَلِك
شَيْئا.
فَقَالَ: وَالله مَا أَدْرِي. قَالَ: فَبينا نَحن على ذَلِك، إِذْ جَاءَ
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي تذكران؟ فَقَالَ لَهُ
عمر: ذكرنَا الرجل يشك فِي صلَاته؟ كَيفَ يصنع؟ فَقَالَ: سَمِعت رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول هَذَا الحَدِيث.
21 - وحَدثني سعيد بن عُثْمَان التنوخي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن خَالِد
الْوَهْبِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، عَن كريب،
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَلَست إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا ابْن
عَبَّاس} هَل سَمِعت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فِي الرجل إِذا نسي من صلَاته، فَلَا يدْرِي أزاد أم نقص مَا أَمر بِهِ
فِيهِ؟
قَالَ: قلت: أما سَمِعت أَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: لَا. قلت: لَا وَالله مَا
سَمِعت فِيهِ شَيْئا، وَلَا سَأَلت عَنهُ. إِذْ جَاءَ عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف فَقَالَ: فيمَ أَنْتُمَا؟ فَأخْبرهُ عمر. قَالَ: سَأَلت هَذَا
الْفَتى عَن كَذَا وَكَذَا فَلم أجد عِنْده علما؟ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن:
لَكِن عِنْدِي. لقد سَمِعت ذَاك من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -. فَقَالَ عمر: فَأَنت عندنَا الْعدْل الرِّضَا، فَمَاذَا
سَمِعت؟ قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول: " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَشك فِي الْوَاحِدَة والثنتين،
فليجعلها وَاحِدَة وَإِذا شكّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاث، فليجعلها
اثْنَتَيْنِ، وَإِذا شكّ فِي الثَّلَاث والأربع
(1/35)
فليجعلها ثَلَاثًا، حَتَّى يكون الْوَهم
فِي الزِّيَادَة، ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ يسلم ".
22 - وَحدثنَا ابْن بشار وَابْن الْمثنى قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن
خَالِد بن عَثْمَة، قَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن سعد، قَالَ: حَدثنِي
مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا سَهَا أحدكُم فِي صلَاته، فَلم يدر وَاحِدَة
صلى أَو اثْنَتَيْنِ؟ فليبن على وَاحِدَة؛ فَإِن لم يدر ثِنْتَيْنِ صلى أَو
ثَلَاثًا؟ فليبن على ثِنْتَيْنِ. فَإِن لم يدر ثَلَاثًا صلى أَو أَرْبعا؟
فليبن على ثَلَاث، وليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ".
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر عندنَا صَحِيح سَنَده، وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
(1/36)
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلل:
إِحْدَاهَا: اضْطِرَاب نقلته فِي سَنَده، فبعضهم يَقُول فِيهِ: عَن ابْن
إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس.
وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.
وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن حُسَيْن بن عبد الله، عَن
مَكْحُول، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس؟
وَالثَّانيَِة: أَن حُسَيْن بن عبد الله عِنْدهم مِمَّن لَا يجوز
الِاحْتِجَاج بنقله فِي الدّين؟
وَالثَّالِثَة: أَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عِنْدهم غير مرتضى؟
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذَا الْخَبَر من الْفِقْه ")
وَالَّذِي فِيهِ من ذَلِك: الْبَيَان عَن صِحَة قَول الْقَائِلين فِي الشاك
فِيمَا صلى من صَلَاة هُوَ فِيهَا من عَددهَا؟
أَنه يَبْنِي على مَا استيقن أَنه قد صلى مِنْهَا، وَيتم على ذَلِك بَاقِي
صلَاته، وَأَن عَلَيْهِ إِذا فعل ذَلِك سَجْدَتي السَّهْو، إِذْ كَانَ
مُمكنا أَن يكون قد ألحق فِي صلَاته مَا لَيْسَ مِنْهَا، كَالَّذي يسلم
فِيهَا سَاهِيا، قبل إِتْمَامه جَمِيعهَا.
وَقد وَافق عبد الرَّحْمَن فِي معنى رِوَايَته عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا الْخَبَر، وَأَن على الشاك فِيمَا صلى
من عدد رَكْعَات صَلَاة هُوَ فِيهَا أَن يَبْنِي على الْيَقِين: جمَاعَة من
أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نذْكر مَا
صَحَّ من ذَلِك عندنَا بِسَنَدِهِ، ثمَّ نتبع جَمِيعه الْبَيَان إِن شَاءَ
الله.
(1/37)
(" ذكر ذَلِك ")
23 - حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود الجحدري، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
زُكَيْرٍ يحيى بن مُحَمَّد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا شكّ أحدكُم فَلم يدر كم صلى: ثَلَاثًا أم أَرْبعا؟ فَليصل
رَكْعَة تَامَّة، ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس، فَإِن كَانَت
تِلْكَ الرَّكْعَة خَامِسَة شفع بهَا السَّجْدَتَيْنِ، وَإِن كَانَت
رَابِعَة كَانَت ترغيما للشَّيْطَان ".
24 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عمَارَة الْأَسدي، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن
مخلد، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن
(1/38)
يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَحْوِهِ.
25 - وحَدثني مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْحَكِيم الْمصْرِيّ، قَالَ:
أخبرنَا أَبُو زرْعَة وهب الله بن رَاشد، قَالَ: أخبرنَا حَيْوَة بن
شُرَيْح، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن العجلان، أَن زيد بن أسلم حَدثهُ، عَن
عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " إِذا صلى أحدكُم فَلم يدر
أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟ فليبن على الْيَقِين، ويدع الشَّك، ثمَّ يسْجد
سَجْدَتَيْنِ، فَإِن كَانَت صلَاته نقصت فقد أتمهَا، وَكَانَت السجدتان
ترغيما للشَّيْطَان، وَإِن كَانَت صلَاته تَامَّة كَانَ مَا زَاد والسجدتان
نَافِلَة ".
26 - حَدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا عبد
الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة الْمَاجشون، عَن زيد بن أسلم، عَن
(1/39)
عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا لم يدر
أحدكُم ثَلَاثًا صلى أَو أَرْبعا، فَليصل رَكْعَة، ثمَّ يسْجد
سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس، فَإِن كَانَ صلى خمْسا شفعتا لَهُ صلَاته،
وَإِن كَانَ صلى أَرْبعا كَانَتَا ترغيما للشَّيْطَان ".
27 - وحَدثني أَبُو يُونُس الْمَكِّيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن يزِيد، قَالَ:
حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن أَخِيه، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال،
عَن عمر بن مُحَمَّد عَن سَالم بن عبد الله، عَن عبد الله بن عمر أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا صلى
أحدكُم فَلَا يدْرِي كم صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا؟ فليركع رَكْعَتَيْنِ يحسن
ركوعهما وسجودهما ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ ".
فَإِن قَالَ: قَائِل: فَمَا أَنْت قَائِل - إِن كَانَت هَذِه الْأَخْبَار
الَّتِي ذكرتها
(1/40)
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عنْدك صحاحا - فِيمَا:
28 - حَدثَك بِهِ يحيى بن طَلْحَة الْيَرْبُوعي قَالَ: حَدثنَا فُضَيْل بن
عِيَاض، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا
سَهَا أحدكُم فِي صلَاته، فليتحر، وليسجد سَجْدَتَيْنِ ".
29 - وَحدثنَا ابْن بشار وَابْن بزيغ، قَالَا: حَدثنَا أَبُو أَحْمد،
قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن
الشَّك فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ: أما أَنا، فَإِن كَانَت فَرِيضَة
اسْتقْبلت، وَإِن كَانَت تَطَوّعا سلمت وسجدت سَجْدَتَيْنِ. قَالَ:
فَذَكرته لإِبْرَاهِيم؟ فَقَالَ:
(1/41)
وَمَا تصنع بقول سعيد بن جُبَير، حَدثنِي
عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته، فليتحر وليسجد
سَجْدَتَيْنِ ".
30 - وحَدثني مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأحمسي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن
عبيد، قَالَ: حَدثنَا مسعر بن كدام أَبُو سَلمَة، عَن مَنْصُور، عَن
إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا
تنسون، فَأَيكُمْ شكّ فِي صلَاته، فَلْينْظر أَحْرَى ذَلِك للصَّوَاب،
فليتم عَلَيْهِ، ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ ".
31 - وَحدثنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي، قَالَ: حَدثنَا حَفْص، عَن مسعر،
عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا شكّ أحدكُم فِي
صلَاته، فليتحر وليسجد سَجْدَتَيْنِ ".
32 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مَنْصُور، قَالَ:
(1/42)
سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن الرجل يشك فِي
الصَّلَاة؟
فَقَالَ: أما أَنا، فَإِذا كَانَ ذَلِك فِي النَّافِلَة، فأتحرى الصَّوَاب،
ثمَّ أَسجد سَجْدَتَيْنِ، وَإِذا كَانَ فِي الْمَكْتُوبَة، فَإِنِّي
أُعِيد.
فَذَكرنَا لإِبْرَاهِيم؟ فَقَالَ: مَا تصنع بقول سعيد: وَقد سمعنَا فِيهِ:
حَدثنِي عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَذكر نَحْو حَدِيث ابْن بشار؟
33 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن سعيد، عَن
عَمْرو بن دِينَار، عَن سُلَيْمَان الْيَشْكُرِي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: يتحَرَّى فِي الْوَهم. فَقَالَ رجل لعَمْرو بن دِينَار، عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ عَمْرو: عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا أعلم.
قيل: قد اخْتلف السّلف قبلنَا فِي ذَلِك، فَنَذْكُر اخْتلَافهمْ فِيهِ،
ثمَّ نتبع ذَلِك الْبَيَان عَن الصَّوَاب لدينا من القَوْل فِيهِ، إِن
شَاءَ الله ذَلِك.
فَقَالَ بَعضهم فِي ذَلِك بِنَحْوِ القَوْل الَّذِي روينَا عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- من أَنه إِذا شكّ الرجل فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى؟ بنى على الْيَقِين.
وَقَالَ بَعضهم: يتحَرَّى فيبني على الْأَغْلَب عِنْده.
وَقَالَ بَعضهم: يسْتَقْبل صلَاته.
وَقَالَ بَعضهم: إِن كَانَ ذَلِك فِي تطوع تحرى، فَبنى على الْأَغْلَب
(1/43)
عِنْده، وَإِن كَانَ فِي فَرِيضَة اسْتقْبل
الصَّلَاة.
وَقَالَ بَعضهم: يَبْنِي على أتم ذَلِك وَأَكْثَره عِنْده.
(" ذكر من قَالَ يَبْنِي على الْيَقِين وَيتم صلَاته ")
34 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن الحكم،
عَن عَليّ قَالَ: " إِذا شَككت فِي التَّمام وَالنُّقْصَان، فصل رَكْعَة،
فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى لَا يعذب أحدا بِزِيَادَة فِي الصَّلَاة،
وَلَكِن ينظر، فَإِن كَانَ تَمامًا كَانَ لَهُ، وَإِن كَانَ فضلا كَانَ
لَهُ "
35 - وَحدثنَا ابْن بشار قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، قَالَ:
حَدثنَا سُفْيَان، عَن زِيَاد بن فياض، عَن أبي عِيَاض قَالَ: " كَانَ عمر
بن الْخطاب ينْهَى أَن تُعَاد الصَّلَاة ".
36 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: " كَانَ
سُفْيَان يصنعه: أَنه إِذا شكّ بنى على الْيَقِين ".
37 - حَدثنِي سعيد بن عُثْمَان التنوخي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن خَالِد
قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن زِيَاد بن أبي زِيَاد مولى ابْن
(1/44)
عَيَّاش قَالَ: كَانَ الْحَارِث بن عبد
الله يَأْمُرنَا بِهَذَا إِذا شككنا فِي الصَّلَاة مثله، يَعْنِي: " إِذا
شكّ فِي الْوَاحِدَة والثنتين أَن يَجْعَلهَا وَاحِدَة، وَإِذا شكّ فِي
الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاث أَن يَجْعَلهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذا شكّ فِي
الثَّلَاث والأربع أَن يَجْعَلهَا ثَلَاثًا، ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل
أَن يسلم، ثمَّ يسلم ".
38 - وحَدثني ابْن البرقي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو، عَن سعيد، عَن مَكْحُول
قَالَ: " إِذا صلى أحدكُم فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟ فليركع
رَكْعَة، حَتَّى تكون صلَاته إِلَى الزِّيَادَة أقرب مِنْهَا إِلَى
النُّقْصَان ".
39 - وحَدثني مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، قَالَ: حَدثنَا حجاج بن
رشدين، قَالَ: حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن عمر، عَن يحيى بن سعيد، عَن
الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: " إِذا شكّ الْإِنْسَان فِي شَيْء من
الصَّلَاة طرح الشَّك، وَبنى على الْيَقِين، فَإِذا فرغ من التَّشَهُّد
سلم، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ تشهد بعْدهَا، وَسلم "، قَالَ الْقَاسِم:
" كَانَ ابْن عمر يفعل ذَلِك ".
(1/45)
40 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ حَدثنَا
مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنَا سعيد، عَن أبي بشر، عَن سعيد قَالَ: "
سَأَلَهُ رجل من قُرَيْش: فَقَالَ: صليت فَلم أدر زِدْت أَو نقصت؟ فَقَالَ
سعيد: لِأَن أَزِيد أحب إِلَيّ من أَن أنقص ".
41 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب قَالَ: سَمِعت يحيى
بن سعيد قَالَ: " سَأَلت سَالم بن عبد الله. قلت: كَيفَ يصنع الرجل إِذا
شكّ فِي صلَاته؟ قَالَ: إِذا شَككت فِي صَلَاتك طرحت الشَّك، وَصليت على
مَا استيقنت، ثمَّ سجدت سَجْدَتَيْنِ بعد ذَلِك، وَأَنت جَالس ".
42 - حَدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا عبد
الْوَهَّاب، عَن يحيى بن سعيد، عَن سَالم قَالَ: " إِذا لم يدر أحد كم صلى؟
قَالَ: قَالَ سَالم: أما أَنا فأطرح الشَّك، وأبني على الْيَقِين ". قَالَ:
وَقَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد: " وَأَنا أفعل ذَلِك ".
43 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان، قَالَ:
حَدثنَا يحيى بن سعيد قَالَ: " سَأَلت سَالم بن عبد الله: كَيفَ تصنع إِذا
شَككت فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: فَقَالَ: إِذا شَككت طرحت الشَّك،
(1/46)
وَصليت على مَا أستيقن، وأسجد سَجْدَتَيْنِ
".
قَالَ يحيى: " فَذَكرته للقاسم بن مُحَمَّد فَقَالَ الْقَاسِم: وَأَنا أصنع
مثل ذَلِك ".
44 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا
الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، قَالَ: " سَمِعت يُونُس يذكر أَن الْحسن كَانَ
يَقُول فِي الرجل يسهو يرى أَنه قد صلى أَرْبعا، وَإِنَّمَا صلى ثِنْتَيْنِ
أَو ثَلَاثًا، أَن يتم الَّذِي بَقِي عَلَيْهِ، ثمَّ يسلم، ثمَّ يسْجد
سَجْدَتي السَّهْو، ثمَّ يسلم ".
(" ذكر من قَالَ يتحَرَّى فيبني على الْأَغْلَب عِنْده ")
45 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب، قَالَ: حَدثنَا
عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي، قَالَ: حَدثنَا خصيف بن عبد الرَّحْمَن
الْجَزرِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله قَالَ: قَالَ عبد
الله بن مَسْعُود: " إِذا شكّ الرجل فِي صلَاته، وَهُوَ جَالس، بنى على
أكبر ظَنّه، إِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنه صلى أَرْبعا، تشهد ثمَّ سلم، ثمَّ
سجد سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ تشهد، ثمَّ سلم. وَإِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنه صلى
ثَلَاثًا، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَة، ثمَّ تشهد، ثمَّ سلم، ثمَّ سجد
سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ تشهد، ثمَّ سلم ".
(1/47)
46 - وحَدثني سلم بن جُنَادَة السوَائِي،
وَسَعِيد بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي، قَالَا: حَدثنَا ابْن فُضَيْل، عَن
خصيف، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود مثله.
47 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا الْمحَاربي، عَن إِسْمَاعِيل بن
مُسلم، عَن الحكم بن عتيبة، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله بن مَسْعُود
قَالَ: " إِذا سَهَا أحدكُم فِي صلَاته، فليتحر الْكَمَال، ثمَّ ليسجد
سَجْدَتي السَّهْو ".
48 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن الحكم قَالَ: سَمِعت أَبَا وَائِل يحدث عَن عبد الله
أَنه قَالَ: " إِذا أوهم أحدكُم فِي صلَاته، فليتحر الصَّوَاب، ثمَّ ليسجد
سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ قَاعد بعد الْفَرَاغ ".
49 - حَدثنَا حميد بن مسْعدَة الشَّامي، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع،
حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مَنْصُور قَالَ: سَأَلت سعيد
بن جُبَير عَن الرجل يشك فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ: " أما أَنا فَإِذا كَانَ
ذَلِك فِي النَّافِلَة، فأتحرى الصَّوَاب، ثمَّ أَسجد سَجْدَتَيْنِ، وَإِذا
كَانَ فِي
(1/48)
الْمَكْتُوبَة، فَإِنِّي أُعِيد ".
50 - حَدثنَا ابْن بشار وَابْن بزيغ قَالَا: حَدثنَا أَبُو أَحْمد، قَالَ:
حَدثنَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن الشَّك
فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ: " أما أَنا، فَإِن كَانَ تَطَوّعا سلمت، ثمَّ سجدت
سَجْدَتَيْنِ، وَإِن كَانَت فَرِيضَة اسْتقْبلت ".
51 - حَدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
عوَانَة عَن دَاوُد قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن رجل لم يدر كم صلى؟
قَالَ: " أما الْمَكْتُوبَة فلتعد حَتَّى تحفظ، وَأما التَّطَوُّع فاسجد
سَجْدَتَيْنِ ".
(" ذكر من قَالَ: يَأْخُذ فِي ذَلِك بِالْأَكْثَرِ والأتم، ثمَّ يسْجد
سَجْدَتَيْنِ فِي آخر صلَاته ")
52 - حَدثنَا ابْن بشار وَابْن الْمثنى قَالَا: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن
سعيد، عَن قَتَادَة، عَن أنس: فِي الَّذِي لَا يدْرِي ثَلَاثًا صلى أَو
أَرْبعا؟ قَالَ: " يَنْتَهِي إِلَى وهمه، وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ ".
53 - حَدثنِي مخلد بن مُحَمَّد المهلبي، قَالَ: حَدثنَا قَالَ: سَمِعت أنسا
يَقُول فِي الَّذِي يسهو فَلَا يدْرِي زَاد أَو نقص؟ قَالَ:
(1/49)
" يسْجد سَجْدَتي الْوَهم ".
54 - حَدثنِي الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا
حَمَّاد، عَن قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك وَالْحسن أَنَّهُمَا قَالَا: "
إِن شكّ فِي ثَلَاث أَو أَربع؛ فَإِنَّهُ يسْجد سَجْدَتي الْوَهم ".
55 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن محَارب بن دثار قَالَ: سَمِعت ابْن عمر، وَسَأَلَهُ رجل
فَقَالَ: أُعِيد إِذا شَككت؟ فَقَالَ: " إحص مَا اسْتَطَعْت، وَلَا تعد ".
56 - حَدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا
حَمَّاد، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَنه
قَالَ: " إِذا خطر الشَّيْطَان بَين قلب أحدكُم وَبَين صلَاته فَلم يدر كم
صلى؟ فليسجد سَجْدَتَيْنِ ".
57 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن سعيد، عَن أبي
معشر، عَن النَّخعِيّ: فِي الَّذِي لَا يدْرِي ثَلَاثًا صلى أَو أَرْبعا؟
قَالَ: " يَنْتَهِي إِلَى أتم ذَلِك وَأَكْثَره، ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ
بعد التَّسْلِيم ".
(1/50)
58 - وحَدثني أَحْمد بن مُوسَى، قَالَ:
حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ قَالَ: حَدثنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا أَشْعَث،
عَن الْحسن أَنه قَالَ فِيمَن لم يدر أدْرك من صَلَاة الإِمَام رَكْعَة أَو
ثِنْتَيْنِ؟ قَالَ: " هما ثِنْتَانِ، وَيسْجد للوهم، إِذا سلم الإِمَام،
وَإِن لم يدر أدْرك صلَاته كلهَا أَو فَاتَهُ بَعْضهَا؟ فقد أدْركهَا
كلهَا، وتمت لَهُ، وَيسْجد للوهم، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ وَحده، وَكَذَلِكَ
إِن شكّ فِي ثَلَاث أَو أَربع أَو أقل من ذَلِك: قَالَ: كَانَ عظم قَوْله
الَّذِي يُفْتِي بِهِ ويقوله: أَنَّهَا لَهُ أَربع الْأَكْثَر أبدا،
وَيسْجد للوهم. وَرُبمَا قَالَ: وَذَاكَ مِنْهُ قَلِيل ينظر أكبر ظَنّه،
فيبني عَلَيْهِ، ثمَّ يسْجد للوهم، وَقد سُئِلَ مرّة عَن رجل شكّ فِي
صَلَاة الصُّبْح، فَلم يدر صلى رَكْعَة أَو ثِنْتَيْنِ؟ قَالَ: يُصَلِّي
رَكْعَة أُخْرَى، ثمَّ يسْجد للوهم ". قَالَ أَبُو هاني: وَهَذَا غير
قَوْله الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ ويقوله. وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة من
الْأَثر:
59 - مَا حَدثنَا بِهِ ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن هِشَام،
قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: حَدثنَا أَبُو سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن أَن أَبَا هُرَيْرَة حَدثهمْ أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا نُودي بِالْأَذَانِ أدبر
الشَّيْطَان لَهُ ضراط حَتَّى لَا يسمع الْأَذَان، فَإِذا
(1/51)
قضي الْأَذَان، أقبل، فَإِذا ثوب بهَا،
أدبر، فَإِذا قضي التثويب أقبل يخْطر بَين الْمَرْء وَنَفسه يَقُول: اذكر
كَذَا، وَكَذَا لما لم يكن يذكر حَتَّى يظل الرجل إِن يدْرِي كم صلى؟
فَإِذا لم يدر أحدكُم كم صلى، فليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس ".
60 - وَحدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن
الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن،
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " إِذا لم يدر أحدكُم أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟ فليسجد
سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس ".
61 - وحَدثني الْعَبَّاس بن الْوَلِيد العذري، قَالَ: أخبرنَا أبي، قَالَ:
سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: حَدثنِي يحيى بن أبي كثير، قَالَ حَدثنِي
أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا نَادَى
الْمُنَادِي أدبر الشَّيْطَان وَله ضراط، فَإِذا قضى أقبل، فَإِذا ثوب بهَا
أدبر، فَإِذا قضى أقبل حَتَّى يخْطر
(1/52)
بَين الرجل وَنَفسه، يَقُول: اذكر كَذَا
وَكَذَا لما لم يكن يذكر، حَتَّى لَا يدْرِي أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟
فَإِذا لم يدر أحدكُم أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟ فليسجد سَجْدَتَيْنِ،
وَهُوَ جَالس ".
62 - حَدثنِي الْعَبَّاس، قَالَ: أَخْبرنِي أبي، قَالَ: سَمِعت
الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: حَدثنَا الزُّهْرِيّ، وَيحيى بن أبي كثير، عَن أبي
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا لبس الشَّيْطَان على أحدكُم
صلَاته فَلَا يدْرِي أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟ فليسجد سَجْدَتَيْنِ،
وَهُوَ جَالس ".
63 - وحَدثني ابْن البرقي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، قَالَ:
سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يحدث، قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة
بن عبد الرَّحْمَن، وَيحيى عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا سَهَا أحدكُم
فَلم يدر أزاد أَو نقص، فليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس ".
64 - وَحدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنَا شُعَيْب، قَالَ:
حَدثنَا اللَّيْث، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز
أَنه قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أذن بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان لَهُ
ضراط حَتَّى لَا يسمع التأذين، فَإِذا سكت الْمُؤَذّن
(1/53)
أقبل، فَإِذا ثوب أدبر، فَإِذا سكت أقبل
فَلَا يزَال بِالْمَرْءِ يَقُول لَهُ: أذكر لما لَا يذكر، حَتَّى لَا
يدْرِي كم صلى ".
فَقَالَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن: " إِذا فعل أحدكُم ذَلِك فليسجد
سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ قَاعد ". وسَمعه أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن من
أبي هُرَيْرَة.
65 - وَحدثنَا ابْن وَكِيع قَالَ: حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن شهَاب،
عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الشَّيْطَان يَأْتِي أحدكُم فِي
صلَاته، فيلبس عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى؟ فَإِذا وجد أحدكُم من
ذَلِك شَيْئا، فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ".
66 - وَحدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، عَن معمر، عَن
الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه.
67 - وحَدثني بَحر بن نصر الْخَولَانِيّ، قَالَ: قريء على شُعَيْب، أخْبرك
أَبوك، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي
هُرَيْرَة أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " يَأْتِي
(1/54)
الشَّيْطَان أحدكُم فِي صلَاته، فيلبس
عَلَيْهِ حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى، فَإِذا وجد ذَلِك، فليسجد
سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس ".
68 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، قَالَ:
حَدثنَا لَيْث، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَأْتِي
أحدكُم الشَّيْطَان فِي صلَاته، فيلبس عَلَيْهِ حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى،
فَإِذا وجد ذَلِك، فليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس ".
69 - وَحدثنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: حَدثنَا عمي عبد الله بن
وهب، قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس وَمَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة،
عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا قَامَ أحدكُم يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَان، فَلبس عَلَيْهِ
صلَاته حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى، فَإِذا وجد ذَلِك أحدكُم فليسجد
سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ".
70 - حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ الْبَاهِلِيّ، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن
هَارُون، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي
سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا صلى أحدكُم فَلم يدر أزاد أم نقص، فليسجد
سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس، ثمَّ
(1/55)
يسلم ".
71 - وحَدثني الْحسن بن مدرك الطَّحَّان، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن حَمَّاد،
قَالَ: أخبرنَا أَبُو عوَانَة، عَن عمر بن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " إِذا صلى أحدكُم فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أم ثِنْتَيْنِ؟ فليسجد،
وَهُوَ جَالس ".
72 - وَحدثنَا عبيد الله بن سعد الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا عمي، قَالَ:
حَدثنَا أبي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي سَلمَة بن صَفْوَان
بن سَلمَة الْأنْصَارِيّ ثمَّ الزرقي، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن،
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " إِذا أذن الْمُؤَذّن خرج الشَّيْطَان من الْمَسْجِد، وَله
حصاص؛ فَإِذا سكت رَجَعَ حَتَّى يَأْتِي الْمَرْء الْمُسلم فِي صلَاته
فَيدْخل بَينه وَبَين نَفسه حَتَّى لَا يدْرِي أزاد فِي صلَاته أم نقص،
فَإِذا وجد ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم
ثمَّ يسلم ".
(1/56)
73 - وَحدثنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن
قَالَ: حَدثنَا عمي، قَالَ: أَخْبرنِي: عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عبد ربه
بن سعيد، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الشَّيْطَان
إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ ولى، وَله ضراط؛ فَإِذا فرغ مِنْهَا رَجَعَ يلْتَمس
الخلاط، ومناه ومناه وَذكره من حاجاته مَا لم يكن يذكر حَتَّى لَا يدْرِي
كم صلى، فَإِذا وجد ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس " أَو
نَحْو هَذَا من الْكَلَام.
74 - حَدثنِي زَكَرِيَّا بن يحيى بن أبان الْمصْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
صَالح، قَالَ: حَدثنِي الهقل، قَالَ: حَدثنِي الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن
أبي كثير، عَن عِيَاض بن أبي زُهَيْر قَالَ: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ
يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا
سَهَا أحدكُم فِي صلَاته، فَلَا يدْرِي أزاد أَو نقص فليسجد سَجْدَتَيْنِ،
وَهُوَ جَالس ".
(1/57)
75 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا
معَاذ بن هِشَام، قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: حَدثنَا
عِيَاض أَنه سَأَلَ أَبَا سعيد قَالَ: أَحَدنَا يُصَلِّي فَلَا يدْرِي كم
صلى؟ فَذكر نَحوه.
76 - حَدثنِي زِيَاد بن أَيُّوب، قَالَ: حَدثنَا سوار بن عمَارَة، قَالَ:
حَدثنَا مَسَرَّة بن معبد - يَعْنِي اللَّخْمِيّ - قَالَ: صلى بِنَا يزِيد
بن أبي كَبْشَة الْعَصْر ثمَّ انْصَرف إِلَيْنَا عِنْد سَلَامه، فَقَالَ:
إِنِّي صليت خلف مَرْوَان بن الحكم، فَسجدَ بِنَا سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ
انْصَرف إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّه صلى وَرَاء عُثْمَان بن عَفَّان فَسجدَ
مثل هَاتين السَّجْدَتَيْنِ، فَقَالَ: إِنِّي كنت عِنْد نَبِيكُم - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَتَاهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ:
يَا نَبِي الله! إِنِّي صليت فَلم أدر أشفعت أم أوترت - ثَلَاث مَرَّات -
فَأَجَابَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: "
أَيْن يتلعب بكم الشَّيْطَان فِي صَلَاتكُمْ؟ من صلى فَلم يدر أشفع أم
أوتر؟ فليسجد سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ تَمام صلَاته ".
(1/58)
77 - حَدثنِي عبد الله بن أبي زِيَاد
الْقَطوَانِي، قَالَ: حَدثنَا روح بن عبَادَة، قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج
قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن يُوسُف مولى عَمْرو بن عُثْمَان، عَن أَبِيه،
عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " من نسي شَيْئا من صلَاته فليسجد سَجْدَتَيْنِ،
وَهُوَ جَالس ".
(1/59)
78 - وحَدثني عبد الله بن أبي زِيَاد وَعبد
الله بن إِسْحَاق النَّاقِد قَالَا: حَدثنَا روح، قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج
قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن مسافع أَن مُصعب بن شيبَة أخبرهُ، عَن عقبَة
بن مُحَمَّد بن الْحَارِث، عَن عبد الله بن جَعْفَر أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: قَالَ ابْن أبي زِيَاد فِي حَدِيثه:
- " من شكّ فِي صلَاته " - وَقَالَ ابْن إِسْحَاق النَّاقِد فِي حَدِيثه -:
" من نسي شَيْئا من صلَاته ": فليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالس ".
79 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن بشر، قَالَ: حَدثنَا
حَكِيم بن نَافِع، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة
قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
سجدتا السَّهْو تجزئان من كل زِيَادَة ونقصان ".
(1/60)
وَالصَّوَاب من القَوْل عندنَا فِي كل
هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي ذَكرنَاهَا أَنَّهَا صِحَاح، وَلَيْسَ مِنْهَا
شَيْء مُخَالف غَيره، بل لكل ذَلِك وَجه مَفْهُوم، وَمعنى غير معنى مَا
سواهُ:
فَأَما خبر عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمن وَافقه فِي رِوَايَته عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أمره الشاك فِيمَا صلى من
عدد رَكْعَات صلَاته؛ فَإِنَّهُ أَمر مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لَهُ بِالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ ليَكُون على يَقِين من أَنه
لم يبْق عَلَيْهِ من صلَاته شَيْء إِذا فعل ذَلِك، لَا إِعْلَام مِنْهُ
أَنه إِن بنى على الْأَغْلَب عِنْده أَنه قد صلى أَو على مَا يرى أَنه قد
قضى من صلَاته أَنَّهَا لَا تُجزئه حَتَّى تلْزمهُ إِعَادَتهَا إِن خرج
مِنْهَا، وَقد بنى على الْأَغْلَب عِنْده، أَو على مَا يرى أَنه قد صلى
وَسجد سَجْدَتَيْنِ، فَإِن احتاط الشاك فِي ذَلِك فَعمل بِالَّذِي روى عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو سعيد وَمن روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أمره إِيَّاه بِالْبِنَاءِ على الْيَقِين
وَالسُّجُود لسَهْوه بعد فَرَاغه من صلَاته، فَهُوَ أحب إِلَيْنَا وَأفضل
وَعمل بالأحوط لدينِهِ، والأسلم.
وَإِن هُوَ بنى على أَكثر رَأْيه متحريا فِي ذَلِك الْأَغْلَب عَلَيْهِ فِي
نَفسه أَنه قد صلى على مَا روى عبد الله بن مَسْعُود، وَمن روى ذَلِك عَنهُ
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن مخطئا فِي
فعله؛ لِأَن كل مصل فَإِنَّمَا كلف أَن يعْمل فِيهَا بِمَا عِنْده من علمه
بهَا فِي حَالَة عمله، لَا على إحاطة الْعلم بِيَقِين ذَلِك.
(1/61)
وَلَو كَانَ مُكَلّفا الْيَقِين من الْعلم
دون الظَّاهِر، لم يكن لأحد صَلَاة؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيل لأحد إِلَى
الْوُصُول إِلَى يَقِين الْعلم بذلك.
وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى ذكره قد أَمر عباده الْمُؤمنِينَ على لِسَان
رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالصَّلَاةِ فِي الستْرَة
الطاهرة، ومتطهرين بالمياه الطاهرة، إِذا وجدوها. وَغير ذَلِك من الْأُمُور
الَّتِي يكثر عَددهَا.
وَعَلَيْهِم فِي كل ذَلِك من أَدَاء الْوَاجِب عَلَيْهِم فِيهِ، مثل
الَّذِي عَلَيْهِم من فرض عدد رَكْعَات الصَّلَاة، وَلَا خلاف بَين
الْجَمِيع من سلف عُلَمَاء الْأمة وَخَلفهَا أَنهم لم يكلفوا فِي شَيْء من
ذَلِك إحاطة الْعلم بيقينه، لَا المَاء الَّذِي يطهر، وَلَا الثِّيَاب
الَّتِي يصلونَ فِيهَا.
وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كلفوا الْعلم الظَّاهِر عِنْدهم فِي ذَلِك كُله.
وَكَذَلِكَ القَوْل فِي عدد الصَّلَاة الَّتِي يكون فِيهَا الْمُصَلِّي،
إِنَّمَا كلف الْعلم الَّذِي هُوَ عِنْده، فَإِن بنى على الْعلم الظَّاهِر
عِنْده أَجزَأَهُ، وَلم يكن عَلَيْهِ غير ذَلِك.
وَإِن أَخذ بِالِاحْتِيَاطِ فَبنى على الْيَقِين الَّذِي لَا شكّ فِيهِ،
فَهُوَ أفضل إِذا كَانَ لَهُ السَّبِيل إِلَى الْوُصُول إِلَى يَقِين علم
ذَلِك.
وَإِن لم يكن لَهُ السَّبِيل إِلَى يَقِين علم ذَلِك لغَلَبَة وَسْوَسَة
الشَّيْطَان عَلَيْهِ، مضى فِيهَا على مَا عِنْده فِي علمه كَمَا على من
عرض لَهُ شكّ فِي صلَاته فِيمَا عَلَيْهِ من الستْرَة: هَل هِيَ طَاهِرَة
أم لَا؟
فَإِن كَانَ لَهُ السَّبِيل إِلَى معرفَة ذَلِك بالإحاطة فَعَلَيهِ تعرف
ذَلِك، وَإِن لم يكن لَهُ السَّبِيل إِلَى ذَلِك عمل بالأغلب عَلَيْهِ من
ظَاهر علمه فِيهِ.
فَكَذَلِك القَوْل فِي جَمِيع أَحْكَام الدّين.
وَمن أَبى ذَلِك أَو شَيْئا مِنْهُ، سُئِلَ عَن القَوْل فِي الْمُصَلِّي
فِي مَوضِع لَا يُعلمهُ طَاهِرا وَلَا نجسا، إِلَّا علما ظَاهرا، لَا على
إحاطة يَقِين الْعلم بطهره؟
وَعَن الْمُصَلِّي متوضئا بِمَا لَا يُعلمهُ إِلَّا كَذَلِك؟
فَإِن زعم أَن عَلَيْهِ الْإِعَادَة، خرج من قَول جَمِيع الْأمة!
(1/62)
وَإِن قَالَ: صلَاته مَاضِيَة.
سُئِلَ الْفرق بَينه وَبَين الشاك فِي عدد صلَاته الْبَانِي فِيهَا على
الْأَغْلَب من علمه عَلَيْهِ فِيمَا صلى من عَددهَا؟ فَلَنْ يَقُول فِي
شَيْء من ذَلِك قولا إِلَّا ألزم فِي الآخر مثله!
وَكَذَلِكَ الْبَانِي على الْأَقَل من رَأْيه، إِذا كَانَ عِنْده أَنه قد
عمل فَبنى عَلَيْهِ، كالشاك مِنْهَا فِي اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث يَبْنِي
على ثَلَاث، وَهُوَ يرى أَنه قد صلى ثَلَاثًا، غير أَنه شَاك فِي
الثَّالِثَة: هَل صلاهَا أم لَا؟ فَإِنَّهُ غير جَائِز أمره بِإِعَادَة
صلَاته إِذْ كُنَّا لَا نعلمهُ ضيع من صلَاته شَيْئا.
وَإِن كَانَ قد ترك الَّذِي نَخْتَار لَهُ فِي ذَلِك إِلَى غير الَّذِي
نختاره لَهُ، وسبيله سَبِيل رجل شكّ بَعْدَمَا سلم من صَلَاة وَاجِبَة
عَددهَا أَربع رَكْعَات فَلم يدر أَثلَاثًا صلاهَا أم أَرْبعا؟ فِي أَنه
إِن قضى الرَّكْعَة الَّتِي شكّ فِيهَا، كَانَ أفضل لَهُ، وأحوط لدينِهِ.
وَإِن هُوَ لم يقضها لم يجز لنا أَن نأمره بِإِعَادَة صلَاته، وَلَا
الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قد ضيع فرضا عَلَيْهِ وَاجِبا.
وَفِي هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي رويناها عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الشاك فِيمَا صلى من عدد رَكْعَات صَلَاة هُوَ
فِيهَا على مَا رويناها عَنهُ، الدّلَالَة الْوَاضِحَة على سَبِيل الْعَمَل
فِي كل مَا شكّ فِيهِ شَاك من الْفَرَائِض الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لله: هَل
أَدَّاهُ أم لَا؟ وَذَلِكَ كالشاك من رُمَاة الْجمار من الْحَاج فِي عدد
مَا رَمَاهَا بِهِ من الْحَصَى، والشاك من الطائفين بِالْبَيْتِ من الْحَاج
فِي عدد مَا طَاف بِهِ من الأشواط، والشاك من الساعين بَين الصَّفَا
والمروة فِي عدد مَا سعى بَينهمَا من الطّواف، والشاك فِي شهر رَمَضَان فِي
يَوْم مِنْهُ: هَل أكل بعد طُلُوع الْفجْر أم لَا؟ أَو هَل أفطر قبل غرُوب
الشَّمْس أم لَا؟ والشاك بعد التطهر للصَّلَاة هَل أحدث حَدثا نقض طهره أم
لَا؟ والمستحاضة يلتبس عَلَيْهَا أَيَّام طهرهَا من أَيَّام حَيْضهَا،
وَوقت ذَلِك.
وَالرجل يجب عَلَيْهِ زَكَاة فِي مَاله، فيعطيها من يرَاهُ فَقِيرا، تحل
لَهُ
(1/63)
الصَّدَقَة، ثمَّ يلتبس عَلَيْهِ أمره،
وَأُمُور كَثِيرَة غير ذَلِك من أُمُور الدّين. وَأَن الْعَمَل فِي كل
ذَلِك وَاحِد فِي أَنه إِن أعَاد، وَقضى فبالاحتياط أَخذ، وَإِن هُوَ عمل
بالأغلب من علمه فِيهِ متحريا بذلك الصَّوَاب، فقد أصَاب، وَإِن تساهل
فِيهِ وَتَركه قضى مَا يرى أَنه قد عمله مِمَّا هُوَ على غير يَقِين من
تضييعه، فمعذور غير ملوم، وَإِن كَانَ تَارِكًا الِاحْتِيَاط
وَالِاخْتِيَار، للْأَخْبَار الَّتِي ذَكرنَاهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوَارِدَة عَنهُ بالمعاني الثَّلَاثَة فِي
حكم الشاك فِيمَا قضى، وَفِيمَا بَقِي عَلَيْهِ من عدد صَلَاة هُوَ فِيهَا
على مَا رويناها عَنهُ.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا أَنْت قَائِل فِيمَا على من شكّ فِي عدد صَلَاة
هُوَ فِيهَا، فَبنى على الْيَقِين أَو تحرى، فَبنى على أَكثر رَأْيه
فِيهَا، أَو بنى على أَكثر ذَلِك، مَتى يجب عَلَيْهِ أَن يسْجد لشكه فِي
ذَلِك وسهوه؟ .
فقد علمت أَن خبر عبد الرَّحْمَن وَارِد بِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر فِيهَا بِالسُّجُود قبل السَّلَام، وَالْبناء
على الْيَقِين لَا شكّ أَنه إِن لم يكن زِيَادَة فِي صَلَاة الْبَانِي،
فَغير نُقْصَان مِنْهَا؟ وَمن قَوْلك أَن السُّجُود قبل السَّلَام إِنَّمَا
يجب فِي نُقْصَان مِنْهَا لَا فِي زِيَادَة؟ وَأَن خبر ابْن مَسْعُود
وَارِد بِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر
بِالسُّجُود فِي ذَلِك بعد السَّلَام؟
قيل: القَوْل فِي ذَلِك عندنَا نَظِير القَوْل فِيمَا بَينا من أَمر الشاك
فِي صلَاته على مَا قد بَينا، وَهُوَ أَن ذَلِك إِعْلَام من رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن للزائد فِي صلَاته سَاهِيا
الْخِيَار فِي سُجُوده لسَهْوه بَين أَن يسجده قبل السَّلَام، وَبَين أَن
يسجده بعد السَّلَام، لَا إِيجَاب مِنْهُ سُجُوده قبل السَّلَام.
وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ صَحِيحا عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - الْأَمْرَانِ كِلَاهُمَا - أَعنِي سُجُوده فِي السَّهْو فِي الصَّلَاة
فِي الزِّيَادَة بعد السَّلَام، فِي حَال، وَأمره بِالسُّجُود فِيهَا فِي
الزِّيَادَة بعد السَّلَام وَقَبله فِي أُخْرَى؛ علم
(1/64)
من ذَلِك - إِذْ لم يكن أَحدهمَا نَاسِخا
للْآخر - أَنه على الْإِذْن مِنْهُ لأمته فِيهِ بِأَيّ ذَلِك شاؤوا أَن
يعملوا. فَإِن قَالَ قَائِل: فَلَعَلَّ أَحدهمَا نَاسخ للْآخر؟
قيل: غير جَائِز كَون ذَلِك كَذَلِك؛ لِأَن ذَلِك لَو كَانَ على وَجه
النّسخ لَكَانَ الْبَيَان بناسخ ذَلِك من منسوخه واردا مَعَ وُرُود
الْخَبَرَيْنِ للعلل الَّتِي قد بَينا فِي ذَلِك فِي مَوْضِعه.
فَإِن قَالَ: فَهَل من مُخَالف لَك فِي هَذَا القَوْل الَّذِي قلت فِي
مَعَاني هَذِه الْأَخْبَار وَالْأَحْكَام الَّتِي فِيهَا؟
قيل: أما على مَا بَينا من التَّلْخِيص وَالتَّفْسِير، فَلَا نعلم، وَلَكِن
لنا فِي ذَلِك مخالفين مُجمل من القَوْل.
فَإِن قَالَ: فاذكر لنا بعض ذَلِك.
قيل: أما الِاخْتِلَاف فِيمَا يَنْبَغِي للشاك فِي عدد مَا صلى أَن يعْمل؟
فقد مضى ذَكرْنَاهُ.
وَأما الِاخْتِلَاف فِي الْحَال الَّتِي يَنْبَغِي لَهُ أَن يسْجد فِيهَا؛
فَإِن ذكر الْمُخْتَلِفين فِي ذَلِك بتقصيه وتقصي عللهم يطول، وَله مَوضِع
غير هَذَا نأتي عَلَيْهِ بتقصيه، إِذا انتهينا إِلَيْهِ إِن شَاءَ الله،
غير أَنا نذْكر بعض مَا حَضَرنَا ذكره من اخْتِلَاف بعض السّلف فِي الْحَال
الَّتِي يَنْبَغِي للشاك السُّجُود فِي صلَاته لشكه فِيهَا.
(" ذكر ذَلِك ")
اخْتلف السّلف من أهل الْعلم فِي الْحَال الَّتِي يَنْبَغِي للشاك فِي عدد
مَا صلى من صلَاته أَن يسْجد لسَهْوه، وشكه؟
وَهل فِي ذَلِك سُجُود أم لَا؟ فَقَالَ بَعضهم يسْجد فِيهَا قبل السَّلَام.
(" ذكر من فعل ذَلِك أَو قَالَه ")
80 - حَدثنِي يُونُس، قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن معبد، عَن عبيد الله بن
(1/65)
عَمْرو، عَن عبد الْكَرِيم، عَن سعيد بن
الْمسيب وَأبي عُبَيْدَة أَنَّهُمَا " كَانَ إِذا أوهما فِي صلاتهما فَلم
يدريا أَثلَاثًا صليا أم أَرْبعا؟ سجدا سَجْدَتي السَّهْو قبل تسليمهما ".
81 - حَدثنِي سعيد بن عَمْرو السكونِي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن خَالِد،
قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن زِيَاد بن أبي زِيَاد مولى ابْن
عَيَّاش قَالَ: " كَانَ الْحَارِث بن عبد الله يَأْمُرنَا إِذا شككنا فِي
الصَّلَاة فَلم ندر أَثلَاثًا صلينَا أم أَرْبعا أَن نَجْعَلهَا ثَلَاثًا
حَتَّى نَكُون من الْوَهم فِي الزِّيَادَة، ثمَّ نسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن
نسلم ثمَّ نسلم ".
وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة لقَولهم هَذَا من الْأَثر: خبر عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِي
ذَكرْنَاهُ قبل. وَقَالَ آخَرُونَ: إِذا بنى على الْيَقِين فِي ذَلِك،
فَإِنَّهُ يسْجد فِيهَا بعد السَّلَام.
(" ذكر من قَالَ ذَلِك ")
82 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم الْمصْرِيّ، قَالَ:
حَدثنَا حجاج بن رشدين، قَالَ: حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن عمر، عَن ربيعَة،
عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: " إِذا شكّ الْإِنْسَان فِي شَيْء من
الصَّلَاة طرح الشَّك وَبنى على الْيَقِين، فَإِذا فرغ من التَّشَهُّد سلم
ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ تشهد بعدهمَا، وَسلم ".
قَالَ الْقَاسِم: كَانَ ابْن عمر يفعل ذَلِك.
(1/66)
وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة أَن الْبَانِي
على الْيَقِين لَا شكّ أَنه إِمَّا زَائِد فِي صلَاته مَا لَيْسَ مِنْهَا،
أَو متم لَهَا، وَأَنه لم ينقص مِنْهَا شَيْء.
والصحاح من الْأَخْبَار عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه سجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَمَا سلم.
قَالُوا: وَكَانَ تَسْلِيم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فِي صلَاته تِلْكَ وَكَلَامه فِيهَا نَاسِيا، زِيَادَة فِيهَا من غير عمل
صلَاته.
قَالُوا: فَالْوَاجِب على من بنى على الْيَقِين فِي صلَاته أَن يسْجد
للسَّهْو فِيهَا بعد كَلَامه إِذْ كَانَ زَائِدا فِيهَا لَا نَاقِصا أَو
متمما. وَقَالَ آخَرُونَ: إِذا بنى على الْيَقِين فَلَا سُجُود عَلَيْهِ
للسَّهْو فِي ذَلِك.
83 - حَدثنِي ابْن عبد الرَّحِيم البرقي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن أبي
سَلمَة، عَن سعيد - يَعْنِي ابْن عبد الْعَزِيز - عَن مَكْحُول قَالَ: "
إِذا صلى أحدكُم فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟ فليركع رَكْعَة حَتَّى
تكون صلَاته إِلَى الزِّيَادَة أقرب مِنْهَا إِلَى النُّقْصَان، وَلَا
يسْجد لذَلِك؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بالسهو ".
84 - وحَدثني ابْن عبد الرَّحِيم البرقي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو، قَالَ:
سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول فِي الَّذِي يسهو فِي صلَاته فَلَا يدْرِي
أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا؟ قَالَ: " إِن بنى على الْيَقِين، فَلَيْسَ
عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ، وَإِن لم يبن فليسجد سَجْدَتَيْنِ ".
وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة: أَن الْبَانِي على الْيَقِين لم ينقص من
صلَاته شَيْئا، وَلم يزدْ فِيهَا عِنْده شَيْئا لَيْسَ مِنْهَا، وَالشَّكّ
فِيهَا غير زِيَادَة فِيهَا وَلَا نُقْصَان، والسجدتان اللَّتَان تسجدان
للسَّهْو إِنَّمَا هما تَكْفِير نُقْصَان فِيهَا أَو زِيَادَة، فَلَا معنى
للسُّجُود فِيهَا لغير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِذا بنى على الْيَقِين؛ فَإِن شَاءَ سجد فِيهَا وَإِن
شَاءَ لم يسْجد.
(1/67)
(" ذكر من قَالَ ذَلِك ")
85 - حَدثنِي الْعَبَّاس بن الْوَلِيد العذري، قَالَ: أَخْبرنِي أبي،
قَالَ: " سَأَلت سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن الرجل يَبْنِي على تَمام أيسجد
سَجْدَتي السَّهْو؟ قَالَ: إِن شَاءَ سجد، وَإِن شَاءَ لم يسْجد ".
وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة:
أَن الشَّك فِي الصَّلَاة غير سَهْو فِيهَا، وَإِنَّمَا السُّجُود
للسَّهْو، لَا للشَّكّ. فَإِن لم يسْجد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن سجد
فِيهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ أَيْضا. لِأَن السُّجُود عِنْده فِيهَا بعد
السَّلَام.
وَإِذا سلم فقد تمت صلَاته، وَخرج مِنْهَا، فَلَا يضرّهُ مَا سجد بعد ذَلِك
من سُجُود كَانَ قد سَهَا فِي صلَاته أَو لم يسه، شكّ فِيهَا أَو لم يشك.
وَأما الَّذين قَالُوا يتحَرَّى الشاك الْأَغْلَب عَلَيْهِ فِي نَفسه،
فَيتم عَلَيْهِ.
وَالَّذين قَالُوا: يَأْخُذ فِي ذَلِك بِالْأَكْثَرِ وَيتم عَلَيْهِ؛
فَإِنَّهُم قَالُوا يسْجد للسَّهْو فِي ذَلِك بعد السَّلَام.
وَقد ذكرنَا قَوْلهم فِيمَا مضى قبل، وعللهم فِي ذَلِك.
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")
فَمن ذَلِك قَول عمر: هَل سَمِعْتُمْ فِيمَا سَمِعْتُمْ عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الرجل إِذا أوهم فِي صلَاته -
يَعْنِي بقوله: أوهم - أسقط، يُقَال مِنْهُ: أوهم الرجل فِي الْحساب: إِذا
أسقط مِنْهُ شَيْئا. وأوهم فِي صلَاته إِذا أسقط مِنْهَا رَكْعَة أَو أَكثر
أَو أقل، فَهُوَ موهم إيهاما.
فَأَما قَوْلهم: وهمت: بِفَتْح الْوَاو، وَكسر الْهَاء، فَإِنَّهُ معنى غير
ذَلِك، وَمَعْنَاهُ غَلطت، يُقَال فِيهِ: وهمت، فَأَنا أوهم وهما.
وَأما قَوْلهم: وهمت إِلَى كَذَا، فَأَنا أهم - بِفَتْح الْهَاء -
فَمَعْنَى غير هذَيْن. وَمَعْنَاهُ: ذهب وهمي إِلَيْهِ.
(1/68)
يُقَال فِيهِ: وهمت إِلَى كَذَا، فَأَنا
أهم إِلَيْهِ وهما.
وَأما قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الحَدِيث
الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن ابْن مَسْعُود عَنهُ أَنه قَالَ: " إِذا شكّ أحدكُم
فِي صلَاته فليتحر وليسجد سَجْدَتَيْنِ "، فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله:
فليتحر: فليتعمد.
وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس بن حجر:
(دِيمَة هطلاء فِيهَا وَطف ... طبق الأَرْض تحرى وتدر)
يَعْنِي بقوله: تحرى: تعمد.
وَأما قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة عَنهُ: " إِذا نَادَى الْمُنَادِي بِالْأَذَانِ أدبر
الشَّيْطَان، وَله حصاص، فَإِذا سكت أقبل، فَإِذا ثوب أدبر ".
يَعْنِي بقوله: وَله حصاص: وَله ضراط. وَأرى أَن أَصله من قَوْلهم: قد انحص
شعر فلَان. إِذا ذهب.
وَمن ذَلِك قَول أبي قيس بن الأسلت:
(قد حصت الْبَيْضَة رَأْسِي فَمَا ... أطْعم نوما غير تهجاع)
يَعْنِي بقوله: قد حصت الْبَيْضَة رَأْسِي: قد ذهب شعر رَأْسِي، فَأرى أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ بذلك أَن
كَثْرَة مَا يكون مِنْهُ ذَلِك يستفرغ مَا فِي جَوْفه مِنْهُ، كالرأس
المنحص شعره.
وَأما قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذا ثوب:
فَإِنَّهُ يَعْنِي
(1/69)
بقوله: ثوب صرخَ بِالْإِقَامَةِ مرّة بعد
مرّة، وَرجع. وكل مردد صَوتا بِشَيْء، فَهُوَ مثوب.
وَلذَلِك قيل للمرجع صَوته فِي الْأَذَان بقوله: الصَّلَاة خير من النّوم
مثوب. وَأَصله - إِن شَاءَ الله - من ثاب فلَان إِلَيْنَا. إِذا رَجَعَ.
وَمِنْه قَول الله تَعَالَى ذكره: {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس}
بِمَعْنى أَنهم: إِذا انصرفوا عَنهُ رجعُوا إِلَيْهِ. يُقَال مِنْهُ: ثوب
فلَان بِكَذَا، فَهُوَ يثوب بِهِ تثويبا.
وَالرجل مثوب. وَذَلِكَ إِذا صرخَ، وَكرر الصُّرَاخ. وَمِنْه قَول الفرزدق
بن غَالب:
(وبهن ندفع كرب كل مثوب ... وَترى لَهَا خددا بِكُل مجَال)
يَعْنِي بالمثوب: المستغيث المكرر صَوته مرّة بعد مرّة.
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار ابْن عَبَّاس عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
86 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي يُونُس، وَمَالك، عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي عبد الحميد بن
عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب، أَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل
أخبرهُ، أَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ، أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول:
" إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ - يَعْنِي الطَّاعُون - فِي أَرض، فَلَا تقدمُوا
عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم
(1/70)
فِيهَا، فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا فِرَارًا
مِنْهُ ".
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر عندنَا صَحِيح سَنَده، وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب الآخرين
سقيما غير صَحِيح لعلل:
إِحْدَاهَا: اضْطِرَاب نقلته فِيهِ: فَمن قَائِل يَقُول فِيهِ عَن
الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {وَمن قَائِل يَقُول فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ، عَن
سَالم، عَن أَبِيه، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -}
وَمن قَائِل يَقُول فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَامر بن سعد، عَن
أُسَامَة،
(1/71)
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -!
وَالثَّانيَِة: أَنه قد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه كَانَ يسْتَغْفر
الله من رُجُوعه بِالنَّاسِ من سرغ، إِذْ وَقع الطَّاعُون بِالشَّام.
قَالُوا: وَلَو كَانَ عبد الرَّحْمَن حَدثهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَذَا الحَدِيث لما كَانَ يتندم على فعله
ذَلِك، ويستغفر الله مِنْهُ؟
وَالثَّالِثَة: أَنه قد رُوِيَ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " الفار من الطَّاعُون كالفار من الزَّحْف ".
قَالُوا: وَلم يكن عمر يفر من أَمر يكون الْفِرَار مِنْهُ كالفرار من
الزَّحْف؟ .
(" ذكر من روى هَذَا الْخَبَر عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ فِيهِ: عَنهُ، عَن
أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه ")
87 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن نَافِع، عَن
هِشَام، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه عبد
(1/72)
الرَّحْمَن بن عَوْف، أَن عمر بن الْخطاب
خرج إِلَى الشَّام فَسمع بالطاعون، فتكركر عَن ذَلِك. فَقَالَ لَهُ عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف: أشهد لسمعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْض فَلَا تدْخلُوا
عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع وَأَنْتُم بِأَرْض فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا مِنْهُ
".
فَرجع عمر عَن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
(" ذكر من حدث هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ فِيهِ: عَنهُ، عَن
سَالم، عَن أَبِيه، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام ")
88 - حَدثنِي عمرَان بن بكار الكلَاعِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة،
قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم، قَالَ: حَدثنَا
الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن كَانَ
الوباء بِبَلَد وَأَنْتُم بِهِ، فَلَا تخْرجُوا مِنْهُ، وَإِن كَانَ
بِبَلَد ولستم فِيهِ فَلَا تدخلوه ".
(1/73)
(" ذكر من حدث هَذَا الحَدِيث فَقَالَ
فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَامر بن سعد، عَن أُسَامَة، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
89 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي عَامر بن سعد بن أبي
وَقاص، عَن أُسَامَة بن زيد، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن هَذَا الوجع أَو السقم رجز عذب بِهِ بعض
الْأُمَم قبلكُمْ، ثمَّ بَقِي بعد فِي الأَرْض، فَيذْهب الْمرة وَيَأْتِي
الْأُخْرَى، فَمن سمع بِهِ بِأَرْض فَلَا يقدمن عَلَيْهِ، وَإِن وَقع
بِأَرْض وَهُوَ بهَا فَلَا يخرجنه الْفِرَار مِنْهُ ".
(" ذكر من قَالَ: نَدم عمر - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - على رُجُوعه
بِالنَّاسِ واستغفر الله مِنْهُ ")
90 - حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الأدمِيّ، قَالَ: حَدثنَا معن بن عِيسَى،
(1/74)
عَن أُسَامَة بن زيد، عَن أَبِيه، عَن جده،
أَن عمر قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِر لي رجعتي من سرغ ".
91 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن لَيْث، عَن عمْرَة
قَالَ: " مَاتَ عمر وَهُوَ يَقُول: " أَتُوب إِلَى الله من ثَلَاث: من
فراري من الطَّاعُون، وَمن إحلالي الطلاء، وَمن رجوعي حِين أرسل إِلَيّ
أَبُو بكر، وَأَنا فِي جَيش أُسَامَة بن زيد ".
(1/75)
(" ذكر الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: الفار من الطَّاعُون كالفار من
الزَّحْف ")
92 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب، عَن عَمْرو بن جَابر
الْحَضْرَمِيّ، عَن جَابر بن عبد الله، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " الصابر فِي الطَّاعُون كالصابر يَوْم
الزَّحْف، والفار مِنْهُ كالفار يَوْم الزَّحْف ".
93 - حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، قَالَ: حَدثنَا مَنْصُور بن سَلمَة
الْخُزَاعِيّ، قَالَ: أخبرنَا بكر بن مُضر، عَن عَمْرو بن جَابر
الْحَضْرَمِيّ أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: سَمِعت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول فِي الطَّاعُون: " الفار
مِنْهُ كالفار يَوْم الزَّحْف، وَمن صَبر فِيهِ كَانَ لَهُ أجر شَهِيد ".
وَقد وَافق عبد الرَّحْمَن فِي رِوَايَته هَذَا الْخَبَر عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمَاعَة من أَصْحَابه، نذْكر مَا
صَحَّ عندنَا من ذَلِك سَنَده، ثمَّ نتبع جَمِيعه الْبَيَان إِن شَاءَ
الله.
(1/76)
94 - حَدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا
ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار سمع عَامر بن سعد: جَاءَ رجل إِلَى
سعد يسْأَله عَن الطَّاعُون؟ فَقَالَ أُسَامَة: أَنا أحدثه: سَمِعت
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن هَذَا
الطَّاعُون عَذَاب أَو رجز أرسل على أنَاس أَو طَائِفَة من بني
إِسْرَائِيل، يَجِيء أَحْيَانًا، وَيذْهب أَحْيَانًا، فَإِذا سَمِعْتُمْ
بِهِ بِأَرْض فَلَا تدخلوها عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا
فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا مِنْهُ ".
95 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن شُعْبَة، عَن
حبيب بن أبي ثَابت، قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فبلغني أَن الطَّاعُون قد
وَقع بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ لي عَطاء بن يسَار وَغَيره: إِن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كنت بِأَرْض قد وَقع
بهَا فَلَا تخرج مِنْهَا، وَإِذا بلغك أَنه بِأَرْض فَلَا تدْخلهَا "
قَالَ: قلت: عَن من؟ قَالُوا: عَن عَامر بن سعد يحدث بِهِ. قَالَ:
فَأَتَيْته، فَقَالُوا: غَائِب.
فَلَقِيت أَخَاهُ: إِبْرَاهِيم بن سعد فَسَأَلته؟ فَقَالَ: شهِدت أُسَامَة
بن زيد يحدث سَعْدا قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن هَذَا الوجع رجز وَعَذَاب أَو بَقِيَّة عَذَاب
عذب بِهِ أنَاس من قبلكُمْ، فَإِذا كَانَ بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا
تخْرجُوا مِنْهَا، وَإِذا بَلغَكُمْ أَنه بِأَرْض فَلَا تدخلوها ". قَالَ
حبيب: فَقلت لإِبْرَاهِيم: أَنْت سَمِعت أُسَامَة يحدث سَعْدا، وَهُوَ لَا
يُنكر؟ قَالَ: نعم ".
(1/77)
96 - حَدثنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد
الْكُوفِي، قَالَ: حَدثنَا يعلى، عَن الْأَجْلَح، عَن حبيب بن أبي ثَابت،
عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن هَذَا الطَّاعُون رجز
وَعَذَاب عذب بِهِ من كَانَ قبلكُمْ، فَإِذا كَانَ بِأَرْض فَلَا تدخلوها،
وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم فِيهَا، فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا ".
97 - حَدثنِي يحيى بن إِبْرَاهِيم المَسْعُودِيّ، قَالَ: حَدثنَا أبي،
قَالَ: كَانَ سعد بن أبي وَقاص وَأُسَامَة بن زيد جالسين يتحدثان، فَذكرُوا
الطَّاعُون؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " إِن الطَّاعُون بَقِيَّة عَذَاب عذب بِهِ قوم من قبلكُمْ،
فَإِذا وَقع فِي أَرض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا، وَإِذا
سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرض فَلَا تدخلوها ".
98 - حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مُحَمَّد الْعَبْسِي، قَالَ:
حَدثنَا عمر بن حَفْص، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن الشَّيْبَانِيّ، عَن ريَاح
بن عُبَيْدَة، عَن عَامر بن سعد بن مَالك قَالَ: شهِدت أُسَامَة بن زيد
عِنْد سعد بن مَالك يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " إِن الطَّاعُون رجز
(1/78)
أنزل على من قبلكُمْ أَو على بني
إِسْرَائِيل، فَإِذا أَخذ بِأَرْض فَلَا تدخلوها، وَإِذا أَخذ بِأَرْض
وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا ".
99 - وحَدثني إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْعَبْسِي، قَالَ: حَدثنَا عمر بن
حَفْص، قَالَ حَدثنَا أبي، عَن الشَّيْبَانِيّ، قَالَ: حَدثنِي حبيب بن أبي
ثَابت، عَن إِبْرَاهِيم بن سعد أَنه قَالَ ذَلِك، يحدث بِمثل ذَلِك.
100 - حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عبد الله، قَالَ: حَدثنَا عمر بن حَفْص،
قَالَ: حَدثنِي عمر بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَامر بن سعد مثل ذَلِك: كلهم
يذكرهُ عَن أُسَامَة بن زيد.
101 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم الْمصْرِيّ، قَالَ:
حَدثنَا أبي، وَشُعَيْب بن اللَّيْث، عَن اللَّيْث، عَن ابْن الْهَاد.
102 - وحَدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو زرْعَة
وهب الله قَالَ: أخبرنَا حَيْوَة، عَن ابْن الْهَاد، عَن مُحَمَّد بن
الْمُنْكَدر، عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص، عَن أُسَامَة بن زيد، عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: ذكر الطَّاعُون
عِنْده، فَقَالَ: " إِنَّه رجز أَو رِجْس عذبت بِهِ أمة من الْأُمَم، وَقد
بقيت مِنْهُ بقايا،
(1/79)
فَإِذا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرض فَلَا
تدْخلُوا عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع وَأَنْتُم فِيهَا فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ "
قَالَ لي مُحَمَّد: فَحدثت هَذَا الحَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ
لي: هَكَذَا حَدثنِي عَامر بن سعد.
103 - وحَدثني عمرَان بن بكار الكلَاعِي، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن صَالح،
قَالَ: حَدثنَا ابْن عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة، عَن
مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، وَأبي الزبير، عَن عَامر بن سعد، عَن أُسَامَة بن
زيد، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
الطَّاعُون أَنه قَالَ: " إِنَّه رجز وَعَذَاب عذبت بِهِ الْأُمَم قبلكُمْ،
فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِ إِذا وَقع بِأَرْض، وَلَا تخْرجُوا فِرَارًا
مِنْهُ، لَا يخرجكم إِلَّا ذَلِك ".
104 - وحَدثني حَاتِم بن بكر الضَّبِّيّ، قَالَ: حَدثنَا عُمَيْر بن عبد
الْمجِيد، قَالَ: حَدثنَا عبد الحميد، عَن دَاوُد بن عَامر بن سعد، عَن
أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا
(1/80)
سَمِعْتُمْ بالطاعون فِي أَرض فَلَا
تدْخلُوا عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم فِيهَا فَلَا تخْرجُوا
فِرَارًا مِنْهُ ".
105 - وحَدثني الْقَاسِم بن بشر بن مَعْرُوف، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد،
قَالَ: حَدثنَا سليم بن حَيَّان، قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بن خَالِد
المَخْزُومِي، عَن يحيى بن سعد بن أبي وَقاص، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي الطَّاعُون: " إِذا كَانَ
بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا، فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا، وَإِذا كَانَ بِأَرْض
ولستم بهَا فَلَا تدخلوها ".
106 - وحَدثني عَليّ بن سهل الرَّمْلِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن بِلَال،
قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد، قَالَ: أخبرنَا عِكْرِمَة بن خَالِد المَخْزُومِي،
(1/81)
عَن أَبِيه، عَن عَمه، عَن جده، أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي غَزْوَة تَبُوك: "
إِذا كَانَ الطَّاعُون بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا، فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا،
وَإِن لم تَكُونُوا بهَا فَلَا تقدموها ".
107 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا الطفَاوِي، قَالَ:
حَدثنَا الْحجَّاج الصَّواف، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن الْحَضْرَمِيّ،
(1/82)
عَن سعيد بن الْمسيب، عَن سعد بن مَالك
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا
كَانَ الطَّاعُون بِأَرْض وَلست بهَا، فَلَا تحضرنها، وَإِن كَانَ بِأَرْض
وَأَنت بهَا فَلَا تفرن مِنْهُ ".
108 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن هِشَام، قَالَ:
حَدثنِي أبي، عَن يحيى بن أبي كثير، قَالَ: حَدثنِي الْحَضْرَمِيّ بن
إِسْحَاق، أَن سعيد بن الْمسيب حَدثهُ، عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: سَمِعت
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا
سَمِعْتُمْ بالطاعون فِي أَرض فَلَا تهبطوا عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع بِأَرْض
وَأَنْتُم بهَا، فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا ".
109 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن هِشَام، عَن
يحيى، قَالَ: حَدثنِي الْحَضْرَمِيّ بن لَاحق، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن
سعد بن أبي وَقاص، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مثله.
(1/83)
110 - وحَدثني أَحْمد بن عُثْمَان بن
حَكِيم الأودي، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن شريك، قَالَ: حَدثنِي
أبي، قَالَ: حَدثنَا عَامر بن شَقِيق، عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة
قَالَ: انطلقنا مَعَ عمر بن الْخطاب إِلَى الشَّام وَعَلَيْهَا مُعَاوِيَة
بن أبي سُفْيَان، وَقد وَقع الوباء بهَا والطاعون، فَقَالَ مُعَاوِيَة
لعمر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ {ألم تسمع نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا وَقع الطَّاعُون بِأَرْض فَلَا
تدخلوها وَإِن كُنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا ". فَرجع عمر، وَلم
يدخلهَا وَقَالَ: مكر ابْن أبي سُفْيَان}
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْفِقْه ")
وَالَّذِي فِيهَا من ذَلِك: الدّلَالَة على أَن على الْمَرْء توقي المكاره
قبل وُقُوعهَا، وتجنب الْأَشْيَاء المخوفة قبل هجومها. وَأَن عَلَيْهِ
الصَّبْر بعد نُزُولهَا، وَترك الْجزع بعد وُقُوعهَا. وَذَلِكَ أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن دُخُول الأَرْض
ذَات الوباء - بعد وُقُوعه فِيهَا - من لم يكن فِيهَا قبل وُقُوعه فِيهَا.
وَنهى من هُوَ فِيهَا عَن الْخُرُوج مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ بعد وُقُوعه
فِيهَا. فَكَذَلِك الْوَاجِب أَن يكون حكم كل متقى من الْأُمُور المخوفة
غوائلها سَبيله فِي ذَلِك سَبِيل الطَّاعُون الَّذِي رويت الْأَخْبَار عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أمره على سَبِيل
مَا رويناها عَنهُ.
وَهَذَا الَّذِي رُوِيَ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي
(1/84)
الطَّاعُون من نَهْيه عَن الدُّخُول أَرضًا
هُوَ بهَا: ظَاهر، وَنَهْيه عَن الْخُرُوج من أَرض هُوَ بهَا وَاقع نَظِير
قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي لِقَاء الْعَدو: " لَا
تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو، وسلوا الله الْعَافِيَة، وَإِذا لقيتموهم
فَلَا تَفِرُّوا ".
فَإِن قَالَ قَائِل: فَإِن كَانَ الْأَمر فِي ذَلِك كَالَّذي ذكرت، فَمَا
أَنْت قَائِل فِيمَا:
111 - حَدثكُمْ بِهِ ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم،
قَالَ: حَدثنَا سعيد، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن سُلَيْمَان بن عَمْرو
بن الْأَحْوَص، " أَن أَبَا مُوسَى بعث بنته إِلَى الْأَعْرَاب من
الطَّاعُون ".
112 - وحَدثني الْعَبَّاس بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا مُسلم، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن سُلَيْمَان بن عَمْرو بن
الْأَحْوَص " أَن أَبَا مُوسَى كَانَ يبْعَث بنته إِلَى الْأَعْرَاب من
الطَّاعُون ".
113 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن قيس بن مُسلم، عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: " كُنَّا
نتحدث إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: فَقَالَ لنا ذَات يَوْم: لَا
عَلَيْكُم أَن تجفوا؛ فَإِن هَذَا الوجع قد وَقع فِي أهلنا، فَمن شَاءَ
مِنْكُم أَن يتنزه فليتنزه. واحذروا أَن يَقُول رجل: خرج رجل فَعُوفِيَ!
وَجلسَ رجل فأصيب، لَو كنت جَلَست كَمَا جلس آل فلَان أصبت كَمَا أُصِيب آل
(1/85)
فلَان. وَأَن يَقُول: إِن جلس فأصيب: لَو
كنت خرجت كَمَا خرج آل فلَان عوفيت كَمَا عوفي آل فلَان؛ فَإِنِّي سأحدثكم
فِي الطَّاعُون:
إِن عمر كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة فِي الطَّاعُون الَّذِي وَقع بِالشَّام
أَنه عرضت لي حَاجَة لَا غنى بِي عَنْك فِيهَا؛ فَإِذا أَتَاك كتابي،
فَإِنِّي أعزم عَلَيْك إِن أَتَاك لَيْلًا أَلا تصبح حَتَّى ترد، وَإِن
أَتَاك نَهَارا أَلا تمسي حَتَّى ترد إِلَيّ. فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو
عُبَيْدَة الْكتاب قَالَ: قد عرفت حَاجَة أَمِير الْمُؤمنِينَ: أَرَادَ أَن
يستبقي من لَيْسَ بباق {ثمَّ كتب: إِنِّي قد عرفت حَاجَتك الَّتِي عرضت لَك
فحللني من عزمتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ} فَإِنِّي فِي جند الْمُسلمين
وَلنْ أَرغب بنفسي عَنْهُم. قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ عمر الْكتاب بَكَى
{قَالَ: فَقيل لَهُ: توفّي أَبُو عُبَيْدَة؟ قَالَ: لَا وَكَانَ قد قَالَ.
فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِن الْأُرْدُن أَرض عمقة، وَإِن الْجَابِيَة أَرض
نزهة، فاظهر بِالْمُسْلِمين إِلَى الْجَابِيَة.
قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَة الْكتاب قَالَ: هَذَا نسْمع فِيهِ
أَمِير الْمُؤمنِينَ، ونطيعه.
قَالَ: فَأمرنِي أَن أركب فأبوئ النَّاس مَنَازِلهمْ. قَالَ: فَقلت إِنِّي
لَا أَسْتَطِيع} قَالَ: فَقَالَ لي: لَعَلَّ الْمَرْأَة طعنت؟ قَالَ: قلت:
أجل. قَالَ: فَذهب ليركب فَوجدَ وخزة فطعن، وَتُوفِّي أَبُو عُبَيْدَة،
وانكشف الطَّاعُون ".
114 - وحَدثني إِسْحَاق بن شاهين الوَاسِطِيّ، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن
عبد الله، عَن أبي سِنَان، عَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل قَالَ: " وَقع
الطَّاعُون بِالشَّام، وَبِه جَيش من الْمُسلمين. قَالَ: فجَاء رجل مِنْهُم
(1/86)
حَتَّى دخل على عمر فَأخْبرهُ. فَقَالَ:
مَا جئتني بِكِتَاب؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي قد أَخْبَرتك الْخَبَر. قَالَ:
فَدخل عمر، ثمَّ خرج إِلَى الرجل فَوَجَدَهُ نَائِما، قَالَ: فَضَربهُ،
ثمَّ قَالَ لَهُ: نمت لَا أَنَام الله عَيْنك؟ قُم فَانْطَلق. قَالَ:
فَحَمله على بعير لَهُ، يُقَال لَهُ: محسر. قَالَ: اكْتُبْ معي. قَالَ: لَا
أكتب إِلَى من لم يكْتب إِلَيّ، وَلَكِن انْطلق، فاعزم على من اسْتَطَاعَ
الْخُرُوج أَن يخرج ".
115 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن الْأَشْعَث قَالَ: شُعْبَة: " سَأَلته: هَل كَانَ
أَبوك يفر من الطَّاعُون؟ قَالَ: كَانَ إِذا اشْتَدَّ الطَّاعُون فر هُوَ
وَالْأسود بن هِلَال وَرجل آخر من أَصْحَاب عبد الله ".
116 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا الحكم، " أَن مسروقا كَانَ يفر من
الطَّاعُون ".
117 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، عَن شُعْبَة،
عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر قَالَ: سَمِعت أبي يسْأَل: "
كَانَ مَسْرُوق يفر من الطَّاعُون؟ قَالَ: فَقَالَ: مَا كَانَ يفر مِنْهُ.
قَالَ
(1/87)
شُعْبَة: فَلَقِيت مولى لمسروق فَسَأَلته؟
فَقَالَ: كَانَ مَسْرُوق بداء "؟
قيل: قد خَالف هَؤُلَاءِ من أهل الْقدْوَة مثلهم {وَإِذا اخْتلف فِي أَمر
من الْأُمُور كَانَ أولى ذَلِك بِالْحَقِّ مَا كَانَ مُوَافقا أَمر رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَإِن قَالَ: فاذكر لنا من
خالفهم؟
118 - قيل: حَدثنَا ابْن الْمثنى؛ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر،
قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن يزِيد بن خمير، عَن شُرَحْبِيل بن شُفْعَة
قَالَ: " وَقع الطَّاعُون. فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: إِنَّه رجز
فَتَفَرَّقُوا عَنهُ. فَبلغ ذَلِك شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، فَقَالَ: لقد
صَحِبت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَمْرو أضلّ
من بعير أَهله}
إِنَّه دَعْوَة نَبِيكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَحْمَة
ربكُم، وَمَوْت الصَّالِحين قبلكُمْ. فَاجْتمعُوا لَهُ، وَلَا تفَرقُوا
عَنهُ. فَبلغ ذَلِك عَمْرو بن الْعَاصِ، فَقَالَ: صدق ".
119 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنِي عبد الْأَعْلَى قَالَ: حَدثنَا
دَاوُد، عَن شهر بن حَوْشَب " أَن عمر بن الْخطاب اسْتعْمل معَاذ بن جبل
على دمشق وحمص، وَاسْتعْمل عَمْرو بن الْعَاصِ على الْأُرْدُن وفلسطين.
فَوَقع الطَّاعُون بِالشَّام، فَقَامَ معَاذ بن جبل خَطِيبًا فَقَالَ: يَا
أَيهَا النَّاس! هَذَا رَحْمَة ربكُم، ودعوة نَبِيكُم - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَوْت
(1/88)
الصَّالِحين قبلكُمْ. ثمَّ قَالَ:
اللَّهُمَّ أعْط آل معَاذ النَّصِيب الأوفى. قَالَ ثمَّ نزل فَجَاءَهُ
الرَّسُول فَقَالَ: إِن عبد الرَّحْمَن قد طعن. قَالَ: فَانْطَلق حَتَّى
دخل عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: {الْحق من رَبك فَلَا تكونن من
الممترين} قَالَ: {ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين} . قَالَ: ثمَّ
تتَابع أَهله فِيهِ. قَالَ: ثمَّ إِن معَاذًا طعن. قَالَ: ثمَّ قَامَ
عَمْرو بن الْعَاصِ فِي حزبه أَو فِي جنده فَقَالَ: إِن هَذَا الرجز قد
وَقع، فَتَفَرَّقُوا عَنهُ فِي هَذِه الشعاب والأودية. فَقَامَ شُرَحْبِيل
بن حَسَنَة فَقَالَ: لقد أسلمت وأميركم هَذَا أضلّ من جمل أَهله. فَقَالَ
عَمْرو: صدق {لقد أسلم وَأَنا أضلّ من جمل أَهلِي، فانظروا مَا يَقُول لكم
فَاتَّبعُوهُ ".
120 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب، قَالَ: حَدثنَا
أَيُّوب، وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية
قَالَ: حَدثنَا أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة: " أَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ:
تفَرقُوا عَن هَذَا الرجز فِي الشعاب والأودية، ورؤوس الْجبَال. فَبلغ
ذَلِك معَاذ بن جبل فَقَالَ: بل هُوَ شَهَادَة وَرَحْمَة ودعوة نَبِيكُم -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. اللَّهُمَّ} أعْط معَاذًا وَأَهله
نصِيبهم من رحمتك، فطعن فِي كَفه. قَالَ: أَبُو قلَابَة فَكنت أَقُول: لقد
عرفت الشَّهَادَة، وَالرَّحْمَة، وَكنت لَا أَدْرِي مَا دَعْوَة نَبِيكُم -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى سَأَلت عَنْهَا، فَأخْبرت
(1/89)
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول فِي صلَاته ذَات لَيْلَة: فحمى إِذا وطاعونا،
فحمى إِذا وطاعونا. قَالَهَا مرَّتَيْنِ. فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله
{لقد سَمِعتك البارحة تَدْعُو بِدُعَاء مَا سمعته مِنْك قطّ؟ فَقَالَ:
أوسمعته؟
قَالَ: إِنِّي استجرت الله لأمتي أَلا يُهْلِكهُمْ بِسنة بعامة،
فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلته أَن لَا يُسَلط عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم
فيستحييهم، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا وَلَا
يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَمَنَعَنِي أَو قَالَ: فَأبى عَليّ. فَقلت: فحمى
إِذا وطاعونا ".
121 - وحَدثني عبد الحميد بن بَيَان الوَاسِطِيّ، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد
بن يزِيد، عَن إِسْمَاعِيل، عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن: " أَن الوباء
وَقع بِالشَّام واستعر حَتَّى قَالَ النَّاس: مَا هَذَا إِلَّا الطوفان غير
أَنه لَيْسَ مَاء} فَبلغ ذَلِك معَاذ بن جبل، فَقَالَ: اجْمَعُوا النَّاس.
فَجمعُوا. قَالَ: أَيهَا النَّاس قد بَلغنِي الَّذِي خِفْتُمْ من هَذَا
الوباء. زعمتم أَنه الطوفان،
(1/90)
وَلَيْسَ كَالَّذي تخافون {وَلكنه رَحْمَة
ربكُم، ودعوة نَبِيكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقبض
الصَّالِحين قبلكُمْ، وَلَكِن أَخَاف عَلَيْكُم سوى ذَلِك: أَخَاف أَن
يَغْدُو الرجل مِنْكُم من بَيته لَا يدْرِي أمؤمن هُوَ أَو مُنَافِق ".
122 - حَدثنِي سلم بن جُنَادَة، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، قَالَ:
سَمِعت دَاوُد بن أبي هِنْد يذكر عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: " لما وَقع
الطَّاعُون بِالشَّام قَامَ معَاذ بن جبل فِي أَصْحَابه خَطِيبًا فَقَالَ:
أَيهَا النَّاس} هَذَا الطَّاعُون - أرَاهُ قَالَ - رَحْمَة ربكُم، ودعوة
نَبِيكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وميتة الصَّالِحين
قبلكُمْ. اللَّهُمَّ {اقْسمْ لآل معَاذ نصِيبهم الأوفى قَالَ: فَلَمَّا نزل
أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: إِن عبد الرَّحْمَن قد أُصِيب. قَالَ: فَأَتَاهُ،
فَقَالَ: يَا بني} {الْحق من رَبك فَلَا تكونن من الممترين} . فَقَالَ:
{ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين} . فَمَاتَ عبد الرَّحْمَن، وَمَات
أَهله، حَتَّى كَانَ آخِرهم معَاذ. وَقَامَ عَمْرو بن الْعَاصِ فِي
أَصْحَابه، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس {إِن هَذَا الطَّاعُون رجز
فَتَفَرَّقُوا فِي الشعاب والأودية.
فَقَامَ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة فَقَالَ: أَيهَا النَّاس} وَالله لقد أسلمت
وأميركم هَذَا أضلّ من جمل أَهله. إِن هَذَا الطَّاعُون رَحْمَة ربكُم،
ودعوة نَبِيكُم، وميتة الصَّالِحين قبلكُمْ.
فَقَالَ: عَمْرو: صدق، فَاسْمَعُوا، وَأَطيعُوا، فَإِنَّهُ أعلم مني ".
(1/91)
123 - وَحدثنَا أَبُو كريب مُحَمَّد بن
الْعَلَاء، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن
شهر بن حَوْشَب، عَن الْحَارِث بن عميرَة الزبيدِيّ، قَالَ: " وَقع
الطَّاعُون فِي الشَّام، وَمُعَاوِيَة يَوْمئِذٍ بحمص، فَقَامَ خَطِيبًا
فَقَالَ: إِن هَذَا الطَّاعُون رَحْمَة ربكُم، ودعوة نَبِيكُم - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَوْت الصَّالِحين قبلكُمْ. اللَّهُمَّ
اقْسمْ لآل معَاذ نصِيبهم الأوفى مِنْهُ ". ثمَّ ذكر نَحوه.
124 - حَدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن جَعْفَر بن كيسَان،
عَن عمْرَة ابْنة قيس قَالَت: سَأَلت عَائِشَة عَن الْفِرَار من
الطَّاعُون؟ فَقَالَت: " الْفِرَار من الطَّاعُون كالفرار من الزَّحْف ".
(1/92)
125 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى،
قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عمر بن
عبد الله، عَن صَفْوَان بن سليم، عَن كثير بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن
الصنَابحِي أَنه قَالَ: " من فر من الطَّاعُون، فَكَأَنَّمَا فر من
الزَّحْف ".
126 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن عَاصِم، عَن أبي منيب
الجرشِي قَالَ: " خَطَبنَا معَاذ حِين وَقع الطَّاعُون فَقَالَ: إِن هَذَا
رَحْمَة ربكُم، ودعوة نَبِيكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَقبض الصَّالِحين قبلكُمْ. اللَّهُمَّ {أعْط آل معَاذ حظهم من هَذَا
الْأَمر. فَنزل فَوجدَ ابْنه بِالْمَوْتِ. فَقَالَ: يَا أَبَت} {الْحق من
رَبك فَلَا تكونن من الممترين} . فَقَالَ معَاذ: {ستجدني إِن شَاءَ الله من
الصابرين} .
127 - حَدثنِي عَليّ بن سهل الرَّمْلِيّ، قَالَ: حَدثنَا زيد بن أبي
الزَّرْقَاء، قَالَ: " سُئِلَ سُفْيَان عَن الرجل يخرج أَيَّام الوباء على
غير تِجَارَة مَعْرُوفَة؟ قَالَ: لم يَكُونُوا ليفعلوا ذَلِك. أَو قَالَ:
مَا أحب ذَلِك ".
وكالذي ذكرنَا من اخْتِلَاف من ذكرنَا اختلافه من الصَّحَابَة وَغَيرهم فِي
الْفِرَار من الطَّاعُون، كَانَ اخْتلَافهمْ فِي الدُّخُول عَلَيْهِ أَرضًا
هُوَ بهَا.
(1/93)
(" ذكر مَا حَضَرنَا ذكره من الْأَخْبَار
الْوَارِدَة عَنْهُم بذلك ")
128 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي يُونُس وَمَالك، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الحميد بن
عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب، أَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل
أخبرهُ، أَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ، " أَنه كَانَ مَعَ عمر بن الْخطاب
حِين خرج إِلَى الشَّام، فَرجع بِالنَّاسِ من سرغ، فَلَقِيَهُ أمراؤه على
الأجناد، ولقيه أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَأَصْحَابه، وَقد وَقع الوجع
بِالشَّام، فأخبروه أَن الوباء قد وَقع بِالشَّام، فَقَالَ عمر: أدع لي من
كَانَ هَا هُنَا من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين. قَالَ: فدعوتهم، فاستشارهم،
فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا هُوَ قدر الله، وَقد
خرجت لأمر، فَلَا نرى أَن ترجع عَنهُ. وَقَالَ بَعضهم: مَعَك بَقِيَّة
النَّاس، وَأَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
{ارْجع بِالنَّاسِ، وَلَا تقدمهم على هَذَا الوباء. فَأَمرهمْ أَن يرتفعوا.
ثمَّ قَالَ: ادْع لي الْأَنْصَار، فدعوتهم. فاستشارهم، فسلكوا سَبِيل
الْمُهَاجِرين، وَاخْتلفُوا كاختلافهم، فَأَمرهمْ أَن يرتفعوا ثمَّ قَالَ:
ادْع لي من كَانَ هَا هُنَا من مشيخة مهاجرة الْفَتْح. فدعوتهم، فاستشارهم،
فَمَا اخْتلف عَلَيْهِ رجلَانِ مِنْهُم، وَأجْمع رَأْيهمْ على أَن يرجع
بِالنَّاسِ، فَأذن عمر فِي النَّاس: إِنِّي مصبح على ظهر فَأَصْبحُوا
عَلَيْهِ، فَإِنِّي مَاض لما أرى. فانظروا مَا أَمرتكُم بِهِ، فامضوا لَهُ.
قَالَ: فَأصْبح على ظهر، فَركب عمر ثمَّ قَالَ للنَّاس: إِنِّي رَاجع.
فجَاء أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالَ: أفرارا من قدر الله؟ وَكَانَ
عمر يكره أَن يُخَالِفهُ أَبُو عُبَيْدَة. فَغَضب عمر ثمَّ قَالَ: لَو
كَانَ غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة} وَقَالَ عمر: نعم أفر من قدر
الله إِلَى قدر الله! أَرَأَيْت لَو كَانَت لَك إبل فَهَبَطت وَاديا لَهُ
عدوتان: إِحْدَاهمَا خصبة، وَالْأُخْرَى جدبة. أَلَيْسَ إِن رعيت الخصبة
رعيتها بِقدر الله؟ وَإِن رعيت الجدبة رعيتها بِقدر الله؟ ثمَّ
(1/94)
خلا بِأبي عُبَيْدَة فتراجعا سَاعَة،
قَالَ: فَبينا هم على ذَلِك جَاءَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَكَانَ متغيبا
فِي بعض حَاجته، فجَاء وَالْقَوْم مُخْتَلفُونَ. فَقَالَ: عِنْدِي من هَذَا
علم. فَقَالَ عمر: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرض فَلَا
تقدمُوا عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم فِيهَا فَلَا يخرجكم
مِنْهَا فرار مِنْهُ ". قَالَ: فَكبر عمر، وَحمد الله وَانْصَرف. -
أَحدهمَا يزِيد الْكَلِمَة -.
129 - وحَدثني يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس،
عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي سَالم، أَن عبد الله بن عمر وَعبد الله
بن عَامر بن ربيعَة قَالَا: " إِن عمر بن الْخطاب إِنَّمَا رَجَعَ
بِالنَّاسِ من سرغ، عَن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ".
130 - حَدثنِي يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي هِشَام بن
سعد، عَن ابْن شهَاب، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن: " أَن عمر بن الْخطاب
حِين أَرَادَ الرُّجُوع من سرغ وَاسْتَشَارَ النَّاس، فَقَالَت طَائِفَة -
مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح - أَمن الْمَوْت نفر؟ إِنَّمَا نَحن
بِقدر، وَلنْ يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا. فَقَالَ عمر: يَا أَبَا
عُبَيْدَة! أَرَأَيْت لَو كَانَ بواد إِحْدَى عدوتيه مخصبة، وَالْأُخْرَى
مُجْدِبَة أَيَّتهمَا كنت ترعى؟ قَالَ:
(1/95)
المخصبة. قَالَ: فَإنَّا إِن تقدمنا فبقدر،
وَإِن تأخرنا فبقدر، وَفِي قدر نَحن ".
131 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن الرّبيع، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو عَاصِم عبيد الله بن عبد الله، عَن عَليّ بن زيد بن جدعَان
قَالَ: " انْطلق عمر إِلَى الشَّام، وَمَعَهُ أنَاس من أَصْحَابه، حَتَّى
إِذا دنا من الشَّام استقبله أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، فَقَالَ: يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ {جِئْت بأصحاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - تدخلهم أَرضًا بهَا الطَّاعُون - الَّذين هم أَئِمَّة يقْتَدى
بهم؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عمر: يَا أَبَا عُبَيْدَة شَككت؟ فَقَالَ: يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ} أشاكا كَانَ يَعْقُوب صلوَات الله عَلَيْهِ إِذْ
قَالَ لِبَنِيهِ: {لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد، وادخلوا من أَبْوَاب
مُتَفَرِّقَة} . قَالَ: فَقَالَ عمر: وَالله لأدخلنها. فَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: وَالله لَا ندْخلهَا. قَالَ: فَرده ".
فَإِن قَالَ: فَهَل أحد ميت إِلَّا بعد اسْتِيفَائه مُدَّة الْأَجَل
الَّذِي كتب لَهُ؟ قيل: لَا. فَإِن قَالَ: فَإِن كَانَ كَذَلِك، فَمَا وَجه
النَّهْي عَن دُخُول أَرض بهَا الطَّاعُون أَو عَن الْخُرُوج من أَرض هُوَ
بهَا؟ وَقد علمت أَن الله - جلّ وَعز - عَابَ أَقْوَامًا جَلَسُوا عَن
مشْهد شهده رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقتل
مَعَه جمَاعَة مِمَّن شهده مَعَه؟ فَقَالَ الَّذين جَلَسُوا عَنهُ للَّذين
قتلوا مَعَه؛ وَكَانُوا قد نهوهم أَن يشْهدُوا ذَلِك المشهد مَعَه: لَو
أطاعونا مَا قتلوا مَعَه. فَقَالَ لنَبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - موبخهم
(1/96)
بقيلهم مَا قَالُوا من ذَلِك قل: يَا
مُحَمَّد لقائلي ذَلِك: {فادرؤوا عَن أَنفسكُم الْمَوْت إِن كُنْتُم
صَادِقين} معلمهم - جلّ جَلَاله - بذلك أَن الْمَوْت والحياة بِيَدِهِ.
قيل: إِن الْأَمر - وَإِن كَانَ - كَذَلِك، فَإِنَّهُ لم ينْه المريد
دُخُول أَرض بهَا الطَّاعُون عَن دُخُولهَا، وَلَا الْخَارِج من أَرض هُوَ
بهَا عَن الْخُرُوج مِنْهَا، حذارا على الدَّاخِل عَلَيْهِ من أَن يُصِيبهُ
بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ غير مَا كتب عَلَيْهِ، وَغير مَا قد مضى بِهِ حكم
الله فِيهِ. أَو أَن يهْلك بهبوطه عَلَيْهِ قبل الْأَجَل الَّذِي مضى فِي
سَابق علم الله أَن إِذا جَاءَ لم يسْتَأْخر عَنهُ سَاعَة، وَلم
يَسْتَقْدِم. وَلَكِن حذار الْفِتْنَة على الْحَيّ من أَن يظنّ بِأَن من
هَبَط أَرضًا هُوَ بِهِ، فَهَلَك أَنه إِنَّمَا كَانَ هَلَاكه من أجل
هُبُوطه عَلَيْهِ، وَأَن من خرج من أَرض هُوَ بهَا، فنجا من الْمَوْت أَن
نجأه مِنْهُ إِنَّمَا كَانَ من أجل خُرُوجه عَنهُ؟ فَنَقُول كَمَا قَالَ
الَّذين عَابَ الله تَعَالَى ذكره قَوْلهم فِي الَّذين قتلوا مَعَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ قَالُوا: لَو أطاعونا
فِي الْجُلُوس عَن الْقِتَال، مَا قتلوا، فكره رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ الَّذين ذكرت فِي
أَمر الطَّاعُون مَا كره، لما وصفت.
وَنَهْيه ذَلِك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَظِير نَهْيه عَن
الدنو من المجذوم. وَقَوله: " فر من المجذوم فرارك من الْأسد ". مَعَ
إِعْلَامه
(1/97)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أمته " أَلا عدوى وَلَا صفر ". وَقد تقدم بَيَان ذَلِك كُله قبل فِيمَا مضى
من كتَابنَا هَذَا.
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")
فَمن ذَلِك قَول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
إِن هَذَا الوجع: رجز عذب بِهِ من قبلكُمْ ". يَعْنِي بقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رجز ": عَذَاب. وَمِنْه قَول الله
تَعَالَى ذكره: {أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم} .
يُقَال: هُوَ رجز، ورجس - بالزاي وَالسِّين - وَمِنْه قَول رؤبة بن العجاج:
(كم رامنا من ذِي عديد مبز ... حَتَّى وقمنا كَيده بالرجز)
يَعْنِي بقوله: " وقمنا كَيده بالرجز ": رددنا مكره بِالْعَذَابِ.
وَأما قَول أبي مُوسَى: " إِن هَذَا الوجع قد وَقع فِي أهلنا، فَمن شَاءَ
أَن يتنزه فليتنزه ". فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: فَمن شَاءَ أَن يتنزه: فَمن
شَاءَ أَن يتَنَحَّى عَنهُ، فيبعد مِنْهُ، فليتنح وليبعد مِنْهُ. وَمِنْه؛
قيل: خرج فلَان متنزها إِذا خرج إِلَى بُسْتَان أَو صحراء. يُرَاد بذلك:
أَنه خرج متنحيا عَن مجمع النَّاس، ومتباعدا عَن منزله، وَأَهله. وَمِنْه
قَوْلهم للموضع المتنحي عَن النَّاس: مَكَان نزه. وَمِنْه قَول رؤبة بن
العجاج:
(1/98)
(سبحن واسترجعن من تألهي ... أَن كَاد
أخلاقي من التَّنَزُّه)
يَعْنِي بقوله: " أَن كَاد - أخلاقي من التَّنَزُّه ": أَن تقترب أخلاقي من
الترفع عَمَّا يكره من الْأُمُور. يُقَال مِنْهُ: تنزه فلَان عَن هَذَا
الْأَمر: إِذا تنحى عَنهُ وارتفع.
وَأما قَول أبي مُوسَى: " فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن الْأُرْدُن أَرض غمقة،
وَأَن الْجَابِيَة أَرض نزهة ". فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: إِن الْأُرْدُن
أَرض غمقة: أَنَّهَا أَرض ندية كَثِيرَة الندى والطل. يُقَال: قد غمقت
هَذِه الأَرْض، فَهِيَ تغمق غمقا، وَهِي أَرض غمقة.
وَمِنْه قَول رؤبة فِي صفة حمر:
(جوازيا يخبطن أنداء الغمق ... من باكر الوسمي نصاح البوق)
وَأما قَوْله: " وَإِن الْجَابِيَة أَرض نزهة " فَإِنَّهُ يَعْنِي:
أَنَّهَا بعيدَة من الغمق. وَإِنَّمَا وصفهَا بذلك؛ لِأَنَّهَا عَن
الْبَحْر أَشد تنحيا من الْأُرْدُن. وَمَا قرب من الْبَحْر من الْبِلَاد
فَهِيَ أندى وأطل وَأكْثر بلة مِمَّا بعد مِنْهَا مِنْهُ.
وَأما قَول أبي مُوسَى: " فَأمرنِي أَن أركب فأبوئ النَّاس مَنَازِلهمْ "
فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: " فأبوئ النَّاس مَنَازِلهمْ ": فأتخذ لَهُم
منَازِل ينزلونها، وأرتاد ذَلِك لَهُم. وَمِنْه قَول الله تَعَالَى ذكره:
{وَإِذ غَدَوْت من أهلك تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} . يَعْنِي:
تتَّخذ لَهُم مقاعد، وترتادها لَهُم، يُقَال: مِنْهُ بوأت الْقَوْم
مَنَازِلهمْ، وبوأت لَهُم مَنَازِلهمْ كَمَا يُقَال: ردفتك، وردفت لَك.
ونقدت لَهَا صَدَاقهَا، ونقدتها، فَأَنا أبوئهم تبوئة. ومسموع من الْعَرَب:
أبأت الْقَوْم منزلا، فَأَنا أبيئها إباءة. وَيُقَال مِنْهُ: أبأت
الْإِبِل: إِذا رَددتهَا إِلَى المباءة. والمباءة: المراح
(1/99)
الَّذِي تبيت فِيهِ.
وَمِنْه قَول الطرماح بن حَكِيم:
(طرف التأنف مَا يبن مباءة ... حَوْلَيْنِ طيب بنة الأبعار)
وَأما قَول أبي مُوسَى قَالَ: فَذهب ليركب، فَوجدَ وخزة، فَإِنَّهُ يَعْنِي
بالوخزة: النخسة. وَقيل: الوخزة: أَن يجمع الرجل أَطْرَاف أَصَابِع يَده،
ثمَّ يدْفع بهَا فِي صدر الرجل أَو غَيره من جسده. وَهِي الفعلة من
قَوْلهم: وخزت فلَانا، فَأَنا أخزه وخزا: إِذا نخسته بمنخسة. وَمِنْه قَول
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ قَالَ: " فنَاء
أمتِي بالطعن والطاعون. فَقيل: أما الطعْن فقد عَرفْنَاهُ، فَمَا
الطَّاعُون؟ فَقَالَ: وخز أعدائكم من الْجِنّ ".
وَمِنْه قَول: رؤبة بن العجاج:
(وَالْحَرب عسراء اللقَاح المغزي ... بالمشرفيات وَطعن وخز)
وَأما قَول عَمْرو بن الْعَاصِ: " فَتَفَرَّقُوا فِي هَذِه الشعاب والأدوية
". فَإِن: الشعاب: الْأَنْهَار الصغار الَّتِي تَأْخُذ من الأودية
الْعِظَام. وَإِنَّمَا أَرَادَ عَمْرو بذلك: جدوا فِي هَذِه الطّرق الَّتِي
تتشعب من الطَّرِيق الْأَعْظَم، هرابا من الطَّاعُون فتنحوا عَنهُ. وَأما
قَول طَارق بن عبد
(1/100)
الرَّحْمَن: " إِن الوباء وَقع بِالشَّام،
واستعر " فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: " استعر ": اتقد وحمي. وَهُوَ افتعل من
السعير. وَمِنْه قَول الله تَعَالَى ذكره: {وَإِذا الْجَحِيم سعرت} .
وَأما قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَسَأَلته
أَلا يلْبِسهُمْ شيعًا ". فَإِنَّهُ عَنى بقوله: شيعًا: فرقا. يَقُول:
سَأَلته أَلا يجعلهم متفرقي الْأَهْوَاء. وَمِنْه قَول الله تَعَالَى ذكره:
{إِن الَّذين فارقوا دينهم، وَكَانُوا شيعًا} . يَعْنِي: فرقا. وَمِنْه
قَول رؤبة.
(لَو أَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج مَعًا ... وَالنَّاس أخلافا علينا شيعًا)
وَأما قَول عمر لأبي عُبَيْدَة: " أَرَأَيْت لَو كَانَت لَك إبل، فَهَبَطت
وَاديا لَهُ عدوتان ". فَإِنَّهُ يَعْنِي بالعدوتين: شفيري الْوَادي،
وجانبيه. وفيهَا لُغَتَانِ: عدوتان - بِكَسْر الْعين - وعدوتان: بضَمهَا -
وينشد فِي كسرهَا بَيت الرَّاعِي:
(وعينان حم مآقيهما ... كَمَا نظر العدوة الجؤذر)
بِكَسْر الْعين. وينشد فِي ضمهَا بَيت أَوْس بن حجر:
(1/101)
(وَفَارِس لَا يحل الْحَيّ عدوته ... ولوا
سرَاعًا وَمَا هموا بإقبال)
وَيُقَال للرجل إِذا أَمر بِلُزُوم نَاحيَة الطَّرِيق: الزم أَعدَاء
الطَّرِيق.
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
132 - حَدثنَا أَحْمد بن الْحُسَيْن التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن
كثير بن عفير، قَالَ: حَدثنَا مفضل بن فضَالة، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن
سعد بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنِي أخي الْمسور بن إِبْرَاهِيم، عَن
أَبِيه، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أقيم على السَّارِق الْحَد فَلَا غرم
عَلَيْهِ ".
(1/102)
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر عندنَا صَحِيح سَنَده وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب الآخرين
سقيما غير صَحِيح لعلل:
إِحْدَاهَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَالْخَبَر إِذا
انْفَرد بِهِ عِنْدهم مُنْفَرد، وَجب التثبت فِيهِ {
وَالثَّانيَِة: أَن الْمَعْرُوف من هَذَا الْخَبَر عَن رُوَاته: عَن مفضل
بن فضَالة، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن أَخِيه:
الْمسور بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير إِدْخَال أَبِيه فِيهِ بَينه
وَبَين عبد الرَّحْمَن} قَالُوا: وَإِذ كَانَ ذَلِك الْمَعْرُوف من نقل
رُوَاته، والمسور بن إِبْرَاهِيم لَا يعلم لَهُ سَماع من جده، لم يكن
جَائِزا الِاحْتِجَاج بِهِ فِي الدّين!
قَالُوا: وَالثَّالِثَة: أَنه قد حدث بِهِ عَن ابْن عفير غير أَحْمد بن
الْحسن فَوَافَقَ فِي رِوَايَته عَنهُ سَائِر من حدث بِهِ عَن مفضل بن
فضَالة. فَذَلِك دَلِيل
(1/103)
على وهائه عِنْدهم!
(" ذكر من حدث هَذَا الحَدِيث عَن مفضل، فَلم يَجْعَل فِيهِ بَين الْمسور
بن إِبْرَاهِيم، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف أحدا ")
133 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن زنجوية، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
صَالح الْحَرَّانِي عبد الْغفار بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا الْمفضل بن
فضَالة، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن أَخِيه، عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ: " لَا يغرم السَّارِق إِذا أقيم عَلَيْهِ الْحَد ".
134 - وَحدثنَا أَبُو همام السكونِي: الْوَلِيد بن شُجَاع، قَالَ: حَدثنِي
أَبُو نعيم إِسْحَاق بن الْفُرَات، قَالَ: حَدثنَا الْمفضل بن فضَالة
العتباني، عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن
أَخِيه الْمسور بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَا يغرم صَاحب
السّرقَة إِذا أقيم عَلَيْهِ الْحَد ".
(1/104)
(" ذكر من روى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن
عفير فَوَافَقَ فِي رِوَايَته إِيَّاه عَنهُ سَائِر من ذكرنَا مِمَّن حدث
بِهِ عَن مفضل بن فضَالة ")
135 - حَدثنِي زَكَرِيَّا بن يحيى بن أبان الْمصْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا ابْن
عفير، قَالَ: حَدثنَا الْمفضل بن فضَالة، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن سعد بن
إِبْرَاهِيم، عَن أَخِيه الْمسور بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
إِذا أقيم على السَّارِق الْحَد فَلَا غرم عَلَيْهِ ".
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذَا الْخَبَر من الْفِقْه ")
وَالَّذِي فِيهِ من ذَلِك: الْبَيَان الْبَين عَن صِحَة قَول الْقَائِلين:
إِن السَّارِق إِذا أَخذ وَقد اسْتهْلك مَا سرق، فَقطعت يَده، أَنه لَا
سَبِيل للمسروق مِنْهُ عَلَيْهِ بِسَبَب السّرقَة الَّتِي سَرَقهَا مِنْهُ
فِي اتِّبَاعه بغرم قيمَة ذَلِك، وَفَسَاد قَول من زعم أَن عَلَيْهِ مَعَ
الْقطع ضَمَان قيمَة مَا اسْتهْلك من السّرقَة لصَاحبه وَبِذَلِك من
القَوْل قَالَ جمَاعَة من سلف عُلَمَاء الْأمة وخلفهم. وَإِن كَانَ قد
خالفهم فِي ذَلِك مخالفون، نذْكر اخْتلَافهمْ فِي ذَلِك، ثمَّ نتبع جَمِيعه
الْبَيَان عَن الْمُجْتَبى من القَوْل فِيهِ عندنَا، وَالدّلَالَة على
صِحَّته إِن شَاءَ الله.
(1/105)
(" ذكر من قَالَ القَوْل الَّذِي روينَاهُ
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
136 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب، قَالَ: حَدثنَا
عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ،
قَالَ: سَمِعت عَامِرًا يَقُول: " السَّارِق يقطع، وَلَا يتبع بِشَيْء
أهلكه ".
137 - حَدثنَا أَبُو همام الْوَلِيد بن شُجَاع، قَالَ: حَدثنَا حَفْص، عَن
الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: " إِذا قطع السَّارِق، لم يتبع
بِشَيْء، هُوَ ثمن يَده ".
138 - حَدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، قَالَ: حَدثنَا
الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ قَالَ: " إِذا قطع فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
".
139 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ: أخبرنَا
الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: " إِن كَانَ استهلكها، فَقطعت يَده،
وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ ".
140 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا الْمحَاربي، عَن
الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ، أَنه قَالَ ذَلِك.
(1/106)
141 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا
هشيم، قَالَ: أخبرنَا عَن ابْن سِيرِين: مثل قَول الشّعبِيّ.
142 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا هشيم، عَن مُغيرَة، عَن
إِبْرَاهِيم، أَنه قَالَ مثل قَول الشّعبِيّ.
143 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ قَالَ: " لَا يغرم السَّارِق
إِلَّا أَن يُوجد شَيْء بِعَيْنِه ".
144 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، عَن
الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ قَالَ: " إِذا قطع السَّارِق فَلَيْسَ
عَلَيْهِ تبعة سوى قطع يَمِينه، إِلَّا أَن يُوجد شَيْء بِعَيْنِه ".
145 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن
شُعْبَة، عَن سُفْيَان، عَن رجل، عَن الشّعبِيّ قَالَ: أَنْتُم الَّذين
تضمنون السَّارِق! ؟ يَعْنِي لَا ضَمَان عَلَيْهِ ".
146 - وَحدثنَا حميد بن مسْعدَة الشامري، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن حبيب
الْجرْمِي، عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ عَطاء: " لَيْسَ على السَّارِق غرم
إِلَّا أَن يُوجد بِعَيْنِه ".
147 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
(1/107)
سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء؛
قَالَ: " لَا يغرم السَّارِق ".
148 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا ابْن الْمُبَارك، عَن ابْن
جريج، عَن عَطاء قَالَ: " إِذا قطع لم يتبع فِي السّرقَة، وَإِن كَانَ
مُوسِرًا ".
149 - وَحدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا
خَالِد بن الْحَارِث الهُجَيْمِي، قَالَ: حَدثنَا الْأَشْعَث، عَن الْحسن،
أَنه " كَانَ لَا يضمن السَّارِق ".
150 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، عَن
سعيد، عَن قَتَادَة قَالَ: " لَا يغرم إِلَّا أَن تُوجد بِعَينهَا أَو
قَالَ: لَا يتبع ". وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة مَعَ الْأَثر الَّذِي
ذكرنَا الْقيَاس على إِجْمَاع الْجَمِيع على أَن المحكمة إِذا حَاربُوا أهل
الْعدْل بعد نصب إِمَام لَهُم، فَأَصَابُوا من أَمْوَالهم، ثمَّ ظهر
عَلَيْهِم أهل الْعدْل، أَنهم لَا يتبعُون بغرم مَا كَانُوا قد استهلكوا من
أَمْوَالهم، وهم لَا شكّ أَنهم فِيمَا أَصَابُوا من أَمْوَالهم فاستهلكوها
عَلَيْهِم لَهُم ظلمَة!
قَالُوا: فَكَذَلِك حكم كل مستهلك مَالا لغيره على وَجه الْحَرْب لَهُ مثل
جمَاعَة اجْتمعت من قطاع الطَّرِيق، وَغَيرهم مِمَّن يجب لله عَلَيْهِ
بِفِعْلِهِ ذَلِك حد من الْحُدُود.
قَالُوا: فالسارق المستخفي بِسَرِقَة حكمه فِي ذَلِك حكم قطاع الطَّرِيق
الَّذين يسْقط عَنْهُم الْحَد الَّذِي يُقَام عَلَيْهِم غرم مَا استهلكوا
من أَمْوَال النَّاس إِذا قطع.
(1/108)
وَقَالَ آخَرُونَ: على السَّارِق غرم قيمَة
مَا اسْتهْلك: قطعت يَده أولم تقطع.
(" ذكر من قَالَ ذَلِك ")
151 - حَدثنَا ابْن أبي الشَّوَارِب، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَاحِد، قَالَ
حَدثنَا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد، أَن
إِبْرَاهِيم قَالَ: " يتبع بهَا - يَعْنِي فِي السَّارِق تقطع يَده، وَقد
اسْتهْلك مَا سرق ".
152 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن
شُعْبَة، عَن سُفْيَان، عَن حَمَّاد " أَنه قَالَ فِي السَّارِق يضمن مَا
سرق "
153 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، عَن
الشَّيْبَانِيّ، عَن حَمَّاد فِي السَّارِق تقطع يمنيه، وَقد اسْتهْلك مَا
سرق؟ قَالَ: " يتبعهُ كَمَا يتبع بِالدّينِ ".
154 - وَحدثنَا أَبُو همام الْوَلِيد بن شُجَاع، قَالَ: حَدثنَا
الْمحَاربي، عَن الشَّيْبَانِيّ، عَن حَمَّاد قَالَ: " يتبع كإتباع الدّين
".
155 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا الْأَشْعَث، عَن الْحسن " أَنه كَانَ يضمن السَّارِق ".
156 - حَدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا ابْن الْمُبَارك، عَن خَالِد،
عَن الْحسن قَالَ: سمعته يَقُول: " يتبع بِهِ ".
(1/109)
157 - حَدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا
ابْن الْمُبَارك، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: " يتبع بِهِ ".
وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة الْقيَاس على إِجْمَاع الْجَمِيع على أَن رجلا
لَو غصب مَالا لرجل فاستهلكه، ثمَّ قَامَت لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة مِمَّا
أتلف عَلَيْهِ من مَاله أَنه مقضي عَلَيْهِ بِهِ.
قَالُوا: فالسارق فِي سَرقته مَال من سرق مَاله لن يعدو أَن يكون فِي
استهلاكه مَا سرق من مَال من سرق مَاله فِي معنى الْغَاصِب الْمُسْتَهْلك
مَال من غصب مَاله فِي أَنه لَهُ ضَامِن.
قَالُوا: وحدود الله تَعَالَى ذكره لن تضع عَمَّن لَزِمته حُقُوق بني آدم.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِذا قطع السَّارِق نظر فِيمَا اسْتهْلك من السّرقَة،
فَإِن كَانَ مَلِيًّا بِقِيمَتِه غرمها، وَإِن كَانَ معدما لم يتبع بهَا.
(" ذكر من قَالَ ذَلِك ")
158 - حَدثنِي يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: قَالَ مَالك: "
الْأَمر عندنَا أَن السَّارِق إِذا سرق الْمَتَاع أَنه إِن وجد صَاحب
الْمَتَاع مَتَاعه بِعَيْنِه أَخذه، وَإِن اسْتَهْلكهُ أَخذ مِنْهُ قيمَة
ذَلِك الْمَتَاع يَوْمئِذٍ إِن وجد لَهُ مَال يُؤْخَذ مِنْهُ، ويقام
عَلَيْهِ الْحَد، وَإِن لم يُوجد لَهُ مَال، لم يكن عَلَيْهِ دينا يتبع
بِهِ. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يغرم، وَيقطع! فَإِنَّهُ إِذا وجد
الْمَتَاع عِنْده بِعَيْنِه أَخذ مِنْهُ، وأقيم عَلَيْهِ الْحَد ".
وَالصَّوَاب من القَوْل فِي ذَلِك عندنَا قَول من قَالَ: إِذا قطع
السَّارِق لم يتبع بِضَمَان قيمَة السّرقَة إِن كَانَ قد استهلكها مُوسِرًا
كَانَ بِقِيمَتِهَا أَو مُعسرا؛ لقَوْل الله تَعَالَى ذكره: {وَالسَّارِق
والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبا نكالا من الله} .
(1/110)
فَأوجب - جلّ ثَنَاؤُهُ - على الْمُسلمين
قطع يَده، وَلم يَأْمُرهُم بتغريمه قيمَة مَا سرق مِمَّا قد اسْتهْلك
مِنْهُ، وَلَو كَانَ ذَلِك لَهُ لَازِما لَكَانَ قد عرف عباده لُزُومه
ذَلِك، كَمَا عرفهم وجوب الْقطع عَلَيْهِ: إِمَّا بِنَصّ التَّنْزِيل أَو
بِحكم الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي تَركه
تعريفهم وجوب ذَلِك عَلَيْهِ بِبَعْض مَا ذكرنَا الدّلَالَة الْوَاضِحَة
على أَن ذَلِك عَلَيْهِ غير وَاجِب.
فَإِن ظن ظان أَن فِي بَيَان الله - تَعَالَى ذكره - على لِسَان رَسُوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حكم الْغَاصِب مَال أَخِيه الْمُسلم
المستهلكه عَلَيْهِ الْكِفَايَة من بَيَان الحكم فِي السَّارِق
الْمُسْتَهْلك مَا سرق، إِذا قطعت يَده، إِذْ كَانَ الله - جلّ ثَنَاؤُهُ -
قد جعل مَا أوضح بَيَانه بِالنَّصِّ الْمُحكم دَلِيلا على نَظَائِره مِمَّا
خَفِي فقد أغفل. وَذَلِكَ أَن ذَلِك لَو كَانَ كَمَا ظن لوَجَبَ أَن يكون
حكم المحكمة من أهل الْإِسْلَام إِذا غلبوا على مَال العدلى فاستهلكوه،
ثمَّ ظهر عَلَيْهِم أهل الْعدْل مَضْمُونا على مستهلكه مِنْهُم؛ لِأَن
أَخذهم مَا أخذُوا من ذَلِك واستهلاكهم مَا استهلكوا مِنْهُ بِغَيْر حق
أوجب ذَلِك لَهُم، بل كَانَ ذَلِك مِنْهُم على وَجه التَّعَدِّي وَالظُّلم.
وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع على أَنهم بذلك غير متبعين وَلَا مظلومين بِهِ
فِي عَاجل الدُّنْيَا، الدَّلِيل الْوَاضِح على أَن الْأَمر فِيمَا ظن من
أَن حكم السَّارِق فِي لُزُومه ضَمَان قيمَة مَا اسْتهْلك من سَرقته بعد
قطع يَده حكم الْغَاصِب الْمُسْتَهْلك مَال غَيره، إِلْحَاقًا مِنْهُ حكمه
بِحكمِهِ.
وَيُقَال للمعتل بِمَا ذكرنَا فِي تضمين السَّارِق بعد قطع يَده قيمَة مَا
اسْتهْلك من السّرقَة من حكم الْغَاصِب الْمُسْتَهْلك مَال غَيره مَا قلت
فِي حَرْبِيّ غلب مُسلما على مَال لَهُ فِي حَال حربه ثمَّ أسلم، وَفِي
يَده مِمَّا غلب الْمُسلم عَلَيْهِ بعض، وَبَعض قد اسْتَهْلكهُ، أيتبع
مِمَّا كَانَ قد اسْتهْلك مِنْهُ قبل حَال إِسْلَامه أم لإتباعه للْمُسلمِ
قبله فِي ذَلِك؟ ".
وَقد علمت أَنه لَا ظَالِم وَلَا غَاصِب أظلم مِمَّن جمع مَعَ غصبه
(1/111)
مَا غصب الْكفْر، وَالْحَرب لله،
وَلِرَسُولِهِ، وللمسلمين.
فَإِن زعم أَنه يتبعهُ مَا اسْتهْلك من مَاله ذَلِك فِي حَال حربه، فاد
قَوْله، وَخرج من قَول أهل الْإِسْلَام.
وَإِن زعم أَنه بذلك غير مُتبع، وَلكنه يُؤْخَذ مِنْهُ مَا وجد قَائِما فِي
يَده مِنْهُ؟
قيل لَهُ: فقد تركت الِاسْتِدْلَال بِمَا زعمت أَن فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ
من حكم الله فِي الْغَاصِب الْكِفَايَة على حكم السَّارِق الْمُسْتَهْلك
مَا سرق فِي تَضْمِينه قِيمَته مَعَ قطعه؟
فَهَلا إِن كَانَ الحكم فِي الْغَاصِب دَلِيلا على الحكم فِي السَّارِق
الَّذِي وَصفنَا أمره، استدللت بِحكم الْغَاصِب فِيمَا ألزمته من ضَمَان
قيمَة مَا اسْتهْلك مِمَّا غصب على حكم الْحَرْبِيّ الَّذِي وَصفنَا أمره؟
.
أم إِن قلت: إِن الحكم فِي الْحَرْبِيّ الْمُسْتَهْلك مَال من غلب على
مَاله من الْمُسلمين، فاستهلكه، ثمَّ أسلم أصل فِي أَنه لَا يتبع
بِقِيمَتِه مُخَالف حكم الْغَاصِب جعلت حكم السَّارِق الْمُسْتَهْلك مَا
سرق، إِذا قطع لَهُ نظيرا فِي أَنه غير مُتبع دون إِلْحَاق حكم السَّارِق
الَّذِي وَصفنَا أمره بِحكم الْغَاصِب الَّذِي قلت أولى من إِلْحَاق حكمه
بِحكم الْحَرْبِيّ الَّذِي وَصفنَا حَاله.
فَإِن اعتل بِأَن الْجَمِيع لما كَانُوا مُجْمِعِينَ على أَنه إِذا قطعت
يَده وَالسَّرِقَة الَّتِي سَرَقهَا قَائِمَة فِي يَده، أَنَّهَا
مَأْخُوذَة مِنْهُ، كَانَ فِي ذَلِك دَلِيل على أَنه غَارِم، وَإِن كَانَ
قد استهلكها.
قيل: لَهُ: فَمَا قلت فِي حَرْبِيّ أسلم، وَفِي يَده مَال لمُسلم غَلبه
عَلَيْهِ فِي حَال الشّرك وَالْحَرب: أتحكم عَلَيْهِ برده على الْمُسلم أم
لَا؟ فَإِن قَالَ: لَا أحكم بذلك عَلَيْهِ، ترك قَوْله فِيهِ، وَإِن قَالَ:
بل أحكم عَلَيْهِ برده عَلَيْهِ. قيل لَهُ: أفتحكم عَلَيْهِ بِمَا كَانَ
اسْتَهْلكهُ لَهُ فِي حَال كفره وحربه للْمُسلمين؟ .
(1/112)
فَإِن قَالَ: نعم. خَالف بذلك من قَوْله قَول جَمِيع عُلَمَاء الْأمة.
وَإِن قَالَ: لَا. قيل لَهُ: فقد فرقت بَين حكم مَا كَانَ مَوْجُودا من
ذَلِك فِي يَده بعد إِسْلَامه، وَمَا كَانَ مُسْتَهْلكا مِنْهُ! فَمَا
أنْكرت أَن يكون كَذَلِك حكم مَا كَانَ من السّرقَة مَوْجُودا فِي يَد
السَّارِق بعد قطع يَده مُخَالفا حكم مَا كَانَ مِنْهُ مُسْتَهْلكا بِأَن
يكون مَا كَانَ مِنْهُ مَوْجُودا فِي يَده مأخوذا مِنْهُ، وَمَا كَانَ
مِنْهُ مُسْتَهْلكا فَلَا غرم عَلَيْهِ فِيهِ. ثمَّ سُئِلت الْفرق بَين
ذَلِك من أصل أَو قِيَاس؟ فَمَا يَقُول فِي شَيْء من ذَلِك قولا إِلَّا
ألزم فِي غَيره مثله. وَفِي هَذَا الْخَبَر أَيْضا الدّلَالَة الْوَاضِحَة
على أَن الْقَائِم من السّرقَة فِي يَد السَّارِق مَأْخُوذ مِنْهُ، وَإِن
قطع؛ وَذَلِكَ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا أقيم على السَّارِق الْحَد فَلَا غرم عَلَيْهِ ". وَالْغُرْم
إِنَّمَا هُوَ غرم مَا اسْتَهْلكهُ أَو قِيمَته؛ وَذَلِكَ أَنه لَا يُقَال:
غرم فلَان لفُلَان شَيْئا. بِمَعْنى: رد عَلَيْهِ مَا أَخذه مِنْهُ
بِعَيْنِه. وَإِنَّمَا يُقَال: غرم لَهُ مَا اسْتَهْلكهُ عَلَيْهِ. فَإذْ
كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا أَزَال عَنهُ
بِالْقطعِ الْغرم فمعلوم أَن مَا لَا يسْتَحق أَن يُقَال: إِذا أَخذ مِنْهُ
من مَال الْمَسْرُوق مِنْهُ الْمَوْجُود قَائِما فِي يَده غرمه أَنه
مَأْخُوذ مِنْهُ.
وَبِالَّذِي قُلْنَا من ذَلِك قَالَ السّلف من أهل الْعلم، وَأجْمع
عَلَيْهِ مِنْهُم الْخلف. |