تهذيب
الآثار الجزء المفقود (" ذكر بعض من حَضَرنَا ذكره مِمَّن قَالَ
ذَلِك من السّلف ")
159 - حَدثنَا ابْن أبي الشَّوَارِب، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَاحِد، قَالَ:
حَدثنَا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، قَالَ: سَمِعت عَامِرًا يَقُول: "
السَّارِق يقطع، وَيُؤْخَذ مَا وجد عِنْده من الْمَتَاع بِعَيْنِه ".
160 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ: أخبرنَا
(1/113)
الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ أَنه كَانَ
يَقُول فِي السَّارِق: " إِن وجدت السّرقَة عِنْده بِعَينهَا أخذت مِنْهُ،
وَقطعت يَده ".
161 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، والمحاربي عَن
الشَّيْبَانِيّ، عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ ذَلِك.
162 - حَدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا ابْن الْمُبَارك، عَن ابْن جريج،
عَن عَطاء أَنه قَالَ ذَلِك.
163 - وَحدثنَا أَبُو همام، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ: قَالَ مُغيرَة،
عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ ذَلِك.
وَفِي هَذَا الْخَبَر - أَيْضا - الدّلَالَة الْوَاضِحَة على أَن السَّارِق
إِذا سرق مَالا يجب عَلَيْهِ فِيهِ قطع أَو مَا يجب فِي مثله الْقطع إِلَّا
أَنه زَالَ عَنهُ الْقطع بِسَبَب شُبْهَة أَو غَيرهَا، أَنه يلْزمه غرم مَا
كَانَ قد اسْتهْلك من السّرقَة لصَاحبه الْمَسْرُوق مِنْهُ، وَيُؤْخَذ
مِنْهُ مَا وجد مِنْهَا قَائِما فِي يَده، وَذَلِكَ أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أقيم على السَّارِق الْحَد
فَلَا غرم عَلَيْهِ ". فأزال عَنهُ غرم مَا اسْتَهْلكهُ بِالْحَدِّ الَّذِي
يُقَام عَلَيْهِ.
فَإِذا لم يقم عَلَيْهِ الْحَد، وَلم يكن عَلَيْهِ وَاجِبا، فَلَا شكّ أَن
عَلَيْهِ الْغرم.
وَبِذَلِك من القَوْل قَالَ الْجَمِيع من سلف عُلَمَاء هَذِه الْأمة
وَخَلفهَا. وَفِي هَذَا الْخَبَر أَيْضا: الدّلَالَة على أَن قَول الله -
تَعَالَى ذكره - {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} : مُرَاد
بِهِ بعض السراق دون بعض؛ وَذَلِكَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أقيم على السَّارِق الْحَد " أَن من السراق من
لَا يُقَام عَلَيْهِ الْحَد؛ وَإِنَّمَا لَا يُقَام ذَلِك عَلَيْهِ
لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ لأقيم عَلَيْهِ.
(1/114)
وَفِيه - أَيْضا - الدّلَالَة الْبَيِّنَة
على أَن السَّارِق إِذا سرق من جمَاعَة شَتَّى سرقات مفترقة أَو من وَاحِد
مَرَّات، فاستهلك بعض ذَلِك، أدْرك بعضه قَائِما فِي يَده ثمَّ قطعت يَده
فِي آخر ذَلِك، أَنه لَا يتبع بغرم شَيْء كَانَ اسْتهْلك قبل؛ ذَلِك
لإِجْمَاع الْجَمِيع على أَنه إِذا أَخذ وَقد سرق مَرَّات كَثِيرَة فِي كل
مرّة من ذَلِك مَا يجب فِي مثله الْقطع، ثمَّ أَخذ بعد ذَلِك أَنه لَا يجب
إِلَّا قطع يَده الْيُمْنَى إِن كَانَت مَوْجُودَة، فمعلوم بذلك أَن ذَلِك
الْقطع قطع للمرات الْكَثِيرَة الَّتِي سلفت مِنْهُ قبل ذَلِك الَّتِي سرق
فِي كل مرّة مِنْهَا مَا يجب فِي مثله الْقطع، فَسقط عَنهُ بذلك غرم كل مَا
اسْتَهْلكهُ من السرق قبل الْقطع.
وَلَو كَانَ ذَلِك قطعا لسرقته مَا سرق مَا يجب فِي مثله الْقطع لمرة
وَاحِدَة، لوَجَبَ عَلَيْهِ الْقطع لسَائِر المر الَّتِي سرق فِيهَا مثل
ذَلِك، لقطع حَتَّى يُؤْتى على الْأَعْضَاء الَّتِي يجب قطعهَا فِي السرق
يعودهُ فِيهَا مرّة بعد مرّة، وظفر الإِمَام بِهِ فِي كل مرّة من ذَلِك.
وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع على أَنه غير وَاجِب ذَلِك عَلَيْهِ، وَأَن
الَّذِي يقطع مِنْهُ إِذا ظفر بِهِ، وَقد سرق مائَة مرّة أَو أقل أَو أَكثر
فِي كل ذَلِك مَا يجب فِي مثله الْقطع عُضْو وَاحِد من الْأَعْضَاء الَّتِي
أَمر الله - جلّ ثَنَاؤُهُ - بقطعها من السَّارِق الدَّلِيل الْوَاضِح على
أَن ذَلِك قطع لجَمِيع المر الَّتِي سرق فِيهَا قبل ذَلِك.
فَكَانَ بِكَوْنِهِ كَذَلِك زائلا عَنهُ غرم كل مَا اسْتهْلك مِمَّا كَانَ
سرق قبل ذَلِك الْقطع، بِالْقطعِ الَّذِي قطعه؛ إِذْ كَانَ ذَلِك قطعا
لجَمِيع المر الَّتِي تقدّمت قبل ذَلِك وَيُقَال لمن أنكر مَا قُلْنَا فِي
ذَلِك فَزعم أَن السَّارِق إِذا قطعت يَده بعد سرق مَرَّات كَثِيرَة
تقدّمت، فَإِنَّمَا هُوَ قطع للسرق رفع فِيهِ.
فَإِن كَانَ مَا سرق فِي تِلْكَ الْمرة قَائِما فِي يَده مَوْجُودا،
فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ وتقطع يَده، وَيغرم كل مَا كَانَ اسْتهْلك من
سَرقَة سَرَقهَا قبل ذَلِك مِمَّا لم يكن قطع فِيهِ.
(1/115)
وَإِن كَانَ مَا قطع فِيهِ من السّرقَة قد
اسْتَهْلكهُ مَعَ سَائِر مَا سرق قبل ذَلِك؛ فَإِنَّهُ لَا يتبع بغرم مَا
قطع فِيهِ، وَيغرم سَائِر مَا سرق قبل ذَلِك مِمَّا لم يقطع فِيهِ، وَإِن
كَانَ قد اسْتَهْلكهُ.
مَا الْبُرْهَان على صِحَة مَا قلت من أَن الْقطع الَّذِي قطعه السَّارِق
الَّذِي وَصفنَا أمره قطع لما رفع فِيهِ إِلَى السُّلْطَان من الْمرة
الْوَاحِدَة، دون أَن يكون قطعا لجَمِيع المر الَّتِي سرق قبل الْقطع؟
وَمَا قلت فِي شَارِب من الْمُسلمين وجد يشرب خمرًا، فَشهد عَلَيْهِ
عَدْلَانِ من الْمُسلمين أَنهم رَأَوْهُ شرب عشرَة أقداح مِنْهَا فِي
مجْلِس وَاحِد، وَاحِدًا بعد وَاحِد؟ أَو شَهدا عَلَيْهِ أَنَّهُمَا رأياه
شرب قدحا وَاحِدًا فِي أنفاس متقطعة: عشرَة يتحساها فِي كل مرّة، ثمَّ
يقطع، ثمَّ يعود، فتحساها حَتَّى فعل ذَلِك مَرَّات عشرا: أحد وَاحِد
عَلَيْهِ أم عشرَة حُدُود؟
فَإِن قَالُوا: حد وَاحِد. قيل لَهُم: فأخبرونا عَن ذَلِك الْحَد
الْوَاحِد: أحد لجَمِيع الشّرْب فِي الأنفاس والأقداح الْعشْرَة أم ذَلِك
حد لأوّل جرعة تجرع مِنْهَا؟
فقد علمْتُم أَن الْحَد قد وَجب عَلَيْهِ بِأول جرعة مِنْهَا؛ فَإِن
زَعَمُوا أَن ذَلِك حد لشربه مَا شرب من ذَلِك فِي أول نفس، وَأول قدح {قيل
لَهُم: فَمَا شَأْن شربه فِي الأنفاس والأقداح الْأُخَر؟ أموضوع عَنهُ
فِيهِ الْحَد، فَلَا حد عَلَيْهِ فِيهِ، أم عَلَيْهِ لكل جرعة تجرع من
ذَلِك حد غير الْحَد فِي الجرعة الْأُخْرَى؟ فَإِن زعم أَن عَلَيْهِ لكل
جرعة تجرع من ذَلِك حدا غير الْحَد فِي الجرعة الْأُخْرَى غَيرهَا} خرج من
قَول جَمِيع الْأمة، وناقض فِي قَوْله فِي السَّارِق: أَن عَلَيْهِ إِذا
رفع، وَقد سرق مَرَّات كَثِيرَة، فِي كل مرّة من ذَلِك مَا يجب فِي مثله
الْقطع، قطع يَد وَاحِدَة! وَقيل: فَهَلا أوجبت - أَيْضا - على السَّارِق
لكل مرّة سرق قبل الرّفْع إِلَى الإِمَام مَا يجب فِي مثله الْقطع، قطعا
غير الْقطع الَّذِي أوجبته لغَيْرهَا؟
(1/116)
ثمَّ نعكس عَلَيْهِ القَوْل فِي ذَلِك،
فَلَنْ يَقُول فِي أَحدهمَا قولا إِلَّا ألزم فِي الآخر مثله!
وَإِن قَالَ: بل الْحَد عَنهُ لكل جرعة تجرعها، وَلكُل شربة شربهَا فِي
الأنفاس والأقداح الْعشْرَة مَوْضُوع إِذا هُوَ حد فِي جرعة من ذَلِك، زعم
أَلا حد على شَارِب جابية من خمر بعد تجرعه مِنْهَا جرعة وَاحِدَة فِي أول
حَال شربه مِنْهَا تِلْكَ الجرعة، فَيُقَال لَهُ حِينَئِذٍ: فَمَا جعل
الْحَد إِذا أقيم عَلَيْهِ بِأَن يكون حدا لأوّل جرعة من ذَلِك بِأولى من
أَن يكون حدا للجرعة الْخَامِسَة أَو الْعَاشِرَة أَو لآخر شربة مِنْهَا.
وَسُئِلَ الْفرق بَين ذَلِك؟
وَسُئِلَ - أَيْضا - كَذَلِك فِي السَّارِق الَّذِي رفع، وَقد سرق مَرَّات
عشرا إِذا قطع فِي آخر ذَلِك، فَيُقَال لَهُ: مَا جعل ذَلِك الْقطع بِأَن
يكون قطعا فِيمَا رفع فِيهِ من السرق بِأولى مِنْهُ بِأَن يكون قطعا فِيمَا
سرق قبل ذَلِك.
وَيُقَال لَهُ: أَرَأَيْت الْمَسْرُوق مِنْهُم - الْعشْرَة - لَو حَضَرُوا
جَمِيعًا وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُم الْبَيِّنَة العادلة على سَرقَة،
مِنْهُ مَا يجب فِيهِ الْقطع، أَلَسْت تقطعه قطعا وَاحِدًا، وَتبين مِنْهُ
عضوا وَاحِدًا؟ فَإِن قَالَ: نعم. قيل لَهُ: أفلبعضهم تقطعه أم لجميعهم؟ .
فَإِن قَالَ: لبَعْضهِم. قيل لَهُ: لأيهم تقطعه؟ الأول من سرق مِنْهُ أَو
لأوسطهم أَو لآخرهم؟ فَإِن قَالَ: لأولهم أَو لأوسطهم؟ قيل لَهُ: فَمَا
جعله أَحَق بِأَن يقطع لَهُ من الآخرين غَيره، وَقد سرق من كل وَاحِد
مِنْهُم مَا يجب فِي مثله الْقطع، وكل قد اسْتهْلك مَا سرق مِنْهُ؟ وكل
يَقُول: أُرِيد الْغرم وَقِيمَة مَا سرق مني، وَلَا أُرِيد قطعه؟
مَا أَنْت صانع أتضمنه قيم جَمِيع مَا سرق مِنْهُم، وتدرأ عَنهُ الْقطع؟ أم
تقطعه، وتضمنه قيمَة كل مَا سرق من كل وَاحِد مِنْهُم.
(1/117)
فَإِن قَالَ: لَا أقطعه، وأضمنه قيمَة كل
مَا سرق من كل إِنْسَان مِنْهُم؟ خرج من قَول جَمِيع الْأمة، وَخَالف نَص
كتاب ربه فِي دراءة الْقطع عَن السَّارِق الَّذِي لَا خلاف بَين الْأمة فِي
وجوب الْقطع عَلَيْهِ.
وَإِن قَالَ: أقطعه، وأضمنه قيمَة كل مَا سرق لكل إِنْسَان مِنْهُم مِمَّا
هُوَ مستهلك؟ نَاقض فِي ذَلِك من قَوْله؛ لِأَن من قَوْله: إِن السَّارِق
إِذا قطع لم يلْزمه غرم مَا قد اسْتَهْلكهُ مِمَّا سرق، فَقطع فِيهِ.
وَهُوَ لَا شكّ إِنَّمَا قطع فِي بعض السرقات الَّتِي رفع فِيهَا أَو فِي
جَمِيعهَا، وَفِي غَيرهَا؟
وَأي ذَلِك كَانَ فِيهِ الْقطع، فقد وَجب على قَوْله سُقُوط غرم مَا قطع
فِيهِ من ذَلِك، وَفِي تَضْمِينه قيمَة جَمِيعه الْبَيَان الْبَين أَنه قد
نَاقض وَترك قَوْله بإلزامه غرم قيمَة مَا قد استهكله، مَعَ قطعه إِيَّاه
فِيهِ.
وَفِي خُرُوج قَوْله من الصِّحَّة بِمَا ذكرنَا الدَّلِيل الْوَاضِح على
أَن قطعه لجَمِيع السرقات الَّتِي سرق قبل الْقطع، وَألا ضَمَان عَلَيْهِ
لشَيْء اسْتَهْلكهُ من سرقاته الَّتِي سَرَقهَا قبل ذَلِك.
وَكَذَلِكَ القَوْل فِي شرب الْخمر، وَسَائِر مَا يجب فِيهِ الْحَد الَّذِي
هُوَ من حُدُود الله تَعَالَى ذكره الَّتِي لَا حق فِيهَا لآدَمِيّ.
وَفِي هَذَا الْخَبَر - أَيْضا - الدّلَالَة الْبَيِّنَة على صِحَة قَول
الْقَائِلين: إِن الْمُحَارب من أهل الْإِسْلَام إِذا أقيم عَلَيْهِ حد
الله الَّذِي أوجب على الْأَئِمَّة إِقَامَته عَلَيْهِ فِي نَفسه، أَنه لَا
يتبع بِشَيْء مِمَّا اسْتهْلك فِي حَال حرابته وتلصصه من مَال من قطع
عَلَيْهِ الطَّرِيق؛ فَأخذ مَاله، وَذَلِكَ أَن الْمُحَارب الَّذِي وَصفنَا
أمره لص، كَمَا السَّارِق مَال غَيره مستخفيا بسرقته لص سَارِق.
وَفِي عُمُوم قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
السَّارِق إِذا أقيم عَلَيْهِ الْحَد فَلَا غرم عَلَيْهِ "؛ كل سَارِق:
الْبَيَان الْبَين أَن ذَلِك حكم الْمُحَارب، وَغَيره من السراق.
(1/118)
فَإِن قَالَ لنا قَائِل: فَإِن كَانَ
الْأَمر فِي السَّارِق كَالَّذي وصفت من أَنه إِذا قطع فِيمَا سرق، لم
يُكَلف غرم مَا اسْتهْلك من السّرقَة؟ فَمَا وَجه إلزامك الْغَاصِب
امْرَأَة نَفسهَا حَتَّى يَزْنِي بهَا؛ مهر مثلهَا مَعَ الْحَد الَّذِي
توجبه عَلَيْهِ فتجمع عَلَيْهِ - مَعَ الْحَد - الْغرم؟
قيل لَهُ: إِن الْجَانِي عَلَيْهِ لَهَا صدَاق مثلهَا مَعَ الْحَد الَّذِي
ألزمهُ، غير مشبه الْجَانِي على السَّارِق مَعَ الْحَد غرم مَا اسْتهْلك من
قيمَة السّرقَة لَو كنت بِهِ قَائِلا.
وَذَلِكَ أَنِّي إِذا تركت تغريم السَّارِق قيمَة مَا اسْتَهْلكهُ بقطعي
إِيَّاه فِي سَرقَة لم أوجب على الْمَسْرُوق بِهِ شَيْئا فِي حَال من
الْأَحْوَال.
وَأَنا إِذا تركت تغريم الزَّانِي للَّتِي زنى بهَا مهر مثلهَا، أَقمت
عَلَيْهَا الْحَد فِي بعض الْأَحْوَال - بِإِجْمَاع الْأمة جَمِيعهَا -
وَتلك حَال مطاوعتها إِيَّاه حَتَّى تكون زَانِيَة كَمَا هُوَ زَان.
فَلَمَّا كَانَت الْمَرْأَة إِذا نكحت لَا تَخْلُو من إِحْدَى حالتين:
من أَن تكون زَانِيَة عَلَيْهَا الْحَد، وَإِذا كَانَت كَذَلِك لم يكن
لَهَا مهر مثلهَا فِي قَول الْجَمِيع.
أَو غير زَانِيَة، لَا حد عَلَيْهَا، وَإِذا لم يكن عَلَيْهَا الْحَد،
كَانَ لَهَا مهر مثلهَا، كالموطوءة بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد، وعَلى وَجه
الشُّبْهَة، ثمَّ كَانَت الْمَغْصُوبَة نَفسهَا مَوْطُوءَة لَا حد
عَلَيْهَا، كَانَ لَهَا مهر مثلهَا، وَإِن حددت الزَّانِي بهَا فَلم يبطل
حَقّهَا الَّذِي باستحقاقها إِيَّاه أدرأ عَنْهَا الْحَد بإقامتي الْحَد
على واطئها فجورا.
وَهُوَ بعد ذَلِك غير مستهلك لَهَا ملكا، فَيُقَال لنا إِذا فعلنَا ذَلِك:
قد جمعت عَلَيْهِ مَعَ الْحَد فِي الْفِعْل الَّذِي فعله غرم قيمَة مَا
اسْتهْلك على الْمَرْأَة بِفِعْلِهِ الَّذِي اسْتوْجبَ بِهِ الْحَد فَبين
بذلك افْتِرَاق حكمهمَا، وَبعد اشْتِبَاه أَمرهمَا، وَأَنه غير جَائِز
تَمْثِيل حكم أَحدهمَا بِحكم الآخر.
(1/119)
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
164 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم الْمصْرِيّ، قَالَ:
حَدثنَا ابْن أبي فديك قَالَ: حَدثنِي ابْن أبي ذِئْب، عَن مُسلم بن
جُنْدُب، عَن نَوْفَل بن إِيَاس الْهُذلِيّ، أَنه قَالَ: " كَانَ عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف لنا جَلِيسا، وَكَانَ نعم الجليس. وَإنَّهُ انْقَلب
بِنَا ذَات يَوْم حَتَّى إِذا دَخَلنَا بَيته دخل بَيته، فاغتسل ثمَّ خرج،
فَجَلَسَ مَعنا، وأتانا بِصَحِيفَة فِيهَا خبز وَلحم فَلَمَّا وضعت بَكَى
عبد الرَّحْمَن فَقلت: يَا أَبَا مُحَمَّد {مَا يبكيك؟
فَقَالَ: هلك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم
يشْبع هُوَ وَأهل بَيته من خبز الشّعير، فَلَا أرانا أخرنا لهَذَا لما هُوَ
خير لنا} ".
(1/120)
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلل:
إِحْدَاهَا: أَن نَوْفَل بن إِيَاس غير مَعْرُوف عِنْدهم فِي نقلة الْعلم
والْآثَار {
وَالثَّانيَِة: أَن ابْن أبي فديك عِنْدهم غير مرضِي فِي نَقله}
وَالثَّالِثَة: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ عِنْدهم مخرج عَن عبد الرَّحْمَن،
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا
الْوَجْه، وَالْخَبَر إِذا انْفَرد بِهِ - عِنْدهم - مُنْفَرد، وَجب التثبت
فِيهِ {وَهَذَا خبر قد مضى قبل فِي كتَابنَا هَذَا نَظَائِره، وَبَيَان مَا
فِي ذَلِك كُله من الْفِقْه والمعاني، فكرهنا إِعَادَته}
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
165 - حَدثنِي مُحَمَّد بن خَالِد بن خلي الْحِمصِي، قَالَ: حَدثنَا بشر بن
شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن أَبِيه، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي
أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، أَنا أَبَا رداد اللَّيْثِيّ، أخبرهُ عَن
عبد الرَّحْمَن بن
(1/121)
عَوْف، أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى:
أَنا الرَّحْمَن، وَأَنا خلقت الرَّحِم، واشتققت لَهَا من اسْمِي، فَمن
وَصلهَا وصلته، وَمن قطعهَا بتته ".
(1/122)
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده، وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلل:
إِحْدَاهَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج يَصح عَن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من
هَذَا الْوَجْه، وَالْخَبَر إِذا انْفَرد بِهِ - عِنْدهم - مُنْفَرد، وَجب
التثبت فِيهِ.
وَالثَّانيَِة: أَنه خبر قد حدث بِهِ - عَن الزُّهْرِيّ -، عَن أبي سَلمَة
بن عبد الرَّحْمَن - جمَاعَة، فَلم يدخلُوا بَينه وَبَين أَبِيه - أَبَا
الرداد، وَجعلُوا الْخَبَر مُرْسلا عَنهُ، عَن أَبِيه!
وَالثَّالِثَة: أَنهم قَالُوا: لَا يعرف أَبُو الرداد فِي حَملَة الْعلم،
وَلَا تثبت بِمَجْهُول حجَّة.
وَالرَّابِعَة: أَنه خبر قد حدث - عَن أبي سَلمَة - غير الزُّهْرِيّ،
فَقَالَ فِيهِ: عَنهُ، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذَلِكَ دَلِيل - عِنْدهم - على وهائه.
(1/123)
(" ذكر من روى هَذَا الحَدِيث عَن
الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، فَأرْسلهُ عَنهُ، عَن أَبِيه، وَلم يَجْعَل
بَينه وَبَين أَبِيه أَبَا الرداد ")
166 - حَدثنَا عَمْرو بن عبد الحميد الإملي قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان، عَن
الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، أَن أَبَا رداد اشْتَكَى، فعاده عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، فَقَالَ: خَيرهمْ وأوصلهم - مَا علمت - أَبُو
مُحَمَّد. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: أَنا الله،
وَأَنا الرَّحْمَن، خلقت الرَّحِم، وشققت لَهَا من اسْمِي، فَمن وَصلهَا
وصلته، وَمن قطعهَا قطعته ".
167 - وحَدثني جَابر بن الْكرْدِي الوَاسِطِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
سُفْيَان الْحميدِي، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ،
عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَن أَبَاهُ عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف عَاد أَبَا الرداد اللَّيْثِيّ، فَقَالَ أَبُو الرداد: خَيرهمْ، مَا
علمت أَبُو مُحَمَّد! فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أما إِنِّي سَمِعت رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " قَالَ الله عز
وَجل: إِنِّي أَنا الله الَّذِي خلقت الرَّحِم، وشققت لَهَا شُعْبَة أَو
شقة - قَالَ أَبُو جَعْفَر: أَنا أَشك - من اسْمِي، وَأَنا الرَّحْمَن،
وَهِي
(1/124)
الرَّحِم، فَمن وَصلهَا وصلته، وَمن قطعهَا
بتته ".
(" ذكر من روى هَذَا الْخَبَر عَن أبي سَلمَة فَقَالَ فِيهِ: عَنهُ عَن أبي
هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
168 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى:
أَنا الرَّحْمَن، وَهِي الرَّحِم، شققت لَهَا من اسْمِي، فَمن يصلها أَصله،
وَمن يقطعهَا أقطعه فأبته ".
(1/125)
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَل حدث هَذَا
الحَدِيث عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، غير أبي الرداد؟ قيل: قد رَوَاهُ
عَنهُ بعض من لم يسم لنا اسْمه على اضْطِرَاب من نقلته فِي سَنَده!
وَذَلِكَ:
169 - مَا حَدثنِي مُحَمَّد بن عمَارَة الْأَسدي، قَالَ: حَدثنَا سعد بن
حَفْص الطلحي، قَالَ: حَدثنَا شَيبَان، عَن يحيى، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد
الله بن قارظ، أَن رجلا أخبرهُ، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَنه سمع
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " قَالَ الله
تبَارك وَتَعَالَى: إِنِّي أَنا الرَّحْمَن، وَهِي الرَّحِم، وشققت لَهَا
من اسْمِي، فَمن يصلها أَصله، وَمن يقطعهَا أقطعه، وَمن يبتتها أبتته ".
170 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، قَالَ: حَدثنَا بشر بن
بكر، عَن الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ: حَدثنِي يحيى بن أبي كثير، عَن عبد الله
بن مُحَمَّد، قَالَ: أقبل قريب لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف يعودهُ، فَقَالَ
لَهُ عبد الرَّحْمَن: وصلتك رحم؛ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/126)
يَقُول: " قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى:
أَنا الرَّحْمَن خلقت الرَّحِم، واشتققت لَهَا من اسْمِي، فَمن يصلها
أَصله، وَمن يقطعهَا أقطعه ".
171 - وحَدثني الْعَبَّاس بن الْوَلِيد الغدري، قَالَ: أَخْبرنِي أبي،
قَالَ حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أبي كثير، عَن عبد
الله بن مُحَمَّد، قَالَ: دخل قريب لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف يعودهُ،
فَقَالَ: وصلتك رحم، إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: أَنا الرَّحْمَن،
خلقت الرَّحِم، واشتققت لَهَا من اسْمِي، فَمن يصلها أَصله، وَمن يقطعهَا
أقطعه ".
وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِغَيْر هَذِه الْأَلْفَاظ غير أَن
فِي إِسْنَاده بعض من لَا يعْتَمد على رِوَايَته!
(ذكر ذَلِك)
172 - حَدثنِي مُحَمَّد بن سِنَان الْقَزاز، قَالَ: حَدثنَا مُسلم بن
إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا كثير بن عبد الله الْيَشْكُرِي، قَالَ:
حَدثنِي الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي، عَن أَبِيه، قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثَلَاثَة
تَحت الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة:
(1/127)
الْقُرْآن يحاج الْعباد، لَهُ ظهر وبطن،
وَالْأَمَانَة، وَالرحم تنادي: أَلا من وصلني وَصله الله، وَمن قطعني قطعه
الله ".
(1/128)
وَقد وَافق عبد الرَّحْمَن فِي رِوَايَة
هَذَا الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
جمَاعَة من أَصْحَابه، نذْكر مَا حَضَرنَا من ذَلِك ذكره، مِمَّا صَحَّ
عندنَا سَنَده.
(" ذكر ذَلِك ")
173 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن
عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرَّحِم
شجنة آخذة بحجزة الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة: لَهَا لِسَان ذلق تَقول:
يَا رب! صل من وصلني، واقطع من قطعني ".
(1/129)
174 - حَدثنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق،
قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْيَمَان، قَالَ: أخبرنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة،
قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن أبي حُسَيْن، قَالَ: حَدثنَا نَوْفَل بن مساحق،
عَن سعيد بن زيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَنه كَانَ يَقُول: " إِن هَذِه الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن، فَمن قطعهَا
حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة ".
175 - حَدثنِي إِسْحَاق بن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا
زَكَرِيَّا بن عدي، قَالَ: حَدثنَا حَاتِم، عَن مُعَاوِيَة بن أبي مزرد،
عَن يزِيد بن رُومَان، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرَّحِم شجنة من
الرَّحْمَن، فَمن وَصلهَا وَصله، وَمن قطعهَا قطعه ".
(1/130)
176 - حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد
الْجَوْهَرِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الْغفار، عَن لَيْث، عَن ابْن الْهَاد،
عَن مُعَاوِيَة، عَن يزِيد بن رُومَان، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله.
177 - وَحدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن مُعَاوِيَة بن أبي
مزرد، عَن يزِيد بن رُومَان، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرَّحِم معلقَة
بالعرش تَقول: من وصلني وَصله الله، وَمن قطعني قطعه الله ".
178 - وحَدثني يُونُس؛ قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي
سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن مُعَاوِيَة بن أبي مزرد، عَن يزِيد بن رُومَان،
عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " الرَّحِم شجنة من الله، من وَصلهَا وَصله الله، وَمن
قطعهَا قطعه ".
179 - وحَدثني ابْن عبد الرَّحِيم البرقي، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي
مَرْيَم، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر وَسليمَان بن بِلَال قَالَا:
حَدثنَا مُعَاوِيَة بن
(1/131)
أبي المزرد الْمَدِينِيّ، عَن سعيد بن
يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " خلق الله الْخلق، فَلَمَّا فرغ مِنْهُم، تعلّقت
الرَّحِم بحقوي الرَّحْمَن، فَقَالَ: مَه؟ فَقَالَت: هَذَا مقَام عَائِذ بك
من القطعية {قَالَ: فَمَا ترْضينَ أَن أقطع من قَطعك، وأصل من وصلك؟
قَالَت: بلَى} قَالَ: فَذَلِك لَك ".
قَالَ سُلَيْمَان فِي حَدِيثه: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اقرأوا إِن شِئْتُم:
{فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض، وتقطعوا أَرْحَامكُم} .
180 - حَدثنِي أَبُو عَاصِم الْأنْصَارِيّ: عمرَان بن مُحَمَّد، قَالَ:
حَدثنَا عبد الْكَبِير بن عبد الْمجِيد، قَالَ: حَدثنَا مُعَاوِيَة بن أبي
مزرد الْمدنِي، قَالَ: حَدثنِي عمي سعيد أَبُو الْحباب، قَالَ: سَمِعت
أَبَا هُرَيْرَة يخبر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: " إِن الله - جلّ وَعز - خلق الْخلق حَتَّى فرغ من خلقه،
فَقَامَتْ الرَّحِم، فَأخذت بحقوي الرَّحْمَن، فَقَالَ: مَه؟ قَالَت: هَذَا
مقَام العائذ من القطيعة؟ قَالَ: نعم.
(1/132)
أما ترْضينَ أَن أصل من وصلك، وأقطع من
قَطعك ". اقرأوا إِن شِئْتُم: {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي
الأَرْض} إِلَى أقفالها.
181 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن مُعَاوِيَة بن أبي
مزرد، عَن رجل لم يسمه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله حِين خلق الْخلق، قَامَت
الرَّحِم فَقَالَت: هَذَا مقَام العائذ بك من القطعية فَقَالَ تبَارك
وَتَعَالَى: " ترْضينَ أَن أقطع من قَطعك، وأصل من وصلك؟ قَالَت: نعم ".
واقرؤا إِن شِئْتُم: {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض
وتقطعوا أَرْحَامكُم} .
182 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أخبرنَا سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن مُعَاوِيَة بن أبي مزرد، عَن أبي
الْحباب سعيد بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " خلق الله الْخلق، فَلَمَّا فرغ
مِنْهُ، قَامَت الرَّحِم، فَقَالَ الله: مَه؟ فَقَالَت: هَذَا مقَام العائذ
من القطعية؟ فَقَالَ: نعم. أَلا ترْضينَ أَن أصل من وصلك، وأقطع من قَطعك؟
قَالَت: بلَى! قَالَ: فَذَلِك لَك ". ثمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فاقرؤوا
إِن شِئْتُم: {فَهَل عسيتم إِن توليتم
(1/133)
أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا
أَرْحَامكُم} .
183 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن بكير، قَالَ: حَدثنِي
ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر، عَن يحيى بن عبد الله
بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن حزم، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سَمِعت رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " الرَّحِم شجنة آخذة
بحقو الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة، تَقول: اللَّهُمَّ {صل من وصلني، واقطع
من قطعني ".
184 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي،
قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار، قَالَ: سَمِعت
مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، يحدث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الرَّحِم شجنة من
الله، تَقول: رب} إِنِّي قطعت {إِنِّي أُسِيء إِلَيّ} فَيَقُول: أما
ترْضينَ أَن أصل من وصلك، وأقطع من قَطعك؟ ".
(1/134)
185 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنِي عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ:
حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار، قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن كَعْب،
قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر نَحوه.
186 - حَدثنِي مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ، قَالَ: حَدثنَا آدم، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن بشير بن
يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن تعلّقت بحقوي
الرَّحْمَن، تَقول: اللَّهُمَّ! صل من وصلني، واقطع من قطعني ".
187 - وحَدثني أَحْمد بن عُثْمَان بن عبد النُّور، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي زِيَاد بن سعد، عَن
صَالح مولى التَّوْأَمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/135)
: " الرَّحِم شجنة آخذة بحجزة الرَّحْمَن،
يصل من وَصلهَا، وَيقطع من قطعهَا ".
188 - حَدثنِي سُلَيْمَان بن ثَابت الجزار الوَاسِطِيّ، قَالَ: أخبرنَا
سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن أبي قَابُوس، عَن عبد الله بن عَمْرو - يبلغ
بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الراحمون
يرحمهم الرَّحْمَن، ارحموا أهل الأَرْض، يَرْحَمكُمْ أهل السَّمَاء،
الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن من وَصلهَا وصلته، وَمن قطعهَا بتته ".
(1/136)
189 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى،
قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يحدث عَن
عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي قَابُوس، عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَحْوِهِ.
190 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنَا ابْن
عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي قَابُوس، عَن عبد الله بن
عَمْرو - يرفعهُ - قَالَ: " إِن الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن، فَمن وَصلهَا
وَصله الله، وَمن قطعهَا قطعه الله ".
191 - حَدثنِي أَحْمد بن عبد الصَّمد الْأنْصَارِيّ، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن أبي قَابُوس، عَن عبد الله بن عَمْرو - يبلغ
بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الرَّحِم
شجنة من الرَّحْمَن ".
192 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن وَاضح، قَالَ: حَدثنَا
فطر، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الرَّحِم معلقَة بالعرش، وَلَيْسَ
الْوَاصِل بالمكافئ، وَلَكِن الْوَاصِل الَّذِي إِذا قطعت رَحمَه وَصلهَا
".
(1/137)
193 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
وَكِيع ويعلى، عَن فطر، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرَّحِم معلقَة
بالعرش، وَلَيْسَ الْوَاصِل بالمكافئ، وَلَكِن الْوَاصِل الَّذِي إِذا قطعت
رَحمَه وَصلهَا ".
194 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا حُسَيْن، عَن زَائِدَة، عَن فطر،
عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ فِي حَدِيثه: عَن
حُسَيْن: " وَلَكِن الْوَاصِل الَّذِي إِذا انْقَطَعت رَحمَه وَصلهَا ".
195 - حَدثنَا ابْن بشار وَابْن سِنَان الْقَزاز - وَاللَّفْظ لِابْنِ بشار
- قَالَا: حَدثنَا الْحجَّاج بن الْمنْهَال، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن
سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي ثُمَامَة الثَّقَفِيّ، عَن عبد الله بن
عَمْرو، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/138)
قَالَ - قَالَ ابْن بشار فِي حَدِيثه "
تَجِيء الرَّحِم ". وَقَالَ ابْن سِنَان فِي حَدِيثه " تُوضَع الرَّحِم "
يَوْم الْقِيَامَة لَهَا حجنة كحجنة المغزل، فَتكلم بألسنة طلق ذلق، فتصل
من وَصلهَا، وتقطع من قطعهَا ".
196 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنِي مهنا أَبُو شبْل، قَالَ: حَدثنَا
حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي ثُمَامَة الثَّقَفِيّ، عَن عبد
الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِمثلِهِ.
(1/139)
197 - وحَدثني ابْن سِنَان الْقَزاز،
قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق إِسْمَاعِيل بن عبد الْملك، قَالَ: حَدثنَا
فائد أَبُو الورقاء، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر بن عبد الله،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن
الرَّحِم معلقَة بالعرش، لَهَا لِسَان ذلق، تَقول: اللَّهُمَّ! صل من
وصلني، واقطع من قطعني ".
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَن مَعَاني هَذِه الْأَخْبَار ")
إِن قَالَ لنا قَائِل: مَا معنى هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي رويتها عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ وَكَيف يصل العَبْد
ربه إِذا هُوَ وصل رَحمَه؟ أم كَيفَ يقطعهُ إِذا هُوَ قطعهَا؟ وَكَيف يكون
العَبْد قَاطعا رَحمَه؟ وَكَيف يكون لَهَا واصلا؟ .
قيل: أما وصل الله - تَعَالَى ذكره - عَبده؛ فَإِنَّهُ يعطفه عَلَيْهِ
بفضله: إِمَّا فِي عَاجل دُنْيَاهُ وآجل آخرته - إِن كَانَ من أهل
الْإِيمَان بِهِ وَالطَّاعَة لَهُ -
(1/140)
وَإِمَّا فِي آجل آخرته دون عَاجل
دُنْيَاهُ، كَالَّذي روينَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِيمَا مضى من كتَابنَا هَذَا، أَنه قَالَ: " من سره أَن ينسأ
فِي أَجله، ويوسع عَلَيْهِ فِي رزقه، فَليصل رَحمَه " وَأَنه قَالَ: " إِن
صلَة الرَّحِم محبَّة فِي الْأَهْل، مثراة لِلْمَالِ، منسأة فِي الْأَثر ".
وَإِن كَانَ من أهل الْكفْر بِهِ، وَالْمَعْصِيَة لَهُ، فَفِي عَاجل
دُنْيَاهُ؛
(1/141)
كَالَّذي روينَا عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا مضى من كتَابنَا هَذَا أَنه قَالَ: "
إِن الله تبَارك وَتَعَالَى ليعمر بالقوم الديار، وَيكثر لَهُم فِي
الْأَمْوَال، وَمَا نظر إِلَيْهِم مُنْذُ خلقهمْ بغضا لَهُم. قيل: وَكَيف
ذَاك يَا رَسُول الله؟ ! قَالَ: بصلتهم أرحامهم ".
وَأَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أعجل
الطَّاعَة ثَوابًا صلَة الرَّحِم، حَتَّى إِن أهل الْبَيْت ليكونون فجارا:
تنمى أَمْوَالهم، وَيكثر عَددهمْ إِذا وصلوا الرَّحِم ".
(1/142)
فَإِن قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي وصفت من
معنى الْوَصْل، وَقد علمت أَن الْوَصْل فِي كَلَام الْعَرَب إِنَّمَا هُوَ
وصل شَيْء بِشَيْء، كالحبل يُوصل بآخر، وَنَحْو ذَلِك. والإيصال من الله -
عز ذكره - على عَبده بِمَا ذكرت - بعيد الشّبَه من وصل الْحَبل بالحبل،
وَالسَّبَب بِالسَّبَبِ؟
قيل: إِن الْعَرَب لَا تمْتَنع أَن تَقول: إِذا تفضل رجل على آخر بِمَال،
فَأعْطَاهُ أَو وهب لَهُ هبة: وصل فلَان فلَانا بِكَذَا - يَعْنِي بذلك:
وهبه لَهُ وَأَعْطَاهُ. وَتسَمى تِلْكَ الْعَطِيَّة صلَة. فَتَقول: وصلت
إِلَى فلَان صلَة فلَان. وَكَذَلِكَ معنى قَول الله تَعَالَى ذكره فِي
الرَّحِم: " من وَصلهَا وصلته " إِنَّمَا مَعْنَاهُ وصلتها بفضلي ونعمي
تعطفا مني بذلك عَلَيْهِ. وَأما صلَة العَبْد رَحمَه، فشبيهة الْمَعْنى
بِمَا ذكرت: من تعطفه على ذَوي أرحامه من قبل أَبِيه أَو أمه بنوافل فَضله.
وَمِمَّا يبين صِحَة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك مَا:
198 - حَدثنِي بِهِ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية،
عَن يُونُس، عَن الْحسن، قَالَ: قَالَ عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ: " لَوْلَا
أَن أصل رحما مَا ابْتَغَيْت درهما بدرهم {قَالَ: فولي بني أَخ لَهُ أيتاما
أَرْبَعَة، حَتَّى إِذا أدركوا، ثمَّ أجَاز كل رجل مِنْهُم بِأَرْبَعِينَ
ألفا ".
فقد بَين عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ بقوله: " لَوْلَا أَن أصل رحما مَا
ابْتَغَيْت درهما بدرهم ": أَن ابتغاءه مَا يَبْتَغِي من المَال، إِنَّمَا
هُوَ ليتعطف بِهِ على ذَوي أرحامه صلَة مِنْهُ بذلك رَحمَه الَّتِي بَينه
وَبينهمْ.
فَإِن قَالَ: أفما يكون الْمَرْء واصلا رَحمَه إِلَّا بتعطفه عَلَيْهِم
بِفُضُول أَمْوَاله أَو إِن كَانَ الْأَمر كَذَلِك، فَكل من لم يتعطف على
ذَوي أرحامه بِفُضُول أَمْوَاله، فَهُوَ لرحمه قَاطع}
(1/143)
قيل: لَيْسَ الْأَمر فِي ذَلِك كَالَّذي
ذهبت إِلَيْهِ {
وَلَكِن الْبر بالأرحام مَرَاتِب} وَفِي منَازِل، كَمَا منَازِل الْفضل
مَرَاتِب! وَلَيْسَ كل من لم يبلغ أَعلَى تِلْكَ الْمَرَاتِب يسْتَحق اسْم
قَاطع.
كَمَا لَيْسَ كل من لم يبلغ أَعلَى منَازِل الْفضل يسْتَحق اسْم الذَّم.
فواصل رَحمَه بتعطفه على أَهلهَا بِفُضُول مَاله، وتعاهده إيَّاهُم بنصرته،
ومعونته مُسْتَحقّ اسْم وَاصل. وواصلها بتعطفه عَلَيْهِم بِفُضُول مَاله،
دون تعاهده إيَّاهُم بالنصرة، والمعونة بِالنَّفسِ إِذا لم يكن لَهُم
مُهَاجرا، وَلَا قاليا: مُسْتَحقّ اسْم وَاصل. وواصلها بتعطفه عَلَيْهِم،
وبمعونته إيَّاهُم بِنَفسِهِ، ونصرته إيَّاهُم دون التعطف عَلَيْهِم
بِفُضُول مَاله مُسْتَحقّ اسْم وَاصل.
وَقد بَين ذَلِك: الْخَبَر الْوَارِد عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِي:
199 - حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا هَيْثَم بن
خَارِجَة، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن مجمع بن جَارِيَة،
عَن عَمه، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بلوا أَرْحَامكُم وَلَو بِالسَّلَامِ ".
(1/144)
200 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا
أَبُو عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا سفين، عَن مجمع، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بلوا أَرْحَامكُم وَلَو
بِالسَّلَامِ ".
فَأعْلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن المتعاهد لأهل رَحمَه
بِالسَّلَامِ خَارج من معنى قاطعيها، وداخل فِي معنى واصلها.
فواصلها إِنَّمَا هُوَ أَعلَى من ذَلِك، وَأكْثر، وَأولى، وأحق بِأَن يكون
خَارِجا من مَعَاني القطيعة.
فَإِن قَالَ لنا قَائِل: مَتى يسْتَحق الْمَرْء اسْم قَاطع، إِذْ كَانَ
المتعاهد
(1/145)
لأهل رَحمَه بِأَدْنَى الْبر بهم: كالسلام
وَنَحْوه غير مُسْتَحقّ اسْم قَاطع، مَعَ مَنعه إيَّاهُم فضول مَاله،
ونوافل فَضله، ومعروفه، وَتَركه معونتهم عِنْد نَوَائِب تنوبهم: بِنَفسِهِ
وَمَاله، وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد النَّاس من الْقطع؟ قيل: إِن
ذَلِك، وَإِن كَانَ غير حميد من الْأَفْعَال، وَلَا رشيد من الْأَخْلَاق،
فَغير الْقطع الَّذِي توعد الله عَلَيْهِ الْعقَاب صَاحبه بقوله: {فَهَل
عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض، وتقطعوا أَرْحَامكُم} . ووردت
الْأَخْبَار فِيهِ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الَّتِي:
201 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي مخلد الوَاسِطِيّ، وَيُونُس بن
عبد الْأَعْلَى، وَسَهل بن مُوسَى الرَّازِيّ، قَالُوا جَمِيعًا: أخبرنَا
سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مُحَمَّد بن جُبَير، عَن أَبِيه قَالَ:
قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يدْخل
الْجنَّة قَاطع ".
202 - وَحدثنَا حميد بن مسْعدَة، وَمُحَمّد بن عبد الْأَعْلَى قَالَا:
حَدثنَا بشر بن الْمفضل، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن
الزُّهْرِيّ، عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع
".
(1/146)
203 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنِي أَبُو الْوَلِيد، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: أَخْبرنِي
سُفْيَان بن حُسَيْن وَمُحَمّد قَالَ ابْن الْمثنى: قلت لأبي الْوَلِيد: من
مُحَمَّد؟
قَالَ: أرَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق - قَالَا: سمعنَا الزُّهْرِيّ، يحدث
عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع ".
204 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن بكير، قَالَ: حَدثنَا
مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا الزُّهْرِيّ، عَن مُحَمَّد بن
جُبَير، عَن أَبِيه جُبَير بن مطعم، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع "
205 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبان، عَن أبي
أويس عبد الله بن أويس، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن مُسلم، أَن مُحَمَّد بن
جُبَير أخبرهُ، أَن أَبَاهُ سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع ".
206 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا ابْن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن
الزُّهْرِيّ، عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/147)
قَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع ".
207 - وحَدثني يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن
جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه، أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع ".
قَالَ: يُرِيد: الرَّحِم.
208 - حَدثنَا الرِّفَاعِي أَبُو هِشَام، قَالَ: حَدثنَا ابْن يمَان، عَن
معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن جُبَير قَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع
".
209 - وحَدثني مُحَمَّد بن الْحَارِث الْقَنْطَرِي، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن
أبي بكير، قَالَ: حَدثنَا منْدَل بن عَليّ الْعَنزي، قَالَ: حَدثنِي
الْأَعْمَش، عَن سعد الطَّائِي، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا
يدْخل الْجنَّة قَاطع ".
وَقَالَ فِيهِ الْعلمَاء القَوْل الَّذِي:
(1/148)
210 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى،
قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن نشيط، عَن عبد
الرَّحْمَن بن حجيرة الْخَولَانِيّ أَنه قَالَ: " من قَامَ ليله، وَصَامَ
نَهَاره، وَقطع رَحمَه، سيق إِلَى جَهَنَّم على وَجهه ".
211 - وحَدثني يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن
أبي أَيُّوب، عَن عبد الله بن الْوَلِيد، عَن ابْن حجيرة الْأَكْبَر " أَن
رجلا أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَلا أكلم أخي. فَقَالَ: إِن
الشَّيْطَان ولد لَهُ ولد فَسَماهُ نذرا، وَإنَّهُ من قطع مَا أَمر الله
بِهِ أَن يُوصل حلت عَلَيْهِ اللَّعْنَة ".
وَالْحَال الَّتِي يسْتَحق فِيهَا الْمَرْء اسْم قَاطع رَحمَه - عندنَا -
هِيَ الْحَال الَّتِي يقطع فِيهَا أَهلهَا بِالْهِجْرَةِ مِنْهُ لَهُم،
والمعاداة مَعَ مَنعه إيَّاهُم معروفه ومعونته. وَهِي الْحَال الَّتِي
سَمَّاهُ فِيهَا السّلف - قبلنَا - قَاطعا.
وَلذَلِك ورد الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - وَإِن كَانَ فِي إِسْنَاده نظر -.
(" ذكر ذَلِك ")
212 - حَدثنِي مُحَمَّد بن عمَارَة الْأَسدي، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن
مُوسَى، قَالَ: أخبرنَا سُلَيْمَان بن زيد أَبُو إدام الْمحَاربي، عَن عبد
الله بن أبي أوفى قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - جَالِسا عَشِيَّة عَرَفَة فِي حَلقَة، فَقَالَ: " لَا يحل لمن
أَمْسَى قَاطع رحم إِلَّا قَامَ عَنَّا ".
(1/149)
فَلم يقم أحد إِلَّا رجل من أقْصَى
الْحلقَة، فَمَكثَ غير بعيد، ثمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا لَك لم يقم أحد غَيْرك؟ " قَالَ:
كَانَت لي خَالَة مصارمتي {فَلَمَّا سَمِعت الَّذِي قلت أتيتها. فَقَالَت:
مَا الَّذِي جَاءَ بك؟ مَا هَذَا عَن أَمرك؟ فَأَخْبَرتهَا الَّذِي قلت.
فاستغفرت لي، واستغفرت لَهَا. قَالَ: " أَحْسَنت، إجلس. أَلا إِن
الرَّحْمَة لَا تنزل على قوم فيهم قَاطع رحم، أَلا إِن الرَّحْمَة لَا تنزل
على قوم فيهم قَاطع رحم "}
(" ذكر الْأَخْبَار الْوَارِدَة عَن السّلف بِمَا قُلْنَا فِي ذَلِك ")
213 - حَدثنِي سلم بن جُنَادَة السوَائِي، قَالَ: حَدثنَا ابْن فُضَيْل،
عَن ضرار، عَن محَارب، عَن كَعْب قَالَ: " بَيْنَمَا هُوَ جَالس إِذْ
قَالَ: لَا يجالسنا قَاطع رحم ". فَانْطَلق شَاب إِلَى عمته، فكلمها،
وأخبرها بِمَا سمع من كَعْب. فَقَالَت: ارْجع إِلَيْهِ، فسله عَن ذَلِك؟
فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: قلت قبل وَأَنا لست أكلم عَمَّتي، فأتيتها،
فكلمتها، وأخبرتها بِمَا سَمِعت مِنْك فَقَالَت: ارْجع فسله عَن ذَلِك؟
فَقَالَ: عَمَّتك أفقه مِنْك. فَقَالَ: إِن الرَّحِم شجنة فِي منْكب الله،
فَمن قطعهَا قطعه الله، وَمن وَصلهَا وَصله الله ".
(1/150)
214 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا
مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعبد الْوَهَّاب، عَن عَوْف، عَن أبي الْمنْهَال،
عَن حبيب بن أبي فضَالة، قَالَ: حَدثنِي رجل من أهل الْكُوفَة، " أَن
كَعْبًا كَانَ يحدث كل عَشِيَّة خَمِيس لَيْلَة جُمُعَة مَعْلُوم ذَلِك
لَهُ فَكَانَ يجْتَمع إِلَيْهِ نفر، وَإنَّهُ أَتَاهُم ذَات عَشِيَّة من
تِلْكَ العشيات، فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: أحرج على كل رجل مِنْكُم
قَاطع للرحم، أَن يجالسنا. وَفِي الْقَوْم رجل شَاب مصارم لعمة لَهُ.
قَالَ: فَقَامَ الرجل، فَانْطَلق فَدخل على عمته، فَلَمَّا رَأَتْهُ
مُقبلا، قَالَت: مَهيم؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنِّي سَمِعت كَعْبًا قَالَ
لنا: كَذَا وَكَذَا. قَالَت: فَمَا مَنعك أَن تستفهم الرجل؟ فَرجع بعد
ذَلِك إِلَى كَعْب فَقَالَ: إِنَّك حرجت علينا أَن يجالسك قَاطع رحم،
وَأَنه كَانَ بيني وَبَين عَمَّتي صرم، وَإِنِّي أتيتها فحدثتها الحَدِيث،
فَقَالَت عَمَّتي: مَا مَنعك أَن تستفهم الرجل؟ فَقَالَ كَعْب: عَمَّتك
أفقه مِنْك! إِن أَعمال بني آدم تعرض كل جُمُعَة مرَّتَيْنِ يَوْم
الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس، فَمَا رفع مِنْهَا على يَقِين وصلَة رحم
تقبل، وَمَا رفع مِنْهَا على بغي وَقَطِيعَة رحم أرجئ، وَمَا رفع مِنْهَا
على سوى ذَلِك بار ".
(1/151)
215 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
زيد العكلي، عَن خزرج بن عُثْمَان، قَالَ: سَمِعت أَبَا أَيُّوب قَالَ: "
كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يجلس عَشِيَّة الْخَمِيس، قبل الْجُمُعَة، فَيَقُول:
أحرج على كل قَاطع رحم أَن يقْعد إِلَيْنَا! حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا،
فَقَامَ شَاب قد صرم عمَّة لَهُ، فكلمها، فَقَالَت: مَا جَاءَ بك؟
فَأَخْبرهَا بقول أبي هُرَيْرَة، فَقَالَت: قل لَهُ، وَلم قلت ذَلِك؟
فَقَالَ لَهُ. فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " تعرض الْأَعْمَال عَشِيَّة الْخَمِيس، لَيْلَة الْجُمُعَة،
فَيغْفر لكل أحد إِلَّا لقاطع رحم ".
(1/152)
فقد بيّنت هَذِه الْأَخْبَار صِحَة مَا
قُلْنَا فِي معنى قطع الرَّحِم الَّذِي لصَاحبه الْوَعيد من الله -
تَعَالَى ذكره - على لِسَان رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي تصرم ذَوي رَحمَه على وَجه الْعَدَاوَة لَهُم،
كَمَا ذكر عَن الْفَتى الَّذِي وصف خَبره فِي الْأَخْبَار الَّتِي رويناها
من مصارمته عمته أَو خَالَته، فَكَانَ خُرُوجه من قطعه رَحمهَا عِنْده،
وَعند من ذكرنَا مُرَاجعَته وصالتها بالْكلَام دون بذل فضل مَاله لَهَا،
ونصرته، ومعونته لَهَا.
فَكَذَلِك القَوْل - عندنَا - فِيمَن تعاهد ذَوي رَحمَه بِالسَّلَامِ
وَالْكَلَام، وَإِن لم يصرف إِلَيْهِم فضول مَاله، ونوافل فَضله، فَهُوَ
خَارج من معنى الْقَاطِع رَحمَه، الَّذِي يسْتَحق الْعقُوبَة من الله على
قطعه إِيَّاهَا.
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")
فَمن ذَلِك قَول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مخبرا
عَن ربه - تبَارك وَتَعَالَى - أَنه قَالَ فِي الرَّحِم: " فَمن وَصلهَا
وصلته، وَمن قطعهَا بتته ". يَعْنِي: تَعَالَى ذكره: بقوله: بتته: قطعته
قطعا بَينا. والبت: أَشد الْقطع. يُقَال مِنْهُ: بت فلَان الْحَبل، فَهُوَ
يبته بتا، وَهُوَ حَبل مبتوت - يَعْنِي بِهِ - مَقْطُوع. وَمِنْه قَول
كَعْب بن زُهَيْر.
(ديار الَّتِي بتت حبالي وصرمت ... وَكنت إِذا مَا الْحَبل من خلة صرم)
يَعْنِي بقوله: بتت حبالي: قطعتها قطعا شَدِيدا.
وَأما قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْقُرْآن: "
إِنَّه يحاج الْعباد يَوْم الْقِيَامَة، لَهُ ظهر وبطن ": فَإِنَّهُ
يخْتَلف فِي مَعْنَاهُ، وَقد بيّنت
(1/153)
ذَلِك فِي كتَابنَا الْمُسَمّى: " جَامع
الْبَيَان عَن تَأْوِيل آي الْفرْقَان ". غير أَنا نذْكر فِي هَذَا الْموضع
بعض ذَلِك:
فَقَالَ بَعضهم: ذَلِك كَمَا تَقول الْعَرَب: قلبت الْأَمر ظهرا لبطن: إِذا
تدبره، وفكر فِيهِ، وتأمله.
وَقَالَ آخَرُونَ: الظّهْر: هُوَ مَا سمي تِلَاوَة، والبطن: المُرَاد بِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الظّهْر: مَا جَاءَ مِنْهُ خَبرا، والبطن: الْمَعْنى
المُرَاد بِهِ.
وَذَلِكَ كَخَبَر الله تَعَالَى ذكره عَمَّن أهلك من الْأُمَم.
وَمَعْنَاهُ: تحذير المخبرين بِهِ. وَمَا جَاءَ أمرا، وَالْمرَاد بِهِ
الْوَعيد، والتهديد، كَقَوْل الله تَعَالَى ذكره: {ذرهم يَأْكُلُوا
ويتمتعوا ويلههم الأمل، فَسَوف يعلمُونَ} .
وَكَقَوْلِه: {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم، وليتمتعوا فَسَوف يعلمُونَ} .
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كل آيَة جَاءَت عَاما فِي نوع أَو جنس،
وَمَعْنَاهَا: الْخُصُوص.
وَأولى الْأَقْوَال فِي ذَلِك - عندنَا - بِالصَّوَابِ فِي هَذَا الْموضع:
أَن يُقَال: معنى الظّهْر فِيهِ: مَا فِيهِ من الْأَمر وَالنَّهْي اللَّذين
امتحن الله بهما عباده. والبطن: ثَوَاب الله - تَعَالَى ذكره - الْعَامِل
بِطَاعَتِهِ فِيمَا أمره بِهِ فِيهِ، وعقابه على الْعَمَل بِمَا نَهَاهُ
الله عَنهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا امتحان فِي الْآخِرَة، فَتكون بالعباد
حَاجَة - هُنَاكَ - إِلَى معرفَة ظَاهره، وَعلم تَأْوِيله، أَو عَامه
وخاصه، أَو وعده ووعيده؛ لِأَنَّهَا دَار جَزَاء، لَا دَار عمل، وَإِنَّمَا
حَاجَة
(1/154)
الْعباد إِلَى ذَلِك فِي الدُّنْيَا
ليعلموا مَا عَلَيْهِم لرَبهم من الْفُرُوض والحقوق الَّتِي ألزمهم
الْعَمَل بهَا مِمَّا أنزل فِيهِ؛ فيعملوا بِهِ.
وَأما قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرَّحِم
شجنة ". فَإِن الشجنة: الفعلة من قَوْلهم: شجن فلَان على فلَان: إِذا حزن
عَلَيْهِ، فَهُوَ يشجن عَلَيْهِ شجنا. وَمِنْه قَول زُهَيْر بن أبي سلمى:
(فَقلت وَالدَّار أَحْيَانًا يشطط بهَا ... صرف الْأَمِير على من كَانَ ذَا
شجن)
يَعْنِي بقوله: على من كَانَ ذَا شجن: على من كَانَ ذَا حزن.
وَمِنْه - أَيْضا - قَول رؤبة بن العجاج:
(مَا بَال عَيْني كالشعيب الْعين ... وَبَعض أَعْرَاض السجون الشجن)
وَإِنَّمَا عَنى بذلك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهَا
حزنة مستعيذة بِاللَّه من القطعية.
وَأما قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الرَّحِم
أَنَّهَا آخذة بحقوي الرَّحْمَن؛ فَإِن الحقو فِي كَلَام الْعَرَب:
الْإِزَار يجمع: حقيا. وَمِنْه خبر أم عَطِيَّة، عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه ألْقى إِلَى النسْوَة اللَّاتِي غسلن
ابْنَته حقوه، وَقَالَ: " أشعرنها إِيَّاه ".
(1/155)
وَأما قَوْله: آخذة بحجزة الرَّحْمَن "
فَإِن الحجزة - أَيْضا - فِي كَلَام الْعَرَب حجزة إِزَار المؤتزر. وَمِنْه
قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي آخذ
بحجزتكم عَن النَّار، وَأَنْتُم تتقاحمون فِيهَا ".
وَأما قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صفة الرَّحِم: "
لَهَا لِسَان ذلق ". فَإِن الذلق من الألسن هُوَ الفصيح الْحسن اللهجة
الْبَين الْمنطق. يُقَال للسان إِذا كَانَ كَذَلِك: لِسَان ذلق، وذليق.
وَأما قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تُوضَع
الرَّحِم يَوْم الْقِيَامَة لَهَا حجنة ". فَإِنَّهُ يَعْنِي بالحجنة:
العطفة. وكل شَيْء مَعْطُوف الرَّأْس مثل الصولجان، فَإِن الْعَرَب تسميه
محجنا.
وَمن ذَلِك قيل للرجل إِذا أمال الشَّيْء إِلَى نَفسه: حجنه، واحتجنه
وَمِنْه قيل للصولجان: محجن. وَمِنْه قَول الطرماح بن حَكِيم:
(لَهَا تفرات تحتهَا، وقصارها ... على مشرة لم تعتلق بالمحاجن)
يَعْنِي بالمحاجن: الصوالجة:
وَأما قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بلوا أَرْحَامكُم،
وَلَو بِالسَّلَامِ ".
فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: بلوا: ندوا، وصلوا.
أشبه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلَة الرَّحِم
بِالْمَعْرُوفِ، وَلَو بالشَّيْء البائس يندى فيرطب، وَذَلِكَ أَن الْعَرَب
تصف الرجل إِذا
(1/156)
وَصفته باللؤم وَالْبخل بجمود الْكَفّ،
فَتَقول: إِنَّه لجامد الْكَفّ، وَمَا يندى كَفه بِخَير، وَإنَّهُ لحجر صلد
- تَعْنِي بِهِ - أَنه لَا يُرْجَى نائله، وَلَا يطْمع فِي معروفه، كَمَا
لَا يُرْجَى من الْحجر الصلد مَا يشرب.
يُقَال من ذَلِك - إِذا وصل الرجل رَحمَه بمعروفه - بل فلَان رَحمَه،
فَهُوَ يبلها بِلَا وبلالا. وَمِنْه قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لبني عبد الْمطلب - إِذْ أنزلت عَلَيْهِ {وأنذر
عشيرتك الْأَقْرَبين} : " يَا بني عبد الْمطلب، إِنِّي لَا أُغني عَنْكُم
من الله شَيْئا، غير أَن لكم رحما سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا ".
وَمِنْه قَول أعشى بن ثَعْلَبَة:
(بِالْخَيْلِ شعثا مَا تزَال جيادها ... حسرى تغادر بِالطَّرِيقِ سخالها)
(أما لصَاحب نعْمَة طرحتها ... ووصال رحم قد نضحت بلالها)
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا عني بقوله: " بلوا أَرْحَامكُم، وَلَو
بِالسَّلَامِ ": صلوها وَلَو بِالسَّلَامِ. قَالَ: وَإِنَّمَا ذَلِك
تَشْبِيه من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلَة الرجل
رَحمَه بالنَّار يصب عَلَيْهَا المَاء فتطفأ.
قَالَ: فَكَذَلِك بر الرجل بِأَهْل رَحمَه، منع مِنْهُ رَحمَه من الْقطع.
وَالصَّوَاب - عِنْدِي - مَا يثبت من أَن مَعْنَاهُ: صلوها بمعروفكم وَلَو
أَن تصلوها بِالسَّلَامِ. والبل: هُوَ الترطيب، والتندية بِالْمَعْرُوفِ.
وَأما قَول كَعْب: " أحرج على كل رجل مِنْكُم " فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله:
أحرج: أضيق. وَأَصله من الحرجة، وَهِي: الشّجر الْكثير الملتف بعضه بِبَعْض
يمثل الْعَرَب بِهِ كل شَيْء ضيق.
(1/157)
وَمِنْه قَول الله تَعَالَى ذكره: {وَمَا
جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} . يَعْنِي بقوله: " من حرج ": من ضيق.
وَأما قَول الَّذِي حدث عَن كَعْب بذلك، وَفِي الْقَوْم رجل شَاب مصارم
لعمة لَهُ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بالمصارم: المُهَاجر كل وَاحِد مِنْهُمَا
صَاحبه، الْقَاطِع مَا بَينهمَا من السَّبَب.
وأصل الصرم: الْقطع. ثمَّ تستعمله الْعَرَب فِي كل سَبَب قطع من رحم،
وصداقة، وخلالة، وَحُرْمَة، وَغير ذَلِك. وَمن ذَلِك قَول أبي دَاوُد
الْإِيَادِي:
(أصرمت حبلك من لميس ... الْيَوْم أم طَال المواعد)
يَعْنِي بقوله: أصرمت حبلك من لميس: أقطعت سَبَب مَا بَيْنك وَبَينهَا من
الْمَوَدَّة.
وَأما قَول عمَّة الْفَتى لَهُ: مَهيم: فَإِنَّهَا تَعْنِي بِهِ مَا
شَأْنك؟ وَمَا أَمرك؟ وَأما قَول كَعْب: وَمَا رفع مِنْهَا على بغي
وَقَطِيعَة رحم أرجيء: فَإِن الإرجاء: التَّأْخِير، وَمِنْه قَول الله تعال
ذكره: {قَالُوا أرجه وأخاه} فِي قِرَاءَة من قَرَأَ ذَلِك بِالْهَمْز.
بِمَعْنى: أَخّرهُ.
يُقَال مِنْهُ: أرجأ فلَان هَذَا الْأَمر، فَهُوَ يرجئه إرجاء.
وَأما قَول كَعْب: وَمَا رفع مِنْهَا على سوى ذَلِك بار: فَإِنَّهُ يَعْنِي
بقوله بار: بَطل وَهلك. يُقَال مِنْهُ: بار الشَّيْء يبور بورا: إِذا هلك،
(1/158)
وَهُوَ شَيْء بائر وبور. وَرجل بور وَقوم
بور. الْوَاحِد والجميع فِيهِ بِلَفْظ وَاحِد. وَمن البور بِمَعْنى
الْجَمِيع قَول حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ:
(لَا ينفع الطول من نوك الْقُلُوب وَقد ... يهدي الْإِلَه سَبِيل المعشر
البور)
وَمِنْه أَيْضا قَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {وكنتم قوما بورا} .
وَأما بِمَعْنى الْوَاحِد من ذَلِك فَقَوْل أبي سُفْيَان بن الْحَارِث بن
عبد الْمطلب:
(يَا رَسُول المليك إِن لساني ... راتق مَا فتقت إِذْ أَنا بور)
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
216 - حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى،
عَن طَلْحَة بن جبر، عَن الْمطلب بن عبد الله، عَن مُصعب بن عبد
الرَّحْمَن، عَن عبد الرَّحْمَن قَالَ: " لما افْتتح النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَكَّة انْصَرف إِلَى الطَّائِف،
فَحَاصَرَهُمْ سبع عشرَة أَو ثَمَانِي عشرَة، فَلم يفتتحها، ثمَّ أغار
غدْوَة أَو رَوْحَة، ثمَّ نزل، ثمَّ هجر،
(1/159)
فَقَالَ: " أَيهَا النَّاس {إِنِّي فرط
لكم، فأوصيكم بعترتي خيرا، إِن مَوْعدكُمْ الْحَوْض، وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ ليقيمن الصَّلَاة، وليؤتين الزَّكَاة، أَو لَأَبْعَثَن إِلَيْهِم
رجلا مني أَو كنفسي، فليضربن أَعْنَاق مُقَاتلَتهمْ، وليسبين ذَرَارِيهمْ
".
قَالَ: فَرَأى النَّاس أَنه يَعْنِي أَبَا بكر أَو عمر رضوَان الله
عَلَيْهِمَا. قَالَ: فَأخذ بيد عَليّ بن أبي طَالب - رَحْمَة الله عَلَيْهِ
- فَقَالَ: هَذَا. فَقلت: مَا حمل عبد الرَّحْمَن على مَا صنع؟ قَالَ: من
ذَاك أعجب}
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلتين.
(1/160)
إِحْدَاهمَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج
إِلَّا من هَذَا الْوَجْه {
وَالثَّانيَِة: أَنه من نقل طَلْحَة بن جبر، وَطَلْحَة - عِنْدهم - مِمَّن
لَا تثبت بنقله فِي الدّين حجَّة}
وَقد مَضَت نَظَائِر هَذَا الْخَبَر قبل، فكرهنا إِعَادَتهَا فِي هَذَا
الْموضع.
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
217 - حَدثنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي مُحَمَّد بن يزِيد، قَالَ: حَدثنَا
أَبُو بكر بن عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا أَبُو حَمْزَة الثمالِي، عَن عبد
الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: " كَانَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صلى على جَنَازَة
قَالَ: اللَّهُمَّ {اغْفِر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا
وَكَبِيرنَا، وَذكرنَا وأنثانا، اللَّهُمَّ} من أحييته منا فأحيه على
الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان ".
(1/161)
218 - وحَدثني سُلَيْمَان بن عبد
الْجَبَّار، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن
عَيَّاش، عَن ثَابت الثمالِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صلى على جَنَازَة، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر
لأحيائنا وأمواتنا ولصغيرنا وَكَبِيرنَا ولذكرنا ولأنثانا، اللَّهُمَّ من
أحييته منا فأحيه على الْإِيمَان، وَمن توفيته فتوفه على الْإِسْلَام ".
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلل:
إِحْدَاهَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَصح إِلَّا من هَذَا
الْوَجْه، وَالْخَبَر إِذا انْفَرد بِهِ - عِنْدهم - مُنْفَرد وَجب التثبت
فِيهِ.
وَالثَّانيَِة: أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى لَا يَصح لَهُ - عِنْدهم -
من عبد الرَّحْمَن سَماع.
وَالثَّالِثَة: أَن أَبَا حَمْزَة الثمالِي - عِنْدهم - مِمَّن لَا يعْتَمد
على نَقله وَرِوَايَته.
وَقد وَافق عبد الرَّحْمَن فِي رِوَايَة هَذَا الْخَبَر عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَصْحَابه جمَاعَة، نذْكر مَا
صَحَّ - عندنَا - من ذَلِك سَنَده، ثمَّ نتبع جَمِيعه الْبَيَان، إِن شَاءَ
الله.
(1/162)
(" ذكر ذَلِك ")
219 - حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن المتَوَكل الْأَشْجَعِيّ - من أهل حمص -
قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى، عَن أبي
سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ
اغْفِر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا، وَذكرنَا
وأنثانا. اللَّهُمَّ من أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا
فتوفه على الْإِيمَان ".
220 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا حسن بن ربيع، عَن مُحَمَّد بن
كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة: " اللَّهُمَّ {اغْفِر لحينا وميتنا،
وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا، اللَّهُمَّ} من أحييته منا فأحيه
على الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان ".
221 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا عَبدة، عَن مُحَمَّد بن
إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أبي سَلمَة -
أرَاهُ - عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صلى على الْجِنَازَة يَقُول: " اللَّهُمَّ
اغْفِر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وَكَبِيرنَا
(1/163)
وَذكرنَا وأنثانا اللَّهُمَّ من توفيته منا
فتوفه على الْإِيمَان وَمن أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام ".
222 - حَدثنَا الْمقدمِي قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا
حَمَّاد، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن أبي
سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ يَدْعُو للْمَيت يَقُول: " اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا
وميتنا وشاهدنا وغائبنا وَذكرنَا وأنثانا وصغيرنا وَكَبِيرنَا: من أحييته
منا فأحيه على الْإِسْلَام وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان ".
223 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا عمر بن يُونُس، قَالَ:
حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار، قَالَ: حَدثنِي يحيى بن أبي كثير، قَالَ:
حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: " سَأَلت
عَائِشَة كَيفَ كَانَت صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - على الْمَيِّت؟ قَالَت: كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر
لحينا وميتنا، ولصغيرنا وَكَبِيرنَا، وَذكرنَا وأنثانا، ولغائبنا وشاهدنا.
اللَّهُمَّ! من أحييته منا، فأحيه على الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا فتوفه
على الْإِيمَان ".
224 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، قَالَ:
(1/164)
حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، أَن يحيى حَدثهُ
عَن أبي إِبْرَاهِيم - رجل من بني عبد الْأَشْهَل - حَدثهُ أَن أَبَاهُ
حَدثهُ أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يُصَلِّي على جَنَازَة يَقُول: " اللَّهُمَّ {اغْفِر لأولنا وآخرنا، وحينا
وميتنا، وَذكرنَا وأنثانا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا، وشاهدنا وغائبنا،
اللَّهُمَّ} لَا تَحْرِمنَا أجره، وَلَا تضلنا بعده ". قَالَ يحيى: وحَدثني
أَبُو سَلمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِمثلِهِ، وَزَاد فِيهِ: " وَمن أحييته فأحيه على الْإِسْلَام، وَمن توفيته
فتوفه على الْإِيمَان ".
225 - وحَدثني الْعَبَّاس بن الْوَلِيد العذري، قَالَ: أَخْبرنِي أبي،
قَالَ: سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: حَدثنِي يحيى بن أبي كثير، قَالَ:
حَدثنِي أَبُو أَبُو إِبْرَاهِيم - رجل من بني عبد الْأَشْهَل - قَالَ:
حَدثنِي أبي، أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ! اغْفِر لحينا وميتنا،
وغائبنا وشاهدنا، وَذكرنَا وأنثانا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا " قَالَ: وحَدثني
يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بِهَذَا الحَدِيث
قَالَ: " وَمن أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا فتوفه
على الْإِيمَان ".
226 - وحَدثني مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ، قَالَ: حَدثنَا بشر بن
الْمفضل، قَالَ: حَدثنَا هِشَام الدستوَائي، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن
(1/165)
أبي إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، عَن
أَبِيه، أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ {اغْفِر لحينا وميتنا،
وشاهدنا وغائبنا، وَذكرنَا وأنثانا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا ".
227 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن هِشَام،
عَن يحيى، قَالَ: حَدثنِي أَبُو إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، أَن أَبَاهُ
حَدثهُ، أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ} اغْفِر لحينا وميتنا،
وشاهدنا وغائبنا، وَذكرنَا وأنثانا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا ".
228 - وحَدثني أَحْمد بن مُحَمَّد الطوسي، قَالَ: حَدثنَا عبيد بن جناد،
قَالَ: حَدثنَا عَطاء بن مُسلم، عَن الْعَلَاء بن الْمسيب، عَن حبيب بن أبي
ثَابت، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - أَنه كَانَ إِذا صلى على الْمَيِّت قَالَ: " اللَّهُمَّ {اغْفِر لحينا
وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا، اللَّهُمَّ} من أحييته منا
فأحيه على الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان، اللَّهُمَّ!
عفوك، عفوك ".
(1/166)
229 - وحَدثني هِلَال بن الْعَلَاء الرقي،
قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن عمر الحوضي، قَالَ: حَدثنَا همام، عَن لَيْث، عَن
عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - علمهمْ الصَّلَاة على الْمَيِّت،
فَقَالَ: " اللَّهُمَّ {اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا، وَأصْلح ذَات بَيْننَا،
اللَّهُمَّ} هَذَا عَبدك فلَان بن فلَان، لَا نعلم إِلَّا خيرا، وَأَنت
أعلم بِهِ، فَاغْفِر لنا وَله ".
فَقلت - وَأَنا أَصْغَر الْقَوْم -: فَإِن لم أعلم خيرا؟ قَالَ: " فَلَا
تقل إِلَّا مَا تعلم ".
230 - وَحدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا
(1/167)
همام بن يحيى، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أبي
كثير، عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أبي قَتَادَة، أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا صلى على ميت قَالَ: "
اللَّهُمَّ {اغْفِر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا،
وَذكرنَا وأنثانا ".
قَالَ يحيى: وحَدثني بِهن أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، وَزَاد مَعَ
هَؤُلَاءِ الثماني الْكَلِمَات، كَلِمَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ: " من أحييته
منا فأحيه على الْإِسْلَام، وَمن توفيته فتوفه على الْإِيمَان ".
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَن هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي ذَكرنَاهَا ")
إِن قَالَ لنا قَائِل: إِنَّك قلت: إِن هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي رويتها
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة على
الْمَيِّت صِحَاح؛ فَمَا أَنْت قَائِل فِيمَا:
231 - حَدثكُمْ بِهِ ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ:
حَدثنَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن
أَبِيه، عَن عَوْف بن مَالك قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي على ميت، ففهمت من صلَاته عَلَيْهِ: "
اللَّهُمَّ} اغْفِر لَهُ، وارحمه، واغسله بالبرد، واغسله كَمَا يغسل
الثَّوْب ".
(1/168)
232 - وحَدثني يُونُس بن عبد الْأَعْلَى،
قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن حبيب بن
عبيد، أَنه سمع جُبَير بن نفير يَقُول: سَمِعت عَوْف بن مَالك
الْأَشْجَعِيّ، أَنه صلى مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - على جَنَازَة، فَسَمعته يَقُول: " اللَّهُمَّ! اغْفِر لَهُ، وارحمه،
واعف عَنهُ، وعافه، وَأكْرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بِمَاء وثلج وَبرد،
ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب من الدنس، وأبدله دَارا خيرا من
دَاره، وَأهلا خيرا من أَهله، وزوجا خيرا من زوجه، وَأدْخلهُ الْجنَّة، وقه
فتْنَة الْقَبْر، وَعَذَاب الْقَبْر ".
233 - وحَدثني يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ:
قَالَ مُعَاوِيَة: وحَدثني عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن أَبِيه، عَن
عَوْف بن مَالك، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِنَحْوِ ذَلِك أَيْضا.
(1/169)
234 - وحَدثني يُونُس، قَالَ: أخبرنَا عبد
الله بن وهب قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن الْحَارِث، عَن أبي حَمْزَة بن سليم،
عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه، عَن عَوْف بن مَالك
الْأَشْجَعِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَصلى على جَنَازَة ... ثمَّ ذكر نَحوه إِلَّا أَنه قَالَ: "
كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس ". وَزَاد أَيْضا: قَالَ عَوْف:
فتمنيت أَنِّي لَو كنت ذَلِك الْمَيِّت لدعاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
235 - حَدثنِي إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل، قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن
يُونُس، قَالَ: حَدثنَا أَبُو حَمْزَة الْحِمصِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن
جُبَير بن نفير الْحَضْرَمِيّ، عَن أَبِيه، عَن عَوْف بن مَالك، قَالَ:
صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على جَنَازَة
رجل من الْأَنْصَار، فَكَانَ مِمَّا حفظت من دُعَائِهِ فِي الصَّلَاة: "
اللَّهُمَّ {اغْفِر لَهُ، وارحمه، واعف عَنهُ، وعافه، وَأكْرم نزله، ووسع
مدخله، وغسله بِمَاء وثلج وَبرد، ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب
الْأَبْيَض من الدنس. اللَّهُمَّ} أبدله دَارا خيرا من دَاره، وَأهلا خيرا
من أَهله، وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتْنَة الْقَبْر، وَعَذَاب الْقَبْر،
وَعَذَاب النَّار ". قَالَ عَوْف: فتمنيت لَو أَنِّي كنت أَنا الْمَيِّت.
(1/170)
236 - وحَدثني عبيد بن إِسْمَاعِيل
الْهَبَّاري، قَالَ: حَدثنَا الْمحَاربي، عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش،
قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم، عَن حبيب، عَن عَوْف بن مَالك
الْأَشْجَعِيّ، قَالَ: صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - على جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار، فَسَمعته يَقُول: " اللَّهُمَّ {صل
عَلَيْهِ، واغفر لَهُ، وارحمه، وعافه، واعف عَنهُ، وَأكْرم نزله ومنقلبه،
ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، وأبدله
دَارا خيرا من دَاره، وَأهلا خيرا من أَهله، وقه فتْنَة الْقَبْر، وَعَذَاب
الْقَبْر، وَعَذَاب النَّار ". قَالَ: قَالَ عَوْف بن مَالك: فَلَقَد
رَأَيْتنِي أَتَمَنَّى أَن أكون مَكَان ذَلِك الْأنْصَارِيّ، لما سَمِعت من
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
237 - وَحدثنَا أَبُو كريب،، قَالَ: حَدثنَا مُصعب بن الْمِقْدَام، عَن
زَائِدَة، عَن يحيى بن أبي سليم، قَالَ: سَمِعت الْجلاس قَالَ: سَأَلَ
مَرْوَان أَبَا هُرَيْرَة: كَيفَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي على الْجِنَازَة؟
فَقَالَ: " اللَّهُمَّ} أَنْت خلقتها، وَأَنت هديتها لِلْإِسْلَامِ، وَأَنت
قبضت روحها، تعلم سرها وعلانيتها، فَاغْفِر لَهَا ".
(1/171)
238 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
حُسَيْن، عَن زَائِدَة، عَن يحيى بن أبي سليم، عَن الْجلاس، قَالَ: سَأَلت
أَبَا هُرَيْرَة: مَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول إِذا صلى على الْجِنَازَة؟ فَذكر عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله.
239 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر؟ قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن الْجلاس، قَالَ: سَمِعت عُثْمَان بن شماس، قَالَ: "
كَانَ مَرْوَان أَمِيرا على الْمَدِينَة، فَمر بِأبي هُرَيْرَة وَهُوَ
يحدث، فَقَالَ: بعض حَدِيثك يَا أَبَا هُرَيْرَة {
قَالَ: ثمَّ مضى، ثمَّ رَجَعَ، فَقُلْنَا نفع بِهِ} فَقَالَ: يَا أَبَا
هُرَيْرَة! كَيفَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يُصَلِّي على الْجِنَازَة؟
قَالَ: قَالَ: " خلقتها أَو قَالَ: أَنْت خلقتها - شُعْبَة الَّذِي شكّ -
وهديتها إِلَى الْإِسْلَام، وَأَنت قبضت روحها، تعلم سرها وعلانيتها،
جِئْنَا شُفَعَاء فَاغْفِر لَهَا ".
(1/172)
240 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ
حَدثنِي عبد الصَّمد قَالَ: سَمِعت أبي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْجلاس
عقبَة بن السيار، قَالَ: حَدثنِي عَليّ بن شماخ، قَالَ: سَمِعت مَرْوَان
سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة: كَيفَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي على الْجِنَازَة؟ فَذكر نَحوه.
241 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية، قَالَ:
حَدثنَا زِيَاد بن مِخْرَاق، عَن عقبَة بن سيار، عَن رجل، قَالَ: " كُنَّا
جُلُوسًا مَعَ أبي هُرَيْرَة، فجَاء مَرْوَان فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ:
يَا أَبَا هُرَيْرَة {مَا تزَال تحدث أَحَادِيث مَا نعرفها؟ ثمَّ انْطلق،
ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة كَيفَ الصَّلَاة على الْمَيِّت؟
فَقَالَ: هَذَا مَعَ مَا قلت آنِفا؟} قَالَ: نعم. قَالَ: كُنَّا نقُول: "
اللَّهُمَّ أَنْت رَبهَا، وَأَنت خلقتها، وَأَنت هديتها لِلْإِسْلَامِ،
وَأَنت قبضتها، وَأَنت أعلم بسرها وعلانيتها، جِئْنَا شُفَعَاء فَاغْفِر
لَهَا ".
242 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن فضل، عَن إِسْمَاعِيل بن
مُسلم، عَن أبي هَاشم، عَن يحيى بن عباد، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كَانَ إِذا صلى على
جَنَازَة قَالَ: " اللَّهُمَّ أَنْت خلقته، وَأَنت هديته لِلْإِسْلَامِ،
وَأَنت قبضت روحه، وَأَنت أعلم بسره وعلانيته، جِئْنَا نشفع لَهُ فَاغْفِر
لَهُ ".
(1/173)
243 - حَدثنَا الْفضل بن الصَّباح، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو سُفْيَان المعمري، عَن سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن رجل
من مزينة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
القَوْل على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ عَبدك، أَنْت خلقته، وَأَنت قبضت
روحه، وَأَنت هديته لِلْإِسْلَامِ، وَأَنت أعلم بسره وعلانيته، وَجِئْنَا
نشفع لَهُ فَاغْفِر لَهُ ".
244 - وحَدثني أَحْمد بن مُحَمَّد الطوسي، قَالَ: حَدثنِي يحيى بن يزِيد بن
عبد الْملك بن الْمُغيرَة بن نَوْفَل النَّوْفَلِي، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو
عبَادَة عِيسَى بن فَرْوَة الزرقي، عَن ابْن شهَاب، عَن عبيد الله بن عبد
الله، عَن عبد الله بن عَبَّاس: قَالَ: " أُتِي بسهل بن عتِيك
الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ أول من صلي عَلَيْهِ مَوضِع الْجَنَائِز، فَقَامَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَمعته لما كبر
الثَّالِثَة دَعَا للْمَيت وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أعظم أجره، وأتمم لَهُ
نوره، وأضيء لَهُ فِي قَبره، وألحقه بِنَبِيِّهِ، واغفر لنا وَله " ثمَّ
كبر الرَّابِعَة واستغفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات، ثمَّ سلم.
(1/174)
245 - وحَدثني أَبُو شُرَحْبِيل الْحِمصِي،
قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ:
حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن مَرْوَان بن جنَاح قَالَ: حَدثنِي يُونُس
بن ميسرَة بن حَلبس، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: صلى بِنَا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على رجل من الْمُسلمين،
فأسمعه قَالَ: " اللَّهُمَّ {إِن فلَان بن فلَان فِي ذِمَّتك وحبل جوارك،
فأعذه من فتْنَة الْقَبْر، وَعَذَاب النَّار، وَأَنت أهل الْوَفَاء
وَالْحق، اللَّهُمَّ} فَاغْفِر لَهُ، وارحمه، إِنَّك أَنْت الغفور
الرَّحِيم "؟
قيل: أما أَسَانِيد بَعْضهَا فصحاح، وَفِي بَعْضهَا نظر، غير أَنا - وَإِن
كَانَ الْأَمر فِي ذَلِك كَذَلِك، غير منكري شَيْء مِنْهُ أَن يكون رَسُول
الله
(1/175)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد
كَانَ فعله فِي بعض الْأَحْوَال، إِذْ كَانَت الصَّلَاة على الْجَنَائِز
دُعَاء للْمَيت واستغفارا لَهُ، وَلَا شَيْء فِي ذَلِك من الدُّعَاء
مُؤَقّت لَا يجوز للْمُصَلِّي تجاوزه، فَأَي نوع من الدُّعَاء الَّذِي
روينَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه دَعَا
فِي صلَاته على الْجَنَائِز للْمَيت دَعَا بِهِ مصل عَلَيْهَا فَحسن جميل،
وَإِن خَالف ذَلِك - أَيْضا - إِلَى مَا كَانَ السّلف الصالحون من
الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ يدعونَ بِهِ عَلَيْهَا فَحسن جميل - وَإِن
أَحْبَبْت لَهُ الِاقْتِصَار فِي ذَلِك على بعض مَا ذكرت أَن الرِّوَايَة
بِهِ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَحِيحَة -
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أولى من اؤتسي بِهِ،
واقتفي أَثَره، فِيمَا لم يخْطر على أمته الائتساء بِهِ فِيهِ.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَت الْأَئِمَّة الراشدون، وَعمل
بِهِ من بعدهمْ الخالفون، يدل على حَقِيقَة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك:
اخْتلَافهمْ فِي الدُّعَاء لَهُ عِنْد صلَاتهم عَلَيْهِ.
(" ذكر من قَالَ فِي ذَلِك نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ وَعمل بِالَّذِي
قُلْنَا إِنَّهُم عمِلُوا بِهِ فِيهِ ")
246 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا حسن بن عَطِيَّة، قَالَ: حَدثنَا
أَبُو معشر، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، قَالَ: " كَانَ عَليّ -
رَحْمَة الله عَلَيْهِ - يَقُول فِي الْجِنَازَة: إِنَّمَا دعيتم لتشفعوا
لَهُ، فاجتهدوا فِي الدُّعَاء ".
(1/176)
247 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: قَالَ
عبد الله: " ادْع يَا حُسَيْن مَا تقدر عَلَيْهِ، لَيْسَ فِيهِ شَيْء
مُؤَقّت " {
248 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو تُمَيْلة، قَالَ: حَدثنَا
فليح بن سُلَيْمَان، عَن قيس بن عبد الْملك، عَن عبد الله بن الْعَلَاء بن
أبي نبقة قَالَ: " سَأَلت أَبَا هُرَيْرَة عَن الصَّلَاة على الْجِنَازَة،
فَقلت: إِن النَّاس اخْتلفُوا فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: يَا ابْن أخي} إِنَّمَا
هُوَ دُعَاء، فأخلص لَهُ الدُّعَاء {قل أحسن مَا تعلم ".
249 - وَحدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب، قَالَ: حَدثنَا
يزِيد بن زُرَيْع، قَالَ: حَدثنَا دَاوُد، عَن الشّعبِيّ وَسَعِيد بن
الْمسيب قَالَا: " لَيْسَ على الْمَيِّت دُعَاء مُؤَقّت "} .
250 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب، قَالَ:
حَدثنَا دَاوُد، عَن سعيد بن الْمسيب مثله.
251 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، قَالَ: حَدثنَا
دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن عَامر؛ فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت: " ادْع
بِمَا تيَسّر ".
(1/177)
252 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى وَابْن بشار،
قَالَا: حَدثنَا معَاذ بن هِشَام، قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة،
قَالَ: سَأَلت سعيد بن الْمسيب: " مَا يُقَال فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت؟
قَالَ: مَا علمنَا يُقَال فِيهِ شَيْء مُؤَقّت " {
253 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن سعيد، عَن
قَتَادَة، عَن سعيد بن الْمسيب فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت " قَالَ: مَا
علمنَا فِيهَا قِرَاءَة، وَلَا دُعَاء مؤقتا ".
254 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن أبي سَلمَة، قَالَ: سَمِعت الشّعبِيّ يَقُول فِي
الصَّلَاة على الْمَيِّت: " لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُؤَقّت "}
255 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا الصَّباح بن محَارب، قَالَ:
حَدثنَا مُوسَى الْجُهَنِيّ، قَالَ: سَأَلت مُجَاهدًا وَعَطَاء وَالشعْبِيّ
وَالْحكم: " هَل فِي الْجِنَازَة شَيْء مُؤَقّت؟ قَالُوا: لَا نعلم فِيهِ
شَيْئا مؤقتا، وَلَكِنَّك شَفِيع، فاشفع لَهُ بِأَحْسَن مَا تعلم ".
256 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مُغيرَة، عَن
الشّعبِيّ " أَنه كَانَ لَا يؤقت على الْمَيِّت شَيْئا من الدُّعَاء:
إِنَّمَا هُوَ الاسْتِغْفَار لَهُ ".
(1/178)
257 - وحَدثني سعيد بن الرّبيع الرَّازِيّ،
قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان؛ قَالَ: " سَأَلت ابْن طَاوُوس: مَا كَانَ أَبوك
يَقُول فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة؟ قَالَ: كَانَ يَقُول أفضل مَا يدعى:
الاسْتِغْفَار ".
258 - وحَدثني سلم بن جُنَادَة السوَائِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: " ادْع على
الْجِنَازَة بِأَحْسَن مَا تعلم، لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُؤَقّت " {
259 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن مَنْصُور قَالَ: قلت لإِبْرَاهِيم: " الصَّلَاة على
الْمَيِّت؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُؤَقّت "}
260 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
معقل بن عبيد الله الْجَزرِي، قَالَ: " قلت لميمون بن مهْرَان: على
الْجِنَازَة قِرَاءَة أَو دُعَاء مَعْلُوم؟ قَالَ: مَا أعلم " {
261 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا هَارُون بن الْمُغيرَة، قَالَ:
قَالَ سُفْيَان: " لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُؤَقّت. يَعْنِي فِي الدُّعَاء على
الْمَيِّت "}
262 - وَحدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا
(1/179)
حَمَّاد، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم
قَالَ: " لَيْسَ فِيهِ دُعَاء مُؤَقّت ".
(" ذكر مَا حَضَرنَا ذكره من اخْتِلَاف من ذكرنَا أَنهم اخْتلفُوا فِيهِ من
الدُّعَاء على الْمَيِّت ")
(" ذكر مَا رُوِيَ فِي ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب - رَحْمَة الله عَلَيْهِ
")
263 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن طَارق، عَن سعيد بن الْمسيب، " أَن عمر كَانَ إِذا صلى على
الْمَيِّت قَالَ: أصبح عَبدك أَو أَمْسَى عَبدك قد تخلى من الدُّنْيَا
وَتركهَا لأَهْلهَا، وافتقر إِلَيْك، واستغنيت عَنهُ، كَانَ يشْهد أَلا
إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك فَاغْفِر لَهُ،
وَتجَاوز عَنهُ ".
264 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: سَأَلت سعيد بن
الْمسيب عَن الصَّلَاة على الْمَيِّت؟ فَقَالَ: " إِن شِئْت حدثتك
بِكَلِمَات كَانَ يقولهن عمر، كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ! أصبح عَبدك فلَان
قد تخلى من الدُّنْيَا، وَتركهَا لإهلها، وافتقر إِلَيْك، واستغنيت عَنهُ،
كَانَ يشْهد أَلا إِلَه إِلَّا أَنْت، وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك،
فَاغْفِر لَهُ، وَتجَاوز عَنهُ ".
(1/180)
265 - وَحدثنَا عبد الحميد بن بَيَان
القناد، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن يزِيد، عَن إِسْمَاعِيل، عَن طَارق بن
عبد الرَّحْمَن، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قلت: " أَلا تُخبرنِي عَن
الصَّلَاة على الْمَيِّت؟ فَقَالَ: كَانَ عمر إِذا صلى على جَنَازَة - إِن
كَانَ صباحا - قَالَ: اللَّهُمَّ {أصبح عَبدك هَذَا، قد تخلى من
الدُّنْيَا، وَتركهَا لأَهْلهَا، وافتقر إِلَيْك، واستغنيت عَنهُ، كَانَ
يشْهد أَلا إِلَه إِلَّا أَنْت، وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك،
فَاغْفِر لَهُ، وَتجَاوز عَنهُ - وَإِن كَانَ مسَاء - قَالَ: مثل ذَلِك ".
266 - وحَدثني عبيد بن إِسْمَاعِيل الْهَبَّاري، قَالَ: حَدثنَا
الْمحَاربي، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وَمَالك بن مغول، عَن طَارق بن
عبد الرَّحْمَن الأحمسي، قَالَ: سَأَلت سعيد بن الْمسيب عَن الصَّلَاة على
الْمَيِّت؟ فَقَالَ: " كَانَ عمر إِذا صلى على الْمَيِّت قَالَ:
اللَّهُمَّ} أصبح عَبدك قد تخلى من الدُّنْيَا " ثمَّ ذكره نَحْو حَدِيث
عبد الحميد، عَن مُحَمَّد بن يزِيد.
267 - وحَدثني يُوسُف بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن [وهب] ،
قَالَ: أخبرنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ:
سَأَلت سعيد بن الْمسيب: مَا يُقَال على الْمَيِّت؟ فَقَالَ: " إِن شِئْت
أَخْبَرتك مَا كَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول؟ كَانَ يَقُول: - إِن كَانَ
صباحا أَو مسَاء -: اللَّهُمَّ! أصبح عَبدك أَو أَمْسَى عَبدك قد تخلى من
الدُّنْيَا وَتركهَا لأَهْلهَا، وافتقر إِلَيْك، واستغنيت عَنهُ، وَكَانَ
يشْهد أَلا إِلَه إِلَّا أَنْت، وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك،
فَاغْفِر لَهُ، وَتجَاوز عَنهُ ".
(1/181)
268 - وحَدثني يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن
وهب، قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن
سعيد بن الْمسيب " أَن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا صلى على الْمَيِّت
يَقُول: اللَّهُمَّ {عَبدك أصبح قد تخلى من الدُّنْيَا وَتركهَا لأَهْلهَا،
وافتقر إِلَيْك، واستغنيت عَنهُ، وَكَانَ يشْهد أَلا إِلَه إِلَّا أَنْت،
فَاغْفِر لَهُ، وَتجَاوز عَنهُ ".
269 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنِي عبد الصَّمد، قَالَ: حَدثنَا
همام، قَالَ: حَدثنَا قَتَادَة، عَن خَالِد البَجلِيّ قَالَ: " سَأَلت سعيد
بن الْمسيب عَن الصَّلَاة على الْمَيِّت؟ فزبرني} فَلَمَّا أَدْبَرت
دَعَاني فَقَالَ: أما عمر بن الْخطاب، فَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ {عَبدك
هَذَا تفرغ من الدُّنْيَا، وَتركهَا لأَهْلهَا، وأفضى إِلَيْك، وَأصْبح
فَقِيرا إِلَى مَا عنْدك، وأصبحت عَنهُ غَنِيا جِئْنَا شُفَعَاء، فَاغْفِر
لَهُ ". وَإِن كَانَ مسَاء قَالَ: " أَمْسَى ... جِئْنَا شُفَعَاء فَاغْفِر
لَهُ ".
270 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا هَارُون، عَن عَنْبَسَة، عَن أبي
هَاشم الوَاسِطِيّ، قَالَ: " لقِيت رجلا بِمصْر يُقَال لَهُ: منقذ، زمن عبد
الْملك بن مَرْوَان، يزْعم أَن عمر بن الْخطاب أعتق أَبَاهُ، فَقَالَ:
إِنَّه رأى أَبَا بكر أَو عمر قَرَأَ على الْجِنَازَة بِفَاتِحَة الْكتاب،
ثمَّ قَرَأَ: {إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته، وَمَا للظالمين من
أنصار} . {رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ، إِن الله لَا
يخلف الميعاد} . اللَّهُمَّ} اغْفِر لهَذِهِ النَّفس الَّتِي كَانَت تشهد
أَلا إِلَه إِلَّا أَنْت، وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك.
(1/182)
اللَّهُمَّ {أبدلها بدارها خيرا من دارها،
وأوسع لَهَا فِي الْمدْخل ".
(" ذكر مَا رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب - رضوَان الله عَلَيْهِ فِي
ذَلِك - ")
271 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن عبد الله
بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، قَالَ: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب يَقُول
إِذا صلى على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ} اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا، وَألف
بَين قُلُوبنَا، وَأصْلح ذَات بَيْننَا، وَاجعَل قُلُوبنَا على قُلُوب
أخبارنا. اللَّهُمَّ {اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ} ارحمه، اللَّهُمَّ {أرجعه
إِلَى خير مَا كَانَ فِيهِ، اللَّهُمَّ} عفوك عفوك ".
272 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن
عَليّ أَنه كَانَ إِذا صلى على الْجِنَازَة قَالَ: " اللَّهُمَّ {اغْفِر
لأحيائنا وأمواتنا، وَألف بَين قُلُوبنَا، وَأصْلح ذَات بَيْننَا، وَاجعَل
قُلُوبنَا على قُلُوب أخيارنا، اللَّهُمَّ} اغْفِر لَهُ، اللَّهُمَّ
{ارحمه، اللَّهُمَّ} أرجعه إِلَى خير مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ
{عفوك عفوك ".
273 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، أَن عليا قَالَ فِي
الصَّلَاة على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ} اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا، وَألف
بَين قُلُوبنَا،
(1/183)
وَأصْلح ذَات بَيْننَا، وَاجعَل قُلُوبنَا
على قُلُوب خيارنا " قَالَ شُعْبَة: وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق يزِيد عَن
عَليّ - وَلَيْسَ من حَدِيث الْحَارِث -: " اللَّهُمَّ {اغْفِر لَهُ ذَنبه،
وأرجعه إِلَى خير مَا كَانَ عَلَيْهِ ".
274 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن شُعْبَة،
عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ بِمثلِهِ إِلَى: " وَاجعَل
قُلُوبنَا على قُلُوب أخيارنا ".
275 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن شُعْبَة،
عَن أبي إِسْحَاق، قَالَ: وَكَانَ عَليّ يَقُول: " اللَّهُمَّ} اغْفِر لَهُ
ذَنبه، وأرجعه إِلَى خير مَا كَانَ عَلَيْهِ ".
276 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا عمر بن عبيد، عَن أبي إِسْحَاق،
عَن الْحَارِث، عَن عَليّ: أَنه كَانَ يَقُول على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ
{اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا، وَألف بَين قُلُوبنَا، وَأصْلح ذَات بَيْننَا،
وَاجعَل قُلُوبنَا على قُلُوب أخيارنا ".
277 - حَدثنَا سوار بن عبد الله الْعَنْبَري، قَالَ: حَدثنَا عبد الْملك بن
الصَّباح، عَن عمرَان بن حدير، عَن أبي مجلز، قَالَ فِي الصَّلَاة على
الْمَيِّت: " إِن عَرفته فسمه، وَإِن لم تعرفه تَقول: اللَّهُمَّ} هَذَا
عَبدك أَو هَذِه أمتك كَانَ لَا يُشْرك بك شَيْئا، أَنْت ولي الْعَذَاب
وَالْمَغْفِرَة، إِن تعذب فبذنب، وَإِن تغْفر، فَإنَّك غَفُور رَحِيم.
اللَّهُمَّ! ارْفَعْ دَرَجَته فِي المهديين، واخلف على عقبه فِي الغابرين،
واغفر لنا وَله
(1/184)
رب الْعَالمين. اللَّهُمَّ {لَا تَحْرِمنَا
أجره وَلَا تضلنا بعده ". قَالَ: فسمعني مُحَمَّد بن وَاسع، وَأَنا أحدث
بِهَذِهِ، فَقَالَ: هَذِه صَلَاة عَليّ}
278 - وَحدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا
الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، قَالَ: سَمِعت عمرَان، عَن أبي مجلز فِي
الصَّلَاة على الْمَيِّت قَالَ: " قل اللَّهُمَّ {- إِن عَرفته فسمه، وَإِن
لم تعرفه فَقل: اللَّهُمَّ} هَذَا عَبدك - وَإِن كَانَت امْرَأَة قلت:
هَذِه أمتك: كَانَ لَا يُشْرك بك شَيْئا، أَنْت أعلم بِهِ، وَأَنت ولي
الْعَذَاب وَالْمَغْفِرَة، فَإِن تعذب فبذنب، وَإِن تغْفر، فَإنَّك الغفور
الرَّحِيم، ارْفَعْ دَرَجَته فِي المهديين، واخلف على عقبه فِي الغابرين،
واغفر لنا وَله رب الْعَالمين ".
(" ذكر مَا رُوِيَ فِي ذَلِك عَن عبد الله بن مَسْعُود ")
279 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا
هِشَام، عَن قَتَادَة.
280 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن هِشَام، قَالَ: حَدثنِي
أبي، عَن قَتَادَة عَن الْحسن، عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ يَقُول
فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت: " اللَّهُمَّ {اغْفِر لعبدك فلَان بن فلَان،
اللَّهُمَّ} أضيء لَهُ فِي قَبره، وَعظم نوره، اللَّهُمَّ! لَا تَحْرِمنَا
أجره، وَلَا تضلنا بعده ".
(1/185)
281 - وَحدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا
الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن عَليّ الرِّفَاعِي، عَن الْحسن قَالَ:
" كَانَ ابْن مَسْعُود رجلا يكلم النَّاس، وَكَانَ يَقُول: " إِذا صلى
أحدكُم على الْمَيِّت فليكبر، وليقرأ بِفَاتِحَة الْكتاب، ثمَّ يَقُول:
اللَّهُمَّ {اغْفِر لعبدك - فَإِن كَانَ يعلم اسْمه، وَإِلَّا قَالَ -
اللَّهُمَّ} اغْفِر لعبدك هَذَا، اللَّهُمَّ {اغْفِر لَهُ ذَنبه، وألحقه
بِنَبِيِّهِ، وأضيء لَهُ فِي قَبره، عظم نوره وأجره، اللَّهُمَّ} لَا
تَحْرِمنَا أجره، وَلَا تضلنا بعده ".
282 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا الْمحَاربي، قَالَ: حَدثنَا
إِسْمَاعِيل بن رَافع، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق، عَن إِبْرَاهِيم،
قَالَ: " كَانَ عبد الله إِذا صلى على الْجِنَازَة قَالَ: " اللَّهُمَّ
{عَبدك، وَابْن عَبدك، وَابْن أمتك، أَنْت خلقته، وَأَنت هديته
لِلْإِسْلَامِ، وَأَنت قبضت روحه، وَأَنت أعلم بسريرته وعلانيته، جِئْنَا
نشفع لَهُ، اللَّهُمَّ} إِنَّا نستجيره بِحَبل جوارك، إِنَّك ذُو وَفَاء،
وَذمَّة، فقه فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب النَّار، اللَّهُمَّ {إِن كَانَ
محسنا فزد فِي إحسانه، وَإِن كَانَ مسيئا فَتَجَاوز عَن سيئاته،
اللَّهُمَّ} نور لَهُ فِي قَبره، وألحقه بِنَبِيِّهِ. يَقُول ذَلِك فِي كل
تَكْبِيرَة، حَتَّى إِذا كَانَ فِي الْآخِرَة قَالَ ذَلِك، ثمَّ قَالَ:
اللَّهُمَّ {صل على مُحَمَّد، وعَلى آل مُحَمَّد، وَبَارك على مُحَمَّد،
وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت وباركت على آل إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد
مجيد. اللَّهُمَّ} اغْفِر لأسلافنا، وأفراطنا، اللَّهُمَّ! اغْفِر
للْمُسلمين وَالْمُسلمَات، وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات، الْأَحْيَاء
مِنْهُم والأموات، ثمَّ ينْصَرف ".
(1/186)
(" ذكر مَا رُوِيَ فِي ذَلِك عَن سَائِر
الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ")
283 - حَدثنَا حميد بن مسْعدَة، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، قَالَ:
حَدثنَا جرير بن حَازِم، قَالَ: سَمِعت نَافِعًا يحدث قَالَ: كَانَ عبد
الله بن عمر يَدْعُو لَهُ - يَعْنِي للْمَيت دُعَاء كثيرا، لم أحفظ مِنْهُ
إِلَّا: " اللَّهُمَّ {صل عَلَيْهِ، واغفر لَهُ، وَبَارك فِيهِ، وَأوردهُ
حَوْض رَسُولك ".
284 - وَحدثنَا مُجَاهِد بن مُوسَى، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون،
قَالَ: أخبرنَا جرير بن حَازِم، قَالَ: سَأَلت نَافِعًا: هَل كَانَ ابْن
عمر يقْرَأ على الْجِنَازَة؟ فَقَالَ: لَا. كَانَ ابْن عمر إِذا كبر على
الْجِنَازَة، روح يَده، وَإِذا دَعَا قَالَ هَكَذَا: وَأَشَارَ بإصبعه
السبابَة، وَكَانَ يَدْعُو بِدُعَاء كثير لم يحفظه نَافِع، أرى فِيهِ: "
اللَّهُمَّ} صل عَلَيْهِ، واغفر لَهُ، وارحمه، وَأوردهُ حَوْض نبيك -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَدُعَاء كثيرا لم يحفظه نَافِع ".
285 - وحَدثني يَعْقُوب، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم،
قَالَ: أخبرنَا أَيُّوب، عَن نَافِع: أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي على
الْمَيِّت يَقُول: " اللَّهُمَّ! صل عَلَيْهِ، واغفر لَهُ. وَبَارك فِيهِ،
وَأوردهُ حَوْض نبيك أَو قَالَ: حَوْض رَسُولك ". قَالَ: وَكَانَ يَدْعُو
بِأَكْثَرَ من هَذَا.
(1/187)
286 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى،
قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي مَالك وَيُونُس، وَجَرِير،
وَاللَّيْث بن سعد، أَن نَافِعًا أخْبرهُم: أَن ابْن عمر كَانَ إِذا صلى
على الْجِنَازَة يَقُول: " اللَّهُمَّ {بَارك فِيهِ، وصل عَلَيْهِ،
وَأوردهُ حَوْض رَسُولك - فِي حَدِيث يُونُس وَجَرِير - فِي كَلَام كثير،
وَقيام طَوِيل لم يفقهه مِنْهُ نَافِع ".
287 - وحَدثني يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن
لَهِيعَة، عَن بكر بن سوَادَة، عَن زِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: "
صليت إِلَى جنب عبد الله بن عمر على جَنَازَة، فَسَمعته يَقُول: "
اللَّهُمَّ} اغْفِر لي ولوالدي ".
288 - حَدثنَا خلالد بن أسلم، قَالَ: أخبرنَا النَّضر بن شُمَيْل، قَالَ:
أخبرنَا مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن نَافِع مولى ابْن عمر، قَالَ: سَمِعت ابْن
عَبَّاس، وَهُوَ يُصَلِّي على جَنَازَة، وَهُوَ يَقُول: " اللَّهُمَّ!
اغْفِر لَهُ، وارحمه، وَبَارك فِيهِ، وَأوردهُ حَوْض رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي دُعَاء خَفِي عَليّ.
289 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب، قَالَ: سَمِعت
يحيى بن سعيد يَقُول: أَخْبرنِي سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، أَن رجلا
سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة: كَيفَ أُصَلِّي على الْجِنَازَة؟ فَقَالَ: " أَنا
- لعمر
(1/188)
الله - أخْبرك {أكبر، ثمَّ أُصَلِّي على
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ أَقُول: اللَّهُمَّ}
عَبدك أَو أمتك، كَانَ يعبدك لَا يُشْرك بك شَيْئا، وَأَنت أعلم بِهِ، إِن
كَانَ محسنا فزد فِي إحسانه، وَإِن كَانَ مخطئا فَتَجَاوز عَنهُ،
اللَّهُمَّ {لَا تَحْرِمنَا أجره، وَلَا تضلنا بعده ".
290 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا يزِيد، قَالَ: أخبرنَا يحيى بن
سعيد، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، أَن رجلا سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة،
قَالَ: كَيفَ تكبر على الْمَيِّت؟ فَقَالَ: " أَنا - لعمر الله - أخْبرك}
أكبر، ثمَّ أُصَلِّي على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
ثمَّ أَقُول: اللَّهُمَّ {هَذَا عَبدك أَو أمتك، كَانَ يعبدك لَا يُشْرك بك
شَيْئا " ثمَّ ذكر نَحوه، إِلَّا أَنه قَالَ: " وَلَا تفتنا أَو لَا تضلنا
بعده ".
291 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، قَالَ:
حَدثنَا مُسلم بن خَالِد، عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، قَالَ: " كَانَ أَبُو
هُرَيْرَة يشْهد الْجِنَازَة، فنقوم إِلَى جنبه، فَيَقُول أَبُو هُرَيْرَة:
إمرأة أم رجل؟ فَإِن كَانَت امْرَأَة قَالَ: اللَّهُمَّ} إِن كَانَت هَذِه
النَّسمَة وَإِن كَانَ رجلا قَالَ: اللَّهُمَّ {إِن كَانَ هَذَا النسم
زاكيا فزكه، وصل عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ مسيئا، فَتَجَاوز عَنهُ، وارحمه،
اللَّهُمَّ} اغْفِر لَهُ، وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان
- إِلَى آخرهَا - يَقُول هَذَا فِي كل تَكْبِيرَة من الْأَرْبَع! ".
(1/189)
292 - وَحدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا
الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد، عَن الْأَزْرَق بن قيس، قَالَ: سَأَلَ
مَرْوَان بن الحكم أَبَا هُرَيْرَة عَن الدُّعَاء للْمَيت؟ فَقَالَ: "
اللَّهُمَّ {أَنْت خلقته، وَأَنت أحييته، وَأَنت أمته، وَأَنت أعلم بِهِ،
جئْنَاك شُفَعَاء لَهُ، فَاغْفِر لَهُ ".
293 - وَحدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا
حَمَّاد، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن عبد الله بن سَلام،
أَنه كَانَ يَقُول: " اللَّهُمَّ} اغْفِر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا،
وَذكرنَا وأنثانا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا. من أحييته منا فأحيه على
الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان ".
294 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا هَارُون بن الْمُغيرَة، عَن
عَمْرو، عَن الْحجَّاج، عَن الْوَلِيد أبي مَالك: " أَنه صلى خلف وَاثِلَة
بن الْأَسْقَع على جَنَازَة، فَلم يقْرَأ فِيهَا، وَجعل يَقُول:
اللَّهُمَّ! اغْفِر لَهُ ".
(1/190)
295 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنَا هِشَام بن عبد الْملك، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: أَخْبرنِي
زيد الْعمي، قَالَ: سَمِعت أَبَا الصّديق، عَن أبي سعيد، أَنه قَالَ: "
كُنَّا إِذا صلينَا على الْمَيِّت قُلْنَا: اللَّهُمَّ {رَبنَا وربه}
خلقته، ورزقته، وكفيته، فَاغْفِر لنا وَله، وَلَا تَحْرِمنَا أجره، وَلَا
تضلنا بعده ".
296 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو تُمَيْلة، قَالَ: حَدثنَا
يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت حَبَّة بن جُوَيْن
العرني يَقُول لِلْحَارِثِ: يَا أَبَا زُهَيْر {كَيفَ الصَّلَاة على
الْمَيِّت؟ قَالَ: تَقول: " اللَّهُمَّ} اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا، وَألف
بَين قُلُوبنَا. وَاجعَل قُلُوبنَا على قُلُوب أخيارنا، فَقَالَ لَهُ
مُجَاهِد: أما نَحن، فَنَقُول: اللَّهُمَّ {عَبدك، أَنْت خلقته، وَأَنت
هديته لِلْإِسْلَامِ، وَأَنت قبضت روحه، وَأَنت أعلم بسره وعلانيته،
وَجِئْنَا لنشفع فَاغْفِر لَهُ. فَإِنَّمَا صَلَاتك شَفَاعَة للْمَيت،
وَدُعَاء لَهُ ".
297 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن وَاضح، عَن مُحَمَّد بن
مُسلم، عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، قَالَ: " سَأَلت طاووسا عَن الصَّلَاة
على الْجَنَائِز؟ فَقَالَ: لَا أعلم شَيْئا خيرا من أَن تَقول: اللَّهُمَّ}
اغْفِر لَهُ وارحمه ".
(1/191)
298 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا
جرير، عَن مُغيرَة، عَن حَمَّاد، قَالَ: قلت لإِبْرَاهِيم: " يُقَال على
الْمَيِّت: اللَّهُمَّ {ألحقهُ بِنَبِيِّهِ، وافسح لَهُ فِي قَبره، وَلَا
تضلنا بعده، وَلَا تَحْرِمنَا أجره؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيم: واغفر لنا وَله
".
299 - وحَدثني يَعْقُوب، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية، قَالَ: أخبرنَا أَيُّوب
وَابْن عون، عَن مُحَمَّد: " أَنه كَانَ يَقُول فِي الصَّلَاة على
الْمَيِّت: اللَّهُمَّ} اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا الْمُسلمين، اللَّهُمَّ
{اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات، وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات،
وَأصْلح ذَات بَينهم، وَألف بَين قُلُوبهم، وَاجعَل قُلُوبهم على قُلُوب
خيارهم. اللَّهُمَّ} اغْفِر لعبدك فلَان - إِن علم اسْمه سَمَّاهُ -
اللَّهُمَّ {ارْفَعْ دَرَجَته فِي المهديين، واخلفه فِي عقبه فِي الغابرين،
واغفر لنا وَله رب الْعَالمين، اللَّهُمَّ} لَا تَحْرِمنَا أجره، وَلَا
تضلنا بعده. قَالَ أَيُّوب: وَكَانَ مُحَمَّد يقْرَأ على الْمَيِّت ".
300 - حَدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا يزِيد،
قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن سِيرِين يَقُول فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة:
" اللَّهُمَّ {اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا الْمُسلمين، اللَّهُمَّ} اغْفِر
للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات، وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات، وَأصْلح ذَات
بَينهم، وَألف بَين قُلُوبهم، وَاجعَل قُلُوبهم على قُلُوب أخيارهم،
اللَّهُمَّ {اغْفِر لعبدك فلَان، وَلِأُمَّتِك فُلَانَة، اللَّهُمَّ} اخلفه
فِي عقبه فِي الغابرين، اللَّهُمَّ! لَا تَحْرِمنَا أجره، وَلَا تضلنا بعده
".
(1/192)
301 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن ابْن عون، قَالَ: " سَأَلت الشّعبِيّ عَن
الدُّعَاء على الْمَيِّت؟ قَالَ: قلت: مَا تَقول؟ قَالَ: مَا أَقُول {؟
أَقُول: اللَّهُمَّ} كرمه بمقامنا، وشفعنا فِيهِ، قَالَ: فظننته اقتضبه
ساعتئذ ".
302 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَامر، قَالَ: حَدثنَا
قُرَّة، عَن الْحسن، أَنه قَالَ فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت؟ قَالَ: "
تقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب. قلت: تسميه؟ قَالَ: نعم {قلت: وتنسبه إِلَى
أَبِيه؟ قَالَ: لَا. حَسبك أَن تَقول: اللَّهُمَّ} اغْفِر لَهُ ذَنبه،
وَأعظم لَهُ أجره، وَنور وأضيء لَهُ قَبره، اللَّهُمَّ {لَا تَحْرِمنَا
أجره، وَلَا تضلنا بعده ".
303 - وَحدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا يزِيد
بن إِبْرَاهِيم، عَن الْحسن، أَنه كَانَ يَقُول فِي الصَّلَاة على
الْمَيِّت: " تكبر، ثمَّ تقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب، ثمَّ تَقول:
اللَّهُمَّ} اغْفِر لعبدك فلَان بن فلَان، اللَّهُمَّ {اغْفِر لَهُ ذَنبه،
وأضيء لَهُ فِي قَبره، وألحقه بِنَبِيِّهِ، وَيسلم فِي الرَّابِعَة ".
304 - وَحدثنَا الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: حَدثنَا
حَمَّاد، عَن قيس، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت: "
اللَّهُمَّ} اغْفِر لأحيائنا وأمواتنا، وَألف بَين قُلُوبنَا، وَاجعَل
قُلُوبنَا على قُلُوب أخيارنا. اللَّهُمَّ! اغْفِر لَهُ، وارحمه، واجعله
أخير يَوْم أَتَى عَلَيْهِ، واجعله فِي خير مِمَّا كَانَ فِيهِ، ووسع
عَلَيْهِ مداخله، وَلَا تَحْرِمنَا أجره،
(1/193)
وَلَا تضلنا بعده ".
فقد تبين بِالَّذِي روينَا من الْأَخْبَار عَن أَصْحَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان،
والخالفين بعدهمْ فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة. وَاخْتِلَافهمْ فِي
الدُّعَاء فِيهَا عَلَيْهِ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لم يحصر فِي الدُّعَاء فِيهَا أمته على شَيْء مُؤَقّت، وَأَن
الَّذِي مضى من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيَّام
حَيَاته فِي ذَلِك على النَّحْو الَّذِي رُوِيَ عَنهُ من الدُّعَاء على قدر
مَا كَانَ يحضرهُ، وعَلى ذَلِك من منهاجه فِي ذَلِك، مضى الْخِيَار من
أمته، وَقد روينَا عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه
قَالَ: " إِذا صليتم على الْجِنَازَة، فأخلصوا لَهُ الدُّعَاء - يَعْنِي
الْمَيِّت - ".
(" ذكر الرِّوَايَة الْوَارِدَة بذلك عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ")
305 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن ابْن
إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن
أبي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا صليتم على الْجِنَازَة فأخلصوا لَهُ الدُّعَاء ".
(1/194)
306 - وَحدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ:
حَدثنَا يُونُس بن بكير، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن سعيد بن الْمسيب وسلمان الْأَغَر مولى
جُهَيْنَة، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا صليتم على الْجِنَازَة فأخلصوا لَهُ
الدُّعَاء ".
فَالَّذِي يَنْبَغِي لكل مصل صلى على جَنَازَة، أَن يخلص للْمَيت الدُّعَاء
بِأَحْسَن مَا حَضَره، مِمَّا قد ذَكرْنَاهُ، فَإِن تعدى ذَلِك إِلَى بعض
مَا رُوِيَ فِيهِ عَن بعض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، أَو دَعَا بِغَيْر
ذَلِك مِمَّا حَضَره من الدُّعَاء لَهُ وَالِاسْتِغْفَار، فَجَائِز صَوَاب،
وَلَا شَيْء فِي ذَلِك من الدُّعَاء مَحْصُور، لَا يجوز لمصل عَلَيْهِ
تجاوزه.
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")
فَمن ذَلِك قَول خَالِد البَجلِيّ: سَأَلت سعيد بن الْمسيب عَن الصَّلَاة
على الْجِنَازَة فزبرني - يَعْنِي بقوله: فزبرني: فَانْتَهرنِي، وَأَصله:
الضَّرْب
(1/195)
على الزبرة والزبرة: أَعلَى الْكَاهِل من
كل إِنْسَان، ونهيمه: وَهُوَ مَوضِع مُجْتَمع الشّعْر من أَعلَى كَاهِل
الْأسد، وَلذَلِك قيل للأسد: مزبراني، كَمَا قَالَ أَوْس بن حجر:
(كالمزبراني عِيَال بأوصال ... )
يُقَال مِنْهُ: زبر فلَان فلَانا يزبره زبرا: إِذا ضربه على ذَلِك الْموضع،
ثمَّ اسْتعْمل ذَلِك وَكثر حَتَّى قيل لكل منتهر غَيره وزاجره عَن شَيْء:
زبره. أما قَول ابْن عون: فظننته اقتضبه ساعتئذ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله:
اقتضبه: افتعله إبتداء، واقتطعه من الدُّعَاء. وأصل القضب الْقطع. وَمن
ذَلِك قيل للقضيب: قضيب؛ لِأَنَّهُ عود قطع من الشّجر.
وَإِنَّمَا هُوَ مقضوب بِمَعْنى: مَقْطُوع، صرف إِلَى فعيل. كَمَا قيل
للمقتول: قَتِيل، وللمجروح: جريح. يُقَال مِنْهُ: قضب فلَان كَذَا، فَهُوَ
يقضبه قضبا، واقتضبه يقتضبه اقتضابا. وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
(كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عفرية ... مُسَوَّم فِي سَواد اللَّيْل
منقضب)
يَعْنِي بالمنقضب: الْمُنْقَطع من سَائِر الْكَوَاكِب وَغَيره:
وَمِنْه قَول الآخر:
(لم تدر مَا نسج اليرندج قبله ... وقضاب أعوص دارس متخدد)
(1/196)
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
307 - حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الحكم الْمصْرِيّ، قَالَ:
حَدثنَا مُحَمَّد بن عَاصِم الْمعَافِرِي، قَالَ: حَدثنَا الْمفضل بن
فضَالة، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن ابْن شهَاب، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ على مختلس قطع ".
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده، وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلتين:
إِحْدَاهمَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَصح إِلَّا من هَذَا
الْوَجْه.
وَالْخَبَر إِذا انْفَرد بِهِ - عِنْدهم - مُنْفَرد، وَجب التثبت فِيهِ:
وَالثَّانيَِة: أَن رَاوِيه مُحَمَّد بن عَاصِم الْمعَافِرِي، وَهُوَ غير
مَعْرُوف فِي أهل النَّقْل وَقد وَافق عبد الرَّحْمَن فِي رِوَايَة هَذَا
الْخَبَر عَن رَسُول
(1/197)
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- بعض أَصْحَابه نذْكر مَا صَحَّ عندنَا من ذَلِك بِسَنَدِهِ.
(" ذكر ذَلِك ")
308 - حَدثنَا ابْن بشار وَابْن سِنَان الْقَزاز، قَالَا: حَدثنَا أَبُو
عَاصِم، قَالَ: أخبرنَا ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الزبير، قَالَ:
قَالَ جَابر: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
لَيْسَ على منتهب قطع، وَلَا على الخائن، وَلَا على المختلس قطع ".
309 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا مُؤَمل، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر بن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ على المختلس، وَلَا على
المنتهب،
(1/198)
وَلَا على الخائن قطع ".
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذَا الْخَبَر من الْفِقْه ")
وَالَّذِي فِيهِ من ذَلِك: تَحْقِيق قَول من قَالَ: لَا قطع على مختلس
بَالِغَة مَا بلغت قيمَة خلسته.
وَبِذَلِك من القَوْل عَامَّة عُلَمَاء السّلف وَالْخلف يَقُولُونَ: وَهُوَ
الصَّوَاب لدينا من القَوْل، وَإِن كَانَ قد رُوِيَ عَن بعض السّلف الْأَمر
بِقطعِهِ.
(" ذكر من قَالَ من السّلف: لَا قطع على مختلس ")
310 - حَدثنَا ابْن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا
الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، قَالَ: قَرَأت على فُضَيْل، عَن أبي حريز "
أَن عَامِرًا حَدثهُ فِي الخلسة، أَن عمار بن يَاسر كتب إِلَى عمر فِي رجل
من الأزد يُقَال لَهُ أَيُّوب بن ربقة: اختلس طوقا، فَأدْرك الطوق مَعَه،
فَكتب عمر: ذَلِك
(1/199)
عادي الظهيرة لَيْسَ عَلَيْهِ قطع استودعه
السجْن، فاستودعه حَتَّى مَاتَ فِيهِ "!
311 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ:
أخبرنَا فُضَيْل أَبُو معَاذ، عَن أبي حريز، عَن الشّعبِيّ: " أَن رجلا
اختلس من رجل طوقا نَهَارا، فَرفع ذَلِك إِلَى عمار بن يسَار، قَالَ: فَكتب
فِيهِ إِلَى عمر بن الْخطاب قَالَ: فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِنَّه العادي
ظهرا، فعاقبه، وَلَا تقطعه ".
312 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا
بكير بن أبي السميط، عَن قَتَادَة، عَن خلاس بن عَمْرو، أَن عليا قَالَ: "
لَا قطع فِي الخلسة، وَلَا فِي الْخِيَانَة ".
313 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن سعيد، عَن
قَتَادَة، عَن خلاس بن عَمْرو: " أَن عليا رفع إِلَيْهِ رجل قد اختلس، فَلم
يقطعهُ ".
314 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي عدي، عَن
شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن خلاس؛ وَمُحَمّد بن جَعْفَر ومعاذ بن معَاذ،
عَن عَوْف بن أبي جميلَة، عَن خلاس، قَالَ: " كَانَ عَليّ لَا يقطع فِي
(1/200)
الدغرة، إِنَّمَا يقطع فِي السّرقَة
المستخفى بهَا ".
315 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن يمَان، عَن سُفْيَان، عَن
سماك، عَن ابْن الأبرص، عَن عَليّ قَالَ: " لَيْسَ فِي الخلسة قطع ".
316 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن سماك، عَن دثار بن عبيد بن الأبرص، قَالَ: " أُتِي عَليّ
بِرَجُل قد سرق من رجل ثوبا، قَالَ: أَكنت تعرفه؟ قَالَ: نعم. فَلم يقطعهُ
".
317 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن ابْن عبيد بن الأبرص، قَالَ: "
أُتِي عَليّ بِرَجُل استلت ثوب رجل، فَقَالَ: إِنِّي كنت أعرفهُ؟ فخلى
عَنهُ ".
318 - وَحدثنَا الرِّفَاعِي أَبُو هِشَام، قَالَ: حَدثنَا يحيى، عَن
شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن ابْن عبيد بن الأبرص: " أَن عليا لم
يقطعهُ ".
319 - وحَدثني يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي
(1/201)
سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن سماك بن حَرْب،
عَن ابْن عبيد بن الأبرص، أَن عَليّ بن أبي طَالب، قَالَ: " لَا قطع فِي
الخلسة ".
320 - وحَدثني يُونُس، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي جرير بن
حَازِم، أَنه سمع قَتَادَة يخبر عَن خلاس، عَن عَليّ بن أبي طَالب، أَنه
قَالَ: " لَا قطع فِي الخلسة ".
321 - وَحدثنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي، قَالَ: حَدثنَا يحيى، عَن حجاج،
عَن الحكم، قَالَ: قَالَ عَليّ: " لَيْسَ على مختلس قطع ".
322 - وَحدثنَا أَبُو هِشَام، قَالَ: حَدثنَا أَبُو خَالِد، عَن عُبَيْدَة،
عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: " القفاف والمختلس لَا يقْطَعَانِ ".
323 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ:
أخبرنَا حميد الطَّوِيل: " أَن رجلا اختلس طوقا نَهَارا، فَأتي بِهِ عدي بن
أَرْطَأَة، قَالَ: فَأرْسل إِلَى إِيَاس بن مُعَاوِيَة فَسَأَلَهُ: مَا
ترى؟ قَالَ: فَقَالَ: اقطعه! قَالَ: فَأرْسل إِلَى الْحسن، فَسَأَلَهُ،
فَقَالَ: لَا تقطعه، فَإِنَّهُ عادي الظهيرة. قَالَ: فَكتب عدي إِلَى عمر
بن عبد الْعَزِيز فِي ذَلِك. قَالَ: فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِنَّه عادي
الظهيرة، فعاقبه، وَلَا تقطعه ".
(1/202)
324 - وحَدثني ابْن عبد الرَّحِيم البرقي،
قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن سعيد - يَعْنِي ابْن عبد
الْعَزِيز - عَن رجل اختلس شَيْئا جهارا: هَل تقطع يَده؟ قَالَ: " لَا،
وَلَكِن عُقُوبَة ". وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة: الْخَبَر الَّذِي
ذَكرْنَاهُ قبل، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
وَأَن المختلس مَعْنَاهُ، معنى الْغَاصِب، وَلَا قطع على غَاصِب فِي قَول
أحد من أهل الْعلم.
وَقَالَ آخَرُونَ: على المختلس مَا يجب فِي مثله الْقطع: الْقطع {
(" ذكر من قَالَ ذَلِك ")
325 - حَدثنَا هناد بن السّري، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص، عَن سماك،
عَن ابْن عبيد بن الأبرص، قَالَ: " اختلس رجل من رجل رِدَاءَهُ، فَقَامَتْ
عَلَيْهِ الشُّهُود. فَقَالَ عَليّ: اقطعوه. فَقَالَ الرجل: إِنَّمَا كنت
أَلعَب؟ فَقَالَ: وَكنت تعرفه؟ قَالَ: نعم} فخلى سَبيله ".
326 - وحَدثني يَعْقُوب، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ أخبرنَا حميد
الطَّوِيل " أَن رجلا اختلس طوقا نَهَارا، فَأتي بِهِ عدي بن أَرْطَأَة.
قَالَ: فَأرْسل إِلَى إِيَاس بن مُعَاوِيَة، فَسَأَلَهُ. قَالَ: قَالَ:
اقطعه ".
وَعلة قائلي هَذِه الْمقَالة: أَن المختلس لص! وَذَلِكَ أَنه يختلس مَا
يختلس مِمَّن يختلسه مِنْهُ مستغفلا لَهُ فِي اختلاسه مِنْهُ، فَهُوَ
نَظِير الْآخِذ
(1/203)
مَال غَيره مستخفيا بِأَخْذِهِ إِيَّاه،
وَذَلِكَ أَن استخفاءه بِأَخْذِهِ ذَلِك استغفال مِنْهُ رب المَال، فَمثله
الأخذة اختلاسا.
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")
فَمن ذَلِك قَول جلاس بن عَمْرو: " كَانَ عَليّ لَا يقطع فِي الدغرة ".
والدغرة: هِيَ الخلسة. وَأَصلهَا: الدّفع، وَهُوَ أَن يدْفع المختلس صَاحب
الْمَتَاع، فَيَرْمِي بِهِ، ثمَّ يستلب مِنْهُ مَا مَعَه. يُقَال مِنْهُ:
دغر فلَان فلَانا فَهُوَ يدغره دغرا.
وَمِنْه خبر أم قيس بنت مُحصن، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ للنِّسَاء: " لَا تعذبن أَوْلَادكُنَّ بالدغر ".
يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالدغر دفع الْمَرْأَة
بأصبعها نغانغ الصَّبِي إِذا عذرته، كَمَا قَالَ جرير بن عَطِيَّة:
(غمز ابْن مرّة - يَا فرزدق - كينها ... غمز الطَّبِيب نغانغ الْمَعْذُور)
آخر حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/204)
(مُسْند طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله
عَنهُ)
(1/205)
|