تهذيب
الآثار الجزء المفقود 931 - وحَدثني مُحَمَّد بن مَرْزُوق
الْبَصْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا عمر بن سِنَان الملقب بالصغدي، قَالَ: حَدثنِي
الْجريرِي، عَن أبي عَامر، زعم: " أَنه رأى شعر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مخضوبا ".
وَرَأى آخَرُونَ: أَن ترك الشّعْر أَبيض أولى من تَغْيِيره {وَرَأَوا أَن
الصَّحِيح عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من
الْخَبَر: نَهْيه عَن تَغْيِير الشيب}
وَقَالُوا: توفّي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد
بدا فِي لحيته وعنفقته وَرَأسه الشيب، فَلم يُغَيِّرهُ بِشَيْء من الأصباغ،
وَلَو كَانَ تَغْيِيره الِاخْتِيَار: كَانَ هُوَ أولى أَن يكون قد آثر
الَّذِي هُوَ أفضل!
(" ذكر من رُوِيَ ذَلِك عَنهُ من السّلف أَو ترك تَغْيِير الشيب ")
932 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ، عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي، قَالَ: "
رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب أَبيض الرَّأْس واللحية. قَالَ: سُفْيَان: أَو
ذكر أَحدهمَا ".
(1/496)
933 - وَحدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا
عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، قَالَ: "
كنت مَعَ أبي يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ: أَي بني تُرِيدُ أَن ترى أَمِير
الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: فَقُمْت قَائِما فَرَأَيْت عليا يخْطب عَلَيْهِ
إِزَار ورداء أترع، ضخم الْبَطن، أَبيض الرَّأْس واللحية ".
934 - وَحدثنَا هَارُون بن إِسْحَاق الْهَمدَانِي، قَالَ: حَدثنَا مُصعب بن
الْمِقْدَام، قَالَ: حَدثنَا إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق
السبيعِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق، قَالَ: " رَأَيْت عليا يخْطب على
الْمِنْبَر، وَعَلِيهِ إِزَار ورداء: أَبيض الرَّأْس واللحية، أجلح، ضخم
الْبَطن، ربعَة ".
935 - وحَدثني عبد الْأَعْلَى بن وَاصل الْأَسدي، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن
آدم، قَالَ: حَدثنَا إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
الْهَمدَانِي، قَالَ: " رَأَيْت عليا أَبيض الرَّأْس واللحية، أجلح، ضخم
الْبَطن، ربعَة من الرِّجَال ".
(1/497)
936 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا
يحيى بن وَاضح، قَالَ: حَدثنَا أَيُّوب بن أبي مَنْصُور، عَن أبي إِسْحَاق
الْهَمدَانِي، قَالَ: " رَأَيْت عليا أَبيض الرَّأْس واللحية ".
937 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، عَن
إِسْمَاعِيل، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: " رَأَيْت أَبَا الْحسن عليا، ولحيته
بَيْضَاء، قد مَلَأت مَا بَين مَنْكِبَيْه ".
938 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن وَاضح، قَالَ: حَدثنَا
نوح، عَن أبي سعيد، قَالَ: " رَأَيْت عليا أَبيض الرَّأْس واللحية ".
939 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنَا خربوذان،
قَالَ: " رَأَيْت عليا أَبيض اللِّحْيَة ".
940 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مُغيرَة، قَالَ: "
كَانَ عمر وَعلي - رضوَان الله عَلَيْهِمَا - لَا يخضبان ".
(1/498)
941 - حَدثنِي عمر بن إِسْمَاعِيل
الْهَمدَانِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن ربيعَة، عَن عبد الْملك مُؤذن
الْمَسْجِد الْحَرَام اللَّيْثِيّ، قَالَ: " رَأَيْت الْحسن وَالْحُسَيْن
قد شَابًّا، وَلم يخضبا ".
942 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا ابْن عدي، عَن عَوْف، عَن الْحسن،
قَالَ: حَدثنَا عتي بن ضَمرَة، قَالَ: " قدمت الْمَدِينَة، فَلَقِيت شَيخا
أَبيض الرَّأْس واللحية، فَإِذا هُوَ أبي بن كَعْب ".
943 - وَحدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، عَن شُعْبَة،
عَن يُونُس، عَن الْحسن، عَن عتي، قَالَ: " رَأَيْت أبي بن كَعْب أَبيض
اللِّحْيَة، أَبيض الرَّأْس ".
944 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن
إِبْرَاهِيم، عَن سعيد الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، قَالَ: قَالَ رجل منا،
يُقَال لَهُ: جَابر أَو جُوَيْبِر: " قدمت الْمَدِينَة فِي خلَافَة عمر،
فَأتيت عمر، فَرَأَيْت إِلَى جنبه رجلا أَبيض الثِّيَاب، أَبيض الشّعْر!
فَقلت:
(1/499)
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ {من هَذَا إِلَى
جَنْبك؟} قَالَ: سيد الْمُسلمين: أبي بن كَعْب ".
945 - وحَدثني عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الحكم الْمصْرِيّ، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو نباتة يُونُس بن يحيى بن نباتة، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة بن
وردان، قَالَ: " رَأَيْت أنس بن مَالك، وَمَالك بن أَوْس بن الْحدثَان
النصري، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع، وَعبد الرَّحْمَن بن أَشْيَم من بني
أَنْمَار: كلهم صحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا
يغيرون الشيب بِشَيْء! مِنْهُم من فِي رَأسه سَواد وَبَيَاض. وَقَالَ بعد
ذَلِك: رؤوسهم ولحاهم بيض كلهَا ".
(1/500)
946 - حَدثنِي أَبُو زيد عمر بن شبة،
قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، عَن مهْدي بن عمرَان،
قَالَ: " رَأَيْت أَبَا الطُّفَيْل أَبيض الرَّأْس واللحية ".
947 - حَدثنِي الْحُسَيْن بن عَليّ الصدائي، قَالَ: حَدثنَا أبي عَليّ بن
يزِيد، قَالَ: حَدثنَا مبارك، عَن سيار بن سَلامَة قَالَ: " دخلت مَعَ أبي
على أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ، وَهُوَ أَبيض الرَّأْس واللحية ".
(1/501)
948 - حَدثنِي الْعَبَّاس بن أبي طَالب،
قَالَ: حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة، قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار، عَن
عَطاء مولى السَّائِب بن يزِيد، قَالَ: " كَانَ شعر السَّائِب بن يزِيد من
هَا هُنَا إِلَى مقدم رَأسه أسود، وَسَائِر رَأسه ولحيته وعارضيه أَبيض.
فَقلت لَهُ: يَا مولَايَ {مَا رَأَيْت أحدا أعجب شعرًا مِنْك} قَالَ:
لَوْلَا تَدْرِي لم ذَاك يَا بني {مر بِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا أَلعَب مَعَ الصّبيان، فَقَالَ لي: من أَنْت؟
فَقلت: السَّائِب بن يزِيد أَخُو النمر} فَمسح يَده على رَأْسِي، وَقَالَ:
بَارك الله فِيك {فَهُوَ لَا يشيب أبدا} ".
949 - حَدثنَا زِيَاد بن أَيُّوب، قَالَ: حَدثنَا أَبُو تُمَيْلة، قَالَ:
أَخْبرنِي عبد الحميد بن حميد، قَالَ: " رَأَيْت مرّة الطّيب الْهَمدَانِي
أَبَا إِسْمَاعِيل أَبيض الرَّأْس واللحية ".
(1/502)
950 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا
يحيى بن وَاضح، قَالَ: حَدثنَا مَرْزُوق، قَالَ: " رَأَيْت سعيد بن الْمسيب
أَبيض الرَّأْس واللحية ".
951 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ:
" رَأَيْت أَبَا مجلز أَبيض الرَّأْس واللحية ".
952 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن
عبيد، قَالَ: " كَانَ عِكْرِمَة لَا يخضب ".
953 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله
الْعَتكِي، قَالَ: " رَأَيْت سعيد بن جُبَير أَبيض الرَّأْس واللحية ".
(1/503)
954 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
ابْن يمَان، عَن عُثْمَان بن الْأسود، عَن عَطاء وَسَعِيد بن جُبَير، "
أَنَّهُمَا مَرضا فَلم يختضبا بحناء وَلَا كتم ".
955 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش، قَالَ: "
كَانَ حبيب وَأَبُو حُصَيْن وَإِبْرَاهِيم بن مهَاجر لَا يختضبون! كَانَت
رؤوسهم بَيْضَاء ".
956 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، قَالَ: " كَانَ عَطاء -
يَعْنِي ابْن السَّائِب - لَا يخضب ".
وَكَانَت عِلّة من اخْتَار ترك تَغْيِير الشيب على تَغْيِيره من الْأَثر
مَا:
(1/504)
957 - حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى
الْأَزْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا عمر بن سعيد الدِّمَشْقِي، قَالَ: حَدثنَا
وَسَعِيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تغيرُوا هَذِه الشيبة، فَمن
كَانَ مغيرا لَا محَالة، فبالحناء والكتم ".
958 - حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن المستمر الْعرَاق، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد
بن بكار، قَالَ: أخبرنَا سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من
كَانَ مغيرا لَا محَالة، فبالحناء والكتم ".
959 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا
زُهَيْر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي جُحَيْفَة، قَالَ: " رَأَيْت رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عنفقته بَيْضَاء فَقيل لَهُ:
مثل من أَنْت يَوْمئِذٍ، يَا أَبَا جُحَيْفَة؟ قَالَ: أبري النبل وأريشها
".
(1/505)
960 - حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، قَالَ:
حَدثنَا يحيى بن آدم، عَن زُهَيْر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي جُحَيْفَة،
قَالَ: " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِه
مِنْهُ بَيْضَاء! وَوضع زُهَيْر يَده على عنفقته. قلت لأبي جُحَيْفَة: مثل
من أَنْت يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أبري النبل وأريشها ".
961 - وحَدثني سعيد بن عُثْمَان التنوخي، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن صَالح
وَمُحَمّد بن يزِيد بن سِنَان قَالَا: حَدثنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، عَن
أبي إِسْحَاق، عَن أبي جُحَيْفَة، قَالَ: " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذِه مِنْهُ بَيْضَاء - يَعْنِي عنفقته -
".
962 - وحَدثني وَاصل بن عبد الْأَعْلَى الْأَسدي، قَالَ: حَدثنَا
(1/506)
مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن إِسْمَاعِيل بن
أبي خَالِد، عَن أبي جُحَيْفَة، قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبيض، قد شَاب ".
963 - حَدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا ابْن فُضَيْل، عَن إِسْمَاعِيل
بن أبي خَالِد، قَالَ: قلت لأبي جُحَيْفَة: صف لي النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ: " كَانَ أَبيض أشمط ".
964 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن معَاذ، قَالَ:
حَدثنَا حريز بن عُثْمَان - قَالَ معَاذ: وَمَا رَأَيْت رجلا قطّ من أهل
الشَّام أفضله عَلَيْهِ - قَالَ: " دَخَلنَا على عبد الله بن بسر، فَقلت
لَهُ - من بَين أَصْحَابِي - رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أشيخا كَانَ؟ قَالَ: فَوضع يَده على عنفقته،
وَقَالَ: قد كَانَ فِي عنفقته شعر أَبيض ".
(1/507)
965 - وحَدثني مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم
الْمَعْرُوف بصاعقة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْمُنْذر، قَالَ: حَدثنَا حريز،
قَالَ: " دَخَلنَا على عبد الله بن بسر، فَأَقْبَلت عَلَيْهِ من بَينهم،
فَقلت: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ:
نعم. فَقلت: كَانَ شَاب؟ قَالَ: كَانَ شَعرَات بيض. وَأَشَارَ إِلَى عنفقته
".
966 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، قَالَ:
حَدثنَا حريز بن عُثْمَان، قَالَ: قلت لعبد الله بن بسر: " أشيخا كَانَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: كَانَ فِي مقدم
رَأسه شعر أَبيض ".
967 - حَدثنِي هِلَال بن الْعَلَاء الرقي، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن
عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا جَعْفَر بن برْقَان، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن
مُحَمَّد بن عقيل، قَالَ: " قدم أنس بن مَالك الْمَدِينَة، وَعمر بن عبد
الْعَزِيز وَال عَلَيْهَا. قَالَ: فأرسلني عمر إِلَى أنس، وَقَالَ: سَله:
هَل خضب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَإنَّا نجد هَا
هُنَا شعرًا، من شعره فِيهِ
(1/508)
بَيَاض، كَأَنَّهُ لون؟ فَقَالَ أنس: إِن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ قد متع بسواد
الشّعْر {لَو عددت مَا أقبل عَليّ من رَأسه ولحيته، مَا كنت أَدْرِي هَل
أعد خمس عشرَة شيبَة؟ فَمَا أرى هَذَا الَّذِي تَجِدُونَ إِلَّا من الطّيب
الَّذِي يطيب بِهِ شعره، وَهُوَ غير لَونه ".
968 - حَدثنَا ابْن الْمثنى وَابْن بشار، قَالَا: حَدثنَا أَبُو دَاوُد،
قَالَ: حَدثنَا همام بن يحيى، عَن قَتَادَة، قَالَ: قلت لأنس: " هَل خضب
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: لم يبلغ ذَاك}
إِنَّمَا كَانَ شَيْئا فِي صدغيه ".
969 - حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ وَابْن الْمثنى، قَالَا: حَدثنَا أَبُو
دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن خُلَيْد بن جَعْفَر، عَن أبي إِيَاس،
عَن أنس بن مَالك: " أَنه سُئِلَ عَن شيب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ: مَا شانه الله ببيضاء ".
(1/509)
970 - حَدثنَا ابْن الْمثنى وَابْن بشار،
قَالَا: حَدثنَا معَاذ بن معَاذ وَابْن أبي عدي، قَالَا: حَدثنَا حميد، عَن
أنس بن مَالك: " أَنه سُئِلَ: هَل خضب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: إِنَّه لم ير من الشيب إِلَّا نَحوا من سبع عشرَة أَو
عشْرين شَعْرَة فِي مقدم لحيته، وَقَالَ: إِنَّه لم يَشن بالشيب {فَقيل
لأنس: أشين هُوَ؟ قَالَ: كلكُمْ يكرههُ} ".
971 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن معَاذ، عَن حميد، عَن
يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، قَالَ: " كَانَ الشيب الَّذِي بِالنَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تسعا أَو عشر شَعرَات "!
972 - حَدثنَا حميد بن مسْعدَة، قَالَ: حَدثنَا بشر بن الْمفضل،
(1/510)
قَالَ: حَدثنَا حميد، قَالَ: " سُئِلَ أنس
بن مَالك: هَل خضب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟
قَالَ: لم يشنه الشيب ".
973 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن الْحَارِث، قَالَ:
حَدثنَا حميد، قَالَ: " سُئِلَ أنس: أخضب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: فَقَالَ أنس: لم يشنه الشيب ".
974 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن معَاذ، قَالَ:
حَدثنَا حميد، عَن أنس قَالَ: " لم يكن الشيب الَّذِي بِالنَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشْرين شَعْرَة ".
975 - حَدثنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن
عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا ربيعَة الرَّأْي، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " كَانَ
فِي مقدم لحية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشرُون
شمطة ".
976 - حَدثنِي الْعَبَّاس بن الْوَلِيد العذري، قَالَ: أَخْبرنِي أبي،
قَالَ: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ: حَدثنِي ربيعَة بن أبي عبد
الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنِي أنس بن مَالك: " أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعث على رَأس أَرْبَعِينَ، وَقبض على رَأس
سِتِّينَ، وَمَا فِي رَأسه ولحيته عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء {" قَالَ
ربيعَة: فَأول من سَمِعت مِنْهُ عشرُون لمن أنس بن مَالك} .
(1/511)
977 - وَحدثنَا سُلَيْمَان بن عمر بن
خَالِد الرقي، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن سُفْيَان، عَن
ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: " لم يكن للنَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء ".
978 - حَدثنِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية، قَالَ:
حَدثنَا حميد، عَن أنس، قَالَ: " قيل لأنس: هَل خضب رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ: مَا شانه الله بالشيب! فَقَالُوا:
أَو شين هُوَ يَا أَبَا حَمْزَة؟ قَالَ: كلكُمْ يكرههُ ".
979 - حَدثنَا صَالح بن مِسْمَار الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا مُعلى بن أَسد،
قَالَ: حَدثنَا وهيب، عَن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: "
سَأَلت أنس بن مَالك: أخضب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -؟ فَقَالَ: إِنَّه لم ير من الشيب إِلَّا قَلِيلا ".
(1/512)
980 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنِي عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، قَالَ: حَدثنَا الْمثنى بن سعيد
الضبعِي، قَالَ: حَدثنَا قَتَادَة، عَن أنس " أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن يخضب، إِنَّمَا كَانَ شمط فِي عنفقته
يسير، وَفِي الصدغين يسير، وَفِي الرَّأْس يسير ".
981 - وَحدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الطرسوسي، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن آدم،
قَالَ: حَدثنَا شريك، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر،
قَالَ: " كَانَ شيب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوا
من عشْرين شَعْرَة ".
(1/513)
982 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن
سماك، عَن جَابر بن سَمُرَة، قَالَ: " مَا كَانَ فِي رَأس رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الشيب إِلَّا شَعرَات فِي مفرق
رَأسه، كَانَ إِذا دهنه غطاهن ".
983 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا
شُعْبَة، عَن سماك، قَالَ: " سَمِعت جَابر بن سَمُرَة سُئِلَ عَن شيب
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ: كَانَ إِذا دهن
رَأسه لم ير مِنْهُ شَيْء، وَإِذا لم يدهن رئي مِنْهُ ".
(1/514)
984 - وحَدثني الْعَبَّاس بن أبي طَالب،
قَالَ: حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة، قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار، عَن
عَطاء مولى السَّائِب بن يزِيد، قَالَ: " كَانَ شعر السَّائِب بن يزِيد من
هَا هُنَا إِلَى مقدم رَأسه أسود، وَسَائِر رَأسه، ولحيته، وعارضيه أَبيض
{فَقلت لَهُ: يَا مولَايَ} مَا رَأَيْت أحدا أعجب شعرًا مِنْك؟ قَالَ:
لَوْلَا تَدْرِي لم ذَاك يَا بني؟ {مر بِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا أَلعَب مَعَ الصّبيان، فَقَالَ لي: من أَنْت؟
فَقلت: السَّائِب بن يزِيد أَخُو النمر} فَمسح يَده على رَأْسِي، وَقَالَ:
بَارك الله فِيك، فَهُوَ لَا يشيب أبدا ".
(1/515)
985 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا
عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا همام، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن
الْمسيب، أَنه: " سُئِلَ هَل خضب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ: لم يبلغ ذَاك ".
986 - حَدثنَا ابْن الْمثنى وَابْن بشار، قَالَا: حَدثنَا معَاذ بن هِشَام،
قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن الْمسيب بِمثل ذَلِك.
987 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي
وَأَبُو عَامر، عَن هِشَام، عَن قَتَادَة، قَالَ: " سَأَلت سعيد بن
الْمسيب: هَل خضب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ:
لم يبلغ ذَاك ".
وَالَّذِي نقُول بِهِ فِي هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي رويناها، عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّتِي فِي بَعْضهَا الْأَمر
بتغيير الشيب، وَفِي بَعْضهَا النَّهْي عَن تَغْيِيره: أَن جَمِيعهَا
صَحِيح (!) وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء يبطل معنى
(1/516)
غَيره، وَلَكِن بَعْضهَا عَام، وَبَعضهَا
خَاص ( {) فَقَوْل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
خبر الزبير الَّذِي ذكرنَا عَنهُ، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَن من وَافقه فِي رِوَايَته عَنهُ، أَنه قَالَ: "
غيروا الشيب، وَلَا تشبهوا باليهود ".
عَام الْمخْرج، وَالْمرَاد مِنْهُ: الْخُصُوص (} )
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: غيروا الشيب الَّذِي هُوَ نَظِير شيب أبي قُحَافَة،
الَّذِي قد صَار رَأس من بِهِ ذَلِك ولحيته كالثغامة بَيَاضًا.
فَأَما من كَانَ أشمط أَو كَانَ شعره مخلسا، فَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولأمثاله: " لَا تغيرُوا هَذِه
الشيبة " ( {)
وَقَالَ: " من شَاب شيبَة فِي الْإِسْلَام كَانَت لَهُ نورا يَوْم
الْقِيَامَة، إِلَّا أَن ينتفها، أَو يخضبها " (} ) وهم الَّذين كره لَهُم
تَغْيِير شيبهم.
فَإِن قَالَ قَائِل: وَمَا الدَّلِيل على أَن ذَلِك مَعْنَاهُ؟
قيل لَهُ: الدَّلِيل على ذَلِك مَا قد بَينا فِي غير مَوضِع من كتبنَا:
أَنه غير جَائِز أَن يكون من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَولَانِ متضادان، وأمران فِي شَيْء وَاحِد، فِي حَالَة وَاحِدَة
متنافيان {وَأَن يَأْمر بأمرين، وَفِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين، كل وَاحِد
مِنْهُمَا مُخَالف صَاحبه، إِلَّا على وَجه نسخ أَحدهمَا صَاحبه}
وَإِذ كَانَ غير جَائِز أَن يكون ذَلِك إِلَّا كَذَلِك، كَانَ غير جَائِز
أَن يكون النَّاسِخ مِنْهُمَا إِلَّا مَعْلُوما عِنْد أمته من الْمَنْسُوخ
{
فَإذْ كَانَ الْأَمر كَذَلِك، وَكَانَت الْأَخْبَار قد وَردت عَنهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَقْل الْعُدُول: أَنه أَمر بتغيير
الشيب، وَأَنه نهى عَن تَغْيِيره (} ) وَكَانَ مَعْلُوما أَن الْأَمر
وَالنَّهْي غير جَائِز اجْتِمَاعهمَا فِي حَال وَاحِدَة عَن شَيْء وَاحِد،
وَأَن أَحدهمَا لَو كَانَ نَاسِخا صَاحبه، كَانَ ذَلِك مُبينًا أوقاتهما،
ليعلم الَّذِي على النَّاس من ذَلِك، فيعملوا بِهِ، وينتهوا إِلَيْهِ، علم
أَن القَوْل فِي ذَلِك كَالَّذي قلت، وَأَن الَّذين اخْتَارُوا تَغْيِير
(1/517)
الشيب فغيروه من أَصْحَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا غيروا فِي الْحَال الَّتِي
كَانَ فِيهَا شيبهم، وَبَيَاض شُعُورهمْ كشيب أبي قُحَافَة وشعره، أَو فِي
حَال كَانَ مِنْهُم ذَلِك قَرِيبا من ذَلِك وَأَن الَّذين اخْتَارُوا ترك
تَغْيِير شيبهم فَلم يغيروه، كَانَ شيبهم مُخَالفا شيب أبي قُحَافَة
وَبَيَاض شعر رَأسه ولحيته، إِمَّا بالإختلاس والإشماط، وَإِمَّا بِغَلَبَة
السوَاد عَلَيْهِ، كَالَّذي رُوِيَ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شعره، وَأَنه مَعَ ظُهُور الشيب فِي رَأسه
وعنفقته ولحيته، لم يُغَيِّرهُ لقلته فِيهَا {
فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك، فَالَّذِي نَخْتَار لمن كَانَ لَا شعر فِي
رَأسه ولحيته أسود بابيضاض جَمِيعه، أَن يُغَيِّرهُ بخضاب.
وَلمن كَانَ فِي شعر رَأسه ولحيته سَواد ترك تَغْيِيره بِشَيْء من الخضاب،
من غير أَن أرى تَارِك تَغْيِيره - وَإِن كَانَ جَمِيع مَا فِي رَأسه
ولحيته من الشّعْر قد ابيض - آثِما بترك تَغْيِيره (} ) إِذْ كَانَ الْأَمر
من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بتغيير ذَلِك ندبا
لَا فرضا، وإرشادا لَا إِيجَابا ( {) وَكَذَلِكَ: لَا أرى مغير ذَلِك -
وَإِن كَانَ قَلِيلا مَا ابيض مِنْهُ - حرجا بتغييره؛ إِذْ كَانَ النَّهْي
عَن ذَلِك، من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ
تكريها، لَا تَحْرِيمًا؛ لإِجْمَاع سلف الْأمة وَخَلفهَا على ذَلِك، وَأَن
النَّهْي من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
ذَلِك، لَو كَانَ على وَجه التَّحْرِيم أَو لَو كَانَ الْأَمر - فِيمَا
أَمر بِهِ من ذَلِك - كَانَ على وَجه الْإِيجَاب، لَكَانَ تاركوا
التَّغْيِير قد أَنْكَرُوا على المغيرين (} ) أَو كَانَ المغيرون قد
أَنْكَرُوا على تاركي التَّغْيِير.
وَلَكِن الْأَمر كَانَ فِي ذَلِك كَالَّذي وصفت - إِن شَاءَ الله -
فَلذَلِك ترك بَعضهم النكير على بعض.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك، كَانَ الثَّوْريّ يَقُول، وَإِن
كَانَ قد خَالَفنَا من ذَلِك فِي بعض معانينا الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
988 - حَدثنَا عَليّ بن سهل الرَّمْلِيّ، قَالَ: حَدثنَا زيد بن أبي
(1/518)
الزَّرْقَاء، قَالَ: " سُئِلَ سُفْيَان عَن
رجل يشيب نصف شعره أَو أَكثر أَو أقل، مَتى يسْتَحبّ لَهُ أَن يُغَيِّرهُ؟
وَهل فِي ذَلِك وَقت؟ قَالَ: أَي ذَلِك فعل فَحسن، وَلَيْسَ لذَلِك وَقت "
فَالَّذِي قُلْنَا أَنه نَحْو قَوْلنَا من قَول الثَّوْريّ هَذَا، هُوَ
أَنه لم يؤثم مغير الشيب من شعره: قل ذَلِك، أَو كثر، وَلَا تَارِك
تَغْيِيره - وَإِن كثر - وَأما الَّذِي هُوَ خلاف قَوْلنَا مِنْهُ: قَوْله:
" أَي ذَلِك فعل فَحسن "؛ وَذَلِكَ أَن الْحسن - عندنَا - مَا حسنه رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والقبيح مَا قبحه.
وَقد بَينا الْحَال الَّتِي ندب إِلَى تَغْيِير الْبيَاض، وَالْحَال
الَّتِي نهي عَن تَغْيِيره فِيهَا، وسننه أولى السّنَن أَن تتبع، وَأَن
يستن بهَا.
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")
فَمن ذَلِك قَول: قيس بن أبي حَازِم: " كَانَ أَبُو بكر يخرج إِلَيْنَا،
وَكَأن لحيته ضرام العرفج من الْحِنَّاء والكتم "؛ يَعْنِي بقوله: ضرام
العرفج: لَهب نَار العرفج فِي شدَّة الْحمرَة، من حمرَة الخضاب
بِالْحِنَّاءِ والكتم! يُقَال مِنْهُ: اضطرمت النَّار فَهِيَ تضطرم
اضطراما: إِذا التهبت. وَمِنْه قَول العجاج:
(سفواء مرخاء تباري مغلجا ... كَأَنَّمَا يستضرمان العرفجا)
يَعْنِي بقوله: يستضرمان: يستوقدان النَّار.
وَمِنْه قَول حَاتِم الطَّائِي:
(1/519)
(عَلَيْك بهاتيك اليفاع فأوقدي ... بجزل
وَلَا تستوقدي بضرام)
يَعْنِي بالضرام: دقاق العيدان.
وَأما العرفج: فَإِنَّهَا شَجَرَة أَضْوَأ الْأَشْجَار - فِيمَا يُقَال -
نَارا.
وَهِي جمع: واحدتها: عرْفجَة.
وَمن ذَلِك قَول أبي الْبِلَاد الطهوي:
(يَا موقد النَّار أوقدها بعرفجة ... لمن تبينها من مُدْلِج سَار)
وَأما قَول الآخر: " رَأَيْت أَبَا بكر أَبيض الرَّأْس خَفِيفا، على نَاقَة
لَهُ أدماء " فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: " أدماء ": بَيْضَاء تعلوها غبرة.
وَبِذَلِك يُوصف أَدَم الظباء. وَمن ذَلِك قَول زُهَيْر:
(بهَا الْعين والآرام والأدم خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم)
وَأما قَول أنس: " ردد ذَلِك حَتَّى أقناها " فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله:
أقناها: أشبعها حمرَة من الخضاب. يُقَال فِي ذَلِك إِذا وصف الشَّيْء
الْأَحْمَر بالإشباع حمرَة: هُوَ أَحْمَر قاني. كَمَا يُقَال فِي
الْأَبْيَض إِذا وصف بِشدَّة الْبيَاض، وصفائه: أَبيض ناصع.
وَأما قَول الآخر: " قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمَدِينَة،
(1/520)
وَلَيْسَ فِي أَصْحَابه أشمط غير أبي بكر،
فغلفها بِالْحِنَّاءِ والكتم ". فَإِنَّهُ يَعْنِي بقوله: أشمط: أَن شعر
رَأسه ولحيته قد خالط سوَاده بَيَاض. وَكَذَلِكَ تَقول الْعَرَب للرجل إِذا
ابيض من شعر رَأسه ولحيته نصفه، وَنصفه أسود بعد: أشمط.
وأصل الشمط: الْخَلْط. يُقَال مِنْهُ فِي شمط الشّعْر: قد شمط شعر فلَان،
فَهُوَ يشمط شُمْطًا. وَإِذا جمع بَين شَيْئَيْنِ مختلفي الألوان فَذَلِك
الشمط. يُقَال من الْخَلْط: شمط يشمط شُمْطًا - بِسُكُون الْمِيم - وَمن
ذَلِك قيل للصبح: شميط: لاختلاط بَيَاض الْفجْر بسواد اللَّيْل.
وَمن شمط الشّعْر، قَول أبي النَّجْم:
(إِن يمس رَأْسِي أشمط العناصي ... كَأَنَّمَا فرقه مناص)
المناص: مَا استرسل من شعر الرَّأْس.
وَيُقَال من الشّعْر أَيْضا: اشماط الشّعْر، فَهُوَ يشماط اشمطاطا.
وَمن ذَلِك قَول الْهُذلِيّ:
(فَمَا أَنْت الْغَدَاة وَذكر سلمى ... وَأمسى الرَّأْس مِنْك إِلَى
اشمطاط)
وَأما قَول أبي جَعْفَر الْأنْصَارِيّ: " رَأَيْت أَبَا بكر كَأَن لحيته
جمر الغضى ". فَإِن الغضى شجر مضيئة النَّار. شبه حمرَة خضاب لحيته بحمرة
جمر الغضى. وَإِيَّاهَا عَنى الفرزدق بقوله:
(1/521)
(كَأَن مفالق الرُّمَّان فِيهَا ... وجمر
غضى قعدن عَلَيْهِ حام)
وَأما قَول ابْن عَبَّاس لما بنى عمر بِأم كُلْثُوم: " دخل عَلَيْهِ مشيخة
الْمُهَاجِرين، فَكَانَت تحفته إيَّاهُم أَن صفر لحاهم بالملاب ".
فَإِنَّهُ يَعْنِي بالملاب: الخلوق، وَمَا أشبهه من طيب النِّسَاء.
وإياه عَنى جرير بن عَطِيَّة فِي قَوْله للفرزدق:
(أعدُّوا مَعَ الْحلِيّ الملاب فَإِنَّمَا ... جرير لكم بعل وَأَنْتُم
حلائله)
وَأما قَول جَابر بن عبد الله: " جِيءَ بِأبي قُحَافَة إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَأسه ولحيته كَأَنَّهَا ثغامة
بَيْضَاء ". فَإِن الثغامة - فِيمَا قيل - شَجَرَة بالبادية مَعْرُوفَة
إِذا يَبِسَتْ ابْيَضَّتْ، تجمع ثغاما.
وإياه عَنى الفرزدق بقوله:
(وَقَالُوا لنا زيدوا عَلَيْهِم فَإِنَّهُم ... لغاء وَإِن كَانُوا ثغام
اللهازم)
يَعْنِي بالثغام جمع الثغامة.
وَأما قَول أبي رمثة: " انْطَلَقت مَعَ أبي إِلَى النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذا لَهُ وفرة بهَا ردع من حناء ".
فَإِنَّهُ يَعْنِي بالردع: الْأَثر. وكل أثر من دم أَو حناء أَو زعفران،
أَو خلوق، وَغير ذَلِك من صفرَة أَو حمرَة، فَإِن الْعَرَب تسميه ودعا،
ولجمعه ردوعا. وَمِنْه قَول الطرماح بن حَكِيم:
(تزلزل عَن فرع كَأَن متونه ... بهَا من عبيط الزَّعْفَرَان ردوع)
(1/522)
عني بالردوع: آثَار الزَّعْفَرَان. وَمِنْه
قَول قبيصَة بن جَابر مخبرا عَن صَاحبه الَّذِي رمى الظبي، فَلم يخطيء
حشاه: فَركب ردعه. يَعْنِي بقوله: ركب ردعه: ركب أثر الدَّم.
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
989 - حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا محَاضِر بن الْمُوَرِّع،
عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن الزبير، عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لِأَن يَأْخُذ أحدكُم أحبلة،
فَيَأْتِي بحزم من حطب فيبيعه، فيكف الله بِهِ وَجهه عَن النَّاس خير لَهُ
من أَن يسْأَل النَّاس شَيْئا: أَعْطوهُ أَو منعُوهُ ".
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده، وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح؛ لِأَنَّهُ خبر لَا يعرف لَهُ مخرج عَن الزبير،
عَن
(1/523)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَّا من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَنهُ.
وَالْخَبَر إِذا انْفَرد بِهِ - عِنْدهم - مُنْفَرد، وَجب التثبت فِيهِ.
وَقد مضى ذكرنَا موافقي الزبير فِي رِوَايَة هَذَا الْخَبَر، عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَصْحَابه، وَالْبَيَان
عَن مَعْنَاهُ، وَمَا فِيهِ من الْفِقْه، فكرهنا إِعَادَته.
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
990 - حَدثنِي مُحَمَّد بن سِنَان الْقَزاز، قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن
إِدْرِيس، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، قَالَ: أخبرنَا هِشَام
بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن الزبير بن الْعَوام، قَالَ: " أَعْطَانِي
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم بدر أَرْبَعَة
أسْهم: سَهْمَيْنِ لفرسي، وَسَهْما لي، وَسَهْما لأمي من ذَوي الْقُرْبَى
".
(1/524)
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده، وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح، لعلل:
إِحْدَاهَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ عَن الزبير، عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مخرج إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَالْخَبَر
إِذا انْفَرد بِهِ عِنْدهم - مُنْفَرد وَجب التثبت فِيهِ.
(1/525)
وَالثَّانيَِة: أَن فِي نقل إِسْمَاعِيل بن
عَيَّاش، عَن هِشَام بن عُرْوَة - عِنْدهم - نظر، يجب مَعَه التَّوَقُّف
فِي أمره.
وَالثَّالِثَة: أَن إِسْحَاق بن إِدْرِيس - عِنْدهم - مِمَّن لَا يجوز
الِاحْتِجَاج بنقله.
وَقد وَافق الزبير فِي رِوَايَة هَذَا الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمَاعَة من أَصْحَابه نذْكر مَا صَحَّ -
عندنَا - من ذَلِك سَنَده، ثمَّ نتبع جَمِيعه الْبَيَان إِن شَاءَ الله!
(" ذكر ذَلِك ")
991 - حَدثنَا حميد بن مسْعدَة الشَّامي، قَالَ: حَدثنَا سليم بن أَخْضَر،
قَالَ: حَدثنَا عبيد الله، عَن نَافِع، عَن عبد الله: " أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قسم فِي النَّفْل للْفرس سَهْمَيْنِ،
وللرجل سَهْما ".
992 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي،
قَالَ: حَدثنَا سليم بن أَخْضَر، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر،
قَالَ: " قسم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
الْأَنْفَال يَوْم خَيْبَر: للْفرس سَهْمَيْنِ، وللرجل سَهْما ".
(1/526)
993 - وَحدثنَا تَمِيم بن الْمُنْتَصر
الوَاسِطِيّ، قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن نمير، قَالَ: أخبرنَا عبيد الله،
عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قسم يَوْم خَيْبَر: للْفرس سَهْمَيْنِ، وللرجل سَهْما ".
994 - حَدثنَا عَليّ بن سهل الرَّمْلِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُؤَمل، قَالَ:
حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: "
أسْهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لرجل وفرسه:
ثَلَاثَة أسْهم، للرجل سَهْما، ولفرسه سَهْمَيْنِ ".
995 - حَدثنَا أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا سعيد
الزنبري، قَالَ: حَدثنَا مَالك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن خَارِجَة بن زيد،
عَن أَبِيه: " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسْهم
للزبير بِسَهْم، ولفرسه سَهْمَيْنِ ".
(1/527)
996 - حَدثنِي يُونُس بن عبد الْأَعْلَى،
قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: قَالَ لي يحيى بن أَيُّوب، حَدثنِي
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن كثير مولى بني مَخْزُوم، عَن
عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس: " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قسم لمائتي فرس يَوْم خَيْبَر: سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ ".
(1/528)
997 - حَدثنَا صَالح بن مِسْمَار
الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن خِدَاش، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن
وهب، قَالَ: أخبرنَا يحيى بن أَيُّوب، عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم، عَن كثير مولى بني مَخْزُوم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، "
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قسم يَوْم خَيْبَر
لمائتي فرس: لكل فرس سَهْمَيْنِ ".
998 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن فُضَيْل، عَن الْحجَّاج،
عَن أبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: " قسم رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم خَيْبَر للفارس ثَلَاثَة أسْهم،
وللراجل سَهْما ".
(1/529)
999 - حَدثنَا مُحَمَّد بن خلف، قَالَ:
حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا مجمع بن يَعْقُوب الزمعِي،
قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن عَمه عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، عَن عَمه مجمع بن
جَارِيَة: " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسْهم
للْفرس سَهْمَيْنِ، ولصاحبه سَهْما ".
(1/530)
1000 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنَا عبد الله بن حمْرَان الحمراني، قَالَ: حَدثنَا المَسْعُودِيّ، عَن
ابْن أبي عمْرَة الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه: " أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعْطى الْفرس سَهْمَيْنِ، وَأعْطى الرجل
سَهْما ".
(1/531)
1001 - وحَدثني مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
الْأنمَاطِي، قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا أُميَّة بن خَالِد،
قَالَ: حَدثنَا المَسْعُودِيّ، عَن رجل من آل أبي عمْرَة، عَن أبي عمْرَة،
قَالَ: " أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَنحن ثَلَاثَة، ومعنا فرس، فَأعْطى كل رجل منا سَهْما سَهْما، وَأعْطى
الْفرس سَهْمَيْنِ، فَكَانَ للفارس ثَلَاثَة أسْهم ".
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَن هَذِه الْأَخْبَار وَعَما فِيهَا من الْفِقْه
")
إِن قَالَ لنا قَائِل: مَا أَنْت قَائِل فِي هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي
رويتها عَمَّن رويت، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " أَنه أسْهم للفارس من الْغَنِيمَة ثَلَاثَة أسْهم: سَهْما لَهُ،
وسهمين لفرسه ": صَحِيحَة أم سقيمة؟ فَإِن قلت: هِيَ سقيمة {قيل لَك: وَمَا
الَّذِي أسقمها، ونقلتها - عنْدك ثِقَات}
وَإِن قلت: هِيَ صَحِيحَة!
قيل لَك: فَمَا أَنْت قَائِل فِيمَا:
1002 - حَدثَك بِهِ ابْن سِنَان الْقَزاز، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم،
عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: " أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقسم للفارس سَهْمَيْنِ،
وللراجل سَهْما "؟
(1/532)
1003 - وحَدثني مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ،
قَالَ: حَدثنَا مجمع بن يَعْقُوب الْأنْصَارِيّ، قَالَ: سَمِعت أبي، يحدث
عَن عَمه عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، عَن عَمه مجمع بن جَارِيَة
الْأنْصَارِيّ، قَالَ: " قسم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - خَيْبَر على ثَمَانِيَة عشر سَهْما، فَأعْطى الْفَارِس
سَهْمَيْنِ، وَأعْطى الراجل سَهْما "؟
1004 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن
مَكْحُول، قَالَ: " أسْهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
للفارس سَهْمَيْنِ، وللراجل سَهْما "؟
(1/533)
قيل: قد اخْتلف السّلف - قبلنَا - فِي
هَذِه الْأَخْبَار {فَقَالَ بَعضهم: بتصحيح الرِّوَايَة الْوَارِدَة عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بإسهامه للفارس
ثَلَاثَة أسْهم، وإنكار الرِّوَايَة عَنهُ بِخِلَاف ذَلِك}
وَقَالَ آخَرُونَ: بتصحيح الرِّوَايَة الْوَارِدَة عَنهُ بإسهامه للفارس
سَهْمَيْنِ، وللراجل سَهْما، وإنكار الرِّوَايَة عَنهُ بِخِلَاف ذَلِك.
(" ذكر من صحّح الرِّوَايَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بإسهامه للفارس ثَلَاثَة أسْهم وَقَالَ بِهِ أَو عمل بِهِ من
السّلف ")
1005 - حَدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن هَانِيء بن هَانِيء، عَن عَليّ،
أَنه قَالَ: " للْفرس سَهْمَان وللرجل سهم فِي الْغَنَائِم ".
1006 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن إِدْرِيس، قَالَ: سَمِعت
ابْن إِسْحَاق، - قَالَ أَبُو كريب: قَالَ ابْن إِدْرِيس: وَهُوَ فِي
حَدِيث - سمى الزُّهْرِيّ، وَعبد الله بن أبي بكر، وَيزِيد بن رُومَان،
وَعَاصِم بن عمر: " إِن أول مَا حزب فِيهِ السِّهَام: يَوْم قُرَيْظَة،
وَكَانَت السهْمَان: سِتَّة وَثَلَاثِينَ فرسا، للْفرس سَهْمَان، وللفارس
سهم ".
(1/534)
1007 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا
هَارُون بن الْمغرَة، عَن إِسْمَاعِيل، عَن الْحسن، أَنه قَالَ: " يقسم
للفارس ثَلَاثَة أسْهم، وللراجل سهم ".
1008 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا هَارُون، عَن عَنْبَسَة، عَن
النجار، عَن الْحسن وَابْن سِيرِين: " أَنَّهُمَا كَانَا يقسمان للفارس
ثَلَاثَة أسْهم ".
قَالَ أَبُو جَعْفَر: النجار هَذَا: هُوَ أَشْعَث النقاش، وَهُوَ الأفرق،
وهوالتوابيتي.
1009 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا هَارُون، عَن عِيسَى، عَن
عَمْرو، عَن الْحسن: " أَنه كَانَ يقسم للفارس وفرسه ثَلَاثَة أسْهم:
سَهْمَيْنِ لفرسه، وَسَهْما لَهُ ".
(1/535)
1010 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: أَخْبرنِي خَالِد
الْحذاء، قَالَ: " لَا يخْتَلف فِيهِ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن للْفرس سَهْمَيْنِ، ولصاحبه سَهْما ".
1011 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، قَالَ: سَمِعت حبيبا يَقُول: " لَا يخْتَلف فِيهِ: للفارس
ثَلَاثَة أسْهم: للْفرس سَهْمَان ولصاحبه سهم ".
1012 - وحَدثني يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ:
قَالَ مَالك: " لم أزل أسمع أَن للْفرس سَهْمَيْنِ، وللرجل سَهْما ".
1013 - وحَدثني الْعَبَّاس بن الْوَلِيد، قَالَ: أَخْبرنِي أبي، قَالَ:
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: " أسْهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - الْخَيل: للْفرس سَهْمَيْنِ ولصاحبه سَهْما، وَأخذ بذلك
الْمُسلمُونَ بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِلَى الْيَوْم لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ".
(1/536)
1014 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
وَكِيع بن الْجراح، قَالَ: قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: " يُسهم للفارس
ثَلَاثَة أسْهم ".
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: " يُسهم للفارس ثَلَاثَة أسْهم: سهم لَهُ، وسهمان
لفرسه ".
(" ذكر من صحّح الرِّوَايَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بإسهامه للفارس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما ")
1015 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا
بشر بن الْمفضل، قَالَ: حَدثنَا حبيب بن شهَاب، عَن أَبِيه، عَن أبي
مُوسَى: " أَنه كَانَ يَجْعَل للفارس سَهْمَيْنِ، وللراجل سَهْما ".
1016 - وحَدثني مُحَمَّد بن معمر البحراني، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن
مسْعدَة، عَن حبيب - يَعْنِي ابْن شهَاب الْعَنْبَري - عَن أَبِيه، قَالَ:
" لما أَخذ أَبُو مُوسَى تستر، وَقتل مُقَاتلَتهمْ، قَالَ: أبي: قَالَ لي
أَبُو مُوسَى: اختر لي من خير الْجند: عشرَة رَهْط، فليكونوا مَعَك على
هَؤُلَاءِ السَّبي حَتَّى نرْجِع إِلَيْك. فَلَمَّا فتح مَا أَرَادَ من
الْقرى رَجَعَ فقسم بَين النَّاس، فَكَانَ للفارس سَهْمَان وللراجل سهم ".
(1/537)
1017 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
عثام، عَن الْأَعْمَش، عَن شيخ، قَالَ: " كَانَ سِهَام الْمُسلمين يَوْم
جَلُولَاء ثَمَانِيَة ألف وَثَمَانِية من الدَّوَابّ، فَكَانَ للفارس
سَهْمَان، وللراجل سهم: سهم لَهُ وَسَهْم لفرسه، لَا يُزَاد على ذَلِك،
ويسهم للراجل سهم وَاحِد لنَفسِهِ ".
وَقَالَ أَبُو حنيفَة، وَزفر، وَمُحَمّد: " يُسهم للفارس سَهْمَان ".
وَالَّذِي نقُول بِهِ فِي ذَلِك: أَن الصَّحِيح من الرِّوَايَة عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي إسهامه الْفَارِس من
الْغَنَائِم: مَا ورد بِأَنَّهُ أسهمه ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَيْنِ لفرسه،
وَسَهْما لَهُ.
فَأَما فِي إسهامه الراجل؛ فَإِنَّهُ لَا اخْتِلَاف فِي أَنه لَا زِيَادَة
لَهُ على سهم وَاحِد بَين أهل الْعلم، فَيحْتَاج إِلَى التشاغل بأَمْره.
وَأما الرِّوَايَة عَنهُ: أَنه أسْهم للفارس سَهْمَيْنِ؛ فَإِن رَاوِيه إِن
كَانَ عَنى أَنه قد كَانَ فِيمَا أسْهم لَهُ من الأسهم الثَّلَاثَة:
السهْمَان، فقد أصَاب - وَإِن كَانَ قد قَالَ قولا لبس بِهِ على من لَا علم
لَهُ بِمَعْنَاهُ فِي ذَلِك معنى حكم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِيهِ -
(1/538)
وَإِن كَانَ عَنى أَنه لم يزدْ الْفَارِس
على سَهْمَيْنِ {فَذَلِك - وَالله أعلم - غلط - عِنْدِي - من بعض رُوَاته.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه غلط من بعض رُوَاته؛ لِأَن الرِّوَايَة بذلك
مُتَّصِلَة السَّنَد عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: من رِوَايَة عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن
عمر، وَلَا يدْفع ذُو علم بآثار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - من نقلة الْأَخْبَار أَن عبيد الله بن عمر أثبت وأحفظ لما روى
عَن نَافِع، وَغَيره من عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَقد روينَا عَنهُ، عَن
نَافِع وَعَن ابْن عمر، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه أسْهم للفارس ثَلَاثَة أسْهم.
وَمن الْمحَال أَن يكون ابْن عمر قَالَ: لم يزدْ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَارِس من الْغَنِيمَة على سَهْمَيْنِ. ثمَّ
يَقُول: أسْهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للفارس
ثَلَاثَة أسْهم؛ لِأَن ذَلِك إِذا قَالَه قَائِل لم يخل من أحد وَجْهَيْن:
إِمَّا أَن يكون مُتَعَمدا قيله، وَهُوَ يعلم وَجه فَسَاده، فَيكون
كَاذِبًا فِي قيله، وَالْكذب عَن ابْن عمر - رَحمَه الله - منفي غير موهوم
مِنْهُ تَعَمّده}
أَو يكون سَاهِيا نَاسِيا أحد قوليه، فَيكون الْقَوْلَانِ جَمِيعًا
مرفوضين، إِذا لم يعلم الْخَطَأ مِنْهُمَا من الصَّوَاب {
وَالْآخر مِنْهُمَا: حَدِيث مجمع بن جَارِيَة، عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالْقَوْل فِيهِ - أَيْضا - نَظِير القَوْل فِي خبر ابْن عمر، عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على نَحْو مَا بَينا،
وَأحسن حالات عبد الله بن عمر الْعمريّ فِيمَا روى فِي ذَلِك عَن نَافِع،
عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن
نجعله لِأَخِيهِ عبيد الله بن عمر نظيرا} وَإِن كَانَ ذَلِك عِنْد أهل
الْمعرفَة بالآثار ظلما! وَأَن نجْعَل مُحَمَّد بن عِيسَى، فِيمَا روى عَن
مجمع بن يَعْقُوب فِي ذَلِك ليونس بن مُحَمَّد كُفؤًا، فنسقط القَوْل
(1/539)
وَالْعَمَل بِرِوَايَة كل وَاحِد مِنْهُمَا
فِي ذَلِك؛ إِذْ كَانَا قد تعادلا فِي القناعة، وَالرِّضَا، وَالْعَدَالَة:
عِنْد من جعل خبر عبد الله بن عمر، وَخبر مُحَمَّد بن عِيسَى هما الْحجَّة
فِي أَلا يُزَاد الْفَارِس على سَهْمَيْنِ من جِهَة الْأَثر، إِذْ كُنَّا
لَا نعلم المحق مِنْهُمَا فِيمَا روى، من الْمُبْطل، ونلتمس حجَّة يجب
علينا بهَا الْعَمَل فِي سهم الْفَارِس وفرسه: إِمَّا من جِهَة الْأَثر،
وَإِمَّا من جِهَة النّظر {
فَأَما الَّذين جعلُوا سهم الْفَارِس وفرسه سَهْمَيْنِ، فَلم يزيدوهما
عَلَيْهِمَا؛ فَإِنَّهُم إِذْ عدموا بِمَا قَالُوا - مِمَّا ذكرنَا عَنْهُم
- حجَّة تؤيد قَوْلهم من جِهَة الْأَثر، إِذْ صَار مَا أدلوا بِهِ من
الْحجَّة لقَولهم فِي ذَلِك من جِهَة الْأَثر إِلَى مَا بَينا: لجؤوا إِلَى
أَن زَعَمُوا أَنهم قَالُوا الَّذِي قَالُوهُ من ذَلِك من جِهَة النّظر}
وَقَالُوا: النّظر الَّذِي أدانا إِلَى قَول ذَلِك: هُوَ أَنه لَا خلاف
بَين جَمِيع الْأمة أَن الْفَارِس إِنَّمَا لَهُ من الْغَنِيمَة مثل مَا
للراجل، وَهُوَ سهم وَاحِد؛ إِذْ كَانَا متعادلين فِي الْمَعْنى الَّذِي
بِهِ اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا اسْتحق من الْغَنِيمَة. وَإِنَّمَا
الِاخْتِلَاف بَينهمَا فِي سهم الْفرس،
فَمن قَائِل: لَهُ سَهْمَان.
وَمن قَائِل: لَهُ سهم وَاحِد {
قَالُوا: فَلم يجز لنا أَن نزيد على سهم رجل مُؤمن من الْغَنِيمَة، إِذْ لم
يكن أَكثر غنى عَن الْمُسلمين، وَهُوَ بَهِيمَة من رجل مجرب مِنْهُم}
قَالُوا: وَلَو جَازَ لنا أَن نزيده على السهْم الْوَاحِد، فنفضل بعض مَا
كَانَ لَهُ نفع وغنى عَن الْمُسلمين فِي معركة الْحَرْب: كَانَ أولى ذَلِك
بِالزِّيَادَةِ الرجل الشجاع الْمَعْرُوف بالبسالة، الَّذِي يقوم مشهده فِي
الْحَرْب مشْهد خلق كثير من الضُّعَفَاء والجبناء، وَلَكِن الله - تَعَالَى
ذكره - سوى فِي قسْمَة مَا أَفَاء عَلَيْهِم بالإيجاف بَين أشجعهم،
وأبسلهم، وأضعفهم، وأخورهم، وأجبنهم، فَلم نفضل أحدا مِنْهُم على أحد
فِيهِ.
قَالُوا: فَإذْ كَانَ حكم الله - تَعَالَى ذكره - فِي عباده الْمُؤمنِينَ
ذَلِك،
(1/540)
فَغير جَائِز تَفْضِيل بَهِيمَة على من
ذكرنَا من فرسَان الْمُؤمنِينَ، وَذَوي شجاعتهم وبسالتهم فِي السِّهَام {
وَيُقَال لقائلي ذَلِك: أَرَأَيْتُم تسويتكم بَين الرجل الشجاع الباسل
المجرب من أهل الْإِيمَان، وَبَين بَهِيمَة من الْبَهَائِم الَّتِي
إِنَّمَا هِيَ أَدَاة لَهُ فِي حربه، كبعض أدواته من رمحه، وسيفه، وترسه،
وَغير ذَلِك من أدواته، وآلاته الَّتِي يَسْتَعِين بهَا على عدوه: فِي
السِّهَام} أَمن جِهَة الْأَثر؟ أم من جِهَة النّظر؟ فَإِن زَعَمُوا أَنهم
فعلوا ذَلِك من جِهَة النّظر {
قيل: وَأي نظر أداكم إِلَى ذَلِك؟ وَكَيف أوجبتم لفرسه - وَهِي أَدَاة من
أدواته سَهْما من الْمغنم، إِن لم يكن ذَلِك من جِهَة، الْأَثر، وَلم
يوجبوا لسيفه، وسنانه، وجنته مثل الَّذِي أوجبتم لَهُ، فقد علمْتُم أَن
ذَلِك فِي بعض الْأَحْوَال أغْنى عَنهُ من فرسه}
وَهل بَيْنكُم وَبَين من أوجب لسيفه، وترسه من السِّهَام مثل الَّذِي
أوجبتم لفرسه - إِن كَانَ وَجب ذَلِك - من جِهَة النّظر؟
فَإِن قَالُوا: إِن ذَلِك، وَإِن كَانَ كَذَلِك، فَإِن الْأمة مجمعة على
أَلا سهم لشَيْء مِمَّا ذكرت فِي الْغَنِيمَة، وَأَن للْفرس سَهْما؛
فَلذَلِك فرقنا بَين أَحْكَام ذَلِك {
قيل: فقد وضح لكم بِمَا ذكرْتُمْ: أَن الَّذِي جعل للْفرس من الْمغنم، لم
يَجْعَل لَهُ من وَجه النّظر، وَلَا لغنائه عَن صَاحبه}
وَأَن ذَلِك إِنَّمَا وَجب لَهُ بِإِيجَاب الله - تَعَالَى ذكره - على
لِسَان رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَهَل من أثر عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَابت غير مَدْخُول
بِمَا قُلْتُمْ من أَن سهم الْفرس فِي الْمغنم الَّذِي لَا يُزَاد
عَلَيْهِ: سهم وَاحِد دون سَهْمَيْنِ؟ فَلَنْ يقدر على دَعْوَى ذَلِك،
لأَنهم إِن ادعوهُ لم يخف على ذِي الْمعرفَة أَنهم مبطلون! وَإِن سَأَلنَا
مِنْهُم سَائل، فَقَالَ: فَمَا الْمَعْنى الَّذِي من أَجله أوجبتم - إِن لم
تكن إِلَّا من الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك كَالَّذي قُلْنَا - للفارس
ثَلَاثَة أسْهم، أَمن جِهَة قِيَاس؟
(1/541)
فَمَا الأَصْل الَّذِي قستم ذَلِك
عَلَيْهِ؟ أم من أثر، فقد علمْتُم اخْتِلَاف الروَاة فِي سيرة رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِك؟ وَالرِّوَايَة إِذا
اخْتلفت عَنهُ لم يكن أحد فريقيها أولى بالتصديق من الآخر، إِذا تعادلا فِي
القناعة، وَالرِّضَا، وَالْعَدَالَة؟
قيل: إِن فريقي نقلة سيرة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فِي سِهَام الْفَارِس من الْمغنم - عندنَا - غير متعادلين {وَلَكنَّا
سلمنَا مَا ادّعى من ذَلِك مخالفونا كَرَاهَة منا منازعتهم فيهم، وثقة منا
بالفلج عَلَيْهِم، مَعَ تسليمنا مَا سلمنَا لَهُم} فَإِن قَالَ: وَمَا
الْحجَّة الَّتِي تفلجك عَلَيْهِم إِذا أَنْت سلمت لَهُم مَا نازعوك فِيهِ
من اعْتِدَال حَال الْفَرِيقَيْنِ اللَّذين ذكرت؟
قيل: قد ذكرنَا أَن اخْتِلَاف الروَاة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِك، إِنَّمَا هُوَ من أحد وَجْهَيْن: إِمَّا
من وَجه النَّقْل عَن نَافِع. وَإِمَّا من وَجه النَّقْل عَن مجمع بن
يَعْقُوب الْأنْصَارِيّ على مَا ذكرنَا من إسنادهما ذَلِك إِلَى رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَنحن إِذا رفضنا كلتي الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا، فتساوينا وخصومنا
الْقَائِلُونَ فِي سِهَام الْفَارِس - مَا عَنْهُم حكينا - وَلم نجْعَل
لِأَحَدِنَا على صَاحبه إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن نَافِع، وَلَا عَن
مجمع بن يَعْقُوب حجَّة: انفردنا بالأخبار الْأُخَر الَّتِي ذَكرنَاهَا عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّتِي لَا مُخَالف
لَهَا وَلَا مدافع؛ وَذَلِكَ كَخَبَر هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن
الزبير، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَخبر مَالك،
عَن أبي الزِّنَاد، عَن خَارِجَة بن زيد، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَسَائِر الْأَخْبَار الَّتِي
ذَكرنَاهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
ذَلِك الَّتِي لَا خبر لِلْقَائِلين فِي سِهَام الْفَارِس: أَنَّهُمَا
سَهْمَان لَا يُزَاد عَلَيْهِمَا، نَظِير شَيْء مِنْهَا؛ فَلَمَّا وَصفنَا
من الْعلَّة قُلْنَا: للفارس من الْمغنم - إِذا شهد الْحَرْب وَقَاتل
فِيهَا أَو حضرها مُحَاربًا - ثَلَاثَة أسْهم: سهم لَهُ، وسهمان لفرسه.
(1/542)
وَفِي هَذَا الْخَبَر - أَيْضا - من
الْفِقْه - أَعنِي خبر الزبير عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - الدّلَالَة الْبَيِّنَة على أَن من أوصى بِوَصِيَّة أَو وقف
وَقفا على ذَوي قرَابَته: أَن أَوْلَاد أخواته وَإِخْوَته يستوون فِيمَا
يسْتَحقُّونَ من تِلْكَ الْوَصِيَّة وَالْوَقْف؛ ذَلِك أَن الزبير ذكر أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعطَاهُ أحد السِّهَام
الْأَرْبَعَة الَّتِي أعطَاهُ إِيَّاهَا بِأَنَّهُ من ذَوي الْقُرْبَى،
وَإِنَّمَا هُوَ رجل من بني أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي، وَكَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا ذكر عَنهُ جُبَير بن
مطعم - يخص بِسَهْم ذَوي الْقُرْبَى قرَابَته من بني هَاشم بن عبد منَاف بن
قصي.
وَكَانَ يُعْطي مَعَهم بني الْمطلب بن عبد منَاف بِسَبَب الْحلف الَّذِي
كَانَ بَينهم، وَبَين بني هَاشم. وَلم يكن يُعْطي مِنْهُ بني نَوْفَل بن
عبد منَاف، وَلَا بني عبد شمس بن عبد منَاف، وهم أقرب إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ولد عبد الْعُزَّى؛ وَذَلِكَ أَنه
يجمع هاشما، ومطلبا، ونوفلا، وَعبد شمس دون قصي: أَب، وَهُوَ عبد منَاف بن
قصي، وَلكنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعطَاهُ ذَلِك
بِأَنَّهُ من ولد عمته صَفِيَّة ابْنة عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف.
فَفِي ذَلِك: دَلِيل على صِحَة مَا قلت من اسْتِوَاء حق ولد الْإِخْوَة
وَالْأَخَوَات فِيمَا أوصى بِهِ الْمُوصي أَو جعله الْمُتَصَدّق الصَّدَقَة
المؤبدة فِي صدقته لِذَوي قرَابَته، وَأَن ولد إخوانه، وَولد عماته - وَإِن
كَانُوا ينتسبون بآبائهم إِلَى غير ذَوي قرَابَته - يسْتَحقُّونَ مِمَّا
أوصى أَو تصدق الصَّدَقَة المؤبدة على ذَوي قرَابَته نَظِير مَا يسْتَحقّهُ
ولد إخْوَته وبنوا أَعْمَامه.
وَفِيه أَيْضا - تَصْحِيح الْخَبَر الآخر الْوَارِد عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/543)
أَنه قَالَ: " ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم
"؛ لِأَن الزبير من ولد صَفِيَّة ابْنة عبد الْمطلب. فَجعله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا قسم لَهُ من خمس: خمس الْغَنِيمَة،
وَهُوَ سهم ذِي الْقُرْبَى من بني هَاشم؛ لِأَنَّهُ ابْن أختهم، وَهُوَ رجل
من ولد أَسد بن عبد الْعُزَّى {
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
1018 - حَدثنِي أَحْمد بن إِسْحَاق الْأَهْوَازِي، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى
بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن
أَبِيه، عَن الزبير، قَالَ: سَمِعت رجلا من الْيَهُود يحدث النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحَدِيث، ثمَّ سَمِعت النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحدث بذلك الحَدِيث بعد} ".
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده. وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلل.
إِحْدَاهَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج عَن الزبير، عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
وَالْخَبَر إِذا انْفَرد بِهِ
(1/544)
- عِنْدهم - مُنْفَرد، وَجب التثبت فِيهِ.
وَالثَّانيَِة: أَن حَمَّاد بن سَلمَة - عِنْدهم - كَانَ قد اضْطربَ حفظه
فِي آخر عمره فَكَانَ يكثر غلطه (!)
وَالثَّالِثَة: أَن الصَّحِيح عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " إِذا حَدثكُمْ أهل الْكتاب فَلَا
تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم ".
(1/545)
وَغير جَائِز أَن يَأْمر أمته بترك تصديقهم
وتكذيبهم، وَيحدث هُوَ بِمَا سمع مِنْهُم من غير نِسْبَة ذَلِك الحَدِيث
إِلَى من حَدثهُ مِنْهُم {
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَن معنى هَذَا الْخَبَر ")
إِن قَالَ لنا قَائِل: مَا وَجه هَذَا الْخَبَر؟ أَو لَيْسَ الْخَبَر عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَحِيحا - بنهيه أمته
عَن تَصْدِيق أهل الْكتاب فِي حَدِيثهمْ أَو تكذيبهم؟
قُلْنَا: بلَى}
فَإِن قَالَ: وَكَيف حَدثهُ بِمَا سَمعه من بَعضهم من غير إِضَافَته ذَلِك
إِلَى من سَمعه مِنْهُ؟
قيل: إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا نهى
أمته عَن تَصْدِيق أهل الْكتاب أَو تكذيبهم فِيمَا لم يعلموهم فِيهِ
صَادِقين أَو كاذبين مِمَّا يُمكن من أخبارهم أَن يكون صدقا، وَيُمكن أَن
يكون كذبا {
فَأَما فِيمَا علموهم فِيهِ صَادِقين أَو كاذبين، فَلم ينههم عَن تصديقهم
أَو تكذيبهم. بل الْوَاجِب على كل أحد تصديقهم فِيمَا كَانُوا فِيهِ من
الْأَخْبَار صَادِقين، وتكذيبهم فِيمَا كَانُوا فِيهِ مِنْهَا كاذبين، إِذا
علم صدقهم فِي ذَلِك أَو كذبهمْ فِيهِ.
فَإِن قَالَ: فَهَذَا هُوَ الْوَاجِب على كل سامع خبر من كل مخبر}
فَمَا الَّذِي خص بِهِ أهل الْكتاب فِي أخبارهم عَمَّا أخبروا؟
قيل: لَيْسَ الْأَمر فِي ذَلِك كَذَلِك {وَذَلِكَ أَن مَعْرُوفا بِالصّدقِ
فِينَا من أهل ملتنا لَو حَدثنَا بِحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو عَن كتاب الله، لَكَانَ علينا تَصْدِيقه
فِي خَبره ذَلِك، وَإِن كَانَ من الْأَخْبَار الممكنة غير الْوَاجِبَة}
(1/546)
وَلَو أَن مَعْرُوفا بِالصّدقِ فِينَا من
أهل الْكتاب، أخبرنَا عَن نَبيا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَو نَبِيّهم عَلَيْهِ السَّلَام أَو كتَابنَا أَو كِتَابهمْ، مِمَّا لَا
نعلم حَقِيقَته، لم يكن لنا تَصْدِيقه، فَذَلِك الْمَعْنى الَّذِي فرق بَين
حكم خبر الْكِتَابِيّ، وَخبر غَيره من أهل الْإِسْلَام، فِيمَا أخبرا عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو كتاب منزل فِي
الْأَخْبَار الممكنة.
فَأَما حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الحَدِيث الَّذِي ذكره الزبير، أَنه سمع رجلا من الْيَهُود يحدثه بِهِ،
ثمَّ سمع بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحدث بِهِ،
فَإِنَّهُ مُمكن أَن يكون مِمَّا كَانَ عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من علمه مثل مَا عِنْد الْيَهُودِيّ مِنْهُ، فحدثه
الْيَهُودِيّ، فَسَمعهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مِنْهُ، ليعلم صدقه فِيهِ من كذبه {إِذْ كَانُوا أهل زيادات فِي أخبارهم
عَن كتبهمْ، وتحريف لتنزيل الله - تَعَالَى ذكره - وَكذب على
أَنْبِيَائهمْ، كَمَا وَصفهم الله - عز وَجل - بقوله: {من الَّذين هادوا
يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه} . وَبِقَوْلِهِ: {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ
الْكتاب بِأَيْدِيهِم، ثمَّ يَقُولُونَ هَذَا من عِنْد الله، ليشتروا بِهِ
ثمنا قَلِيلا، فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم، وويل لَهُم مِمَّا
يَكْسِبُونَ} . ثمَّ حدث ذَلِك الحَدِيث بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على مَا كَانَ عِنْده من علمه، من غير أَن يضيفه
إِلَى الْيَهُودِيّ الَّذِي حَدثهُ، لِأَنَّهُ لم يكن علم ذَلِك عِنْده من
قبل خبر الْيَهُودِيّ}
وممكن - أَيْضا - أَن يكون كَانَ الْيَهُودِيّ حَدثهُ بِهِ - إِذْ حَدثهُ
بِهِ - وَلَا علم عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- بِحَقِيقَة مَا حَدثهُ بِهِ، ثمَّ أَتَاهُ من الله - تَعَالَى ذكره -
الْخَبَر بِصِحَّتِهِ على النَّحْو الَّذِي كَانَ الْيَهُودِيّ حَدثهُ بِهِ
{
وممكن - أَيْضا - فِي ذَلِك وُجُوه غير ذَلِك، يَكْفِي من ذكرهَا مَا قد
ذكرنَا من كَانَ ذَا لب وعقل}
(1/547)
(" ذكر خبر آخر من أَخْبَار عُرْوَة، عَن
أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
1019 - حَدثنِي بشر بن آدم، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم الْكلابِي،
قَالَ: حَدثنَا جدي عبيد الله بن الْوَازِع، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن
أَبِيه، قَالَ: قَالَ الزبير: " عرض رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - سَيْفا فِي يَده يَوْم أحد، فَقَالَ: " من يَأْخُذ هَذَا
السَّيْف بِحقِّهِ؟ " قَالَ: " فَقُمْت؛ فَقلت: أَنا يَا رَسُول الله
{قَالَ: فَأَعْرض عني، ثمَّ قَالَ: " من يَأْخُذ هَذَا السَّيْف بِحقِّهِ؟
" قَالَ: فَقُمْت؛ فَقلت: أَنا يَا رَسُول الله} قَالَ: فَأَعْرض عني، ثمَّ
قَالَ: " من يَأْخُذ هَذَا السَّيْف بِحقِّهِ؟ " قَالَ: فَقَامَ أَبُو
دُجَانَة سماك بن خَرشَة فَقَالَ: أَنا آخذه بِحقِّهِ {وَمَا حَقه؟ قَالَ:
" حَقه: أَلا تقتل بِهِ مُسلما، وَألا تَفِر بِهِ عَن كَافِر} " قَالَ:
فَدفعهُ إِلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ إِذا أرد الْقِتَال، أعلم بعصابة. قَالَ:
فَقلت: لأنظرن الْيَوْم مَا يصنع؟ قَالَ: فَجعل لَا يرْتَفع لَهُ شَيْء
إِلَّا هتكه وأفراه حَتَّى انْتهى إِلَى نسْوَة فِي سفح جبل، مَعَهُنَّ
دفوف لَهُنَّ، فِيهِنَّ امْرَأَة تَقول:
(نَحن بَنَات طَارق، إِن تقبلُوا نعانق ... ونبسط النمارق)
(أَو تدبروا نفارق ... فِرَاق غير وامق)
قَالَ: فَرفع السَّيْف ليضربها، ثمَّ كف عَنْهَا. قَالَ: قلت: كل عَمَلك قد
رَأَيْت، أَرَأَيْت رفعك السَّيْف عَن الْمَرْأَة بعد مَا أهويت بِهِ
إِلَيْهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: أكرمت سيف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أقتل بِهِ امْرَأَة! ".
(1/548)
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده. وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما، غير صَحِيح، لعلتين:
إِحْدَاهمَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن
أَبِيه، عَن الزبير إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَالْخَبَر إِذا انْفَرد
بِهِ - عِنْدهم - مُنْفَرد، وَجب التثبت فِيهِ.
وَالثَّانيَِة: أَنه من رِوَايَة عبيد الله بن الْوَازِع، عَن هِشَام بن
عُرْوَة، وَعبيد الله بن الْوَازِع - عِنْدهم - غير مَعْرُوف فِي نقلة
الْآثَار!
(" القَوْل فِيمَا فِي هَذَا الْخَبَر من الْفِقْه ")
وَالَّذِي فِيهِ من ذَلِك: الْإِبَانَة عَن أَنه لَا بَأْس على الرجل
المجرب الَّذِي لَهُ غنى عَن الْمُسلمين فِي الْحَرْب إِذا لَقِي الْعَدو،
وتزاحفت الصُّفُوف لِلْقِتَالِ: أَن يعلم نَفسه بعلامة يعرف بهَا مَوْضِعه،
ومبلغ غنائه عَن الْمُسلمين، وَقدر بلائه فِي مشهده، كَمَا فعل أَبُو
دُجَانَة من إِعْلَامه نَفسه بعصابة إِذْ أَخذ السَّيْف الَّذِي أعطَاهُ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليؤدي حَقه بِمحضر من
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير إِنْكَار
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِك عَلَيْهِ.
وَلَو كَانَ ذَلِك مَكْرُوها، لقد كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - نَهَاهُ
(1/550)
عَن ذَلِك؛ لِأَنَّهُ غير جَائِز أَن يرى -
عَلَيْهِ السَّلَام - مُنْكرا ثمَّ لَا يُغَيِّرهُ، وَهُوَ قَادر على
تَغْيِيره.
وَقد اخْتلف السّلف من أهل الْعلم فِي ذَلِك، فِي مثل الْموضع الَّذِي فعل
ذَلِك فِيهِ أَبُو دُجَانَة، فَقَالَ بَعضهم: ذَلِك جَائِز؛ وَاعْتَلُّوا
لإجازتهم ذَلِك بِفعل أبي دُجَانَة بِمحضر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِك، وَترك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - نَكِير ذَلِك، وبأخبار غير ذَلِك، نذْكر مَا حَضَرنَا من
ذَلِك ذكره - إِن شَاءَ الله.
(" ذكر ذَلِك ")
1020 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن مُحَمَّد
بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عَن
أَبِيه، قَالَ: وحَدثني أَيْضا: عبد الله بن أبي بكر وَغَيرهمَا، عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: " كَانَ أُميَّة بن خلف لي صديقا بِمَكَّة،
وَكَانَ اسْمِي عبد عَمْرو، فسميت - حِين أسلمت -: عبد الرَّحْمَن، وَنحن
بِمَكَّة. قَالَ: فَكَانَ يلقاني - وَنحن بِمَكَّة - فَيَقُول: يَا عبد
عَمْرو أرغبت عَن اسْم سماكه أَبَوَاك؟ فَأَقُول: نعم. فَيَقُول: فَإِنِّي
لَا أعرف الرَّحْمَن {فَاجْعَلْ بيني وَبَيْنك شَيْئا أَدْعُوك بِهِ: أما
أَنْت، فَإنَّك لَا تُجِيبنِي بِاسْمِك الأول، وَأما أَنا فَلَا أَدْعُوك
بِمَا لَا أعرف} قَالَ: فَكَانَ إِذا دَعَاني: يَا عبد عَمْرو؟ لم أجبه.
فَقلت: اجْعَل بيني وَبَيْنك يَا أَبَا عَليّ {مَا شِئْت} قَالَ: فَأَنت
عبد الْإِلَه فَقلت: نعم {قَالَ: فَكنت إِذا مَرَرْت بِهِ، قَالَ: يَا عبد
الْإِلَه} فَأُجِيبَهُ، فأتحدث مَعَه، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم بدر مَرَرْت
بِهِ، وَهُوَ وَاقِف مَعَ ابْنه: عَليّ بن أُميَّة - آخِذا بِيَدِهِ -
وَمَعِي أَدْرَاع قد استلبتها، فَأَنا أحملها، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: يَا
عبد عَمْرو {فَلم أجبه} فَقَالَ: يَا عبد الْإِلَه {قلت: نعم} قَالَ: هَل
لَك فِي، فَأَنا خير لَك من هَذِه الأدراع الَّتِي مَعَك {قَالَ: قلت: نعم}
هَلُمَّ إِذا، قَالَ: فطرحت الأدراع من
(1/551)
يَدي، وَأخذت بِيَدِهِ وَيَد ابْنه، وَهُوَ
يَقُول: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ. أما لكم حَاجَة فِي اللَّبن؟ قَالَ:
ثمَّ خرجت أَمْشِي بهما ".
1021 - وَحدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة، عَن مُحَمَّد، قَالَ:
وحَدثني عبد الْوَاحِد بن أبي عون، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: " قَالَ: لي
أُميَّة بن خلف، وَأَنا بَينه وَبَين ابْنه آخِذا بأيديهما: يَا عبد
الْإِلَه {من الرجل مِنْكُم الْمعلم بريشة نعَامَة فِي صَدره؟ قَالَ: قلت:
ذَاك حَمْزَة بن عبد الْمطلب} قَالَ: ذَاك الَّذِي فعل بِنَا الأفاعيل! ".
(1/552)
1022 - وحَدثني أَحْمد بن يحيى
الْأَزْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن شريك، قَالَ: حَدثنَا أبي،
قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن عبد الله بن الزبير: " أَن الزبير
كَانَت عَلَيْهِ ملاءة صفراء يَوْم بدر، فاعتم بهَا، فَنزلت الْمَلَائِكَة
يَوْم بدر على نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(1/553)
معتمين بعمائم صفر! ".
(1/554)
1023 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
ابْن يمَان، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن عباد بن حَمْزَة،
قَالَ: " نزلت الْمَلَائِكَة فِي سِيمَا الزبير عَلَيْهِم عمائم صفر.
وَكَانَت عِمَامَة الزبير صفراء ".
(1/555)
1024 - حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
مُخْتَار بن غَسَّان، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الغسيل، عَن الزبير
بن الْمُنْذر، عَن جده أبي أسيد - وَكَانَ بَدْرِيًّا - فَكَانَ يَقُول: "
لَو أَن بَصرِي فرج مِنْهُ، ثمَّ ذهبتم معي لأخبرتكم بِالشعبِ الَّذِي خرجت
مِنْهُ الْمَلَائِكَة فِي عمائم صفر، قد طرحوها بَين أكتافهم ".
(1/556)
1025 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا
سَلمَة، عَن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنِي الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم بن
عتيبة، عَن مقسم مولى عبد الله بن الْحَارِث، عَن عبد الله بن عَبَّاس،
قَالَ: " كَانَت سِيمَا الْأَنْصَار يَوْم بدر عمائم بَيْضَاء، قد أرسلوها
على ظُهُورهمْ، وَيَوْم حنين عمائم حَمْرَاء ".
1026 - وحَدثني مُحَمَّد بن سعد، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنِي
(1/557)
عمي، قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن
ابْن عَبَّاس قَوْله: " بِخَمْسَة الآلاف من الْمَلَائِكَة مسومين ".
فَإِنَّهُم أَتَوا مُحَمَّدًا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - مسومين بالصوف، فسوم مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأَصْحَابه أنفسهم وخيلهم على سِيمَاهُمْ بالصوف ".
1027 - وحَدثني يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية، قَالَ:
أخبرنَا ابْن عون، عَن عُمَيْر بن إِسْحَاق، قَالَ: " إِن أول مَا كَانَ
الصُّوف ليومئذ! يَعْنِي يَوْم بدر. قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: تسوموا فَإِن الْمَلَائِكَة قد تسومت ".
(1/558)
وَكره آخَرُونَ التسويم والإعلام فِي
الْحَرْب، وَقَالُوا: فعل ذَلِك من الشُّهْرَة، وَلَا يَنْبَغِي للرجل
الْمُسلم أَن يشهر نَفسه فِي شَيْء: لَا فِي خير وَلَا فِي شَرّ {
قَالُوا: وَإِنَّمَا يَنْبَغِي للرجل إِذا فعل شَيْئا من الْخَيْر أَن
يخفيه عَن النَّاس، ويقصد بِهِ وَجه الله - عز وَجل - فَإِن الله لَا تخفى
عَلَيْهِ خافية}
قَالُوا: وَإِظْهَار الْمَرْء فعله الْخَيْر فِي مشَاهد النَّاس ومجمعهم
نوع من أَنْوَاع الرِّيَاء الَّذِي نهى الله - عز وَجل - عباده عَنهُ {
(" ذكر من قَالَ ذَلِك ")
1028 - حَدثنِي ابْن عبد الرَّحْمَن البرقي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن أبي
سَلمَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو معَاذ الْخُرَاسَانِي، قَالَ: حَدثنِي مقَاتل
بن حَيَّان، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه بُرَيْدَة بن الْحصيب
الْخُزَاعِيّ، قَالَ: " شهِدت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فتح خَيْبَر، فَكنت فِي أول من دخل مَدِينَة خَيْبَر، فقاتلت
حَتَّى رئي مَكَاني، وَعلي ثوب أَحْمَر، فَمَا علمت أَنِّي ركبت فِي
الْإِسْلَام، ذَنبا أعظم مِنْهُ للشهرة} ".
(1/559)
وَالصَّوَاب من القَوْل - عِنْدِي - فِي
الْإِعْلَام والتسويم فِي الْحَرْب أَن ذَلِك لَا بَأْس بِهِ، إِذا فعله
الْفَاعِل من أهل الْبَأْس والنجدة فِي الْحَرْب، وَهُوَ قَاصد بِهِ شحذ
النَّاس على الائتساء بِهِ فِي الْجد بِالْقِتَالِ، وَالصَّبْر لِلْعَدو،
والثبات لَهُم فِي وَقت الالتقاء أَو هُوَ مُرِيد بِهِ ترهيب الْعَدو إِذا
هم عرفُوا مَكَانَهُ، وأخافهم التَّقَدُّم على من مَعَه من الْمُسلمين
لعلمهم بشجاعته وبأسه، وَأَنه لَا يسلم من مَعَه، وَلَا يَخْذُلهُ، وَلكنه
يحميه، وينصره، أَو لغير ذَلِك من الْأَسْبَاب الَّتِي فِيهَا للْمُسلمين
قُوَّة ومعونة.
فَأَما إِذا لم يرد ذَلِك، وَلم يَقْصِدهُ بِهِ، وَلكنه قصد بِهِ الافتخار،
وَلِأَن يُقَال: إِن كَانَ مِنْهُ هُنَالك بلَاء إِنَّه شُجَاع {فيذكر
بِهِ؛ فَذَلِك هُوَ الْمَعْنى الَّذِي ذكرنَا عَن بُرَيْدَة، أَنه كرهه،
وَذَلِكَ لَا شكّ: أَنه من الْمَعْنى الَّذِي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا،
فَهُوَ فِي سَبِيل الله ". بمعزل} لِأَنَّهُ لم يكن قِتَاله لله،
وَإِنَّمَا كَانَ ليرى مَكَانَهُ، وَطلب الذّكر بِهِ {وَفِيه - أَيْضا -
الْبَيَان عَن أَن قتل النِّسَاء من مُشْركي أهل الْحَرْب، قد كَانَ
جَائِزا، وَأَن النَّهْي عَن قتلهن من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ آخرا: إِمَّا عِنْد فتح مَكَّة، وَإِمَّا قبل
ذَلِك أَو بعده بِيَسِير؛ وَذَلِكَ أَن الزبير قد استنكر من أبي دُجَانَة
تَركه قتل الْمَرْأَة الَّتِي رفع عَنْهَا السَّيْف بَعْدَمَا أمكنه
قَتلهَا} وَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْت رفعك السَّيْف عَن الْمَرْأَة بَعْدَمَا
أهويت بِهِ إِلَيْهَا؟ ! وَأَن أَبَا دُجَانَة إِذْ قَالَ لَهُ
(1/560)
الزبير ذَلِك، لم يقل لَهُ: إِن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن قتل النِّسَاء
{وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: أكرمت سيف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عَن أَن أقتل بِهِ امْرَأَة}
فَفِي ذَلِك: دَلِيل وَاضح على أَن قتل النِّسَاء فِي الحروب، قد كَانَ
بِأحد، وَقبل ذَلِك، جَائِزا مُبَاحا، وَأَن النَّهْي عَن قتلهن كَانَ بعد
ذَلِك.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَل من دَلِيل على أَن النَّهْي عَن قتلهن كَانَ من
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْوَقْت الَّذِي
ذكرت؟
قيل: نعم.
فَإِن قَالَ: فاذكر لنا بعض مَا يدل عَلَيْهِ {
قيل:
1029 - حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله المخرمي، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن
دَاوُد، عَن شريك، عَن مُحَمَّد بن زيد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: " أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُتِي يَوْم فتح مَكَّة
بِامْرَأَة مقتولة، فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه تقَاتل} وَنهى عَن قتل
النِّسَاء والولدان ".
(1/561)
1030 - وَحدثنَا تَمِيم بن الْمُنْتَصر،
قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: " أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى فِي بعض أَسْفَاره
امْرَأَة مقتولة، فَنهى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان ".
1031 - وَحدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر، عَن عبيد
الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: " وجدت امْرَأَة مقتولة فِي بعض
الْمَغَازِي، فَنهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
قتل النِّسَاء وَالصبيان ".
1032 - وحَدثني يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، قَالَ: حَدثنِي
المرقع بن صَيْفِي، أَن جده رَبَاح بن ربيع أَخا حَنْظَلَة، أخبرهُ: " أَنه
خرج مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة
غَزَاهَا كَانَ على مقدمته، فِيهَا خَالِد بن الْوَلِيد، فَمر ريَاح
وَأَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على
امْرَأَة مقتولة مِمَّا أَصَابَت الْمُقدمَة، فوقفوا عَلَيْهَا ينظرُونَ
إِلَيْهَا ويعجبون من خلقهَا حَتَّى لحقهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على نَاقَة لَهُ، فانفرجوا عَن الْمَرْأَة، فَوقف
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهَا، ثمَّ
قَالَ: " هَا {مَا كَانَت هَذِه تقَاتل} " ثمَّ نظر فِي وُجُوه الْقَوْم،
فَقَالَ لأَحَدهم: " إلحق بِخَالِد بن الْوَلِيد: فَلَا
(1/562)
يقتلن ذُرِّيَّة وَلَا عسيفا ".
1033 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا
سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن المرقع بن صَيْفِي، عَن حَنْظَلَة
الْكَاتِب، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي غزَاة، فَمر بِامْرَأَة مقتولة، وَالنَّاس عَلَيْهَا،
ففرجوا لَهُ، فَقَالَ: " هَا {مَا كَانَت هَذِه لتقاتل} أدْرك خَالِدا فَقل
لَهُ: لَا تقتل ذُرِّيَّة وَلَا عسيفا ".
1034 - وَحدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن سُفْيَان، عَن أبي
الزِّنَاد، عَن المرقع بن عبد الله بن صَيْفِي، عَن حَنْظَلَة الْكَاتِب،
قَالَ: " غزونا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فمررنا على امْرَأَة مقتولة، وَقد اجْتمع عَلَيْهَا النَّاس، ففرجوا لَهُ،
فَقَالَ: " مَا كَانَت هَذِه
(1/563)
تقَاتل فِيمَن يُقَاتل {ثمَّ قَالَ لرجل:
انْطلق إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد فَقل لَهُ: إِن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمُرك أَلا تقتل ذُرِّيَّة وَلَا عسيفا
".
1035 - وحَدثني مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم الْمصْرِيّ، قَالَ:
أخبرنَا أَيُّوب بن سُوَيْد، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي الزِّنَاد،
عَن مُرَقع بن صَيْفِي، عَن حَنْظَلَة الْكَاتِب الأسيدي - قَالَ سُفْيَان:
أرَاهُ كتب للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
مَرَرْنَا بِامْرَأَة مقتولة لَهَا خلق، وَالنَّاس عَلَيْهَا، فَوقف بهَا
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَا} مَا كَانَت هَذِه تقَاتل
{ثمَّ قَالَ لرجل: إلحق خَالِد بن الْوَلِيد أَو قَالَ: قل لخَالِد بن
الْوَلِيد: لَا يقتل ذُرِّيَّة وَلَا عسيفا ".
وَقد قتل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم قُرَيْظَة إِذْ
نزلُوا على حكم سعد من نِسَائِهِم امْرَأَة: -
1036 - حَدثنَا ابْن حميد، قَالَ: حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل، قَالَ:
حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير، عَن
عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، قَالَت: " لم يقتل من
نِسَائِهِم - تَعْنِي من نسَاء بني قُرَيْظَة - إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة.
قَالَت: وَالله} إِنَّهَا لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا أَو بَطنا، وَرَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقتل
(1/564)
رِجَالهمْ بِالسوقِ، إِذْ هتف هَاتِف
باسمها: ابْن فُلَانَة {قَالَت: أَنا وَالله} قَالَت: قلت: وَيلك مَالك {؟
قَالَت: أقتل} قلت: وَلم؟ قَالَت: حدث أحدثته {قَالَت: فَانْطَلق بهَا
فَضربت عُنُقهَا، فَكَانَت عَائِشَة تَقول: مَا أنسى عجبي مِنْهَا} طيب
نفس، وَكَثْرَة ضحك، وَقد علمت أَنَّهَا تقتل {".
وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم فتح
مَكَّة بقتل نسْوَة ثَلَاث مِنْهُنَّ قينتان كَانَتَا لعبد الله بن خطل،
وَسَارة مولاة عِكْرِمَة بن أبي جهل، وَكَانَت الْقَيْنَتَانِ تعنيان
بِهِجَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -} فقتلت
إِحْدَاهمَا، وهربت الْأُخْرَى، فَأسْلمت، وَأسْلمت سارة!
(" ذكر الْخَبَر بذلك ")
1037 - حَدثنَا أَبُو كريب وسُفْيَان، قَالَا: حَدثنَا زيد بن الْحباب،
قَالَ: حَدثنِي عمر بن عُثْمَان، قَالَ: حَدثنِي جدي، عَن أَبِيه، " أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يَوْم فتح
مَكَّة: أَرْبَعَة
(1/565)
لَا أؤمنهم فِي حل وَلَا حرم! وقينتين
كَانَتَا لمقيس بن صبَابَة تُغنيَانِ بِهِجَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقتلت إِحْدَاهمَا، وأفلتت الْأُخْرَى فَأسْلمت ".
وَهَذِه الرِّوَايَة عِنْد أهل الْعلم بالسير غلط: يَقُولُونَ: إِنَّمَا
كَانَت الْقَيْنَتَانِ اللَّتَان كَانَتَا تُغنيَانِ بِهِجَاء رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعبد الله بن خطل: تدعى
إِحْدَاهمَا فرتنى، فَأمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بقتْله وقتلهما، فَقتل هُوَ وَإِحْدَى القينتين، وَأسْلمت الْأُخْرَى
وَسَارة فتركتا.
فَفِيمَا ذكرنَا من هَذِه الْأَخْبَار: الدّلَالَة الْبَيِّنَة على أَن قتل
نسَاء
(1/566)
الْمُشْركين من أهل الْحَرْب لم يكن
حَرَامًا، وَلَا مَنْهِيّا عَنهُ إِلَّا أخيرا!
وَفِي هَذَا الْخَبَر - أَيْضا - الدّلَالَة الْبَيِّنَة على أَن الْحق على
من لَقِي مُشْركًا من أهل الْحَرْب عِنْد التقاء الزحفين أَلا يفر مِنْهُ،
وَأَن الَّذِي لَهُ - إِن أَتَاهُ أَمر لَا طَاقَة لَهُ بِهِ - الاستطراد
للكرة أَو التحيز إِلَى فِئَة، كَمَا قَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ: {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا زحفا فَلَا تولوهم الأدبار،
وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره إِلَّا متحرفا لقِتَال أَو متحيزا إِلَى فِئَة
فقد بَاء بغضب من الله، ومأواه جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير} .
وَذَلِكَ أَن أَبَا دُجَانَة لما قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ قَالَ من يَأْخُذ السَّيْف بِحقِّهِ؟ -: وَمَا
حَقه؟ قَالَ: " أَلا تقتل مُسلما، وَألا تَفِر بِهِ عَن كَافِر ": فَعم
القَوْل - عَلَيْهِ السَّلَام - بنهيه إِيَّاه عَن الفرارية من الْكَافِر،
وَلم يُطلق لَهُ الفرارية عَنهُ بِحَال، فَكَذَلِك القَوْل فِيهِ: غير
جَائِز لمُسلم الْفِرَار عِنْد التقاء الزحوف من الْكَافِر، لَكِن لَهُ مَا
ذكرت من الاستطراد والتحيز، وَذَلِكَ غير فرار، وَفِي ذَلِك من قَول
النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - لأبي دُجَانَة تأييد الْأَخْبَار
الْوَارِدَة عَن من ورد ذَلِك عَنهُ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " بَايعنَا رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَلا نفر ".
(" القَوْل فِي الْبَيَان عَمَّا فِي هَذِه الْأَخْبَار من الْغَرِيب ")
فَمن ذَلِك قَول الزبير: " فَجعل لَا يرْتَفع لَهُ شَيْء إِلَّا هتكه
وأفراه " - يَعْنِي بقوله: أفراه: شقَّه وفرقه لإفساده. والإفراء: مَا
كَانَ من شقّ فِي فَسَاد. وَأما الفري: فَهُوَ الشق للإصلاح. كَمَا قَالَ
الْقَائِل:
(ولأنت تخلق مَا فريت وَبَعض ... الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري)
(1/567)
وَأما قَول الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت:
نَحن بَنَات طَارق: فَإِنَّهَا عنت بطارق: فِيمَا ذكر الزبير بن بكار، عَن
يحيى بن عبد الْملك الهديري، قَالَ: " جَلَست لَيْلَة وَرَاء الضَّحَّاك بن
عُثْمَان الْحزَامِي فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَأَنا متقنع، فَذكر الضَّحَّاك، وَأَصْحَابه قَول هِنْد
يَوْم أحد: نَحن بَنَات طَارق. فَقَالَ: مَا طَارق؟ فَقلت لَهُم: النَّجْم.
فَالْتَفت الضَّحَّاك، فَقَالَ: أَبَا زَكَرِيَّا {وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ:
قلت: قَالَ الله عز وَجل: {وَالسَّمَاء والطارق، وَمَا أَدْرَاك مَا
الطارق. النَّجْم الثاقب} . فَإِنَّمَا قَالَت: نَحن بَنَات النَّجْم}
فَقَالَ: أَحْسَنت ".
وَأما العسيف الَّذِي رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " الحقوا خَالِدا فَقولُوا لَهُ: لَا تقتل
ذُرِّيَّة وَلَا عسيفا ": فَإِنَّهُ قد مضى الْبَيَان عَن مَعْنَاهُ فِي
كتَابنَا هَذَا فِي غير هَذَا الْموضع، وَأَنه الْأَجِير وَالتَّابِع
للْقَوْم على وَجه الْخدمَة لَهُم: بشواهده، فأغنى ذَلِك عَن إِعَادَته فِي
هَذَا الْموضع!
(" ذكرخبر آخر من أَخْبَار الزبير عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ")
1038 - حَدثنَا ابْن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث،
قَالَ: حَدثنَا هِشَام الدستوَائي، عَن أبي الزبير، عَن عبد الله بن
سَلمَة، عَن الزبير بن الْعَوام، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَخْطُبنَا كَأَنَّهُ مُنْذر قوم: يصبحهم
الْأَمر غدْوَة، وَكَانَ إِذا
(1/568)
كَانَ حَدِيث عهد بِجِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام لم يبتسم ضَاحِكا حَتَّى يرْتَفع عَنهُ ".
(1/569)
(" القَوْل فِي علل هَذَا الْخَبَر ")
وَهَذَا خبر - عندنَا - صَحِيح سَنَده. وَقد يجب أَن يكون على مَذْهَب
الآخرين سقيما غير صَحِيح لعلتين:
إِحْدَاهمَا: أَنه خبر لَا يعرف لَهُ مخرج عَن الزبير، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
وَالْخَبَر إِذا نفرد بِهِ - عِنْدهم - مُنْفَرد وَجب التثبت فِيهِ {
وَالثَّانيَِة: أَن رَاوِيه أَبُو الزبير} وَأَبُو الزبير {عِنْدهم -
مِمَّن لَا يثبت بنقله فِي الدّين حجَّة}
(" القَوْل فِيمَا فِي هَذَا الْخَبَر من الْفِقْه ")
وَالَّذِي فِيهِ من ذَلِك: الدَّلِيل على أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا خطب أسمع من حَضَره خطبَته؛ وَذَلِكَ أَن
الزبير قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَخْطُبنَا كَأَنَّهُ مُنْذر قوم ". وَمُنْذِر الْجَيْش وَالْقَوْم لَا
يألو أَن يسمع أَصْحَابه - الَّذين ينذرهم صَوته بالإنذار يرفعهُ - صَوته
جهد طاقته، وَذَلِكَ نَظِير الْخَبَر الآخر الَّذِي:
1039 - حدّثنَاهُ هناد بن السّري، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص، عَن
سماك، قَالَ؛ سَمِعت النُّعْمَان بن بشير - وَهُوَ على مِنْبَر الْكُوفَة -
يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول: " يَا أَيهَا النَّاس! أنذركم النَّار حَتَّى سقط أحد عطفي رِدَائه
عَن مَنْكِبه، وَإنَّهُ ليقول: أنذركم النَّار حَتَّى لَو كَانَ فِي
مَكَاني هَذَا لأسْمع أهل السُّوق أَو من شَاءَ الله مِنْهُم ".
(1/570)
1040 - وَحدثنَا ابْن الْمثنى، قَالَ:
حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب،
قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير يخْطب، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَقُول: " أَنْذَرْتُكُمْ النَّار
أَنْذَرْتُكُمْ النَّار {حَتَّى لَو أَن رجلا بِالسوقِ لسمعه من مقَامي
هَذَا، حَتَّى وَقعت خميصة كَانَت على عاقته عِنْد رجلَيْهِ ".
1041 - وحَدثني عبد الله بن أبي زِيَاد، قَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر،
قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن سماك، قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير
يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول: " أَنْذَرْتُكُمْ النَّار} فَمَا زَالَ يَقُولهَا حَتَّى لَو كَانَ
فِي مقَامي هَذَا سَمعه أهل السُّوق، حَتَّى سَقَطت خميصة كَانَت عَلَيْهِ
عِنْد رجلَيْهِ ".
1042 - حَدثنَا ابْن وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله، عَن إِسْرَائِيل،
عَن سماك، أَنه سمع النُّعْمَان بن بشير يَقُول: قَالَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنْذَرْتُكُمْ النَّار، حَتَّى لَو
كَانَ رجل أقْصَى السُّوق لسمع
(1/571)
وَسمع أهل السُّوق صَوته، وَهُوَ على
الْمِنْبَر ".
فَإِذا كَانَ صَحِيحا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - مَا ذكرنَا، فَالَّذِي يَنْبَغِي لكل خَاطب خطب بِالنَّاسِ فِي يَوْم
جُمُعَة أَو عيد، وَمَا أشبه ذَلِك، أَن يجْهر صَوته، وَيسمع خطبَته من
حَضَره اقْتِدَاء فِي ذَلِك برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - من فعله.
وَأَن الْخَاطِب إِمَّا يخْطب ليذكر من حَضَره بخطبته، ويعظهم بهَا، أَو
ليدعو، أَو ليأمر وَينْهى، فَإِذا لم يسمع خطبَته من حَضَره كَانُوا سَوَاء
وَمن غَابَ عَنهُ مِمَّن لم يحضر خطبَته. وَقد بَينا الخميصة فِيمَا مضى
قبل.
(" آخر حَدِيث الزبير بن الْعَوام رَحْمَة الله عَلَيْهِ ")
يتلوه - إِن شَاءَ الله - فِي الَّذِي يَلِيهِ: " مُسْند سعد ".
ذكر مَا لم يمض ذكره من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَحْمَة الله عَلَيْهِ،
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الصَّحِيح
مِنْهُ.
ذكر مَا روى من ذَلِك عَنهُ ابْنه مُصعب.
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وصلواته وَسَلَامه على سيد الْمُرْسلين وعَلى
آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.
وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل
(1/572)
|