حجة الله
البالغة (من أَبْوَاب الْمَعيشَة)
اعْلَم أَن جَمِيع سكان الأقاليم الصَّالِحَة اتَّفقُوا على مُرَاعَاة
آدابهم فِي مطعمهم. وَمَشْرَبهمْ. وملبسهم. وقيامهم. وقعودهم. وَغير ذَلِك
من الهيئات وَالْأَحْوَال، وَكَانَ ذَلِك كالأمر المفطور عَلَيْهِ
الْإِنْسَان عِنْد سَلامَة مزاجه وَظُهُور مقتضيات نَوعه عِنْد اجْتِمَاع
أَفْرَاد مِنْهُ، وتراءى بَعْضهَا لبَعض وَكَانَت لَهُم مَذَاهِب فِي
ذَلِك.
فَكَانَ مِنْهُم من يسويها على قَوَاعِد الْحِكْمَة الطبيعية فيختار فِي كل
ذَلِك مَا يُرْجَى نَفعه وَلَا يخْشَى ضَرَره بِحكم الطِّبّ والتجربة،
وَمِنْهُم من يسويها على قوانين الْإِحْسَان حَسْبَمَا تعطيه مِلَّته،
وَمِنْهُم من يُرِيد محاكاة مُلُوكهمْ وحكمائهم وَرُهْبَانهمْ، وَمِنْهُم
من يسويها على غير ذَلِك، وَكَانَ فِي بعض ذَلِك مَنَافِع يجب التَّنْبِيه
عَلَيْهَا وَالْأَمر بِهِ لأَجلهَا، وَفِي الْبَعْض الآخر مفاسد يجب أَن
يُنْهِي عَنْهَا لأَجلهَا وينبه عَلَيْهَا، وَالْبَعْض الآخر غفل من
الْمَعْنيين يجب أَن يبْقى على الأباحة ويرخص فِيهِ فَكَانَ تنقيحها
والتفتيش عَنْهَا إِحْدَى الْمصَالح الَّتِي بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا.
والعمدة فِي ذَلِك أُمُور:
فَمِنْهَا أَن الِاشْتِغَال بِهَذِهِ الأشغال ينسي ذكر الله ويكدر صفاء
الْقلب فَيجب أَن يعالج هَذَا السم بترياق، وَهُوَ أَن يسن قبلهَا وَبعدهَا
وَمَعَهَا أذكار تردع النَّفس عَن اطمئنانها بهَا بِأَن يكون فِيهَا مَا
يذكر الْمُنعم الْحَقِيقِيّ ويميل الْفِكر إِلَى جَانب الْقُدس.
وَمِنْهَا أَن بعض الْأَفْعَال والهيآت تناسب أمزجة الشَّيَاطِين من حَيْثُ
إِنَّهُم لَو تمثلوا فِي مَنَام أحد أَو يقظته لتلبسوا بِبَعْضِهَا لَا
محَالة، فتلبس الْإِنْسَان
بهَا معد للتقرب مِنْهُم وانطباع ألوانها الخسيسة فِي نُفُوسهم فَيجب أَن
يمْنَع عَنْهَا كَرَاهَة أَو تَحْرِيمًا حَسْبَمَا تحكم بِهِ الْمصلحَة
كالمشي فِي نعل وَاحِدَة وَالْأكل بِالْيَدِ الْيُسْرَى، وَبَعضهَا مطردَة
للشياطين مقربة من الْمَلَائِكَة كالذكر عِنْد ولوج الْبَيْت وَالْخُرُوج
مِنْهُ، وَيجب أَن يحض عَلَيْهَا.
(2/277)
وَمِنْهَا الِاحْتِرَاز عَن هيآت يتَحَقَّق
فِيهَا التأذي بِحكم التجربة كالنوم على سطح غير محجوز وَترك المصابيح
عِنْد النّوم، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فَإِن الفويسقة تضرم على أَهلهَا ".
وَمِنْهَا مُخَالفَة الْأَعَاجِم فِيمَا اعتادوه من الترفه الْبَالِغ
والتعمق فِي الاطمئنان بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا فأنساهم ذكر الله وَأوجب
الْإِكْثَار من طلب الدُّنْيَا وتشبح اللَّذَّات فِي نُفُوسهم فَيجب أَن
يخص رُءُوس تعمقاتهم بِالتَّحْرِيمِ كالحرير. والقسى. والمياثر. والأرجوان.
وَالثيَاب المصنوعة فِيهَا الصُّور. وأواني الذَّهَب. وَالْفِضَّة.
والمعصفر. والخلوق وَنَحْو ذَلِك، وَأَن يعم سَائِر عاداتهم بالكراهية،
وَيسْتَحب ترك كثير من الإرفاه.
وَمِنْهَا الِاحْتِرَاز عَن هيآت تنَافِي الْوَقار وتلحق الْإِنْسَان
بِأَهْل الْبَادِيَة مِمَّن لم يتفرغوا لأحكام النَّوْع ليحصل التَّوَسُّط
بَين الإفراط والتفريط.
(الْأَطْعِمَة والأشربة)
اعْلَم أَنه لما كَانَت سَعَادَة الْإِنْسَان فِي الْأَخْلَاق الْأَرْبَعَة
الَّتِي ذَكرنَاهَا وشقاوته فِي أضدادها أوجب حفظ الصِّحَّة النفسانية وطرد
الْمَرَض النفساني أَن يفحص عَن أَسبَاب تغير مزاجه إِلَى إِحْدَى
الوجهتين.
فَمِنْهَا أَفعَال تتلبس بهَا النَّفس وَتدْخل فِي جذر جوهرها، وَقد بحثنا
عَن جملَة صَالِحَة من هَذَا الْبَاب.
وَمِنْهَا أُمُور تولد فِي النَّفس هيآت دنية توجب مشابهة الشَّيَاطِين
والتبعد من الْمَلَائِكَة وَتحقّق أضداد الْأَخْلَاق الصَّالِحَة من حَيْثُ
يَشْعُرُونَ وَمن حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، فتلقت النُّفُوس اللاحقة بالملأ
الْأَعْلَى التاركة للألواث البهيمية من حَظِيرَة الْقُدس بشاعة تِلْكَ
الْأُمُور كَمَا تلقى الطبيعة كَرَاهِيَة المر والبشع، وَأوجب لطف الله
وَرَحمته بِالنَّاسِ أَن يكلفهم برءوس تِلْكَ الْأُمُور، وَالَّذِي هُوَ
منضبط مِنْهَا وأثرها جلي غير خَافَ فيهم.
وَلما كَانَ أقوى أَسبَاب تغير الْبدن والأخلاق الْمَأْكُول وَجب أَن يكون
رؤوسها من هَذَا الْبَاب، فَمن أَشد ذَلِك أثرا تنَاول الْحَيَوَان الَّذِي
مسخ قوم بصورته، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا لعن الْإِنْسَان وَغَضب
عَلَيْهِ أورث غَضَبه ولعنه فِيهِ وجود مزاج هُوَ من سَلامَة الْإِنْسَان
على طرف شاسع وصقيع بعيد حَتَّى يخرج من الصُّورَة النوعية بِالْكُلِّيَّةِ
فَذَلِك أحد وُجُوه
(2/278)
التعذيب فِي بدن الْإِنْسَان وَيكون خُرُوج
مزاجه عِنْد ذَلِك إِلَى مشابهة حَيَوَان خَبِيث يتنفر مِنْهُ الطَّبْع
السَّلِيم فَيُقَال فِي مثل ذَلِك مسخ الله قردة وَخَنَازِير فَكَانَ فِي
حَظِيرَة الْقُدس علم متمثل أَن بَين هَذَا النَّوْع من الْحَيَوَان وَبَين
كَون الْإِنْسَان مغضوبا عَلَيْهِ بَعيدا من الرَّحْمَة مُنَاسبَة خُفْيَة
وَأَن بَينه وَبَين الطَّبْع السَّلِيم الْبَاقِي على فطرته بونا بَائِنا
فَلَا جرم أَن تنَاول هَذَا الْحَيَوَان وَجعله جُزْء بدنه أَشد من مخامرة
النَّجَاسَات وَالْأَفْعَال المهيجة للغضب وَلذَلِك لم يزل تراجمة حَظِيرَة
الْقُدس نوح فَمن بعده من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
يحرمُونَ الْخِنْزِير ويأمرون بالتبعد مِنْهُ إِلَى أَن يتنزل عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَام فيقتله، وَيُشبه أَن الْخِنْزِير كَانَ يَأْكُلهُ قوم
فنطقت الشَّرَائِع بِالنَّهْي عَنهُ وهجر أمره أَشد مَا يكون، والقردة.
والفأرة لم تكن تُؤْكَل قطّ فَكفى ذَلِك عَن التَّأْكِيد الشَّديد، وَهُوَ
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّب. " إِن الله غضب على
سبط من
بني إِسْرَائِيل فمسخهم دَوَاب يدبون فِي الأَرْض فَلَا أَدْرِي لَعَلَّ
هَذَا مِنْهَا "، وَقَالَ الله تَعَالَى: {جعل مِنْهُم القردة والخنازير
وَعبد الطاغوت} .
وَنَظِيره مَا ورد من كَرَاهِيَة الْمكْث بِأَرْض وَقع فِيهَا الْخَسْف أَو
الْعَذَاب، وكراهية هيآت المغضوب عَلَيْهِم فَإِن مخامرة هَذِه الْأَشْيَاء
لَيست أدنى من مخامرة النَّجَاسَات، والتلبس بهَا لَيْسَ أقل تَأْثِيرا من
التَّلَبُّس بالهيآت الَّتِي يقتضيها مزاج الشَّيْطَان.
ويتلوه تنَاول حَيَوَان جبل على الْأَخْلَاق المضادة للأخلاق الْمَطْلُوبَة
من الْإِنْسَان حَتَّى صَار كالمندفع إِلَيْهَا بضرورة، وَصَارَ يضْرب بِهِ
الْمثل، وَصَارَت الطبائع السليمة تستخبثه وتأبى تنَاوله اللَّهُمَّ إِلَّا
قوم لَا يعبأ بهم، وَالَّذِي تَكَامل فِيهِ هَذَا الْمَعْنى وَظهر ظهورا
بَينا وانقاد لَهُ الْعَرَب والعجم جَمِيعًا أَشْيَاء:
مِنْهَا السبَاع المخلوقة على الخدش. وَالْجرْح. والصولة. وقسوة الْقلب،
وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الذِّئْب: " أَو يَأْكُلهُ أحد "؟
وَمِنْهَا الْحَيَوَانَات المجبولة على إِيذَاء النَّاس والاختطاف مِنْهُم
وانتهاز الفرص للإغارة عَلَيْهِم وَقبُول إلهام الشَّيَاطِين فِي ذَلِك
كالغراب. والحديات. والوزغ. والذباب. والحية وَالْعَقْرَب وَنَحْو ذَلِك.
(2/279)
وَمِنْهَا حيوانات جبلت على الصغار والهوان
والتستر فِي الاخدود كالفأرة وخشاش الأَرْض.
وَمِنْهَا حيوانات تتعيش بالنجاسات أَو الجيفة ومخامرتها وتناولها حَتَّى
امْتَلَأت أبدانها بالنتن.
وَمِنْهَا الْحمار فَإِنَّهُ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْحمق والهوان وَكَانَ
كثير من أهل
الطبائع السليمة من الْعَرَب يحرمونه وَيُشبه الشَّيَاطِين، وَهُوَ قَوْله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِذا سَمِعْتُمْ نهيق الْحمار فتعوذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ
رأى شَيْطَانا "
وَأَيْضًا قد اتّفق الْأَطِبَّاء أَن هَذِه الْحَيَوَانَات كلهَا مُخَالفَة
لمزاج نوع الْإِنْسَان لَا يسوغ تنَاولهَا طِبًّا.
وَاعْلَم أَن هَهُنَا أمورا مُبْهمَة تحْتَاج إِلَى ضبط الْحُدُود وتمييز
الْمُشكل.
مِنْهَا أَن الْمُشْركين كَانُوا يذبحون لطواغيتهم يَتَقَرَّبُون بِهِ
إِلَيْهَا وَهَذَا نوع من الْإِشْرَاك فاقتضت الْحِكْمَة الالهية أَن
ينْهَى عَن هَذَا الْإِشْرَاك، ثمَّ يُؤَكد التَّحْرِيم بِالنَّهْي عَن
تنَاول مَا ذبح لَهَا ليَكُون كابحا عَن ذَلِك الْفِعْل، وَأَيْضًا فَإِن
قبح الذّبْح يسري فِي الْمَذْبُوح لما ذكرنَا فِي الصَّدَقَة ثمَّ
الْمَذْبُوح للطواغيت أَمر مُبْهَم ضبط بِمَا أهل لغير الله بِهِ، وَبِمَا
ذبح على النصب، وَبِمَا ذبحه غير المتدين بِتَحْرِيم الذّبْح بِغَيْر اسْم
الله وهم الْمُسلمُونَ وَأهل الْكتاب، وجر ذَلِك أَن يُوجب ذكر اسْم الله
عِنْد الذّبْح لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق الْفرْقَان بَين الْحَلَال
وَالْحرَام بَادِي الرَّأْي إِلَّا عِنْد ذَلِك، وَأَيْضًا فَإِن
الْحِكْمَة الالهية لما أَبَاحَتْ لَهُم الْحَيَوَانَات الَّتِي هِيَ مثلهم
فِي الْحَيَاة وَجعل لَهُم الطول عَلَيْهِم أوجبت أَلا يغفلوا عَن هَذِه
النِّعْمَة عِنْد إزهاق أرواحها، وَذَلِكَ أَن يذكرُوا اسْم الله
عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى. {لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من
بَهِيمَة الْأَنْعَام} .
وَمِنْهَا أَن الْميتَة حرَام فِي جَمِيع الْملَل والنحل، أما الْملَل
فاتفقت عَلَيْهَا لما تلقى من حَظِيرَة الْقُدس أَنَّهَا من الْخَبَائِث،
وَأما النَّحْل فَلَمَّا أدركوا أَن كثيرا مِنْهَا يكون بِمَنْزِلَة السم
من أجل انتشار أخلاط سميَّة تنَافِي المزاج الإنساني عِنْد النزع، ثمَّ لَا
بُد من تَمْيِيز الْميتَة من غَيرهَا فضبط بِمَا قصد إزهاق روحه للْأَكْل
فجر ذَلِك إِلَى تَحْرِيم المتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع فَإِنَّهَا
كلهَا خبائث مؤذية.
وَمِنْهَا أَن الْعَرَب وَالْيَهُود كَانُوا يذبحون وينحرون وَكَانَ
الْمَجُوس يخنقون ويبعجون وَالذّبْح والنحر سنة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
السَّلَام توارثوهما، وَفِيهِمَا مصَالح.
(2/280)
مِنْهَا إراحة الذَّبِيحَة فَإِنَّهُ أقرب
طَرِيق لازهاق الرّوح، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فليرح ذَبِيحَته " وَهُوَ سر النَّهْي عَن شريطة الشَّيْطَان.
وَمِنْهَا أَن الدَّم أحد النَّجَاسَات الَّتِي يغسلون الثِّيَاب إِذا
أَصَابَهَا ويتحفظون مِنْهَا وَالذّبْح تَطْهِير للذبيحة مِنْهَا، والخنق
والبعج تنجيس لَهَا بِهِ.
وَمِنْهَا أَنه صَار ذَلِك أحد شَعَائِر الْملَّة الحنيفة يعرف بِهِ
الحنيفي من غَيره فَكَانَ بِمَنْزِلَة الْخِتَان وخصال الْفطْرَة، فَلَمَّا
بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقيما للملة الحنيفية وَجب
الْحِفْظ عَلَيْهِ، ثمَّ لَا بُد من تَمْيِيز الخنق والبعج من غَيرهمَا،
وَلَا يتَحَقَّق إِلَّا بِأَن يُوجب المحدد وَأَن يُوجب الْحلق واللبة
فَهَذَا مَا نهى عَنهُ لأجل حفظ الصِّحَّة النفسانية والمصلحة الملية،
وَأما الَّذِي ينْهَى عَنهُ لأجل الصِّحَّة الْبَدَنِيَّة كالسموم
والمفترات فحالها ظَاهر.
وَإِذا تمهدت هَذِه الْأُصُول حَان أَن نشتغل بالتفصيل، فَنَقُول: مَا نهى
الله عَنهُ من الْمَأْكُول صنفان: صنف نهى عَنهُ لِمَعْنى فِي نوع
الْحَيَوَان. وصنف نهى عَنهُ لفقد شَرط الذّبْح، فالحيوان على أَقسَام:
أَهلِي يُبَاح مِنْهُ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. وَهُوَ قَوْله
تَعَالَى: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} .
وَذَلِكَ لِأَنَّهَا طيبَة معتدلة المزاج مُوَافقَة لنَوْع الْإِنْسَان،
وَأذن يَوْم خَيْبَر فِي الْخَيل وَنهى عَن الْحمر، وَذَلِكَ لِأَن الْخَيل
يستطيبه الْعَرَب والعجم وَهُوَ
أفضل الدَّوَابّ عِنْدهم وَيُشبه الْإِنْسَان، وَالْحمار يضْرب بِهِ الْمثل
فِي الْحمق والهوان وَهُوَ يرى الشَّيْطَان فينهق وَقد حرمه من الْعَرَب
أذكاهم فطْرَة وأطيبهم نفسا، واكل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم
الدَّجَاج، وَفِي مَعْنَاهَا الأوز والبط لِأَنَّهَا من الطَّيِّبَات
والديك يرى الْملك فيصقع، وَيحرم الْكَلْب والسنور لِأَنَّهُمَا من السبَاع
ويأكلان الْجِيَف، وَالْكَلب شَيْطَان.
وَوَحْشِي يحل مِنْهُ مَا يشبه بَهِيمَة الْأَنْعَام فِي اسْمهَا ووصفها
كالظباء وَالْبَقر الوحشي والنعامة، وأهدي لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لحم الْحمار الوحشي فَأَكله والأرنب فَقبله، وَأكل الضَّب على
مائدته لِأَن الْعَرَب يستطيبون هَذِه الْأَشْيَاء، وَاعْتذر فِي الضَّب
تَارَة بِأَنَّهُ " لم يكن بِأَرْض قومِي فأجدني أعافه " وَتارَة
بِاحْتِمَال المسخ وَالنَّهْي عَنهُ تَارَة وَلَيْسَ فِيهَا عِنْدِي تنَاقض
لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا وَجْهَان جَمِيعًا كل وَاحِد كَاف فِي الْعذر لَكِن
ترك مَا فِيهِ الِاحْتِمَال ورع من غير تَحْرِيم، وَأَرَادَ بِالنَّهْي
الْكَرَاهَة التنزيهية،
(2/281)
وَنهى عَن كل ذِي نَاب من السبَاع لخُرُوج
طبيعتها من الِاعْتِدَال ولشكاسة أخلاقها وقسوة قلوبها.
وطير يُبَاح مِنْهُ الْحمام والعصفور لِأَنَّهُمَا من المستطاب، وَنهى عَن
كل ذِي مخلب وسمى بَعْضهَا فَاسِقًا فَلَا يجوز تنَاوله وَيكرهُ مَا
يَأْكُل الْجِيَف والنجاسة وكل مَا يستخبثه الْعَرَب لقَوْله تَعَالَى:
{يحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} .
وَأكل الجرادفي عَهده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَن الْعَرَب
يستطيبونه وبحري يُبَاح مِنْهُ مَا يستطيبه الْعَرَب كالسمك والعنبر وَأما
مَا يستخبثه
الْعَرَب ويسميه باسم حَيَوَان محرم كالخنزير فَفِيهِ تعَارض الدَّلَائِل
وَالتَّعَفُّف أفضل.
وَسُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن السّمن مَاتَت فِيهِ
الْفَأْرَة: فَقَالَ " ألقوها وَمَا حولهَا وكلوه " وَفِي رِوَايَة " إِذا
وَقعت الْفَأْرَة فِي السّمن فان كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وَإِن
كَانَ مَائِعا فَلَا تقربوه ".
أَقُول: الجيفة وَمَا تأثر من منهاني جَمِيع الْأُمَم والملل فَإِذا تميز
الْخَبيث من غَيره ألْقى الْخَبيث وَأكل الطّيب وَإِن لم يُمكن التميز حرم
كُله. وَدلّ الحَدِيث على حُرْمَة كل نجس ومتنجس.
وَنهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن أكل الْجَلالَة وَأَلْبَانهَا، أَقُول ذَلِك
لِأَنَّهَا لما شربت أعضائها النَّجَاسَة وانتشرت فِي جَمِيع أَجْزَائِهَا
كَانَ حكمهَا حكم النَّجَاسَات أَو حكم من يتعيش بالنجاسات.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ أما الْمَيتَتَانِ الْحُوت وَالْجَرَاد
والدمان الكبد وَالطحَال "، أَقُول: الكبد وَالطحَال عضوان من أَعْضَاء بدن
الْبَهِيمَة لكنهما يشبهان الدَّم فأزاح النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الشّبَه فيهمَا وَلَيْسَ فِي الْحُوت وَالْجَرَاد دم مسفوح
فَلذَلِك لم يشرع فيهمَا الذّبْح، وَأمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بقتل الوزغ وَسَماهُ فَاسِقًا وَقَالَ: " كَانَ ينْفخ على إِبْرَاهِيم "
وَقَالَ: " من قتل وزغا فِي أول ضَرْبَة كتب لَهُ كَذَا وَكَذَا وَفِي
الثَّانِيَة دون ذَلِك وَفِي الثَّالِثَة دون ذَلِك ".
أَقُول: بعض الْحَيَوَان جبل بِحَيْثُ يصدر مِنْهُ أَفعَال وهيآت شيطانية
وَهُوَ أقرب الْحَيَوَان شبها بالشيطان وأطوعه لوسوسته، وَقد علم النَّبِي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن مِنْهُ الوزغ وَنبهَ على ذَلِك
بِأَنَّهُ كَانَ ينْفخ على إِبْرَاهِيم لانقياده بِحَسب الطبيعة لوسوسة
الشَّيْطَان وَإِن لم ينفع نفخه فِي
(2/282)
النَّار شَيْئا، وَإِنَّمَا رغب فِي قَتله
لمعنيين: أَحدهمَا أَن فِيهِ دفع مَا يُؤْذِي نوع الْإِنْسَان فَمثله كَمثل
قطع أَشجَار السمُوم من الْبلدَانِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ جمع شملهم.
وَالثَّانِي أَن فِيهِ كسر جند الشَّيْطَان وَنقص وكر وسوسته، وَذَلِكَ
مَحْبُوب عِنْد الله وَمَلَائِكَته المقربين، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَتْل
فِي أول ضَرْبَة أفضل من قَتله فِي الثَّانِيَة لما فِيهِ من الحذاقة
والسرعة إِلَى الْخَيْر، وَالله أعلم.
قَالَ الله تَعَالَى:
{حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله
بِهِ والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع إِلَّا مَا
ذكيتم وَمَا ذبح عَن النصب وَأَن تستقسموا بالأزلام ذَلِكُم فسق} .
أَقُول: فالميتة وَالدَّم لِأَنَّهُمَا نجسان، وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ
حَيَوَان مسخ بصورته قوم (وَمَا أهل لغير الله بِهِ) (وَمَا ذبح على النصب)
يَعْنِي الْأَصْنَام قطعا لدابر الشّرك، وَلِأَن قبح الْفِعْل يسري فِي
الْمَفْعُول بِهِ و (المنخنقة) وَهِي الَّتِي تخنق فتموت (والمتردية) وَهِي
الَّتِي تقع من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل (والنطيحة) وَهِي الَّتِي قتلت
نطحا بالقرون (وَمَا أكل السَّبع) فَبَقيَ مِنْهُ لِأَنَّهُ ضبط
الْمَذْبُوح الطّيب بِمَا قصد إزهاق الرّوح بِاسْتِعْمَال المحدد فِي حلقه
أَو لبته فجر ذَلِك إِلَى تَحْرِيم هَذِه الْأَشْيَاء.
وَأَيْضًا فَإِن الدَّم المسفوح ينتشر فِيهِ ويتنجس جَمِيع الْبدن (إِلَّا
مَا ذكيتم) أَي وجدتموه قد أُصِيب بِبَعْض هَذِه الْأَشْيَاء، وَفِيه
حَيَاة مُسْتَقِرَّة فذبحتموه فَكَانَ إزهاق روحه بِالذبْحِ (وَأَن
تستقسموا بالأزلام) أَي تَطْلُبُوا علم مَا قسم لكم من الْخَيْر وَالشَّر
بِالْقداحِ الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يجيلونها، فِي أَحدهَا
افْعَل، وَالثَّانِي لَا تفعل، وَالثَّالِث غفل فَإِن ذَلِك افتراء على
الله واعتماد على جهل.
وَنهى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن تصبر بَهِيمَة
وَعَن أكل المصبورة أَقُول كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يصبرون الْبَهَائِم
ويرمونها بِالنَّبلِ، وَفِي ذَلِك إيلام غير مُحْتَاج إِلَيْهِ وَلِأَنَّهُ
لم يصر قربانا إِلَى الله وَلَا شكر بِهِ نعم الله.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِن الله كتب الاحسان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة
وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة وليحد احدكم شفرته وليرح ذَبِيحَته ".
(2/283)
أَقُول: فِي اخْتِيَار أقرب طَرِيق لازهاق
الرّوح اتِّبَاع دَاعِيَة الرَّحْمَة وَهِي خلة يرضى بهَا رب الْعَالمين
ويتوقف عَلَيْهَا اكثر الْمصَالح المنزلية والمدنية.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا يقطع من الْبَهِيمَة وَهِي
حَيَّة فَهِيَ ميتَة " أَقُول:
" كَانُوا يجبونَ أسنمة الابل ويقطعون إليات الْغنم وَفِي ذَلِك تَعْذِيب
ومناقضة لما شرع الله من الذّبْح، فَنهى عَنهُ.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من قتل عصفورا فَمَا فَوْقه بِغَيْر حَقه سَأَلَهُ الله عز وَجل عَن
قَتله، قيل: يَا رَسُول الله وَمَا حَقه؟ قَالَ. أَن يذبحه فيأكله
وَلَا يقطع رَأسه فَيرمى بِهِ " أَقُول: هَهُنَا شيآن متشابهان لَا بُد من
التَّمْيِيز بَينهمَا: أَحدهمَا الذّبْح للْحَاجة وَاتِّبَاع دَاعِيَة
إِقَامَة مصلحَة نوع الْإِنْسَان.
وَالثَّانِي السَّعْي فِي الأَرْض بِفساد نوع الْحَيَوَان وَاتِّبَاع
دَاعِيَة قسوة الْقلب.
وَاعْلَم أَنه كَانَ الِاصْطِيَاد ديدنا للْعَرَب وسيرة فَاشِية فيهم
حَتَّى كَانَ ذَلِك أحد المكاسب الَّتِي عَلَيْهَا معاشهم فأباحه النَّبِي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَين مَا فِي إكثاره بقوله:
" من اتبع الصَّيْد لَهَا ".
وَأَحْكَام الصَّيْد تبنى على أَنه مَحْمُول على الذّبْح فِي جَمِيع
الشُّرُوط إِلَّا فِيمَا يعسر الْحِفْظ عَلَيْهِ وَيكون أَكثر سَعْيهمْ أَن
اشْترط بَاطِلا فَيشْتَرط التَّسْمِيَة على إرْسَال الْجَارِح أَو الرَّمْي
وَنَحْوهَا وَيشْتَرط أَهْلِيَّة الصَّائِد وَلَا يشْتَرط الذّبْح وَلَا
الْحلق واللبة وعَلى تَحْقِيق ذاتيات الِاصْطِيَاد كارسال الْجَارِح
الْمعلم قصدا وَإِلَّا كَانَ ظفرا بالصيد اتِّفَاقًا لَا اصطيادا، وَكَون
الْجَارِح لم يَأْكُل مِنْهُ فَإِن أكل فَأدْرك حَيا وذكى حل وَإِلَّا لَا،
وَذَلِكَ تَحْقِيقا لِمَعْنى الْمعلم وتميزا لَهُ مِمَّا أكل السَّبع.
وَسُئِلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن أَحْكَام
الصَّيْد والذبائح فَأجَاب بالتخريج على هَذِه الْأُصُول.
قيل: إِنَّا بِأَرْض قوم أهل كتاب أفنأ كل فِي آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد
بقوسي وبكلبي الَّذِي لَيْسَ بمعلم ولكلبي الْمعلم فَمَا يصلح لي؟ قَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما مَا ذكرت من آنِية أهل الْكتاب
فَإِن وجدْتُم غَيرهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِن لم تَجدوا فاغسلوها
وكلوا فِيهَا وَمَا صدت بقوسك فَذكرت اسْم الله فَكل وَمَا صدت بكلبك
الْمعلم فَذكرت اسْم الله فَكل وَمَا صدت بكلبك غير الْمعلم وَأدْركت
ذَكَاته فَكل ".
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فَإِن وجدْتُم غَيرهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا ".
(2/284)
أَقُول: ذَلِك تحريا للمختار وراحة للقلب
من الوساوس وَقيل: يَا رَسُول الله إِنَّا نرسل الْكلاب المعلمة قَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا أرْسلت كلبك فاذكر اسْم الله
فَإِن أمسك عَلَيْك فَأَدْرَكته حَيا فاذبحه وَإِن أَدْرَكته قد قتل وَلم
يَأْكُل مِنْهُ فكله فَإِن أكل فَلَا تَأْكُل فَإِنَّمَا أمسك على نَفسه
وَإِن وجدت مَعَ كلبك كَلْبا غَيره وَقد قتل فَلَا تَأْكُل فَإنَّك لَا
تَدْرِي أَيهمَا قَتله، قيل: يَا رَسُول الله ارمي الصَّيْد فَإِنِّي فأجد
فِيهِ من الْغَد سهمي قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَإِذا
رميت سهمك فاذكر اسْم الله فَإِن غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلم تَجِد فِيهِ
إِلَّا أثر سهمك فَكل إِن شِئْت وَإِن وجدته غريقا فِي المَاء فَلَا
تَأْكُل " قيل: " إِنَّا نرمي بالمعراض قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: كل مَا خزق وَمَا أصَاب بعرضه فَقتل فانه وقيذ فَلَا تَأْكُل،
قيل: " يَا رَسُول الله إِن هُنَا أَقْوَامًا حَدِيث عَهدهم بشرك يأتوننا
بلحمان لَا نَدْرِي يذكرُونَ اسْم الله عَلَيْهَا أم لَا، قَالَ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْكروا أَنْتُم اسْم الله وكلوا " أَقُول:
أَصله أَن الحكم على الظَّاهِر، قيل: " إِنَّا لاقوا الْعَدو غَدا
وَلَيْسَت مَعنا مدى أفنذبح بالقصب؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله فَكل لَيْسَ السن وَالظفر
وسأحدثك عَنهُ أما السن فَعظم وَأما الظفر فمدى الْحَبَش " وند بعير
فَرَمَاهُ رجل بِسَهْم فحبسه فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِن لهَذِهِ الْإِبِل أوابد كأوابد الْوَحْش فَإِذا غَلَبَكُمْ مِنْهَا
شَيْء فافعلوا بِهِ هَكَذَا " أَقُول: لِأَنَّهُ صَار وحشيا فَكَانَ حكمه
حكم الصَّيْد.
وَسُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن شَاة أَبْصرت جَارِيَة بهَا
موتا فَكسرت حجرا فذبحتها فَأمر بأكلها.
قيل: " إِن من الطَّعَام طَعَاما أتحرج مِنْهُ؟ قَالَ لَا يختلجن فِي صدرك
شَيْء، ضارعت فِيهِ النَّصْرَانِيَّة ".
قيل: " يَا رَسُول نَنْحَر النَّاقة ونذبح الْبَقر وَالشَّاة فنجد فِي
بَطنهَا الْجَنِين أنلقيه أم نأكله؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. كلوه إِن شِئْتُم فَإِن ذَكَاته زَكَاة أمه ".
(2/285)
(آدَاب الطَّعَام)
وَاعْلَم أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم آدابا يتأدبون
فِيهَا فِي الطَّعَام.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بركَة الطَّعَام والضوء قبله
وَالْوُضُوء بعده " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كيلوا طَعَامكُمْ يُبَارك لكم " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا أكل
أحدكُم طَعَاما فَلَا يَأْكُل من أَعلَى الصحفة وَلَكِن ليَأْكُل من
أَسْفَلهَا فان الْبركَة تنزل من أَعْلَاهَا ".
أَقُول: من الْبركَة أَن تشبع النَّفس، وتقر الْعين، وينجمع الخاطر، وَلَا
يكون هاعا لاعا كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع.
تَفْصِيل ذَلِك أَنه رُبمَا يكون رجلَانِ عِنْد كل مِنْهُمَا مائَة
دِرْهَم، وَأَحَدهمَا يخْشَى الْعيلَة ويطمع فِي أَمْوَال النَّاس وَلَا
يَهْتَدِي لصرف مَاله فِيمَا يَنْفَعهُ فِي دينه ودنياه، وَالْآخر متعفف
يحسبه الْجَاهِل غَنِيا مقتصدا فِي معيشته منجمعا فِي نَفسه.
فَالثَّانِي بورك لَهُ فِي مَاله، وَالْأول لم يُبَارك لَهُ، وَمن الْبركَة
أَن يصرف الشَّيْء فِي الْحَاجة وَيَكْفِي عَن أَمْثَاله.
تَفْصِيله أَنه رُبمَا يكون رجلَانِ يَأْكُل كل وَاحِد رطلا يصرف طبيعة
أَحدهمَا إِلَى تغذية الْبدن وَيحدث فِي معدة الآخر آفَة فَلَا يَنْفَعهُ
مَا أكل بل رُبمَا صَار ضارا، وَرُبمَا يكون لكل مِنْهُمَا مَال فَيصْرف
أَحدهمَا فِي مثل ضَيْعَة كَثِيرَة الرِّيف ويهتدي لتدبير المعاش،
وَالثَّانِي يبذر تبذيرا فَلَا يَقع من حَاجته فِي شَيْء.
وَإِن لهيآت النَّفس وعقائدها مدخلًا فِي ظُهُور الْبركَة، وَهُوَ قَوْله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " فَمن اخذه بإشراف نفس لم يُبَارك لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذي لَا
يَأْكُل وَلَا يشْبع " وَلذَلِك تزلق رجل الْمَاشِي على الْجذع فِي الجو
دون الأَرْض فَإِذا أقبل على شَيْء بالهمة وَأَرَادَ بِهِ أَن يَقع
كِفَايَة عَن حَاجته وَجمع نَفسه فِي ذَلِك كَانَ سَبَب قوه عينه وانجماع
خاطره وتعفف نَفسه، وَرُبمَا يسري ذَلِك إِلَى الطبيعة فصرفت فِيمَا لَا
بُد مِنْهُ، فَإِذا عسل يَدَيْهِ قبل الطَّعَام وَنزع النَّعْلَيْنِ
وَاطْمَأَنَّ فِي مَجْلِسه وَأَخذه اعتدادا بِهِ وَذكر اسْم الله أفيضت
عَلَيْهِ الْبركَة، وَإِذا كال الطَّعَام وَعرف مِقْدَاره واقتصد فِي صرفه
وَصَرفه على عينه كَانَ أدنى أَن يَكْفِيهِ اقل مِمَّا لَا يَكْفِي
الآخرين، وَإِذا جعل الطَّعَام بهيئة مُنكرَة تعافها الْأَنْفس وَلَا
تَعْتَد بِهِ لأَجلهَا كَانَ أدنى أَلا يكفى أَكثر مِمَّا يَكْفِي الآخرين
كَيفَ وَلَا أَظن أَن أحدا يخفى عَلَيْهِ أَن الْإِنْسَان رُبمَا يَأْكُل
الرَّغِيف
(2/286)
كَهَيئَةِ المتفكه أَو يَأْكُلهُ وَهُوَ
يمشي وَيحدث فَلَا يجد لَهُ بَالا وَلَا يرى نَفسه قد اغتدت وَلَا تشبع
بِهِ نَفسه وَإِن امْتَلَأت الْمعدة وَرُبمَا يَأْخُذ مِقْدَار الرطل
جزَافا فَيكون الزَّائِد يَسْتَوِي وجوده وَعَدَمه وَلَا يَقع من الْحَاجة
فِي شَيْء ويجد الطَّعَام بعد حِين وَقد ظهر فِيهِ النُّقْصَان.
وَبِالْجُمْلَةِ لوُجُود الْبركَة وَعدمهَا أَسبَاب طبيعية يمد فِي ضمنهَا
ملك كريم أَو شَيْطَان رجيم، وينفخ فِي هيكلها روح ملكي أَو شيطاني، وَالله
أعلم.
أما غسل الْيَد قبل الطَّعَام فَفِيهِ إِزَالَة الْوَسخ، وَأما غسلهَا بعده
فَفِيهِ إِزَالَة الْغمر وكراهية ان يفْسد عَلَيْهِ ثِيَابه، أَو يخدشه سبع
أَو تلدغه هَامة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
بَات وَفِي يَده غمر لم يغسلهُ فَأَصَابَهُ شَيْء فَلَا يَلُومن إِلَّا
نَفسه ".
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِذا أكل أحدكُم فَليَأْكُل بِيَمِينِهِ وَإِذا شرب فليشرب بِيَمِينِهِ
"، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَأْكُل أحدكُم
بِشمَالِهِ وَلَا يشرب بِشمَالِهِ فَإِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ
وَيشْرب بِشمَالِهِ ".
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الشَّيْطَان يسْتَحل
الطَّعَام إِلَّا يذكر اسْم الله عَلَيْهِ:.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا أكل أحدكُم فنسي أَن يذكر
اسْم الله على طَعَامه فَلْيقل بِسم الله أَوله وَآخره " وَقَالَ فِيمَن
فعل ذَلِك: " مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه فَلَمَّا ذكر اسْم الله
استقاء مَا فِي بَطْنه " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن الشَّيْطَان
يحضر أحدكُم عِنْد كل شَيْء من شَأْنه حَتَّى يحضر عِنْد طَعَامه فَإِذا
سَقَطت من أحدكُم اللُّقْمَة فليمط مَا كَانَ بهَا من أَذَى ثمَّ ليأكلها
وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان ".
أَقُول من الْعلم الَّذِي أعطَاهُ الله نبيه حَال الْمَلَائِكَة
وَالشَّيَاطِين وانتشارهم فِي الأَرْض يتلَقَّى هَؤُلَاءِ من الْمَلأ
الْأَعْلَى إلهامات خير فيوحونه إِلَى بني آدم، وينبجس من مزاج
الشَّيَاطِين آراء فَاسِدَة تميل إِلَى فَسَاد النظامات الفاضلة ومعصية حكم
الْوَقار وَمَا تَقْتَضِيه الطبيعة السليمة فيفعلون ذَلِك ويوحونه إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ من الْأنس.
فَمن حَال الشَّيَاطِين أَنهم إِذا تمثلوا فِي الْمَنَام أَو الْيَقَظَة
تمثلوا فِي بهيآت مُنكرَة تنفر مِنْهَا الطبائع السليمة كَالْأَكْلِ
بالشمال، وكصورة الأجدع وَنَحْو ذَلِك.
وَمِنْهَا أَنه قد تنطبع فِي نُفُوسهم هيآت دنية تنبجس فِي بني آدم من
البهيمية كالجوع والشبق، فَإِذا حدثت فيهم انْدَفَعُوا إِلَى اخْتِلَاط
بِتِلْكَ الْحَاجَات وتلفع بهَا ومحاكاة مَا يَفْعَله الْأنس عِنْدهَا
ويتخيلون فِي ذَلِك
قَضَاء تِلْكَ الشَّهْوَة يقضون بذلك أوطارهم، فَيصير
(2/287)
الْوَلَد الَّذِي حصل من جماع اشْترك فِيهِ
الشَّيَاطِين وقضوا عِنْده وطرهم قَلِيل الْبركَة مائلا إِلَى الشيطنة،
وَالطَّعَام الَّذِي باشروه وقضوا بِهِ وطرهم قَلِيل الْبركَة لَا ينفع
النَّاس بل رُبمَا يضرهم وَذكر اسْم الله والتعوذ بِاللَّه مضاد بالطبع
لَهُم، وَلذَلِك ينخنسون عَمَّن ذكر الله وتعوذ بِهِ
وَقد اتّفق لنا أَنه زارنا ذَات يَوْم رجل من أَصْحَابنَا فَقَرَّبْنَا
إِلَيْهِ شَيْئا، فَبينا يَأْكُل إِذا سَقَطت كسرة من يَده وتدهدهت فِي
الأَرْض فَجعل يتبعهَا وَجعلت تتباعد عَنهُ حَتَّى تعجب الْحَاضِرُونَ بعض
الْعجب وكابد هُوَ فِي تتبعها بعض الْجهد، ثمَّ إِنَّه أَخذهَا فَأكلهَا
فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام تخبط الشَّيْطَان إنْسَانا وَتكلم على لِسَانه
فَكَانَ فِيمَا تكلم أَنِّي مَرَرْت بفلان وَهُوَ يَأْكُل فَأَعْجَبَنِي
ذَلِك الطَّعَام فَلم يطعمني شَيْئا فخطفته من يَده فنازعني حَتَّى أَخذه
مني.
وَبينا يَأْكُل أهل بيتنا أصُول الجزر إِذا تدهده بَعْضهَا فَوَثَبَ
عَلَيْهِ إِنْسَان فَأَخذه وَأكله فَأَصَابَهُ وجع فِي صَدره ومعدته ثمَّ
تخبطه الشَّيْطَان فَأخْبر على لِسَانه أَنه كَانَ أَخذ ذَلِك المتدهدة،
وَقد قرع أسماعنا شَيْء كثير من هَذَا النَّوْع حَتَّى علمنَا أَن هَذِه
الْأَحَادِيث لَيست من بَاب إِرَادَة الْمجَاز وَإِنَّمَا أُرِيد بهَا
حَقِيقَتهَا، وَالله أعلم.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء
أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ ليطرحه فَإِن فِي أحد جناحيه شِفَاء وَفِي الآخر
دَاء " وَفِي رِوَايَة " وَإنَّهُ يتقى بجناحيه الَّذِي فِيهِ الدَّاء "
وَأعلم أَن الله تَعَالَى خلق الطبيعة فِي الْحَيَوَان مُدبرَة لبدنه
فَرُبمَا دفعت الْموَاد المؤذية الَّتِي لَا تصلح أَن تصير جُزْء الْبدن من
أعماق الْبدن إِلَى أَطْرَافه وَلذَلِك نهى الْأَطِبَّاء عَن أكل أَذْنَاب
الدَّوَابّ
فالذباب كثيرا مَا يتَنَاوَل أغذية فَاسِدَة لَا تصلح جُزْءا للبدن فتدفعها
الطبيعة إِلَى أخس عُضْو مِنْهُ كالجناح، ثمَّ إِن ذَلِك الْعُضْو لما
فِيهِ من الْمَادَّة السمية ينْدَفع إِلَى الحك وَيكون أقدم أَعْضَائِهِ
عِنْد الهجوم فِي المضايق، وَمن حِكْمَة الله تَعَالَى أَنه لم يَجْعَل فِي
شَيْء سما إِلَّا جعل فِيهِ ترياقيه لتحفظ بهَا بَينه الْحَيَوَان، وَلَو
ذكرنَا هَذَا المبحث من الطِّبّ لطال الْكَلَام. وَبِالْجُمْلَةِ فسم لسع
الذُّبَاب فِي بعض الْأَزْمِنَة وَعند تنَاول بعض الأغذية محسوس مَعْلُوم
وتحرك الْعُضْو الَّذِي تنْدَفع إِلَيْهِ الْمَادَّة اللذاعة مَعْلُوم،
وَأَن الطبيعة يختفي فِيهَا مَا يُقَاوم مثل هَذِه الْموَاد المؤذية
مَعْلُوم فَمَا الَّذِي يستبعد من هَذَا المبحث.
وَمَا أكل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خوان وَلَا فِي
سكرجة وَلَا خبز لَهُ مرقق وَلَا رأى
(2/288)
شَاة سميطا بِعَيْنِه قطّ. وَلَا أكل
مُتكئا. وَمَا رأى منخلا كَانُوا يَأْكُلُون الشّعير غير منخول.
اعْلَم أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث فِي الْعَرَب
وعاداتهم أَوسط الْعَادَات وَلم يَكُونُوا يتكلفون تكلّف الْعَجم
وَالْأَخْذ بهَا أحسن وَأدنى أَلا يتعمقوا فِي الدُّنْيَا وَلَا يعرضُوا
عَن ذكر الله، وَأَيْضًا أحسن لأَصْحَاب الْملَّة من أَن يتبعوا إمامها فِي
كل نقير وقطمير.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن الْمُؤمن يَأْكُل فِي معى
وَاحِد وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء ".
أَقُول: مَعْنَاهُ أَن الْكَافِر همه بَطْنه وَالْمُؤمن همه آخرته وَأَن
الحرى
بِالْمُؤمنِ أَن يقلل الطَّعَام وَأَن تقليله خصْلَة من خِصَال الْإِيمَان
وَأَن شرة الْأكل خصْلَة من خِصَال الْكفْر.
وَنهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يقرن الرجل بَين تمرتين.
أَقُول: النَّهْي عَن الْقرَان يحْتَمل وُجُوهًا: مِنْهَا أَنه لَا يحسن
المضع عِنْد جمع تمرتين وَأَنه أدنى أَن تؤذيه إِحْدَى النواتين لنُقْصَان
ضبطهما بِخِلَاف النواة الْوَاحِدَة.
وَمِنْهَا أَن ذَلِك هَيْئَة من هيآت الشره والحرص.
وَمِنْهَا أَنه استئثار على أَصْحَابه ومظنة أَن يكرههُ أَصْحَابه وَيَزُول
هَذَا الْمَعْنى بالاذن.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يجوع أهل بَيت عِنْدهم تمر
"، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " بَيت لَا تمر فِيهِ جِيَاع أَهله "
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " نعم الادام الْخلّ ".
أَقُول من تَدْبِير الْمنزل أَن يدّخر فِي بَيته شَيْئا تافها يجده رخيصا
فِي السُّوق كالتمر فِي الْمَدِينَة وأصول الجزر وَنَحْوهَا فِي سَواد
بِلَادنَا فَإِن وجد طَعَاما يشتهيه فِيهَا إِلَّا كَانَ الَّذِي عِنْده
كفافا لَهُم وسترا فان لم يَفْعَلُوا ذَلِك كَانُوا على شرف الْجُوع
وَكَذَلِكَ حَال الادام.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل ثوما أَو بصلا فليعتزلنا
" وأتى بِقدر فِيهِ خضرات لَهَا رَائِحَة فَقَالَ، لبَعض اصحابة: " كل
فَانِي أُنَاجِي من لَا تناجي ".
أَقُول: الْمَلَائِكَة تحب من النَّاس النَّظَافَة وَالطّيب وكل شَيْء يهيج
خلق
التَّنْظِيف وتتنفر من أضداد ذَلِك، وَفرق النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَين مَا كَانَ هُوَ شَرِيعَة الْمُحْسِنِينَ المتلعلع فيهم
أنوار الملكية وَبَين غَيرهم.
(2/289)
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الله يرضى من العَبْد أَن
يَأْكُل الْأكلَة فيحمده عَلَيْهَا وَيشْرب الشربة وَيَحْمَدهُ عَلَيْهَا "
قد مر سره.
وَقد روى عَن الْحَمد صِيغ أَيهَا فعل فقد أدّى السّنة: مِنْهَا الْحَمد
لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ غير مكفى وَلَا مُودع وَلَا
مُسْتَغْنى عَنهُ رَبنَا ".
وَمِنْهَا الْحَمد الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا وَجَعَلنَا مُسلمين.
وَمِنْهَا الْحَمد لله الَّذِي أطْعم وَسَقَى وسوغه وَجعل لَهُ مخرجا.
وَلما كَانَت الضِّيَافَة بَابا من أَبْوَاب السماحة وسببا لجمع شَمل
الْمَدِينَة وَالْملَّة مُؤديا إِلَى تودد النَّاس وَألا يتَضَرَّر أَبنَاء
السَّبِيل وَجب أَن تعد من الزَّكَاة ويرغب فِيهَا ويحث عَلَيْهَا، وَقَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم
الآخر فَليُكرم ضَيفه " ثمَّ مست الْحَاجة إِلَى تَقْدِير مُدَّة
الضِّيَافَة لِئَلَّا يحرج الضَّيْف أَو يعد الْقَلِيل مِنْهَا كثيرا فَقدر
الاكرام بِيَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ الجائزه وَجعل آخر الضِّيَافَة ثَلَاثَة
أَيَّام ثمَّ بعد ذَلِك صَدَقَة. |