رسالة في
الفقه الميسر [الركن الرابع
من أركان الإسلام صوم رمضان]
4 - الصوم
حكمه- وأحكامه
(1/67)
الركن الرابع من أركان الإسلام
صوم رمضان تعريف الصوم وتاريخ فرضيته:
1 - تعريف الصوم: الصوم لغة: الإمساك، وشرعا: الإمساك بنية التعبد عن الأكل
والشرب وغشيان النساء، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
2 - تاريخ فرضية الصوم: فرض الله- عز وجل- على أمة محمد صلى الله عليه وسلم
الصيام كما فرضه على الأمم التي سبقتها؛ بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وكان ذلك
في شهر شعبان سنة اثنتين من الهجرة المباركة.
فوائد الصيام: للصيام فوائد روحية واجتماعية وصحية هي:
من الفوائد الروحية للصوم أنه يعوِّد على الصبر ويقوي عليه، ويعلِّم ضبط
النفس ويساعد عليه، ويوجد في النفس ملكة التقوى ويربيها.
- ومن الفوائد الاجتماعية للصوم أنه يعوِّد الأمة النظام والاتحاد، وحب
العدل والمساواة، ويكوِّن في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان، كما يصون
المجتمع من الشرور والمفاسد.
- ومن الفوائد الصحية للصيام، أنه يطهر الأمعاء ويصلح المعدة،
(1/68)
وينظف البدن من الفضلات والرواسب، ويخفف من
وطأة السمن وثقل البطن بالشحم.
ثبوت شهر رمضان: يثبت دخول رمضان بأحد أمرين: أولهما كمال الشهر السابق عنه
وهو شعبان، فإذا تم لشعبان ثلاثون يوما، فيوم الواحد والثلاثين هو أول يوم
من رمضان قطعا.
وثانيهما: رؤية هلاله، فإذا رؤي هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان فقد دخل
شهر رمضان ووجب صومه، لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم
الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين
يوما» (1) فإذا رأى الهلال أهل بلد لزمهم الصوم وحيث إن مطالع الهلال
مختلفة؛ فمطلع الهلال في آسيا غير مطلعه في أوربا ومطلعه في أفريقيا غير
مطلعه في أمريكا مثلا؛ لذا فلكل أهل إقليم أو قطر حكم يخصهم، وإن صام
المسلمون جميعا في أقطار الأرض برؤية واحدة فهذا من محاسن الإسلام ومظاهر
الألفة والوحدة والإخاء.
ويكفي في ثبوت رؤية رمضان شهادة عدل، أو عدلين إذ أجاز رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجل واحد على رؤيته هلال رمضان (2) أما رؤية شوال للإفطار فلا
تثبت إلا بشهادة عدلين، إذ لم يجز الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة العدل
الواحد في الإفطار (3) .
_________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.
(1/69)
وجوب صوم رمضان: صيام شهر رمضان واجب
بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أحد أركان الإسلام، قال تعالى: {شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ
مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]
وقوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»
(1) أركان الصوم: 1 - النية وهي عزم القلب على الصوم امتثالا لأمر الله- عز
وجل- وتقربا إليه، لقوله كيه: «إنما الأعمال بالنيات» (2) 2 - الإمساك، وهو
الكف عن المفطرات من أكل وشرب وجماع.
2 - الزمان، والمراد به النهار، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
شروط وجوب الصوم:
يشترط لوجوب الصوم أربعة شروط: 1 - الإسلام.
2 - البلوغ.
3 - العقل.
4 - القدرة على الصوم.
ويشترط في صحة صوم المرأة أن تكون طاهرة من حيض أو نفاس.
_________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري في صحيحه. كتاب بدء الوحي الباب الأول الحديث الأول.
(1/70)
شروط صحة الصوم: 1 - الإسلام.
2 - النية من الليل.
3 - العقل.
4 - التمييز.
5 - انقطاع دم الحيض.
6 - انقطاع دم النفاس.
سنن الصوم هي: 1 - تعجيل الفطر، وهو الإفطار عقب تحقق غروب الشمس.
2 - كون الفطر على رطب أو تمر أو ماء، وأفضل هذه الثلاثة أولها وآخرها
أدناها وهو الماء، ويستحب أن يفطر على وتر. ثلاث أو خمس أو سبع.
3 - الدعاء عند الإفطار، وكان صلى الله عليه وسلم يقول عند فطره: «اللهم لك
صمنا وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم» (1) .
4 - السحور، وهو الأكل والشرب في السحر آخر الليل بنية الصوم.
5 - تأخير السحور إلى الجزء الأخير من الليل.
مكروهات الصوم: يكره للصائم أمور من شأنها الإفضاء إلى إفساد الصوم، وإن
كانت في حد ذاتها لا تفسد الصوم، وهي:
1 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق عند الوضوء.
2 - القبلة، إذ قد تثير شهوة تجر إلى إفساد الصوم بخروج المذي أو
_________
(1) رواه أبو داود.
(1/71)
الجماع حيث تجب الكفارة.
3 - إدامة النظر بشهوة إلى الزوجة.
4 - الفكر في شأن الجماع.
5 - اللمس باليد للمرأة أو مباشرتها بالجسد.
الأعذار المبيحة للفطر 1 - يجب الفطر على الحائض والنفساء.
2 - من يحتاج إليه لإنقاذ معصوم من مهلكة لغرق ونحوه.
3 - مسافر يباح له القصر فيسن له الفطر.
4 - مريض يخاف الضرر.
5 - حاضر سافر أثناء النهار الأفضل عدم الفطر خروجا من الخلاف.
6 - حامل ومرضع خافتا على أنفسهما أو ولدهما، ولو أفطرتا خوفا على الولد
فقط لزم وليه إطعام مسكين لكل يوم، وفي كل فإن عليهما القضاء.
مفسدات الصوم: مفسدة الصوم هي:
1 - الردة.
2 - الموت.
3 - العزم على الفطر.
4 - التردد فيه.
5 - القيء عمدا.
(1/72)
6 - الاحتقان من الدبر والإبر المغذية.
7 - خروج دم الحيض أو النفاس.
8 - بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم.
9 - الحجامة: حاجما كان أو محجوما.
10 - إنزال المني بتكرار النظر.
11 - خروج المني أو المذي بتقبيل أو لمس أو استمناء أو مباشرة دون الفرج.
12 - كل ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ من مائع وغيره.
تنبيهات: مَن جَامع في نهار رمضان في قُبل أو دُبر فعليه القضاء والكفارة
إذا كان متعمدا، فإن كان ناسيا فصومه صحيح ولا قضاء عليه ولا كفارة.
إذا اكرهت المرأة على الجماع في نهار رمضان أو كانت جاهلة أو ناسية فصومها
صحيح، وإن كانت مكرهة فعليها القضاء فقط، وإن طاوعته عامدة وجب عليها
القضاء والكفارة.
الكفارة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد سقطت عنه.
إذا جامع زوجته دون الفرج فعليه القضاء والتوبة إلى الله تعالى.
يسن قضاء رمضان فورا متتابعا فإن أخره إلى ما بعد رمضان آخر بغير عذر فعليه
مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم.
مَن مات وعليه صوم نذر أو حج نذر؛ قضى عنه وليّه.
فيما يستحب من الصوم وما يكره وما يحرم:
أ- ما يستحب من الصيام:
(1/73)
يستحب صيام الأيام التالية:
- يوم عرفة، لغير الحاج وهو تاسع ذي الحجة.
- صيام التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر من شهر المحرم.
- ستة أيام من شوال.
- النصف الأول من شهر شعبان.
- العشر الأول من شهر ذي الحجة.
- شهر المحرم.
- الأيام البيض من كل شهر، وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
- يوم الاثنين ويوم الخميس.
- صوم يوم وإفطار يوم.
- الصيام للأعزب الذي لم يقدر على الزواج.
ما يكره من الصوم: - صيام يوم (عرفة) لمن وقف بها.
- صيام يوم الجمعة منفردا.
- صوم آخر شعبان.
- الكراهة في صيام هذه الأيام كراهة تنزيه.
وفيما يلي ما كراهتة كراهة تحريم، وهو:
1 - الوصال، وهو مواصلة الصوم يومين فأكثر بلا إفطار.
2 - صوم يوم الشك.
3 - صوم الدهر، وهو صوم السنة كلها بلا فطر فيها.
4 - صوم المرأة بلا إذن زوجها وهو حاضر في صيام التطوع.
(1/74)
الصوم المحرم: وهو صوم الأيام التالية:
1 - صوم يوم العيد فطرا كان أو أضحى.
2 - أيام التشريق الثلاثة لغير متمتع لم يجد الفدية.
3 - أيام الحيض والنفاس.
4 - صوم المريض الذي يخشى على نفسه الهلاك.
(1/75)
[الاعتكاف]
5 - الاعتكاف وأحكامه
أنواعه وشروطه
(1/76)
الاعتكاف تعريفه: - الاعتكاف لغة: اللبث
والدوام والمقام والاحتباس.
- وشرعا: اللبث والمكث في المسجد للعبادة بنية مخصوصة على كيفية مخصوصة.
حكمة مشروعيته: 1 - الاعتكاف فيه تفريغ القلب من أمور الدنيا بشغله
بالإقبال على عبادة الله وذكره.
2 - تسليم النفس إلى المولى عز وجل بتفويض أمرها إلى الله والوقوف بباب
فضله ورحمته.
أقسام الاعتكاف: الاعتكاف قسمان:
1 - الواجب: وهو المنذور، كأن يقول الشخص: إن نجحت في عمل "ما" اعتكفت
ثلاثة أيام مثلا، أو إن تيسر لي عمل اعتكفت وهكذا.
2 - السنة المؤكدة: وأفضلها يكون في العشر الأخير من رمضان.
أركان الاعتكاف: 1 - الشخص المعتكف: لأن الاعتكاف فعل لا بد له من فاعل.
2 - المكث في المسجد: لقول علي رضي الله عنه: "لا اعتكاف إلا في مسجد
جماعة" ولأن المعتكف إذا كان في مسجد تقام فيه الجماعة يكون على أتم
الاستعداد لأداء الصلوات على أكمل الوجوه وأتمها بالجماعة.
(1/77)
3 - محل الاعتكاف: وهو المكان الذي يتخذه
المعتكف مقرا له في اعتكافه.
- شروط صحة الاعتكاف مجملة كالآتي: 1 - أن يكون المعتكف مسلما، فلا يصح من
الكافر.
2 - أن يكون مميزا فلا يصح من مجنون ولا من صبي.
3 - أن يكون في المسجد الذي تصلي فيه الجماعة بالنسبة للرجال.
4 - طهارة المعتكف من الجنابة والحيض والنفاس.
- يفسد الاعتكاف بالأمور الآتية: 1 - الجماع ولو من غير إنزال، لقوله
تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
[البقرة: 187]
2 - دواعي الجماع.
3 - الإغماء والجنون سواء كان بسكر أم بغيره.
4 - الارتداد عن الإسلام.
5 - الخروج من المسجد لغير عذر.
العذر المبيح للخروج: - الأعذار التي بسببها يباح للمعتكف أن يخرج من
معتكفه تتنوع إلى ثلاثة أنو اع:
1 - أعذار شرعية: كالخروج لصلاة الجمعة والعيدين إذا كان المسجد الذي يؤدي
فيه الاعتكاف لا تصلى فيه الجمعة والعيدين.
والعلة في ذلك أن الاعتكاف يعتبر تقربا إلى الله سبحانه بترك
(1/78)
المعاصي وهجرها، وفي ترك صلاة الجمعة أو
العيدين معصية تتنافى مع قربة الاعتكاف.
2 - أعذار طبيعية: كالبول والغائط، أو الجنابة باحتلام إذا كان لا يمكنه
الاغتسال في المسجد. ولكن ذلك مشروط بعدم مكث المعتكف خارج المسجد إلا بقدر
قضاء حاجته.
3 - أعذار ضرورية: كأن يخاف على أمواله من الضياع أو يخاف على متاعه من
التلف، أو يخاف على نفسه من الهلاك أو الضرر لو بقي مستمرا في اعتكافه.
(1/79)
|