رسالة في الفقه الميسر

 [القسم الثاني المعاملات]
[البيع وأحكامه وشروطه]
القسم الثاني: المعاملات - البيع وأحكامه وشروطه.
- الربا معول هدم وتدمير لاقتصاد الأمم والشعوب، وأحكام الربا.
- الإجارة وأحكامها وشروطها.
- الوقف وأحكامه وشروطه.
- الوصية وأحكامها وشروطها.

(1/100)


1 - البيع أ- تعريف البيع لغة وشرعا: البيع لغة: مصدر باع وهو مبادلة مال بمال أو دفع عوض وأخذ ما عوض عنه.
والبيع شرعا: "عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربة".
حكم البيع: البيع مشروع على سبيل الجواز، دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
ب- الحكمة من إباحة البيع: لما كانت النقود والسلع والعروض موزعة بين الناس عامة، وحاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وهو لا يبذله بغير عوض، وفي إباحة البيع قضاء لحاجته، ووصول إلى غرضه، لذا أحلَّ الله البيع لتتحقق تلك المصالح.
أركان البيع: أركان البيع هي:
1 - الصيغة: الإيجاب والقبول.
2 - المتعاقدين: البائع والمشتري.
3 - محل العقد: الثمن والمثمّن.

(1/101)


صيغة البيع: هي الإيجاب والقبول وكل ما يدل على الرضا مثل قول البائع: بعتك أو أعطيتك أو ملكتك، بكذا. وقال المشتري: اشتريت أو تملكت أو ابتعت أو قبلت وشبه ذلك. ويصح البيع بالصيغة الفعلية من طرف واحد، ومن الطرفين: البائع والمشتري.
التعاقد بالهاتف: المحادثة الهاتفية تعتبر هي مجلس العقد وهي تنتهي بانتهاء الاتصال؛ لأن العرف محكم في بيان مجلس العقد وانقضائه.
يشترط لصحة البيع سبعة شروط: 1 - التراضي من البائع والمشتري أو من يقوم مقامهما.
2 - جواز التصرف من المتعاقدين، بأن يكون كل منهما حرا مكلفا رشيدا.
3 - أن تكون السلعة مباحة النفع فلا يجوز بيع ما لا نفع فيه، ولا ما نفعه محرم كالخمر والخنزير، ولا ما فيه منفعة لا تباح إلا حال الاضطرار كالميتة.
4 - أن يكون المبيع مملوكا للبائع، أو مأذونا له في بيعه وقت العقد.
5 - أن يكون المبيع معلوما بالوصف والمشاهدة.
6 - أن يكون الثمن معلوما.
7 - أن يكون المبيع مقدورا على تسليمه، فلا يصح بيع الشارد، والطير في الهواء ونحوهما.
الشروط في البيع: الشروط في البيع قسمان: صحيح لازم، وفاسد مبطل للعقد،

(1/102)


فالصحيح: كشرط تأجيل الثمن أو بعضه. أو رهن أو ضمين معينين؛ لأن ذلك من مصلحة العقد. أو شرط صفة في المبيع لحديث: «المسلمون على شروطهم» [رواه أحمد وأبو داود] .
ويصح أن يشترط البائع على المشتري منفعة ما باعه مدة معلومة كسكنى الدار شهرا مثلا.
أما الشروط الفاسدة فمنها: فاسد يبطل العقد كاشتراط أحدهما على الآخر عقدا آخر كسلف وبيع وإجارة وصرف. ومنها ما لا يبطل العقد وإنما يبطل الشرط نفسه وذلك فيما إذا شرط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده. أو لا يبيعه ولا يهبه إلا إذا كان لاشتراط ذلك مصلحة خاصة فيصح الشرط.
البيوع المنهي عنها: أباح الإسلام بيع كل شيء يجلب الخير والبركة، وحرم بعض البيوع لما في بعضها من الجهالة والغرر، أو الإضرار بأهل السوق، أو إيغار الصدور ونحوها مما يسبب الأحقاد والتشاحن والتناحر ومنها:
1 - الملامسة: كأن يقول مثلا أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، وهذا البيع فاسد لوجود الجهالة والغرر.
2 - بيع المنابذة: كأن يقول أي ثوب نبذته إليَّ فهو عليك بكذا، وهذا البيع فاسد لا يصح لوجود الجهالة والغرر.
3 - بيع الحصاة: كأن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي سلعة وقعت فهي لك بكذا،

(1/103)


وهذا البيع فاسد لا يصح للجهالة والغرر.
4 - بيع النجش: وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، وهذا البيع حرام؛ لأن فيه تغريرا بالمشتري وخداعا له.
5 - بيعتان في بيعة: كأن يقول: بعتك هذا على أن تبيعني أو تشتري مني هذا، أو بعتك هذه السلعة بعشرة حالة، أو عشرين مؤجلة ويتفرقا قبل تعيين أحدهما، وهذا البيع غير صحيح؛ لأن البيع معلق بشرط في الأول؛ ولعدم استقرار الثمن في الثاني.
6 - بيع الحاضر للبادي: وهو السمسار الذي يبيع السلعة بأغلى من سعر يومها.
7 - بيع الرجل على بيع أخيه: كأن يقول لمن يريد شراء سلعة بعشرة عندي لك مثلها بتسعة.
8 - بيع السلعة قبل قبضها.
9 - بيع العينة: وهي أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها نقدا.
10 - البيع بعد النداء الثاني للجمعة لمن تلزمه.

(1/104)


[الربا أحكامه وأقسامه والطرق التي فتحها الإسلام للتخلص منه]
2 - الربا- أحكامه -أقسامه
الطرق التي فتحها الإسلام للتخلص منه أ- تعريف الربا: الربا: مقصور ويطلق على الزيادة والنمو، يقال: ربا المال إذا زاد ونما، وأربى على الخمسين زاد ويطلق على كل بيع محرم.
- والربا في اصطلاح الفقهاء: الزيادة في أشياء مخصوصة.
أو هو عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما.
ب- حكمة تحريم الربا: والإسلام حرَّم الربا للأمور التالية:
1 - انعدام التقابل بين الجهد والثمرة لكون الدائن المرابي لا يبذل جهدا ولا يقدم عملا ولا يتحمل خسارة. . فيما يحصل عليه من كسب وما يتملكه من ربح.
2 - انهيار اقتصاد المجتمع بسبب تلكُّؤ الدائن عن العمل. . وإخلاده إلى الراحة والكسل طمعا في ربح الفائدة والإثقال على المدين بالالتزامات الربوية.
3 - انهيار أخلاق المجتمع بسبب انعدام التعاون بين أفراده مما يؤدي حتما إلى تفسخ المجتمع وشيوع الأنانية والأثرة فيه بدل التضحية والمحبة والإيثار.
4 - انقسام المجتمع إلى طبقتين متنازعتين طبقة المستغلين والمتحكمين

(1/105)


برؤوس أموالهم، وطبقة الفقراء والمستضعفين الذين أكلت جهودهم وأتعابهم من غير حق.
ب- أنواع الربا: الربا عند أكثر العلماء نوعان هما:
1 - ربا النسيئة: والنسيئة هي: التأجيل والتأخير. وربا النسيئة هو: الزيادة في أحد العوضين مقابل تأخير الدفع ويسمى بالأجل.
2 - ربا الفضل: والفضل لغة ضد النقص.
وربا الفضل هو: الزيادة في أحد البدلين المتفقين جنسا، كذهب بذهب أكثر وبر ببر أكثر ونحوهما، مما يجري فيه ربا الفضل، ويسمى ربا البيع والربا الخفي.
- وزاد الشافعية نوعا ثالثا سموه: ربا اليد وهو: تأخير قبض العوضين أو أحدهما.
- وزاد بعضهم نوعا رابعا سماه: ربا القرض وهو المشروط فيه جر نفع.
- غير أن هذا التقسيم لم يخرج في الحقيقة عن تقسيم بقية العلماء إذ إن ما سموه ربا اليد أو ربا القرض يمكن إرجاعهما إلى النوعين الأولين.
- ويقسم الاقتصاديون المحدثون الربا إلى استهلاكي وإنتاجي.
1 - الاستهلاكي: هو الزيادة التي تؤخذ على القروض المستعملة في شراء الحاجات الاستهلاكية كطعام وشراب ودواء ونحو ذلك.
2 - الإنتاجي: هو ما يؤخذ على الديون المستعملة في عمليات إنتاجية كإقامة مصنع أو عمل مزرعة أو من أجل أغراض تجارية محضة.

(1/106)


كما يقسمونه أيضا إلى نوعين آخرين هما:
1 - مضاعف: وهو الذي تجعل فيه الفائدة بنسبة كبيرة.
2 - بسيط: وهو الذي تكون فيه الفائدة بنسبة قليلة.
وتحريم الإسلام للربا يشمل كل تعامل به سواء أكان ربا فضل أو ربا نسيئة وسواء كان الربا بفائدة كثيرة أو قليلة وسواء أكان ربا استهلاك أو استثمار فكل هذه التنويعات تندرج تحت لفظ التحريم في قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]
د- الطرق التي فتحها الإسلام للتخلص من التعامل بالربا: هيَّأ الإسلام طرقا للقضاء على الربا القائم والتخلص منه مستقبلا، من هذه الطرق:
1 - أنه أباح شركة المضاربة، وهي شركة يكون رأس المال فيها من شخص. والعمل من شخص آخر، والربح مشترك بينهما بالقدر المتفق عليه، والخسارة على صاحب رأس المال، أما صاحب الجهد والعمل فلم يتحمل من الخسارة شيئا إذ يكفيه أنه خسر جهده وعمله.
2 - أباح بيع السّلم، وهو بيع آجل بعاجل، فمن كان مضطرا للمال يبيع على الموسم من إنتاجه بسعر مناسب، وبشروط مذكورة في كتب الفقه.
3 - أباح بيع المؤجل: وهو زيادة عن الثمن في بيع النقد، وقد أباحه الإسلام لتيسير مصالح الناس، وللتخلص من التعامل بالربا.
4 - حض على وجود مؤسسات للقرض الحسن: سواء أكان القرض على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات أو على مستوى الحكومات. . تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي بين الأمة.

(1/107)


5 - شرع الإسلام دفع الزكاة للمديون المحتاج، والفقير الذي لا يملك، والغريب المنقطع ونحو ذلك سدًّا لحاجتهم وجبرا لخلتهم ورفعا لمستواهم.
تلك هي أهم الأبواب التي فتحها الإسلام أمام أي فرد من المجتمع، لتتحقق مصلحته وتحفظ له كرامته الإنسانية، ويصل إلى مقصده النبيل في قضاء حوائجه، وتأمين مصالحه وازدهار عمله وإنتاجه.
- فوائد البنوك وحكمها: - الفوائد جمع فائدة، والمقصود بها عند الاقتصاديين: فائدة ما يسمى بالنقود السائلة، وهي الزيادة التي تدفعها البنوك وصناديق الادخار على الودائع أو تأخذها على القروض، وهي من الربا بل هي الربا بعينه وإن سموها فوائد فلا شك في أنها من الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع.
وقد نقل الإجماع على تحريم الزيادة المشروطة على القرض. على أن ما يسمونه قرضا ليس قرضا بل هو كما يقول مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "والحقيقة فيما يقال عنه قرض ليس قرضا؛ لأن المقصود بالقرض الإحسان والإرفاق، وهذا معاوضة ظاهرة فهو في الحقيقة بيع دراهم إلى أجل، وربحها ربحا معلوما مشروطا.
وبهذا يعلم أن الفائدة التي تأخذها البنوك على القروض أو تدفعها على الودائع تساوي الربا تماما فكلاهما بمعنى الزيادة فيصح إطلاق كل منهما على الآخر ".

(1/108)


[الإجارة]
3 - الإجارة أ- تعريف الإجارة: هي عقد على منفعة مباحة معلومة.
ب- حكمها: جائزة، وهي عقد لازم من الطرفين.
ج- حكمة مشروعيتها: الإجارة فيها تبادل المنافع بين الناس بعضهم بعضا فهم يحتاجون أرباب الحرف للعمل والبيوت للسكنى والدواب والسيارات والآلات للحمل، والركوب، والانتفاع، وإباحة الإجارة تيسير على الناس وقضاء لحاجاتهم.
د - الإجارة نوعان: 1 - أن تكون على عين معينة، كأجرتك هذه الدار أو السيارة.
2 - أن تكون على عمل كأن يستأجر شخصا لبناء جدار، أو حرث أرض ونحوهما.
هـ- شروط الإجارة: شروط الإجارة أربعة هي:
1 - أن تكون من جائز التصرف.
2 - معرفة المنفعة كسكنى دار، أو خدمة آدمي، أو تعليم علم.
3 - معرفة الأجرة.
4 - أن تكون المنفعة مباحة كدار للسكن، فلا تصح على نفع محرم

(1/109)


كالزنا، والغناء، وجعل داره كنيسة، أو لبيع خمر ونحو ذلك.
(مسألة) : إن ركب سيارة أو طائرة أو سفينة، أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطا أو استأجر حمالا بلا عقد صح ذلك كله بأجرة العادة؛ لأن العرف الجاري بذلك وغيره يقوم مقام القول.
و ما يشترط في المؤجر: يشترط في العين المؤجرة، معرفتها برؤية أو صفة، وأن يعقد على نفعها دون أجزائها، وأن يقدر على تسليمها، وأن تشتمل على المنفعة، وأن تكون مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها.
ز- مسائل في الإجارة: - تصح إجارة الوقف، فإن مات المؤجر، وانتقل إلى من بعده لم تنفسخ وللثاني حصته من الأجرة.
- كل ما حرم بيعه حرمت إجارته إلا الوقف، والحر، وأم الولد.
- تنفسخ الإجارة بتلف العين المؤجرة، وانقطاع نفعها.
- يجوز أخذ الأجرة على التعليم، وبناء المساجد، ونحوها، أما الحج فيجوز مع الحاجة أخذ الأجرة.
- إذا أخذ الإمام، أو المؤذن، أو المعلم للقرآن من بيت المال أو أعطي بلا شرط جاز له ذلك.
- لا يضمن الأجير ما تلف بيده ما لم يفرط أو يتعدى.
- تجب الأجرة بالعقد، ويجب تسليم الأجرة بتسليم العين المؤجرة وإن تراضيا على التأجيل، أو التقسيط جاز، والأجير يستحق أجرته إذا قضى عمله.

(1/110)


[الوقف]
الوقف 1 - تعريف الوقف لغة واصطلاحا:
الوقف في اللغة: مصدر وقف وجمعه أوقاف، يقال: وقف الشيء وأوقفه وحبسه وأحبسه وسبّله بمعنى واحد.
وأما في الاصطلاح: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
2 - الأصل في مشروعية الوقف: الأصل في مشروعيته السنّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك إجماع الأمة.
أما السنة: ففي الصحيحين «أن عمر قال: يا رسول الله، إني أصبت مالا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منه، فما تأمرني فيه؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث» .
فتصدق بها عمر على الفقراء وذوي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه.
والوقف مما اختص به المسلمون، قال جابر - رضي الله عنه-: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف.
"وهذا يبين أن ما عليه الناس الآن عكس ما عرف في عصر

(1/111)


الصحابة، فغالب الناس الآن لا يعرفون إلا الوصية ولا يعرفون الوقف ".
3 - حكمة مشروعية الوقف: 1 - يُرغِّب مَنْ وسَّع الله عليهم من ذوي الغنى واليسار أن يتزودوا من الطاعات ويكثروا من القربات فيخصصوا شيئا من أموالهم العينية ما يبقى أصله وتستمر المنفعة منه خشية أن يؤول المال بعد مفارقة الحياة إلى من لا يحفظه ولا يصونه فينمحي عمله ويصبح عَقبُه من ذوي الفاقة والإعسار، ودفعا لكل هذه التوقعات ومشاركة في أعَمال الخيرات شرع الوقف في الحياة ليباشر الواقف ذلك بنفسه ويضعه في موضعه الذي يريده ويتمناه وليستمر مصرف ريعه بعد الوفاة كما كان في الحياة.
2 - الوقف سبب رئيسي في قيام المساجد والمدارس والربط ونحوها من أعمال الخير والمحافظة عليها، فإن أغلب المساجد على مدى التاريخ قامت على تلك الأوقاف، بل إن كل ما يحتاجه المسجد من فرش وتنظيف ورزق القائمين عليه كان ولا يزال مدعوما بالأوقاف.
4 - ألفاظ الوقف: له ألفاظ صريحة وهي:
وقفت وحبست وسبّلت.
وأما الألفاظ الكنائية فهي:
تصدقت وحرّمت وأبدت.
وتكون ألفاظ الكناية دالة على الوقف بواحد من ثلاثة أمور:
1 - النية، فإذا نطق ونوى بواحدة من هذه الألفاظ الكنائية صار موقفا.
2 - إذا اقترنت الألفاظ الكنائية بواحدة من الألفاظ الصريحة أو الكنائية

(1/112)


كتصدقت بكذا صدقة موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة أو مؤبدة أو محرمة.
3 - أن يصف العين بأوصاف، فيقول: محرمة لا تباع ولا توهب. وكما يصح الوقف بالقول كواحد من الألفاظ الصريحة أو الكنائية على ما ذُكر فإنه يصح بالفعل كمن جعل أرضه مسجدا وأذن للناس في الصلاة فيها.
5 - أنواع الوقف: ينقسم الوقف باعتبار الجهة الأولى التي وقف عليها إلى نوعين:
1 - خيري
2 - وأهلي.
1 - الوقف الخيري: هو الذي يوقف في أول الأمر على جهة خيرية ولو لمدة معينة، ويكون بعدها وقفا على شخص معين أو أشخاص معينين، كأن يقف أرضه على مستشفى أو مدرسة ثم من بعد ذلك على أولاده.
2 - الوقف الأهلي أو الذُّري: وهو الذي يوقف في ابتداء الأمر على نفس الواقف أو أي شخص أو أشخاص معينين ويجعل آخره لجهة خيرية. كأن يوقف على نفسه ثم على أولاده ثم على جهة خيرية من بعدهم.
6 - محل الوقف: محل الوقف هو المال الموجود المتقوّم من عقار أرضا أو دارا بالإجماع، أو منقول ككتب وثياب وحيوان وسلاح، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فإنه احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله» . واتفقت الأمة على وقف الحُصرُ والقناديل في المساجد من غير نكير.

(1/113)


ويصح وقف الحلي للبس والإعارة؛ لأنه عين يمكن الانتفاع بها دائما فصح وقفها كالعقار.
شروط المُوقف: يشترط في الموقف شروطا إذا توافرت فيه صح وقفه وإلا فلا وهي:
1 - أن يكون أهلا للتبرع، فلا يصح الوقف من غاصب ولا من مشتر لم يستقر له الملك استقرارا تاما.
2 - أن يكون الموقف عاقلا، فلا يصح الوقف من مجنون ولا معتوه ونحوهما.
3 - أن يكون بالغا، فلا يصح وقف الصبي سواء كان مميزا أو غير مميز.
4 - أن يكون رشيدا فلا يصح الوقف من محجور عليه لسفه أو فلس أو غفلة.
8 - شروط الموقوف: ولكي يكون الوقف نافذا في الموقوف فيشترط لذلك شروطا:
1 - أن يكون مالا متقوّما من عقار وغيره.
2 - أن يكون الموقوف معلوما محددا.
3 - أن يكون الموقوف مملوكا للواقف حال الوقف.
4 - أن يكون الموقوف معينا غير شائع فلا يجوز وقف نصيب مشاع.
5 - أن لا يتعلق بالموقوف حق للغير.
6 - أن يمكن الانتفاع بالموقوف عرفا.
7 - أن يكون في الموقوف منفعة مباحة.
9 - كيفية الانتفاع بالموقوف: يحصل الانتفاع بالموقوف:

(1/114)


بتحصيل المنفعة كسكن الدار وركوب الدابة والصوف واللبن والبيض والوبر من الحيوان.
10 - الفرق بين الوقف والوصية: 1 - أن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، بينما الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريقة التبرع سواء كان في الأعيان أو في المنافع.
2 - أن الوقف يلزم ولا يجوز الرجوع فيه في قول عامة أهل العلم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدَّقَ» .
أما الوصية فإنها تلزم ويجوز للوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به أو بعضه.
3 - الوقف يخرج العين الموقوفة عن التمليك لأحد وتخصيص المنفعة للموقوف عليه، بينما الوصية تتناول العين الموصى بها أو منفعتها للموصى له.
4 - تمليك منفعة الوقف يظهر حكمها أثناء حياة الواقف وبعد مماته، وللتمليك في الوصية لا يظهر حكمه إلا بعد موت الموصي.
5 - الوقف لا حد لأكثره بينما الوصية لا تتجاوز الثلث إلا بإجازة الورثة.
6 - الوقف يجوز لوارث والوصية لا تجوز لوارث إلا بإجازة الورثة.

(1/115)


[الوصية]
5 - الوصية أ- تعريف الوصية: الوصية هي الأمر بالتصرف بعد الموت ويتضمن إيصال الأمانات والتبرع بالمال وتزويج البنات وغسل الميت والصلاة عليه وتفرقة الثلث وغير ذلك.
ب- الأصل في مشروعية الوصية: الأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة» .
ج- ما تنعقد به الوصية: 1 - العبارة.
2 - الكتابة.
3 - الإشارة المفهمة.
أولا: العبارة: لا خلاف بين الفقهاء في انعقاد الوصية باللفظ الصريح. مثل أوصيت لفلان بكذا، أو غير الصريح الذي يفهم منه الوصية بالقرينة كجعلت له بعد موتي كذا أو اشهدوا أني أوصيت لفلان بكذا.
ثانيا: الكتابة إذا صدرت من عاجز عن النطق كالأخرس ومعتقل اللسان إذا امتدت عقلته أو صار ميئوسا من قدرته على النطق.
ثالثا: الإشارة المفهمة، وتنعقد الوصية من الأخرس أو معتقل اللسان بالإشارة المفهمة بشرط أن يصير معتقل اللسان ميئوسا من نطقه.

(1/116)


د- حكم الوصية: الوصية مشروعة ومأمور بها، قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ} [المائدة: 106]
هـ- أنواع الوصية:
1 - الوصية الواجبة: وتكون على من عليه دين وفي ذمته حقوق ولديه أمانات وعُهد فإنه يجب عليه أن يوضح ذلك كله بالكتابة الواضحة الجلية التي تحدد الديون إن كانت حالة أو مؤجلة، وما لديه من أمانات وعُهَد وذلك حتى يكون الوارث على أمر واضح حين التصرف فيما وكل إليه.
2 - الوصية المسنونة: والمرغب فيها، وهي التي تكون في ثلث المال فما دون لغير وارث. فهذه مستحبة وتصرف في أعمال البر وطرق الخير سواء كانت خاصة كلفلان قريبا كان أو أجنبيا أو لجهة معينة كالمسجد الفلاني أو لجهات عامة كالمساجد والمدارس والمكتبات والملاجئ والمشافي ونحوها.
و قدر الوصية: لا يجوز أن تتجاوز الوصية الثلث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: «أوصي بمالي كله؟ قال: "لا" قال: بالشطر؟ قال: "لا" قال: بالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير» [متفق عليه] .
ولا يجوز الوصية لوارث أو لأجنبي في أكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة.

(1/117)


ز- ما يعتبر لصحة الوصية: 1 - أن تكون بالمعروف أي بالعدل.
2 - أن تكون على ما شرعه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
3 - على الموصي أن يخْلص عمله لله وأن يقصد بوصيته أعمال البر والخير.
ح- ما يشترط في الموصي: 1 - أن يكون أهلا للتبرع.
2 - أن يكون مالكا.
3 - أن يكون راضيا مختارا.
ط- ما يشترط في الموصى له: 1 - أن يكون على جهة بر أو مباح.
2 - أن يكون الموصى له موجودا وقت الوصية تحقيقا أو تقديرا وعلى ذلك تصح الوصية للمعدوم.
3 - أن يكون الشخص معلوما.
4 - أن يكون أهلا للتملك والاستحقاق.
5 - أن يكون غير قاتل.
6 - يشترط في الموصى له ألا يكون وارثا.
ي- ما يشترط في الموصى به: 1 - أن يكون مالا قابلا للتوارث.
2 - أن يكون المال الموصى به متقوما في عرف الشرع.
3 - أن يكون قابلا للتمليك وإن كان معدوما وقت الوصية.
4 - أن يكون الموصى به مملوكا للموصي أثناء الوصية.

(1/118)


5 - أن لا يكون الموصى به معصية أو محرما شرعا.
ك- إثبات الوصية: يندب بالاتفاق كتابة الوصية وبدؤها بالبسملة والثناء على الله بالحمد ونحوه والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم إعلان الشهادتين كتابة أو نطقا بعد البسملة والحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ل- أنواع الأوصياء: أنواع الأوصياء ثلاثة:
1 - وصي الحاكم.
2 - وصي القاضي.
3 - الوصي المختار لواحد من أفراد المسلمين.
م- مبطلات الوصية: 1- الرجوع عن الوصية بتصريح أو دلالة.
2 - تعليق الوصية على شرط لم يتحقق.
3 - عدم وجود تركة تكون محلا للوصية.
4 - زوال أهلية الموصي.
5 - ردّة الموصي عن الإسلام عند بعض أهل العلم.
6 - رد الوصية من قبَل الموصي له.
7 - موت الموصى له المعيَّن قبل موت الموصي.
8 - قتل الموصى له الموصي.
9 - هلاك الموصى به المعين أو ظهور استحقاقه.
10 - تبطل الوصية إذا كانت لوارث ولم يجزها الورثة.

(1/119)