عمدة
الأحكام من كلام خير الأنام صلى الله عليه وسلم كتابُ الحُدودِ
(1/241)
353 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله
عنه - قَالَ: ((قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ - أَوْ عُرَيْنَةَ - فَاجْتَوَوُا
الْمَدِينَةَ , فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
بِلِقَاحٍ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا
وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا. فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ
الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ , فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ. فَلَمَّا
ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ , فَأَمَرَ بِهِمْ: فَقُطِّعَتْ
أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ , وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ ,
وَتُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ [ص:242] يَسْتَسْقُونَ , فَلا يُسْقَوْنَ. قَالَ
أَبُو قِلابَةَ: فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ
إيمَانِهِمْ , وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) . أَخْرَجَهُ
الْجَمَاعَةُ. اجْتَوَيْتَ البِلادَ إِذا كرهْتَها وإِنْ كانتْ مُوافِقَةً.
واسْتَوْبَأْتَها إِذا لم تُوَافِقْكَ.
عُكْل: قبيلةٌ عدنانيةٌ.
عُرَيْنة: قبيلةٌ قحطانية.
فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ: كرهوها لداءِ أَصابهم في أَجوافهم.
لِقَاح: ناقة حَلوب.
النَّعَم: واحدُ الأَنعامِ، وهي الإِبلُ.
سُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ: أَيْ كُحِّلَتْ أَعينُهم بمساميرَ مُحَمَّاةٍ
بالنَّارِ.
من خِلافٍ: تُقطَعُ اليدُ اليُمْنى والرِّجْلُ اليُسْرى.
الْحَرَّة: الأَرض التي تعلوها حجارةٌ سُودٌ.
يَسْتَسْقُونَ: يطلبون الماء.
(1/241)
354 - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ
خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما , أَنَّهُمَا قَالا: ((إنَّ رَجُلاً
مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ , أَنْشُدُك اللَّهَ إلاَّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ
اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ - نَعَمْ ,
فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ , وَأْذَنْ لِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: قُلْ , فَقَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى
هَذَا , فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ , وَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّ عَلَى ابْنِي
الرَّجْمَ , فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ , فَسَأَلْتُ
أَهْلَ الْعِلْمِ [ص:243] فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ , وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: وَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ , الْوَلِيدَةُ
وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْك وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ
عَامٍ. وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ - لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ - عَلَى امْرَأَةِ
هَذَا , فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا , فَغَدَا عَلَيْهَا ,
فَاعْتَرَفَتْ , فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَرُجِمَتْ)) .
العَسيفُ: الأَجيرُ. أهـ
أَنْشُدُك اللَّهَ: أَسْأَلُكَ باللهِ.
(1/242)
355 - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ
بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ
رضي الله عنهما قَالا:
((سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ
وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا , ثُمَّ إنْ زَنَتْ
فَاجْلِدُوهَا , ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا , ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ
بِضَفِيرٍ)) .
قالَ ابنُ شِهابٍ: «ولاأَدري، أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعةِ» .
والضَّفيرُ: الحَبْلُ.
(1/243)
356 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
أَنَّهُ قَالَ: ((أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ - فَنَادَاهُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ , إنِّي زَنَيْتُ , فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ
وَجْهِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي زَنَيْت , فَأَعْرَضَ
عَنْهُ , حَتَّى ثَنَّى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا
شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ: دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - , فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ
أُحْصِنْت؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ)) .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «كُنْت فِيمَنْ
رَجَمَهُ , فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّيْ , فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ
الْحِجَارَةُ هَرَبَ , فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ , فَرَجَمْنَاهُ» .
الرَّجُلُ هو ماعزُ بنُ مالِكٍ. ورَوَى قِصَّتَهُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ
وعَبْدُ اللهِ بنُ عَباسٍ وأَبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ وبُرَيْدَةُ بنُ
الحُصَيْبِ الأَسْلَمِيُّ.
هَلْ أُحْصِنْتَ: هلْ تزوجتَ.
أَذْلَقَتْهُ الحجارةُ: أَصابَتْهُ بِحَدِّها فَأَوْجَعَتْهُ.
(1/244)
357 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي
الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: ((إنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا لَهُ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ
وَرَجُلاً زَنَيَا. فَقَالَ [ص:245] لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ , فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟
فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ:
كَذَبْتُمْ , فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ , فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ
فَنَشَرُوهَا , فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ
مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ:
ارْفَعْ يَدَك. فَرَفَعَ يَدَهُ , فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ ,
فَقَالَ: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ , فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - فَرُجِمَا. قَالَ: فَرَأَيْت الرَّجُلَ: يَجْنَأُ عَلَى
الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ)) . [ص:246]
الرجلُ الذي وضع يدَهُ على آيةِ الرَّجْمِ عبدُ اللهِ بنُ صُوريا.
يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ: يميلُ عليها ويَنْكَبُّ.
(1/244)
358 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله
عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لَوْ أَنَّ
رَجُلاً - أَوْ قَالَ: امْرَأً - اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنِكَ ,
فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ , فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ: مَا كَانَ عَلَيْك
جُنَاحٌ)) .
حَذَفْتَهُ: قَذَفتَهُ.
جُنَاحٌ: إِثمٌ ولاقِصاص.
(1/246)
بابُ حَدِّ السَّرِقةِ
(1/246)
359 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي
الله تعالى عنهما: ((أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي
مِجَنٍّ قِيمَتُهُ)) - وَفِي لَفْظٍ: ((ثَمَنُهُ - ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ)) .
المِجَنّ: هوَ التُّرْسُ الذي يُتَّقى بهِ ضَرْبُ السَّيفِ.
(1/246)
360 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:
أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:
((تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً)) .
(1/246)
361 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها
((أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ
, فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ,
فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ
فَاخْتَطَبَ , فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ , وَإِذَا
سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ , وَأَيْمُ
اللَّهِ: لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ
يَدَهَا)) .
وَفِي لَفْظٍ ((كَانَتْ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ ,
فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا)) .
(1/247)
بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ
(1/247)
362 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله
عنه - ((أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ
شَرِبَ الْخَمْرَ, فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَةٍ نَحوَ أَرْبَعِينَ))
(1/247)
363 - عَنْ أَبِي بُرْدَةَ هَانِئِ بْنِ
نِيَارٍ الْبَلَوِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ
إلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ)) .
(1/248)
|