فقه السنة

الطلاق:
(1) تعريفه: الطلاق: مأخوذ من الاطلاق، وهو الارسال والترك.
تقول: أطلقت الاسير، إذا حللت قيده وأرسلته.
وفي الشرع: حل رابطة الزواج، وإنهاء العلاقة الزوجية.
(2) كراهته: إن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الاسلام.
وعقد الزواج إنما يعقد للدوام والتأبيد إلى أن تنتهي الحياة، ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهدا يأويان إليه، وينعمان في ظلاله الوارفة، وليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة.
ومن أجل هذا كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها.
وليس أدل على قدسيتها من أن الله سبحانه سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ، فقال: " وأخذن منكم ميثاقا غليظا (1) ".
وإذا كانت العلاقة بين الزوجين هكذا موثقة مؤكدة، فإنه لا ينبغي الاخلال بها، ولاالتهوين من شأنها.
وكل أمر من شأنه أن يوهن من هذه الصلة، ويضعف من شأنها، فهو بغيض إلى الاسلام، لفوات المنافع وذهاب مصالح كل من الزوجين.
فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أبغض الحلال
إلى الله - عز وجل - الطلاق (2) .
" وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة فهو في نظر الاسلام خارج عنه، وليس له شرف الانتساب إليه.
__________
(1) سورة النساء آية 21 (2) رواه أبو داود والحاكم وصححه.

(2/241)


يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من خبب (1) امرأة على زوجها (2) ".
وقد يحدث أن بعض النسوة يحاول أن يستأثر بالزوج ويحل محل زوجته، والاسلام ينهى عن ذلك أشد النهي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها (3) ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها ".
والزوجة التي تطلب الطلاق من غر سبب ولا مقتض، حرام عليها رائحة الجنة.
فعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة (4) ".
(3) حكمه: اختلفت آراء الفقهاء في حكم (5) الطلاق، والاصح من هذه الآراء، رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، وهم الاحناف والحنابلة.
واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لعن الله كل ذواق، مطلاق ".
ولان في الطلاق كفرا لنعمة الله، فإن الزواج نعمة من نعمه، وكفران النعمة حرام.
فلا يحل إلا لضرورة.
ومن هذه الضرورة التي تبيحه أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته.
أو أن يستقر في قلبه عدم اشتهائها، فإن الله مقلب القلوب، فإن لم تكن هناك حاجة تدعو إلى الطلاق يكون حينئذ محض كفران نعمة الله، وسوء أدب من الزوج، فيكون مكروها محظورا.
وللحنابلة تفصيل حسن، نجمله فيما يلي:
__________
(1) خبب: أفسد.
(2) رواه أبو داود والنسائي.
(3) أي لتخلي عصمة أختها من الزواج ولتحظى بزوجها.
ولها أن تتزوج زوجا آخر.
(4) رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي.
(5) أي الوصف الشرعي له.

(2/242)


فعندهم قد يكون الطلاق واجبا، وقد يكون محرما، وقد يكون مباحا، وقد يكون مندوبا إليه.
فأما الطلاق الواجب: فهو طلاق الحكمين في الشقاق بين الزوجين، إذا رأيا أن الطلاق هو الوسيلة لقطع الشقاق.
وكذلك طلاق المولي بعد التربص، مدة أربعة أشهر لقول الله تعالى: " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم (1) ".
وأما الطلاق المحرم:
فهو الطلاق من غير حاجة إليه، وإنما كان حراما، لانه ضرر بنفس الزوج، وضرر بزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه.
فكان حراما، مثل إتلاف المال، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".
وفي رواية أخرى أن هذا النوع من الطلاق مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق ".
وفي لفظ: " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " (2) وإنما يكون مبغوضا من غير حاجة إليه - وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالا - ولانه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروها.
وأما الطلاق المباح: فإنما يكون عند الحاجة إليه، لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها، من غير حصول الغرض منها.
وأم المندوب إليه: فهو الطلاق يكون عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها، مثل الصلاة ونحوها، ولا يمكنه إجبارها عليها، أو تكون غير عفيفة.
قال الامام أحمد رضي الله عنه لا ينبغي له إمساكها، وذلك لان فيه نقصأ لدينه، ولا يأمن إفساد هـ لفراشه، وإلحاقها به ولدا ليس هو منه، ولا بأس بالتضييق عليها في هذه الحال، لتفتدي منه، قال الله تعالى: " ولا تعضلوهن
__________
(1) البقرة الآية 125 - 126 (2) رواه أبو داود

(2/243)


لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة (1) ".
قال ابن قدامه: ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب.
قال: ومن المندوب إليه، الطلاق في حال الشقاق.
وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر.
قال ابن سينا في كتاب الشفاء: " ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما، وألا يسد ذلك من كل وجه، لان
حسم أسباب التوصل إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوها من الضرر والخلل.
منها: أن من الطبائع ما لا يألف بعض الطبائع، فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر، والنبو (أي الخلاف) وتنغصت المعايش.
ومنها: أن من الناس من يمنى (أي يصاب) بزوج غير كفء.
ولا حسن المذاهب في العشرة، أو بغيض تعافه الطبيعة، فيصير ذلك داعية إلى الرغبة في غيره، إذ الشهوة طبيعة، ربما أدى ذلك إلى وجوه من الفساد، وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النسل، فإذا بدلا بزوجين آخرين تعاونا فيه، فيجب أن يكون إلى المفارقة سبيل، ولكنه يجب أن يكون مشددا فيه ".
الطلاق عند اليهود (2) :
الذي دون في الشريعة عند اليهود وجرى عليه العمل أن الطلاق يباح بغير عذر، كرغبة الرجل بالتزوج بأجمل من امرأته، ولكنه لا يحسن بدون عذر، والاعذار عندهم قسمان: (الاول) عيوب الخلقة، ومنها: العمش، والحول، والبخر، والحدب، والعرج، والعقم.
(الثاني) وعيوب الاخلاق.
! وذكروا منها: الوقاحة، والثرثرة، والوساخة، والشكاسة، والعناد، والاسراف، والنهمة، والبطنة، والتأنق في المطاعم، والفخفخة، والزنا أقوى الاعذار عندهم، فيكفي فيه الاشاعة، وإن لم تثبت، إلا أن المسيح عليه السلام لم يقر منها إلا علة الزنا،
__________
(1) النساء الآية 19: أي لا تمسكوهن لتضيقوا عليهن.
(2) من كتاب " نداء للجنس اللطيف ".
ص 97.

(2/244)


وأما المرأة فليس لها أن تطلب الطلاق مهما تكن عيوب زوجها، ولو ثبت عليه الزنا ثبوتا.
الطلاق في المذاهب المسيحية:
ترجع جميع المذاهب المسيحية التي تعنقها أمم الغرب المسيحي إلى ثلاثة مذاهب:
1 - المذهب الكاثوليكي.
2 - " الارثوذكسي.
3 - " البروتوستنتي.
فالمذهب الكاثوليكي، يحرم الطلاق تحريما باتا، ولا يبيح فصم الزواج لاي سبب مهما عظم شأنه، وحتى الخيانة الزوجية نفسها لاتعد في نظره مبررا للطلاق، وكل ما يبيحه في حالة الخيانة الزوجية، هو التفرقة الجسمية، بين شخصي الزوجين، مع اعتبار الزوجية قائمة بينهما من الناحية الشرعية، فلا يجوز لواحد منهما في أثناء هذه الفرقة أن يعقد زواجه على شخص آخر، لان ذلك يعتبر تعددا للزوجات، والديانة المسيحية لا تبيح التعدد بحال.
وتعتمد الكاثوليكية في مذهبها هذا على ما جاء في إنجيل مرقص على لسان المسيح، إذ يقول: ... " 8 ويكون الاثنان جسدا واحدا، إذن ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد، 9 فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان (1) ".
والمذهبان المسيحيان الآخران، الارثوذكسي، والبروتوستنتي، يبيحان الطلاق في بعض حالات محدودة، من أهمها الخيانة الزوجية، ولكنهما يحرمان على الرجل والمرأة كليهما أن يتزوجا بعد ذلك، وتعتمد المذاهب المسيحية التي تبيح الطلاق في حالة الخيانة الزوجية على ما ورد في إنجيل متى، على لسان المسيح، إذ يقول: " من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني (2) ".
__________
(1) مرقص إصحاح 10 آيتي 8 و 9
(2) إنجيل متى: الاصحاح الخامس 21 - 22 (3) إنجيل مرقس: الاصحاح العاشر: 11

(2/245)


وتعتمد المذاهب المسيحية في تحريمها الزواج على المطلق والمطلقة على ما ورد في إنجيل مرقص إذ يقول: (من طلق امرأته، وتزوج بأخرى يزني عليها، وإن طلقت امرأة زوجها، وتزوجت بآخر تزني) .
الطلاق في الجاهلية: قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا راجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة، أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبدا، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة، فأخبرتها، فسكتت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن: " الطلاق مرتان.
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (1) ".
قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا، من كان طلق، ومن لم يكن طلق ". رواه الترمذي.
الطلاق من حق الرجل وحده:
جعل الاسلام الطلاق من حق الرجل وحده (2) ، لانه أحرص على بقاء الزوجية التي أنفق في سبيلها من المال، ما يحتاج إلى انفاق مثله، أو أكثر منه، إذا طلق وأراد عقد زواج آخر.
وعليه أن يعطي المطلقة مؤخر المهر، ومتعة الطلاق، وأن ينفق عليها في مدة العدة.
ولانه بذلك، وبمقتضى عقله ومزاجه يكون أصبر على ما يكره من المرأة، فلا يسارع إلى الطلاق لكل غضبة يغضبها، أو سيئة منها يشق عليه احتمالها، والمرأة أسرع منه غضبا، وأقل احتمالا، وليس عليها من تبعات الطلاق
__________
(1) سورة البقرة آية 229.
(2) من كتاب نداء للجنس اللطيف ص 98.

(2/246)


ونفقاته مثل ما عليه، فهي أجدر بالمبادرة إلى حل عقدة الزوجية، لادنى الاسباب، أو لما لا يعد سببا صحيحا إن أعطي لها هذا الحق.
والدليل على صحة هذا التعليل الاخير، أن الافرنج لما جعلوا طلب الطلاق حقا للرجال والنساء على السواء، كثر الطلاق عندهم، فصار أضعاف ما عند المسلمين.
من يقع منه الطلاق:
اتفق العلماء على أن الزوج، العاقل، البالغ، المختار هو الذي يجوز له أن يطلق، وأن طلاقه يقع.
فإذا كان مجنونا، أو صبيا أو مكرها، فإن طلاقه يعتبر لغوا لو صدر منه، لان الطلاق تصرف من التصرفات التي لها آثارها ونتائجها في حياة الزوجين، ولابد من أن يكون المطلق كامل الاهلية، حتى تصح تصرفاته.
وإنما تكمل الاهلية بالعقل والبلوغ، والاختيار، وفي هذا يروي أصحاب السنن، عن علي كرم الله وجهه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم (1) ، وعن المجنون حتى يعقل ".
وعن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " كل طلاق جائز، إلا طلاق المغلوب على عقله ".
رواه الترمذي والبخاري موقوفا.
وقال ابن عباس رضي الله عنه - فيمن يكرهه اللصوص فيطلق - فليس بشئ، رواه البخاري.
وللعلماء آراء مختلفة في المسائل الآتية نجملها فيما يلي:
1 - طلاق المكره.
2 - طلاق السكران.
3 - طلاق الهازل.
4 - طلاق الغضبان.
5 - طلاق الغافل والساهي.
6 - طلاق المدهوش.
__________
(1) يحتلم: يبلغ.

(2/247)


(1) طلاق المكره:
المكره لا إرادة له ولا اختيار، والارادة والاختيار هي أساس التكليف، فإذا انتفيا، انتفى التكليف، واعتبر المكره غير مسؤول عن تصرفاته، لانه مسلوب الارادة، وهوفي الواقع ينفذ إرادة المكره.
فمن أكره على النطق بكلمة الكفر، لا يكفر بذلك لقول الله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان (1) ".
ومن أكره على الاسلام لا يصبح مسلما، ومن أكره على الطلاق لا يقع طلاقه.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
أخرجه ابن ماجه، وابن حبان، والدارقطني، والطبراني، والحاكم، وحسنه النووي.
وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وداود من فقهاء الامصار،
وبه قال عمربن الخطاب، وابنه عبد الله، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: طلاق المكره واقع، ولا حجة لهم فيما ذهبوا إليه، فضلا عن مخالفتهم لجمهور الصحابة.
(2) طلاق السكران:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طلاق السكران يقع، لانه المتسبب بإدخال الفساد على عقله بإرادته.
وقال قوم: لا يقع وإنه لغو لا عبرة به، لانه هو والمجنون سواء، إذ أن كلامنهما فاقد العقل الذي هو مناط التكليف، ولان الله سبحانه يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون (2) ".
فجعل سبحانه قول السكران غيرمعتدبه، لانه لا يعلم ما يقول.
وثبت عن عثمان أنه كان لا يرى طلاق السكران.
__________
(1) سورة النحل آية: 106.
(2) سورة النساء آية 43.

(2/248)


وذهب بعض أهل العلم أنه لا يخالف عثمان في ذلك احد من الصحابة.
وهو مذهب يحيى بن سعيد الانصاري، وحميد بن عبد الرحمن وربيعة، والليث بن سعد، وعبد الله بن الحسين، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، والشافعي في أحد فوليه واختاره المزني من الشافعية وهو إحدى الروايات عن أحمد، وهي التي استقر عليها مذهبه، وهو مذهب أهل الظاهر كلهم، واختاره من الحنفية أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن الكرخي.
قال الشوكاني: إن السكران الذي لا يعقل لاحكم لطلاقه لعدم المناط
الذي تدور عليه الاحكام، وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا، ونقول يقع طلاقه عقوبة له، فيجمع له بين غرمين.
وقد جرى العمل أخيرا في المحاكم بهذا المذهب، فقد جاء في المرسوم بقانون برقم 25 / لسنة 1929 في المادة الاولى منه: (لا يقع طلاق السكران والمكره) .
(3) طلاق الغضبان:
والغضبان الذي لا يتصور ما يقول، ولا يدري ما يصدر عنه، لا يقع طلاقه لانه مسلوب الارادة.
روى أحمد وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم وصححه، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ".
وفسر الاغلاق بالغضب، وفسر بالاكراه، وفسربالجنون.
وقال ابن تيمية كما في زاد المعاد: حقيقة الاغلاق أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه انغلق عليه قصده وإرادته.
قال: ويدخل في ذلك طلاق المكره، والمجنون، ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكل ما لاقصد له، ولا معرفة له بما قال، والغضب على ثلاثة أقسام:
1 - ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
2 - ما يكون في مبادئه بحيث لايمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه.

(2/249)


3 - أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية، ولكنه يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زاد، فهذا محل نظر.
وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه.
(4) طلاق الهازل (1) والمخطئ:
يرى جمهور الفقهاء أن طلاق الهازل يقع، كما أن نكاحه يصح، لما رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة ".
وهذا الحديث وإن كان في إسناده عبد الله بن حبيب، وهو مختلف فيه، فإنه قد تقوى بأحاديث أخرى.
وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع طلاق الهازل.
منهم: الباقر، والصادق، والناصر.
وهو قول في مذهب أحمد ومالك، إذ أن هؤلاء يشترطون لوقوع الطلاق الرضا بالنطق اللساني، والعلم بمعناه، وإرادة مقتضاه، فإذا انتفت النية والقصد، اعتبر اليمين لغوا، لقول الله تعالى: " وإن عزموا الطلاق، فإن الله سميع عليم (2) ".
وإنما العزم ما عزم العازم على فعله، ويقتضي ذلك إرادة جازمة بفعل المعزوم عليه، أو تركه ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات ".
والطلاق عمل مفتقر إلى النية، والهازل لا عزم له ولانية.
وروى البخاري عن ابن عباس: " " إنما الطلاق عن وطر (3) ".
أما طلاق المخطئ، وهو من أراد التكلم بغير الطلاق فسبق لسانه إليه.
__________
(1) الهازل: هو الذي يتكلم من غير قصد للحقيقة، بل على وجه اللعب ونقيضه الجاد، مأخوذ من الجسد.
(2) سورة البقرة آية: 27.
(3) قال الحافظ: أي أنه لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته إلا عند الحاجة كالنشوز.
وقال ابن القيم: أي عن غرض من المطلق في وقوعه - رسالة الطلاق: ص 57.

(2/250)


فقد رأى فقهاء الاحناف: أنه يعامل به قضاء، وأما ديانة فيما بينه وبين ربه فلا يقع عليه طلاقه وزوجته حلال له.
(5) طلاق الغافل والساهي: ومثل المخطئ، والهازل، الغافل، والساهي، والفرق بين المخطئ والهازل، أن طلاق الهازل يقع قضاء وديانة، عند من يرى ذلك، وطلاق المخطئ يقع قضاء فقط، وذلك أن الطلاق ليس محلا للهزل ولا للعب.
(6) طلاق المدهوش: المدهوش الذي لا يدري ما يقول، بسبب صدمة أصابته فأذهبت عقله وأطاحت بنفكيره، لا يقع طلاقه، كما لا يقع طلاق المجنون، والمعتوه، والمغمى عليه، ومن اختل عقله لكبر أو مرض، أو مصيبة فاجأته.
من يقع عليها الطلاق لا يقع الطلاق على المرأة إلا إذا كان محلا له، وإنما تكون محلا له في الصور الآتية:
1 - إذا كانت الزوجية قائمة بينها وبين زوجها حقيقة.
2 - إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، أو معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، لان الزوجية فيها تين الحالتين تعتبر قائمة حكما حتى تنتهي العدة.
3 - إذا كانت المرأة في العدة الحاصلة بالفرقة التي تعتبر طلاقا.
كأن تكون الفرقة بسبب إباء الزوج الاسلام إذا أسلمت زوجته. أو كانت بسبب الايلاء فإن الفرقة في هاتين الصورتين تعتبر طلاقا عند الاحناف.
4 - إذا كانت المرأة معتدة من فرقة اعتبرت فسخا لم ينقض العقد من أساسه ولم يزل الحل. كالفرقة بردة الزوجة، لان الفسخ في هذه الحالة إنما لطارئ طرأ يمنع بقاء العقد بعد أن وقع صحيحا.

(2/251)


من لا يقع عليها الطلاق قلنا: إن الطلاق لا يقع على المرأة إلا إذا كانت محلا له. فإذا لم تكن محلا له فلا يقع عليها الطلاق.
فالمعتدة من فسخ الزواج بسبب عدم الكفاءة أو لنقص المهر عن مهر المثل، أو لخيار البلوغ، أو لظهور فساد العقد بسبب فقد شرط من شروط صحته، لا يقع عليها الطلاق، لان العقد في هذه الحالات قد نقض من أصله، فلم يبق له وجود في العدة.
فلو قال الرجل لامرأته: أنت طالق وهي في هذه الحالة - فقوله لغو لا يترتب عليه أي أثر.
وكذلك لا يقع الطلاق على المطلقة قبل الدخول وقبل الخلوة بها خلوة صحيحة، لان العلاقة الزوجية بينهما قد انتهت، وأصبحت أجنبية بمجرد صدور الطلاق، فلا تكون محلا للطلاق بعد ذلك. لانها ليست زوجته ولا معتدته.
فلو قال لزوجته غير المدخول بها حقيقة أو حكما: أنت طالق ... أنت طالق ... أنت طالق، وقعت بالاولى فقط طلقة بائنة، لان الزوجية فائمة.
أما الثانية، والثالثة، فهما لغو لا يقع بهما شئ، لانهما صادفتاها وهي ليست زوجته ولامعتدته، حيث لا عدة لغير المدخول بها (1) ".
وكذلك لا يقع الطلاق على أجنبية لم تربطها بالمطلق زوجية سابقة.
فلو قال لامرأة لم يسبق له الزواج بها: " أنت طالق يكون كلامه لغوا لاأثر له، وكذلك الحكم فيمن طلقت وانتهت عدتها، لانها بانتهاء العدة تصبح أجنبية عنه.
ومثل ذلك المعتدة من طلاق ثلاث، لانها بعد الطلاق الثلاث تكون قد بانت منه بينونة كبرى، فلا يكون للطلاق معنى
__________
(1) وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي: وقال مالك ... إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ثلاثا.
فهي نسق." أي متابعة وراء بعضها " قال يكون ثلاثة تشبيها لتكرار اللفظ بالعد كأنه قال ... " أنت طالق ثلاثا " وقال في بداية المجتهد، فمن شبه تكرار اللفظ بلفظه بالعدد أعني بقوله " طلقتك ثلاثا " قال: " يقع الطلاق ثلاثا " ومن رأى أنه باللفظة الواحدة قد بانت منه. قال " لا يقع " وهذا بخلاف المدخول بها.

(2/252)


الطلاق قبل الزواج:
لا يقع الطلاق إذا علقه على التزوج بأجنبية، كأن يقول: " إن تزوجت فلانة فهي طالق، لما رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لانذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولاطلاق له فيما لا يملك ".
قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شئ روي في هذا الباب، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وابن عباس، وجابر بن يزيد، وغير واحد من فقهاء التابعين، وبه يقول الشافعي.
وقال أبو حنيفة، في الطلاق المعلق: إنه يقع إذا حصل الشرط، سواء عمم المطلق جميع النساء، أم خصص.
وقال مالك وأصحابه: إن عمم جميع النساء لم يلزمه، وإن خصص لزمه.
ومثال التعميم أن يقول: إن تزوجت أي أمرأة فهي طالق.
ومثال التخصيص: أن يقول: إن تزوجت فلانة - وذكر امرأة بعينها - فهي طالق.
ما يقع به الطلاق يقع الطلاق بكل ما يدل على إنهاء العلاقة الزوجية، سواء أكان ذلك باللفظ، أم بالكتابة إلى الزوجة، أم بالاشارة من الاخرس، أو بإرسال رسول.
الطلاق باللفظ:
واللفظ قد يكون صريحا، وقد يكون كناية، فالصريح: هو الذي يفهم من معنى الكلام عند التلفظ به، مثل: أنت طالق ومطلقة، وكل ما اشتق من لفظ الطلاق.
وقال الشافعي رضي الله عنه: ألفاظ الطلاق الصريحة ثلاثة: الطلاق، والفراق، والسراح، وهي المذكورة في القرآن الكريم.
وقال بعض أهل الظاهر: لا يقع الطلاق إلا بهذه الثلاث، لان الشرع

(2/253)


إنما ورد بهذه الالفاظ الثلاثة، وهي عبادة، ومن شروطها اللفظ فوجب الاقتصار على اللفظ الشرعي الوارد فيها (1) .
والكناية:
ما يحتمل الطلاق وغيره، مثل: أنت بائن، فهو يحتمل البينونة (2) عن الزواج، كما يحتمل البينونة عن الشر.
ومثل: أمرك بيدك، فإنها تحتمل تمليكها عصمتها.
كما تحتمل تمليكها حرية التصرف.
ومثل: أنت علي حرام، فهي تحتمل حرمة المتعة بها، وتحتمل حرمة إيذائها.
والصريح: يقع به الطلاق من غير احتياج إلى نية تبين المراد منه، لظهور
دلالته ووضوح معناه.
ويشترط في وقوع الطلاق الصريح: أن يكون لفظه مضافا إلى الزوجة، كأن يقول: زوجتي طالق، أو أنت طالق.
أما الكناية فلا يقع بها الطلاق إلا بالنية، فلو قال الناطق بلفظ الصريح: لم أرد الطلاق ولم أقصده، وإنما أردت معنى آخر، لا يصدق قضاء، ويقع طلاقه.
ولو قال الناطق بالكناية: لم أنو الطلاق، بل نويت معنى آخر، يصدق قضاء، ولا يقع طلاقه، لاحتمال اللفظ معنى الطلاق وغيره، والذي يعين المراد هو النية، والقصد، وهذا مذهب مالك، والشافعي، لحديث عائشة رضيا لله عنها، عند البخاري وغيره.
" أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: " عذت بعظيم، الحقي بأهلك "
وفي الصحيحين وغيرهما في حديث تخلف كعب بن مالك لما قيل له: " رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقال: أطلقها أم ماذا أفعل؟! قال: بل اعتزلها. فلا تقربنها، فقال لامرأته: الحقي بأهلك ".
__________
(1) بداية المجتهد ج 2 ص 70.
(2) إذ أن البينونة معناها البعد والمفارقة.

(2/254)


فأفاد الحديثان، أن هذه اللفظة تكون طلاقا مع القصد، ولا تكون طلاقا مع عدمه.
وقد جرى عليه العمل الآن، حيث جاء في القانون رقم 25 لسنة 1929 في المادة الرابعة منه:
" كنايات الطلاق: وهي ما تحتمل الطلاق أو غيره لا يقع بها الطلاق إلا بالنية ".
أما مذهب الاحناف: فإنه يرى أن كنايات الطلاق يقع بها الطلاق بالنية، وأنه يقع بها أيضا الطلاق بدلالة الحال.
ولم يأخذ القانون، بمذهب الاحناف في الاكتفاء بدلالة الحال، بل اشترط أن ينوي المطلق بالكناية الطلاق.
هل تحريم المرأة يقع طلاقا؟ إذا حرم الرجل امرأته، فإما أن يريد بالتحريم تحريم العين، أو يريد الطلاق بلفظ التحريم غير قاصد لمعنى اللفظ، بل قصد التسريح: ففي الحالة الاولى، لا يقع الطلاق، لما أخرجه الترمذي عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: (آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه، فجعل الحرام (1) حلالا. وجعل في اليمين كفارة) .
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: (إذا حرم الرجل امرأته، فهي يمين يكفرها.
ثم قال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) .
وأخرج النسائي عنه: " أنه أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي علي حراما فقال: كذبت، ليست عليك حرام، ثم تلا هذه الآية: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك. تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور
__________
(1) جعل الشئ الذي حرمه حلالا بعد تحريمه.

(2/255)


رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم (1) ". عليك أغلظ الكفارة: عتق رقبة ".
وفي الحالة الثانية: يقع الطلاق، لان لفظ التحريم كناية كسائر الكنايات.
الحلف بأيمان المسلمين من حلف بأيمان المسلمين ثم حنث، فإنه يلزمه كفارة يمين عند الشافعية، ولا يلزمه طلاق ولاغيره.
ولم يرد عن مالك فيه شئ وإنما الخلاف فيه للمتأخرين من المالكيه فقيل: يلزمه الاستغفار فقط، والمشهور المفتى به عندهم: أنه يلزمه كل ما اعتيد الحلف به من المسلمين.
وقد جرى العرف في مصر أن يكون الحلف المعتاد بالله وبالطلاق، وعليه فيلزم من حلف بأيمان المسلمين ثم حنث كفارة يمين وبت من يملك عصمتها ولا يلزمه مشي إلى مكة ولا صيام، كما كان في العصور الاولى، لعدم من يحلف بذلك الآن، وقال الابهري: يلزمه الاستغفار فقط، وقيل: يلزمه كفارة يمين كما يرى الشافعية.
وهذا الخلاف عند المالكية إذا لم ينو طلاقا، فإن نوى طلاقا وحنث لزمه اليمين عندهم.
ونحن نرى ترجيح رأي الابهري وأن من حلف بذلك لا يلزمه إلا أن يستغفر الله.
الطلاق بالكتابة:
والكتابة يقع بها الطلاق، ولو كان الكاتب قادرا على النطق، فكما أن للزوج أن يطلق زوجته باللفظ، فله أن يكتب إليها الطلاق.
واشترط الفقهاء: أن تكون الكتابة مستبينة مرسومة.
ومعنى كونها مستبينة: أي بينة واضحة بحيث تقرأ في صحيفة ونحوها.
ومعنى كونها مرسومة: أي مكتوبة بعنوان الزوجة بأن يكتب إليها: يا فلانة، أنت طالق، فإذا لم يوجه الكتابة إليها بأن كتب على ورقة: أنت
__________
(1) هذه الآية مصرحة بأن التحريم يمين.

(2/256)


طالق، أو زوجتي طالق، فلا يقع الطلاق إلا بالنية، لاحتمال أنه كتب هذه العبارة من غير أن يقصد إلى الطلاق.
وإنما كتبها لتحسين خطه مثلا.
اشارة الاخرس الاشارة بالنسبة للاخرس أداة تفهيم، ولذا تقوم مقام اللفظ في إيقاع الطلاق إذا أشار إشارة تدل على قصده في إنهاء العلاقة الزوجية.
واشترط بعض الفقهاء ألا يكون عارفا الكتابة ولاقادرا عليها.
فإذا كان عارفا بالكتابة وقادرا عليها، فلا تكفي الاشارة، لان الكتابة أدل على المقصود، فلا يعدل عنها إلى الاشارة إلا لضرورة العجز عنها.
ارسال رسول ويصح الطلاق بإرسال رسول ليبلغ الزوجة الغائبة بأنها مطلقة، والرسول يقوم في هذه الحالة مقام المطلق ويمضي طلاقه.
الإشهاد على الطلاق:
ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد، لان الطلاق من حقوق الرجل (1) ، ولايحتاج إلى بينة كي يباشر، حقه، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولاعن الصحابة، ما يدل على مشروعية الاشهاد.
__________
(1) الطلاق حق من حقوق الزوج، وقد جعله الله بيده ولم يجعل الله لغيره حقا فيه. قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ". وقال: " إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ".
قال ابن القيم: فجعل الطلاق لمن نكح لان له الامساك وهو الرجعة.
وعن ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله: سيدي زوجني أمته، وهو يريد أن يفرق بيي وبينها، قال: فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: يا أيها الناس: ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما: إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ". رواه ابن ماجه. وقد تقدمت حكمة ذلك.

(2/257)


وخالف في ذلك فقهاء الشيعة الامامية فقالوا: إن الاشهاد شرط في صحة الطلاق، واستدلوا بقول الله سبحانه في سورة الطلاق: " وأشهدوا ذوي عدل منكم، وأقيموا الشهادة لله ".
فذكر الطبرسي: أن الظاهر أنه أمر بالاشهاد على الطلاق، وأنه مروي عن أئمة أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين، وأنه للوجوب وشرط في صحة الطلاق (1) :
من ذهب إلى وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وقوعه بدون بينة:
وممن ذهب إلى وجوب الاشهاد واشتراطه لصحته من الصحابة: أمير لمؤمنين علي بن أبي طالب، وعمران بن حصين، رضي الله عنهما، ومن التابعين: الامام محمد الباقر، والامام جعفر الصادق، وبنوهما أئمة آل البيت رضوان الله عليهم، وكذلك عطاء، وابن جريج، وابن سيرين رحمهم الله " ففي جواهر الكلام " عن علي رضي الله عنه، أنه قال لمن سأله عن طلاق: " أشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عزوجل؟ قال: لا، قال اذهب فليس طلاقك بطلاق ".
وروى أبو داود في سننه عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أنه
سئل عن الرجل يطلق امرأته، ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: " طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها، ولا تعد ".
وقد تقرر في الاصول: أن قول الصحابي، من السنة كذا، في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه ولم على الصحيح، لان مطلق ذلك إنما ينصرف بظاهرة إلى من يجب اتباع سنته، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولان مقصود الصحابي بيان الشرع لا اللغة والعادة كما بسط في موضعه.
وأخرج الحافظ السيوطي في الدر المنثور في تفسير آية: " فإذا بلغن أجلهن
__________
(1) تفسير الالوسي سورة الطلاق، ويراجع أصل الشيعة.

(2/258)


فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوي عدل منكم ".
وعن عبد الرزاق عن ابن سيرين أن رجلا سأل عمران بن حصين، عن رجل طلق ولم يشهد، وراجع ولم يشهد.
قال: بئس ما صنع، طلق لبدعة، وراجع لغير سنة، فليشهد على طلاقه وعلى مراجعته، وليستغفر الله.
فإنكار ذلك من عمران، رضي الله عنه، والتهويل فيه وأمره بالاستغفار لعده إياه معصية، ما هو إلا لوجوب الاشهاد عنده، رضي الله عنه كما هو ظاهر.
وفي كتاب " الوسائل " عن الامام أبي جعفر الباقر، عليه رضوان الله، قال: الطلاق الذي أمر الله عز وجل به في كتابه، والذي سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يخلي الرجل عن المرأة، إذا حاضت وطهرت من
محيضها، أشهد رجلين عدلين على تطليقه، وهي طاهر من غير جماع، وهو أحق برجعتها ما لم تنقض ثلاثة قروء، وكل طلاق ما خلا هذا فباطل، ليس بطلاق.
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: من طلق بغير شهود فليس بشئ قال السيد المرتضى في كتاب " الانتصار ": حجة الامامية في القول: بأن شهادة عدلين شرط في وقوع الطلاق، ومتى فقد لم يقع الطلاق.
لقوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم ".
فأمر تعالى بالاشهاد، وظاهر الامر في عرف الشرع يقتضى الوجوب، وحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب خروج عن عرف الشرع بلا دليل.
وأخرج السيوطي في " الدر المنثور " عن عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء، قال: النكاح بالشهود، والطلاق بالشهود، والمراجعة بالشهود.
وروى الامام ابن كثير في تفسيره عن ابن جريج: أن عطاء كان يقول في قوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم ".
قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهدا عدل، كما قال الله عز وجل، إلا من عذر.

(2/259)


فقوله: لا يجوز، صريح في وجوب الاشهاد على الطلاق عنده، رضي الله عنه، لمساواته له بالنكاح، ومعلوم ما اشترط فيه من البينة.
إذا تبين لك، أن وجوب الاشهاد على الطلاق، هو مذهب هؤلاء الصحابة والتابعين المذكورين، تعلم أن دعوى الاجماع على ندبه المأثورة في بعض كتب الفقه، مراد بها الاجماع المذهبي لا الاجماع الاصولي الذي حده
- كما في " المستصفى " - اتفاق أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، خاصة على أمر من الامور الدينية، لانتقاضه، بخلاف من ذكر من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المجتهدين.
وتبين مما نقلناه قبل عن السيوطي وابن كثير: أن وجوب الاشهاد لم ينفرد به علماء آل البيت عليهم السلام، كما نقله السيد مرتضى في كتاب " الانتصار "، بل هو مذهب عطاء وابن سيرين، وابن جريج، كما أسلفنا.
التنجيز والتعليق صيغة الطلاق:
إما أن تكون منجزة، وإما أن تكون معلقة، وإما أن تكون مضافة إلى مستقبل.
فالمنجزة: هي الصيغة التي ليست معلقة على شرط، ولا مضافة إلى زمن مستقبل، بل قصد بها من أصدرها وقوع الطلاق في الحال، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق.
وحكم هذا الطلاق، أنه يقع في الحال متى صدر من أهله، وصادف محلا له.
وأما المعلق: وهو ما جعل الزوج فيه حصول الطلاق معلقا على شرط، مثل أن يقول الزوج لزوجته: إن ذهبت إلى مكان كذا، فأنت طالق.
ويشترط في صحة التعليق، ووقوع الطالق به ثلاثة شروط: (الاول) أن يكون على أمر معدوم، ويمكن أن يوجد بعد، فإن كان على أمر موجود فعلا، حين صدور الصيغة مثل أن يقول: إن طلع النهار فأنت طالق، والواقع أن النهار قد طلع فعلا - كان ذلك تنجيزا وإن جاء في صورة التعليق.

(2/260)


فإن كان تعليقا على أمر مستحيل كان لغوا، مثل إن دخل الجمل في سم الخياط فأنت طالق.
(الثاني) أن تكون المرأة حين صدور العقد محلا للطلاق بأن تكون في عصمته.
(الثالث) أن تكون كذلك حين حصول المعلق عليه.
والتعليق قسمان:
(القسم الاول) يقصد به ما يقصد من القسم للحمل على الفعل أو الترك أو تأكيد الخبر، ويسمى التعليق القسمي، مثل أن يقول لزوجته: إن خرجت فأنت طالق، مريدا بذلك منعها من الخروج إذا خرجت، لا إيقاع الطلاق.
(القسم الثاني) ويكون القصد منه إيقاع الطلاق عند حصول الشرط.
ويسمى التعليق الشرطي، مثل أن يقول لزوجته: (إن أبرأتني من مؤخر صداقك فأنت طالق) .
وهذا التعليق بنوعيه واقع عند جمهور العلماء.
ويرى ابن حزم أنه غير واقع.
وفصل ابن تيمية وابن القيم، فقالا: إن الطلاق المعلق الذي فيه معنى اليمين غير واقع.
وتجب فيه كفارة اليمين إذا حصل المحلوف عليه.
وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وقالا في الطلاق الشرطي: إنه واقع عند حصول المعلق عليه.
قال ابن تيمية: والالفاظ التي يتكلم بها الناس في الطلاق ثلاثة أنواع:
(الاول) صيغة التنجيز والارسال، كقوله: أنت طالق فهذا يقع به الطلاق، وليس بحلف، ولا كفارة فيه اتفاقا.
(الثاني) صيغة تعليق، كقوله: الطلاق يلزمني لافعلن هذا، فهذا يمين باتفاق أهل اللغة، واتفاق طوائف العلماء، واتفاق العامة.
(الثالث) صيغة تعليق كقوله: إن فعلت كذا فامرأتي طالق، فهذا إن قصد به اليمين، وهو يكره وقوع الطلاق كما يكره الانتقال عن دينه فهو يمين، حكمه حكم الاول، الذي هو صيغة القسم باتفاق الفقهاء.
وإن كان يريد وقوع الجزاء عند الشرط لم يكن حالفا، كقوله: إن

(2/261)


أعطيتني ألفا فأنت طالق، وإذا زنيت فأنت طالق، وقصد إيقاع الطلاق عند وقوع الفاحشة، لا مجرد الحلف عليها، فهذا ليس بيمين، ولا كفارة في هذا عند أحد من الفقهاء فيما علمناه، بل يقع به الطلاق.
إذا وجد الشرط.
وأما ما يقصد به الحض، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، بالتزامه عند المخالفة ما يكره وقوعه، سواء كان بصيغة القسم، أو الجزاء، فهو يمين عند جميع الخق من العرب وغيرهم.
وإن كان يمينا فليس لليمين إلا حكمان: إما أن تكون منعقدة فتكفر، وإما أن لا تكون منعقدة، كالحلف بالمخلوقات فلا تكفر، وأما أن تكون يمينا منعقدة محترمة غير مكفرة، فهذا حكم ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوم عليه دليل.
ما عليه العمل الان: وما جرى عليه العمل الان في الطلاق المعلق هو ما تضمنته المادة الثانية من القانون رقم 25 لسنة 1929 ونصها: (لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شئ أو تركه لا غير) .
وجاء في المذكرة الايضاحية لهذا المادة: " إن المشرع أخذ في إلغاء اليمين بالطلاق برأي بعض علماء الحنفية والمالكية
والشافعية، وإنه أخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وشريح القاضي، وداود الظاهري وأصحابه ".
وأما الصيغة المضافة إلى مستقبل: فهي ما اقترنت بزمن، بقصد وقوع الطلاق فيه، متى جاء، مثل أن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق غدا، أو إلى رأس السنة، فإن الطلاق يقع في الغد أو عند رأس السنة إذا كانت المرأة في مكله عند حلول الوقت الذي أضاف الطلاق إليه.
وإذا قال لزوجته: أنت طالق إلى سنة.

(2/262)


قال أبو حنيفة ومالك: تطلق في الحال.
وقال الشافعي، وأحمد: لا يقع الطلاق حتى تنسلخ السنة.
وقال ابن حزم: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق.
أو ذكر وقتا فلا تكون طالقا بذلك. لا الان.
ولا إذا جاء رأس الشهر.
برهان ذلك: أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطارى بذلك، وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها، وفي غير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا.
" ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ".
وأيضا، فإن كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه، فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه.
الطلاق السني والبدعي:
ينقسم الطلاق إلى طلاق سني، وطلاق بدعي.
طلاق السنة:
فطلاق السنة: هو الواقع على الوجه الذي ندب إليه الشرع، وهو أن
يطلق الزوج المدخول بها طلقة واحدة، في طهر لم يمسسها فيه، لقول الله تعالى: " الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " أي أن الطلاق المشروع يكون مرة يعقبها رجعة، ثم مرة ثانية يعقبها رجعة كذلك، ثم إن المطلق بعد ذلك له الخيار، بين أن يمسكها بمعروف، أو يفارقها بإحسان.
ويقول الله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ".
أي إذا أردتم تطليق النساء، فطلقوهن مستقبلات العدة، وإنما تستقبل المطلقة العدة إذا طلقها بعد أن تطهر من حيض، أو نفاس، وقبل أن يمسها.
وحكمة ذلك أن المرأة إذا طلقت وهي حائض لم تكن في هذا الوقت مستقبلة العدة، فتطول عليها العدة.
لان بقية الحيض لا يحسب منها وفيه إضرار بها.
وإن طلقت في طهر مسها فيه، فإنها لا تعرف هل حملت أو لم تحمل،

(2/263)


فلا تدري بم تعتد، أتعتد بالاقراء أم بوضع الحمل؟ وعن نافع بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: " أنه طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء ".
وفي رواية: أن ابن عمر رضي الله عنه، طلق امرأة له، وهي حائض، تطليقة، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقال:
" مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت، أو وهي حامل ".
أخرجه النسائي ومسلم وابن ماجه وأبو داود.
وظاهر هذه الرواية أن الطلاق في الطهر الذي يعقب الحيضة التي وقع فيها الطلاق يكون طلاق سنة، لا بدعة.
وهذا مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، وأحد الوجهين عن الشافعي، واستدلوا بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لاجل الحيض، فإذا طهرت زال موجب التحريم.
فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الاطهار.
ولكن الرواية الاولى التي فيها " ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر " متضمنة لزيادة يجب العمل بها قال صاحب الروضة الندية: " وهي أيضا في الصحيحين ".
فكانت أرجح من وجهين.
وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه.
والشافعي في الوجه الاخر، وأبي يوسف ومحمد.
الطلاق البدعي:
أما الطلاق البدعي، فهو الطلاق المخالف للمشروع: كأن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة، أو يطلقها ثلاثا متفرقات في مجلس واحد، كأن يقول: أنت

(2/264)


طالق، أنت طالق، أنت طالق.
أو يطلقها في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه.
وأجمع العلماء على أن الطلاق البدعي حرام، وأن فاعله آثم.
وذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع، واستدلوا بالادلة الاتية:
1 - أن الطلاق البدعي، مندرج تحت الايات العامة.
2 - تصريح ابن عمر رضي الله عنه، لما طلق امرأته وهي حائض، وأمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، بأنها حسبت تلك الطلقة.
وذهب بعض العلماء (1) إلى أن الطلق البدعي لا يقع (2) .
ومنعوا اندراجه تحت العمومات، لانه ليس من الطلاق الذي أذن الله به، بل هو من الطلاق الذي أمر الله بخلافه.
فقال: " فطلقوهن لعدتهن ".
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه: " مره فليراجعها " وصح أنه غضب عندما بلغه ذلك، وهو لا يغضب مما أحله الله.
وأما قول ابن عمر: إنها حسبت، فلم يبين من الحاسب لها، بل أخرج عند أحمد وأبو داود والنسائي: " أنه طلق امرأته وهي حائض.
فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرها شيئا.
" وإسناد هذه الرواية صحيح، ولم يأت من تكلم عليها بطائل.
وهي مصرحة بأن الذي لم يرها شيئا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا يعارضها قول ابن عمر رضي الله عنه.
لان الحجة في روايته لا في رأيه.
وأما الرواية بلفظ " مره فليراجعها " ويعتد بتطليقة.
فهذه لو صحت لكانت حجة ظاهرة ولكنها لم تصح كما جزم به ابن القيم في الهدي.
وقد روى في ذلك روايات في أسانيدها مجاهيل وكذابون، لا تثبت الحجة بشئ منها.
والحاصل: ان الاتفاق كائن على أن الطلاق المخالف لطلاق السنة يقال له: طلاق بدعة.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: " أن كل بدعة ضلالة ".
__________
(1) منهم ابن علية، من السلف. وابن تيمية وابن حزم وابن القيم.
(2) هذا ملخص ما قاله صاحب الروضة الندبة ج 7 ص 49.

(2/265)


ولا خلاف أيضا، أن هذا الطلاق مخالف لما شرعه الله في كتابه، وبيسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر - وما خالف ما شرعه الله ورسوله، فهو رد، لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " هو حديث متفق عليه.
فمن زعم أن هذه البدعة، يلزم حكمها، وأن هذا الامر الذي ليس من أمره صلى الله عليه وسلم، يقع من فاعله ومقيد به، لا يقبل منه ذلك إلا بدليل.
من ذهب إلى أن طلاق البدعة لا يقع: وذهب إلى هذا:
1 - عبد الله بن معمر.
2 - سعيد بن المسيب.
3 - طاووس: من أصحاب ابن عباس.
وبه قال خلاس بن عمرو، وأبو قلابة من التابعين.
وهو اختيار الامام ابن عقيل من أئمة الحنابلة وأئمة آل البيت.
والظاهرية وأحد الوجهين في مذهب الامام أحمد، واختاره ابن تيمية.
طلاق الحامل:
يجوز طلاق الحامل في أي وقت شاء.
لما أخرجه مسلم، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه: أن ابن عمر طلق امرأة له وهي حائض تطليقة، فذكر ذلك عمر للنبي، صلى الله عليه وسلم: فقال: " مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت، أو وهي حامل ".
وإلى هذا ذهب العلماء.
إلا أن الاحناف اختلفوا فيها:
فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجعل بين وقوع التطليقتين شهرا حتى يستوفي الطلقات الثلاث.
وقال محمد وزفر: لا يوقع عليها وهي حامل أكثر من تطليقة واحدة ويتركها حتى تضع حملها: ثم يوقع سائر التطليقات (1) .
__________
(1) ص 94 مختصر السنن الجزء الثالث.

(2/266)


طلاق الآيسة والصغيرة والمنقطعة الحيض:
طلاق هؤلاء إنما يكون للسنة إذا كان طلاق واحدا، ولا يشترط له شرط آخر، غير ذلك.
عدد الطلقات وإذا دخل الزوج بزوجته ملك عليها ثلاث طلقات.
واتفق العلماء على انه على الزوج أن يطلقها ثلاثا بلفظ واحد.
أو بألفاظ متتابعة في طهر واحد.
وعللوا ذلك بأنه إذا أوقع الطلقات الثلاث، فقد سد باب التلافي والتدارك عند الندم، وعارض الشارع، لانه جعل الطلاق متعددا لمعنى التدارك عند الندم، وفلا عن ذلك، فإن المطلق ثلاثا قد أضر بالمرأة من حيث أبطل محليتها بطلاقه هذا.
وقد روى النسائي من حديث محمود بن لبيد قال: " أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته بثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان.
فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم، حتى قام رجل فقال: يا رسول الله: أفلا أقتلة ".
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: (فجعله لاعبا بكتاب الله) لكونه خالف وجه الطلاق وأراد به غير ما أراد الله به، فإنه تعالى أراد أن يطلق طلاقا يملك فيه رد المرأة إذا شاء، فطلق طلاقا يريد به ألا يملك فيه ردها.
وأيضا فإن إيقاع الثلاث دفعة مخالف لقول الله تعالى: (الطلاق مرتان) .
والمرتان والمرات في لغة القرآن والسنة، بل ولغة العرب، بل ولغة سائر الامم، لما كان مرة بعد مرة.
فإذا جمع المرتين والمرات في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله تعالى، وما دل عليه كتابه.
فكيف إذا أراد باللفظ الذي رتب عليه الشارع حكما ضد ما قصده الشارع؟.اهـ.
وإذا كانوا قد اتفقوا على الحرمة، فإنهم اختلفوا فيما إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد.
هل يقع أم لا؟.
وإذا كان يقع فهل يقع واحدة أم ثلاثا؟.

(2/267)


فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع (1) .
ويرى بعضهم عدم وقوعه، والذين رأوا وقوعه، اختلفوا: فقال بعضهم: إنه يقع ثلاثا.
وقال بعضهم: يقع واحدة فقط.
وفرق بعضهم فقال: إن كانت المطلقة مدخولا بها وقع الثلاث، وإن لم تكن مدخولا بها فواحدة.
استدل القائلون بأنه يقع ثلاثا بالادلة الاتية:
1 - قول الله تعالى: " فإن طلقها، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ".
2 - قول الله تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة.
" 3 - وقول الله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء.
" فظواهر هذه الايات تبين صحة إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث. لانها لم تفرق بين إيقاعه واحدة أو ثنتين، أو ثلاثا.
4 - وقول الله تعالى: " الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".
فظاهر هذه الاية جواز إطلاق الثلاث، أو الثنتين دفعة أن مفرقة، ووقوعه.
5 - حديث سهل بن سعد، قال: (لما لا عن أخو بني عجلان امرأته، قال: يا رسول الله ظلمتها إلى أمسكتها: هي الطلاق، هي الطلاق، هي الطلاق) . رواه أحمد.
6 - وعن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن عمر، أنه طلق امرأته تطليقة، وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين أخريين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا ابن عمر:
__________
(1) وإذا قال للمدخول بها: أنت طالق.
أنت طالق.
أنت طالق، فهي واحدة إن نوى التكرار أو لم ينو شيئا، وهي ثلاث إن نوى الثلاث وأن كل واحدة غير الاخرى، وهذا عند من يرى أنه واقع.
وتقدم الخلاف في ذلك.

(2/268)


ما هكذا أمرك الله تعالى!.إنك قد أخطأت السنة. والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء. وقال: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراجعتها. ثم قال: إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك. فقلت يا رسول الله: ارئيت لو طلقتها ثلاثا، أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا. كانت تبين منك (وتكون مقصية) . رواه الدارقطني.
7 - وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عبادة بن الصامت، قال: طلق جدي امرأة له ألف تطليقة، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال له النبي: " ما اتقى الله جدك، أما ثلاث فله. وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم. إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له " وفي رواية: " إن أباك لم يتق الله فيجعل له مخرجا. بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وسبع وتسعون، إثم في عنقه ".
8 - وفي حديث ركانة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة: وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقع.
وهذا مذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة، وأئمة المذاهب الاربعة.
أما الذين قالوا بأنه يقع واحدة: فقد استدلوا بالادلة الاتية: (أولا) ما رواه مسلم: أن أبا الصهباء قال لان عباس: (ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من خلافة عمر؟ قال: نعم) .
وروي عنه أيضا قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة (1) . فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم.
أي أنهم كانوا يوقعون طلقة بدل إيقاع الناس الان ثلاث تطليقات.
(ثانيا) عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (طلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس واحد.
فحزن عليها حزنا شديدا. فسأله رسول الله صلى
__________
(1) أناة: مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة.

(2/269)


الله عليه وسلم، كيف طلقتها؟ قال: ثلاثا. فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة. فأرجعها إن شئت. فراجعها) .
رواه أحمد وأبو داود.
وقال ابن تيمية ج 3 ص 22 فتاوى: وليس في الادلة الشرعية " الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس " ما يوجب لزوم الثلاثة له، ونكاحه ثابت بيقين، وامرأته محرمة على الغير بيقين، وفي إلزامه بالثلاث إباحتها للغير مع تحريمها عليه، وذريعة إلى نكاح التحليل الذي حرمه الله ورسوله، ونكاح التحليل لم يكن ظاهرا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، ولم ينقل قط أن امرأة أعيدت بعد الطلقة الثالثة على عهدهم إلى زوجها بنكاح تحليل. بل لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له.
إلى أن قال: وبالجملة فما شرعة النبي صلى الله عليه وسلم لامته شرعا لازم، لا يمكن تغييره، فإنه لا يمكن نسخ بعد رسول الله.
وقال تلميذه ابن القيم: قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الثلاث كانت واحدة في عهده، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه، وغاية ما يقدر مع بعده أن الصحابة كانوا على ذلك، ولم يبلغه، وهذا وإن كان كالمستحيل، فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك، وقد أفتى هو صلى الله عليه وسلم.
فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد، ولا معارض لذلك.
ورأى عمر رضي الله تعالى عنه، أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجرا لهم - لئلا يرسلوها جملة - وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه. غايته أن يكون سائغا لمصلحة رآها. ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته. فإذا ظهرت الحقائق. فليقل أمرؤ ما شاء. وبالله التوفيق.
وقال الشوكاني: وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى، ورواية عن علي عليه السلام، وابن عباس، وطاووس، وعطاء، وجابر، وابن زيد، والهادي، والقاسم، والباقر، وأحمد بن عيسى، وعبد الله بن موسى بن عبد الله، ورواية عن زيد بن علي.
وإليه ذهب جماعة من المتأخرين.
منهم: ابن تيمية، وابن القيم،

(2/270)


وجماعة من المحققين، وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح، ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما.
ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عيسى.
كعطاء، وطاووس، وعمر، وابن دينار، وحكاه ابن مغيث أيضا في ذلك الكتاب عن علي رضي الله عنه، وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير.
وهذا هو المذهب الذي جرى عليه العمل أخيرا في المحاكم.
فقد جاء في المادة 3 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ما يلي: (الطلاق المقترن بعدد - لفظا، أو إشارة - لا يقع واحدة) .
(1) أما حجة القائلين بعدم وقوع الطلاق مطلقا: أنه طلاق بدعي، والطلاق البدعي لا يقع عند هؤلاء، ويعتبر لغوا.
وهذا المذهب يحكى عن بعض التابعين.
وهو مروي عن ابن علية، وهشام ابن الحكم، وبه قال أبو عبيدة، وبعض أهل الظاهر، وهو مذهب الباقر، والصادق، والناصر، وسائر من يقول بأن الطلاق البدعي لا يقع.
لان الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة من جملته.
وأما الذين فرقوا بين المطلقة المدخول بها وغير المدخول بها فهم جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه.
طلاق البتة:
قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في طلاق البتة، فروي عن عمر بن الخطاب: أنه جعل ألبتة واحدة.
وروي عن علي: أنه جعلها ثلاثا، وقال بعض أهل العلم: فيه نية الرجل.
إن نوى واحدة فواحدة، وإن وى ثلاثا فثلاث.
وإن نوى
__________
(1) وجاء في المذكرة التفسيرية للمشروع: أن الداعي لاختيار القول بالوقوع واحدة الحرص على سعادة الاسرة، والاخذ بالناس عن مسألة المحلل التي صارت وصمة في جبين الشريعة المطهرة مع أن الدين براء منها.
فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وكذلك الاخذ بهم من طرق الحيل التي يتلمسونها للتخلص من الطلاق الثلاث وما هي بمنطبقة على أصول الدين.

(2/271)


ثنتين لم تكن إلا واحدة.
وهو قول الثوري وأهل الكوفة.
وقال مالك بن أنس: في البتة إن كان قد دخل بها فهي ثلاث تطليقات.
وقال الشافعي: إن نوى واحدة فواحدة يملك الرجعة.
وإن نوى ثنتين فثنتان.
وإن نوى ثلاثا فثلاث.
الطلاق الرجعي والبائن:
الطلاق إما رجعي وإما بائن، والبائن إما أن يكون بائنا بينونة صغرى، أو بينونة كبرى.
ولكل أحكام تخصه نذكرها فيما يلي: الطلاق الرجعي: هو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته التي دخل بها حقيقة، إيقاعا مجردا عن أن يكون في مقابلة مال، ولم يكن مسبوقا بطلة أصلا، أو كان مسبوقا بطلقة واحدة.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطلاق صريحا أو كناية.
فإذا لم يكن الزوج دخل بزوجته دخولا حقيقيا، أو طلقها على مال، أو كان الطلاق مكملا للثلاث، كان الطلاق بائنا.
جاء في المادة (5) من القانون رقم 25 لسنة 1929.
(كل طلاق يقع رجعيا إلا المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول.
والطلاق على مال، وما نص على كونه بائنا في هذا القانون، والقانون نمرة 24 لسنة 1920 م) .
والطلاق الذي نص على أن يكون بائنا في هذين القانونين هو ما كان بسبب العيب في الزوج، أو لغيبته، أو حبسه أو للضرر.
والاصل في ذلك قول الله سبحانه: " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " (1) .
__________
(1) سورة البقرة آية 229.

(2/272)


أي أن الطلاق الذي شرعه الله يكون مرة بعد مرة.
وأنه يجوز للزوج أن يمسك زوجته بعد الطلقة الاولى بالمعروف، كما يجوز له ذلك بعد الطلقة الثانية، والامساك بالمعروف معناه مراجعتها، وردها إلى النكاح ومعاشرتها بالحسنى ولا يكون له هذا الحق إلا إذا كان الطلاق رجعيا.
ويقول الله سبحانه.
" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الاخر، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا (1) ".
وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمر: مره فليراجعها ... متفق عليه.
أما استثناء الحالات الثلاث من الطلاق الرجعي فثابت بالقرآن الكريم كما هو مبين فيما يلي: فالطلاق المكمل للثلاث يبين المرأة ويحرمها على الزوج، ولا يحل له مراجعتها حتى تنكح زوجا آخر، نكاحا لا يقصد به التحليل (2) .
قال الله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ".
أي فإن طلقها الطلقة الثالثة بعد طلقتين فلا تحل له من بعد الطلاق المكمل للثلاث حتى تتزوج غيره زواجا صحيحا.
والطلاق قبل الدخول يبينها كذلك. لان المطلقة في هذه الحالات لا عدة عليها. والمراجعة إنما تكون في العدة. وحيث انتفت العدة انتفت المراجعة.
قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها.
فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " (3) .
والمطلقة قبل الدخول، وبعد الخلوة، بائنة. ووجوب العدة عليها نوع من الاحتياط لا لاجل المراجعة.
والطلاق على مال من أجل أن تفتدي المرأة نفسها وتخلص من الزوج
__________
(1) سورة البقرة آية 227 - أحق بردهن: أي أحق برجعتهن.
(2) انظر فصل التحليل في أول هذا المجلد.
(3) الاحزاب آية 49.

(2/273)


بائن، لانها أعطت المال نظير عوض، وهو خلاص عصمتها، ولايكون الخلاص إلا إذا كان الطلاق بائنا، قال الله تعالى: " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به (1) ."
حكم الطلاق الرجعي:
الطلاق الرجعي لايمنع الاستمتاع بالزوجة لانه لا يرفع عقد الزواج، ولا يزيل الملك، ولا يؤثر في الحل، فهو وإن انعقد سببا للفرقة، إلا أنه لا يترتب عليه أثره ما دامت المطلقة في العدة.
وإنما يظهر أثره بعد انقضاء العدة دون مراجعة.
فإذا انقضت العدة ولم يراجعها، بانت منه، وإذا كان ذلك كذلك، فإن الطلاق الرجعي لايمنع من الاستمتاع بالزوجة، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر ما دامت العدة لم تنقض وانفقتها واجبة عليه، ويلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه.
ولا يحل بالطلاق الرجعي المؤجل من المهر لاحد الاجلين: الموت أو الطلاق.
وإنما يحل مؤخر الصداق بانقضاء العدة.
والرجعة حق للزوج مدة العدة.
وهو حق أثبته الشارع له، ولهذا لا يملك إسقاطه.
فلو قال: لا رجعة لي كان له حق الرجوع عنه، وحق مراجعتها، يقول الله تعالى: " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " (2) .
وإذا كانت الرجعة حقا له فلا يشترط رضا الزوجة ولاعلمها، ولا تحتاج إلى ولي، فجعل الحق للازواج لقول الله: " وبعولتهن أحق بردهن " كما لا يشترط الاشهاد عليها.
وإن كان ذلك مستحبا، خشية إنكار الزوجة فيما بعد، أنه راجعها، لقوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم ".
وتصح المراجعة بالقول.
مثل أن يقول: راجعتك، وبالفعل، مثل الجماع، ودواعيه، مثل القبلة، والمباشرة بشهوة.
يرى الشافعي أن المراجعة لا تكون إلا بالقول الصريح للقادر عليه، ولا
__________
(1) البقرة آية 229.
(2) أي أن أزواجهن أحق بارجاعهن إلى عصمتهن في وقت التربص وانتظار انقضاء العدة " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ".

(2/274)


تصح بالوطء ودواعيه من القبلة والمباشرة بشهوة.
وحجة الشافعي، أن الطلاق يزيل النكاح.
وقال ابن حزم رضي الله عنه: فإن وطتها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد، ويعلمها بذلك، قبل تمام عدتها.
فإن راجع ولم يشهد.
فليس مراجعا لقول الله تعالى: " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوي عدل منكم (1) ".
فرق عز وجل بين المراجعة.
والطلاق، والاشهاد.
فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض.
وكأن من طلق ولم يشهد بذوي عدل.
أو راجع ولم يشهد بذوي عدل متعديا لحدود الله تعالى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهورد " انتهى.
وأخرج أبو داود وابن ماجه والبيهقي، والطبراني عن عمران بن حصين: " أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها، ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة. وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها. وعلى رجعتها. ولا تعد ".
حجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح: قال الشوكاني: والظاهر ما ذهب إليه الاولون، لان العدة مدة خيار، والاختيار يصح بالقول وبالفعل، وأيضا ظاهر قوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن ".
وقوله صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها " أنها تجوز المراجعة بالفعل
لانه لم يخص قولا من فعل، ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل (2) .
ما يجوز للزوج أن يطلع عليه من المطلقة الرجعية:
قال أبو حنيفة: لا بأس أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتتطيب له وتتشوف وتلبس الحلي وتبدي البنان والكحل ولا يدخل عليها إلا أن تعلم
__________
(1) سورة الطلاق آية 2.
(2) نيل الاوطار ص 214 ج 6.

(2/275)


بدخوله بقول أو حركة من تنحنح أو خفق نعل.
وقال الشافعي: هي محرمة على مطلقها تحريما مبتوتا.
وقال مالك: لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها، ولا ينظر إلى شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرها.
وحكى ابن القاسم أنه رجع عن إباحة الاكل معها.
الطلاق الرجعي ينقص عدد الطلقات:
والطلاق الرجعي ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل على زوجته.
فإن كانت الطلقة الاولى احتسبت وبقيت له طلقتان.
وإن كانت الثانية احتسبت وبقيت له طلقة واحدة، ومراجعتها لا تمحو هذا الاثر، بل لو تركت حتى انقضت عدتها من غير مراجعة، وتزوجت زوجا آخر ثم عادت إلى زوجها الاول عادت إليه بما بقي من عدد الطلقات، ولا يهدم الزوج الثاني ما وقع من الطلاق (1) ، لما روي أن عمر رضي الله عنه سئل عمن طلق امرأته طلقتين وانقضت عدتها فتزوجت غيره وفارقها ثم تزوجها الاول.
فقال: هي عنده بما بقي من الطلاق، وهذا مروي عن علي وزيد ومعاذ، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري رضي الله عنهم.
الطلاق البائن:
تقدم القول بأن الطلاق البائن هو الطلاق المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما الطلاق البائن فإنهم اتفقوا على أن البينونة إنما توجد للطلاق من قبل عدم الدخول - ومن قبل عدد التطليقات - ومن قبل العوض في الخلع، على اختلاف فيما بينهم في الخلع، أهو طلاق أم فسخ، واتفقوا على أن العدد الذي يوجب البينونة في طلاق الحر ثلاث تطليقات.
إذا وقعن مفترقات لقوله تعالى: (الطلاق مرتان: الآية) .
واختلفوا إذا وقعت الثلاث في اللفظ دون الفعل بكلمة واحدة (2) . اه.
__________
(1) تراجع مسألة الهدم فيما يأتي ص 278.
(2) ص 60 ج 2 بداية المجتهد.

(2/276)


ويرى ابن حزم: أن الطلاق البائن: هو الطلاق المكمل للثلاث، أو الطلاق قبل الدخول لاغير، قال: وما وجدنا، قط، في دين الاسلام عن الله تعالى ولاعن رسوله صلى الله عليه وسلم طلاقا بائنا لا رجعة فيه إلا الثلاث مجموعة، أو مفرقة، أو التي لم يطأها، ولا مزيد، وأما ما عدا ذلك فآراء لاحجة فيها. اه (1) وأضافت قوانين الاحوال الشخصية، أن مما يلحق الطلاق البائن: الطلاق بسبب عيب الزوج، أو بسبب غيبته، أو حبسه أو للضرر.
أقسامه:
وهو ينقسم إلى بائن بينونة صغرى: وهو ماكان بما دون الثلاث، وبائن بينونة كبرى: وهوالمكمل للثلاث.
حكم البائن بينونة صغرى: الطلاق البائن بينونة صغرى يزيل قيد الزوجية بمجرد صدوره، وإذا كان مزيلا للرابطة الزوجية فإن المطلقة تصير أجنبية عن زوجها.
فلا يحل له الاستمتاع بها، ولا يرث أحدهما الآخر إذا مات قبل انتهاء العدة أو بعدها، ويحل بالطلاق البائن موعد مؤخر الصداق المؤجل إلى أبعد الاجلين الموت أو الطلاق.
وللزوج أن يعيد المطلقة طلاقا بائنا بينونة صغرى إلى عصمته بعقد ومهر جديدين، دون أن تتزوج زوجا آخر، وإذا أعادها عادت إليه بما بقي له من الطقات، فإذا كان طلقها واحدة من قبل فإنه يملك عليها طلقتين بعد العودة إلى عصمته، وإذا كان طلقتها طلقتين لا يملك عليها إلا طلقة واحدة.
حكم الطلاق البائن بينونة كبرى:
الطلاق البائن بينونة كبرى يزيل قيد الزوجية مثل البائن بينونة صغرى، ويأخذ جميع أحكامه، إلا أنه لا يحل للرجل أن يعيد من أبانها بينونة كبرى إلى عصمته إلابعد أن تنكح زوجا آخر نكاحا صحيحا.
ويدخل بها دون
__________
(1) المحلى ج 10 ص 216، ص 240

(2/277)


إرادة التحليل.
يقول الله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ".
أي فإن طلقها الطلقة الثالثة، فلا تحل لزوجها الاول إلا بعد أن تتزوج آخر.
لقول رسول الله لامرأة رفاعة: " لا. حتى تذوقي (1) عسيلته ويذوق عسيلتك " (2) مسألة الهدم:
من المتفق عليه أن المبانة بينونة كبرى إذا تزوجت، ثم طلقت وعادت إلى زوجها الاول بعد انقضاء عدتها تعود إليه بحل جديد، ويملك عليها ثلاث طلقات، لان الزوج الثاني أنهى الحل الاول.
فإذا عادت بعقد جديد أنشأ هذا العقد حلا جديدا.
أما المبانة بينونة صغرى إذا تزوجت بآخر بعد انقضاء عدتها ثم طلقت منه، ورجعت إلى زوجها الاول، تكون مثل المبانة بينونة كبرى فتعود إليه بحل جديد ويملك عليها ثلاث طلقات.
عند أبي حنيفة، وأبو يوسف.
وقال محمد (3) تعود إليه بما بقي من عدد الطلقات، فتكون مثل ما إذا طلقها طلاقا رجعيا أو عقد عليها عقدا جديدا بعد أن بانت منه بينونة صغرى.
وسميت هذه المسألة بمسألة الهدم: أي هل الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث من الطلاقات.
كما يهدم الثلاث أو لا يهدم؟!
طلاق المريض مرض الموت لم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصريحة حكم الطلاق المريض مرض الموت. إلا أنه قد ثبت عن الصحابة أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته " تماضر " طلاقا مكملا للثلاث في مرضه الذي مات فيه، فحكم لها سيدنا عثمان بميراثها منه، وقال: " ما اتهمته - أي بأنه لم يتهمه بالفرار من
__________
(1) أي لا تعودي إلى زوجك الاول حتى يصيبك فتاوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) ورأيه مرجوح في المذهب.

(2/278)


حقها في الميراث - ولكن أردت السنة ".
ولهذا ورد أن ابن عوف نفسه قال: " ما طلقتها ضرارا ولا فرارا ".
يعني أنه لا ينكر ميراثها منه.
وكذلك حدث أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه طلق امرأته " أم البنين " بنت عيينة بن حصن الفزاري وهو محاصر في داره، فلما قتل جاءت إلى سيدنا علي وأخبرته بذلك. فقضى لها بميراثها منه.
قال: " تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها! ".
وعلى ذلك اختلف الفقهاء في طلاق المريض مرض الموت.
فقالت الاحناف: إذا طلق المريض امرأته طلاقا بائنا فمات من هذا المرض ورثته ... وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها.
وكذلك الحكم فيما إذا بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص أو رجم، إن مات في ذلك الوجه أو قتل.
وإن طلقها ثلاثا بأمرها أو قال لها: اختاري، فاختارت نفسها، أو اختلعت منه ثم مات وهي في العدة لم ترثه. اه.
والفرق بين الصورتين: أن الطلاق في الصورة الاولى صدر من المريض وهو يشعر بأنه إنما طلقها ليمنعها حقها في الميراث فيعامل بنقيض قصده، ويثبت لها حقها الذي أراد أن يمنعها منه.
ولهذا يطلق على هذا الطلاق طلاق الفار.
وأما الطلاق في الصورة الثانية فلا يتصور فيه الفرار، لانها هي التي أمرت بالطلاق أو اختارته ورضيته، وكذلك الحكم فيمن كان محصورا أو في صف القتال. فطلق امرأته طلاقا بائنا. وقال أحمد وابن أبي ليلى: لها الميراث بعد انقضاء عدتها ما لم تتزوج بغيره.
وقال مالك والليث: لها الميراث، سواء أكانت في العدة أم لم تكن، وسواء تزوجت أم لم تتزوج.
وقال الشافعي: لا ترث.
قال في بداية المجتهد: وسبب الخلاف: اختلافهم في وجوب العمل بسد الذرائع، وذلك أنه لما كان المريض يتهم في أن يكون إنما طلق في مرضه زوجته

(2/279)


ليقطع حظها من الميراث، فمن قال بسد الذرائع أوجب ميراثها، ومن لم يقل بسد الذرائع ولحظ وجوب الطلاق لم يوجب لها ميراثا.
وذلك أن هذه الطائفة تقول: إن كان الطلاق قد وقع فيجب أن يقع بجميع أحكامه.
لانهم قالوا: إنه لا يرثها إن ماتت، وإن كان لم يقع فالزوجية باقية بجميع أحكامها.
ولابد لخصومهم من أحد الجوابين، لانه يعسر أن يقال: إن في الشرع نوعا من الطلاق، توجد له بعض أحكام الطلاق وبعض أحكام الزوجية.
وأعسر من ذلك القول بالفرق بين أن يصح أو لا يصح: لان هذا يكون طلاقا موقوف الحكم، إلى أن يصح أو لا يصح، وهذا كله مما يعسر القول به في الشرع.
ولكن إنما أنس القائلون به: أنه فتوى عثمان وعمر حتى زعمت المالكية أنه إجماع الصحابة.
ولا معنى لقولهم، فإن الخلاف فيه عن ابن الزبير مشهور.
وأما من رأى أنها ترث في العدة.
فلان العدة عنده من بعض أحكام الزوجية، وكأنه شبهها بالمطلقة الرجعية، وروي هذا القول عن عمر وعن عائشة.
وأما من اشترط في توريثها ما لم تتزوج، فإنه لحظ في ذلك إجماع المسلمين على أن المرأة الواحدة لا ترث من زوجين، ولكون التهمة هي العلة عند الذين أوجبوا الميراث.
قال: واختلفوا إذا طلبت هي الطلاق أو ملكها الزوج أمرها فطلقت نفسها، فقال أبو حنيفة لا ترث أصلا.
وفرق الاوزاعي بين التمليك والطلاق، فقال: ليس لها الميراث في التمليك، ولها في الطلاق.
وسوى مالك في ذلك كله حتى قال: إن ماتت لا يرثها، وترثه هو إن مات، وهذا مخالف للاصول جدا. اه (1) .
قال ابن حزم: " طلاق المريض كطلاق الصحيح، ولافرق. مات من
__________
(1) بداية المجتهد ج 2 ص 86، 87

(2/280)


ذلك المرض أو لم يمت.
فإن كان طلاق المريض ثلاثا، أو آخر ثلاث، أو قبل أن يطأها، فمات أو ماتت قبل تمام العدة، أو بعدها، أو كان طلاقا رجعيا فلم يرتجعها حتى مات أو ماتت بعد تمام العدة، فلا نرثه في شئ من ذلك كله.
ولا يرثها أصلا، وكذلك طلاق الصحيح للمريضة، وطلاق المريض للمريضة، ولافرق، وكذلك طلاق الموقوف للقتل، والحامل المثقلة، وهذا مكان اختلف الناس فيه (1) .
التفويض والتوكيل في الطلاق:
الطلاق حق من حقوق الزوج، فله أن يطلق زوجته بنفسه، وله أن يفوضها في تطليق نفسها، وله أن يوكل غيره في التطليق.
ولك من التفويض والتوكيل لا يسقط حقه ولا يمنعه من استعماله متى شاء، وخالف في ذلك الظاهرية، فقالوا: إنه لا يجوز للزوج أن يفوض زوجته تطليق نفسها، أو يوكل غيره في تطليقها.
قال ابن حزم: ومن جعل إلى امرأته أن تطلق نفسها لم يلزمه ذلك ولا
تكون طالقا، طلقت نفسها أو لم تطلق، لان الله تعالى جعل الطلاق للرجال لا للنساء.
صيغ التفويض:
وصيغ التفويض هي:
1 - اختاري نفسك.
2 - أمرك بيدك.
3 - طلقي نفسك إن شئت.
وقد اختلف الفقهاء في كل صيغة من هذه الصيغ وذهبوا مذاهب متعددة نجملها فيما يلي: (1) اختاري نفسك: ذهب الفقهاء إلى وقوع الطلاق بهذه الصيغة: لان الشرع جعلها من صيغ الطلاق، وفي ذلك يقول الله تعالى: " يا أيها النبي قل لازواجك إن
__________
(1) المحلى ص 223 ج 10.

(2/281)


كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا.
وإن كنتن تردن الله ورسوله والدارالآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " (1) .
ولما نزلت هذه الآية دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة فقال لها: " إني ذاكر لك أمرا من الله على لسان رسوله، فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك "، قالت: وما هذا يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية.
قالت: فيك يا رسول الله أستأمر أبوي؟ ... بل أريد الله ورسوله، والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت.
قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها.
إن الله لم يبعثني ... الخ ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثلما فعلت عائشة، فكلهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه.
فلم يعد ذلك شيئا ".
وفي لفظ لمسلم: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه فلم يكن طلاقا ".
وفي هذا دلالة على أنهن لو أخترن أنفسهن: كان ذلك طلاقا.
وأن هذا اللفظ يستعمل في الطلاق (2) .
ولم يختلف في ذلك أحد من الفقهاء.
بينما اختلفوا فيما يقع إذا اختارت المرأة نفسها: فقال بعضهم إنه يقع طلقة واحدة رجعية.
وهو مروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس.
وهو قول عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وسفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال بعضهم: إذا اختارت نفسها يقع واحدة بائنة، وهو مروي عن
__________
(1) سورة الاحزاب آية 29.
(2) أهل الظاهر يرون أن معنى ذلك أنهن لو اخترن أنفسهن طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنهن كن يطلقن بنفس اختيار الطلاق.

(2/282)


علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال الاحناف.
وقال مالك بن أنس: إن اختارت نفسها فهي ثلاث، وإن اختارت زوجها
يكون واحدة.
ويشترط الاحناف في وقوع الطلاق بهذه الصيغة ذكر النفس في كلامه أو في كلامها، فلو قال لها: اختاري، فقالت اخترت، فهو باطل لا يقع بها شئ.
(2) أمرك بيدك (1) : إذا قال الرجل لزوجته أمرك بيدك، فطلقت نفسها، فهي طلقة واحدة، عند عمر، وعبد الله بن مسعود.
وهو مذهب سفيان، والشافعي، وأحمد.
روي أنه جاء بن مسعود رجل فقال: كان بيني وبين امرأتي بعص ما يكون بين الناس.
فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي.
لعلمت كيف أصنع.
قال: فإن الذي بيدي من أمرك بيدك.
قالت: فأنت طالق ثلاثا.
قال: أراها واحدة وأنت أحق بها مادامت في عدتها.
وسألقى أمير المؤمنين عمر، ثم لقيه فقص عليه القصة.
فقال صنع الله بالرجال وفعل.
يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم.
فيجعلونه بأيدي النساء.
بفيها التراب.
ماذا قلت فيها؟ قال: قلت أراها واحدة.
وهو أحق بها.
قال: وأنا أرى ذلك، ولو رأيت غير ذلك علمت أنك لم تصب (2) .
وقال الاحناف: يقع طلقة واحدة بائنة، لان تمليكه أمرها لها يقتضي زوال سلطانه عنها، وإذا قبلت ذلك بالاختيار وجب أن يزول عنها، ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة.
هل المعتبر نية الزوج أم نية الزوجة؟: ذهب الشافعي إلى أن المعتبر هو نية الزوج.
فإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى ثلاثا فثلاث.
وله أن يناكرها في الطلاق نفسه، وفي العدد: في الخيار أو التمليك.
__________
(1) أي أمرك الذي بيدي، وهو الطلاق، جعلته بيدك.
(2) بداية المجتهد ص 67 ص 2.

(2/283)


وذهب غيره إلى أنها إن نوت أكثر من واحدة وقع ما نوت، لانها تملك الثلاثة بالتصريح، فتملكها بالكناية كالزوج.
فإن طلقت نفسها ثلاثا، وقال الزوج لم أجعل لها إلا واحدة، لم يلتفت إلى قوله.
والقضاء ما قضت، وهذا مذهب عثمان، وابن عمر، وابن عباس، وقال عمر وابن مسعود: تقع طلقة واحدة كما سبق في قصة عبد الله بن مسعود.
هل جعل الامر باليد مقيد بالمجلس؟ أم هو على التراخي: قال ابن قدامة في المغني: ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها أبدا لا يتقيد بذلك المجلس.
روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال أبو ثور، وابن المنذر، والحكم.
وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس، ولا طلاق لها بعد مفارقته، لانه تخيير لها فكان مقصورا على المجلس كقوله: اختاري.
ورجح الرأي الاول لقول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها.
قال: هو لها حتى تكل.
قال: ولا نعرف له في الصحابة مخالفا، فيكون إجماعا.
ولانه نوع توكيل في الطلاق.
فكان على التراخي كما لو جعله لاجنبي.
رجوع الزوج: قال: فإن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال: فسخت ما جعلت إليك، بطل.
وبذلك قال عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والاوزاعي، وإسحاق.
وقال الزهري، والثوري، ومالك، وأصحاب الرأي: ليس له الرجوع لانه ملكها ذلك، فلم يملك الرجوع.
قال: وإن وطئها الزوج، كان رجوعا، لانه نوع توكيل.
والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة.
وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما

(2/284)


تبطل الوكالة بفسخ التوكيل (1) .
(3) طلقي نفسك إن شئت: قالت الاحناف: " من قال لامرأته طلقي نفسك، ولا نية له، أو نوى طلقة واحدة فقالت: طلقت نفسي، فهي واحدة رجعية.
وإن طلقت نفسها ثلاثا، وقد أراد الزوج ذلك، وقعن عليها، وإن قال لها طلقي نفسك، فقالت أبنت نفسي، طلقت، وإن قالت قد اخترت نفسي لم تطلق، وإن قال لها: طلقي نفسك متى شئت.
فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده.
وإذا قال لرجل: طلق امرأتي، فله أن يطلقها في المجلس وبعده.
ولو قال لرجل طلقها إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة.
التوكيل:
إذا جعل أمر امرأته بيد غيره صح.
وحكمه حكم ما لو جعله بيدها، في أنه بيده في المجلس وبعده.
ووافق الشافعي على هذا في حق غيرها لانه توكيل، وسواء قال: أمر امرأتي بيدك، أو قال: جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي، أو قال طلق امرأتي.
وقال أصحاب أبي حنيفة: ذلك مقصور على المجلس لانه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري.
قال صاحب المغني: ولنا أنه توكيل مطلق: فكان على التراخي: كالتوكيل في البيع، وإذا ثبت هذا فإن له أن يطلقها ما لم يفسخ أو يطأها، وله أن يطلق واحدة وثلاثا، كالمرأة، وليس له أن يجعل الامر إلا بيد من يجوز توكيله وهو العاقل.
فأما الطفل والمجنون، فلا يصح أن يجعل الامر بأيديهم فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه.
وقال أصحاب الرأي: يصح (2) .
__________
(1) المغني ص 288 ج 8.
(2) المغني: ص 292

(2/285)


التعميم (1) والتقييد في هذه الصيغ:
هذه الصيغ قد تكون مطلقة، بأن يجعل أمرها بيدها، أو أن تختار نفسها دون تقييد بشئ يزيد على الصيغة.
وفي هذه الحالة للزوجة أن تطلق نفسها في مجلس التفويض فقط إن كانت حاضرة فيه، وإن كانت غائبة عنه كان لها ذلك الحق في مجلس علمها به فقط، حتى لو انتهى أو تغير مجلس التفويض أو مجلس العلم، ولم تطلق نفسها لم يكن لها هذا الحق بعد ذلك، لان الصيغة مطلقة، فتنصرف إلى المجلس، فإذا فات فلا تملكه.
وهذا الحكم في حالة ما إذا لم تقم قرينة تدل على تعميم التفويض، كأن يكون هذا التفويض حين عقد الزواج، لانه لا يعقل أن يقصد المفوض تمليكها تطليق نفسها في نفس مجلس زوجها، فالصيغة تفيد التعميم بدلالة الحال.
وقد صدر من بعض الحاكم الشرعية المصرية الجزئية حكم بني على أن
التفويض إذا كان في حين عقد الزواج وبصيغة مطلقة، لا يتقيد بالمجلس، وللزوجة أن تطلق نفسها متى شاءت، وإلا خلا التفويض من الفائدة، وأيد هذا الحكم استئنافيا.
وقد تكون هذه الصيغ عامة.
كأن يقول لها اختاري نفسك متى شئت، أو أمرك بيدك كلما أردت، وفي هذه الحال لها أن تطلق نفسها في أي وقت، لانه ملكها حق تطليق نفسها ملكا عاما، فلها أن تستعمل هذا الحق فتطلق نفسها في أي وقت.
وقد تكون هذه الصيغ مؤقتة بوقت معين، كأن يجعل أمرها بيدها مدة سنة، وفي هذه الحال للزوجة أن تطلق نفسها في الوقت المعين فقط، وأما بعد مضيه فلا حق لها في التطليق.
التفويض (2) حين العقد وبعده: ويجوز التفويض حين عقد الزواج أو بعده، إلا أنه يشترط فيه حين عقد
__________
(1، 2) أحكام الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية ص 152.

(2/286)


الزواج عند الاحناف أن يكون البادئ به هو الزوجة، مثل أن تقول المرأة للرجل: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد.
فيقول لها: قبلت، فبهذا القبول يتم الزواج، ويصح التطليق، ويكون لها الحق في أن تطلق نفسها كلما أرادت، لان قبوله ينصرف إلى الزواج ثم إلى التفويض.
أما إذا كان البادئ بالايجاب المقترن بالتفويض هو الزوج كأن يقول رجل لامرأته: تزوجتك على أن تكون عصمتك بيدك تطلقين نفسك كلما أردت.
فتقول: قبلت، فبهذا يتم الزواج ولا يصح التفويض، ولا يكون للزوجة الحق في أن تطلق نفسها.
والفرق بين الصورتين أنه في الصورة الاولى، قبل الزوج التفويض بعد تمام العقد، فيكون قد ملك التطليق بعد أن ملكه بتمام عقد الزواج.
أما في الثانية، فإن ملك التطليق قبل أن يملكه لانه ملكه قبل تمام عقد الزواج إذ لم يصدر إلا الايجاب وحده.
الحالات التي يطلق فيها القاضي الحالات التي يطلق فيها القاضي صدر بها قانون سنة 1920 وسنة 1929، وهي مستمدة من اجتهاد الفقهاء، حيث لم يرد بها نص صحيح صريح، وقد روعي فيها التيسير على الناس تجنبا للحرج، وتمشيا مع روح الاسلام السمحة.
جاء في القانون رقم 25 لسنة 1920 النص على التطليق لعدم النفقة، والتطليق للعيب.
وجاء في القانون رقم 25 سنة 1929 النص على التطليق للضرر، والتطليق لغيبة الزوج بلا عذر، والتطليق لحبسه.
ونورد فيما يلي حكم كل، مع مواد القانون الخاصة به ما عدا حكم التطليق للعيب، فقد تقدم الكلام عليه في أول هذا المجلد.
التطليق لعدم النفقة:
ذهب الامام مالك والشافعي وأحمد إلى جواز التفريق لعدم النفقة (1) بحكم
__________
(1) أي المقصود بالنفقة الضرورية من الغذاء والكساء والسكنى في أدنى صورها. والمقصود بعدم النفقة في الحاضر والمستقبل، أما في الماضي فانه لا يقتضي المطالبة بالتفريق ولا تجاب إليه المرأة إذا طلبته بل تكون النفقة دينا في الذمة " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ".

(2/287)


القاضي إذا طلبته الزوجة (1) ، وليس له مال ظاهر، واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتي: 1 - أن الزوج مكلف بأن يمسك زوجته بالمعروف أو يسرحها ويطلقها
بإحسان، لقول الله سبحانه: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".
ولا شك أن عدم النفقة ينافي الامساك بمعروف.
2 - أن الله تعالى يقول: " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ".
والرسول: يقول: " لا ضرر ولا ضرار ".
وأي إضرار ينزل بالمرأة أكثر من ترك الانفاق عليها.
وإن على القاضي أن يزيل هذا الضرر.
3 - وإذا كان من المقرر أن يفرق القاضي من أجل الغيب بالزوج فإن عدم الانفاق يعد أشد إيذاءا للزوجة وظلما لها من وجود عيب بالزوج، فكان التفريق لعدم الانفاق أولى.
وذهب الاحناف إلى عدم جواز التفريق لعدم الانفاق سواء أكان السبب مجرد الامتناع ام الاعسار والعجز عنها ودليلهم في هذا: 1 - أن الله سبحانه قال: " لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسرا يسرا " (2) .
وقد سئل الامام الزهري عن رجل عاجز عن نفقة زوجته: أيفرق بينهما؟ قال: تستأني به، ولا يفرق بينهما، وتلا الآية السابقة.
2 - أن الصحابة كان منهم الموسر والمعسر، ولم يعرف عن أحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل وامرأته، بسبب عدم النفقة لفقره وإعساره.
3 - وقد سأل نساء النبي صلى الله عليه وسلم النبي ما ليس عنده، فاعتزلهن
__________
(1) فان كان له مال ظاهر فانه لا يفرق بينه وبين زوجته وينفذ حكم النفقة فيه.
(2) سورة الطلاق آية 7.

(2/288)


شهرا، وكان ذلك عقوبة لهن، وإذا كانت المطالبة بما لا يملك الزوج تستحق العقاب، فأولى أن يكون طلب التفريق عند الاعسار ظلما لا يلتفت إليه
4 - قالوا: وإذا كان الامتناع عن الانفاق مع القدرة عليه ظلما، فإن الوسيلة في رفع هذا الظلم هي بيع ماله للانفاق منه، أو حبسه حتى ينفق عليها، ولا يتعين التفريق لدفع هذا الظلم مادام هناك وسائل أخرى، وإذا كان كذلك فالقاضي لا يفرق بهذا السبب لان التفريق أبغض الحلال إلى الله من الزوج صاحب الحق، فكيف يلجأ القاضي إليه مع أنه غير متعين، وليس هو السبيل الوحيدة لرفع الظلم.
هذا إذا كان قادرا على الانفاق، فإن كان معسرا فإنه لم يقع منه ظلم لان الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها.
مادة (5) : إذا كان الزوج غائبا غيبة قريبة، فإن كان له مال ظاهر نفذ الحكم عليه بالنفقة في ماله، وإن لم يكن له مال ظاهر أعذر إليه القاضي بالطرق المعروفة، وضرب له أجلا، فإن لم يرسل ما تنفق منه زوجته على نفسها، أو لم يحضر للانفاق عليها، طلق عليه القاضي بعد مضي الاجل.
فإذا كان بعيد الغيبة لا يسهل الوصول إليه، أو كان مجهول المحل، أو كان مفقودا، وثبت أنه لا مال له تنفق منه الزوجة، طلق عليه القاضي.
وتسري أحكام هذه المادة على المسبحون الذي يعسر بالنفقة.
مادة (6) : تطليق القاضي لعدم الانفاق يقع رجعيا، وللزوج أن يراجع زوجته إذا ثبت إيساره واستعد للانفاق في أثناء العدة فإذا لم يثبت إيساره ولم يستعد للانفاق لم تصح الرجعة.
التطليق للضرر:
ذهب الامام مالك (1) : أن للزوجة أن تطلب من القاضي التفريق إذا ادعت إضرار الزوج بها إضرارا لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، مثل: ضربها، أو سبها، أو إيذائها بأي نوع من أنواع الايذاء الذي لا يطاق،
__________
(1) ومثله مذهب أحمد، وخالف في ذلك أبو حنيفة والشافعي، فلم يذهبا إلى التفريق بسبب الضرر، لامكان إزالته بالتعزير وعدم إجبارها على طاعته.

(2/289)


أو إكراهها على منكر من القول أو الفعل.
فإذا ثبتت دعواها لدى القاضي ببينة الزوجة، أو اعتراف الزوج، وكان الايذاء مما لا يطاق معه دوام العشرة بين أمثالهما وعجز القاضي عن الاصلاح بينهما طلقها طلقة بائنة.
وإذا عجزت عن البينة، أو لم يقر الزوج رفضت دعواها.
فإذا تكررت منها الشكوى. وطلبت التفريق، ولم يثبت لدى المحكمة صدق دعواها، عين القاضي حكمين بشرط أن يكونا رجلين عدلين راشدين، لها خبرة بحالهما، وقدرة على الاصلاح بينهما.
ويحسن أن يكونا من أهلهما إن أمكن.
وإلا فمن غيرهم، ويجب عليهما تعرف أسباب الشقاق بين الزوجين، والاصلاح بينهما بقدر الامكان، فإن عجزا عن الاصلاح وكانت الاساءة من الزوجين، أو من الزوج، أو لم تتبين الحقائق، قررا التفريق بينهما بطلقة بائنة (1) وإن كانت الاساءة من الزوجة فلا يفرق بينهما بالطلاق. وإنما يفرق بينهما بالخلع.
وإن لم يتفق الحكمان على رأي أمرهما القاضي بإعادة التحقيق والبحث
فإن لم يتفقا على رأي استبدلهما بغيرهما.
وعلى الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يستقر عليه رأيهما. يجب عليه أن ينفذ حكمهما.
وأصل ذلك كله قول الله سبحانه: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " (2) ، والله تعالى يقول أيضا: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وقد فات الامساك بمعروف، فتعين التسريح بإحسان والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: " لاضرر ولا ضرار ".
__________
(1) ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي - في أحد قوليه - إلى أنه ليس للحكمين أن يطلقا إلا أن يجعل الزوج ذلك إليهما. وقال مالك والشافعي: إن رأيا الاصلاح بعوض أو بغير عوض جاز، وإن رأيا الخلع جاز، وإن رأى الذي من قبل الزوج الطلاق طلق، ولا يحتاج إلى إذن الزوج في الطلاق، وهذا مبني على أنهما حكمان لا وكيلان.
(2) النساء آية 35.

(2/290)


وجاء في قانون رقم 25 لسنة 1929.
(مادة 6) : " إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الاصلاح بينهما.
فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى، ولم يثبت الضرر، بعث القاضي حكمين وقضى على الوجه المبين بالمواد " 7، 8، 9، 10، 11 ".
مادة (7) : " يشترط في الحكمين أن يكونا رجلين عدلين من أهل الزوجين
إن أمكن، وإلا فمن غيرهم، ممن له خبرة بحالهما، وقدرة على الاصلاح بينهما.
مادة (8) : على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين ويبذلا جهدهما في الاصلاح، فإن أمكن على طريقة معينة قرراها.
مادة (9) : إذا عجز الحكمان عن الاصلاح وكانت الاساءة من الزوج أو منهما، أو جهل الحال قررا التفريق بطلقة بائنة.
مادة (10) : إذا اختلف الحكمان أمرهما القاضي بمعاودة البحث فان استمر الخلاف بينهما حكم غيرهما.
على الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يقررانه، وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه.
التطليق لغيبة الزوج:
التطليق لغيبة الزوج هو مذهب مالك وأحمد (1) ، دفعا للضرر عن المرأة، فللمرأة أن تطلب التفريق إذا غاب عنها زوجها ولو كان له مال تنفق منه، بشرط:
1 - أن يكون غياب الزوج عن زوجته لغير عذر مقبول.
2 - أن تتضرر بغيابه.
3 - أن تكون الغيبة في بلد غير الذي تقيم فيه.
4 - أن تمر سنة تتضرر فيها الزوجة.
__________
(1) مالك يرى أنه طلاق بائن وأحمد يرى أنه فسخ.

(2/291)


فإن كان غيابه عن زوجته بعذر مقبول: كغيابه لطلب العلم، أو ممارسة التجارة، أو لكونه موظفا خارج البلد، أو مجندا في مكان ناء، فإن ذلك لا يجيز طلب التفريق، وكذلك إذا كانت الغيبة في البلد الذي تقيم فيه.
وكذلك لها الحق في أن تطلب التفريق للضرر الواقع عليها لبعد زوجها عنها لا لغيابه.
ولابد من مرور سنة يتحقق فيها الضرر بالزوجة وتشعر فيها بالوحشة، ويخشى فيها على نفسها من الوقوع فيما حرم الله.
والتقدير بسنة قول عند الامام مالك (1) .
وقيل: ثلاث سنين، ويرى أحمد: أن أدنى مدة يجوز أن تطلب التفريق بعدها ستة أشهر، لانها أقصى مدة تستطيع المرأة فيها الصبر عن غياب زوجها كما تقدم ذلك في فصل سابق، واستفتاء عمر وفتوى حفصة رضي الله عنهما.
التطليق لحبس الزوج:
ومما يدخل في هذا الباب - عند مالك وأحمد - التطليق لحبس الزوج، لان حبسه يوقع بالزوجة الضرر، لبعده عنها.
فإذا صدر الحكم بالسجن لمدة ثلاث سنين، أو أكثر، وكان الحكم نهائيا، ونفذ على الزوج، ومضت سنة فأكثر من تاريخ تنفيذه، فللزوجة أن تطلب من القاضي الطلاق لوقوع الضرر بها بسبب بعده عنها.
فإذا ثبت ذلك طلقها القاضي طلقة بائنة عند مالك، ويعتبر ذلك فسخا عند أحمد.
قال ابن تيمية: وعلى هذا فالقول في امرأة الاسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به، كالقول في امرأته المفقود بالاجماع.
وجاء في القانون مادة (12) : " إذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول، جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضي تطليقها بائنا إذا تضررت من بعده عنها، ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه ".
مادة (13) : " إن أمكن وصول الرسائل إلى الغائب ضرب له القاضي
__________
(1) المراد بالسنة السنة الهلالية.

(2/292)


أجلا وأعذر إليه، بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للاقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها.
فإذا انقضى الاجل، ولم يفعل، ولم يبد عذرا مقبولا، فرق القاضي بينهما بتطليقة بائنة، وإن لم يمكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضي عليه بلا إعذار وضرب أجل ".
مادة (14) : " لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيا بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنين فأكثر، أن تطلب للقاضي بعد مضي سنة من حبسه التطليق عليه بائنا للضرر ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه.
أما التفريق للعيب فقد تقدم القول فيه في فصل سابق.

(2/293)