فقه السنة

التعزير:

(1) تعريفه: يأتي التعزير بمعنى " التعظيم والنصرة "، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه ".
أي تعظموه وتنصروه (1) .
ويأتي بمعنى الاهانة: يقال عزر فلان فلانا، إذا أهانه زجرا وتأديبا له على ذنب وقع منه.
والمقصود به في الشرع: التأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة.
أي أنه عقوبة تأديبية يفرضها الحاكم (2) على جناية (3) أو معصية لم يعين الشرع لها عقوبة، أو حدد لها عقوبة ولكن لم تتوفر فيها شروط التنفيذ مثل المباشرة في غير الفرج، وسرقة مالا قطع فيه، وجناية لا قصاص فيها، وإتيان المرأة المرأة، والقذف بغير الزنى.
ذلك أن المعاصي ثلاثة أقسام:
1 - نوع فيه حد، ولا كفارة فيه: وهي الحدود التي تقدم ذكرها.
2 - ونوع فيه كفارة، ولا حد فيه.
مثل: الجماع في نهار رمضان، والجماع في الاحرام.
3 - ونوع لا كفارة فيه ولا حد، كالمعاصي التي تقدم ذكرها، فيجب فيها التعزير.
(2) مشروعيته: والاصل في مشروعيته ما رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي،
__________
(1) سورة الفتح: الاية 9.
(2) الحاكم: هو الذي ينفذ الاحكام الاسلام ويقيم حدوده ويتقيد بتعاليمه.
(3) الجناية في العرف القانوني: " هي الجريمة التي تكون عقوبتها الاعدام أو الاشغال الشاقة أو السجن ".

(2/589)


والبيهقي، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: " ان النبي صلى الله عليه وسلم، حبس في التهمة " صححه الحاكم.
وإنما كان هذا الحبس حبسا احتياطيا حتى تظهر الحقيقة.
وأخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، عن هانئ بن نيار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تجلدوا فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى ".
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعزر ويؤدب، بحلق الرأس والنفي والضرب، كما كان يحرق حوانيت الخمارين، والقرية التي يباع فيها الخمر.
وحرق قصر سعد بن أبي وقاص بالكوفة، لما احتجب فيه
عن الرعية.
وقد اتخذ درة يضرب بها من يستحق الضرب، واتخذ دارأ للسجن، وضرب النائحة حتى بدا شعرها (1) .
وقال الائمة الثلاثة: إنه واجب (2) .
وقال الشافعي: ليس بواجب.
(3) حكمة مشروعيته والفرق بينه وبين الحدود: وقد شرعه الاسلام لتأديب العصاة والخارجين على النظام، فالحكمة فيه هي الحكمة من شرعية الحدود التي سبق ذكرها في مواضعها.
إلا أنه يختلف عن الحدود من ثلاثة أوجه.
1 - أن الحدود يتساوى الناس فيها جميعا، بينما التعزير يختلف باختلافهم.
فإذا زل رجل كريم، فإنه يجوز العفو عن زلته.
وإذا عوقب عليها فإنه ينبغي أن تكون عقوبته أخف من عقوبة من ارتكب مثل زلته، ممن هو دونه في الشرف والمنزلة.
روى أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، أن رسول الله صلى الله
__________
(1) ويراجع في ذلك إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية.
(2) أي أن التعزير فيما شرع فيه التعزير واجب.

(2/590)


عليه وسلم، قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود ".
أي إذا زل رجل ممن لا يعرف بالشر زلة، أو ارتكب صغيرة من الصغائر، أو كان طائعا وكانت هذه أولى خطاياه، فلا تؤاخذوه.
وإذا كان لا بد من المؤاخذة، فلتكن مؤاخذة خفيفة.
2 - أن الحدود لا تجوز فيها الشفاعة بعد أن ترفع إلى الحاكم.
بينما التعازير يجوز فيها الشفاعة.
3 - أن من مات بالتعزير، فإن فيه الضمان، فقد أرهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة، فأخمصت بطنها، فألقت جنينا ميتا، فحمل دية جنينها (1) .
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا ضمان، ولا شئ، لان التعزير والحد في ذلك سواء.
(4) صفة التعزير: والتعزير يكون بالقول: مثل التوبيخ، والزجر، والوعظ، ويكون بالفعل، حسب ما يقتضيه الحال، كما يكون بالضرب، والحبس، والقيد، والنفي، والعزل والرفت.
روى أبو داود، أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء.
فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ فقالوا: يتشبه بالنساء.
فأمر به فنفي إلى البقيع.
فقالوا: يا رسول الله، نقتله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " إني نهيت عن قتل المصلين ".
ولا يجوز التعزير بحلق اللحية، ولا بتخريب الدور، وقلع البساتين، والزروع، والثمار، والشجر.

(2/591)


كما لا يجوز بجدع الانف، ولا بقطع الاذن أو الشفة أو الانامل، لان
ذلك لم يعهد عن أحد من الصحابة.
(5) الزيادة في التعزير على عشرة أسواط: تقدم حديث هانئ بن نيار، النهي في التعزير عن الزيادة على عشرة أسواط.
وقد أخذ بهذا، أحمد، والليث، وإسحق، وجماعة من الشافعية، فقالوا: لا تجوز الزيادة على عشرة أسواط التي قررها الشارع.
وذهب مالك، والشافعي، وزيد بن علي، وآخرون، إلى جواز الزيادة على العشرة، ولكن لا يبلغ أدنى الحدود.
وقالت طائفة: لا يبلغ بالتعزير في المعصية قدر الحد فيها.
فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنى، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على السب من غير قذف حد القذف.
وقيل: يجتهد ولي الامر، ويقدر العقوبة حسب المصلحة وبقدر الجريمة.
(6) التعزير بالقتل: والتعزير بالقتل أجازه بعض العلماء، ومنعه بعض آخر.
وقد جاء في ابن عابدين نقلا عن الحافظ بن تيمية: " إن من أصول الحنفية، أن مالا قتل فيه عندهم، مثل القتل بالمثقل، وفاحشة الرجال، إذا تكررت، فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك ".
(7) التعزير بأخذ المال: ويجوز التعزير بأخذ المال، وهو مذهب أبي يوسف، وبه قال مالك.
قال صاحب معين الحكام: " ومن قال: إن العقوبة المالية منسوخة،
فقد غلط على مذاهب الائمة، نقلا واستدلالا، وليس يسهل دعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم سنة ولا إجماع، يصحح دعواهم.

(2/592)


إلا أن يقولوا: مذهب أصحابنا لا يجوز.
وقال ابن القيم: إن النبي صلى الله عليه وسلم، عزر بحرمان النصيب المستحق من السلب، وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله.
فقال صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه أحمد، وأبو داود، والنسائي: " من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها، وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا ".
(8) التعزير من حق الحاكم: والتعزير يتولاه الحاكم، لان له الولاية العامة على المسلمين.
وفي سبل السلام: وليس التعزير لغير الامام، إلا لثلاثة: 1 - الاول الاب، فإن له تعزير ولده الصغير للتعليم، والزجر عن سيئ الاخلاق، والظاهر أن الام في مسألة زمن الصبا، في كفالته، لها ذلك، والامر بالصلاة، والضرب عليها، وليس للاب تعزير البالغ، وإن كان سفيها.
2 - والثاني السيد، يعزر رقيقه في حق نفسه، وفي حق الله تعالى، على الاصح.
3 - والثالث الزوج، له تعزير زوجته في أمر النشوز، كما صرح به القرآن، وهل له ضربها على ترك الصلاة ونحوها؟ الظاهر أن له ذلك إن لم يكف فيها الزجر، لانه من باب إنكار المنكر،
والزوج من جملة من يكلف بالانكار باليد، أو اللسان، أو الجنان، والمراد هنا الاولان.
اه وكذلك يجوز للمعلم تأديب الصبيان.
(9) الضمان في التعزير: ولا ضمان على الاب إذا أدب ولده.

(2/593)


ولا على الزوج إذا أدب زوجته.
ولا على الحاكم إذا أدب المحكوم بشرط ألا يسرف واحد منهم، ويزيد على ما يحصل به المقصود.
فإذا أسرف واحد منهم في التأديب كان متعديا، وضمن بسبب تعديه ما أتلفه.

(2/594)


السلام في الإسلام:
إن السلام مبدأ من المبادئ التي عمق الاسلام جذورها في نفوس المسلمين، فأصبحت جزءا من كيانهم، وعقيدة من عقائدهم.
لقد صاح الاسلام - منذ طلع فجره، وأشرق نوره - صيحته المدوية في آفاق الدنيا، يدعو إلى السلام، ويضع الخطة الرشيدة التي تبلغ بالانسانية إليه.
إن الاسلام يحب الحياة، ويقدسها، ويحبب الناس فيها، وهو لذلك يحررهم من الخوف، ويرسم الطريقة المثلى لتعيش الانسانية متجهة إلى غاياتها من الرقي والتقدم، وهي مظللة بظلال الامن الوارفة.
ولفظ الاسلام - الذي هو عنوان هذا الدين - مأخوذ من مادة السلام،
لان السلام والاسلام، يلتقيان في توفير الطمأنينة، والامن، والسكينة.
ورب هذا الدين من أسمائة " السلام "، لانه يؤمن الناس بما شرع من مبادئ، وبما رسم من خطط ومناهج.
وحامل هذه الرسالة هو حامل راية السلام، لانه يحمل إلى البشرية الهدى، والنور، والخير، والرشاد.
وهو يحدث عن نفسه، فيقول: " إنما أنا رحمة مهداة ".
ويحدث القرآن عن رسالته، فيقول: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ".
وتحية المسلمين التي تؤلف القلوب وتقوي الصلات وتربط الانسان بأخيه الانسان، هي السلام.
وأولى الناس بالله وأقربهم إليه من بدأهم بالسلام.
وبذل السلام للعالم، وإفشاؤه جزء من الايمان.
وقد جعل الله تحية المسلمين بهذا اللفظ، للاشعار بأن دينهم دين السلام والامان، وهم أهل السلم ومحبو السلام.

(2/595)


وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله جعل السلام تحية لامتنا، وأمانا لاهل ذمتنا ".
وما ينبغي للانسان أن يتكلم مع إنسان قبل أن يبدأه بكلمة السلام.
يقول رسول الاسلام صلى الله عليه وسلم: " السلام قبل الكلام ".
وسبب ذلك: أن السلام أمان، ولا كلام إلا بعد الامان.
والمسلم مكلف وهو يناجي ربه بأن يسلم على نبيه، وعلى نفسه، وعلى
عباد الله الصالحين، فإذا فرغ من مناجاته لله وأقبل على الدنيا، أقبل عليها من جانب السلام، والرحمة، والبركة.
وفي ميدان الحرب والقتال، إذا أجرى المقاتل كلمة السلام على لسانه، وجب الكف عن قتاله.
يقول الله تعالى: " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ".
وتحية الله للمؤمنين تحية سلام: " تحيتهم يوم يلقونه سلام ".
وتحية الملائكة للبشر في الاخرة سلام: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ".
ومستقر الصالحين دار الامن والسلام.
" والله يدعو إلى دار السلام ".
" لهم دار السلام عند ربهم ".
وأهل الجنة لا يسمعون من القول ولا يتحدثون بلغة غير لغة السلام: " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما.
إلا قيلا سلاما سلاما ".
وكثرة تكرار هذا اللفظ - السلام - على هذا النحو، مع إحاطته بالجو الديني النفسي، من شأنه أن يوقظ الحواس جميعها، ويوجه الافكار والانظار إلى هذا المبدأ السامي العظيم.

(2/596)


اتجاه الاسلام نحو المثالية بل إن الاسلام يوجب العدل ويحرم الظلم، ويجعل من تعاليمه السامية وقيمه الرفيعة من المودة، والرحمة، والتعاون، والايثار، والتضحية، وإنكار الذات، ما يلطف الحياة ويعطف القلوب، ويؤاخي بين الانسان وأخيه الانسان.
وهو بعد ذلك كله يحترم العقل الانساني، ويقدر الفكر البشري، ويجعل العقل والفكر وسيلتين من وسائل التفاهم والاقناع.
فهو لا يرغم أحدا على عقيدة معينة، ولا يكره إنسانا على نظرية خاصة بالكون أو الطبيعة أو الانسان، وحتى في قضايا الدين يقرر أنه " لا إكراه في الدين "، وأن وسيلته هي استعمال العقل والفكر والنظر فيما خلق الله من أشياء.
يقول الله تعالى: " لا إكراه في الدين - قد تبين الرشد من الغي ".
ويقول تعالى: " ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ".
" وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله، ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ".
" قل انظروا ماذا في السموات والارض، وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون ".
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن وظيفته إلا أنه مبلغ عن الله وداعية إليه.
يقول الله تعالى: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ".
العلاقات الانسانية الاسلام لا يقف عند حد الاشادة بهذا المبدأ فحسب، وإنما يجعل العلاقة

(2/597)


بين الافراد، وبين الجماعات، وبين الدول، علاقة سلام وأمان، يستوي في ذلك علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وعلاقة المسلمين بغيرهم.
وفيما يلي بيان ذلك: علاقة المسلمين بعضهم ببعض:
1 - جاء الاسلام ليجمع القلب إلى القلب، ويضم الصف إلى الصف، مستهدفا إقامة كيان موحد، ومتقيا عوامل الفرقة والضعف، وأسباب الفشل والهزيمة، ليكون لهذا الكيان الموحد القدرة على تحقيق الغايات السامية، والمقاصد النبيلة، والاهداف الصالحة التي جاءت بها رسالته العظمى: من عبادة الله، وإعلاء كلمته، وإقامة الحق، وفعل الخير، والجهاد من أجل استقرار المبادئ التي يعيش الناس في ظلها آمنين.
فهو لهذا كله يكون روابط وصلات بين أفراد المجتمع، لتخلق هذا الكيان وتدعمه.
وهذه الروابط تتميز بأنها روابط أدبية، قابلة للنماء والبقاء، وليست كغيرها من الروابط المادية التي تنتهي بانتهاء دواعيها، وتنقضي بانقضاء الحاجة إليها.
إنها روابط أقوى من روابط: الدم، واللون، واللغة، والوطن والمصالح المادية، وغير ذلك مما يربط بين الناس.
وهذه الروابط من شأنها أن تجعل بين المسلمين تماسكا قويا، وتقيم منهم كيانا يستعصي على الفرقة وينأى عن الحل.
وأول رباط من الروابط الادبية هو رباط الايمان، فهو المحور الذي تلتقي عنده الجماعة المؤمنة.
فالايمان يجعل من المؤمنين إخاء أقوى من إخاء النسب.
" إنما المؤمنون إخوة ".
" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ".
" المسلم أخو المسلم ".
وطبيعة الايمان تجمع ولا تفرق، وتوحد ولا تشتت:

(2/598)


" المؤمن ألف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ".
والمؤمن قوة لاخيه.
" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ".
وهو يحس بإحساسه، ويشعر بشعوره، فيفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويرى أنه جزء منه.
" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ".
والاسلام يدعم هذا الرباط ويقوي هذه العلاقة بالدعوة إلى الاندماج في الجماعة والانتظام في سلكها.
وينهى عن كل ما من شأنه أن يوهن من قوته أو يضعف من شدته، فالجماعة دائما في رعاية الله وتحت يده.
" يد الله مع الجماعة، ومن شذ، شذ في النار ".
وهي المتنفس الطبيعي للانسان، ومن ثم كانت رحمة.
" الجماعة رحمة، والفرقة عذاب ".
والجماعة مهما صغرت فهي على أي حال خير من الوحدة، وكلما كثر عددها، كانت أفضل وأبر.
" الاثنان خير من واحد، والثلاثة خير من الاثنين، والاربعة خير من الثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن الله لن يجمع أمي إلا على الهدى ".
وعبادات الاسلام كلها لا تؤدى إلا جماعة.
فالصلاة تسن فيها الجماعة، وهي تفضل صلاة الفذ (1) بسبع وعشرين درجة.
والزكاة معاملة بين الاغنياء والفقراء.
والصيام مشاركة جماعية، ومساواة في الجوع في فترة معينة من الوقت.
والحج ملتقى عام للمسلمين جميعا كل عام، يجتمعون من أطراف الارض على أقدس غاية.
" وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يقرأون القرآن ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الرحمة، وذكرهم الله في ملا عنده ".
__________
(1) الفذ: الفرد.

(2/599)


ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام، يحرص على أن يجتمع المسلمون حتى في المظهر الشكلي: فقد رآهم يوما وقد جلسوا متفرقين، فقال لهم: " اجتمعوا " فاجتمعوا، فلو بسط عليهم ثوبه لوسعهم.
وإذا كانت الجماعة هي القوة التي تحمي دين الله، وتحرس دنيا المسلمين، فإن الفرقة هي التي تقضي على الدين والدنيا معا.
ولقد نهى عنها الاسلام أشد النهي، إذ أنها الطريق المفتوح للهزيمة، ولم يؤت الاسلام من جهة كما أتي من جهة الفرقة التي ذهبت بقوة المسلمين، والتي تخلف عنها: الضر، والفشل، والذل، وسائر ما يعانون منه.
" ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم
البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ".
" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ".
" واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا ".
" ولا تكونوا من المشركين - من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ".
" إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ ".
" لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا ".
ولن تصل الجماعة إلى تماسكها إلا إذا بذل لها كل فرد من ذات نفسه، وذات يده، وكان عونا لها في كل أمر من الامور التي تهمها.
سواء أكانت هذه المعاونة معاونة مادية أو أدبية، وسواء أكانت معاونة ب: المال، أو العلم، أو الرأي، أو المشورة.
فالناس عيال الله، أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.
" خير الناس أنفعهم للناس ".
" إن الله يحب إغاثة اللهفان ".
" اشفعوا تؤجروا ".
المؤمن مرآة المؤمن، يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه.
" إن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى منه أذى فليحطه عنه ".
وهكذا يعمل الاسلام على تحقيق هذه الروابط حتى يخلق مجتمعا متماسكا،

(2/600)


وكيانا قويا، يستطيع مواجهة الاحداث، ورد عدوان المعتدين.
وما أحوج المسلمين في هذه الاونة إلى هذا التجمع.
إنهم بذلك يقيمون فريضة إسلامية، ويحرزون كسبا سياسيا، ويحققون قوة عسكرية، تحمي وجودهم، ووحدة
اقتصادية توفر لهم كل ما يحتاجون إليه من ثروات.
لقد ترك الاستعمار آثارا سيئة، من: ضعف في التدين، وانحطاط في الخلق، وتخلف في العلم، ولا يمكن القضاء على هذه الافات الاجتماعية الخطيرة، إلا إذا عادت الامة موحدة الهدف، متراصة البنيان، مجتمعة الكلمة، كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا.
قتال البغاة هذا هو الاصل في العلاقات والروابط التي تربط بين المسلمين، فإذا حدث أن تقطعت بينهم هذه العلاقات، وانفصلت عرى الاخاء، وبغى بعضهم على بعض، وجب قتال الباغي حتى يرجع إلى العدل، وإلى الانتظام في سلك الجماعة.
يقول الله تعالى: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " (1) .
فالاية تقرر أن المؤمنين إذا تقاتلوا وجب على جماعة من ذوي الرأي أن تتدخل فورا، وتصلح بين المتقاتلين، فإن بغت طائفة على الاخرى، ولم ترضخ للصلح، ولم تستجب له، وجب على المسلمين جميعا أن يتجمعوا لقتال هذه الطائفة الباغية.
وقد قاتل الامام علي الفئة الباغية، كما قاتل أبو بكر الصديق مانعي الزكاة، وقد اتفق الفقهاء على أن هذه الفئة الباغية لا تخرج عن الاسلام ببغيها لان القرآن الكريم وصفها بالايمان، مع مقاتلتها، فقال:
__________
(1) سورة الحجرات: الاية 9.

(2/601)


" وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ".
ولهذا فإن مد برهم لا يقتل، وكذلك جريحهم، وأن أموالهم لا تغنم، وأن نسائهم وذراريهم لا تسبى، ولا يضمنون ما أتلفوا حال الحرب، من نفس ومن مال.
وأن من قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه.
أما من قتل من الطائفة العادلة، فإنه يكون شهيدا، فلا يغسل ولا يصلى عليه، لانه قتل في قتال أمر الله به، فهو مثل الشهيد في معركة الكفار.
هذا إذا كان الخروج على إمام المسلمين الذي اجتمعت عليه الجماعة في قطر من الاقطار، وكان هذا الخروج مصحوبا بامتناع عن أداء الحقوق المقررة بمصلحة الجماعة أو مصلحة فراد، بأن يكون القصد منه عزل الامام.
وجملة القول انه لا بد من صفات خاصة يتميز بها الخارجون حتى ينطبق عليهم وصف " البغاة ".
وجملة هذه الصفات هي:
1 - الخروج عن طاعة الحاكم العادل التي أوجبها الله على المسلمين لاولياء أمورهم.
2 - أن يكون الخروج من جماعة قوية، لها شوكة وقوة، بحيث يحتاج لحاكم في ردهم إلى الطاعة، إلى إعداد رجال ومال وقتال.
فإن لم تكن لهم قوة، فإن كانوا أفرادا، أو لم يكن لهم من العتاد ما يدفعون به عن أنفسهم، فليسوا ببغاة، لانه يسهل ضبطهم وإعادتهم إلى الطاعة.
3 - أن يكون لهم تأويل سائغ يدعوهم إلى الخروج على حكم الامام، فإن لم يكن لهم تأويل سائغ كانوا محاربين، لا بغاة.
4 - أن يكون لهم رئيس مطاع يكون مصدرا لقوتهم، لانه لا قوة لجماعة
لا قيادة لها. هـ
ذا هو شأن البغاة وحكم الله فيه.
أما إذا كان القتال لاجل الدنيا، وللحصول على الرئاسة ومنازعة أولي الامر، فهذا الخروج يعتبر محاربة ويكون للمحاربين حكم آخر يخالف حكم الباغين، وهذا الحكم هو الذي ذكره الله في قوله: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الارض

(2/602)


فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الارض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم - إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " (1) .
فهؤلاء المحاربون جزاؤهم القتل أو الصلب أو تقطيع الايدي والارجل من خلاف، أو الحبس والنفي من الارض: حسب رأي الحاكم فيهم، وجرائمهم التي ارتكبوها، ومن قتل منهم فهو في النار، ومن قتل من مقاتليهم فهو شهيد.
فإذا كان القتال صادرا من الطائفتين، لعصبية، أو طلب رئاسة، كان كل من الطائفتين باغيا، ويأخذ حكم الباغي.
العلاقة بين المسلمين وغيرهم علاقة المسلمين بغيرهم علاقة تعارف، وتعاون، وبر، وعدل.
يقول الله سبحانه في التعارف المفضي إلى التعاون: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " (2) .
ويقول في الوصاة بالبر والعدل: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين " (3) .
ومن مقتضيات هذه العلاقة تبادل المصالح، واطراد المنافع، وتقوية الصلات الانسانية.
وهذا المعنى لا يدخل في نطاق النهي عن موالاة الكافرين، إذ أن النهي
__________
(1) سورة المائدة: الايتان 33، 34.
(2) سورة الحجرات الاية: 13.
(3) سورة الممتحنة: الاية 8.

(2/603)


عن موالاة الكافرين يقصد به النهي عن محالفتهم ومناصرتهم ضد المسلمين، كما يقصد به النهي عن الرضى بما هم فيه من كفر، إذ أن مناصرة الكافرين على المسلمين فيه ضرر بالغ بالكيان الاسلامي، وإضعاف لقوة الجماعة المؤمنة، كما أن الرضى بالكفر كفر يحظره الاسلام ويمنعه.
أما الموالاة بمعنى المسالمة، والمعاشرة الجميلة، والمعاملة بالحسنى، وتبادل المصالح، والتعاون على البر والتقوى، فهذا مما دعا إليه الاسلام.
كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين:
ولهذا قرر الاسلام المساواة بين الذميين والمسلمين، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وكفل لهم حريتهم الدينية.
وتتمثل حريتهم الدينية فيما يأتي:
(أولا) عدم إكراه أحد منهم على ترك دينه أو إكراهه على عقيدة معينة.
يقول الله سبحانه وتعالى: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " (1) .
(ثانيا) من حق أهل الكتاب أن يمارسوا شعائر دينهم، فلا تهدم لهم كنيسة، ولا يكسر لهم صليب.
يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: " اتركوهم وما يدينون ".
بل من حق زوجة المسلم " اليهودية والنصرانية " أن تذهب إلى الكنيسة أو إلى المعبد، ولا حق لزوجها في منعها من ذلك.
(ثالثا) أباح لهم الاسلام ما أباحه لهم دينهم من الطعام وغيره، فلا يقتل لهم خنزير، ولا تراق لهم خمر، مادام ذلك جائزا عندهم، وهو بهذا وسع عليهم أكثر من توسعته على المسلمين الذين حرم عليهم الخمر والخنزير.
(رابعا) لهم الحرية في قضايا الزواج، والطلاق، والنفقة، ولهم أن يتصرفوا كما يشاءون فيها، دون أن توضع لهم قيود أو حدود.
(خامسا) حمى الاسلام وكرامتهم، وصان حقوقهم، وجعل لهم
__________
(1) سورة البقرة: الاية 256.

(2/604)


الحرية في الجدل والمناقشة في حدود العقل والمنطق، مع التزام الادب والبعد عن الخشونة والعنف.
يقول الله تعالى: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن.
إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم
وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون " (1) .
(سادسا) سوى بينهم وبين المسلمين في العقوبات، في رأي بعض المذاهب.
وفي الميراث سوى في الحرمان بين الذمي والمسلم، فلا يرث الذمي قريبه المسلم، ولا يرث المسلم قريبه الذمي.
(سابعا) أحل الاسلام طعامهم، والاكل من ذبائحهم، والتزوج بنسائهم.
يقول الله سبحانه: " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان، ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين " (2) .
(ثامنا) أباح الاسلام زيارتهم وعيادة مرضاهم، وتقديم الهدايا لهم، ومبادلتهم البيع والشراء ونحو ذلك من المعاملات، فمن الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي في دين له عليه، وكان بعض الصحابة إذا ذبح شاة يقول لخادمه ابدأ بجارنا اليهودي.
قال صاحب البدائع: " ويسكنون في أمصار المسلمين، يبيعون ويشترون، لان عقد الذمة شرع ليكون وسيلة إلى اسلامهم، وتمكينهم من المقام في أمصار المسلمين أبلغ في هذا المقصود، وفيه أيضا منفعة المسلمين بالبيع والشراء.
__________
(1) سورة العنكبوت: الاية 46.
(2) سورة المائدة: الاية 5.

(2/605)


الموالاة المنهي عنها هذا هو الاصل في علاقة المسلمين بغيرهم، ولا تتبدل هذه العلاقة إلا إذا عمل غير المسلمين - من جانبهم - على تقويض هذه العلاقة وتمزيقها بعداوتهم للمسلمين، وإعلانهم الحرب عليهم.
فتكون المقاطعة أمرا دينيا وواجبا إسلاميا، فضلا عن أنها عمل سياسي عادل، فهي معاملة بالمثل.
والقرآن يوجه أنظار أتباعه إلى هذه الحقيقة، ويحكم فيها الحكم الفصل، فيقول: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه " (1) .
وقد تضمنت الاية المعاني الاتية: (أولا) التحذير من الموالاة والمناصرة للاعداء، لما فيها من التعرض للخطر.
(ثانيا) أن من يفعل ذلك فهو مقطوع عن الله، لا يربطه به رابط.
(ثالثا) أنه في حالة الضعف والخوف من أذاهم تجوز الموالاة ظاهرا ريثما يعدون أنفسهم لمواجهة الذي يتهددهم.
وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول: " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما - الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا - الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم، وإن كان للكافرين نصيب قالوا
ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " (2) .
__________
(1) سورة آل عمران: الاية 28.
(2) سورة النساء: الايات 139، 140، 141.

(2/606)


وقد تضمنت هذه الايات ما يأتي: (أولا) أن المنافقين هم الذين يتخذون الكافرين أولياء، يوالونهم بالمودة، وينصرونهم في السر، متجاوزين ولاية المؤمنين ومعرضين عنها.
(ثانيا) أنهم بعملهم هذا يطلبون عند الكافرين العزة والقوة، وهم بذلك مخطئون، لان العزة والقوة كلها لله وللمؤمنين: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " (1) .
(ثالثا) أن هؤلاء المنافقين ينتظرون ما يحل بالمؤمنين، فإن كان لهم فتح من الله ونصر، قالوا: نحن معكم في الدين والجهاد، وإن كان للكافرين نصيب من النصر، قال هؤلاء المنافقون للكافرين: ألم نحافظ عليكم ونمنعكم من إيذاء المؤمنين لكم بتخذيلهم وإطلاعكم على أسرارهم حتى انتصرتم، فأعطونا مما كسبتم.
(رابعا) ان الله سبحانه لن يجعل للكافرين على المؤمنين المخلصين في إيمانهم القائمين على حدود الله، طريقا إلى النصر عليهم، أي لا يمكنهم من أن يغلبوهم.
وقد كان رجال من المسلمين يوالون رجالا من الكفار لما كان بينهم من
قرابة أو جوار أو مخالفة، وكانت هذه الموالاة خطرا على سلامة المسلمين، فأنزل الله عز وجل محذرا من هذه الولاية الضارة، فقال: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الايات إن كنتم تعقلون " (2) .
ففي هذه الاية النهي عن اتخاذ غير المؤمنين بطانة وأصدقاء، أي خاصة تطلعونهم على أسراركم، لان هذه البطانة لا تقصر في إفساد أمركم، وأنهم يحبون ويتمنون إبقاع الضرر بكم.
وقد ظهرت علامات بغضهم لكم من كلامهم، فهي لشدتها عندهم
__________
(1) سورة المنافقون: الاية 8.
(2) سورة آل عمران: الاية 118.

(2/607)


يصعب عليهم إخفاؤها، وما تخفيه صدورهم من البغض لكم أقوى وأشد مما يفلت من ألسنتهم.
وطبيعة الايمان تأبى على المؤمن أن يوالي عدوه الذي يتربص به الدوائر، ولو كان أقرب الناس إليه.
يقول القرآن الكريم: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه " (1) .
فالاية تبين أنه لا يصح أن يوجد بين المؤمنين من يصادقون أعداءهم، ولو كان هؤلاء الاعداء آباء المؤمنين، أو أبنائهم، أو إخوانهم الاقربين.
إن حكم القرآن في هؤلاء الذين يتعاونون مع الاستعمار وأعداء العرب
والمسلمين بين واضح، وإن ذلك خيانة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولائمة المسلمين وعامتهم، وأنهم لم يراعوا حق الاسلام، ولا حق التاريخ، ولا حق الجوار ولا حق المظلومين، ولا حق حاضر حق المنطقة ولا حق مستقبلها.
وهؤلاء الخونة بتصرفهم هذا، قد باعوا أنفسهم للشيطان، وسجلوا على أنفسهم الخزي والعار: خزي الدهر وعار الابد.
__________
(1) سورة المجادلة: الاية 22.

(2/608)


الإعتراف بحق الفرد:
والاسلام - بعد أن أشاد بمبدأ السلام وجعل العلاقة بين الناس علاقة أمن وسلام - احترم الانسان وكرمه من حيث هو إنسان، بقطع النظر عن جنسه، ولونه، ودينه، ولغته، ووطنه، وقوميته، ومركزه الاجتماعي.
يقول الله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ".
(1) .
ومن مظاهر هذا التكريم أن الله خلق الانسان بيده، ونفخ فيه من وحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السموات وما في الارض جميعا منه، وجعله سيدا على هذا الكوكب الارضي، واستخلفه فيه ليقوم بعمارته وإصلاحه.
ومن أجل أن يكون هذا التكريم حقيقة واقعة وأسلوبا في الحياة، كفل الاسلام جميع حقوق الانسان، وأوجب حمايتها وصيانتها، سواء أكانت حقوقا دينية، أو مدنية، أو سياسية.
ومن هذه الحقوق:
(1) حق الحياة: لكل فرد حق صيانة نفسه، وحماية ذاته.
فلا يحل الاعتداء عليها إلا إذا قتل، أو أفسد في الارض فسادا يستوجب القتل.
يقول الله تعالى: " من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " (2) .
وفي الحديث الصحيح: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:
__________
(1) سورة الاسراء: الاية 70.
(2) سورة المائدة: الاية 32.

(2/609)


" النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
(2) حق صيانة المال: فكما أن النفس معصومة، فكذلك المال، فلا يحل أخذ المال بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة.
يقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (1) .
وقال عليه الصلاة والسلام: " من أخذ مال أخيه بيمينه، أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة ".
فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟.
فقال: " وإن كان عودا من أراك ".
والاراك هو الشجر الذي يؤخذ منه السواك.
(3) حق العرض: ولا يحل انتهاك العرض حتى ولا بكلمة نابية.
يقول الله تعالى: " ويل لكل همزة لمزة ". (2)
(4) حق الحرية: ولم يكتف الاسلام بتقرير صيانة الانفس، وحماية الاعراض والاموال، بل أقر حرية العبادة، وحرية الفكر، وحرية اختيار المهنة التي يمارسها الانسان لكسب عيشه، وحرية الاستفادة من جميع مؤسسات الدولة.
وأوجب الاسلام على الدولة المحافظة على هذه الحقوق جميعها، وإن حقوق الانسان لا تنتهي عند هذا الحد، بل هناك حقوق أخرى، منها: (1) حق المأوى: فالانسان له الحق في أن يأوي إلى أي مكان، وأن يسكن في أي جهة، وأن ينتقل في الارض دون حجر عليه أو وضع عقبات في طريقه، ولا يجوز نفي أي فرد أو إبعاده أو سجنه إلا في حالة ما إذا اعتدى على حق غيره، ورأى القانون أن يعاقبه بالطرد أو الحبس.
ويكون ذلك في حالة الاعتداء على الغير، والاخلال بالامن، وإرهاب الابرياء.
__________
(1) سورة النساء: الاية 29.
(2) سورة الهمزة: الاية 1.
والويل: هو العذاب الشديد، والهمزة: الذي يعيب الناس، وينشر ما يبدو له بطريق الاشارة المعبرة، واللمزة: هو الذي يتحدث عن العيوب، ويذيعها بين الناس.

(2/610)


وفي ذلك يقول الله تعالى: " إنما جزاء اللذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا، أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم - إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ". (1)
(2) حق التعلم وإبداء الرأي: ومن الحقوق كذلك حق التعلم:
فمن حق كل فرد أن يأخذ من التعليم ما ينير عقله، ويرقي وجوده، ويرفع من مستواه.
ومن حق الانسان كذلك، أن يبين عن رأيه ويدلي بحجته ويجهر بالحق ويصدع به.
والاسلام يمنع من مصادرة الرأي ومحاربة الفكر الحر، إلا إذا كان ذلك ضارا بالمجتمع.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على أن يجهروا بالحق، وإن كان مرا، وعلى ألا يخافوا في الله لومة لائم، ويخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن: " الساكت عن الحق شيطان أخرس ".
وفي ذلك يقول القرآن الكريم: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله.
ويلعنهم اللاعنون - إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ".
(2) وأخيرا، وليس آخرا: يقرر الاسلام أن من حق الجائع أن يطعم، ومن حق العاري أن يكسى، والمريض أن يداوى، والخائف أن يؤمن، دون تفرقة بين لون ولون، أو دين ودين، فالكل في هذه الحقوق سواء.
هذه هي تعاليم الاسلام في تقرير بعض حقوق الانسان، وهي تعاليم فيها الصلاح والخير لهذه الدنيا جميعها.
__________
(1) سورة المائدة: الاية 33.
(2) سورة البقرة: الايتان: 159، 160.

(2/611)


وأعظم ما فيها أنها سبقت جميع المذاهب التي تحدثت عن حقوق الانسان، وأن الاسلام جعل هذه التعاليم دينا يتقرب به إلى الله.
كما يتقرب بالصلاة وغيرها من العبادات.
جريمة إهدار الحقوق:
إن هده الحقوق هي التي تمنح الانسان الانطلاق إلى الافاق الواسعة ليبلغ كماله، ويحصل على ارتقائه المقدر له، سواء أكان ماديا أم أدبيا.
ومن ثم، فإن أي تفويت أو تنقيص لحق من حقوق الانسان يعتبر جريمة من الجرائم، وهذا نفسه هو السبب الحقيقي في منع الاسلام للحرب أيا كان نوعها، لان الحرب بجانب كونها اعتداء على الحياة - وهي حق مقدس - فهي تدمير لما تصلح به الحياة.
وقد منع حرب التوسع، وبسط النفوذ، وسيادة القوي، فقال: " تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين ".
(1) ومنع حرب الانتقام والعدوان، فقال: " ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب (2) " ومنع حرب التخريب والتدمير فقال: " ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها (3) ".
__________
(1) سورة القصص: الاية 83.
(2) سورة المائدة: الاية 2.
(3) سورة الاعراف: الاية 56.

(2/612)


متى تشرع الحرب وإذا كانت القاعدة هي السلام، والحرب هي الاستثناء فلا مسوغ لهذه الحرب - في نظر الاسلام - مهما كانت الظروف، إلا في إحدى حالتين: (الحالة الاولى) حالة الدفاع عن النفس، والعرض، والمال، والوطن عند الاعتداء.
يقول الله تعالى: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم.
ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ".
(1) وعن سعد بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن قتل دون دمه، فهو شهيد، ومن قتل دون دينه، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، فهو شهيد ".
رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
ويقول الله سبحانه: " ومالنا ألا تقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ".
(2) (الحالة الثانية) حالة الدفاع عن الدعوة إلى الله إذا وقف أحد في سبيلها. بتعذيب من آمن بها، أو بصد من أراد الدخول فيها، أو بمنع الداعي من تبليغها، ودليل ذلك: (أولا) أن الله سبحانه يقول: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين - فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم - وقاتلوهم حتى
__________
(1) سورة البقرة: الاية 190.
(2) سورة البقرة: الاية 246.

(2/613)


لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " (1) وقد تضمنت هذه الايات ما يأتي:
1 - الامر بقتال الذين يبدءون بالعدوان ومقاتلة المعتدين، لكف عدوانهم.
والمقاتلة دفاعا عن النفس أمر مشروع في كل الشرائع، وفي جميع المذاهب، وهذا واضح من قوله تعالى: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم "
2 - أما الذين لا يبدءون بعدوان، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداء، لان الله نهى عن الاعتداء، وحرم البغي والظلم في قوله: " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ".
3 - وتعليل النهي عن العدوان بأن الله لا يحب المعتدين دليل على أن هذا النهي محكم غير قابل للنسخ، لان هذا إخبار بعدم محبة الله للاعتداء والاخبار لا يدخله النسخ لان الاعتداء هو الظلم، والله لا يحب الظلم أبدا.
4 - أن لهذه الحرب المشروعة غاية تنتهي إليها، وهي منع فتنة المؤمنين والمؤمنات، بترك إيذائهم، وترك حرياتهم ليمارسوا عبادة الله ويقيموا دينه، وهم آمنون على أنفسهم من كل عدوان.
(ثانيا) يقول الله سبحانه: " ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ". (2) وقد بينت هذه الاية سببين من أسباب القتال:
(أولهما) القتال في سبيل الله، وهو الغاية التي يسعى إليها الدين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
(وثانيهما) القتال في سبيل المستضعفين، الذين أسلموا بمكة، ولم يستطيعوا الهجرة، فعذبتهم قريش وفتنتهم حتى طلبوا من الله الخلاص،
__________
(1) سورة البقرة: الايات 190، 191، 192، 193.
(2) سورة النساء: الاية 75.

(2/614)


فهؤلاء لا غنى لهم عن الحماية التي تدفع عنهم أذى الظالمين، وتمكنهم من الحرية، فيما يدينون ويعتقدون.
(ثالثا) يقول الله سبحانه: " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ". (1) فهؤلاء القوم الذين لم يقاتلوا قومهم، ولم يقاتلوا المسلمين واعتزلوا محاربة الفريقين، وكان اعتزالهم هذا اعتزالا حقيقيا يريدون به السلام، فهؤلاء لا سبيل للمؤمنين عليهم.
(رابعا) أن الله تعالى يقول: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم - وإن يريدوا أن يخدعوكم فإن حسبك الله ". (2) ففي هذه الآية الامر بالجنوح إلى السلم إذا جنح العدو إليها، حتى ولو كان جنوحه خداعا ومكرا.
(خامسا) أن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعا، ليس فيها شئ من العدوان.
وقتال المشركين من العرب، ونبذ عهودهم بعد فتح مكة كان جاريا
على هذه القاعدة.
وهذا بين في قوله تعالى: " ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين - قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين - ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء الله عليم حكيم (3) ".
ولما تجمعوا جميعا ورموا المسلمين عن قوس واحدة، أمر الله بقتالهم جميعا يقول الله سبحانه: " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم
__________
(1) سورة النساء: الآية 90.
(2) سورة الانفال: الآيتان 61، 62.
(3) سورة التوبة: الآيات 13، 14، 15.

(2/615)


كافة، واعلموا أن الله مع المتقين ".
(1) وأما قتال اليهود، فإنهم كانوا قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته، ثم لم يلبثوا أن نقضوا العهد وانضموا إلى المشركين والمنافقين ضد المسلمين، ووقفوا محاربين لهم في غزوة الاحزاب، فأنزل الله سبحانه: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتو الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ".
(2) وقال أيضا: " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين " (3)
(سادسا) أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة مقتولة، فقال: " ما كانت هذه لتقاتل ".
فعلم من هذا أن العلة في تحريم قتلها أنها لم تكن تقاتل مع المقاتلين، فكانت مقاتلتهم لنا هي سبب مقاتلتنا لهم، ولم يكن الكفر هو السبب.
(سابعا) أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الرهبان والصبيان، لنفس السبب الذي نهى من أجله عن قتل المرأة.
(ثامنا) أن الاسلام لم يجعل الاكراه وسيلة من وسائل الدخول في الدين، بل جعل وسيلة ذلك استعمال العقل وإعمال الفكر، والنظر في ملكوت السموات والارض.
يقول الله سبحانه: " ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون - قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ".
(4) وقال: " لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ". (5)
__________
(1) سورة التوبة: الآية 36.
(2) سورة التوبة: الآية 29.
(3) سورة التوبة: الآية 123.
(4) سورة يونس: الآيات 99، 100، 101.
(5) سورة البقرة: الآية 256.

(2/616)


وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأسر الاسرى، ولم يعرف أنه أكره أحدا منهم على الاسلام. وكذلك كان أصحابه يفعلون.
روى أحمد عن أبي هريرة " أن ثمامة الحنفي أسر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو عليه فيقول: " ما عندك يا ثمامة؟..".
فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تمنن تمنن على شاكر، وإن ترد المال نعطك منه ما شئت.
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون: ما نصنع بقتل هذا، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، فحله، وبعث به إلى حائط أبي طلحة، وأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد حسن إسلام أخيكم ".
أما النصارى وغيرهم فلم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم.
حتى أرسل رسله بعد صلح الحديبية إلى جميع الملوك يدعوهم إلى الاسلام، فأرسل إلى قيصر، وإلى كسرى، وإلى المقوقس، وإلى النجاشي وملوك العرب بالشرق والشام، فدخل في الاسلام من النصارى وغيرهم من دخل، فعمد النصارى بالشام فقتلوا بعض من قد أسلم.
فالنصارى حاربوا المسلمين أولا، وقتلوا من أسلم منهم بغيا وظلما.
فلما بدأ النصارى بقتل المسلمين أرسل الرسول سرية أمر عليها زيد بن حارثة، ثم جعفرا، ثم أمر عبد الله بن رواحة، وهو أول قتال قاتله المسلمون للنصارى - بمؤتة من أرض الشام - واجتمع على أصحابه خلق كثير من النصارى، واستشهد الامراء رضي الله عنهم، وأخذ الراية خالد بن الوليد.
ومما تقدم يتبين بجلاء، أن الاسلام لم يأذن بالحرب إلا دفعا للعدوان، وحماية للدعوة، ومنعا للاضطهاد، وكفاية لحرية التدين، فإنها حينئذ تكون
فريضة من فرائض الدين، وواجبا من واجباته المقدسة ويطلق عليها اسم " الجهاد ".

(2/617)