فقه السنة

السلم:
تعريفه: السلم ويسمى السلف (1) وهو بيع شئ موصوف في الذمة بثمن معجل، والفقهاء تسميه: بيع المحاويج، لانه بيع غائب تدعو إليه ضرورة كل واحد من المتبايعين،
فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري السلعة، وصاحب السلعة محتاج إلى ثمنها قبل حصولها عنده لينفقها على نفسه وعلى زرعه حتى ينضج فهو من المصالح الحاجية.
__________
(1) مأخوذ من التسليف وهو التقديم لان الثمن هنا مقدم على المبيع.

(3/121)


ويسمي المشتري: المسلم، أو رب السلم.
ويسمى البائع: المسلم إليه.
والبيع: المسلم فيه، والثمن: رأس مال السلم.
مشروعيته: وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والاجماع.
1 - قال ابن عباس، رضي الله عنهما،: " أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ".
ثم قرأ قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتهم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه (1) ".
2 - وروى البخاري ومسلم: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ".
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز.
__________
(1) سورة البقرة آية رقم 282.

(3/122)


مطابقته لقواعد الشريعة:
ومشروعية السلم مطابقة لمقتضى الشريعة ومتفقة مع قواعدها وليست فيها مخالفة للقياس، لانه كما يجوز تأجيل الثمن في البيع يجوز تأجيل المبيع في السلم، من غير تفرقة بينهما والله سبحانه وتعالى يقول: " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ".
والدين هو المؤجل من الاموال المضمونة في الذمة، ومتى كان المبيع موصوفا ومعلوما ومضمونا في الذمة، وكان المشتري على ثقة من توفية البائع المبيع عند حلول الاجل، كان المبيع دينا من الديون التي يجوز تأجيلها والتي تشملها الاية كما قال ابن عباس، رضي الله عنهما.
ولا يدخل هذا في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع المرء ما ليس عنده، كما جاء في قوله لحكيم بن حزام: " لا تبع لا ليس عندك (1) ".
فإن المقصود من هذا النهي أن يبيع المرء مالا قدرة له على تسليمه، لان مالا قدرة له على تسليمه ليس عنده حقيقة فيكون بيعه غررا ومغامرة.
__________
(1) أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان.

(3/123)


أما بيع الموصوف المضمون في الذمة مع غلبة الظن بإمكان توفيته في وقته، فليس من هذا الباب في شئ.
شروطه: للسلم شروط لا بد من أن تتوفر فيه حتى يكون صحيحا.
وهذه الشروط منها ما يكون في رأس المال.
ومنها ما يكون في المسلم فيه.
شروط رأس المال:
أما شروط رأس المال فهي:
1 - أن يكون معلوم الجنس.
2 - أن يكون معلوم القدر.
3 - أن يسلم في المجلس.
شروط المسلم فيه:
ويشترط في المسلم فيه:
1 - أن يكون في الذمة.
2 - وأن يكون موصوفا بما يؤدي إلى العلم بمقداره وأوصافه التي تميزه عن غيره، كي ينتي الغرر وينقطع النزاع.
3 - وأن يكون الاجل معلوما.
وهل يجوز إلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج إلى العطاء؟

(3/124)


فقال مالك: يجوز متى كانت معلومة كالشهور والسنين.
اشتراط الأجل:
ذهب الجمهور إلى اعتبار الاجل في السلم، وقالوا: لا يجوز السلم حالا.
وقالت الشافعية: يجوز، لانه إذ جار مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولى.
وليس ذكر الاجل في الحديث لاجل الاشتراط بل معناه إن كان لاجل فليكن معلوما.
قال الشوكاني: والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الاجل لعدم ورود دليل يدل عليه، فلا يلزم التقيد بحكم بدون دليل.
وأما ما يقال: من أنه يلزم مع عدم الاجل أن يكون بيعا للمعدوم، ولم يرخص فيه إلا في السلم، ولا فارق بينه وبين البيع إلا الاجل: فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة، وذلك كاف.
لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه: لا يشترط في السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه بل يراعى وجوده عند الاجل.
ومتى انقطع المبيع عند

(3/125)


محل الاجل انفسخ العقد، ولا يضر انقطاعه قبل حلوله.
روى البخاري عن محمد بن المجالد قال: بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي
أوفى فقالا: سله هل كان أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، يسلفون في الحنطة؟ فقال عبد الله: كنا نسلف نبيط (1) أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم.
قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.
ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزي، فسألته فقال: كان أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يسلفون على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم نسألهم ألهم حرث أم لا.
لا يفسد العقد بالسكوت عن موضع القبض:
لو سكت المتعاقدان عن تعيين موضع القبض فالسلم صحيح ولو لم يتعين الموضع لانه لم يبين في الحديث.
__________
(1) أهل الزراعة، وقيل: نصارى الشام.

(3/126)


ولو كان شرطا لذكره الرسول، صلى الله عليه وسلم، كما ذكر الكيل والوزن والاجل.
السلم في اللبن والرطب: قال القرطبي: " وأما السلم في اللبن والرطب مع الشروع في أخذه فهي مسألة مدنية اجتمع عليها أهل المدينة. وهي مبنية على قاعدة المصلحة، لان المرء يحتاج إلى أخذ اللبن والرطب مياومة ويشق أن يأخذ كل يوم ابتداء، لان النقد قد لا يحضره، ولان السعر قد يختلف عليه، وصاحب النخل واللبن محتاج إلى النقد لان الذي عنده عروض لا ينصرف له، فلما اشتركا في الحاجة رخص لهما في هذه المعاملة قياسا على العرايا وغيرها من أصول الحاجات والمصالح ". اه.
جواز أخذ غير المسلم فيه عوضا عنه:
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز أخذ غير المسلم فيه عوضا عنه مع بقاء عقد السلم، لانه يكون قد باع دين المسلم فيه قبل قبضه.
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

(3/127)


" من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " (1) .
وأجازه الامام مالك وأحمد.
قال ابن المنذر: ثبت عن ابن عباس أنه قال: " إذا أسلفت في شئ إلى أجل، فإن أخذت ما أسلفت فيه وإلا فخذ عوضا أنقص منه، ولا تربح مرتين ".
رواه شعبة وهو قول الصحابي، وقول الصحابي حجة ما لم يخالف.
وأما الحديث ففيه عطية بن سعد وهو لا يحتج بحديثه.
ورجح هذا ابن القيم فقال - بعد أن ناقش أدلة كل من الفريقين -: فثبت أنه لا نص في التحريم ولا إجماع ولا قياس، وأن النص والقياس يقتضيان الاباحة.
والواجب عند التنازع الرد إلى الله وإلى الرسول، صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا انفسخ عقد السلم بإقالة ونحوها.
فقيل: لا يجوز أن يأخذ عن دين السلم عوضا من غير جنسه.
__________
(1) رواه الدارقطني عن ابن عمر.

(3/128)


وقيل: يجوز أخذ العوض عنه، وهو مذهب الشافعي واختيار القاضي أبي يعلى وابن تيمية.
قال ابن القيم: وهو الصحيح، لان هذا عوض مستقر في الذمة فحازت المعاوضة كسائر الديون من القرض وغيره.

(3/129)