فقه
النوازل " 2 "
المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة
وأفصح اللغى (دراسة ونقد)
(1/101)
المواضعة في
الاصطلاح
على خلاف الشريعة وأفصح اللغى
الحمد لله الذي فتق لسان العرب بأفصح لسان ،
وأبلغ بيان وبه أنزل
سبحانه القرآن واصطفى رسوله محمداً صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيار مضر بن
نزار بن معد
ابن عدنان .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ،
والتابعين لهم بإحسان
إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن قضية المواضعة في الاصطلاح للأمور الشرعية
كانت جارية على
السنن الأقوم من هدي الشريعة ، وما زالت كذلك
على تعاقب القرون ، إلا
أنه بقدر ما يصيب الأمة من ضعَةٍ وتحولٍ في
حياتها ، لقاء التيارات ،
والتموجات الفكرية التي تحل في الديار
الإسلامية ، يحصل قطار جديد من
البلايا والأزمات الشديدة من الانهزام والضياع
في جملة من الفتن أنى وليت
وجهك . وكان من ولائدها في هذا المجال غلالة
من العدوان على هذه
المصطلحات ولو أن تبلها ببلالها ، سواء من قبل
أصالة اللفظ المصطلح
عليه لغة ، أم من قبل استبداله باصطلاح آخر
وافد لوفادته وهكذا ، لكنها
تلاقي الدفع في نحورها وأعجازها من أهل العلم
فتنطفي جذوتها ، وتعود
مردودةً على مختلقها ، بضاعة مزجاةً ما لها في
معاجم المسلمين من قرار .
وفي العصور الحاضرة التي اختلت فيها مقاييس
الحياة في جل الديار
(1/103)
الإسلامية ،
مُني المسلمون بعدة ويلات وفتن تتوالى من خلال
ديارهم
عاملة عملها في قوالب متعددة ، فغاب الحكم
بالإسلام عن سلطان
الحاكمية في جل دياره وأقصى القضاء الشرعي عن
كراسي القضاء في جل
أحكامه .
ونفذ الاستعمار الفكري في تعليم أولاد
المسلمين وبَسَطَت عوامل
الانحلال والتفسخ جرانها في ديار الإسلام
نافذة إلى أفئدة الأمة على
مسارب التبعية الماسخة للأمم الكافرة .
وهكذا في جملة من الفتن الكاسرة في مجالات
متكاثرة من حياة
الأمة ، وما فيه قوامها .
وما زالت تتوالى مراغمتها على كل غريب عنها في
دينها وأخلاقها
ومسالكها ، تمزيقاً للباس التقوى في شكله
وحقيقته ، فالله طليب الفَعَلةِ
لذلك وهو حسيبهم .
وكان من سوالب هذه البدوات الآثمة والحملات
المسعورة غياب
طائفة كبيرة من لغة الشريعة المسطرة في معلمة
(1) فقهها ، فحلت
__________
(1) معلمة : هذا هو اللفظ الذي يعبر عن المراد
منه بوضوح وسلامة مبنى ، وقد لهج
المعاصرون بلفظ " موسوعة " وهو اصطلاح قريب
العهد في صدر القرن الثالث
عشر . وقد وقع ذلك في قصة لطيفة على لسان أحد
الأعجميين ، كما في مجلة
الأزهر : " لواء الإسلام 26 / 1158 " بعنوان :
الأدب والعلوم . ومما جاء فيه ما نصه
(لطاش كبرى زاده كتاب باسم : موضوعات العلوم
ولما كانت إحدى مكتبات
القسطنطينية ، تدون فهرساً لمحتوياتها . أملى
أحد موظفيها اسم هذا الكتاب على
أحد موظفي المكتبة بلفظ " موضوعات " العلوم ،
لأن الأعاجم يلفظون : الضاد
بقريب من لفظ : الظاء . فسمع الكاتب الضاد :
سيناً . فكتب اسم الكتاب =
(1/104)
مصطلحات أجنبية
عن دينها ولغتها في جوانب الحكم ، والقضاء ،
والتعليم ، ولغة الحياة العامة والسلوك .
وغيرها متابعة بذلك سنة الإبعاد عن
كتب الشريعة وفقهها بتحنيط لغتها ، وبذلك
يستحكم الانفصام بين المسلم
وتراثه ، ليكون رسماً لا معنى له ، وصورة لا
حقيقة له .
وبهذا تجسدت أمام المصلحين : نازلة المواضعات
الأثيمة على
خلاف اللغة والشريعة ، فصارت لكثرتها وشيوعها
في مجالات : الحكم ،
والقضاء ، والتعليم ، والعلوم ، والفنون كافة
: تُمثل لباساً فضفاضاً نسجته
أيدي العِداء فألبسته أمة الإسلام والعرب
العرباء .
فكيف لا تستحي أمة تركض لبناء مجدها وهي مصرة
على الحنث
العظيم إذ ترفل بلباس عدوها ، متقمصة له في
غاية ميادين حياتها راكبة
أثباج لجج هائجة من الفتن . ألم يعلموا أن
بناء الذات قبل بناء الذوات
وأن التزام الداعية إلى ما يثني عقيدته عليه
أساس متين للدعوة إليه . وإلا
فماذا ؟
والله يعلم ماذا يلحق بالمسلم الناصح من عميق
الآلام عندما يسود
شيء من هذا القتام ، لكن هذا الاعتلاج لا يكفي
بل لا بد من البيان
عماذا يراد بنا ونحن نيام ، من تجليل الأمة
بهذا الرداء الأجنبي عنها
__________
= " موسوعات العلوم " . وسمع ... إبراهيم
اليازجي صاحب مجلة " الضياء " باسم
هذا الكتاب وموضوعه فخيل إليه أن كلمة "
موسوعات " تؤدي معنى " دائرة معارف "
فأعلن ذلك في مجلته . وأخذ به : أحمد زكي باشا
وغيره . فشاعت كلمة موسوعة .
وموسوعات . لهذا النوع من الكتب . وهي تسمية
مبنية على الخطأ كما رأيت . وكان
العلامة أحمد تيمور باشا . والكرملي ، وغيرهما
يرون تسمية دائرة المعارف باسم :
معلمة لأنه أصح ، وأرشق ، وأدل على المراد منه
...) اهـ .
(1/105)
القاضي على
إجلال شريعة ربها وخالقها .
وقد قام علماء اللغة العربية في ذلك مقاماً
حميداً شكر الله سعيهم
فبذلوا جهوداً مكثفة في القديم والحديث ،
فأنشؤا سدوداً منيعة وحصوناً
حصينة للغة القرآن عن عوادي الهجنة والدخيل ،
إذ أقاموا المجامع وهي
كثر ، وألفوا كتب الملاحن وهي أكثر . ودب
يراعهم في الكفاح وسالت له
سوابق أقلامهم ، وانتشرت سوابح أفكارهم في نفي
الدخيل ، ونفض
المقرف والهجين ، وهكذا تجديداً لمعجزة حماية
التنزيل . والتي تجلت
متكاملة بجهود علماء الشريعة المشرفة في ذلك ،
فلهم القِدح المعلى ،
والمكان الأسنى فضموا إلى كفاح أولئك : فائق
العناية في الاصطلاح
الشرعي ومتانة التقعيد ، والتأصيل ، وعدم
السماح لأي مصطلح دخيل
بالدخول في اصطلاح التشريع ، وإن كان في بعض
المتأخرين من
المعاصرين من خفض لها الجناح ، ونفخ في بوقها
وأناخ والله يغفر لنا
ولهم .
وإنه إلى ساعتي هذه لا أعلم كتاباً ألف في كشف
هذه المداخلة ،
وصد تلك المحاولة في هذه النازلة من وجهة
الشريعة الخالدة ، فقيدت من
ذلك نتفاً لكني لم أقف عليها إلا بعد أن سلكت
إليها طرائق قدداً ، من
كتب الشريعة واللُّغى (1) . متجنباً تشقيق
العبارة ، وتكلف الكَلِم ، وناسب
إذاً أن يكون اسم البحث في هذه النازلة :
نازلة المواضعة في الاصطلاح
__________
(1) اللُّغَى : بألف مقصورة في آخرها ، جمع
لكلمة " لُغَة " فكما يقال : لغات ، يقال :
لُغَى أيضاً . وقد استفتح الفيروز آبادي
قاموسه بقوله : (الحمد لله منطق البلغاء
باللُّغَى) . قال شارحه الزبيدي (ويأتي جمع
لغة على لغات ، فيجب كسر التاء في
حالة النصب) . اهـ . وتجمع أيضاً على : لغون .
(1/106)
على خلاف
الشريعة وأفصح اللّغى . وقد أدرتها على مباحث
توقفك رؤسها
على ما وراءها وهي كالآتي :
المبحث الأول : في مصادر الأسباب الإِسلامية
والمصطلحات
العلمية .
المبحث الثاني : في ألقاب هذا الفن .
المبحث الثالث : في حقيقة الاصطلاح : لغة
واصطلاحاً .
المبحث الرابع : في العلاقة بين المعنيين
اللغوي والشرعي .
المبحث الخامس : في أن المواضعات سنة لأهل كل
فن .
المبحث السادس : في الاجتهاد اللغوي .
المبحث السابع : في تاريخ الأسباب الإسلامية
والمصطلحات
الشرعية .
المبحث الثامن : في أنواع المصطلحات .
المبحث التاسع : في طرق المواضعة .
المبحث العاشر : في ضوابط المواضعة على
الاصطلاح .
المبحث الحادي عشر : في فوائد الاصطلاح العلمي
.
المبحث الثاني عشر : في اختلاف أهل الاصطلاح
فيه وأسبابه .
المبحث الثالث عشر : في كشف ضراوة المخالفين
بتغييرهم
لمصطلحات الشريعة .
المبحث الرابع عشر : في العدوان على مصطلحات
الشريعة .
المبحث الخامس عشر : في ضرورة توحيد المصطلحات
.
المبحث السادس عشر : في تقسيم التشريع إلى
أصول وفروع .
المبحث السابع عشر : في ذكر أمثلة لتغيير
المصطلحات .
(1/107)
ولا أدعي أني
أخذت بمجامع هذه النازلة ، وأنلت قارئها من
مباحثها
الطريفة والتالدة ، فإنها واسعة المجال ،
متعددة الأغراض ، مترامية
الأطراف ، لكني عنيت الاقتصاد ، وتباعدت عن
جلب الغدد (1) ، والحديث
__________
(1) من الطريف ، ما سطره ياقوت في معجم
الأدباء 17 / 44 في ترجمة الليث بن
المظفر أنه قال : وأخبرني المنذري أنه سأل
ثعلباً عن كتاب العين ، فقال : ذاك
كتاب مليء " غُدَد " ، قال : وهذا لفظ أبي
العباس ، وحقه عند النحويين ملآن
غُدَداً ، ولكن كان أبو العباس يخاطب العامة
على قدر فهمهم .
قلت : ليس هذا بعذر لأبي العباس فإنه لو قال :
ملآن غُدداً لم يخف معنى
الكلام على صغار العامة ، فكيف وفي مجلسه
الأئمة من أهل العلم ، ثم سائله
الذي أجابه ليس بتلك الصورة ، وإنما عذره أنه
كان لا يتكلف الإعراب في
المفاوضة ، وهي سنة جِلَّةُ العلماء . وأراد
أن في جراب - كذا - العين ، حروفاً كثيرة
قد أزيلت عن صورها ومعانيها بالتصحيف والتغيير
فهي تضر حافظها كما تضر
الغدد آكلها) . اهـ .
ثم ذكرها ياقوت في ترجمة المنذري محمد بن أبي
جعفر المتوفى سنة
329 هـ . 18 / 99 .
وإلى الله الشكوى من تكاثر هذه الغُددِ
الظاهرة في صنعة المفاليس بنفخ
الكتب : " حشداً للنقول وصرفاً لكلام السلف عن
وجهه المراد منه تبريراً لنحلةٍ
فاسدة وآراء شاذة . وكم في هذا من قطع للسبيل
على أهل العلم ، وتمجيد
للمبتدعة ، وتبرير لكلامهم ، وحشر لمقولاتهم
في مصاف أهل السنة وهذا شأن
من لم تتناوله العقيدة السلفية الراشدة بتهذيب
.
وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى
في " مدارج السالكين " : (كلام
المتقدمين قليل كثير البركة ، وكلام المتأخرين
كثير قليل البركة) اهـ .
وكم رأينا من كتاب من كتب السلف في صفحات
معدودات ثم ينشره متعالم
- ليعيش على حسابه - في مئات من الصفحات لا
أثر له فيها بإحسان ، إذ لو قيل =
(1/108)
المعاد . والحر
تكفيه الإشارة وإليه يساق الكلام . واللهُ
المستعان .
وكتب
بكر بن عبد الله أبو زيد
__________
= لكل تعليقة ارجعي إلى مكانك لما بقي له منها
شيء ، وما بقي لكاتبها إلا غلة
يستثمرها ، أو غدة يحتسب نشرها .
(1/109)
المبحث الأول
في مصادر الأسباب الإسلامية والمصطلحات
العلمية
تم الوقوف على أسماء جملة مباركة من المؤلفات
والبحوث في لغة
التشريع الواردة بنص من كتاب أو سنة أو في
المواضعات الشرعية من
علمائها ، فقهية كانت أو غيرها . وسواء في
محيط جمع مفرداتها وشرحها
على اختلاف المذاهب الفقهية ، ولعدد من العلوم
كالطب والفلسفة
والتصوف والكيمياء ونحوها . أم في دائرة
دراسات عن الأسباب الإسلامية
والمواضعات العلمية ، في نشأتها ، وقواعدها ،
وتوحيدها .. .
ولعل أقدم كتاب عني بشرح لغة التشريع وإعطاء
دراسة عنها هو :
كتاب الزينة ، لأبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي
، المتوفى سنة 322 هـ .
وهو أحسن كتاب وقفت عليه في هذا الصدد .
وإن في فواتح كتب أصول الفقه كالإحكام لابن
حزم والإحكام
للآمدي . وفي كتب غريب الكتاب والسنة وفي كتب
اللغة : مباحث مهمة
في هذا ، لا سيما كتب الاشتقاق كالاشتقاق لابن
دريد المتوفى سنة
321 هـ . والاشتقاق والتعريب لعبد القادر
المغربي ، وهما مطبوعان . وكتب
التعريب مثل كتاب : التقريب لأصول التعريب
للشيخ طاهر الجزائري
وغيره ، وفي مجلة (الأصالة) الجزائرية في
عدديها 17 ، 18 لعام
1394 هـ ، وقد خصصا لهذا الغرض .
(1/110)
ولكن الشأن هنا
في هذا المبحث أن أجمع لطالب العلم المؤلفات
المفردة والمباحث المدونة في خصوص لغة التشريع
والأسباب الإسلامية ،
وما يدور في محيط الاصطلاح ولعلوم أخرى . ومن
جلها جعلت مادة كتابي
هذا ، فإلى سياق ما تم الوقوف عليه منها :
1- الحدود : لجابر بن حيان م سنة 200 هـ ،
رسالة تقع في سبع
عشرة صحيفة ، عرض فيها لبعض المصطلحات الطبية
، والكيماوية .
2- الزينة : لأبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي م
سنة 322 هـ .
طبع باسم : كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية
العربية . تحقيق : حسين
ابن فضل الله الهمداني ، في القاهرة عام 1957
م . وطبع منه جزئين في
مجلد محتواهما (345) صفحة ، شرح فيه نحواً من
أربعمائة لفظ . وفي
آخره قال : يتلوه الجز الثالث ، وهذا ما لم
أره . وفي كتاب : حركة
التصحيح اللغوي في العصر الحديث ، لمحمد ضاري
حمادي قال ص :
280 عن هذا الكتاب : (وهو كتاب ضخم منه نسخة
كاملة في مكتبة
المتحف العراقي برقم 178 . وقد أصدر : حسين بن
فيض الله الهمداني ،
جزأين مطبوعين منه عام 1376 هـ . يمثلان القسم
الأول من الكتاب) اهـ .
ويذكر مقدم هذا الكتاب الأستاذ إبراهيم أنيس
في تقديمه له : إن هذا
هو أول كتاب في العربية يعالج دلالة اللفظ
وتطورها ، ويسوق النصوص
والشواهد الصحيحة التي تؤيد ما يقول ، ويرتبها
بعض الأحيان ترتيباً تاريخياً
يتبين للقارئ منه . والله أعلم وقد ذكر مؤلفه
ص / 58 سبب تسميته له
بكتاب الزينة فقال : وسميناه " كتاب الزينة "
إذ كان من يعرف ذلك يتزين
به في المحافل ، ويكون منقبة له عند أهل
المعرفة . اهـ .
(1/111)
3- كتاب
الألفاظ المستعملة في المنطق : للفارابي م سنة
339 هـ .
تحقيق محسن مهدي . دار الشروق - بيروت عام
1968 م .
4- الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي : لأبي منصور
الأزهري م سنة
370 هـ . من مخطوطات دار الكتب بمصر برقم 351
/ لغة .
5- مفاتيح العلوم : لأبي عبد الله محمد بن
أحمد بن يوسف الكاتب
الخوارزمي م سنة 387 هـ . طبع مراراً . وهو
يلي كتاب : الزينة في
الأهمية .
6- الصاحبي : للعلامة المحدث اللغوي ابن فارس
م سنة 395 هـ .
طبع بتحقيق : أحمد صقر ، طبع الحلبي بالقاهرة
. وفيه باب في الأسباب
الإسلامية ص : 86 - 87 وهذا الباب من أهم ما
وقفت عليه في هذا .
7- بحر الجواهر : ذكره التهانوي في كشاف
اصطلاحات الفنون
1 / 1 ، ولم ينسبه .
8- حدود الأمراض في الطب : ذكره التهانوي كذلك
.
9- الحدود في الأصول : لسليمان بن خلف الباجي
المالكي م سنة
474 هـ . وكتابه هذا في حدود ألفاظ أصول الفقه
.
10- السامي في الأسامي : للميداني . م سنة 531
هـ .
11- طَلِبَةُ الطَّلَبة : لعمر بن محمد النسفي
الحنفي م سنة 538 هـ .
وهو في مصطلحات الفقه الحنفي . ومنه نسخة بدار
الكتب المصرية برقم
496 / لغة . وهو مطبوع .
12- بيان كشف الألفاظ : لأبي حامد بدر الدين
محمود بن زيد
اللامشي الحنفي ، نشر في مجلة البحث العلمي
والتراث الإسلامي .
إصدار جامعة أم القرى . العدد الأول عام 1398
هـ . ص (245 - 267) ،
(1/112)
تحقيق : محمد
حسن مصطفى شلبي . وقد ذكر مؤلفها (128) لفظاً
، وذكر
المحقق أنها فصل من كتابه : أصول الفقه .
13- المغرب في ترتيب المعرب : للمطرزي الحنفي
م سنة 610 هـ .
مطبوع .
14- غاية المرام في علم الكلام : للآمدي م سنة
631 هـ . فيه مباحث
اصطلاحية في مواضع منه .
15- النظم المستعذب في شرح غريب المهذب :
لمحمد بن أحمد
ابن بطال الركبي م سنة 633 هـ . طبع في مجلدين
. بمصر عام 1379 هـ .
16- مصطلحات الصوفية : لابن عربي الحاتمي م
سنة 638 هـ . طبع
في آخر كتاب : التعريفات للجرجاني .
ومثل هذا ألا يُفرح به ، وإنما أذكره ونحوه
استطراداً .
17- تهذيب الأسماء واللغات : للنووي الشافعي
رحمه الله تعالى م
سنة 676 هـ مطبوع .
18- المطلع على أبواب المقنع : لمحمد بن أبي
الفتح البعلي
الحنبلي . م سنة 709 هـ . طبع مراراً .
19- شرح اصطلاحات القوم : للقاشاني . م سنة
730 هـ . طبع
بتحقيق محمد كمال إبراهيم جعفر . نشر مركز
تحقيق التراث بمصر . ويقع
في (168) صفحة وعقده في (27) باباً .
20- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير :
لأحمد بن محمد
المقري الفيومي . م سنة 770 هـ ، طبع عام 1398
هـ . في بيروت .
21- إعلام الموقعين 1 / 43 ، 90 ، 107 : لابن
قيم الجوزية . م سنة
751 هـ .
(1/113)
22- مدارج
السالكين : لابن قيم الجوزية ، م سنة 751 هـ ،
1 / 139 ، (2 / 49 ، 78 ، 99 ، 151 ، 173 ،
306) .
23- الصواعق المرسلة : 1 / 284 ، 2 / 510 -
515 : لابن قيم الجوزية .
م سنة 751 هـ .
24- إغاثة اللهفان : لابن قيم الجوزية . م سنة
751 هـ .
(1 / 31 - 32) .
25- الحدود : لابن عرفة المالكي . م سنة 803
هـ وشرحه للرصاع
التونسي . مطبوع . في شرح مصطلحات المذهب
المالكي .
26- كتاب شرح غريب ألفاظ المدونة : تأليف :
الجُبِّي . لم تعرف
ترجمته . تحقيق : محمد محفوظ . نشر : دار
الغرب الإسلامية عام
1402 هـ .
27- غرر المقالة في شرح غريب الرسالة :
المغراوي ، مخطوط . كما
في : ثبت مراجع تحقيق كتاب الجبِّي المذكور
قبله . ص 140 منه .
28- التعريفات : للجرجاني . م سنة 816 هـ .
مطبوع .
29- المزهر في علوم اللغة للسيوطي م سنة 911
هـ : 1 / 294 - 303 .
نقل فيه كلام ابن فارس في الصاحبي .
30- أنيس الفقهاء . لقاسم بن عبد الله القونوي
الحنفي . ت سنة
978 هـ . مطبوع .
31- تحرير التنبيه . للنووي . ت سنة 676 هـ .
طبع .
32- القاموس الفقهي . سعدي أبو جيب . مطبوع .
33- مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية . للقاري .
طبع . إذ جعل في
(1/114)
خاتمة كل باب
تفسير مصطلحات ذلك الباب .
34- الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة : لأبي
زكريا الأنصاري . م
سنة 926 هـ وقد نشر محققاً في مجلة البحث
العلمي والتراث الإسلامي .
إصدار : جامعة أم القرى ، العدد الخامس عام
1402 هـ - 1403 هـ ،
ص / 565 ص 579 .
35- التوقيف على مهمات التعاريف : للمناوي . م
سنة 1031 هـ ،
مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 76 / لغة . ثم
طبع عام 1410 هـ .
36- الكليات : لأبي البقاء الكفوي . م سنة
1094 هـ طبع في
مجلد . ثم طبع في ستة مجلدات بدمشق عام 1981 م
، وهو من المهمات
في هذا الغرض .
37- كشاف اصطلاحات الفنون : للتهانوي . م سنة
1158 هـ ، وقد
طبع كاملاً في ستة مجلدات عام 1278 . ثم صدر
في بيروت . نشر مكتبة
خياط ، بلا تاريخ .
38- جامع العلوم الملقب : بدستور العلماء في
اصطلاحات العلوم
والفنون : لعبد رب النبي بن عبد رب الرسول
الهندي . طبع حيدر أباد عام
1329 هـ - 1331 هـ .
39- السلطة العلمية : لأحمد زكي باشا . م سنة
1353 هـ . وانظر
عنه : مجلة مجمع اللغة بمصر 11 / 145 .
40- المصطلحات العلمية في اللغة العربية في
القديم والحديث :
للأمير مصطفى الشهابي ، طبع بالقاهرة عام 1955
م . وانظر عنه : مجلة
المجمع العلمي بدمشق عام 1932 م .
(1/115)
41- تاريخ آداب
العرب : لمصطفى صادق الرافعي . في الباب الأول
1 / 211 - 212 ، الألفاظ الإسلامية .
42- مفردات فلسفية : لمحمد يوسف موسى في مجلة
لواء الإسلام
(الأزهر) جلد 1 / ص / 23 ، 223 ، 321 ، 709 ،
785 ، وجلد 9 / 900 .
43- الإسلام بين العلماء والحكام : للمقتول
ظلماً الشيخ عبد العزيز
البدري رحمه الله تعالى . ص 61 - 64 .
44- حكم الإسلام في الإشتراكية : له أيضاً ، ص
122 - 149 ، نشر
المكتبة العلمية بالمدينة النبوية .
45- منهاج الإسلام في الحكم : لمحمد أسد ، ص
42 - 56 بعنوان :
المصطلحات والسوابق التاريخية .
46- اصطلاحات كتاب العصر : مقال في مجلة
المنار 1 / 14 - 19 .
47- لغة القانون : لعدنان الخطيب . نشر : حلقة
الدراسات العلمية
بدمشق . وانظر عن : مجلة الأزهر 24 / 116 .
48- معجم أسماء العلوم والفنون والمذاهب
والتنظيم : لعبد العزيز بن
عبد الله المغربي .
49- نحو وعي لغوي : لمازن المبارك . ص 108 -
124 .
50- المصطلحات العلمية قبل النهضة الحديثة :
لضاحي عبد الباقي .
طبع عام 1979 م .
51- مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق : وفيها
بحوث في
(1/116)
الاصطلاح منها
ما يلي :
أ - القضاء ، والزكاة ، والحج : ألفاظ عربية :
لأحمد رضا . جلد 2 عام
1922 م .
ب - اللغة العلمية : محمد جميل الخاني ، جلد 4
عام 1924 م .
ج - الأوضاع الجديدة والاصطلاحات الفنية : عز
الدين التنوخي ، جلد
13 عام 1936 م .
د - أسماء لمسميات حديثة : أحمد رضا ، جلد 16
عام 1941 م .
هـ - تعريب الاصطلاحات العلمية : جميل صليبا ،
جلد 28 عام
1953 م .
52- مجلة مجمع اللغة العربية بمصر :
أ - الاصطلاحات الفقهية : عبد الوهاب خلاف 7 /
235 - 241 .
ب - نشأة المصطلحات الفلسفية في الإسلام :
إبراهيم بيومي مدكور
7 / 261 - 268 .
ب - توحيد المصطلحات : محمد رضا الشبيبي 8 /
131 - 135 .
د - القواعد العامة لوضع المصطلحات العلمية :
محمد كامل حسين .
11 / 137 - 142 .
هـ - مدى حق العلماء في التصرف في اللغة :
إبراهيم بيومي مدكور
11 / 143 - 151 .
(1/117)
و - توحيد
المصطلحات العلمية في البلاد العربية : للأمير
مصطفى
الشهابي 11 / 157 - 164 .
ز - في المصطلحات الإسلامية : محمد يوسف موسى
11 / 209 - 220 .
ح - اللغة والعلوم : محمد كامل حسين 12 / 17 -
30 .
ط - ملاحظات على وضع المصطلحات العلمية :
للأمير مصطفى
الشهابي 12 / 31 - 36 .
ي - العلم : دلالة اللفظ في اصطلاح الفلاسفة
الإسلاميين وأقسام العلم
عندهم : مصطفى نظيف 13 / 19 - 29 .
ك - مصطلحات العلوم في اللغة العربية ، ودور
المجمع فيها : عبد الفتاح
الصعيدي 13 / 209 - 218 .
ل - مشكلة المصطلحات العلمية ، والطريقة
العلمية لحلها : عبد الحليم
منتصر 13 / 203 - 207 .
م - تراثنا القديم من المصطلحات . مظانه ،
ومصادره : محمد رضا
الشبيبي 14 / 53 - 73 .
ن - قضية اللغة في علم القانون : صبحي
المحمصاني 19 / 65 - 69 .
س - لغة العلم : إبراهيم مدكور 20 / 5 - 8 .
ع - أثر المغرب في العلم واللغة : عبد الله
كنون 21 / 21 - 29 .
ف - لغة العلم في الإسلام : إبراهيم مدكور 29
/ 7 - 13 ، 30 / 16 - 20 .
(1/118)
المبحث الثاني
في ألقاب هذا الفن
عُني العلماء بموضوع معاني الألفاظ ، ومن مبلغ
عنايتهم به نرى
المؤلفين منهم في " أحوال العلوم " يشيرون
إليه في مباحث اللغة وعلومها
كما فعل صاحب " مفتاح السعادة " إذ أشار إلى
بعض الكتب المؤلفة في
الاصطلاح في مبحث العلوم التي تتعلق بالألفاظ
فقال في 1 / 125 : (ومما
يختص بلغة الفقهيات . فذكر كتابين هما :
المغرب ، وطَلِبة الطلبة) .
ونتيجة أيضاً لهذه المواطآت الاصطلاحية ، يرى
الناظر في كتب الفنون
عامة قولهم : تعريف هذا اللفظ : لغة وشرعاً أو
: لغة واصطلاحاً .
ولهذا يقول ابن فارس رحمه الله في كتابه :
الصاحبي ص / 86 : (لكل
لفظ اسمان : لغوي ، وصناعي ، ويقصد بالصناعي
الاصطلاحي) .
وهذه المواطآت أو المواضعات الصناعية ، اكتسبت
بعد اسم " علم
المصطلحات " لكثرتها وشيوعها ، في كل علم وفن
وبالتتبع حصل عدد من
ألقاب هذا الفن على ما يلي :
1- الحدود .
2- التعريفات .
3- الاصطلاح أو المصطلحات .
(1/119)
4- لغة العلم .
ويقولون لكل علم لغته : أي مصطلحاته .
5- لغة الفهم ، ويقولون : اللغة لغتان : لغة
التفاهم وهي اللغة العامة .
ولغة الفهم : وهي لغة العلم .
6- السلطة العلمية .
7- علم الدلالة .
8- الأسباب الإسلامية ، كما ذكره ابن فارس في
: الصاحبي ، فعقد
باباً باسم : " باب في الأسباب الإسلامية " .
وعنه السيوطي في : المزهر .
وهذا في خصوص الألفاظ التوقيفية : أي التي ورد
النص الشرعي بها .
9- الشرعيات . كثيراً ما ترى لدى علماء
الشريعة في تعريف ألفاظها
قولهم : وهو " شرعاً " أي في معناه الشرعي وهو
إخراج للشيء عن المعنى
اللغوي إلى الحقيقة الشرعية ، وهي ما تلقى
معناها عن الشارع ، وإن لم
يتلق عن الشارع : سمي اصطلاحاً ، وعرفاً . وقد
غلط جمع من المتأخرين
في عدم الاعتداد بهذا التفريق .
والذي يتعين هو : التزامه فيما ورد به النص من
كتاب أو سنة فيقال
فيه : تعريفه " شرعاً " ولا يقال : " اصطلاحاً
" ، لأن الاصطلاح والمواضعة
عليه إنما تكون من جماعة ، فالقول مثلاً في
لفظ الصلاة تعريفها
اصطلاحاً : هو كذا وكذا . اطلاق فاسد لغة
وشرعاً . وإنما يقال : " تعريفها
شرعاً " . والله أعلم .
10- الأسماء الشرعية .
11- المصطلحات الإسلامية .
12- الألفاظ الإسلامية . ويسمى هذا الفن في
لغة الفرنجة " سيما
(1/120)
سيولوجيا " أو
" سيمانتكس " .
وسيما : بمعنى الإشارة والرمز ، كما في مقدمة
: محقق الزينة ص
15 .
(1/121)
المبحث الثالث
في حقيقة الاصطلاح لغة واصطلاحاً
قال العلماء " لا مشاحة في الاصطلاح "
والمشاحة : الضنة كما في
مادة : شحح . من القاموس وشرحه . وقد ذكر
الشارح هذه القاعدة ولم
يعزها لأحد ، وقال : (ومنه قول بعضهم : لا
مشاحة في الاصطلاح) .
ولم أقف على من قالها ، ولا أول عصر قيلت فيه
، وهي من الكَلِم
الدارج في كلام أهل العلم وعلى ألسنتهم وهي في
الشيوع نحو قولهم :
لا إنكار في مسائل الخلاف .
وقولهم : النادر لا حكم له .
وقولهم : نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر .
وهذا كثيراً ما يلهج به الأصوليون مرفوعاً ولا
أصل له في المرفوع ،
وانظر القول عنه محققاً في : المعتبر للزركشي
ص / 99 مع حاشية حمدي
السلفي .
وقولهم أيضاً : الناس مؤتمنون على أنسابهم .
وهو لا أصل له مرفوعاً ، ويؤثر عن الإمام مالك
رحمه الله تعالى . وههنا
فائدة يحسن تقييدها والوقوف عليها وهو أن هذا
ليس معناه تصديق من
يدعي نسباً قبلياً بلا برهان ، ولو كان كذلك
لاختلطت الأنساب ، واتسعت
(1/122)
الدعوى ، وعاش
الناس في أمرٍ مريج ، ولا يكون بين الوضيع
والنسب
الشريف إلا أن ينسب نفسه إليه . وهذا معنى لا
يمكن أن يقبله العقلاء
فضلاً عن تقريره .
إذا تقرر هذا فمعنى قولهم " الناس مؤتمنون على
أنسابهم " هو قبول
ما ليس فيه جر مغنم أو دفع مذمةٍ ومنقصة في
النسب كدعوى الاستلحاق
لولد مجهول النسب . والله أعلم .
وقاعدة الباب هنا ليست على عمومها ، فلا مشاحة
في الاصطلاح ما لم
يخالف اللغة والشرع ، وإلا فالحجر والمنع .
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى في :
مدارج السالكين 3 / 306 :
" والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن
مفسدة " اهـ .
وهذا نظير قولهم (لا إنكار في مسائل الخلاف)
إذ ليست على عمومها
كما بسطه ابن القيم في الإعلام 3 / 300 - 301
. يبقى ما حقيقة
الاصطلاح : لغة واصطلاحاً . فهذا مما تواردت
فيه الحقيقتان : اللغوية ،
والاصطلاحية . فهو لغة : مصدر اصطلح . وحقيقته
(اتفاق طائفة مخصوصة
على شيء مخصوص) كما في : المعجم الوسيط 1 /
522 ، ومتن اللغة
3 / 478 . والكليات لأبي البقاء 1 / 201 / 202
ولكل علم اصطلاحه .
أو يقال : (اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء
المعنى) كما في
التعريفات للجرجاني ص / 22 . وتاج العروس 2 /
183 وغيرهما .
فالحقيقان إذاً متواردتان .
ونستطيع إذاً أن نكيف حقيقة الاصطلاح في ضوء
ما ذكر أنه : (اللفظ
المختار للدلالة على شيء معلوم ليتميز به عما
سواه) .
(1/123)
ثم ليعلم أن من
هذه الألفاظ الاصطلاحية مالا تثبت دلالته على
وتيرة
واحدة ، بل يعتريها الاستبدال والسعة والضيق
بحيث تتسع مدلولاتها أو
تضيق ، وتختص بمعنى ما - لكن هذا التغير في
نطاق مقاييس اللغة
والشرع . وهذا التطور أيضاً في الألفاظ
المتلقاة بنص من الشارع غير وارد .
ولهذا حصل التفريق في ألقابها فيقال فيما ورد
به نص (حقيقته الشرعية)
ولا يقال (حقيقته الاصطلاحية) . والله أعلم .
(1/124)
المبحث الرابع
في العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي
نمت اللغة العربية في ربوعها فصيحة محكمة تسير
مع حماتها بقدر
سيرهم في حياتهم الفكرية والمدنية ، فلما جاء
الله بالإسلام ظهر للعيان
حكمة اختيارها لغة للقرآن المنزل على قلب
النبي العربي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في
وسط العرب الخلص لساناً ونسباً وداراً فتبدي
من حكمة وضعها ، وقواعد
استعمالها ما يشهد بكونها اللغة الأم للغات
العالم إذ سارت مع المسلمين
في جميع الأعصار والأمصار لغة الدعوة والتبليغ
، والفتح والبيان تسير
معهم حيث ساروا وتنتقل معهم حيثما انتقلوا
وحلوا .. يوم أن كانت على
أيدي رجالها الحماة الكماة العارفين لقدرها
المتشرفين بحملها لم تضق
يوماً ما عما يرد إليها . ومن صادق البرهان
أنها لما دخلت في أمم ذات
علوم وحضارات وجدت في لغتها ما وسع حاجاتها
وعلومها فصارت لسان
كل علم من علومها الشرعية والعربية ، والأدبية
، والصناعية والسياسية ..
وكل ما تريد احتضانه ونقله ، فصار الاصطلاح
لهذا من مظاهر ألفاظها
المنتشر في تراثها ومن هنا جرى تقسيم اللفظ
إلى : لغوي وشرعي ، أو
لغوي وديني وشرعي (1) .
وجرى الخلاف سلفاً وخلفاً في العلاقة بين هذين
القسمين اللفظ
__________
(1) المستصفى للغزالي 1 / 326 - 327 .
(1/125)
بمعناه اللغوي
، واللفظ بمعناه الشرعي هل استعمال اللفظ في
هذا المعنى
الشرعي بطريق النقل لهذا اللفظ من معناه
اللغوي إلى المعنى الشرعي
الاصطلاحي أم بطريق تخصيص اللفظ ببعض ما وضع
له لغة . وذلك
كلفظ : الصلاة والزكاة والصيام ، والحج .
فالصلاة في اللغة مثلاً الدعاء . وفي الشرع :
الركن الثاني من أركان
الإسلام بأفعالها وأقوالها وأوقاتها ومن
مشتملاتها : الدعاء . والذي عليه
الأكثر أن هذا نقل لا تخصيص .
والمهم أن هذه الألفاظ وما جرى مجراها بعد
استعمالها في هذه
الحقائق الشرعية أصبحت لا يفهم منها عند
الإطلاق إلا المعنى الشرعي
على ما اصطلح عليه المسلمون وفهموه منه ،
وأصبح المعنى اللغوي لا
يفهم إلا بقرينة تدل عليه .
وبناءً على هذا الشيوع للمعنى الشرعي في هذه
الألفاظ ، فإن من
القواعد الجارية أن اللفظة ذات المعنى الشرعي
إذا مرت في مساق كلامٍ
ما فإنما تحمل عليه لا على اللغوي إلا بقرينة
. والله أعلم .
(1/126)
المبحث الخامس
في أن المواضعات سنة لأهل كل فن
امتداداً لسنة التطور والارتقاء ، فإن العلوم
الإسلامية على اختلافها
وتنوعها صاحب تقسيمها مصطلحات استقل بها كل
علم واصطلح أهلوه
عليها ، وما زالت تنمو وتزداد حتى صار لها سمة
الظهور ، وبالغ الاهتمام
في كل فن وعلم .
كما تراه لدى : المفسرين ، والمحدثين ،
والفقهاء ، والأصوليين
والكلاميين ، وأرباب علوم الآلة واللسان ،
ونحوهم ، مما تجد فنونهم مرتبة
مشروحة في " أبجد العلوم " وغيره من كتب هذا
الضرب المؤلفة في " أحوال
العلوم " وهذا التعدد وسع دائرة الاصطلاح ،
وأثراها ، وساهم في غزارتها
وارتقائها . فالمواضعات إذاً تمتد بامتداد
العلوم ، وتتأثر بصفاتها من النمو ،
والدقة ، والتنظيم ، وقابلية الامتداد على بعد
المدى . وهذا من أعظم
الدلائل ، وأصدق البراهين على ما امتازت به
اللغة العربية من حيوية
خالدة ، وطاقة هائلة ، تلتهم كل ما يرد إليها
، ولا تضيق بورَّادها .
وهو أيضاً من أصدق الأدلة على عظيم الجهود
المبذولة في خدمة
العلم ، وتذليل صعابه ، وتقريب بعيده ، وجمع
متفرقه من أهل العلم في
كل عصر ومصر . والله أعلم .
(1/127)
المبحث السادس
في الاجتهاد اللغوي
علم بالضرورة أن لغة كل أمة عنصر من عناصر
تكوينها ورقيها وذلك
بقدر التزامها واحتفائها بها ، أو هبوطها
وتدليها بقدر الفوت منها . وأن اللغة
أيضاً تخضع لحياة الأمة ونموها وتتطور بتطورها
، لكن متى وقع زمام ذلك
في أيد أمينة تقودها بحزم وأناة ، وإلا جلبت
لها أمراضاً تنذر بموتها ، وعيوباً
تذهب بمحاسنها .
ولهذا قرر حماتها ، المخلصون لها ، البارزون
في حلائبها أن باب
الاجتهاد اللغوي ما زال نافذاً ، وأمره راشداً
، وأن دعوى إغلاقه لا تُسمع
إلا بدليل يساوي الدليل الذي انفتح به ذلكم
الباب الراشد أولاً .
فالاجتهاد إذاً مقيد بان يكون على يد أهله ،
موزوناً بمقاييس اللغة
المأخوذة من موارد الكلام الفصيح ، لا أن يفرض
على الأمة بما لم يفه
به فصحاؤها وبناتها أو تؤيده قواعد لغتها وسنن
كلامها .
وإلا كان الاجتهاد فيها سبيلاً إلى إفنائها
وإحداث لغة أخرى .
ولهذا وجب على حماتها وحدهم دون من سواهم
تكميل حاجة الأمة
بوضع مصطلحات لما يتجدد من العلوم والفنون مما
تسعه مقاييسها ،
ومعاييرها الدقيقة .
(1/128)
ودراسة أي
مصطلح علمي وافد بوضعه تحت مجهر اللغة
والشريعة
إعمالاً لوصل حاضر الأمة بماضيها ، وكف أي
دخيل عليها في لغتها
وشريعتها .
(1/129)
المبحث السابع
في تاريخ الأسباب الإسلامية ونشأة المصطلحات
الشرعية
للأسماء شأن كبير في الإسلام ، ولهذا قال الله
سبحانه ممتناً على آدم
عليه السلام : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ
كُلَّهَا } .
فالاسم بداية العلم ، والعلم به مفتاح للعلم
بالمسمى . وعصر النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو عصر
التشريع بآية من القرآن الكريم أو سنة من
حديثه الشريف ،
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحكم
نبؤته ورسالته ، وسلطانه في البيان كما في
قوله تعالى :
{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
} ، بين للصحابة رضي الله
عنهم الحقائق الشرعية من الألفاظ اللغوية
التشريعية بياناً شافياً بأقواله
وأفعاله وتقريراته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ .
كما في لفظ " الصلاة " في قوله تعالى : {
وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ } الآية ، فليست الصلاة ما يعرفه
العربي من معناها أنه مطلق
" الدعاء " بل هي عبارة مخصوصة في أوقات
مخصوصة تشتمل على أقوال
وأفعال مخصوصة بيَّنها صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاية البيان وأدقه في قوله
: " صلوا كما رأيتموني
أصلي " .
وكذا في بيانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ للزكاة ، والصيام ، والحج ، وجميع
أحكام التشريع
في الأمر والنهي في قوالبه الشرعية فسبحان من
نقل أفهام العرب وهداها
إلى هذه المعاني التشريعية المقصودة من تلك
الألفاظ العربية التي أريد
(1/130)
بها غير ما
وضعت له .
وفي هذا يقول العلامة ابن فارس رحمه الله
تعالى في كتابه الصاحبي
ص 78 - 86 باب الأسباب الإسلامية ثم ساق ما
نصه :
(كانت العربُ في جاهليتها على إرْثٍ من إرْث
آبائهم في لُغاتهم
وآدابهم ونسائِكهم وقَرَابينهم . فلما جاءَ
الله جلّ ثناؤه بالإسلام حالت أحْوَالٌ ،
ونُسِخَت دِيانات ، وأُبطلت أمورٌ ، ونُقِلت
من اللغة ألفاظ عن مواضعَ إلى
مواضع أخر بزيادات زِيدَت ، وشرائع شُرِعت ،
وشرائط شُرِطت . فعَفّى
الآخرُ الأوّلَ ، وشُغل القوم - بعد
المُغَاوَرَات والتِّجارات وتَطَّلُّب الأرباح
والكَدْحِ للمعاش في رحلة الشِّتاء والصَّيف ،
وبعد الإغْرَام بالصَّيد
والمُيَاسَرة - بتلاوة الكتاب العزيز الذي {
لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَلَا مِنْ
خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }
وبالتَّفقّه في دين الله عز وجل ، وحفظ سنن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، مع اجتهادهم في مُجَاهَدَةِ أعداء الإسلام .
فصار الذي نَشأَ عليه آباؤهم ونَشَؤُوا [ هم ]
عليه كأن لم يكن ، وحتى
تكلَّموا في دقائق الفقه ، وغوامض أبواب
المواريث ، وغيرها من علم
الشريعة وتأويل الوحي بما دُوِّن وحُفِظ حتى
الآن .
فصاروا - بعد ما ذكرناه - إلى أن يُسئل إمامٌ
من الأئمة وهو يخطب
على منبره عن فريضة فَيُفْتي وَيحْسُبُ بثلاث
كلمات . وذلك قول أمير
المؤمنين عليٍّ صلوات الله عليه حين سُئل عن
ابنتين وأبوين وامرأة (صار
ثُمْنُها تُسْعاً) فسميت (المِنْبريَّة) .
والى أن يقول هو صلوات الله عليه على منبره
والمهاجرون والأنصار
متوافرون : " سلوني فوالله ما من آية إلا وأنا
أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم
(1/131)
في سهل أم في
جبل ؟ " وحتى قال صلوات الله عليه - وأشار إلى
ابنيه -
" يا قوم ، استنبطوا مني ومِن هذين عِلْمَ ما
مضى وما يكون ! " وإلى أن
يتكلم هو وغيره في دقائق العلوم بالمشهور من
مسائلهم في الفَرْض وَحده ،
كالمُشْتَركَة ، ومسألة المُباهَلَة
والغَرَّاء ، وأُمّ الفُروخ ، وأمّ الأرَامل ،
ومسئلة
الامتحان ، ومسئلة ابن مسعود ، والأكْدَرِيَّة
. ومُخْتَصَرَةُ زَيْد ، والخَرْقاء ،
وغيرها ممّا هو أغْمَضُ وأدقُّّ .
فسبحان من نقل أولئك في الزمن القريب بتوفيقه
عمّا ألفوه ونشؤوا
عليه وغذُوا به ، إلى مثل هذا الذي ذكرناه .
وكل ذلك دليل على حقّ الإيمان ، وصِحَّةِ
نُبوةِ نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ .
فكان مما جاء في الإسلام - ذكر المؤمن والمسلم
والكافر والفاسق .
وأنَّ العرب إنِّما عَرَفت المؤمن من الأمان
والإيمان وهو التصديق . ثم زادت
الشريعة شَرَائِطَ وأوصافاً بها سُمِّيَ
المؤمن بالإطلاق مُؤْمِناً، وكذلك الإسلام
والمسلم ، إنَّما عَرَفت منه إسلامَ الشيء ،
ثم جاء في الشَّرع مِن أوصافه
ما جاء . وكذلك كانت لا تعرِف من الكُفر إلا
الغِطاء والسَّتْر .
فأما المنافق فاسمٌ جاء به الإسلام لقوم
أبْطَنُوا غير ما أظهروه ، وكان
الأصل من نَافِقَاءِ اليَرْبُوع .
ولم يعرفوا في الفِسْق إلا قولهم : "
فَفَسَقَتِ الرُّطَبَةُ " إذا خرجت من
قِشْرِها ،
وجاء الشرع بأن الفِسق : الإفحاش في الخروج عن
طاعة الله جل ثَناؤه .
وما جاء في الشرع الصّلاة ، وأصله في لغتهم :
الدُّعاء . وقد كانوا
عَرَفوا الركوعَ والسجودَ ، وإن لم يكن على
هذه الهيئة ، فقالوا :
أوْ دُرَّةٍ صَدَفِيةٍ غَوَّاصُها ... بَهِجٌ
، مَتَى يَرَها يُهِلَّ وَيَسْجُد
(1/132)
وقال الأعشى :
يُراوِحُ من صلوات المَلِيكِ ... طَوْراً
سُجُوداً ، وطَوْراً ، جُؤراً
والذي عرفوه منه أيضاً : ما أخبرنا به عليٌّ
عن علي بن عبد العزيز ، عن
أبي عُبَيد قال : قال أبو عمرو : " أسْجدَ
الرجلُ : طأطأ [ رأسه ] وانْحَنَى " . قال
حُمَيْدُ بن ثَوْر :
فُضُولُ أزِمِّتها أَسْجَدَتْ ... سُجُود
النَّصارى لأَرْبَابِهَا
وأنشد :
فقُلْنَ له : أسْجِدْ لِلَيْلَى ، فأسْجَدَا
يعني البعير إذا طأطأ رأسه لِترْكَبَهُ .
وهذا وإن كان كذا ، فإن العرب لم تعرِفه بمثل
ما أتَت به الشريعة من
الأعدادِ ، والمواقيت ، والتَّحريم للصلاة ،
والتحليل منها .
وكذلك الصِّيَامُ ، أصله عندهم : الإمساكُ ،
ويقول شاعرهم :
خيلٌ صيام ، وأُخْرَى غيرُ صَائمةٍ ... تَحْتَ
العَجَاج ، وأخْرى تَعْلكُ الُّلجُمَا
ثم زادت الشريعة النيَّةَ ، وحَظَرَت الأكلَ
والمُبَاشرَةَ ، وغير ذلك من
شرائع الصوم .
وكذلك الحَجُّ ، لم يكن عندهم فيه غير القصد ،
وسَبْوُ الجِرَاح . من
ذلك قولهم :
وأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولاً كثيرةً ...
يَحجُّون سِبَّ الزِّبرِقانِ المُزَعْفَرَا
(1/133)
ثم زادت
الشريعة ما زادته من شرائط الحج وشعائره .
وكذلك الزَّكاة ،
لم تكن العرب تعرفها إلا من ناحية النَّماءِ
وزاد الشرع ما زاره فيها مما لا
وجه لإطالة الباب بذكره .
وعلى هذا سائر ما تركنا ذِكرَه من العُمْرةِ
والجهاد ، وسائر أبواب الفقه .
فالوجه في هذا إذا سُئِل الإِنسان عنه أن يقول
: في الصلاة اسمان
لُغويٌّ وشرعيٌّ ، ويذكر ما كانت العرب تعرفه
، ثم ما جاءَ الإسلام به .
وهو قياسُ ما تركنا ذكرَه من سائر العلوم ،
كالنحو والعروض والشِّعر :
كل ذلك له اسمان لُغوي وصِناعيُّ) اهـ .
ويقول الرازي في كتاب الزينة 1 / 146 - 152 ما
يلي :
فالإسلام هو اسم لم يكن قبل مبعث النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وكذلك أسماء
كثيرة
مثل " الآذان " و " الصلوات " و " الركوع " و
" السجود " لم تعرفها العرب إلى على
غير هذه الأصول ، لأن الأفعال التي كانت هذه
الأسماء لها لم تكن فيهم .
وإنما سَنَّها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [60] وعلَّمها الله إيَّاه . فكانوا
يعرفون " الصلوات " أنها
الدعاء . قال الأعشى في صفة الخمر :
فإن ذُبِحَتْ صلَّي عليها وزَمْزَمَا
أي دعا لها . وعلى هَذا كانت سائر الأسامي .
وقد كانت الصلاة والصيام وغير ذلك في اليهود
والنصارى ، وقد
كانت اليهودية والنصرانية في العرب .
ويقال إن المجوسية لم تكن فيهم على ما ذكره
الرواة . ورووا أن أول
من تمجَّسَ من العرب حَاجب بن زُرَارَة
الدارمي هو وأهل بيته ، ولم
(1/134)
يتمجَّس منهم
أحد قبله قالوا : سَمَّى ابنته دُخْتِنُوس
باسم ابنة كِسْرَى ،
وتَزَوَّجَها ؛ فعُير بذلك . فقال : أو ليست
لي حلالاً في ديني ؟ ثم ندم على
ذلك وأنْشَأ يقول :
لَحا الله دِينَك من أَغْلَفٍ ... يُحلُّ
البَنَاتِ لَنا والخَوَاتِ
أَحَشْتُ على أسْرَتي سَوْءَةً ... وطَوَّقْتُ
جِيليَ بالمُخْزِيَاتِ
وأَبْقَيْتُ في عَقِبي سُبَّةً ... مَشَاتِمَ
يَحْيَيْنَ بعد المَمَاتِ
وروى عن أبي عمرو بن العلاء أن نَسْراً كان
صنماً لبعض حِمْيَر ،
وكانوا فيما يزعمون مجوساً . وهم الذين [
ذُكِروا ] في كتاب الله عز وجل :
{ وَجَدْتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ
لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } . ويقال : إن
بقايا
المجوس الذين كانوا باليمن والبحرين منهم .
ونقول : إن الأعمال التي هي في شريعة الإسلام
قد كان مثلها في
اليهود والنصارى ، ولكن لم يكونوا يُسَمُّونها
بهذه الأسماء ، لأن شرائعهم لم
تكن بلسان العرب فلما جاء الله بالإسلام
وبيَّن هذه الأسماء اقْتدَوا بأهل
الإسلام ، وصاروا عيالاً عليهم فيها ، وقد
عرفيا فضيلة رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإن
كانوا كاتِمين لما كانوا قد عرفوه ، كافرين
بنعمة الله عليهم حسداً وعناداً .
هذا مع قبولهم وقبول سائر الأمم معهم آيات
مُحْكَمَاتٍ وكلمات [61]
بَيِّنَات أتى بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الشريعة لم تعرفها
الأمم . فلمَّا وردت
عليهم قبلوها قبولاً اضطرارياً مع إنكارهم
نبَّوته عليه السلام ، فجبلهم الله
على المعرفة بأحكامها ، وصرف قلوبهم إلى
قبولها والاقتداء بها والإقرار
بفضلها .
فأول ذلك كلمة الإخلاص ، وهو قول : " لا إله
إلا الله " ، هذه كلمة
جعلها مركزاً لدين الإسلام وقطْباً له ولم تكن
الأمم السالفة تقولها على هذا
(1/135)
اللفظ ، وبهذا
الاختصار ، مع ما فيها من الحكمة البالغة ،
واشتمالها على
نَفْي الكفر ، وإثبات التوحيد ، وإزالة الشرك
، ووجوب الإيمان . فلما قالها
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ودعا
الناس إليها ، استعظمت العرب ذلك ، لأنهم
يُسَمُّون أصْنَامهم
آلِهَة ، فقال الله عز وجل حكاية عنهم : {
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا
إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ .
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا
لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ . بَلْ جَاءَ بِالحَقِّ
وَصَدَّقَ المُرْسَلِينَ } يعني جاء بها وهي
الحق . وهي تشتمل على هذه
المعاني التي ذكرناها ، وإلى ذلك دعا
المُرسَلون ، ولكن لم يوردها على
هذا اللفظ بهذا الكمال والاختصار مشتملة على
هذه المعاني . فلما قالها
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَها
أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس ،
وجامَعوه على
الإقرار بها ، وبايَنُوه على الكلمة المقرونة
بها : " محمد رسول الله " فكانوا
على الإقرار بالأولى مؤمنين بالله ، وعلى
إنكارهم الثانية مشركين . قال الله
تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ
بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } .
{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } :
هي أية أنزلها الله على محمد رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وجعلها فاتِحَة
كتابه
وفاتحة كل سورة ، فصار ذلك قُدْوَة لجميع
الأمم قد تَرَاضَوْا بها ، واتبعوا
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
على ذلك ، فجعلوها فاتحة كتبهم مُصَدَّرة في
صَدْر [62]
كل كتاب مُسْتَحْسَنَة عندهم . قد أقَرُّوا
بفَضْلها حتى إن كل كتاب لم يفْتَتح
بها هو عندهم ناقِصٌ مَبْتُور ، مَسْلوبُ
البَهَاء مَهجور ولم يكن ذلك لسائر
الأمم ولا عرفوها إلا ما ذكره الله عزَّ وجلَّ
في كتابه أن سليمان عليه السلام
كتب بها إلى بلْقيس ولم يُدَوِّنها هذا
التدوين ، ولا زَيَّنُوا بها كُتبهم هذا
التزيين ، ولا عرفوا لها الفَضْل المُبِين ،
حتى جاءَ الله بالإسلام ، وأحْكَمَها
على لِسان رسوله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فقَبِلتْهَا الأمم أحسن قبول ،
وصار فَصْلها في
كتبهم أفضل فُصُول .
(1/136)
هذا إلى كلمات
غيرها ، مثل قوله : { الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ
العَالَمِينَ } . وقد
كان فيما قد تَقدَّم من الكتب المُنَزَّلة
تحْميد وتمجيد ، ولكن لم يكن على
هذا الاختصار بهذا اللفظ ، ولم يُدَوَّن هذا
التدوين ، وقوله : { لا حول ولا
قُوَّة إلا بالله العلي العظيم } . وقوله : {
تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ } . وقوله : {
السلام
عليكم } . لم تكن هذه التحيَّة للأمم الماضية
، وهي تحية أهل الجنّة قال
الله تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ
} . وروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :
" أُعْطِيت أمَّتي ثلاث خِصال لم يُعْطها أحد
قبلهم ، صُفُوف الصلاة ، وتحيَّة
أهل الجنَّة ، وآمين ، إلا ما كان من موسى
وهارون ، فقد روى أن موسى
كان يدعو وهارون يُؤمِّن " . وقوله : { إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } .
وقوله : { ما
شَاءَ الله كان } .
قال أبو عبيدة : حدَّثنا مَرْوان بن مُعاوية
عن سُفْيان بن زياد ، قال :
سمعت [63] سعيد بن جبير يقول : ما أعطى {
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
}
و { مَا شَاءَ الله كان } إلا النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ولو أوتيه أحد
لأوتيه يعقوب حين
يقول : { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ }
فهذه الكلمة كلُّها ظهرت في الإسلام على لسان
محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلسان
عربيٍّ ، ولم تكن لسائر الأمم على هذا النظم
العجيب والاختصار الحسن .
فلما وردت عليهم اضطرُّوا إلى قبولها وتدوينها
، والإقرار بفضلهم ، ولفظوا
بها عند وجوب الشكر ، وطلب الصبر ، وفي وقت
الاتِّكال والتسليم لأمر الله
عز وجل ، وعند فاتحة كلامهم وخاتمته ، وعند
كلِّ حادِث نِعْمة ، أو نازِل
مُلمة . وإن كان الأنبياء الماضون صلوات الله
عليهم أجمعين ومن دَرَج من
الصالحين عرفوا معانيها ، فإنهم لم يرْسموها
لأممهم على هذا الرَّسْم على
هذا الكمال والإحكام . وادَّخَرَها الله عز
وجل لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تفضيلاً له
(1/137)
وتشريفاً
لمنزلته ورفعة لدرجته ، وأبرزَها على لسانه ،
فَنَطَقَ بها باللسان
العربي المُبين ، وأحْكَمَهَا في كتابه ،
وجَعَلَها فَضَائِلَ له وَمَناقب لأمته ،
وألْهَمَ جميع الأمم الاقتداء به واتِّباعه
عليه) . اهـ .
وللرافعي في كتابه : " تاريخ الآداب ... " بحث
نفيس عن
المصطلحات في الجزء الأول منه .
هذا هو مجمل الأسباب الإسلامية في عصر النبوة
، وفي عصر الخلفاء
الراشدين التزام الأثر الشريف ، والحفاوة
بمنهجه المنيف .
فاللبنات الأساس ، والمحاور التقعيدية
للتعاريف والاصطلاحات من
حيث المقاصد كامنة في دور التشريع إلا أنه
لصفاء أذهان الصحابة رضي
الله عنهم ، وثاقب فهمهم وسلامة لغتهم ، وسرعة
طاعتهم وانقيادهم للخير ،
ومتابعتهم لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ما كانوا يحتاجون إلى الاستفصال في
كثير من مواطن
الإجمال ، فلما شرع الله الصلاة خمس مرات في
اليوم والليلة و (الصلاة)
عندهم الدعاء ، عرفوا المراد من التشريع بسماع
التنزيل ، ومشاهدة التطبيق
من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لها بأعدادها وأقوالها وأفعالها ، وتروكها
فعرفوا الواجب من
المسنون ، والمحرم من المكروه ، وهكذا في
وقائع التشريع ولغته .
ثم بعد انتقال العلم إلى الأمصار ، وكثرة
الداخلين في دين الإسلام
على اختلاف الأجناس واللغات والبلدان أخذ حفاظ
الشريعة يقربونها
للناس ، ويجمعون متفرق الأحكام في قواعد كلية
، وتعريفات جامعة
مانعة ، فبدأت الصيغ العلمية للتعاريف مستوحاة
من نور التشريع جارية
على قواعد اللغة وسننها ، وهم على اختلاف
تعاريفهم لا تجدهم يختلفون
في قاعدة التعريف ومحوره ، وإنما من حيث بعض
التعريفات ، ودخولها في
مشمول المعرف من عدمه ، وبجانب هذا أخذوا
أيضاً في قسمة هذه
(1/138)
التشريعات على
أحكام خمسة حسب واقع نصوصها من الدلالة
والمفهوم .
وهذا ما دل عليه استقراؤهم بتقسيمها إلى
تكليفي (1) وهو هذه ، وإلى وضعي
وهو ما يشمل : السبب والشرط ، والمانع .
__________
(1) فائدة : من المنتشر في كلام أهل العلم
تسمية أوامر الدين تكليفاً . إذ دين الله
تعالى : أمر ونهي ، والأمر نوعان : أحدهما :
مقصود لنفسه ، والثاني : وسيلة إلى
المقصود . والنهي نوعان : أحدهما : ما يكون
النهي عنه مفسدة في نفسه ، والثاني :
ما يكون وسيلة إلى المفسدة . والتكليفي :
ينقسم خمسة أقسام واجب ومندوب ...
إلخ . والتكليف قسيم للوضعي وهو ما قُسِّم إلى
سبب وشرط ومانع .. وهكذا .
وابن القيم رحمه الله تعالى . وإن كان أطلق
هذه العبارة " التكليف " ، " الحكم
التكليفي " في مدارج كلامه من بعض كتبه
كالإعلام ، وطريق الهجرتين لكنا نجده
في مواضع من إغاثة اللهفان 1 / 31 - 32 ،
ومدارج السالكين 1 / 91 ، وشفاء العليل
ص : 475 ، لا يرتضي هذه التسمية ويقرر أن الله
سبحانه لم يسم أوامره ووصاياه
وشرائعه تكليفاً قط ، بل سماها : روحاً ونوراً
، وشفاء ، وهدى ورحمة ، وحياةً
وعهداً ، ووصية ، ونحو ذلك وأنه لم تأت
تسميتها تكليفاً إلا في مجال النفي كما
في قوله تعالى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } . وقوله : { لَا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا
وُسْعَهَا } ويقرر أيضاً أن تسميتها تكليفاً
في مجال الإثبات أنما كان هذا نتيجة
لمذهب نفاة الحكمة والتعليل الذين يردون الأمر
إلى محض المشيئة ، وصرف
الإرادة وأن القيام بالمأمورات ليس إلا لمجرد
الأمر من غير أن تكون سبباً للنجاة
في المعاش والمعاد ، فليس للأمر صفة اقتضت حسن
الأمر به كما أن النهي ليس
النهي عنه لصفة اقتضت النهي عنه . لهذا سموا
الأوامر تكليفاً أي قد كلفوا بها .
فهذا الاصطلاح إذاً يكون في إطلاقه مجاراة
لأهل البدع في أهوائهم
واصطلاحاتهم . هذا ما يمكن على حد ما قرره
الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى .
وهو بحاجة إلى مزيد من التأمل والبحث فنلفت
إليه الأنظار . ولينظر المبحث
السادس عشر . والله أعلم .
(1/139)
وهكذا أخذت
تنمو وتتطور بتطور الأزمان والأفكار ، ومهما
حصل من
التضاد الصوري في إبرازها اصطلاحاً فإن
الحقيقة هي كما أنزل الله تعالى
وبين رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وصنعة الكلمات لا تخرج في صورتها عن لغة
العرب
وسننها في كلامها .
فكانت خدمة جليلة من علماء الإسلام للإسلام ،
شكر الله سعيهم ،
وأعظم مثوبتهم وأجرهم .
وقد صاحبت هذه اللغة (لغة العلم) التدوين تنمو
بنموه وتتسع دائرتها
بانتشاره ، وقد بدأت التعاريف الاصطلاحية في
القرن الثالث فما بعده ،
وذلك حسبما يظهر في كل باب من أبواب الفقه ،
وفي كل مبحث من
مباحث أصوله وهكذا في سائر العلوم الشرعية .
ومما تقدم يعلم أن لغة الشريعة لم تتكون دفعة
واحدة ، بل مرت بأدوار
متعددة ، وأن نشأتها مصاحبة للتنزيل . ثم أخذت
في نطاق التوسع والنمو
بتطور التفريع الفقهي في الفقهيات مثلاً ونموه
، وهذا يدل على تقدم
الذهن البشري في محيط الزمن ، وأن الشريعة لا
تضيق بواردها وقد أكسب
هذا الارتقاء للمواضعات سمة الظهور في جميع
العلوم ، بل وأفردت
بالتأليف والتدوين .
وما زال العلماء على هذا النحو في المواضعات
وهم يرمون من قوس
واحدة في أصالة الاصطلاح وملاقاته للشريعة
واللغة . وربما دخل بعد في
اصطلاحهم ألفاظ غير عربية تلقيباً لبعض
الواقعات ، لأن وقوعها كان في
أقاليم العجم ويظهر هذا في الفقهيات كالسفتجة
(1) في كتاب البيوع ،
__________
(1) السفتجة : لفظ فارسي ، والمراد به إقراض
شخص مالاً لآخر ليسلمه المقترض
في بلد آخر إلى إنسان آخر وغرضه أن يأمن خطر
الطريق .
(1/140)
والكدك (1) في
باب الإجارة .
لكن تكاثر هذه الظاهرة يكون في مصطلحات العلوم
الأخرى كالفلسفة
والاجتماع ، والكيمياء والطب ، ونحوها ، لأن
هذه العلوم لما ترجمت بعض
كتبها كان المترجمون من مستعربة الأعاجم ، فهو
لعجمتهم وضعف
عربيتهم ترجموا كيفما اتفق لا كيفما يجب أن
يكون ، فعمت البلوى
باستعمال هذه الدوال ، وتداولها بين العلماء
وفي مؤلفاتهم .
ولهذا عيب على صاحب القاموس نقله لكثير من
أسماء النبات
والحيوان ، والعقاقير بالأعجمية .
لكن لا ترى هذا يزيل لقباً شرعياً اصطلح عليه
وهكذا على هذا النهج
والتدرج من التطور من التأليف والتفنن في
الصياغة والتقريب ، وتتابع
النوازل والواقعات تكاثرت الاصطلاحات ،
والتعاريف حتى مثلت ظاهرة
إغناء للعلوم الشرعية ، بما تستحق أن تحمل بعد
اسم (الاصطلاح
الشرعي) .
ومن هنا فإن الناهضين برد الاصطلاح إلى منحاه
الشرعي لن يجدوا
ضيقاً ولا حرجاً في إيجاد البديل له من
الشريعة واللغة . والله المستعان .
__________
(1) الكدك : هو ما يحدثه المستأجر في العين
المستأجرة من بناء وغيره على وجه
القرار .
(1/141)
المبحث الثامن
في أنواع المصطلحات
إن لغة العلم التي يلجأ أهل كل فن إلى
المواضعة عليها تكون
بحسبه ، وبما تتم المواضعة عليه من أهل ذلك
الفن . وقد حصل بالتتبع
أن هذه المصطلحات تتنوع على ما يلي :
أولاً : مصطلح الرمز بالحرف ، كما هو لدى
المحدثين في ألفاظ
التصحيح والتضعيف ، والعزو والتخريج . ومن
قبلهم لدى علماء الجبر ،
والكيمياء والهندسة ونحوها .
ثانياً : مصطلح الأرقام لدى من ذكر في النوع
قبله ولدى المؤرخين
والأخباريين في حروف أبي جاد .
ثالثاً : المواضعات اللفظية صناعة : مفردةً
كلفظ الصلاة والزكاة
ونحوهما ، أو مركبةً مثل : بسم الله الرحمن
الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا
بالله العزيز الحكيم وفي بيانها بسط الرازي في
: الزينة 1 / 149 - 151
القول فيها كما تقدم في المبحث السابع قبله .
(1/142)
المبحث التاسع
في طرق المواضعة
الوصول إلى المواضعة لتكوين المصطلح العلمي
بواحد من طريقين :
الأول : طريق النقل للكلمة من مدلولها الأصلي
إلى مدلول جديد لها
به صلة ليصبح المعنى المتواضع عليه حقيقة
عرفية ، وقد يُنسى من أجله
المدلول القديم كالشأن في ألفاظ أركان الإسلام
العملية الأربعة الصلاة ،
والزكاة ، والصيام ، والحج .
وأجل ألفاظ هذا الطريق ما علم نقله بأصل الشرع
كهذه الألفاظ .
وكلفظ : التوحيد ، ونحو ذلك مما ورد إطلاقه
بنص من القرآن أو السنة .
فهذا هو أصل المواضعات الشرعية ولا خيار لأحد
فيه بتغيير ، أو
تحريف ، أو تبديل .
ثم ما علم بلسان الصحابة رضي الله عنهم فهم
أهل اللسان وأرباب
الفصاحة والبيان ، وأقرب الأمة للشرع علماً
وعملاً .
وذلك مثل المصطلحات التي مرت في كلام ابن فارس
في : الصاحبي
في المبحث الثاني المتقدم .
فلمواضعاتهم حرمتها والتحول عنها من باب
استبدال الأدنى بالذي هو
__________
(1) مجلة مجمع اللغة العربية بمصر 7 / 268 ،
29 / 14 ، 33 / 14 - 22 لغة العلم
لإبراهيم مدكور .
(1/143)
خير . وهكذا في
تطورات الاصطلاح والحقائق الشرعية المسجلة
بأقلام
علماء الإسلام في شتى مراحله ، وبنيت عليها
مؤلفاتهم ، وتأسست عليها
تفريعاتهم .
فاللجوء إليها ، وإحياؤها ، وإخراجها إلى سوق
التداول العلمي : هو
السنن القويم ، والهدي المستقيم وهو من أقوى
عوامل اتصال حاضر الأمة
بماضيها ، وثباتها على دينها .
الثاني : طريق الوضع : ويراد به إيجاد لفظ
جديد لأداء معنى خاص .
وله عدة وسائل أهمها :
النحت ، وهو الكُبَّار من أقسام الاشتقاق :
والاشتقاق هو أخذ كلمة أو
أكثر مع تناسب بين المأخوذ والمأخوذ منه في
اللفظ والمعنى . وأقسامه
أربعة : صغير ، وكبير ، وكبار ، وكبَّار .
والمراد هنا : الكُبَّار ؛ وهو : انتزاع كلمة
من كلمتين أو أكثر مع تناسب
بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى
وتسمى نحتاً (1) .
وثَمَّةَ وسيلة أخرى وهي وسيلة : التعريب ،
وهو نوعان :
تعريب الكلمة : وهو إدخال العرب في كلامها
كلمةً أعجمية .
وتعريب الأساليب : وهو إدخال العرب في
أساليبها أسلوباً أعجمياً .
وهذا الطريق محل خلاف كبير بين أهل اللغة .
وفي مجلة مجمع
اللغة العربية بمصر 1 / 199 - 202 قرار المجمع
فيه . وبعد مقدمة تاريخية
__________
(1) انظر في : التعريب والاشتقاق مجلة مجمع
اللغة 7 / 200 ، 1 / 381 - 393 .
والاشتقاق لابن دريد . والاشتقاق والتعريب
لعبد القادر المغربي .
(1/144)
استقرائية
نافعة منها : أن التعريب سماعي لقلة ما ورد
فيه في اللغة وهو
لا يزيد على بضع مئات من الألفاظ قرر في آخره
قوله : (ولذلك لم يجز
التعريب) .
وأصدر قراره المتضمن إجازة واستعمال بعض
الأعجمي إذا عجز عن
إيجاد مقابل له عربي فاضطر إلى استعماله
اضطراراً وقال : (يجيز المجمع
أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة
على طريقة العرب في
تعريبهم) اهـ .
وهذا هو ما يسمى في علم اللغة الحديث بـ
(الاقتراض) .
(1/145)
المبحث العاشر
(1)
في ضوابط المواضعة على الاصطلاح
تقرر في مباحث العلوم المتعلقة بالألفاظ
اللغوية أن أهم ظواهر اللغة
تنقسم قسمين :
الأول : الظواهر الصوتية . أي المتعلقة بالصوت
.
الثاني : الظواهر الدلالية . أي المتعلقة
بدلالة الألفاظ . ومن الثاني
المواضعات الاصطلاحية ، وقد تقدم أنها باعتبار
ألفاظها منقولة ، وليعلم هنا
أيضاً أنها باعتبار أحكامها معقولة .
وفي خصوص الشرعيات منها يرى وضوح الدلالة
الاصطلاحية
وسهولتها وهذا من توفيق الله سبحانه تحقيقاً
لحفظ الشريعة ويسرها .
ويجد الناظر كذلك أن المعنى الواحد قد تتم
المواضعة عليه
باصطلاحين فأكثر ، وهذا اختلاف صوري يدل على
سعة لغة الضاد ، وأنها
كما قال بعضهم : إن لغة الضاد هي لغة التضاد
بمعنى كثرة المترادف فيها
وسبل الاشتقاق .
ولهذا اشتهر قول بعضهم كما في تاج العروس 2 /
170 في مادة
__________
(1) مجلة مجمع اللغة العربية 11 / 137 - 142 ،
148 - 150 ، 12 / 26 وكتاب : علم
اللغة لعلي وافي ص : 265 .
(1/146)
شحح (لا مشاحة
في الاصطلاح) والمشاحة : الضِّنَّة ، والنزاع
.
ويمكن تكييف ضوابط المواضعة الصناعية بأمرين
هما :
الأول : تنزيل المواضعات على مقاييس اللغة
العربية وقواعدها لتحقيق
سلامة المفردات ، وصحة الدلالة ، وباستقامة
تأليف المركبات منها على
وجه مقبول في لسان العرب ونسجها .
الثاني : تنزيلها على مقاييس الشريعة وقواعدها
حتى تثبت على قرارة
اليقين منها . والله أعلم .
(1/147)
المبحث الحادي
عشر
في فوائد الاصطلاح العلمي
لأهمية المصطلحات العلمية يمكن أن يقال : إن
تاريخ العلوم تاريخ
لمصطلحاتها ، وأنه لا حياة لعلم بدونها ،
وعلمية الاصطلاح في العلوم
كعلمية الاسم على المولود في إيضاح المقصود ،
وتحديد المفهوم .
وقد علم أن مصطلحات كل علم توجد معه أو بعده
بالضرورة ، فيسعى
العلماء حين وجود الشيء إلى تسميته فتتم على
أساس من العلاقة بين
اللغة والاصطلاح .
فالمصطلحات إذاً ضرورة علمية ، ووسيلة مهمة من
وسائل التعليم
ونقل المعلومات ، وقد أصبحت لضرورتها تمثل
جزءاً مهماً في المناهج
العلمية ، مساعدة على حسن الأداء ، ودقة
الدلالة وسرعة الاستحضار ،
وتقريب المسافة ، وتوفير المجهود في الإلمام
بالمتون . وفيها جمع أفكار
المتعلمين على دلالات واضحة . وهي ملتقى
للعلماء في تناقل أفكارهم
ومداركهم . وعلى أساسها يقوم التأليف والنشر .
وبالجملة فالاصطلاح عملة نافقة بواسطتها يبدأ
التعليم ، وينتشر العلم
وتلتقي أفكار العلماء ويخطو التأليف والتدوين
، وينتفع الخلف بمجهود من
سلف .
وإنه بقدر ما يتم من ثبات وحفاوة ودقة يكون
توفر هذه المنافع وعلى
النقيض عند كسر العملة ، وكساد السكة ، والله
المستعان .
(1/148)
المبحث الثاني
عشر (1)
اختلاف أهل الاصطلاح فيه وأسباب التحول عنه
طبيعة أي علم من العلوم أو لغة من اللغات
جريان الخلاف فيها ،
وقد اختلف أهل الاصطلاح في مصطلحاتهم ، وما
زال ينمو بنمو هذا الفن
إلا أنه مهما بلغ فإنه قليل ، ثم إن هذا
القليل اختلافه اختلاف تنوع لا
تضاد ثم قد يكون منه اختلاف من جهة التقسيم
بالبسط أو الاختصار ومن
أمثلة ذلك لدى الأصوليين ، اختلافهم في مصطلح
الدلالات فنجد
الاختلاف بين المذهبين الحنفي والشافعي فيها :
فالحنفية تُقَسِّمُها إلى
دلالة لفظية ، ودلالة غير لفظية وتوسعوا في
التقسيم لكل منهما . فانقسمت
دلالة اللفظ عندهم إلى :
عبارة النص ، وإشارة النص ، ودلالة النص ،
واقتضاء النص . وهكذا .
وأما الشافعية فالدلالة تنقسم إلى : منطوق ،
ومفهوم ، والمنطوق إلى
صريح ، وغير صريح ، والمفهوم إلى مفهوم موافقة
ومفهوم مخالفة وهكذا ،
أو في الفروع في ألقاب بحوثه ومسائله لدى
الفقهاء مثلاً :
عقد السَّلَم : سماه بعضهم عقد السلف .
__________
(1) مجلة مجمع اللغة العربية 19 / 65 - 69
قضية اللغة في علم القانون لصبحي
المحمصاني . والمجلة أيضاً 8 / 131 - 132 :
توحيد المصطلحات للشبيبي .
(1/149)
وعقد المضاربة
: سمي عقد القراض .
وعقد الإجارة : سمي عقد الكراء .
وهكذا في تنوع الاختلاف في المصطلح الواحد ،
لكن هذا الاختلاف
إما أن يكون مما سطر لدى الفقهاء بين مذهبين
فأكثر ، وقد يكون في
المذهب نفسه .
أو يكون اختلافه إقليمياً لعادة عرفية قولية
أو فعلية . أو يكون تحت
تأثير وطأة القوانين الوضعية في البلاد
العربية الإسلامية . وقد أعمل هذا
في بعض الرسائل الجامعية ، والبحوث الطوعية ،
وفي سن القوانين والأنظمة
في هذه البلدان . ولم تستطع التخلص من أوضارها
إلا فيما ندر .
أو يكون لمداخلة العجمة تحت وطأة السلطان
الأعجمي كما هو
الحال في الأنظمة المتأخرة في أخريات الدولة
العثمانية حتى أصبح
الدخيل على مصطلحات هذه البلاد يغالب الأصيل
من لغتها العربية وحتى
من لهجتها المحلية ولا يزال سريانها جارياً
رغم محاولات الإصلاح بإحلال
المصطلحات الأصلية محل المصطلحات الدخيلة إلى
غير ذلك من أنواع
الاختلاف سوء في تسمية المشروع نفسه ، كتسميته
بالقانون ، أو المدونة
أم المجلة ، أم أسماء عناصره التي يتكون منها
مثل : أحكام البيوع تسمى
بالمعاملات ، أو القانون المدني . أو الموجبات
، أو مجلة الالتزامات أو في
أسماء مفرداتها الفقهية وهي من الكثرة بمكان
مثل حق الانتفاع ، وحق
الاستثمار والجنسية ، والرعوية ، والتابعية ،
وحافظة النفوس . إلى غير ذلك
من أنواع الاختلاف .
ومهما كانت جوانبه متعددة ومتنوعة فإنه بتنزيل
المختلف فيه على اللغة
(1/150)
العربية
بمقاييسها والشريعة بقواعدها يزول الاختلاف
ويتوحد الاصطلاح
وانظر المبحثين في (توحيد المصطلحات) و
(العدوان على مصطلحات
الشريعة) .
(1/151)
المبحث الثالث
عشر
في أن تغيير مصطلحات الشريعة
من ضراوة المخالفين لها
قال الزبيدي في : تاج العروس 1 / 99 (من
بَغُضَ اللسان العربي أداه
بغضه إلى بغض القرآن وسنة الرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك كفر صراح ،
وهو الشقاء
الباقي . نسأل الله العفو) . اهـ .
إذاً فما يبغض لسان العرب إلا من يبغض جنسهم
وعنصرهم وفي
بغض جنسهم يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه
الله تعالى في اقتضاء
الصراط المستقيم (وقد حكي الإجماع على أن بغض
جنس العرب كفر
أو سبب يؤدي إلى الكفر) اهـ .
وعليه فإن من ينابذ أسماء الشريعة ومصطلحاتها
. مستبدلاً لها
بمصطلحات وافدة من أمم الكفر والعدوان ، فهو
على خطر عظيم ولا يبرر
صنيعه حسن نيته ، فليتق الله أقوام خذلوا
أمتهم : أمة القرآن ، تحت
شعارات زائفة من التطور والحضارة ، والرقي ،
والتقدم ، والمرونة ، ومراعاة
روح العصر ، ومسايرة الركب ، وأن هذه أسماء
والأسماء لا تغير الحقائق ،
فهي قشور ، والمقصود سلامة اللباب ، إلى غير
ذلك من شعارات التذويب ،
والتهالك ، وما يزالون كذلك حتى يخرجون من
اللباب كما خرجوا من
القشور - على حد قولهم - نسأل الله العافية ،
وحسن العاقبة .
(1/152)
وإن هذا التغير
في الظاهر والصورة والشكل هو عربون للفتنة في
الحقيقة والمضمون .
فعلى أهل الإسلام اليقظة والحذر . والسير على
السَّنَنِ الأقوم ،
والمنهج الأرشد من هدي الشريعة ودلها في أمرها
ونهيها ، واعتبار
مقاصدها ، وليكونوا على حذر عظيم من مجارات
أهل الأهواء والبدع ،
والوقوع في الفتن المرققة للدين والمنابذةِ
لشريعة رب العالمين .
وليعلموا أن للمخالفين ضراوة أشد من ضراوة
السباع الكاسرة ، وأنه
يداخل أهل الإسلام أقوام ما هم منه دأبهم
إدباب الفساد في جسم الإسلام
النامي ، ولا يحقرون من الوقيعة شيئاً . وأن
من سَننهم جلب فاسد
الاصطلاح والرمي به بين المسلمين ، فيكسون
الحق بلباس الباطل وهذا
نصف الطريق ، ثم ينخرون في الحقيقة بالتغيير ،
والتبديل والتحريف ،
والتأويل حتى تُضْحي قضايا الشرع من شرع منزل
إلى شرع مبدل أو
مؤول .
وعليهم أن يفهموا جيداً أن العصمة بقدر ما هي
في حقائق الشريعة
فهي في ألفاظها ودوالِّها ، ولهذا فإن العلامة
ابن القيم رحمه الله تعالى عقد
الفائدة التاسعة من فوائد المفتي وإرشاداته في
: " إعلام الموقعين "
4 / 170 - 172 إذا دعا المفتي إلى الاعتصام
بلفظ الشارع ما أمكنه وأنا
أسوقه بتمامه لنفاسته وهذا نصه :
" الفائدة التاسعة : ينبغي للمفتي أن يفتي
بلفظ النص مهما أمكنه ؛ فإنه
يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فهو
حكم مضمون له الصواب ،
متضمن للدليل عليه في أحسن بيان ، وقول الفقيه
المعين ليس كذلك ،
وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين
سلكوا على منهاجهم يتحرون
ذلك غاية التحري ، حتى خلفت من بعدهم خُلُوف
رغِبوا عن النصوص ،
(1/153)
واشتقوا لهم
ألفاظاً غير ألفاظ النصوص ، فأوجب ذلك هجر
النصوص ،
ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي به
النصوص من الحكم والدليل
وحسن البيان ، فتولد من هجران ألفاظ النصوص
والإقبال على الألفاظ
الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من
الفساد ما لا يعلمه إلا الله ،
فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من الخطأ
والتناقض والتعقيد
والاضطراب ولما كانت هي عهد (*) الصحابة
وأصولهم التي إليها يرجعون
كانت علومهم أصَحَّ من علوم مَنْ بعدهم ،
وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل
من خطأ مَنْ بعدهم ، ثم التابعون بالنسبة إلى
مَنْ بعدهم كذلك ، وهلم
جرا ، ولما استحكم هجران النصوص عند أَكثر أهل
الأهواء والبِدَع كانت
علومهم في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد
والاضطراب والتناقض ، وقد
كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذا سئلوا عن مسألة يقولون : قال
الله كذا ،
قال رسول الله كذا ، أو فعل [ رسول ] الله كذا
، ولا يعدلون عن ذلك ما
وجدوا إليه سبيلاً قط ، فمن تأمل أجوبتهم
وجدها شفاء لما في الصدور ،
فلما طال العهد وبَعُد الناس من نور النبوة
صار هذا عيباً عند المتأخرين
أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه قال الله ،
وقال رسول الله . أما أصول
دينهم فصرحوا في كتبهم أن قول الله ورسوله لا
يفيد اليقين في مسائل
أصول الدين ، وإنما يحتج بكلام الله ورسوله
فيها الحشوية والمجسِّمة
والمشبهة ، وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من
اختصر لهم بعض المختصرات
التي لا يذكر فيها نص عن الله ولا عن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا
عن الإمام الذي
زعموا أنهم قلدوه دينهم ، بل عمدتهم فيما
يفتون ويقضون به وينقلون به
الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال
على قول ذلك المصنف ،
وأجلهم عند نفسه وزعيمُهم عند بني جنسه مَنْ
يستحضر لفظ الكتاب ،
ويقول : هكذا قال ، وهذا لفظه ؛ فالحلال ما
أحله ذلك الكتاب والحرام
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة : في "إعلام
الموقعين" لابن القيم : [هي عصمة عهدة
الصحابة]
(1/154)
ما حرمه ،
والواجب ما أوجبه ، والباطل ما أبطله ،
والصحيح ما صححه .
هذا ، وأنى لنا بهؤلاء في مثل هذه الأزمان ،
فقد دفعنا إلى أمر تضج منه
الحقوق إلى الله ضجيجاً ، وتعج منه الفروج
والأموال والدماء إلى ربها
عجيجاً ، تبدل فيه الأحكام ويقلب فيه الحلال
بالحرام ، ويجعل المعروف
فيه أعلى مراتب المنكرات ، والذي لم يشرعه
الله ورسوله من أفضل
القربات ، الحقُّ فيه غريبٌ ، وأغرب منه من
يعرفه ، وأغرب منهما من يدعو
إليه وينصح به نفسَه والناس ، قد فلق بهم فالق
الإصباح صُبْحَه عن غياهب
الظلمات وأبان طريقه المستقيم من بين تلك
الطرق الجائرات ، وأراه بعين
قلبه ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه مع ما عليه أكثر
الخلق من البدَع
المضلات ، رفع له علم الهداية فشمر إليه ،
ووضح له الصراط المستقيم
فقام واستقام عليه ، وطوبى له من وحيد على
كثرة السكان ، غريب على
كثرة الجيران ، بين أقوام رؤيتهم قذَى العيون
، وشَجَى الحلوق ، وكرب
النفوس ، وحُمَّى الأرواح وغم الصدور ، ومرض
القلوب ، وإن أنصفتهم لم
تقبل طبيعتهم الإنصاف ، وإن طلبته منهم فأين
الثريّا من يد الملتمس ، قد
انتكست قلوبهم ، وعمي عليهم مطلوبهم ، رَضُوا
بالأماني ، وابتلوا
بالحظوظ ، وحصلوا على الحرمان ، وخاضوا بحار
العلم لكن بالدعاوي
الباطلة وشقائق الهذيان ، ولا والله ما ابتلت
من وَشَلِهِ أقدامهم ، ولا زكت
به عقولهم وأحلامهم ، ولا ابيضت به لياليهم
وأشرقت بنوره أيامهم ، ولا
ضحكت بالهدى والحق منه وجوه الدفاتر إذا بُلّت
بمداده أقلامهم ، أنْفَقُوا
في غير شيء نفائس الأنفاس ، واتبعوا أنفسهم
وحيروا من خلفهم من
الناس ، ضيعوا الأصول ، فحرموا الوصول ،
وأعرضوا عن الرسالة ، فوقعوا
في مَهَامه الحيرة وبيداء الضلالة .
والمقصود أن العصمة مضمونة في ألفاظ النصوص
ومعانيها في أتم
(1/155)
بيان وأحسن
تفسير ، ومَنْ رام إدراك الهدى ودين الحق من
غير مِشْكَاتها فهو
عليه عسير غير يسير " .
ثم في مقابلة هؤلاء طائفة أخرى تسعى لتبديل
الأحكام والحقائق
الشرعية بجب الحقائق الفاسدة وتبريرها
بالأسماء الشرعية ليسارع
المسلمون إلى تقبلها ، والوقوع في شركها
كتسمية الربا (قرضاً) ، وتسميته
(ضماناً) وتسميته (فائدة) ونحو ذلك .
وهؤلاء لهم سلف في الماضين وقد حذر منهم النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكشف سوء
فعلتهم بقوله عليه الصلاة والسلام " يشرب ناس
من أمتي الخمر يسمونها
بغير اسمها " .
وفي بسط هذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى
في : " إعلام الموقعين
3 / 127 - 130 " .
" وما مَثَلُ من وقف مع الظواهر والألفاظ ولم
يُرَاعِ المقاصدَ والمعاني
إلا كَمثَل رجل قيل له : لا تسلم على صاحب
بِدْعةٍ ، فَقبَّل يده ورجله ولم
يسلم عليه ، أو قيل له : اذهب فاملأ هذه
الجرةَ ، فذهب فملأها ثم تركها
على الحوض وقال : لم تقل ايتني بها ، وكمن قال
لوكيله : بع هذه السلعة ،
فباعها بدرهم وهي تساوي مائة ، ويلزم منْ وقف
مع الظواهر أن يصحح
هذا البيع ويلزم به الموكل ، وإن نظر إلى
المقاصد تناقض حيث ألقاها في
غير موضع ، وكمن أعطاه رجل ثوباً فقال : والله
لا ألبسه لما [ له ] فيه من
المنة ، فباعه وأعطاه ثمنه فقبله ، وكمن قال :
والله لا أشرب هذا الشراب ،
فجعله عقيداً أو ثَرَدَ فيه خبزاً وأكله ،
ويلزم منْ وقف مع الظواهر والألفاظ
أن لا يحد مَنْ فعل ذلك بالخمر ، وقد أشار
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى
أن من الأمة
مَنْ يتناول المحرم ويسميه بغير اسمه فقال : "
ليشربَنَّ ناسٌ من أمتي الخمر
(1/156)
يسمونها بغير
اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ،
يخسف
الله بهم الأرض ، ويجعل منهم القردة والخنازير
" رواه أحمد وأبو داود ، وفي
مسند الإِمام أحمد مرفوعاً : " يشرب ناس من
أمتي الخمر يسمونها بغير
اسمها " وفيه عن عُبادة بن الصامت عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يشرب
ناسٌ من أمتي
الخمر باسم يسمونها إياه ".
وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي أمامة يرفعه : "
لا تذهب الليالي
والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها
بغير اسمها " قال شيخنا
رضي الله عنه : وقد جاء حديث آخر يوافق هذا
مرفوعاً وموقوفاً من حديث
ابن عباس : " يأتي على الناس زمانٌ يستحل فيه
خمسة أسوياء بخمسة
أشياء : يستحلون الخمر باسم يسمونها إياه
والسحت بالهدية ، والقتل
بالرهبة ، والزنا بالنكاح ، والربا بالبيع)
وهذا حق ؛ فإن استحلال الربا باسم
البيع ظاهر كالحيل الربوية التي صورتها صورة
البيع وحقيقتها حقيقة الربا ،
ومعلوم أن الربا إنما حرم لحقيقته ومفسدته لا
لصورته واسمه ، فَهَبْ أن
المرابي لم يسمه رباً وسماه بيعاً فذلك لا
يخرج حقيقته وماهيته عن نفسها .
وأما استحلال الخمر باسم آخر فكما استحلَّ من
استحل المسكر من
غير عصير العنب وقال : لا أسميه خمراً ، وإنما
هو نبيذ ، وكما يستحلها
طائفة من المُجَّان إذا مزجت ويقولون : خرجت
عن اسم الخمر ، كما يخرج
الماء بمخالطة غيره له عن اسم الماء المطلق ،
وكما يستحلها من يستحلها
إذا اتخذت عقيداً ويقول : هذه عقيد لا خمر ،
ومعلوم أن التحريم تابع
للحقيقة والمفسدة لا للاسم والصورة ، فإن
إيقاع العداوة والبغضاء والصد
عن ذكر الله وعن الصلاة لا تزول بتبديل
الأسماء والصورة عن ذلك ، وهل
هذا إلا من سوء الفهم وعدم الفقه عن الله
ورسوله ؟ وأما استحلال السحت
(1/157)
باسم الهدية -
وهو أظهر من أن يذكر - كرشوة الحاكم والوالي
وغيرها ، فإن
المرتشي ملعون هو والراشي ، لما في ذلك من
المفسدة ، ومعلوم قطعاً
أنهما لا يخرجان عن الحقيقة ، وحقيقة الرشوة
بمجرد اسم الهدية ، وقد
علمنا وعلم الله وملائكته ومن له اطلاع على
الحيل أنها رِشْوَة .
وأما استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسميه
وُلاة الجور سياسة
وهيبة وناموساً وحرمة للملك فهو أظهر من أن
يذكر . وأما استحلال الزنا
باسم النكاح فهو الزنا بالمرأة التي لا غَرَضَ
له أن يقيم معها ولا أن تكون
زوجته ، وإنما غرضه أن يقضي منها وَطَرَه ، أو
يأخذ جُعْلاً على الفساد بها ،
ويتوصل إلى ذلك باسم النكاح وإظهار صورته ،
وقد علم الله ورسوله
والملائكة والزوج والمرأة أنه محلل لا ناكح ،
وأنه ليس بزوج ، وإنما هو
تيس مستعار للضِّراب بمنزلة حمار العشريين .
فيالله العجب ! أي فرق في نفس الأمر بين الزنا
وبين هذا ؟ نعم هذا
زنا بشهود من البشر ، وذلك زنا بشهود من
الكرام الكاتبين كما صرح به
أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وقالوا : لا يزالان زانيين وإن
مكَثَا عشرين سنة إذا
علم الله أنه إنما يريد أن يحللها ، والمقصود
أن هذا المحلل إذا قيل له :
هذا زنا ، قال : ليس بزنا ، بل نكاح ، كما أن
المرابي إذا قيل له : هذا رباً ،
قال : بل هو بَيع ، وكذلك كل من استحل محرماً
بتغيير اسمه وصورته كمن
يستحل الحشيشة باسم الراحة ، ويستحل المعازف
كالطنبور والعود والبربط
باسم يسميها به ، وكما يسمي بعضهم المغني
بالحادي والمطرب والقوال ،
وكما يسمى الديوث بالمصلح والموفق والمحسن ،
ورأيت من يسجد لغير
الله من الأحياء والأموات ويسمي ذلك وَضْعَ
الرأس للشيخ ، قال : ولا أقول
هذا سجود ، وهكذا الحيل سواء ، فإن أصحابها
يعمدون إلى الأحكام
(1/158)
فيعلقونها
بمجرد اللفظ ، ويزعمون أن الذي يستحلونه ليس
بداخل في لفظ
الشيء المحرم ، مع القطع بأن معناه معنى الشيء
المحرم ، فإن الرجل إذا
قال لمن له عليه ألف : اجعلها ألفاً ومائة إلى
سنة بإدخال هذه الخرقة
وإخراجها صورةً لا معنى ، لم يكن فرق بين
توسطها وعدمه ، وكذلك إذا
قال : مكنيني من نفسك أقْضِ منك وَطَراً يوماً
أو ساعة بكذا وكذا ، لم
يكن فرق بين إدخال شاهدين في هذا أو عدم
إدخالهما وقد تواطئا على
قضاء وطر ساعة من زمان .
ولو أوْجَبَ تبديلُ الأسماء والصور تبدلَ
الأحكام والحقائق لفسدت
الديانات ، وبدلت الشرائع ، واضمحل الإسلام ،
وأي شيء نَفَعَ
المشركين تسميتهم أصنامَهم آلهةٌ وليس فيها
شيء من صفات الإلهية
وحقيقتها ؟ وأي شيء نَفَعهم تسمية الإشراك
بالله تقرباً إلى الله ؟ وأي شيء
نَفَع المعطلين لحقائق أسماء الله وصفاته
تسميةُ ذلك تعظيماً واحتراماً ؟ وأي
شيء نفع نُفَاة القدر المخرجين لأشرف ما في
مملكة الرب تعالى من
طاعات أنبيائه ورسله وملائكته وعباده عن قدرته
تسمية ذلك عدلاً ؟ وأي
شيء نَفَعهم نفيهم لصفات كماله تسمية ذلك
توحيداً ؟ وأي شيء نفع أعداء
الرسل من الفلاسفة القائلين بأن الله لم يخلق
السماوات والأرض في ستة
أيام ولا يحيي الموتى ولا يبعث مَنْ في القبور
ولا يعلم شيئاً من الموجودات
ولا أرسل إلى الناس رسلاً يأمرونهم بطاعته
تسمية ذلك حكمة ؟ وأي شيء
نفع أهل النفاق تسمية نفاقهم عقلاً معيشياً
وقَدْحُهم في عقل من لم ينافق
نفاقهم ويُدَاهن في دين الله ؟ وأي شيء نفع
المَكَسةَ تسمية ما يأخذونه
ظلماً وعدواناً حقوقاً سلطانية وتسمية أوضاعهم
الجائرة الظالمة المناقضة
لشرع الله ودينه شرع الديوان ؟ وأي شيء نفع
أهل البدَعِ والضلال تسمية
(1/159)
شبههم الداحضة
عند ربهم وعند أهل العلم والدين والإيمان
عقليات
وبراهين ؟ وتسمية كثير من المتصوفة الخيالاتِ
الفاسدةَ والشطحات حقائق ؟
فهؤلاء كلهم حقيق أن يتلى عليهم : { إِنْ هِيَ
إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
سُلْطَانٍ } " انتهى والله أعلم .
(1/160)
المبحث الرابع
عشر
في العدوان على مصطلحات الشريعة
إن حفاوة الأمة والتزامها بمصطلحاتها عنوان
لعزتها ، ومفتاح
لاستقلالها ، وأداة بناءة في سبيل وحدتها
وأصالتها ، وحصانة لكيانها تقاوم
عوامل الانحلال ، والتفكك ، والتحدي لكل وافد
عليها في هذا المجال ،
من هجنة في اللسان ، وإقراف في المعان ،
ومنابذة لشريعة الإسلام .
وقد تكرر في التاريخ أكثر من مرة (1) : أن
الأمة إذا ضعفت ودب فيها
الوهن انطوت تحت سلطان الغالب ودانت له
بالتبعية الماسخة منصهرة في
قالبه وعاداته ابتغاء مرضاته ، وهكذا قل في
أمتنا اليوم فإنها لاستقبال كل
__________
(1) كثر كلام المحدثين في مدى صحة هذا التعبير
، وكقولهم : " زرتك أكثر من مرة " .
وأجمع بحث رأيته هو مقال للشيخ العلامة عبد
الرحمن تاج شيخ الأزهر رحمه الله
تعالى بعنوان : " أكثر من واحد " في مجلة مجمع
اللغة بمصر 28 / 16 - 22 بسط
القول فيه ، وأقام عليه أكثر من دليل ، وأن
هذا من أساليب القرآن الكريم ، كما
في قوله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالة أو
امرأة وله أخ أو أخت فلكل
واحد منهما السدس . فإن كانوا أكثر من ذلك فهم
شركاء في الثلث } الآية . ثم
قال رحمه الله تعالى : (فإن قوله سبحانه فإن
كانوا أكثر من ذلك : معناه الذي لا
يصح خلافه هو : فإن كانوا أكثر من أخ واحد ،
أو أكثر من أخت واحدة ولا يجرؤ
أحد أن يقول : إن معناه فإن كانوا أكثر من
الاثنين الأخ والأخت معاً ، وذلك أن
كلمة " أو " في الآية هي للدلالة على أحد
الشيئين ، وليست للدلالة على الاثنين
جميعاً) اهـ .
(1/161)
وافد أجنبي
عنها أسرع إليه من قالة السوء إلى أهلها ، بل
تبدي التباهي
وإظهار الفخار ، وأن هذا من علائم التقدم
والرقي ومن أسوء مظاهر
التبعيات الماسخة في جو تلكم الأهواء الهادرة
منابذة مصطلحات الشريعة ،
والإجهاز عليها بمصطلحات دخيلة مرفوضة لغة
وشرعاً ، وحساً ومعنى .
وما علم المتهافتون عليها أن وأد مصطلحاتهم
أقبح من وأد أمتعتهم
وأموالهم . ولكن :
وإذا الفساد عرا المزاج فإنه ... يجد الدواء
لديه عين الداء
وما ابتليت الأمة بشيء مثل ابتلائها بإهدار
لغتها والزوال عن سننها
والحيدة عن معانيها وفي مقدمتها مواضعاتها
الشرعية ، فاستبعدت أسماء
الشريعة المطهرة ، الواردة في التنزيل ، وسنة
النبي الكريم وعلى لسان
صدور الأمة من الصحابة فمن بعدهم من أساطين
العلماء ونجوم الهدى
واستبدل بكل هذا لغة القانون المختلق المصنوع
، وهي لغة إلى اللغو
أقرب ، بل يقصر عن وصف قصورها ، وعجمتها ،
وسماجتها يراع كل بليغ :
فبالله كيف تحولت تلك العقول من رفيع العزة
والمكانة إلى حضيض الذلة
والمهانة :
أخذت بالحجة رأساً أزعراً ... وبالثنايا
الواضحات الدردرا
وفد أضحى من سوالب هذا العدوان غربة مصطلحات
الشريعة في
ديار الإسلام ، واستحكام الانفصام بين المسلم
وتراثه الأثيل .
يقول أبو الأعلى المودودي في كتابه : تدوين
الدستور الإسلامي
ص / 9 - 10 في بيان أن غرابة المصطلحات
الشرعية على أهل هذا العصر
تُكوِّن عائقاً دون التدوين فقال تحت عنوان :
(1/162)
غرابة
المصطلحات :
(المشكلة الأولى جاءت من جهة اللغة ، وبيان
ذلك أن الناس عامةً في
هذا الزمان ، قليلاً ما يتفطنون لما ورد في
القرآن وفي كتب الحديث والفقه
من المصطلحات عن الأحكام ، والمبادئ الدستورية
، ذلك بأن نظام
الإسلام السياسي قد تعطل فينا منذ أمدٍ غير
يسير ، فلا يكاد اليوم يسمع
بتلك المصطلحات . ففي القرآن الكريم كثير من
الكلمات نقرؤها كل يوم
ولكن لا نكاد نعرف أنها من المصطلحات
الدستورية ، كالسلطان ، والملك
والحكم ، والأمر ، والولاية ، فلا يدرك مغزى
هذه الكلمات الدستوري
الصحيح إلا قليل من الناس . ومن ثم نرى كثيراً
من الرجال المثقفين
يقضون عجباً ويسألوننا في حيرة إذا ذكرنا لهم
الأحكام الدستورية في
القرآن : أو في القرآن آية تتعلق بالدستور
والواقع أنه لا داعي إلى العجب
لحيرة مثل هؤلاء الأفراد ، فإن القرآن ما نزلت
فيه سورة سميت بالدستور
ولا نزلت فيه آية بمصطلحات القرن العشرين) .
اهـ .
هذا في خصوص مصطلحات الشريعة في جانب واحد من
جوانبها ،
وأما العدوان على جوانبها الأخرى خاصة في
القضاء والإثبات وعلى
المواضعات اللغوية وفي أسماء العلوم ، والفنون
الأخرى والصناعات ،
وأنواع التجارات .. فتضيق عليها دائرة الحصر ،
وتنتهي دونها أرقام
الحاسبين .
ومن مبلغ هذه التجاوزات والاعتداءات الأثيمة
أن نفثة مولدة استشراقية
تنال من الأمة فرداً فرداً في كل دار وفي كل
قطر - سرت في عقولنا وتراثنا
سريان الماء في العود حتى في علية الأمة من
العلماء المفكرين ، وهي
ذلكم الاصطلاح الحادث (الجنس السامي) بدلاً من
المواضعة الأصيلة
(1/163)
المحددة (الجنس
العربي) . وهذا الاصطلاح (الجنس السامي) . لم
يمض
عليه من العمر سوى 200 عام تقريباً على لسان
المستشرقين ، منتزعين له
من : سفر التكوين . فقالوا : (الشعوب السامية)
وللغتها (اللغة السامية) .
وقد سرى إلى الأمة بعد اختلاقه وهو لا يستند
إلى علم أثيل ولا يلجأ
فيه إلى ركن شديد .
ولهذه المواضعة أبعادها الانتحارية لأخلاق
الجنس العربي وعاداته
ومقوماته ، وأخيراً تسلط خفي على النبوة
والرسالة وحكمة بعث الرسول
محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
خصوص العرب لا من عمل الساميين وهي تسمية من
حيث
تاريخها مبنية أيضاً على المغالطة والمكابرة
فقد ورد اسم العرب في: كتب
اليونان والرومان ، وأشعار العهد القديم قبل
البعثة المحمدية بنحو من ألف
ومائتي عام تقريباً .
فهذه التسمية الحديثة الأعجمية الوافدة تحكم
لا تمت إلى العلم
والواقع بشيء .
وهؤلاء وغيرهم يعلمون أن سام بن نوح (1) انحدر
منه : العرب والروم ،
__________
(1) ههنا ضابط في النسب قيدته من تقرير شيخنا
محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
تعالى حين قراءتي عليه في كتاب : القصد والأمم
لابن عبد البر :
عُرْفُ سامٍ وحامٌ سَبَقَا ... ويافثٌ صِيتٌ
فكن محققاً
فهذا يضبط ذرية ولد نوح فقوله : " عرف " العين
للعرب ، والراء للروم ، والفاء
للفرس ، وهؤلاء ذرية سام بن نوح . وقوله : "
سبقا " السين للسودان ، والباء للبربر ،
والقاف للقبط . وهؤلاء ذرية : حام بن نوح .
وقوله : " صيت " الصاد للصقالبة ، والياء :
يأجوج ومأجوج ، والتاء للترك وهؤلاء
ذرية يافث بن نوح .
(1/164)
والفرس ، فهذه
الأمم الثلاث هم الساميون فانظر إلى هذه
التسمية (الجنس
السامي) كيف يسوى فيها بين الماء والخشب ،
والتبر والتبن أيجعل الفرس
كالعرب !! .
فيقال إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من الأمة السامية ، وأن القرآن نزل
بلغة الساميين !!
وأني لأدعو المسلمين بما دعا إليه الأستاذ
محمد عزه دروزه في مقال له
مهم نشر في مجلة الأزهر (لواء الإسلام) جلد 33
ص / 297 - 304 بعنوان
(قولوا الجنس العربي لا السامي) :
" وإني لأناشد علماءنا ومؤرخينا ، وكتابنا أن
يعيروا هذا الأمر عنايتهم ،
وأن يتبنوه ، وأن يحلوا اسم الجنس العربي محل
: اسم الساميين ، في
الإشارة إلى سكان جزيرة العرب ومن هاجر منها
في القرون القديمة :
فيساعدوا بذلك على توثيق الصلة بين تاريخ
جنسنا القديم والحديث ،
وواقعنا الراهن بما هو الأولى والأصح ويحبطوا
مكر الماكرين أعداء قومنا
وبلادنا ، ويبثوا في ناشئتنا على اختلافهم
شعور الفخار بجنسهم العظيم
الذي كان أول من حمل مشاعل الحضارة والهداية
ثم ظل يحمل ليهتدي
بها الناس في مشارق الأرض ومغاربها) . اهـ .
وليس بعيداً عن هذا الاصطلاح الأثيم (الجنس
السامي) ذلكم الزفير
المتأجج من الدعوات القومية المفرقة من دعوتهم
للمسلمين بالشعب . وهل
الشعب إلا تشعب وفرقة ، وتسميتهم لهم بالجمهور
والمجتمع وما هو إلا
تجمع يصدق على كل تجمع من أهل كل ملة ومن أي
أمةٍ حتى من البهيم
والبهائم وثالثة الأثافي (المواطن والمواطنون)
فغاب أمام هذا (المسلمون ،
المؤمنون ، المتقون) هو سماكم المسلمين من قبل
، وفي هذا فهل من
متيقظ للتخلص من هذا الحداء الذي لا يطرب
الأمة بل يهينها ويضيع
(1/165)
ماهيتها
وجوهرها ؟ . وكم رأينا تلقيب جملة كبيرة من
ديار الإسلام باسم
(الشرق الأوسط) والمقصود به قاعدته منبع
الرسالة لمحو علميتها عن
الأسماع في إسلامها وعروبتها ! إلى غير ذلك من
الألقاب المضللة
والمنتجة لعملية خصاء للذاكرة الإسلامية
العربية . فيالله كم ضربوا بقرونهم
صخرة العروبة والإسلام !!
ألا إن هذا الغطاء الوافد على المصطلحات
الإسلامية ، يمثل في
عدوانه على انتزاعها بذور الفلسفة والمنطق
اليوناني في إفساد الفكر
الإسلامي . وبذور الشعوبية البغيضة في مسخ
العرب من مكانتهم ، وبذور
المذاهب المادية في الانقلاب على الدين وأنها
هي البديل الحتمي ،
وبذور النزعات العرقية كالقومية العربية ،
والبعثية التي أغرقت في عصبيتها
المنتنة . وقد انتهى بأكثرهم المطاف حتى خرجوا
من العروبة والإسلام معاً .
وما علم أولئك الأغمار أن هذا الضرب من
العصبية قد أسقط النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رايته . وأنه الإسلام وحده . وهذا لا يعني
إغفال شأن العرب والمحافظة
على جنسهم ، ونقاء نطفهم ، وصفاء أنسابهم
(فالعصبية ممقوتة والمحافظة
مطلوبة) كما قرره الإمامان الحافظان ابن تيميه
وابن حجر رحمهما الله
تعالى في آخرين من أهل العلم ، وإلى غير هذه
البذور المهينة من
بذور الحرب ، والعداء ، والإغارة ، والتوهين
الفكري في سلسلة متصلة
ومتلاحقة يمسك بها الجزارون من طرف وذوو
الفسالة (المنافقون) من
طرف آخر . مستغلين مناخ الفرقة وانكسار الوحدة
، وانفصام عرى العزة ،
بإدباب وميض نار الفتنة بين صفوف المسلمين من
غير دخان ، ودس
كلمات تتفجر في عقل الأمة وفكرها من غير صوت .
وكل جنود الإغارة هؤلاء ينزعون من قوس واحدة
ويدقون على وتر واحد
(1/166)
هو القضاء على
المسلمين بكل مقوماتهم .
وبالجملة فهذه الظاهرة العدوانية ، والحملة
المسعورة تمثل شوكة في
الظهر ، ووصمة عار في الجبين ، وثغرة ينال
العدو ما كان يرجوه الغرب
من التفات المسلمين إلى تغيير مجريات حياتهم
على نحو ما هم عليه
حقيقة وشكلاً ، وبالتالي تفتيت الإسلام عن
طريق تطويره محققاً غرضين
له (1) :
أحدهما : الانفصام بين المسلم وتراثه ليقطع
تفكيره في شريعة الله .
وإذا فقد المسلم قاعدته التي ينطلق منها أضحى
محلاً قابلاً
للأطماع ، والتموجات الفكرية .
ثانيهما : تفكيك الوحدة الإسلامية .
وهل نشدان الوحدة اليوم وعلى هذه الحال إلا
سعي وراء السراب ؟؟ .
__________
(1) الإسلام والحضارة العربية ص : 151 .
(1/167)
المبحث الخامس
عشر (1)
في ضرورة توحيد المصطلحات في الولايات
الإسلامية
يسعى بناة دار الإسلام إلى ترسيخ وحدة الأمة
الإسلامية وبذل
العوامل في سبيلها ، وإنه لذلك ولقوة عوامل
الاتصال بين العوالم الإسلامية
وتعددها حتى أصبحت على اختلاف أقطارها وتباعد
ديارها كالمدينة
الواحدة : ينبغي بذل الخطى الجادة لتوحيد
المصطلحات العلمية ، وتداولها
رسمياً ومدرسياً وتكثيف نشرها والدعوة إليها ،
وفي ذلك : شد لآصرة
الوحدة الإسلامية . ودفع للبلبلة والالتباس .
وإيناس لغربة الأبدان عند
الارتحال بوحدة الأفكار واللسان في الاصطلاح .
والحاكم في ذلك : لغة
العرب ، وقواعد الشريعة .
وهذا التوحيد غير عسير في هذا العصر الذي
تمهدت فيه من أسباب
العلم ما لم يكن في غيره . ولنا في مجامع
الفقه ومجامع لغة العرب :
عظيم المأمول .
ولكن بعد إرساء سلطان الحاكمية لشريعة الإسلام
على كراسي القضاء
بين العباد .
أما إن عدم السعي لذلك فإنه نتيجة لمواطن
الاختلاف في الاصطلاح
يبقى عملة كاسدة غير متداولة وتتعرض للكساد من
حين لآخر . وكم رأينا
__________
(1) مجلة اللغة العربية بمصر 8 / 131 توحيد
المصطلحات . لمحمد رضا الشبيبي ،
11 / 157 - 162 توحيد المصطلحات العلمية في
البلاد العربية لمصطفى الشهابي .
(1/168)
نتيجة لذلك
مصطلحاً مات من حين استهل وليداً .
وَحُمَادَى القول : إن الاصطلاح شعار للأمة
فلا بد من توحيد شعارها
تثبيتاً لقواعد وحدتها .
وإنه يتعين السعي الحاث لذلك ، والمصابرة في
سبيله ، وليعلم
السالكون لهذه الجادة أنه سيصادفهم في الطريق
كُدية (1) ، لكن التسلح
بالتقوى يحيل تلكم الكدية بإذن الله كثيباً
مهيلاً .
ولنا بعد الله في ذوي العقول النيرة ،
والقرائح المتوقدة عظيم المأمول
في تحقيق ذلك ، وإخراجه من مراتع الأماني إلى
تحقيق العزمات ولتجاوز
الشكوى من البلوى إلى حمل لواء الإسلام
والنزول به في ساحة الجلاد
وبعثاً للإسلام في منهاجه المتكامل وتخلصاً من
سقط المتاع العقلاني في
كل ضروبه وأشكاله .
ولاستنهاض ذوي الألباب يقول بشار معدود في
الشعراء :
إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبه لها عمراً ثم
نم
وحتى لا نكون كما قال أبو تمام :
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم
يزل مهزولاً
__________
(1) الكُدية : بالضم الأرض الصلبة ، وفي مكة
جبل مشهور باسم " كُدى " بضم
الكاف . وآخر ممدود بفتح الكاف " كَداء " .
وفي الهدي النبوي أن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل
مكة من كَداء بالفتح ، وخرج من طريق كُدى .
بالضم ، ولهذا أهل مكة يقولون :
" ادخل وافتح واخرج وضم " .
(1/169)
المبحث السادس
عشر
في تقسيم التشريع إلى أصول وفروع
انتشر في كلام أهل العلم أن أحكام الشريعة
منقسمة إلى أصول
وفروع ، ويقصدون بالأصول : ما يتعلق بالتوحيد
وأمور الاعتقاد . وبالفروع :
فقه أحكام أفعال العبيد ، وشيخ الإسلام ابن
تيميه رحمه الله تعالى كشف
لنا في فتاويه 23 / 346 - 347 منشأ هذا
التقسيم ، وأنه من تَفَعُّلِ المعتزلة ،
ويقرر رحمه الله تعالى : أن الاعتقاد لموجب
النصوص وما تمليه الشريعة
في مساق واحد من حيث لزوم الاعتقاد ، وداعي
الامتثال ، وأن التقسيم
منقوض بعدم الحد الفاصل .
وقد أنحى المقبلي في العلم الشامخ ص / 529 على
من قال : الخلاف
في الفروع سهل ، وما جرى مجرى ذلك مما تجده
منتشراً اليوم ، بل
تحول إلى مقولة هزيلة بحيث أوردوا قولهم (هذا
قشور وذاك لباب) ويعنون
بالقشور : المسائل الفقهية الدائرة في محيط
الاستحباب أو الكراهة ، ونحو
ذلك من أمور التحسينات والحاجيات .
ونجد ابن القيم رحمه الله تعالى في " الأعلام
" 4 / يسوق العتاب على
لسان السلف رحمهم الله تعالى ، لسلف هؤلاء
الذين إذا سُئل الواحد منهم
عن حكم فقهي قال : هذا سهل ، يقصد به تخفيف
شأنه والله تعالى يقول :
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا
} .
وللإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا
مبحث مطول مهم لم تر
(1/170)
العيون مثله
(1) وذلك في " مختصر الصواعق المرسلة " 2 /
509 - 516 فيقول
في مبحث حجية خبر الواحد ما نصه :
(المقام الخامس : إن هذه الأخبار لو لم تفد
اليقين فإن الظن الغالب
حاصل منها ، ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات
بها كما لا يمتنع إثبات
الأحكام الطلبية بها فما الفرق بين باب الطلب
وباب الخبر بحيث يحتج
بها في أحدهما دون الآخر وهذا التفريق باطل
بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل
تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات كما
تحتج بها في الطلبيات
العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن
الخبر عن الله بأنه شرع كذا
وأوجبه ورضيه ديناً ، فشرعه ودينه راجع إلى
أسمائه وصفاته ، ولم تزل
الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث
والسنة يحتجون بهذه الأخبار
في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ،
ولم ينقل عن أحد منهم
البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام
دون الأخبار عن الله
وأسمائه وصفاته .
__________
(1) لطيفة بديعة عقدها الشيخ البنوري رحمه
الله تعالى في كتابه : نفحة العنبر ص :
227 - 229 أن هذه اللفظة " لم تر العيون مثله
" أول من قيلت فيه هو : عثمان بن
سعيد الدارمي رحمه الله تعالى ، قالها فيه أبو
الفضل الفرات كما في : اجتماع
الجيوش الإسلامية . ثم القشيري م سنة 465 هـ .
ثم قيلت في حق الغزالي م سنة
505 هـ . ثم الموفق بن قدامة م سنة 682 هـ ،
قالها فيه ابن الحاجب المالكي ،
ثم ابن دقيق العيد سنة 702 هـ قالها فيه ابن
سيد الناس ، ثم شيخ الإسلام
ابن تيميه رحمه الله تعالى م سنة 728 هـ ثم
المزي م سنة 742 هـ قالها فيه
الذهبي ، ثم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى م
سنة 852 هـ انتهى باختصار .
وقالها الذهبي أيضاً في المعافي بن عمران م
سنة 185 هـ كما في السير 9 / 80 .
(1/171)
فأين سلف
المفرقين بين البابين ، نعم سلفهم بعض متأخري
المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله
ورسوله وأصحابه ، بل
يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب
بالكتاب والسنة وأقوال
الصحابة ، ويحيلون على آراء المتكلمين ،
وقواعد المتكلفين ، فهم الذين
يعرف عنهم التفريق بين الأمرين ، فإنهم قسموا
الدين إلى مسائل علمية
وعملية وسموها أصولاً وفروعاً وقالوا الحق في
مسائل الأصول واحد ، ومن
خالفه فهو كافر أو فاسق .
وأما مسائل الفروع فليس لله تعالى فيها حكم
معين ولا يتصور فيها
الخطأ وكل مجتهد مصيب لحكم الله تعالى الذي هو
حكمه ، وهذا التقسيم
لو رجع إلى مجرد الاصطلاح لا يتميز به ما سموه
أصولاً مما سموه
فروعاً ، فكيف وقد وضعوا عليه أحكاماً وضعوها
بعقولهم وآرائهم (منها)
التكفير بالخطأ في مسائل الأصول دون مسائل
الفروع ، وهذا من أبطل
الباطل كما سنذكره (ومنها) إثبات الفروع
بأخبار الآحاد دون الأصول وغير
ذلك ، وكل تقسيم لا يشهد له الكتاب والسنة
وأصول الشرع بالاعتبار فهو
تقسيم باطل يجب إلغاؤه .
وهذا التقسيم أصل من أصول ضلال القوم فإنهم
فرقوا بين ما سموه
أصولاً وما سموه فروعاً ، وسلبوا الفروع حكم
الله المعين فيها ، بل حكم
الله فيها يختلف باختلاف آراء المجتهدين ،
وجعلوا ما سموه أصولاً من
أخطأ فيه عندهم فهو كافر أو فاسق ، وادعوا
الإجماع على هذا التفريق ،
ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة
المسلمين ولا عن أحد من
الصحابة والتابعين ، وهذا عادة أهل الكلام
يحكون الإجماع على ما لم يقله
أحد من أئمة المسلمين ، بل أئمة الإسلام على
خلافه ، وقال الإمام
(1/172)
أحمد : من ادعى
الإجماع فقد كذب ، أما هذه دعوى الأصم وابن
علية
وأمثالها يريدون أن يبطلوا سنن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يدعونه
من الإجماع .
ومن المعلوم قطعاً بالنصوص وإجماع الصحابة
والتابعين وهو الذي
ذكره الأئمة الأربعة نصاً أن المجتهدين
المتنازعين في الأحكام الشرعية
ليسوا كلهم سواء ، بل فيهم المصيب والمخطئ ،
فالكلام فيما سموه
أصولاً وفيما سموه فروعاً ، ينقسم إلى مطابق
للحق في نفس الأمر وغير
مطابق ، كانقسام الاعتقاد في باب الخبر إلى
مطابق وغير مطابق ، فالقائل
في الشيء حلال والقائل حرام في إصابة أحدهما
وخطأ الآخر كالقائل إنه
سبحانه يُرى ، والقائل أنه لا يُرى في إصابة
أحدهما وخطأ الآخر ، والكذب
على الله تعالى خطأ أو عمد في هذا كالكذب عليه
عمداً أو خطأ في
الآخر ، فإن المخبر يخبر عن الله أنه أمر بكذا
وأباحه ، والآخر يخبر أنه نهى
عنه وحرمه ، فأحدهما مخطئ قطعاً .
(فإن قيل) الفرق بينهما أنه يجوز أن يكون في
نفس الأمر لا حلالاً
ولا حراماً ، بل هو حلال في حق من اعتقد حله ،
حرام في حق من اعتقد
تحريمه .
(قيل) هذا باطل من وجوه عديدة ، وقد ذكرناها
في كتاب المفتاح وغيره
(منها) إنه خلاف نص القرآن والسنة وخلاف إجماع
الصحابة وأئمة الإسلام
(ومنها) أن يكون حكم الله تعالى تابعاً لآراء
الرجال وظنونها . (ومنها) أن
يكون الشيء الواحد حسناً قبيحاً مرضياً لله
مسخوطاً له محبوباً له مبغوضاً .
(ومنها) أنه ينفي حقيقة حكم الله في نفس الأمر
. (ومنها) أن تكون الحقائق
تبعاً للعقائد ، فمن اعتقد بطلان الحكم المعين
كان باطلاً ، ومن اعتقد
صحته كان صحيحاً ، ومن اعتقد حله كان حلالاً ،
ومن اعتقد تحريمه كان
(1/173)
حراماً ، وهذا
القول كما قال فيه بعض العلماء : أوله سفسطة ،
وآخره
زندقة ، فإنه يتضمن بطلان حكم الله تعالى قبل
وجود المجتهدين ، وإن الله
لم يشرع لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حكماً أمره به ونهاه عنه . (ومنها)
إن حكم الله يرجع
إلى خبره وإرادته ، فإذا أراد إيجاب الشيء
وأخبر به صار واجباً ، وإذا أراد
تحريمه وأمر بذلك صار حراماً ، فإنكار أن يكون
لله حكم إنكار لخبره
وإرادته وإلغاء لتعلقهما بأفعال المكلفين .
(ومنها) إنه يرفع ثبوت الأجرين للمصيب ،
والأجر للمخطئ ، فإنه لا
خطأ في نفس الأمر عندهم ، بل كل مجتهد مصيب
لحكم الله تعالى في
نفس الأمر . (ومنها) أنه يبطل أن يوافق أحد
حكم الله تعالى ، فليس لقول
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى الملك "
معنى ، ولا
لقوله : وإن سألوك أن تنزلهم على حكم الله فلا
تفعل فإنك لا تدري
أتصيب حكم الله تعالى فيهم أم لا معنى ، ولا
لقوله : " إن سليمان سأل
ربه حكماً يصادف حكمه فأعطاه إياه " معنى ،
ولا لقوله : { فَفَهَّمْنَاهَا
سُلَيْمَانَ } معنى ، إذ كل منهما حكم بعين
حكم الله تعالى عندهم ، ولا
لقوله : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ،
وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر "
معنى .
وأيضاً فهذا إجماع من الصحابة ، قال الصديق في
الكلالة : " أقول
فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله ، وإن كان
خطأ فمني ومن الشيطان والله
بريء منه ورسوله " ، وقال عمر لكاتبه : " اكتب
هذا ما رآه عمر ، فإن يكن
صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأ فمن عمر " ،
وقال في قضية قضاها : " والله
ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأه " ، ذكره أحمد
.
وقال علي لعمر في المرأة التي أرسل إليها
فأجهضت ذا بطنها وقد
(1/174)
استشار عثمان
وعبد الرحمن فقالا ليس عليك ، إنما أنت مؤدب
فقال له
علي : إن كانا اجتهدا فقد أخطآ ، وإن لم
يجتهدا فقد غشاك : عليك الدية
فرجع إلى رأيه ، واعترف علي رضي الله عنه
بخطئه في خبر صفين وندم
على ذلك وكان مجتهداً فيه .
وقال ابن مسعود في قصة بروع : " أقول فيها
برأيي ، فإن يكن صواباً
فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان
والله بريء منه ورسوله " ، وقال
ابن عباس " أو لا يتقي الله زيد يجعل ابن
الابن ابناً ولا يجعل أبا الأب
أباً ، وقال : من شاء باهلته في العول " ،
وقالت عائشة لأم ولد زيد بن أرقم
" أخبري زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن
يتوب " ، وقال
ابن عباس وقد ناظروه في مسألة متعة الحج
واحتجوا عليه بأبي بكر وعمر :
" أما تخشون أن تنزل عليكم حجارة من السماء ،
أقول : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
وتقولون قال أبو بكر وعمر " ، وكان ابن عمر
يأمر بالتمتع فيقولون له إن أباك
نهى عنه فقال : " أيهما أولى أن يتبع كتاب
الله أو كلام عمر " .
وقال عمران بن حصين " نزل بها القرآن وفعلناها
مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال
رجل برأيه ما شاء " ، يعرض بعمر ، وقال ابن
الزبير لابن عباس في متعة
النساء " لئن فعلتها لأرجمنك فجرّب إن شئت " .
وقال علي لابن عباس
منكراً عليه إباحة الحمر الأهلية ومتعة النساء
" أنك امرؤ تائه " ، أي تهت
عن القول الحق ، وفسخ عمر بيع أمهات الأولاد
وردهن حبالى من تستر ،
وفسخ حكم الصديق في استرقاق نساء أهل الردة
وكان يضرب عن الركعتين
بعد العصر وكان أبو طلحة وأبو أيوب وعائشة
يصلونها ، فتركها أبو طلحة
وأبو أيوب مدة حياة عمر خوفاً منه ، فلما مات
عاوداها .
وقال ابن مسعود لما طلب منه موافقة أبي موسى
في مسألة بنت ابن
(1/175)
وأخت ، فأعطى
البنت النصف والأخت النصف : لقد ضللت إذا وما
أنا من
المهتدين ، فجعل القول الآخر الذي جعله
المصوبة صواباً عند الله
ضلالاً ، وهذا أكثر من أن يحيط به إلا الله
تعالى .
وأيضاً فالأحاديث والآيات الناهية عن الاختلاف
في الدين المتضمنة
لذمه كلها شهادة صريحة بأن الحق عند الله واحد
، وما عداه فخطأ ، ولو
كانت تلك الأقوال كلها صواباً لم ينه الله
ورسوله عن الصواب ولا ذمه .
وأيضاً فقد أخبر الله تعالى أن الاختلاف ليس
من عنده وما لم يكن
من عنده فليس بالصواب ، قال تعالى : { وَلَوْ
كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } وهو وإن كان في
اختلاف ألفاظه فهو يدل على أن ما
اختلفت معانيه ليس من عند الله ، إذ المعنى هو
المقصود .
وأيضاً فإذا اختلف المجتهدان فرأى أحدهما
إباحة دم إنسان ، والآخر
تحريمه ورأى أحدهما تارك الصلاة كافرا مخلداً
في النار ، والآخر رآه مؤمناً
من أهل الجنة ، فلا يخلو إما أن يكون الكل
حقاً وصواباً عند الله تعالى
في نفس الأمر ، أو الجميع خطأ عنده ، أو
الصواب والحق في واحد من
القولين ، والآخر خطأ ، والأول والثاني ظاهر
الإحالة وهما بالهوس أشبه
منهما بالصواب ، فكيف يكون إنسان واحد مؤمناً
كافراً مخلداً في الجنة وفي
النار . وكون المصيب واحداً هو الحق وهو منصوص
الإمام أحمد ومالك
والشافعي ، كما حكاه أبو إسحاق في شرح اللمع
له أن مذهب الشافعي
أن المصيب واحد ، وهذا قوله في القديم والجديد
.
قال القاضي أبو الطيب وليس عنده مسألة تدل على
أن كل مجتهد
مصيب ، وأقوال الصحابة كلها صريحة أن الحق عند
الله في واحد من
الأقوال المختلفة وهو دين الله في نفس الأمر
الذي لا دين له سواه .
(1/176)
وليس الغرض
استقصاء هذه المسألة ، بل المقصود أن الخطأ
يقع
فيما سموه فروعاً كما يقع فيما جعلوه أصولاً
فنطالبهم بفرق صحيح بين ما
يجوز إثباته بخبر الواحد من الدين وما لا يجوز
، ولا يجدون إلى الفرق
سبيلاً إلا بدعاوٍ باطلة ، ثم نطالبهم بالفرق
بين مسائل الأصول والفروع وما
ضابط ذلك ، ثم نطالبهم بالفرق بين ما يأثم أهو
إثم كفر أو فسوق وما لا
يأثم جاحده ، ونطالبهم بالفرق بين ما المطلوب
منه القطع اليقيني ، وما
يكتفي فيه بالظن ولا سبيل لهم إلى تقرير شيء
من ذلك البتة . قال
الجويني وقد تكلموا في الفرق بين الأصول
والفروع فقالوا : الأصل ما فيه
دليل قطعي والفرع بخلافه .
قلت : وهذا يلزم منه الدور فإنه إذا قيل لا
تثبت الأصول إلا بالدليل
القطعي ، ثم قيل والأصل ما عليه دليل قطعي كان
ذلك دوراً ظاهراً .
وأيضاً فإن كثيراً من المسائل العملية بل
أكثرها عليها أدلة قطعية
كوجوب الطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة
ونقض الوضوء بالبول
والغائط ووجوب الغسل بالاحتلام ، وهكذا أكثر
الشريعة أدلتها قطعية ، وكثير
من المسائل التي هي عندهم أصول أدلتها ظنية .
وهكذا في أصول الدين وأصول الفقه أكثر من أن
يذكر ، كالقول
بالمفهوم والقياس ، وتقدمهما على العموم
والأمر بعد الحظر ومسألة انقراض
العصر ، وقول الصحابي ، والاحتجاج بالمراسيل
وشرع من قبلنا ، وأضعاف
ذلك .
وكذلك في أصول الدين كمسألة الحال وبقاء الرب
تعالى وقدمه ، هل
هما ببقاء وقدم زائدين على الذات والوجود
الواجب ، هل هو نفس الماهية
أو زائد عليها ، وإثبات المعنى القائم بالنفس
وغير ذلك ، فعلى هذا الفرق
(1/177)
تكون هذه
المسائل ونحوها فرعية وتلك المسائل العملية
أصولية .
(قال) وقيل : الأصل ما لا يجوز التعبد فيه إلا
بأمر واحد معين والفرع
بخلافه .
(قلت) وهذا الفرق أفسد من الأول ، فإن أكثر
الفروع لا يجوز التعبد
فيها إلا بالمشروع على لسان كل نبي ، فلا يجوز
التعبد بالسجود للأصنام
وإباحة الفواحش وقتل النفوس والظلم في الأموال
، وانتهاك الأعراض
وشهادة الزور ونحو ذلك ، وإن كان نفاة التحسين
والتقبيح يجوزون التعبد
بذلك ، ويقولون يجوز أن تأتي الشرائع من عند
الله تعالى بذلك ، فقولهم
من أبطل الباطل ، وقد ذكرنا فساده من أكثر من
ستين وجهاً في غير هذا
الكتاب ، وإنه مما يعلم بطلانه بالضرورة .
(قال) وقيل : الأصل ما يجوز أن يعلم من غير
تقديم ورود الشرع
والفرع بخلافه ، وهذا الفرق أيضاً في غاية
الفساد ، فإن أكثر المسائل التي
يسمونها أصولاً لم تعلم إلا بعد ورود الشرع ،
كاقتضاء الأمر للوجوب ،
والنهي للتحريم ، وكون القياس حجة ، بل أكثر
مسائل أصول الدين لم
تعلم إلا بالسمع ، فجواز رؤية الرب تبارك
وتعالى يوم القيامة واستواؤه على
عرشه بخلاف مسألة علوه فوق المخلوقات بالذات
فإنها فطرية ضرورية ،
وأكثر مسائل المعاد وتفصيله لا يعلم قبل ورود
الشرع ، ومسائل عذاب القبر
ونعيمه وسجل الملكين وغير ذلك من مسائل الأصول
التي لا تعلم قبل
ورود الشرع .
وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني : كل مسألة
يحرم الخلاف فيها مع
استقرار الشرع ويكون معتقد خلافها جاهلاً ،
فهي من الأصول ، عقلية
كانت أو شرعية ، والفرع ما لا يحرم الخلاف فيه
أو ما لا يأثم المخطئ
(1/178)
فيه ، وهذا وأن
كان أقرب مما قبله فهو باطل أيضاً ، فإن
كثيراً من مسائل
الفروع قطعي وإن كان فيها خلاف ، وإن كان لا
يأثم المخطئ فيها لخفاء
الدليل عليه وإن كان قطعياً فلا يلزم الاشتراك
في القطعيات ، وقد سلم
القاضي ذلك فيما إذا خفي عليه النص .
وقد ذكر بعضهم فرقاً آخر فقال الأصوليات هي
المسائل العمليات ،
والفروعيات هي المسائل العملية المطلوب منها
أمران : العلم والعمل ،
والمطلوب من العمليات العلم والعمل أيضاً ،
وهو حب القلب وبغضه وحبه
للحق الذي دلت عليه وتضمنته ، وبغضه الباطل
الذي يخالفها ، فليس
العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال
القلوب أصل لعمل
الجوارح ، وأعمال الجوارح تبع ، فكل مسألة
علمية فإنه يتبعها إيمان القلب
وتصديقه وحبه وذلك عمل ، بل هو أصل العمل ،
وهذا مما غفل عنه كثير
من المتكلمين في مسائل الإيمان ، حيث ظنوا أنه
مجرد التصديق دون
الأعمال ، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه ، فإن
كثيراً من الكفار كانوا جازمين
بصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غير شاكين فيه ، غير أنه لم يقترن بذلك
التصديق عمل
القلب من حب ما جاء به والرضا به وإرادته
والموالاة والمعاداة عليه .
فلا تهمل هذا الموضع فإنه مهم جداً ، به تعرف
حقيقة الإيمان ،
فالمسائل العلمية عملية ، والمسائل العملية
علمية ، فإن الشارع لم يكتف
من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون
العلم ، ولا في العلميات
بمجرد العلم دون العمل .
وفرّق آخرون بين الأصول والفروع بأن مسائل
الأصول هي التي يكفر
جاحدها ، كالتوحيد والرسالة والمعاد وإثبات
الصفات ، ومسائل الفروع ما
لا يكفر جاحدها ، كوجوب قراءة الفاتحة في
الصلاة واشتراط الطمأنينة
(1/179)
ووجوب مسح
الرأس كله في الوضوء ونحو ذلك ، وهذا الفرق
غير مطرد
ولا منعكس ، فإن كثيراً من مسائل الفروع يكفر
جاحدها ، وكثير من مسائل
الأصول لا يكفر جاحدها كما تقدم بيانه .
وأيضاً فالتكفير حكم شرعي ، فالكافر من كفره
الله ورسوله ، والكفر
جحد ما علم أن الرسول جاء به ، سواء كان من
المسائل التي تسمونها
علمية أو عملية ، فمن جحد ما جاء به الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد معرفته
بأنه جاء
به فهو كافر في دق الدين وجله .
وفرَّق آخرون بين الأصول والفروع بأن الأصول
ما تتعلق بالخبر ،
والفروع ما تتعلق بالطلب ، وهذا الفرق غير
خارج عن الفروق المتقدمة ،
وهو فاسد أيضاً ، فإن العبد مكلف بالتصديق
بهذا وهذا ، علماً وإيماناً
وعملاً ، وحباً ورضاً ، وموالاة عليه ومعاداة
كما تقدم .
وفرَّق آخرون بينهما بأن مسائل الأصول هي ما
لا يسوغ التقليد فيها ،
ومسائل الفروع يجوز التقليد فيها ، وهذا مع
أنه دور ممتنع فإنه يقال لهم :
ما الذي يجوز فيه التقليد ؟ فيقولون مسائل
الفروع ، والذي لا يجوز التقليد
فيه مسائل الأصول ، وهو أيضاً فاسد طرداً
وعكساً ، فإن كثيراً من مسائل
الفروع لا يجوز التقليد فيها كوجوب الطهارة
والصيام والصلاة والزكاة
وتحريم الخمر والربا والفواحش والظلم ، فإن من
لم يعلم أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
جاء بذلك وشك فيه لم يعرف أنه رسول ، كما أن
من لم يعلم أنه جاء
بالتوحيد وتصديق المرسلين وإثبات معاد الأبدان
وإثبات الصفات والعلو
والكلام ، لم يعرف كونه مرسلاً فكثير من
المسائل الخبرية والطلبية يجوز
فيها التقليد للعاجز عن الاستدلال ، كما أن
كثيراً من المسائل العملية لا
يجوز فيها التقليد .
(1/180)
فتقسيم الدين
إلى ما يثبت بخبر الواحد وما لا يثبت به ،
تقسيم غير
مطرد ولا منعكس ولا عليه دليل صحيح . اهـ .
(1/181)
المبحث السابع
عشر
في ذكر أمثلة لتغيير
المصطلحات في الديار الإسلامية
نتيجة لغياب الحكم بالإسلام عن سلطان الحاكمية
في جل دياره ولقاء
إقصاء القضاء الشرعي عن كراسي القضاء في جل
أحكامه . وأثراً من آثار
نفوذ الاستعمار الفكري إلى ديار الإسلام ،
ولغير ذلك من دواعي الفرقة
والتفكك ، وعوامل الانحلال والتفسخ ، النافذة
إلى أفئدة الأمة على مسارب
التبعيات الماسخة للأمم الكافرة - تجسدت أمام
المصلحين نازلة
المواضعات الأثيمة على خلاف اللغة والشريعة .
لان العلماء في لغة العرب شكر الله سعيهم قد
بذلوا جهوداً مكثفة
في القديم والحديث فأنشؤا سدوداً منيعة
وحصوناً حصينة للغة القرآن عن
عوادي الهجنة والدخيل ، ويظهر ذلك في المجامع
وهي كُثر ، وفي كتب
الملاحن وهي أكثر ، فدب يراعهم وسالت سوابق
أقلامهم وانتشرت سوابح
أفكارهم في نقض الدخيل ، ونفي المقرف والهجين
فحمى الله سبحانه
اللغة حماية لكتابه .
وأما علماء الشريعة فلهم القِدح المعلى
والمكان الأسنى فضموا إلى
كفاح أولئك : فائق العناية في الاصطلاح الشرعي
، ومتانة التقعيد
والتأصيل ، وعدم السماح لأي مصطلح دخيل
بالدخول في اصطلاح
التشريع ، وإن كان في بعض المتأخرين من
المعاصرين من خفض لها
(1/182)
الجناح ، ونفخ
في بوقها وأناخ . والله يغفر لنا ولهم .
ومفردات هذا المبحث متكاثرة ، فهي بحاجة إلى
تتبع واستقراء ،
وترتيبها ترتيباً موضوعياً أو معجمياً ، ومن
ثم بيان منزلة كل مصطلح من لغة
العرب ومن هدى الشريعة ، فلعل الله أن يهيئ
لهذا العمل الجليل من
يخدمه ليُسْهِم عامله في صون الشريعة والذب عن
سياجها ، إسهاماً يشكره
عليه الأولون والآخرون .
وفي هذا المبحث قيدت عدة ألفاظ واصطلاحات هي
لضرب المثال
وليعلم المسلم إلى أي حد بلغ العدوان على لغة
الشريعة فقلَّب العدوان
لنا الأمور ، وثلة أخرى من المسلمين نكثوا
أيديهم مما عهد إليهم في دينهم
وشريعة ربهم ، وليأخذ طلاب العلم الحذر في
عناوين رسائلهم ومؤلفاتهم
وبحوثهم ، والنابه من إذا ذكر تذكر ، وإذا بصر
استبصر ، وحتى يقول لسان
حال المسلم للعداء :
أقول لمحرز لما التقينا ... تنكب لا يقطرك
الزحام
وما قيدته هنا هو في مواضع مختلفة ، لكن
يجمعها حضار الشريعة
والتطهر من رجس المشابهة ، وذلة المتابعة ،
فإلى الأخذ برأس القلم
لسياقها :
1- الفقه المقارن :
هذا اصطلاح حقوقي وافد يراد به مقارنة فقه
شريعة رب الأرض
والسماء بالفقه الوضعي المصنوع المختلق
الموضوع من آراء البشر
وأفكارهم .
(1/183)
وهو مع هذا لا
يساعد عليه الوضع اللغوي للفظ " قارن " إذ
المقارنة
هي المصاحبة فليست على ما يريده منها
الحقوقيون من أنها بمعنى
" فاضل " التي تكون بمعنى وازن إذ الموازنة
بين الأمرين الترجيح بينهما ،
أو بمعنى " وازن " لفظاً ومعنى . أو بمعنى "
قايس " إذ المقايسة بين الأمرين
التقدير بينهما .
يقول الشاعر :
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه ... فكل قرين
بالمقارن يقتدي
وقد اشتق القدامى من مادة القَرَن " الاقتران
" بمعنى الازدواج ، فقالوا
" اقترن فلان بفلانة " أي تزوجها ، وسمي
النكاح " القران " وزان الحِصان .
وأصل ذلك في لغة العرب ، أن العرب كانت تربط
بين قرني الثورين بمسد
تُسميه " قَرَنْ " على وزن بقر فسميا " قرنين
" وسمى كل منهما قريناً للآخر .
فلتهنأ الزوجة الراقية بلسان العصر من تسميتها
" قرينة " فصاحبها ذلكم
الثور ! وعليه : فهذا الاصطلاح " الفقه
المقارن " تنبغي منابذته وضعاً وشرعاً
دفعاً للتوليد والمتابعة .
انظر : مجلة اللغة العربية بمصر 1 / 138 - 169
مغامرات لغوية
ص / 78 - 80 عبد الحق فاضل . المدخل للزرقا 2
/ 955 . أخطاء المنهج
الغربي للجندي ص / 11 - 14 . كتابي الحدود
والتعزيرات ص / 11 - 14 .
2- القانون :
ليعلم أن هذه الكلمة " قانون " يونانية الأصل
، وقيل فارسية ، دخلت
إلى العربية عن طريق السريانية ، وكان معناها
الأصلي " المسطرة " ثم
أصبحت تعني " القاعدة الكلية " التي يتعرف
منها أحكام جزئياتها . وهي
(1/184)
اليوم تستعمل
في اللغات الأجنبية بمعنى " التشريع الكنسي "
وهي في البلاد
العربية تستعمل بمعنى " القاعدة " لكل شيء ،
ثم توسع في استعمالها في
الاصطلاح القانوني بمعنى " جامع الأحكام
القانونية " فهو عبارة عن مجموعة
الأوامر والنواهي الواجب الالتزام بها في
البلاد .
والقوانين الوضعية متعددة بتعدد واضعها ،
ومنها ما هو قديم كقانون
حمورابي ، والقانون الروماني ، ومنها ما هو
حديث كالقانون الفرنسي
والألماني ، والبلجيكي ، والإنجليزي ،
والأمريكي ، والإيطالي ،
والسويسري .. وتسمى في اصطلاح المسلمين "
القوانين الوضعية " تمييزاً
للشريعة الإسلامية عنها إذ هي من عند الله
تبارك وتعالى ، أما القوانين فهي
من وضع البشر واختلاقهم .
وعليه فإن هذه اللفظة " قانون " وافدة على
مصطلحاتنا ، وقد انتزع
بسببها " النص الشرعي " و " قول الله تعالى "
وقول رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
و " الشريعة "
و " الشرع الإسلامي " .
وانتشارها لدى بعض علماء المسلمين ، وتسمية
بعض مؤلفاتهم بها لا
يبررها .
وفي بحث للشيخ أبي شهبة رحمه الله تعالى
بعنوان " فضل الشريعة
الإسلامية على الشرائع السماوية السابقة ،
والقوانين الوضعية " قال فيها :
(أما القوانين فهي من وضع البشر ، ولفظ "
القانون " أو " القوانين " عند
الإطلاق ينصرف إليها ، ولا يجوز أن يطلق عليها
شرائع كما يفعل
المسلمون ، ورجال القانون اليوم في مؤلفاتهم
ومحاضراتهم ، وكذلك لا
يجوز ولا ينبغي أن نطلق على التشريعات
الإسلامية اسم " القوانين " مهما
(1/185)
كان من توافر
حسن النية لما في هذا التعبير من اللبس
والإبهام) . اهـ .
انظر : مجلة مجمع اللغة العربية بمصر 19 / 67
- 68 وفلسفة التشريع
في الإسلام للمحمصاني ص / 16 - 18 وتاج العروس
للزبيدي 9 / 315 ،
ولسان العرب 7 / 229 ، والقاموس 4 / 261 ، 269
. وندوة محاضرات
رابطة العالم الإسلامي لعام 1394 هـ ص / 17 -
32 . وكتابي : التقنين
والإلزام .
3- القانون المدني :
أو : القانون التجاري . ويسمونه : أبا
القوانين . ويعبر عن بعض أقسامه
باسم : قانون الموجبات . مجلة الالتزامات .
وهذا المركب بجزأيه " قانون مدني " لا مكان له
في معاجم الشريعة ،
وقد رفع بوفادته اصطلاحها " كتاب البيوع " .
وانظر : مجلة اللغة العربية
بمصر 19 / 68 .
4- قانون العقوبات :
أو : قانون الجزاء . كما في العهد العثماني .
أو : القانون الجنائي .
كما في قوانين مصر القديمة . وأي من هذه
المواضعات غريبة بجزئيها أو
بفصل منها عن الاصطلاح الشرعي . فإن التراجم
المعقودة لذلك في
الشريعة على ما يلي :
1- كتاب الجنايات .
2- كتاب الجراح .
ونحو ذلك مما تجده مبسوطاً في كتابي " الجناية
على النفس وما
(1/186)
دونها " .
وانظر : مجلة مجمع اللغة العربية 19 / 68 .
5- إعدام المجرم :
هذا من أساليب المحدثين في العقوبات الشرعية
لقاء الجناية على
النفس فيقولون : أعدم الجلاد المجرم . ويقول
القاضي في حكمه :
حكمت بعقوبة إعدام المجرم .. أي : قتله .
والمسموع عن العرب : أعدم الرجل أي : افتقر ،
وأعدم فلاناً : منعه
وأعدم الله فلاناً الشيء ، جعله عادماً له .
ولهذا فإن الوضع اللغوي لا يساعد على ذلكم
الاصطلاح ، إضافة إلى
أنه أجنبي عن المواضعات المعهودة لدى الفقهاء
نحو " القصاص من
القاتل " " قتل المحارب " وهكذا .
انظر : مجلة مجمع اللغة العربية بمصر 9 / 130
: من ألفاظ الكتاب
المحدثين لأحمد حسن الزيات .
6- الأحوال الشخصية :
وهذا الاصطلاح يُعنى به أحكام النكاح والفرق
وتوابعها . وقد اكتسب
من الشيوع في العوالم كافة ما لم يكن لغيره .
وله من المساوئ بقدر
شيوعه . وقد ذكرتها في مقدمة كتاب : " الحدود
والتقريرات " وبسطتها في
كتاب " معجم المناهي " . وبالله التوفيق .
7- المحامي :
كانت كلمة " أفوكاتو " في مصر تعني الوكيل في
الخصومات ، ثم
استبدلها المجمعيون بلفظ " المدره " وهو في
لغة العرب زعيم القوم المنافح
(1/187)
عن حقوقهم .
ولكن لم يكتب لها الشيوع .
ثم ماتت اللفظتان ، وعاشت بعدهما كلمة " محامي
" على إثر حلول
القوانين الوضعية في الديار الإسلامية ، ولن
تجد لهذا اللفظ في فقه
الشريعة أثراً ، ولهذا فإن أحكام المحامين
والمحاماة هي أحكام الوكالة
والوكلاء . وعليه يعقد المحدثون والفقهاء "
باب الوكالة " فلماذا نذهب بعيداً
عن مواضعاتنا الشرعية ، وفي مادة " حمى " من
القاموس 4 / 322 (وحاميت
عنه محاماةً وحماءً مَنَعْتُ عنه) اهـ . لكن
لا تحس لها بأثر ولا إثارة في
اصطلاح الفقهاء فإذا اعتمدنا هذا الاصطلاح
أحيينا سنة الإبعاد عن فقه
الشريعة ومصطلحاتها والله أعلم . مجلة مجمع
اللغة بمصر 7 / 124 .
8- نظرية الظروف الطارئة :
تعني هذه النظرية إذا أبرم شخصان عقداً كعقد
توريد ، أو إجازة ثم
حصل سبب قاهر لا يستطيع معه الوفاء بالتوريد ،
أو استغلال منفعة العين
المؤجرة مثلاً ، فهل هذا سبب يلغي لزوم هذا
العقد تأسيساً على قواعد
العدل ، والإحسان ، ونفي الضرر ، أم يبقى
ملزماً لأن العقد لازم شرعاً وقد
وقع برضاهما ؟ .
ليعلم أن هذه المواضعة " الظروف الطارئة "
اصطلاح كنسي وفرنسي
في قضائهما الإداري دون المدني ، وهي في
اصطلاح القانون الدولي
باسم " نظرية الظروف المتغيرة " .
وفي القانون الإنكليزي باسم " نظرية استحالة
تنفيذ الالتزام تحت
ضغط الظروف الاقتصادية التي نشأت بسبب الحرب "
.
وفي القضاء الدستوري الأمريكي باسم " نظرية
الحوادث المفاجئة " .
(1/188)
على أن هناك
طرفاً مقابلاً من دول الغرب لم يأخذ بهذه
النظرية ، وهو
الأكثر ، وهذا الاصطلاح " الظروف الطارئة " لا
وجود لمبناه في الفقه الشرعي
لكن محتواه الدلالي موجود في الشريعة بصفة
موسعة في عدة مظاهر هي
على ما يلي :
أولاً : قواعد نفي الضرر ، ومنها : الضرر يزال
. لا ضرر ولا ضرار .
الضرورات تبيح المحظورات . الضرر الأشد يزال
بالأخف . يدفع الضرر
بقدر الإمكان ، يحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر
العام . وهكذا .
ثانياً : في جملة كبيرة من الفروع الفقهية
سواء كانت على سبيل رعاية
مصالح المسلمين العامة كالتسعير ، ونزع
الملكية ، ومنع الاحتكار ، والحجر
لاستصلاح الأديان والأبدان كالحجر على المفتي
الماجن المتعالم ، وعلى
الطبيب الجاهل المتطبب ، والمكاري المفلس ، أو
في سبيل رعاية مصلحة
الفرد من المسلمين ، كعقد الإجارة عند تعذر
استيفاء المنفعة وذلك مثل
الفَرَّان عد نزوح أهل المحلَّة ، أو حدوث عيب
في العين ونحو ذلك من
الأسباب ، والتي اتسع لها مذهب الحنفية أكثر
من غيرهم .
ثالثاً : وضع الجوائح : وهي ما تصيب الحبوب
والثمار مما يتلفها أو
يعيبها من برد أو نار ونحوهما للحديث الثابت
في ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ .
فهذه التطبيقات الفقهية سواء من باب التقعيد
والتأصيل أم التفريع والتفصيل
في غيرها في جملة من الفروع هي : أوسع شمولاً
وأكثر إحاطة وأسبق
حكماً من " نظرية الظروف الطارئة " .
فالمواضعة على هذا الاصطلاح لدى المسلمين فيه
منابذة
للمصطلحات الشرعية التي يقف الناظر فيها على
معانيها من غير عناء ولا
تكلف ، أما هذه المواضعة الوافدة ففيها سنة
الإبعاد ، والتبعية ، وقطع فتية
(1/189)
المسلمين عن
فقههم في شكله وحقيقته والله المستعان .
9- تكنولوجيا :
أي (تِقْنِيَّة) على وزن (عِلْمِيَّة) وهي
مصدر صناعي من (التَّقَنْ) بوزن
(العَلَمْ) - والتقن : الرجل الذي يتقن عمله .
وما شاع من نطقها بوزن كلمة
(الأدبية) أو بوزن كلمة (التربية) فهو خطأ .
مجلة المجمع العلمي العراقي
الجزء الرابع المجلد / 33 لعام 1403 هـ . ص /
313 . من ألفاظ الحضارة
لمقرر المجمع محمد بهجت الأثري .
10- الأكاديمية :
أي " المجمع العلمي " أو " الدراسات العليا "
وقد عربها الكرملي بلفظ
" المحفى " للمكان الذي يجتمع فيه الأحفياء ،
أو المتخصصون لكنها
استثقلت فلم تنتشر . مجلة مجمع اللغة العربية
بمصر 9 / 44 . علم اللغة
لوافي ص / 54 .
11- الحرية :
ونحوها " التسوية " . وهي في الشريعة (قواعد
العدل والإِحسان) .
انظر : الإسلام والحضارة الغربية ص / 29 .
12- محبة الوطن :
وهي (محبة الدين وحمايته) . الإسلام والحضارة
الغربية ص / 29 .
13- المجلس التشريعي :
يراد به (أهل الحل والعقد) .
(1/190)
انظر : تدوين
الدستور الإسلامي ص / 30 - 33 .
14- المسؤولية التقصيرية :
ويقابله في الشريعة " أحكام الضمان " .
انظر : التعسف لسعيد الزهاوي ص / 256 .
15- الإيتيمولوجيا :
وهو : (علم أصول الكلمات) أي البحث في أصولها
التي جاءت منها
في لغة ما .
تنبيه : لوجيا بمعنى (علم) وهي يونانية الأصل
.
انظر : مجلة مجمع اللغة بمصر 33 / 128 .
مغامرات لغوية لعبد الحق فضل ص / 203 .
علم اللغة لوافي ص / 10 - 11 .
16- الستيليستيك :
وهو (علم الأساليب) أي : أساليب اللغة
واختلافها باختلاف فنونها من
شعر ونثر .
انظر : علم اللغة ص / 9 - 10 ، 15 ، 73 مهم .
17- علم الدياليسكتوجي :
وهو : علم اللهجات .
وموضوعه : دراسة الظواهر المتعلقة بانقسام
اللغة إلى لهجات . وتفرع
اللغات العامية من كل لهجة من لهجاتها .
انظر : علم اللغة ص / 6 .
(1/191)
18- علم
الفونيتيك :
وهو : علم الصوت .
وموضوعه : الدلالة الصوتية للألفاظ .
انظر : علم اللغة ص / 7 ، 33 .
19- السيمنتيك :
وهو : علم دلالة اللفظ .
انظر : علم اللغة ص / 7 ، 33 .
20- ليكسيكولوجيا :
وهو : (علم المفردات) .
انظر : علم اللغة ص / 7 .
21- المورفولوجيا :
وهو : (علم البنية) أي بنية الكلمة .
انظر : علم اللغة ص / 7 ، 15 ، 71 .
22- الفيلولوجيا :
وهو : (علم آداب اللغة وتاريخها) .
انظر : علم اللغة ص / 13 - 14 .
23- الدياليكتولوجيا :
وهو : (اللغة العامية) .
علم اللغة ص / 66 .
(1/192)
24- الجرامير :
وهو : (قواعد اللغة) .
علم اللغة ص / 9 .
25- السوسيولوجيا :
وهو : (علم الاجتماع) .
علم اللغة ص / 27 ، 61 .
26- السيكولوجيا :
وهو : (علم النفس) .
علم اللغة ص / 24 ، 26 .
27- الفيزيولوجيا :
وهو : (علم وظائف أعضاء الإنسان) .
علم اللغة ص / 26 ، 32 .
28- الأونوماستيك :
وهو : (علم أصول الأعلام) أي : أعلام الأشخاص
، والقبائل والأنهار .
علم اللغة ص / 11 .
29- البيولوجيا :
وهو : (علم الحياة) .
علم اللغة ص / 32 .
(1/193)
30-
الأنثروبولوجيا :
وهو : (علم الإنسان) .
علم اللغة ص / 32 .
31- الجيولوجيا :
وهو : (علم طبقات الأرض) أو (علم الأرض) .
وأول من سمي ذلك بالجيولوجيا هو (دولوك) عام
1778 م .
مجلة مجمع اللغة بمصر 14 / 166 - 172 بحث في
كلمة : جيولوجيا .
32- بيداغوجيا :
وهو : (علم التربية) .
مجلة مجمع اللغة بمصر 33 / 128 .
33- ديموغرافيا :
وهو (علم السكان) .
مجلة مجمع اللغة بمصر 33 / 128 .
34- تيولوجيا :
وهو : (علم تشكل الإنسان) .
مجلة مجمع اللغة بمصر 33 / 128 .
35- السنتكس :
وهو : (علم تنظيم الكلمات) أي تقسيمها
وأحوالها من تذكير
وتأنيث ... .
(1/194)
ومن فصائله
(علم النحو) من أبحاث (السنتكس التعليمي) لدى
الفرنجة .
علم اللغة ص / 8 - 9 ، 15 .
إلى غير ذلك من المواضعات الدخيلة مما نجد
التنبيه عليها منتشراً
في عدد من بحوث المعاصرين كقولهم (قاعة البحث)
في مجلة مجمع
اللغة العربية 1 / 106 ، 2 / 119 ، وقولهم
(التعسف في استعمال الحق)
وهذا الاصطلاح هو عين التعسف . وقولهم
(البرلمان ، ومجلس الشيوخ)
كما في مجلة اللغة بمصر 1 / 114 - 119 ، 8 /
133 ، وقولهم (التأمين
التعاوني) ونحوها مما أرجو أن يُهيء الله من
يجمع هذه المصطلحات
ويناقشها على ميزان اللغة والشرع . والله
الموفق وصلَّى الله على نبينا محمد
وسلم .
(1/195)
|