مختصر
اختلاف العلماء بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم = كتاب
الصّيام =
483 - فِي حد الْبلُوغ
روى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة فِي حد الْبلُوغ فِي الْجَارِيَة إِذا لم تَحض
سبع عشرَة سنة وَفِي الْغُلَام إِذا لم يَحْتَلِم تسع عشرَة سنة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة فِي الْغُلَام ثَمَانِي عشرَة سنة
وَقَالَ زفر فِي الْجَارِيَة سبع عشرَة سنة وَفِي الْغُلَام ثَمَانِي عشرَة
سنة
وَقَالَ مَالك فِي الإنبات إِذا لم تَحض الْجَارِيَة وَلم تحتلم أَو تبلغ
من السن مَا يعلم أَن مثله لَا يبلغهُ حَتَّى يَحْتَلِم فَيكون عَلَيْهِ
الْحَد
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الْغُلَام ثَمَانِي عشرَة سنة وَقَالَ فِي
الْجَارِيَة سَمِعت من يذكر عَن إِبْرَاهِيم قَالَ إِذا ولدت أَو ولد
مثلهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ خمس عشرَة سنة فِي الْغُلَام وَالْجَارِيَة وَهُوَ
قَول أبي يُوسُف
(2/5)
وَذكر أَبُو جَعْفَر أَن مُحَمَّد أمْلى
بالرقة أَن الَّذِي يذهب إِلَيْهِ فِي الْغُلَام خمس عشرَة مثل قَول أبي
يُوسُف وَفِي الْجَارِيَة مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث إِذا أنبت وَاحِد مِنْهُمَا فقد بلغ
وَالشَّافِعِيّ يعْتَبر فِي الْمَجْهُول الْولادَة النَّبَات وَفِي
الْمَعْلُوم الْولادَة خمس عشرَة فِيهَا جَمِيعًا
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر عرضت على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَأَنا ابْن أَربع عشرَة سنة فَلم يجزني
فِي الْمُقَاتلَة وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس عشرَة
فأجازني فِي الْمُقَاتلَة قَالَ نَافِع فَحدثت عمر بن عبد الْعَزِيز
بِهَذَا فَقَالَ هَذَا أثر فَأمر أَن يعرض من كَانَ أقل من خمس عشرَة فِي
الذُّرِّيَّة وَمن كَانَ فِي خمس عشرَة فِي الْمُقَاتلَة فَاعْتبر عمر بن
عبد الْعَزِيز الدُّخُول فِي الْخَمْسَة عشر فِي الْفَرْض وَجعل من قصر
عَنهُ بِخِلَاف ذَلِك وَهَذَا لَا يَقُوله أحد من أَصْحَاب التَّوْقِيت
للخمسة عشر فِي حد الْبلُوغ لأَنهم يعتبرون كَمَال الْخَمْسَة عشر
قَالَ وروى نَافِع عَن أسلم عَن عمر بن الْخطاب أَنه كتب إِلَى أُمَرَاء
الأجناد أَن لَا يضْربُوا الْجِزْيَة إِلَّا من جرت بِهِ الموسى
وَقَالَ عُثْمَان فِي غُلَام سرق إِن كَانَ قد اخضر مِئْزَره فاقطعوه وَإِن
لم يكن أَخْضَر فَلَا تقطعوه
(2/6)
484 - فِي الشَّهَادَة على رُؤْيَة هِلَال
رَمَضَان
قَالَ أَصْحَابنَا تقبل فِي رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان شَهَادَة رجل عدل إِذا
كَانَ فِي السَّمَاء عِلّة وَإِن لم يكن فِي السَّمَاء عِلّة لم تقبل
إِلَّا شَهَادَة الْعَامَّة وَلَا تقبل فِي هِلَال شَوَّال وَذي الْحجَّة
إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ تقبل شَهَادَة مثلهمَا فِي الْحُقُوق
وَإِن كَانَ فِي السَّمَاء عِلّة
فَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالْحسن بن حَيّ
وَعبيد الله بن الْحسن وَلَا تقبل فِي هِلَال رَمَضَان وشوال إِلَّا
شَاهِدين عَدْلَيْنِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِن شهد على رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان
عدل وَاحِد رَأَيْت أَن أَقَله للأثر فِيهِ وَالِاحْتِيَاط وَالْقِيَاس أَن
لَا يقبل فِي ذَلِك إِلَّا شَاهِدَانِ وَلَا أقبل على رُؤْيَة هِلَال
الْفطر إِلَّا عَدْلَيْنِ
485 - فِي الْهلَال يرى نَهَارا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا رئي الْهلَال نَهَارا فَهُوَ لليلته
الْمُسْتَقْبلَة وَلم يفرق بَين رُؤْيَته قبل الزَّوَال وَبعده وَهُوَ قَول
مَالك وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالثَّوْري إِن رئي قبل الزَّوَال فَهُوَ لليلته
الْمَاضِيَة وَبعد الزَّوَال لليلته الْمُسْتَقْبلَة
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صُومُوا
لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته مَعْنَاهُ عِنْد الْجَمِيع صَوْم مُسْتَقْبل
بعد الرُّؤْيَة لِاسْتِحَالَة الْأَمر بِالصَّوْمِ فِي وَقت تتقدم
الرُّؤْيَة
(2/7)
وروى أَبُو اسحاق عَن الْحَارِث أَن هِلَال
الْفطر رئي نَهَارا فَلم يَأْمر عَليّ بن أبي طَالب أَن يفطروا من يومهم
ذَلِك وَعَن ابْن عمر مثله وَقَالَ حَتَّى يرى من حَيْثُ يطلع اللَّيْل
وَعَن عمر مثله
وَقد رُوِيَ عَن عمر مثل قَول أبي يُوسُف
486 - إِذا غم هِلَال الْفطر ثمَّ علم بعد الزَّوَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ ابْن أبي عمرَان يَحْكِي أَن قَول أبي حنيفَة
أَن صَلَاة الْعِيد إِذا لم تصل فِي يَوْم الْعِيد حَتَّى تَزُول الشَّمْس
إِنَّا لَا نصلي بعد ذَلِك
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء فِي الإِمَام تفوته أَن يُصَلِّي
بِالنَّاسِ صَلَاة الْعِيد فِي يَوْم الْفطر حَتَّى تَزُول الشَّمْس من
ذَلِك الْيَوْم لم يصلها بهم بعد ذَلِك وَلَو كَانَ هَذَا فِي الْأَضْحَى
صلاهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد مثل ذَلِك وَلم يحك خلافًا
(2/8)
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الْفطر يخرجُون من
الْغَد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لايخرجون فِي الْفطر وَيخرجُونَ فِي الْأَضْحَى
وَقَالَ اللَّيْث يخرجُون فِي الْفطر والأضحى من الْغَد
وَقَالَ مَالك لَا يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد فِي غير يَوْم الْعِيد
وَعَن الشَّافِعِي رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مثل قَول مَالك وَالْأُخْرَى
أَنه يُصَلِّي من الْغَد
487 - فِيمَن رأى الْهلَال وَحده
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث إِذا رأى هِلَال
رَمَضَان وَحده فَلم تقبل شَهَادَته صَامَ هُوَ وَإِن رأى هِلَال شَوَّال
وَحده فَلم تقبل قَوْله صَامَ أَيْضا وَلَا يفْطر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ يَصُوم إذارأى وَحده وَيفْطر
بِرُؤْيَتِهِ وَحده
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِن رأى هِلَال رَمَضَان وَحده فَأفْطر فَلَا
كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
488 - فِيمَن لم ينْو صَوْم رَمَضَان إو نوى قبل الزَّوَال
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر لَا يجوز صِيَام رَمَضَان إِلَّا بنية لكل
يَوْم تجدّد
(2/9)
وَيجوز أَن ينويه قبل الزَّوَال وَإِن لم
يُنَوّه من اللَّيْل
وَقَالَ زفر يجزىء بِغَيْر نِيَّة وَلَو نوى الْإِفْطَار أَجزَأَهُ
الصَّوْم إِذا أمسك عَمَّا أمسك عَنهُ الصَّائِم إِلَّا أَن ينويه من
اللَّيْل
وَقَالَ مَالك فِيمَا حصله أَبُو جَعْفَر من مذْهبه أَن مَا لم يكن معينا
وُجُوبه من الصّيام لم يَصح إِلَّا بنية وَمَا كَانَ وُجُوبه فِي وَقت
بِعَيْنِه كَانَ يُعلمهُ ذَلِك الْوَقْت صَائِما اسْتغنى بذلك عَن نِيَّة
الصّيام
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا مُتَتَابِعًا فصَام أول
يَوْم أَنه بَاقِي الْأَيَّام بِغَيْر نِيَّة وَمذهب اللَّيْث كمذهب مَالك
فِي هَذَا
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي صَوْم التَّطَوُّع إِذا نَوَاه فِي آخرالنهار
أَجزَأَهُ قَالَ وَقَالَ إِبْرَاهِيم لَهُ أجر مَا يسْتَقْبل وَهُوَ قَول
الْحسن بن حَيّ
وَالثَّوْري فِي صَوْم رَمَضَان يحْتَاج أَن ينويه من اللَّيْل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجزىء مِنْهُ صَوْم النَّهَار بعد نصف اللَّيْل
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجزىء كل صَوْم وَاجِب من رَمَضَان إِلَّا بنية من
اللَّيْل ويجزىء صَوْم التَّطَوُّع قبل الزَّوَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو اسحاق عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله
قَالَ إِذا أصبح أحدكُم ثمَّ أَرَادَ الصَّوْم بَعْدَمَا أصبح فَإِنَّهُ
بِأحد النظرين وَأَبُو اسحاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ كرم الله وَجهه مثله
وَأَبُو عبد الرَّحْمَن أَن حُذَيْفَة بدا لَهُ الصَّوْم بَعْدَمَا زَالَت
الشَّمْس فصَام
(2/10)
وروى عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن عِكْرِمَة
عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يصبح حَتَّى يظْهر ثمَّ يَقُول وَالله لقد
أَصبَحت وَمَا أُرِيد الصَّوْم وَمَا أكلت من طَعَام وَلَا شراب مُنْذُ
الْيَوْم ولأصومن يومي هَذَا
وَعَن أبي الدَّرْدَاء أَنه صَامَ بَقِيَّة يَوْم
وروى حميد الطَّوِيل عَن أنس أَنه سُئِلَ عَن الرجل يحدث نَفسه بِالصَّوْمِ
قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ مالم يَمْتَد النَّهَار أَو يتَكَلَّم بِهِ
489 - فِي السؤاك للصَّائِم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَاللَّيْث لَا بَأْس بِالسِّوَاكِ الرطب
للصَّائِم
وَقَالَ الشَّافِعِي كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ أكرهه بالْعَشي للخلوف
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ لابأس باليابس وأكره الرطب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس بِهِ إِلَّا أَنِّي أكره أَن يَأْخُذ فِيهِ
مَاء
490 - فِي الذَّوْق للصَّائِم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ذاق الصَّائِم شَيْئا وَلم يدْخلهُ حلقه لم يفطره
وصومه تَامّ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر على أَنه لايكرهه لِأَنَّهُ لَو كرهه كَانَ صوما
نَاقِصا
قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ قد ذكرنَا كَرَاهَته فِي الأَصْل
(2/11)
وَقَالَ مَالك أكرهه وَلَا يفطره إِن لم
يدْخل حلقه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يفطره
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا أكره أَن يَذُوق مَا لم يدْخل حلقه
491 - فِي الْكحل للصَّائِم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالكحل للصَّائِم ودهن الشَّارِب وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يتكحل الصَّائِم وَلَا يدهن شَاربه
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ إِذا اكتحل وصل إِلَى حلقه لم يكتحل وَإِن فعل
فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وروى ابْن عبد الْكَرِيم عَن مَالك لَا بَأْس بالكحل للصَّائِم
وروى الْمعَافي عَن الثَّوْريّ لَا بَأْس بالحكل للصَّائِم روى عَنهُ أَنه
كره مَا يُوجد طعمه
وَالْحسن بن حَيّ يكره الْكحل للصَّائِم إِلَّا الشَّيْء الْخَفِيف فِي أول
النَّهَار فَإِن علم أَنه دخل جَوْفه قضى وَإِن كَانَ قد اكتحل بِاللَّيْلِ
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يتوفاه للْخلاف فِيهِ
492 - فِي الْحجامَة للصَّائِم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا بَأْس
بالحجامة للصَّائِم إِذا لم تضعفه
(2/12)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ أفطر الحاجم
والمحجوم وَقَالَ لَو رعف رجل نَفسه قضى يَوْمًا مَكَانَهُ
493 - فِي الْقبْلَة للصَّائِم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس إِذا كَانَ يَأْمَن على نَفسه وَإِن نظر فأمنى
لم ينْتَقض صَوْمه وَإِن قبل فأمنى أفطر وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا أحب للصَّائِم أَن يقبل فَإِن قبل فِي رَمَضَان فَأنْزل
فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة فَإِن نظر إِلَى امْرَأَته فِي
رَمَضَان وتابع النّظر فأمنى فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة من قبل امْرَأَته فِي رَمَضَان فَعَلَيهِ قَضَاء
ذَلِك الْيَوْم
494 - فِي الصَّائِم يتمضمض فَيدْخل المَاء حلقه
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إذاكان ذَاكِرًا لصومه فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وَإِن كَانَ نَاسِيا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ ذَاكِرًا لصومه
وَذكر عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِذا تَوَضَّأ لصَلَاة مَكْتُوبَة
فَدخل المَاء حلقه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن تَوَضَّأ لصَلَاة تطوع
فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وَقَالَ مَالك بن أنس لَا بَأْس بِأَن يتمضمض لحر أَو عَطش وَإِن دخل حلقه
فِي صَوْم وَاجِب فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَفِي التَّطَوُّع لَيْسَ عَلَيْهِ
قَضَاء وَذَلِكَ للْوُضُوء وَغَيره سَوَاء
(2/13)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا
شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِن تَوَضَّأ للفريضة أَو لصَلَاة سنة فَدخل حلقه
من المَاء شَيْء فِي الثَّلَاث فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَمَا دخل بعد
الثَّلَاث فَعَلَيهِ الْقَضَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدِيث لَقِيط بن صبرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَالغ فِي الِاسْتِنْشَاق إِلَّا أَن تكون صَائِما يدل على
أَنه يفْطر فلولا ذَلِك لما منع مِنْهَا لأجل الصَّوْم وَإِن لم يفرق بَين
النَّافِلَة وَالْفَرْض
495 - إِذا أكل بعد طُلُوع الْفجْر وَهُوَ لايعلم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تسحر بعد طُلُوع الْفجْر أَو أكل قبل غرُوب
الشَّمْس وَهُوَ لايعلم أَنه نَهَار فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ تَطَوّعا مضى فِيهِ وَلَا شَيْء وَإِن كَانَ
وَاجِبا فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وروى الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب أَن عمر بن الْخطاب أفطر هُوَ وَالنَّاس
فِي يَوْم غيم ثمَّ طلعت الشَّمْس فَقَالَ عمر مَا تجانفنا لإثم وَالله لَا
نقضيه
وروى عَنهُ أَنه قَالَ الْخطب يسير فَقضى يَوْمًا مَكَانَهُ
(2/14)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَنه لَو غم
هِلَال رَمَضَان فأفطروا ثمَّ قَامَت الْحجَّة بِرُؤْيَة الْهلَال قبل
ذَلِك أَن عَلَيْهِم الْقَضَاء
496 - إِذا أكل وَهُوَ شَاك فِي الْفجْر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ أكبر رَأْيه أَنه أكل بعد طُلُوع الْفجْر
فَأحب إِلَيْنَا أَن يقْضِي
وَقَالَ مَالك أكره أَن يَأْكُل إِذا شكّ فِي الْفجْر وَإِن أكل فَعَلَيهِ
الْقَضَاء
وَقَالَ الثَّوْريّ يتسحر الرجل حاشك حَتَّى يرى الْفجْر
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ إِن أكل شاكا فِي الْفجْر
فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
497 - مَتى يُؤمر الصَّبِي بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري يُؤمر الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا أثغر
وَيُؤمر بِالصَّوْمِ إِذا أطاقه
وَقَالَ مَالك يُؤمر بالصيام إِذا حَاضَت الْجَارِيَة واحتلم الْغُلَام
وَلَا تشبه الصّيام فِي هَذِه الصَّلَاة
قَالَ الشَّافِعِي لَا يجب فرض الصّيام إِلَّا بعد الْبلُوغ وَيُؤمر بِهِ
إِذا أطَاق
498 - فِي الْغُلَام يبلغ فِي رَمَضَان أَو الْكَافِر يسلم
قَالَ أَصْحَابنَا وَاللَّيْث وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ يصومان
مَا بَقِي
(2/15)
وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا قَضَاء مَا مضى وَلَا
قَضَاء الْيَوْم الَّذِي كَانَ فِيهِ الْبلُوغ أوالاسلام
وَقَالَ أَصْحَابنَا يسْتَحبّ لَهُ أَن يمسك بَقِيَّة الْيَوْم
وَقَالَ مَالك لَا أرى عَلَيْهِ ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْغُلَام يَحْتَلِم فِي النّصْف من رَمَضَان
أَنه يَصُوم مامضى مِنْهُ إِن كَانَ يُطيق الصَّوْم
499 - فِيمَن يجن رَمَضَان أَو بعضه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جن رَمَضَان كُله فَلَا قَضَاء وَإِن أَفَاق شَيْء
مِنْهُ قَضَاهُ كُله
وَقَالَ مَالك فِيمَن بلغ وَهُوَ مَجْنُون مطبق فَمَكثَ سِنِين ثمَّ أَفَاق
فَإِنَّهُ يقْضِي صِيَام تِلْكَ السنين ولايقضي الصَّلَاة
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي الْمَعْتُوه يفِيق وَقد ترك الصَّلَاة
وَالصَّوْم فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك
وَقَالَ فِي الْمَجْنُون الَّذِي يجن ثمَّ يفِيق وَالَّذِي يُصِيبهُ الْمرة
ثمَّ يفِيق أَن عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ وَمن جن فِي رَمَضَان فَلَا قَضَاء
عَلَيْهِ فَإِن صَحَّ فِي يَوْم م رَمَضَان قبل أَن يغيب الشَّمْس كَذَلِك
لَا قَضَاء عَلَيْهِ
500 - فِيمَن أُغمي عَلَيْهِ فِي رَمَضَان
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن أُغمي عَلَيْهِ رَمَضَان كُله أَنه يقْضِي وَإِن
أُغمي عَلَيْهِ
(2/16)
أول لَيْلَة مِنْهُ لم يقْض الْيَوْم الأول
وَقَالَ الثَّوْريّ مثل ذَلِك وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ مغمى عَلَيْهِ أَكثر النَّهَار لم يجزه صَوْم
ذَلِك الْيَوْم فَإِن كَانَ يغمى عَلَيْهِ أقل النَّهَار أَجزَأَهُ
قَالَ وَلَو نَام من اللَّيْل فَلم ينتبه النَّهَار كُله أَجزَأَهُ صِيَامه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إذاطلع الْفجْر وَهُوَ يعقل أَجزَأَهُ صَوْمه وَإِن
أُغمي عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَإِن طلع الْفجْر وَهُوَ مغمى عَلَيْهِ لم يجزه
ذَلِك الْيَوْم وَإِن كَانَ قد نوى الصَّوْم بِاللَّيْلِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أُغمي عَلَيْهِ من اللَّيْل من رَمَضَان فَلم يفق
حَتَّى يُمْسِي فضى يَوْمًا مَكَانَهُ وَإِن أُغمي عَلَيْهِ من اللَّيْل
فَأَما فِي بعض النَّهَار فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَإِن أُغمي عَلَيْهِ بعد
الْفجْر فَلم يفق حَتَّى أَمْسَى فَلَا قَضَاء عيه
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا أُغمي على رجل فَمضى لَهُ يَوْم
أَو يَوْمَانِ من رَمَضَان وَلم يكن أكل أَو شرب فَعَلَيهِ الْقَضَاء فَإِن
أَفَاق فِي بعض النَّهَار فَهُوَ فِي يَوْمه ذَلِك صَائِم وَكَذَلِكَ إِذا
أصبح رَاقِدًا ثمَّ اسْتَيْقَظَ
501 - فِي الْحَامِل والمرضع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خافتا على ولدهما أَو أَنفسهمَا فَإِنَّهُمَا
تفطران وتقضيان وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِمَا وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَالثَّوْري
وَقَالَ مَالك فِي الْمُرْضع إِذا خَافت على وَلَدهَا وَلم يقبل الصَّبِي
من غَيرهَا فَإِنَّهَا تفطر وتقضي وَتطعم عَن كل يَوْم مدا مِسْكينا
وَالْحَامِل إذاأفطرت لَا إطْعَام عَلَيْهَا وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ فهما جَمِيعًا تفطران وتقضيان
وَتَتَصَدَّق كل
(2/17)
وَاحِدَة على مِسْكين بِمد من حِنْطَة
وروى عَنهُ فِي الْبُوَيْطِيّ أَن الْحَامِل لَا إطْعَام عَلَيْهَا
502 - فِي الشَّيْخ الْكَبِير
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطيق الصّيام يفْطر
وَيطْعم عَنهُ لكل يَوْم نصف صَاع من حِنْطَة ولاشيء عَلَيْهِ غير ذَلِك
وَقَالَ الثَّوْريّ يطعم وَلم يذكر مِقْدَاره
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي يطعم مدا من حِنْطَة عَن كل يَوْم
وَقَالَ مَالك لَا أرى عَلَيْهِ إطعاما فَإِن فعل فَحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الشَّيْخ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض الَّذِي يَصح حَتَّى
مَاتَ أَنه لَا إطْعَام لعدم الْقُدْرَة على الصَّوْم
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله تَعَالَى {وعَلى الَّذين
يطيقُونَهُ فديَة} الْبَقَرَة 184 قَالَ رخص اللشيخ الْكَبِير والعجوز
الْكَبِيرَة فِي ذَلِك وهما يطيقان الصَّوْم أَن يفطرا إِن شاءا أَو أَن
يطعما عَن كل يَوْم مِسْكينا وَلَا قَضَاء عَلَيْهِمَا ثمَّ نسخ ذَلِك
بِهَذِهِ الْآيَة {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} الْبَقَرَة 158
وَثَبت للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِيرَة إِذا كَانَا لَا يطيقان
الصَّوْم والحبلى والمرضع إِذا خافتا أفطرتا وأطعمتا عَن كل يَوْم مِسْكينا
وروى مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وعَلى الَّذين يطوقونه
(2/18)
وَعَن أبي هُرَيْرَة وَقِيَاس بن السَّائِب
فِي الشَّيْخ الْكَبِير يفْطر وَيطْعم لكل يَوْم مِسْكينا
وَعَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن قَوْله وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ كَانَ من
أرادأن يفْطر ويفتدي فعل حَتَّى نزلت الَّتِي بعْدهَا فنسختها
503 - فِي الصّيام فِي السّفر
قَالَ أَصْحَابنَا الصَّوْم فِي السّفر أفضل من الْإِفْطَار
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري الصَّوْم فِي السّفر أحب إِلَيْنَا لمن قوي
عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن صَامَ فِي السّفر أَجزَأَهُ
وروى عَن أبي هُرَيْرَة إِن صَامَ فِي السّفر أَجزَأَهُ
وروى عَن أبي هُرَيْرَة إِن صَامَ فِي السّفر لم يجزه وَعَلِيهِ أَن يَصُوم
فِي الْحَضَر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَيْسَ من
الْبر الصّيام فِي السّفر مَعْنَاهُ لَيْسَ هُوَ أبر الْبر لِأَنَّهُ يكون
الْإِفْطَار أبر مِنْهُ إِذا كَانَ فِي حج
(2/19)
أَو جِهَاد ليقوى عَلَيْهِ كَقَوْلِه
عَلَيْهِ الصَّلَاة والصلام لَيْسَ الْمِسْكِين بِالطّوافِ الَّذِي تردده
التمرة وَالتَّمْرَتَانِ واللقمة وَاللُّقْمَتَانِ قيل فَمن الْمِسْكِين
قَالَ الَّذِي يستحي أَن يسْأَل وَلَا يجد مَا يُغْنِيه وَلَا يفْطن لَهُ
فيعطي من حَدِيث مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى سُفْيَان عَن عَاصِم سَأَلت أنس بن مَالك عَن صَوْم رَمَضَان فِي
السّفر قَالَ الصَّوْم أفضل
وروى عَن أنس أَنهم كَانُوا يسافرون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي رَمَضَان فيصوم بَعضهم وَيفْطر بَعضهم فَلَا يعب هَؤُلَاءِ على
هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ على هَؤُلَاءِ
وروى مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عاشة أَن حَمْزَة بن
عَمْرو الْأَسْلَمِيّ قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصوم
فِي السّفر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شِئْت فَصم
وَإِن شِئْت فافطر
504 - فِي كَيْفيَّة قَضَاء رَمَضَان
قَالَ أَصْحَابنَا إِن شَاءَ تَابع وَإِن شَاءَ فرق وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ يَقْضِيه مُتَتَابِعًا أحب
إليناوإن فرق أَجزَأَهُ
(2/20)
قَالَ أبوجعفر وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن
سماك بن حَرْب عَن هَارُون ابْن أم هانىء أَو ابْن بنت هانىء عَن أم هانىء
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناولها فضل شرابه فَشَرِبت ثمَّ قلت
يارسول الله إِنِّي كنت صَائِمَة وَإِنِّي كرهت أَن أرد سؤرك فَقَالَ إِن
كَانَ من قَضَاء رَمَضَان فصومي يَوْمًا مَكَانَهُ وَإِن كَانَ تَطَوّعا
فَإِن شِئْت فاقضيه وَإِن شِئْت فَلَا تقضه
فَأمرهَا بِقَضَاء يَوْم مَكَانَهُ وَلم يأمرها باستئناف صَوْم إِن كَانَ
ذَلِك الْيَوْم مِنْهُ فَدلَّ على أَن التَّتَابُع لَا فضل لَهُ على
التَّفْرِيق فِيهِ وَأَيْضًا فَلَو افطر يَوْمًا من رَمَضَان لم يجب لَهُ
اسْتِئْنَاف شهر كَذَلِك قَضَاؤُهُ
505 - فِيمَن لم يقْض رَمَضَان حَتَّى دخل رَمَضَان آخر
قَالَ أَصْحَابنَا يَصُوم الثَّانِي عَن نَفسه ثمَّ يقْضِي الأول وَلَا
فديَة عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِن فرط فِي
قَضَاء الأول أطْعم مَعَ الْقَضَاء عَن كل يَوْم مِسْكينا قَالَ الثَّوْريّ
وَالْحسن بن حَيّ لكل يَوْم نصف صَاع بر وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك مدا
وَإِن لم يفرط لمَرض أَو سفر فَلَا إطْعَام عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا فرط فِي قَضَاء الأول وَمرض فِي الآخر حَتَّى
انْقَضى ثمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يطعم عَن الأول لكل يَوْم مَدين لتضييعه ومدا
للصيام وَيطْعم عَن الآخر مدا لكل يَوْم وَاتفقَ من تقدم قَوْله قبل
الْأَوْزَاعِيّ أَنه إِذا مرض رَمَضَان ثمَّ مَاتَ قبل أَن يَصح أَنه لَا
يجب أَن يطعم عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يزِيد بن هَارُون عَن عَمْرو بن مَيْمُون بن
مهْرَان عَن أَبِيه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ مَرضت
رمضانين فَقَالَ اسْتمرّ بك
(2/21)
الْمَرَض أوصححت فِيمَا بَينهمَا فَقَالَ
بل صححت فِيمَا بَينهمَا فَقَالَ أَكَانَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَدَعْهُ
حَتَّى يكون
فَقَامَ إِلَى أَصْحَابه فَأخْبرهُم فَقَالُوا ارْجع فَأخْبرهُ أَنه قد
كَانَ فَرجع هوأوغيره فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَكَانَ هَذَا قَالَ نعم قَالَ صم
رمضانين وَأطْعم ثَلَاثِينَ مِسْكينا
وروى روح بن عبَادَة عَن عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي رجل
فرط فِي قَضَاء رَمَضَان حَتَّى أدْركهُ رَمَضَان آخر قَالَ يَصُوم الَّذِي
أدْركهُ وَيطْعم عَن الأول كل يَوْم مدا من بر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد عَن أحد سُقُوط قَضَاء الأول بِالْإِطْعَامِ
غير ابْن عمر وَإِنَّمَا تفرد بِهِ عبد الله بن عمر بِهَذِهِ اللَّفْظَة
عَنهُ أَعنِي أَنه لَا قَضَاء عَلَيْهِ
وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر فَقَالَ فِيهِ يَصُوم
عَن هَذَا وَيطْعم عَن هَذَا لكل يَوْم مِسْكينا وَلم يذكر أَنه لَا قَضَاء
عَلَيْهِ
وَهَذَا يشبه مذْهبه فِي الْحَامِل أَنَّهَا تطعم وَلَا قَضَاء عَلَيْهَا
مَعَ ذَلِك
وروى عَن أبي هُرَيْرَة مثل قَول ابْن عَبَّاس قَالَ وَقَالَ الله تَعَالَى
{فَعدَّة من أَيَّام أخر} الْبَقَرَة 185 فَأوجب الْقَضَاء دون غَيره فَلَا
يجوز إِلْحَاق الْإِطْعَام بِهِ إِلَّا أَن هَذِه الْجَمَاعَة من
الصَّحَابَة قد اتّفقت على وجوب الْإِطْعَام بالتفريط إِلَى دُخُول
رَمَضَان اخر وَكَانَ ابْن أبي عمرَان يحْكى أَنه سمع
(2/22)
يحيى بن أَكْثَم يَقُول وجدته يعْنى وجوب
الْإِطْعَام فِي ذَلِك عَن سِتَّة من الصَّحَابَة وَلم أجد لَهُم من
الصَّحَابَة مُخَالفا
وَقد روى عَن ابْن عمر فِي ذَلِك قَول آخر وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن
أَيُّوب عَن حميد بن أبي يزِيد المدنى أَن رجلا احْتضرَ فَقَالَ لِأَخِيهِ
إِن لله عَليّ دينا وَلِلنَّاسِ عَليّ دينا فابدأ بدين الله فاقضه ثمَّ
اقْضِ دين النَّاس إِن عَليّ رمضانين لم أصمهما
فَسَأَلَ أبن عمر فَقَالَ بدنتان مقلدتان فَسَأَلَ ابْن عَبَّاس فَأخْبرهُ
بقول ابْن عمرفقال يرحم الله أَبَا عبد الرَّحْمَن مَا شَأْن الْبدن وشأن
الصَّوْم أطْعم عَن أَخِيك سِتِّينَ مِسْكينا
قَالَ أَيُّوب وَكَانَ يرَوْنَ أَنه قد صَحَّ بَينهمَا
506 - فِيمَن يَصُوم فِي السّفر ثمَّ يفْطر أَو مُقيم سَافر
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن أصبح صَائِما فِي السّفر ثمَّ أفطر من غير عذر
فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة وَكَذَلِكَ لَو أصبح صَائِما ثمَّ
سَافر فَأفْطر أَو كَانَ مُسَافِرًا فصَام فَقدم فَأفْطر فَإِنَّمَا
عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة
وَذكر ابْن وهب عَن مَالك فِي الصَّائِم فِي السّفر إِذا أفطر فَعَلَيهِ
الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وَقَالَ مرّة لاكفارة
(2/23)
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك عَلَيْهِ
الْكَفَّارَة قَالَ لَو أصبح صَائِما فِي حضر ثمَّ سَافر فَأفْطر فَلَيْسَ
عَلَيْهِ إلاالقضاء
وَقَالَ الأوازعي لَا كَفَّارَة على الْمُسَافِر فِي الْإِفْطَار
وَقَالَ اللَّيْث عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
قالو وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أفطر فِي السّفر
بَعْدَمَا دخل فِي الصَّوْم
507 - فِي الْمَرْأَة تطهر فِي بعض النَّهَار فِي شهر رَمَضَان
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حى والأوازعي عَلَيْهَا الْقَضَاء وَتمسك
بَقِيَّة يَوْمهَا وَكَذَلِكَ الْمُسَافِر يقدم وَقد أفطر فِي السّفر
وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي الْمُسَافِر إِذا قدم وَلم يَأْكُل شَيْئا إِنَّه
يَصُوم يَوْمًا وَيقْضى وَلَو طهرت الْمَرْأَة من حَيْضهَا فَإِنَّهَا
تَأْكُل وَلَا تَصُوم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمَرْأَة تطهر وَالْمُسَافر يقدم
وَقد أفطر فِي السّفر أَنه يَأْكُل وَلَا يمسك وَإِن أصبح ينوى الْإِفْطَار
وَهُوَ لَا يعلم أَنه من رَمَضَان ثمَّ علم مَكَانَهُ قبل ان يَأْكُل
وَيشْرب فَإِنَّهُ يكف عَن الْأكل وَالشرب وَيَقْضِي فَإِن أكل أَو شرب
بَعْدَمَا علم فِي يَوْمه فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون أكل
مرّة على مَا ذكرت فَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
(2/24)
وروى عَن أبي عُبَيْدَة عَن جَابر بن زيد
أَنه قدم فِي سفر فِي شهر رَمَضَان فَوجدَ الْمَرْأَة قد اغْتَسَلت فجامعها
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ من أكل أول النَّهَار فَليَأْكُل
آخِره
قَالَ سُفْيَان هُوَ كصنيع جَابر بن زيد وَلم يذكر سُفْيَان عَن نَفسه
خلافًا لَهما
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن من غم عَلَيْهِ هِلَال رَمَضَان
فَأكل ثمَّ علم أَنه يمسك عَمَّا يمسك عَنهُ الصَّائِم كَذَاك الْحَائِض
وَالْمُسَافر
508 - من يَنْوِي بصيام رَمَضَان تَطَوّعا
قَالَ أَصْحَابنَا من صَامَ شهر رَمَضَان وَهُوَ مُقيم يَنْوِي تَطَوّعا
أَو فرضا غَيره فَإِنَّهُ يُجزئهُ فِي رَمَضَان وَلَا يُجزئهُ عَمَّا نوى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن صَامَ رَمَضَان فِي السّفر عَن وَاجِب غَيره
كَانَ عَمَّا نوى وَإِن صَامَهُ تَطَوّعا كَانَ عَن رَمَضَان
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد عَن رَمَضَان فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث من صَامَ فِي أول يَوْم من رَمَضَان وهولايعلم
أَنه من رَمَضَان لم يجزه
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي امْرَأَة صَامت تَطَوّعا فَإِذا هُوَ من رَمَضَان
أجزأها قَالَ وَمن صَامَ فِي أَرض الْعَدو تَطَوّعا وَهُوَ لَا يعلم أَنه
من رَمَضَان أَجْزَأَ عَنهُ وَقَول الْأَوْزَاعِيّ مثل ذَلِك
(2/25)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لأحد أَن
يَصُوم فِي رَمَضَان دينا وَلَا قَضَاء لغيره فَإِن فعل لم يجزه فِي
رَمَضَان وَلَا لغيره
509 - فِي أكل النَّاسِي
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ من جَامع أَو أكل أَو شرب نَاسِيا فِي
رَمَضَان فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَقَالَ الثَّوْريّ فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الْمعَافي إِذا جَامع نَاسِيا
فليصم يَوْمًا مَكَانَهُ وَإِذا أكل أَو شرب نَاسِيا لم يفْطر فَلَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْء
510 - فِيمَن جَامع فِي رَمَضَان عَامِدًا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا جَامع
فِي نَهَار رَمَضَان عَامِدًا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مثل
كَفَّارَة الظِّهَار
وَقَالَ ابْن أبي ليلى الشهران فِي كَفَّارَة الْإِفْطَار ليسَا بمتتابعين
وَذكر ابْن وهب عَن مَالك أَنه قَالَ الْإِطْعَام فِي ذَلِك أحب إِلَيّ من
الْعتْق وَغَيره
وَقَالَ ابْن لقاسم مَالك لَا يعرف إِلَّا الْإِطْعَام وَلَا يَأْخُذ
بِالْعِتْقِ وَلَا بالصيام وَالطَّعَام عِنْده مد مد لكل مِسْكين
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن الْحسن إِذا وَاقع
الرجل أَهله
(2/26)
فِي رَمَضَان أَو وَاقع أَهله وَهِي حَائِض
أَو وَاقع وَهُوَ معتكف فَعَلَيهِ رَقَبَة فَإِن لم يجد أهْدى هَديا فَإِن
لم يجد أطْعم عشْرين صَاعا
وروى عَن ابراهيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير أَنه يقْضِي يَوْمًا
مَكَانَهُ وَلم يذكر كَفَّارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ للَّذي قَالَ أصبت أَهلِي تصدق فَلَمَّا قَالَ لَا أقدر على
شَيْء قَالَ اجْلِسْ فَأقبل رجل يَسُوق حمارا عَلَيْهِ طَعَام فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدق بِهَذَا
وَفِي حَدِيث آخر أُتِي بمكتل يدعى الْعرق فَأمره أَن يتَصَدَّق بِهِ
وروى أَبُو هُرَيْرَة مثل كَفَّارَة الظِّهَار على التَّرْتِيب وَهُوَ أولى
من حَدِيث عَائِشَة لِأَنَّهُ أمره أَولا بِالْعِتْقِ ثمَّ بالصيام ثمَّ
بِالطَّعَامِ فَاحْتمل أَن تكون عَائِشَة سَمِعت الْأَمر بِالصَّدَقَةِ دون
مَا قبلهَا
فَإِن قيل قد روى هَذَا الحَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد
الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى لله عَلَيْهِ وَسلم أمره
أَن يكفر بِعِتْق رَقَبَة أَو صِيَام شَهْرَيْن أَو إطْعَام سِتِّينَ
مِسْكينا وَرَوَاهُ ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك
(2/27)
قيل لَهُ رُوِيَ التَّرْتِيب عَن
الزُّهْرِيّ مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَشُعَيْب بن
أبي حَمْزَة وَعبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر كلهم عَن الزُّهْرِيّ
عَن حميد عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
للرجل اعْتِقْ رَقَبَة فَلَمَّا قَالَ لَا أجد قَالَ صم شَهْرَيْن فَلَمَّا
قَالَ لَا أَسْتَطِيع قَالَ أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا
وَلم يُتَابع مَالِكًا وَابْن جريج على التَّخْيِير أحد من أَصْحَاب
الزُّهْرِيّ وعَلى أَن حَدِيث هَؤُلَاءِ أولى لما فِيهِ من خطاب الرجل
وَإِيجَاب شَيْء بعد شَيْء على التَّرْتِيب الْمَذْكُور
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا لم يقدر الرجل على الْكَفَّارَة فليستغفر الله
وَلَا يعود لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَفَّارَة
الْمُفطر عَلَيْهِ
511 - هَل على الزَّوْجَة الْمَوْطُوءَة فِي نَهَار رَمَضَان كَفَّارَة
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك فِي الْجِمَاع على كل وَاحِد من الرجل
وَالْمَرْأَة كَفَّارَة
(2/28)
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهِمَا كَفَّارَة
وَاحِدَة وَأما الصّيام فِي الشَّهْرَيْنِ فَلَمَّا فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل صم شَهْرَيْن
مُتَتَابعين
512 - فِي الْأكل عَامِدًا
قَالَ أَصْحَابنَا على الْآكِل والشارب من الْكَفَّارَة مثل مَا على
المجامع وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا كَفَّارَة إِلَّا فِي الْجِمَاع
قَالَ أَبُو جَعْفَر للمزني لم أسقط الشَّافِعِي الْكَفَّارَة عَن الْآكِل
والشارب فَقَالَ كَمَا أسقط غَيره الْكَفَّارَة عَن المستقيء عمدا
فَقلت لَهُ أَلَيْسَ قد وجدنَا المقيأ مكْرها فِي صَوْم رَمَضَان لَا شَيْء
عَلَيْهِ والموجر للطعام وَالشرَاب مكْرها يفْسد عَلَيْهِ بذلك صَوْمه
والمكرهة على الْجِمَاع يفْسد صَومهَا قَالَ نعم فَقلت لَهُ قد جعلت
الطَّعَام وَالشرَاب فِي الْإِكْرَاه نَظِير الْجِمَاع لَا للقيء فَلم لم
تجعلها فِي الطواعية كَذَلِك
فَمَا وجدت عَنهُ فِي ذَلِك شَيْئا
(2/29)
513 - فِيمَن أفطر فِي يَوْمَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جَامع امْرَأَته أَيَّامًا فِي رَمَضَان فَعَلَيهِ
كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر وَكَذَلِكَ الْأكل وَالشرب وَإِن كفر ثمَّ
عَاد فَعَلَيهِ كَفَّارَة أُخْرَى وَإِن أفطر فِي رمضانين فَعَلَيهِ
كفارتان
وروى زفر عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا أفطر مرّة وَكفر ثمَّ عَاد فَلَا
كَفَّارَة عَلَيْهِ للإفطار الثَّانِي وَإِن كفر ثمَّ عَاد فكفارة أُخْرَى
وروى عَنهُ أَنه لكل يَوْم كَفَّارَة وَإِن لم يكفر
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ لكل
يَوْم كَفَّارَة
514 - فِي الْمَرْأَة إِذا أفطرت ثمَّ حَاضَت
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن أفطر مُتَعَمدا ثمَّ مرض فِي ذَلِك الْيَوْم أَو
كَانَت امْرَأَة فَحَاضَت فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فِي الْمَرَض
وَلَيْسَ على الْمَرْأَة الْكَفَّارَة فِي الْحيض لِأَن الْمَرَض لم يكن
يفطره وَالْحيض يفطرها وَإِن سَافر بعد الْإِفْطَار فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة
فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي الْحيض عَلَيْهَا الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة
وَهُوَ قَول مَالك وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ لَا كَفَّارَة عَلَيْهَا فِي الْحيض
وَقَالَ الثَّوْريّ وَلَا فِي الْمَرَض
(2/30)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا مرض الرجل أَو
حَاضَت الْمَرْأَة بعد الْجِمَاع فعلى الرجل عتق رَقَبَة
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن أفطر ثمَّ سَافر فَإِن كَانَ أفطر وَهُوَ يُرِيد
أَن يخرج من يَوْمه فَرَأى أَن ذَلِك يَسعهُ فَأفْطر جَاهِلا فَلَيْسَ
عَلَيْهِ كَفَّارَة وَإِن أفطر ثمَّ بدا لَهُ أَن يخرج لسفر أَو خرج
فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة
515 - فِيمَن لَا يَنْوِي صوما ثمَّ جَامع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا أصبح فِي شهر رَمَضَان لَا يَنْوِي صوما
ثمَّ جَامع أَو أكل فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن فصل ذَلِك قبل نصف النَّهَار فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وَالْكَفَّارَة وَإِن فعل بعد الزَّوَال فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِن أصبح يَنْوِي
الْإِفْطَار ثمَّ عزم على الصَّوْم ثمَّ أكل مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَفِي قَول أبي يُوسُف عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَقَالَ مَالك إِذا لم ينْو الصَّوْم وَنوى الْإِفْطَار وَلم يَأْكُل وَلم
يشرب حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أكل مُتَعَمدا ثمَّ جَامع بعد ذَلِك مُتَعَمدا
فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
516 - فِي الْمَرْأَة إِذا جومعت مُكْرَهَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي النائمة والمجنونة إِذا جَامعهَا زَوجهَا فعلَيْهَا
الْقَضَاء
(2/31)
للإفطار وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا
وَقَالَ زفر لَا قَضَاء على النائمة يُجَامِعهَا زَوجهَا عَلَيْهَا
الْقَضَاء
وروى عَن عمر بن خَالِد عَن أَصْحَابه الحروريين عَن زفر عَن أبي حنيفَة
مثل ذَلِك وَقَالَ زفر إِذا جَامعهَا زَوجهَا مُكْرَهَة فَعَلَيهِ
الْكَفَّارَة عَنْهَا وَعَلَيْهَا الْقَضَاء وَكَذَلِكَ الْحَج عَلَيْهِ
أَن يحجها لِأَن هَذَا كرها وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا
وَإِذا أكره الصَّائِم فصبت فِي حلقه مَاء فِي رَمَضَان فَعَلَيهِ
الْقَضَاء فَإِن كَانَ فِي صَوْم متتابع فَإِنَّهُ يقْضِي يَوْمًا
مَكَانَهُ ويصله بصومه
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ فِي المستكرهة فِي
الْجِمَاع يفطرها عَلَيْهَا الْقَضَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِن وطىء امْرَأَته فأولج عَامِدًا
مستكرها لَهَا فعلَيْهِمَا الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة عَلَيْهِ وَاحِدَة
عَنهُ وعنها
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن الْمُكْره لَا يفْطر مَا أكره عَلَيْهِ من
جماع أَو أكل أَو غَيره بِمَنْزِلَتِهِ
517 - النَّاسِي فِي الْجنب هَل يَصُوم
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ من
أصبح جنبا من جماع وَغَيره جَازَ لَهُ أَن يَصُوم وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
(2/32)
وَكَانَ الْحسن بن حَيّ يسْتَحبّ لمن أصبح
جنبا فِي رَمَضَان أَن يقْضِي ذَلِك الْيَوْم
وَكَانَ يرى على الْحَائِض إِذا أدْركهَا الصُّبْح وَلم تَغْتَسِل قَضَت
ذَلِك الْيَوْم وَإِن كَانَت قد طهرت قبل ذَلِك
وَكَانَ يَقُول يَصُوم الرجل تَطَوّعا فَإِن أصبح جنبا فَلَا قَضَاء
عَلَيْهِ
وروت عَائِشَة وَأم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يصبح جنبا من غير احْتِلَام ثمَّ يَصُوم يَوْمه ذَلِك
وروى ابْن وهب عَن مَالك عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن معمر
الْأنْصَارِيّ عَن أبي يُونُس مولى عَائِشَة عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ وَاقِف لَهُ بِالْبَابِ وَأَنا أسمع يارسول الله إِنِّي أصبح جنبا
وَأَنا أُرِيد الصَّوْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَنا أصبح جنبا وَأَنا أُرِيد الصَّوْم فأغتسل فأصوم فَقَالَ الرجل
يارسول الله إِنَّك لست مثلنَا قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا
تَأَخّر فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ وَالله إِنِّي
لأرجو أَن
(2/33)
أكون أخشاكم لله وَأعْلمكُمْ بِمَا أتقي
518 - فِي الْحَائِض يَنْقَطِع دَمهَا قبل الْفجْر هَل تَصُوم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ أَيَّامهَا عشرا فَانْقَطع الدَّم قبل
الْفجْر فِي وَقت لَا يقدر فِيهِ على الْغسْل حَتَّى يطلع الْفجْر
فَإِنَّهَا تَصُوم وَلَا تقضي وتغتسل وَتصلي الْعشَاء وَزوجهَا يملك
الرّجْعَة حَتَّى تطلع الشَّمْس
وَقَالَ مَالك إِن رَأَتْ الطُّهْر قبل الْفجْر أجزأها صَومهَا وَإِن
رَأَتْهُ بعد الْفجْر لم يجزها ولتأكل ذَلِك الْيَوْم
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا رَأَتْ الطُّهْر قبل الْفجْر فَلم تفرغ من الْغسْل
وَقد أخذت فِيهِ حِين رَأَتْهُ حَتَّى طلع الْفجْر فَإِنَّهَا تَصُوم وتقضي
وَإِن رَأَتْ أَن الطُّهْر قبل الْفجْر فضيعت حَتَّى طلع الْفجْر
فَإِنَّهَا تصلي الْمغرب وَالْعشَاء الْآخِرَة وتصوم وتقضي
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِنَّه إِن رَأَتْ الطُّهْر بلَيْل أوقامت
فَلم تقض غسلهَا حَتَّى أَصبَحت إِنَّهَا تتمّ ذَلِك الْيَوْم وتقضيه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن رَأَتْ الطُّهْر من اللَّيْل فَلم تَغْتَسِل
حَتَّى أَصبَحت اغْتَسَلت وصامت وأجزأها ذَلِك الْيَوْم
519 - فِي عدد قَضَاء رَمَضَان
قَالَ أَصْحَابنَا إذاصام أهل بلد تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا للرؤية وَفِي
الْبَلَد
(2/34)
رجل مَرِيض لم يصم فَإِنَّهُ يقْضِي
تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا وَإِن صَامَ أهل بلد ثَلَاثِينَ يَوْمًا للرؤية
فَعلم بذلك من صَامَ تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا فَعَلَيْهِم أَن يقضوايوما
وعَلى الْمَرِيض الْمُفطر قَضَاء ثَلَاثِينَ يَوْمًا رَوَاهُ بشر بن
الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف من غير خلاف
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ أَيْضا مَذْهَب مُحَمَّد
وَحكى بعض أَصْحَاب مَالك عَنهُ أَنه يقْضِي رَمَضَان بِالْأَهِلَّةِ وَذكر
عَنهُ أَشهب أَنه سُئِلَ عَمَّن مرض سِنِين ثمَّ مَاتَ مَرِيضا أَنه يطعم
عَنهُ سِتِّينَ مِسْكينا مدا
وَقَالَ الثَّوْريّ فِيمَن مرض رَمَضَان فَكَانَ تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا
أَنه يَصُوم الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِن مرض رجل شهر رَمَضَان من أَوله إِلَى آخِره
ثمَّ ابْتَدَأَ شهرا يَقْضِيه فَكَانَ هَذَا الشَّهْر الَّذِي يقْضِي فِيهِ
تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا أَجزَأَهُ من شهر رَمَضَان الَّذِي أفطر وَإِن
كَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّهُ جَزَاء شهر بِشَهْر وَإِن كَانَ شهر
رَمَضَان تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا وَكَانَ الشهرالذي ابْتَدَأَ يَقْضِيه
ثَلَاثِينَ يَوْمًا صَامَ كُله جَزَاء شهر بِشَهْر وَإِن كَانَ ابْتِدَاء
الْقَضَاء على غير اسْتِقْبَال شهرا تمّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِن كَانَ
رَمَضَان تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا لِأَن الشَّهْر لَا يكون تِسْعَة
وَعشْرين يَوْمًا إِلَّا شهر من أَوله إِلَى آخِره
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر
فليصمه وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} الْبَقَرَة
185 وَإِنَّمَا أوجب عَلَيْهِ عدَّة
(2/35)
الشَّهْر لَا غير وَأَيْضًا لَو أفطر بعض
رَمَضَان كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء مَا أفطر بعد ذَلِك كَذَلِك جَمِيعه
520 - فِي الحقنة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الحقنة والسعوط الْقَضَاء وَكَذَلِكَ ماأقطر فِي
أُذُنَيْهِ أَو فِي إحليله فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْقَضَاء وَذكر ابْن الْمُبَارك عَن ابي
حنيفَة فِي الإقطار فِي الإحليل الْقَضَاء
وَقَالَ مَالك فِي الحقنة الْقَضَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي السعوط الْقَضَاء إِذا وجد طعمه فِي حلقه وَإِن
كَانَ صِيَامه فِي كَفَّارَة قضى ذَلِك الْيَوْم وَلم يسْتَأْنف وَإِن
صبَّتْ فِي أُذُنه دهنا أَو غَيره لم يفْطر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس بالحقنة للصَّائِم للتداوي فَإِن كَانَ
تسمنا لَا
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس أَن يصب للصَّائِم فِي أُذُنه
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الحقنة الْقَضَاء إِذا وصل إِلَى جَوْفه وَإِن سقط
فوصل إِلَى الدِّمَاغ فَعَلَيهِ الْقَضَاء لِأَن الدِّمَاغ جَوف
(2/36)
521 - فِي الْجَائِفَة والآمة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر إِذا داواها الصَّائِم بدواء فوصل إِلَى جَوْفه
أَو دماغه فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا قَضَاء عَلَيْهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس بِأَن يصب الصَّائِم فِي أُذُنه الدّهن
لِأَنَّهُ لَا يصل إِلَى الْجوف إِنَّمَا يصل إِلَى الدِّمَاغ فَهَذَا يدل
على أَنه لَا يُوجب الْقَضَاء فِي الآمة
522 - فِي الصَّائِم يبلع شَيْئا بَين أَسْنَانه
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الصَّائِم يكون بَين
أَسْنَانه شَيْء من لحم أوسويق أَو خبز فجَاء على لِسَانه مِنْهُ شَيْء
فابتلعه وَهُوَ ذَاكر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة
(2/37)
قَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَلَا كَفَّارَة
وَقَالَ الثَّوْريّ يسْتَحبّ أَن يقْضِي
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا دخل الذُّبَاب جَوف الصَّائِم فَعَلَيهِ
الْقَضَاء
وَقَالَ مَالك لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الذُّبَاب يدْخل حلقه
523 - فِي الْأَسير يشْتَبه عَلَيْهِ الشُّهُور
قَالَ أصحابناإذا تحرى شهرا فصامه فَإِن صَادف رَمَضَان أَو بعده أَجزَأَهُ
وَإِن صَامَ قبل رَمَضَان لم يجزه وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يُجزئهُ بِحَال سَوَاء صَامَهُ بِعَيْنِه أَو
قبله أَو بعده لِأَنَّهُ قد صَامَهُ على شكّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو تحرى الْقبْلَة فصلى
إِلَيْهَا ثمَّ علم أَنه صادفها يُجزئهُ وَإِن لم يصبهَا جَازَ عِنْد أبي
حنيفَة أَيْضا وَفرقُوا بَينه وَبَين من
(2/38)
صَامَ قبل رَمَضَان على وَجه التَّحَرِّي
لِأَن ترك الْقبْلَة جَائِز فِي حَال الْعذر مَعَ الْعلم بهَا وَالصَّوْم
قبل الْوَقْت لَا يجزىء بِحَال وَالصَّوْم يشبه الصَّلَاة قبل الْوَقْت
بِالتَّحَرِّي
524 - هَل يكره للصَّائِم الانغماس فِي المَاء
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يفطره وَلم يذكرُوا كَرَاهَة لَهُ
وَكَانَ مَالك يكرههُ
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا بَأْس بِهِ
وَالْحسن بن حَيّ يكره الانغماس فِيهِ إِذا صب على رَأسه وبدنه وَلَا يكره
أَن يستنفع فِيهِ
525 - فِي يَوْم الشَّك
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يصام يَوْم الشَّك إِلَّا تَطَوّعا وَإِذا أصبح تلوم
مَا بَينه وَبَين نصف النَّهَار وأكره أَن يعزم على الصَّوْم فَيَقُول إِن
صَامَ النَّاس صمت وَإِن لم يصم النَّاس لم أَصمّ
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يتلوم يَوْم الشَّك
وَكره الْحسن بن حَيّ يَوْم الشَّك فَإِن أصبح وَقَالَ إِن صَامَ النَّاس
صمت وَإِن أفطروا أفطرت فأدركه الْفجْر على هَذِه النِّيَّة فَعَلَيهِ
الْقَضَاء وَإِن ثَبت أَن الْيَوْم من رَمَضَان
(2/39)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجب صَوْم
رَمَضَان حَتَّى يستقين
526 - فِي الصَّائِم يبتلع رِيقه
قَالَ أَصْحَابنَا يكره مضغ العلك للصَّائِم ومضغ الطَّعَام إِلَّا أَن لَا
يجد بدا للصَّبِيّ وَكَذَلِكَ مَالك وَالثَّوْري من غير اسْتثِْنَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي أكره العلك لِأَنَّهُ يجلب الرِّيق وَإِن مضغه لم
يفطره
527 - فِي الصَّائِم يبتلع حَصَاة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يفطره
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يفطره لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَام
وَقَالَ الله تَعَالَى {وكلوا وَاشْرَبُوا} ثمَّ قَالَ {أَتموا الصّيام
إِلَى اللَّيْل} الْبَقَرَة 187 فَإِنَّمَا وَجب الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام
وَالشرَاب وَلَا خلاف أَن الاستقاء عمدا يفطره فابتلاع الْحَصَى أولى بذلك
528 - فِي الْأَيَّام الَّتِي يكره صَومهَا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يصام يَوْم الْفطر والنحر وَأَيَّام التَّشْرِيق
وَهُوَ قَول مَالك فِي رِوَايَة ابْن وهب
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَنه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَصُوم أَيَّام
الذّبْح وَلَا يقْضِي فِيهَا صياما وَاجِبا من نذر وَلَا رَمَضَان وَلَا
يصومها إِلَّا الْمُتَمَتّع الَّذِي لم يصم إِن لم يجد الْهدى ولايصوم
يَوْم النَّحْر أحد وَأما آخر أَيَّام التَّشْرِيق فيصام أَن
(2/40)
نَذره رجل أَو نذر صِيَام ذِي الْحجَّة
فَأَما قَضَاء رَمَضَان أَو غَيره فَلَا يفعل إِلَّا أَن يكون قد صَامَ قبل
ذَلِك فَمَرض ثمَّ صَحَّ وَقَوي على الصّيام فِي هَذَا الْيَوْم فيبني على
صِيَامه الَّذِي كَانَ صَامَهُ فِي الظِّهَار وَقتل النَّفس إِلَّا فِي
قَضَاء على رَمَضَان خَاصَّة فَإِنَّهُ لَا يَصُومهُ عَنهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ وَلَا يصام يَوْم الْفطر وَلَا يَوْم
النَّحْر وَلَا أَيَّام منى فرضا وَلَا تَطَوّعا وَلَو صامها متمتع لَا يجد
هَديا لم يجز عَنهُ
قَالَ الْمُزنِيّ قد قَالَ غير مرّة يجزىء ثمَّ رَجَعَ عَنهُ
529 - فِيمَن نذر صَوْم سنة بِعَينهَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن نذر صَوْم هَذِه السّنة أَنه يفْطر يَوْم الْفطر
وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق ثمَّ يَقْضِيهَا وَهُوَ قَول
الْحسن بن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ زفر إِذا قَالَ لله عَليّ صِيَام سنة أَن عَلَيْهِ صِيَام سنة
إِلَّا أَيَّام التَّشْرِيق وَالْفطر والأضحى فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ
أَن يصومها يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فِي غَيرهَا
وَقَالَ وهب بن مُنَبّه عَن مَالك فِيمَن نذر أَن يَصُوم ذَا الْحجَّة
فَإِنَّهُ يفْطر يَوْم النَّحْر ويومين بعده ثمَّ يقْضِي وَأما آخر أَيَّام
التَّشْرِيق فَإِنَّهُ يَصُومهُ
وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِيمَن نذر صِيَام سنة بِعَينهَا أَنه يفْطر
يَوْم النَّحْر وَيَوْم الْفطر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون نوى
أَن يَصُومهُ ثمَّ سُئِلَ بعد ذَلِك عَمَّن أوجب صِيَام ذِي الْحجَّة أَنه
يقْضِي أَيَّام الذّبْح إِلَّا أَن يكون نوى أَن لَا قَضَاء لَهَا
قَالَ ابْن الْقَاسِم قَوْله الأول أحب إِلَيّ أَن لَا قَضَاء عَلَيْهِ
إِلَّا أَن يَنْوِي أَن يَقْضِيه فَأَما آخر أَيَّام التَّشْرِيق الَّتِي
لَيْسَ فِيهَا ذبح فَإِنَّهُ يصومها وَلَا يَدعهَا
(2/41)
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن جعل على نَفسه
صِيَام سنة أَنه يَصُوم وَيَقْضِي رَمَضَان لمَكَان رَمَضَان ويومين
لمَكَان الْفطر وَيَوْم النَّحْر ويصوم أَيَّام التَّشْرِيق
وَقَالَ فِي الْمَرْأَة مثل الرجل وتقضي أَيَّام الْحيض وَقَالَ فِي الرجل
يَجْعَل عَلَيْهِ صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَوَافَقَ ذَلِك يَوْم
فطر أَو أضحى فَإِنَّهُ يفْطر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا خلاف الأول
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يصام يَوْم الْفطر والنحر وَلَا أَيَّام منى فرضا
وَلَا تَطَوّعا
530 - فِيمَن أوجب صِيَام شهر بِعَيْنِه فَلم يصم
قَالَ أَصْحَابنَا يَقْضِيه وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِن أَرَادَ
يَمِينا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين مَعَ
الْقَضَاء وَقَول الْأَوْزَاعِيّ مثل أبي يُوسُف
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء يَمِين وَلم يذكر إِرَادَة
الْيَمين وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن وَالثَّوْري كَذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ من نذر صَلَاة فِي يَوْم بِعَيْنِه
أَو صياما فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بذلك فِي ذَلِك الْيَوْم فَإِن أَخّرهُ
قضى فِي غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدِيث لَا نذر فِي مَعْصِيّة لَا يَصح
حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد
عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
(2/42)
لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة
يَمِين
وَحدثنَا ابْن أبي دَاوُد وَقَالَ حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال
قَالَ حَدثنِي أَبُو بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن
مُحَمَّد بن أبي عَتيق ومُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان بن
أَرقم عَن يحيى بن أبي كثير الَّذِي يسكن الْيَمَامَة حَدثهُ أَنه سمع
أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن يخبر عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت أَن
رَسُول الله صلى الله عيه وَسلم قَالَ لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته
كَفَّارَة يَمِين
وَسليمَان بن أَرقم ضَعِيف الرِّوَايَة سَاقِط عِنْد أهل الحَدِيث
وَحدثنَا يُونُس قَالَ أَخْبرنِي جرير بن حَازِم عَن مُحَمَّد بن زبير
الْحَنْظَلِي عَن أَبِيه عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نذر فِي غضب وكفارته كَفَّارَة يَمِين وَهَذَا
الحَدِيث أَيْضا فَاسد الاسناد لِأَن مُحَمَّد بن الزبير لم يسمعهُ من
عمرَان بن حُصَيْن وَإِنَّمَا رَوَاهُ رجل مَجْهُول عَنهُ
(2/43)
كَمَا حَدثنَا عَليّ بن سعيد قَالَ
حدثناعبد الْوَهَّاب بن عَطاء قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الزبير
الْحَنْظَلِي عَن أَبِيه عَن رجل عَن عمرَان عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بذلك
وَحدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو بن
الْحَارِث عَن كَعْب بن عَلْقَمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن شماسَة الْمهرِي
عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة يَمِين
وَهَذَا حَدِيث مُسْتَقِيم السَّنَد صَحِيح الْمَتْن وَهُوَ يُوجب
الْكَفَّارَة عِنْد فَوَات الْمَنْذُور
531 - فِيمَن أوجب صَوْم الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان فَقدم فلَان
لَيْلًا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ إِن قدم فلَان فَللَّه عَليّ أَن أَصوم ذَلِك
الْيَوْم فَقدم فلَان لَيْلًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قدم فِي يَوْم قد
أكل فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْيَوْم صَوْم ويصوم كل يَوْم مثله
فِيمَا يسْتَقْبل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قدم فِي يَوْم قد أكل فِيهِ فَإِنَّهُ يمسك
عَن الْأكل بَقِيَّة يَوْمه وَإِن قضى يَوْمًا مَكَانَهُ كَانَ أحب إِلَيّ
(2/44)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن قدم لَيْلًا فَلَا
شَيْء عَلَيْهِ وَلَو قدم نَهَارا وَهُوَ صَائِم فِيهِ تَطَوّعا كَانَ
عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَقد يحْتَمل الْقيَاس أَن لَا يكون عَلَيْهِ الْقَضَاء
من قبل أَنه لَا يصلح أَن يكون فِيهِ صَائِما عَن نَذره
وَقَالَ زفر إِن قدم لَيْلًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قدم نَهَارا
بَعْدَمَا أكل أوقبل أَن يَأْكُل فَعَلَيهِ الْقَضَاء
532 - فِيمَن نذر صوما بِعَيْنِه فَأفْطر
قَالَ أَصْحَابنَا عَلَيْهِ الْقَضَاء لعذر أفطر أَو لغير عذر أَو لحيض
وَقَالَ زفر فِي امْرَأَة قَالَت لله عَليّ أَن أَصوم يَوْم الْإِثْنَيْنِ
وَالْخَمِيس فَوَافَقَ حَيْضهَا فِي ذَلِك أَنَّهَا تفطر وَلَيْسَ
عَلَيْهَا قَضَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهَا الْقَضَاء
وَقَالَ مَالك إِن أفطرت لحيض أَو مرض فَلَا قَضَاء عَلَيْهَا وَإِن أفطرت
لغير عذر وَهِي تقوى على صَوْمه فعلَيْهَا الْقَضَاء
وَقَالَ اللَّيْث نَحْو ذَلِك
533 - فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام من نذر أَو قَضَاء رَمَضَان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أمكنه الْقَضَاء فَلم يفعل فَإِنَّهُ يطعم عَنهُ
وَالنّذر وَقَضَاء رَمَضَان سَوَاء
(2/45)
وَقَالَ مَالك لَا يَصُوم أحد عَن أحد
وَهُوَ أَمر مجمع عَلَيْهِ عندنَا لَا اخْتِلَاف فِيهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَعبيد الله بن الْحسن يطعم عَنهُ وَلَا يصام عَنهُ
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ أَيْضا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي النّذر يَجْعَل وليه مَكَان الصَّوْم صَدَقَة
فَإِن لم يجد صَامَ عَنهُ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يَصُوم أحد عَن أحد وَإِن كَانَ اعتكافا اعْتكف
عَنهُ وَصَامَ عَنهُ بعد مَوته
وَقَالَ اللَّيْث فِي النّذر يَصُوم عَنهُ وليه
وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَأحمد بن حَنْبَل فِي صَوْم
رَمَضَان يطعم عَنهُ مدا من حِنْطَة كل يَوْم وَفِي النّذر يَصُوم عَنهُ
وَقَالَ أَبُو ثَوْر يقْضِي عَنهُ الصَّوْم فِي ذَلِك كُله
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير فِي قَضَاء رَمَضَان يطعم
عَنهُ وَفِي النّذر يَصُوم عَنهُ
(2/46)
وروى مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن
ثَوْبَان فيهمَا جَمِيعًا الْإِطْعَام
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة من قَوْلهَا أَنه لَا يقْضِي عَنهُ قَضَاء رَمَضَان
بِالصَّوْمِ وَلَكِن بِالْإِطْعَامِ
534 - فِي الِاعْتِكَاف بِغَيْر صَوْم
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ لَا اعْتِكَاف
إِلَّا بِصَوْم وَقَالَ اللَّيْث إِلَّا اعْتِكَاف فِي رَمَضَان والجوار
فِي غير رَمَضَان وَمن جاور فَعَلَيهِ مَا على الْمُعْتَكف فِي الصّيام
وَغَيره
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز الاعكتاف بِغَيْر صَوْم
وروى عَمْرو بن دِينَار عَن أبي فَاخِتَة مولى جعدة بن هُبَيْرَة عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ لَا اعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْم
وروى ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس مثله
وروى طَاوس عَن ابْن عَبَّاس لَيْسَ على الْمُعْتَكف صَوْم إِلَّا أَن
يَجعله على نَفسه
وروى عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَ لَا جوَار إِلَّا بِصَوْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر والجوار الِاعْتِكَاف عِنْدهم
(2/47)
وروى عَطاء عَن عَائِشَة من اعْتكف
فَعَلَيهِ الصَّوْم
535 - فِي مَوضِع الِاعْتِكَاف
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز الِاعْتِكَاف فِي كل مَسْجِد وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك
وَذكر ابْن عبد الحكم عَن مَالك لَا يعْتَكف أحد إِلَّا فِي مَسْجِد
الْجَامِع وَفِي رحاب المسجدالتي تجوز الصَّلَاة فِيهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا اعْتِكَاف وَلَا جُمُعَة إِلَّا فِي مَسْجِد
جمَاعَة
536 - فِي مَكَان اعْتِكَاف النِّسَاء
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تعتكف الْمَرْأَة إِلَّا فِي مَسْجِد بَيتهَا وَلَا
تعتكف فِي مَسْجِد الْجَمَاعَة
وَمَالك لَا يُعجبهُ أَن تعتكف فِي مَسْجِد بَيتهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي الْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالْمُسَافر يعتكفون حَيْثُ
شاؤوا لِأَنَّهُ لَا جُمُعَة عَلَيْهِم
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من أَبَاحَ للْمَرْأَة ذَلِك أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لماأراد
(2/48)
الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد ضرب لَهُ خباء
فَأمرت عَائِشَة وَحَفْصَة كل وَاحِدَة أَن تضرب لَهَا خباء فَلَمَّا رأى
ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آلبر تردن فَلم يعْتَكف
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا جَازَ لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ كن مَعَ
أَزوَاجهنَّ وللمرأة أَن تعتكف فِي الْمَسْجِد مَعَ زَوجهَا كَمَا تُسَافِر
مَعَه
قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ إِنَّمَا ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الِاعْتِكَاف فِي ذَلِك إنكارا عَلَيْهِنَّ وَيدل عَلَيْهِ قَوْله
آلبر تردن
وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة قَالَت لَو رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا أحدث النِّسَاء بعده لمنعهن الْمَسَاجِد كَمَا منعت نسَاء بني
إِسْرَائِيل
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن صَلَاة الْمَرْأَة
فِي بَيتهَا خير من صلَاتهَا فِي الْمَسَاجِد فَكَذَلِك الِاعْتِكَاف
537 - فِي أقل مُدَّة الِاعْتِكَاف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لله عَليّ اعْتِكَاف يَوْم اعْتكف مَتى شَاءَ
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وروى ابْن وهب عَن مَالك ماسمعت أحدا اعْتكف دون عشرَة وَمن
(2/49)
صنع ذَلِك لم أر عَلَيْهِ شَيْئا وَذكر
ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه يَقُول الِاعْتِكَاف يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ
رَجَعَ فَقَالَ لَا اعْتِكَاف أقل من عشرَة أَيَّام
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا أستحب أَن يعْتَكف أقل من عشرَة
538 - فِيمَن أَرَادَ اعْتِكَاف الْعشْرَة مَتى يدْخل الْمَسْجِد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوجب على نَفسه اعْتِكَاف شهر دخل الْمَسْجِد قبل
أَن تغيب الشَّمْس وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر وَاللَّيْث يدْخل قبل طُلُوع الْفجْر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ لله عَليّ اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ دخل قبل
طُلُوع الْفجْر
539 - فِيمَن أوجب اعْتِكَاف يَوْم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوجب اعْتِكَاف يَوْم لم يكن عَلَيْهِ اعْتِكَاف
لَيْلَة مَعَه
وَإِن قَالَ يَوْمَيْنِ فَعَلَيهِ يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ يدْخل
الْمَسْجِد قبل غرُوب الشَّمْس
وَقَالَ زفر إِن قَالَ اعْتِكَاف لَيْلَتَيْنِ دخل قبل غرُوب الشَّمْس
فَيكون لَيْلَتَيْنِ وَيَوْما بَينهمَا
540 - فِي الْمُعْتَكف يتشاغل بالأمور الْمُبَاحَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يتحدث وَيبِيع وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِد
ويتشاغل بِمَا
(2/50)
لَا إِثْم فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ صمت وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي قَالَ ويتزوج
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يعرض الْمُعْتَكف لتِجَارَة وَلَا غَيرهَا
يشْتَغل باعتكافه وَلَا بَأْس بِأَن يَأْمر بصنعته ومصلحة أَهله وَيبِيع
مَاله أَو شَيْء لَا يشْغلهُ عَن عَيْش نَفسه فَلَا بَأْس بِهِ إِذا كَانَ
خَفِيفا
وَقَالَ مَالك لَا يكون معتكفا حَتَّى يتَجَنَّب مايتجنبه الْمُعْتَكف
ولابأس بِنِكَاح الْمُعْتَكف مَا لم يكن الوقاع وَالْمَرْأَة المعتكفة
تنْكح نِكَاح الْخطْبَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يقوم الْمُعْتَكف إِلَى رجل يعزيه
بمصيبة وَلَا يشْهد نِكَاحا يعْقد فِي الْمَسْجِد يقوم إِلَيْهِ فِي
الْمَسْجِد وَلَكِن لَو غشيه ذَلِك فِي مَجْلِسه لم أر بِهِ بَأْسا وَلَا
يقوم إِلَى الناكح فيهنئه وَلَا يتشاغل فِي مجْلِس الْعلم وَلَا يكْتب
الْعلم فِي الْمَسْجِد وَكَرِهَهُ وَيَشْتَرِي وَيبِيع إِذا كَانَ خَفِيفا
وَقَالَ الثَّوْريّ الْمُعْتَكف يعود الْمَرِيض وَيشْهد الْجُمُعَة وَمَا
لَا يحسن بِهِ أَن يصنعه فِي الْمَسْجِد أَتَى أَهله فصنعه وَلَا يدْخل
سقفا إِلَّا أَن يكون مَمَره فِيهِ وَلَا يجلس عِنْد أَهله وليوصيهم بحاجته
وَهُوَ قَائِم أَو ماش وَلَا يَبِيع وَلَا يبْتَاع وَإِن دخل سقفا بَطل
اعْتِكَافه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا دخل الْمُعْتَكف بَيْتا لَيْسَ طَرِيقه أَو
جَامع بَطل اعْتِكَافه ويحضر الْجِنَازَة وَيعود الْمَرِيض وَيَأْتِي
الْجُمُعَة وَيخرج للْوُضُوء وَيَأْتِي بَيت الْمَرِيض وَيكرهُ أَن يَبِيع
وَيَشْتَرِي
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يخرج لجنازة وَلَا عِيَادَة مَرِيض
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عمْرَة عَن عَائِشَة
أَنَّهَا
(2/51)
قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعْتكف يدني رَأسه إِلَيّ فأرجله فَلم يمنعهُ
الِاعْتِكَاف الِاشْتِغَال بترجل الرَّأْس لِأَن ذَلِك من إصْلَاح بدنه
فَكَذَلِك مَا كَانَ فِي من إصْلَاح مَاله لَا يمْنَع الِاعْتِكَاف مثله
وروى ابْن الْيَمَان عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ
بن الْحُسَيْن أَخْبَرتنِي صَفِيَّة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنَّهَا جَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوره فِي
اعْتِكَافه فِي الْمَسْجِد فِي الْعشْر الآواخر من رَمَضَان فتحدثت عِنْده
سَاعَة ثمَّ قَامَت تنْقَلب وَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَعهَا يقلبها حَتَّى إِذا بلغت بَاب الْمَسْجِد الَّذِي عِنْد بَاب أم
سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَليّ وَسلم مر بهما رجلَانِ من الْأَنْصَار
فسلما على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تعدا فَقَالَ لَهما
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رِسْلكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّة بنت
حييّ فَقَالَا سُبْحَانَ الله يَا رَسُول الله وَكبر ذَلِك عَلَيْهِمَا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان يبلغ من
الْإِنْسَان مبلغ الدَّم وَإِنِّي خشيت أَن يقذف فِي قُلُوبكُمَا شَيْئا
فتشاغل فِي اعْتِكَافه بمحاورته صَفِيَّة وَمَشى مَعهَا إِلَى بَاب
الْمَسْجِد
(2/52)
541 - فِي الْمُؤَذّن الْمُعْتَكف يصعد
المئذنة فِي الْأَذَان
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يفْسد اعْتِكَافه وَإِن كَانَ بَابهَا خَارج
الْمَسْجِد وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يكره الْمُعْتَكف أَن يصعد المنارة أَو ظهر
الْمَسْجِد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس بصعود المنارة إِذا لم تكن مفصولة من
الْمَسْجِد وَيُصلي على ظهر الْمَسْجِد
قَالَ أَبُو جَعْفَر ظهر الْمَسْجِد من الْمَسْجِد أَلا ترى إِنَّمَا هُوَ
مَحْصُور فِي الْمَسْجِد فَكَذَلِك ظَهره والمنارة وَإِن كَانَت خَارِجَة
الْمَسْجِد فَهِيَ موطن الْأَذَان الَّذِي من أَسبَاب الصَّلَاة كالمسجد
موطن الصَّلَاة فَهِيَ كرحاب الْمَسْجِد
542 - فِي الْمُعْتَكف يقبل أَو يُبَاشر
قَالَ أَصْحَابنَا إِن بَاشر أَو قبل فَأنْزل فسد اعْتِكَافه
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا بَاشر فسد اعْتِكَافه
وَفِي مَوضِع آخر لَا يفْسد الِاعْتِكَاف فِي الْوَطْء إِلَّا مَا يُوجب
الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر الِاعْتِكَاف يحظر الْقبْلَة كالإحرام فَلَمَّا كَانَت
الْقبْلَة لَا يفْسد الْإِحْرَام فَكَذَلِك الِاعْتِكَاف فَإِن قيل فَيُوجب
دَمًا وَإِن ينزل قيل لَهُ فَإِذا كَانَ يُوجب فِي الْإِحْرَام دَمًا فقد
علمنَا أَن الْإِحْرَام آكِد وَأَغْلظ حُرْمَة إِذْ لَا يُوجب فِي
الِاعْتِكَاف شَيْئا فَإِن لم يفْسد الْإِحْرَام فأحرى أَن لَا يفْسد
الِاعْتِكَاف
(2/53)
قَالَ أَبُو بكر فَيلْزمهُ أَن لَا يفْسد
وَإِن أنزل لِأَنَّهُ لَا يفْسد الْإِحْرَام وَإِن أنزل
543 - إِذا أوجب اعْتِكَاف شهر هَل لَهُ أَن يفرق
قَالَ أَصْحَابنَا يُتَابع وَلَا يفرق وَإِن فرق لم يجزه وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ زفر يُجزئهُ إِن فرق وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
544 - فِيمَن أوصى بِقَضَاء الِاعْتِكَاف
قَالَ أَصْحَابنَا يقْضِي عَنهُ بِالْإِطْعَامِ وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ إِذا كَانَ أوجب صَوْمه
وَقَالَ الثَّوْريّ الطَّعَام أحب إِلَيّ من أَن يقْضِي باعتكاف
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يقْضِي عَنهُ وليه بعد مَوته فِي النّذر وَلَا
يتَطَوَّع بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة عَن أحد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يعْتَكف عَنهُ وليه
(2/54)
545 - فِيمَن نذر اعتكافا وَهُوَ مَرِيض
أَو صَحِيح ثمَّ مَاتَ
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا جعل الْمَرِيض على نَفسه اعتكافا ثمَّ مَاتَ قبل
أَن يبرأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِذا جعل الصَّحِيح على نَفسه اعْتِكَاف
شهر ثمَّ عَاشَ عشرَة أَيَّام ثمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يقْضِي عَنهُ شهرا يطعم
عَنهُ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مُحَمَّد يطعم عَنهُ بِقدر مَا بَقِي وَفِي قَضَاء رَمَضَان يلْزمه
بِمِقْدَار مَا يبرأ فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَكَذَلِكَ قَول مَالك
وَالثَّوْري وَاللَّيْث فِي قَضَاء رَمَضَان
وروى ابْن وهب عَن مَالك أَنه إِذا نذر شهرا بِعَيْنِه فَمَرض كُله فَلَا
قَضَاء عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن مرض فِي رَمَضَان فَلم يَصح حَتَّى مَاتَ
أَن أطْعم عَنهُ لكل يَوْم مدا فَحسن وَإِن تركُوا ذَلِك فقد كَانَ فِي عذر
الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل فِي الْإِطْعَام عَن أحد من أهل
الْعلم
546 - فِيمَن يَأْذَن لزوجته فِي الِاعْتِكَاف ثمَّ يمْنَعهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أذن الرجل لزوجته فِي الِاعْتِكَاف فَلَيْسَ لَهُ
منعهَا وَإِن أذن لعَبْدِهِ كرهت مَنعه وَإِن مَنعه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقد أَسَاءَ
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهُ منع وَاحِد مِنْهُمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ منعهما جَمِيعًا
(2/55)
وَقَالُوا جَمِيعًا لَيْسَ للرجل منع
زَوجته وَأمته وَعَبده من الِاعْتِكَاف فِي الِابْتِدَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَيْسَ لَهُ منع زَوجته من الِاعْتِكَاف الَّذِي قد
دخلت فِيهِ قبل ذَلِك
وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم
آخر كتاب الصّيام
(2/56)
= كتاب الْمَنَاسِك =
547 - هَل تحج الْمَرْأَة بِغَيْر محرم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ لَا تحج الْمَرْأَة إِلَّا مَعَ ذِي
رحم محرم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تحج بِغَيْر محرم يَعْنِي من النِّسَاء
وَقَالَ اللَّيْث يَأْمر بعض نسائها أَن ترْضع رجلا خمس رَضعَات وَتخرج
مَعَه لِأَنَّهُ صَار محرما لَهَا
نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل
لامْرَأَة أَن تُسَافِر مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا مَعَ ذِي رحم محرم
وَالْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مثله
وَقَالَ أَو زَوجهَا أَو ابْنهَا
(2/57)
وروح بن الْقَاسِم عَن سُهَيْل بن أبي
صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مثله
فَكَانَ الْمحرم من السَّبِيل فَإِن قيل إِنَّمَا أَرَادَ الْمحرم فِي غير
الْحَج
قيل لَهُ روى يُونُس بن عبد الأعلى حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو سمع أَبَا
معبد مولى ابْن عَبَّاس قَالَ ابْن عَبَّاس خطب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تُسَافِر امْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم
وَلَا يدْخل عَلَيْهَا رجل إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم فَقَامَ رجل فَقَالَ
يَا رَسُول الله إِنِّي قد اكتتبت فِي غَزْوَة تَبُوك وَقد أردْت أَن أحج
مَعَ امْرَأَتي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حج مَعَ
امراتك
وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن جريج أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار عَن أبي معبد عَن
ابْن عَبَّاس مثله
فَإِن قيل فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن
تُسَافِر إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم وَنهى أَن تُسَافِر يَوْمًا إِلَّا
وَمَعَهَا ذُو محرم وَحَدِيث ابْن عَبَّاس بِغَيْر تَوْقِيت فَلم كَانَ
التَّوْقِيت أولى
قيل لَهُ وَقد ثَبت الثَّلَاث مِنْهَا بِاتِّفَاق وماعداها يجوز أَن يُرِيد
أَي أقصد الثَّلَاث لم يجز أَن تسير مَا دونهَا أَيْضا إِلَّا بِمحرم
(2/58)
548 - فِيمَن أحرم بِالْحَجِّ قبل أشهر
الْحَج
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث إِذا
أحرم بِالْحَجِّ قبل أشهر الْحَج لزمَه الْإِحْرَام وَيجوز أَن يقْضِي بِهِ
الْحَج إِلَّا أَن الْحسن بن حَيّ قَالَ يَجْعَلهَا عمْرَة قبل أشهر الْحَج
فَإِن أدْركهُ أشهر الْحَج قبل أَن يَجْعَلهَا عمْرَة مضى فِي الْحَج
وأجزأه
وَقَالَ الشَّافِعِي يكون عمْرَة
وَقَالَ الأوازعي يَجْعَلهَا عمْرَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على لُزُوم إِحْرَام فَالَّذِي قَصده أولى
وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ لِأَن الصَّلَاة جنس وَاحِد مِنْهَا نفل وَفرض
وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة وَالصِّيَام وَالْحج وَالْعمْرَة جِنْسَانِ من
النَّاس من يَقُول إِن الْعمرَة فرض وَمِنْهُم من يَقُول هِيَ تطوع كالصيام
وَالصَّلَاة فَلَمَّا لم يجز أَن يدْخل فِي الصَّلَاة فَيلْزمهُ صِيَام
كَذَلِك من أحرم بِحَجّ لَا يلْزمه عمْرَة
وَقَالَ اللَّيْث أكره الْإِحْرَام بِالْحَجِّ قبل الْأَشْهر كَمَا أكره
الْإِحْرَام قبل الْمِيقَات الَّذِي وقته النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقد رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ يالسلام فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا
الْحَج وَالْعمْرَة لله} الْبَقَرَة 196 أَن يحرم بهما من دويرة أَهله
549 - هَل يهل عَن الْمغمى عَلَيْهِ أَصْحَابه
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أُغمي عَلَيْهِ فَأهل عَن أَصْحَابه أَجزَأَهُ
وَهُوَ قَول
(2/59)
الْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ يهراق دَمًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك لَا يُجزئهُ وَإِن كَانَ قد أحرم
فوقفوا وطافوا بِهِ أَجزَأَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجزىء الطّواف وَلَا الْوُقُوف وَالْإِحْرَام
إِلَّا أَن يعقل
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول من قَالَ لَا يجزىء وُقُوفه وطوافه إِذا أحرم
ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ فَاسد من قبل أَن الْمغمى عَلَيْهِ أَكثر أَحْوَاله
عدم الطَّهَارَة مِنْهُ وَالنِّيَّة وَعدم النِّيَّة بعد الْإِحْرَام وَعدم
الطَّهَارَة لَا يمْنَع صِحَة الْوُقُوف وَكَذَلِكَ الطّواف فَكَذَلِك
الْإِغْمَاء لَا يمنعهُ وَأما الْإِحْرَام عَن الْمغمى عَلَيْهِ
فَالْقِيَاس أَن لَا يجزىء إِلَّا أَنه رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن امْرَأَة أخرجت إِلَيْهِ صَبيا فِي يَدهَا فَقَالَت
لَهُ هَل لهَذَا من حج فَقَالَ نعم وَلَك أجر فَجعل إحرامها إحراما لَهُ
وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يحجون عَن
الصّبيان
550 - الْإِحْرَام قبل الْمِيقَات
قَالَ أَصْحَابنَا أفضل الْإِحْرَام أَن تحرم من دويرة أهلك وَهُوَ قَول
سُفْيَان الثَّوْريّ وَالْحسن بن صَالح بن حَيّ
(2/60)
وَقَالَ مَالك أكره أَن يحرم قبل
الْمِيقَات
وَقَالَ الشَّافِعِي أحب إِلَيّ أَن لَا يحرم قبل مِيقَاته
وروى مُحَمَّد بن اسماعيل بن أبي فديك أخبرنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن
بن يحنس عَن يحيى بن أبي سُفْيَان بن الْأَخْنَس عَن جدته حكيمة عَن أم
سَلمَة سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
وَمن أهل بِحجَّة أَو عمْرَة من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد
الْحَرَام غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَوَجَبَت لَهُ
الْجنَّة شكّ عبد الله
وروى مُحَمَّد بن اسحاق عَن سُلَيْمَان بن سحيم عَن يحيى بن أبي سُفْيَان
عَن أمه أم حَكِيم بنت أُميَّة عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
من أهل بِعُمْرَة أَو حج من بَيت الْمُقَدّس كَانَت كَفَّارَة لما قبلهَا
من الذُّنُوب
ابْن لَهِيعَة أَخْبرنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن
بن أبي صعصعة عَن أم حَكِيم السلمِيَّة عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أحرم من بَيت الْمُقَدّس غفر لَهُ ذَنبه
(2/61)
وَرُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام
وعبد الله إِتْمَامهَا أت تحرم بهما من دويرة أهلك
وَأحرم ابْن عمر من بَيت الْمُقَدّس بِعُمْرَة
وَأهل ابْن عَبَّاس من الشَّام
وَأحرم عمرَان بن حُصَيْن من الْبَصْرَة
وَأهل ابْن مَسْعُود من الْقَادِسِيَّة
وَلَا يرْوى كَرَاهَة ذَلِك عَن أحد من السّلف
551 - فِي مَوضِع التَّلْبِيَة بالإهلال
قَالَ أَصْحَابنَا يُلَبِّي من دبر صلَاته
وَقَالَ مَالك فِي دبر تطوع ومكتوبة
وَقَالَ سُفْيَان أحب إِلَيّ إِذا اسْتَوَت بك راحتك بعد الصَّلَاة
(2/62)
وَقَالَ الشَّافِعِي يُصَلِّي ثمَّ يركب
فَإِذا تَوَجَّهت رَاحِلَته لبّى
وَقَالَ ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن نَافِع عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يهل إِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قَائِمَة
وَابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس مثله
وَقَول آخر وروى مَالك عَن سعيد المَقْبُري عَن عبيد بن جريج عَن ابْن عمر
قَالَ لم أر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهل حَتَّى تنبعث بِهِ
رَاحِلَته
وَعلي بن مسْهر عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وضع رجله فِي الغرز وانبعثت بِهِ
رَاحِلَته قَائِمَة أهل من ذِي الحليفة
وَقَول آخر وروى شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أبي حسان عَن ابْن عَبَّاس أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِذِي الحليفة ثمَّ أَتَى براحلته
فركبها فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ على الْبَيْدَاء أهل
(2/63)
وروى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن
جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله إِنْكَار ذَلِك وروى
مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ بيداؤكم هَذِه
الَّتِي تكذبون على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا مَا أهل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من عِنْد مَسْجِد ذِي الحليفة
وروى عَن عبد السَّلَام بن حَرْب عَن خصيف الْجَزرِي عَن سعيد بن جُبَير
قَالَ قيل لِابْنِ عَبَّاس كَيفَ اخْتلف النَّاس فِي إهلال رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت طَائِفَة أهل فِي مُصَلَّاهُ وَقَالَت
طَائِفَة حِين اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته وَقَالَت طَائِفَة حِين على على
الْبَيْدَاء فَقَالَ سأخبركم أهل فِي مُصَلَّاهُ فشهده قوم فَأخْبرُوا بذلك
فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته أهل فشهده قوم لم يشهدوه فِي الْمرة
الأولى فَقَالُوا أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّاعَة
فَأخْبرُوا بذلك فَلَمَّا علا على الْبَيْدَاء أهل فشهده قوم لم يشهدوه فِي
الْمَرَّتَيْنِ الْأَوليين فَقَالُوا أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم السَّاعَة فَأخْبرُوا بذلك وَإِنَّمَا كَانَ إهلال النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي مُصَلَّاهُ
فَثَبت بذلك مَذْهَب أَصْحَابنَا
522 - مُجَاوزَة الْمِيقَات بِغَيْر إِحْرَام ثمَّ الْعود إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا جَاوز الْوَقْت ثمَّ أحرم فَإِن أعَاد إِلَى
الْوَقْت فلبى
(2/64)
فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يلب
فَعَلَيهِ دم وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الملبي يخرج من الْحرم فَيحرم أَنه يعود إِلَى
الْحرم فلبى مِنْهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يفعل فَعَلَيهِ دم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا رَجَعَ إِلَى الْوَقْت فلبى أولم يلب
فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر الدَّم لَا يسْقط بعوده إِلَى الْوَقْت لبّى أَو لم يلب وَهُوَ
قَول مَالك
وَقَالَ مَالك فِي الْمَكِّيّ يحرم من الْحرم فلبى فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقد زَاد خيرا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا أَنه يحرم بعد مُجَاوزَة الْوَقْت
حَتَّى عَاد إِلَى الْوَقْت أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ كَذَلِك إِذا أحرم
ثمَّ عَاد لِأَنَّهُ قد فعل الْمَتْرُوك فِي الْحَالين فَإِن الْقيَاس قَول
مَالك وَزفر لِأَنَّهُ بعوده بعد الْإِحْرَام لم يرفع النَّقْص الْوَاقِع
فيد بدنا
553 - الْإِحْرَام لدُخُول مَكَّة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يدْخل أحد مِمَّن هُوَ خَارج الْمِيقَات إِلَّا
بِإِحْرَام فَإِن دَخلهَا بِغَيْر إِحْرَام فَعَلَيهِ حجَّة أَو عمْرَة
وَقَالَ مَالك من أَرَادَ الْحَج أَو الْعمرَة لَا يدخلهَا إِلَّا
بِإِحْرَام فَإِن دَخلهَا بِغَيْر إِحْرَام ثمَّ أحرم من مَكَّة فَعَلَيهِ
دم وَإِن لم يرد الْحَج وَالْعمْرَة فَلَا يدخلهَا إِلَّا بِإِحْرَام وَإِن
دَخلهَا بِغَيْر إِحْرَام فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وللحطابين وَمن يحمل
الْمَتَاع والفواكه دُخُولهَا بِغَيْر إِحْرَام إِلَّا التُّجَّار الَّذين
يَخْتَلِفُونَ صباحا وَمَسَاء
(2/65)
وَقَالَ الثَّوْريّ من دخل من خَارج
الْمَوَاقِيت بِغَيْر إِحْرَام وَقيل لَهُ اعْتَمر وَإِن لم يفعل اسْتغْفر
وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحسن بن حَيّ
من خرج من مَكَّة دون الْمِيقَات يدخلهَا بِغَيْر إِحْرَام فَإِن جاوزها لم
يدخلهَا إِلَّا بِإِحْرَام
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يدْخل مَكَّة أحد إِلَّا بِإِحْرَام إِلَّا أَن من
أَصْحَابنَا من يرخص للحطابين وَمن دَخلهَا بِغَيْر إِحْرَام فَلَا قَضَاء
عَلَيْهِ
وروى حَمَّاد بن سَلمَة وعمار الدهني عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وعَلى رَأسه
عِمَامَة سَوْدَاء
وروى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
دخل مَكَّة وعَلى رَأسه مغفر
فاحتج بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخلهَا حَلَالا
وروى سعيد المَقْبُري سَمِعت أَبَا شُرَيْح الكعبي يَقُول قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تَعَالَى حرم مَكَّة فَلَا يحل لأحد
يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يسفك فِيهَا دَمًا فَإِن ترخص مرخص
فَقَالَ قد حلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَإِن الله
تَعَالَى أحلهَا لي وَلم يحلهَا للنَّاس وَإِنَّمَا أحلهَا لي سَاعَة
(2/66)
وروى يحيى بن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة
لمافتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة قتلت هُذَيْل رجلا من
بني ثَقِيف بقتيل كَانَ لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن الله حبس عَن أهل مَكَّة الْفِيل وسلط عَلَيْهِم
رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ وَإِنَّهَا لم تحل لأحد كَانَ قبلي وَلَا تحل لأحد
بعدِي وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار
فَثَبت إِن ذَلِك مَخْصُوصًا فِي تِلْكَ الْحَال للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ سلم وَإِذا ثَبت بِأَنَّهُ مَأْمُور أَن لَا يدخلهَا إِلَّا
بِإِحْرَام بِاتِّفَاق من الْفُقَهَاء إِلَّا ابْن شهَاب وَقد دللنا على
فَسَاد قَوْله وَجب أَن يكون تَركه للْإِحْرَام الْمَأْمُور بِهِ مُوجبا
قَضَاؤُهُ كَمَا أَن من أَمر بِأَن يكون صَائِما فِي يَوْم فطر فَأفْطر
فِيهِ قضى
554 - سكان الْمَوَاقِيت وَمن دونهَا فِي دُخُول الْإِحْرَام
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك من كَانَ أَهله بالمواقيت أَو وَرَاءَهَا إِلَى
مَكَّة فَلهُ أَن يدخلهَا بِغَيْر إِحْرَام وَهُوَ قَول مَالك
وَلم يفرق سُفْيَان وَالشَّافِعِيّ من ذَلِك على مَا تقدم من ذكر قَوْلهمَا
قَالَ وَالْقِيَاس قَول سُفْيَان لاتفاقهم أَن أهل الْمَوَاقِيت لَو
أَرَادوا الْحَج لم يدخلوها إِلَّا بِإِحْرَام فَكَذَلِك الدُّخُول نَفسه
(2/67)
وَقد روى عبد الْملك عَن عَطاء بن أبي
رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول لَا يدْخل مَكَّة تَاجر وَلَا
طَالب حَاجَة إِلَّا وَهُوَ محرم
وروى عَن ابْن عمر أَنه أحرم من مَكَّة حَتَّى بلغ قديدا ثمَّ عَاد
فَدَخلَهَا بِغَيْر إِحْرَام
555 - فِيمَن أفسد حجَّة أَو عمْرَة كَيفَ يَقْضِيهَا
قَالَ أَصْحَابنَا من أفسد حجَّة أَو عمْرَة فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا من
حَيْثُ يجوز لَهُ الْإِحْرَام بهَا فِي مَوْضِعه الَّذِي يحرم
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن صَالح يَقْضِيهَا م الْمِيقَات
وَقَالَ الشَّافِعِي يَقْضِيهَا من الْمِيقَات الَّذِي ابتدأها مِنْهُ
وروى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَهْلَلْنَا بِعُمْرَة
فِي حجَّة الْوَدَاع ثمَّ حِضْت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
امتشطي وانقضي رَأسك ودعي الْعمرَة وَأَهلي بِالْحَجِّ إِلَى أَن قَالَت
فأعمرني عبد الرَّحْمَن من التَّنْعِيم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم هَذِه مَكَان عمرتك
وروى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مثله
وَقَالَ فلبت بِالْعُمْرَةِ قَضَاء لعمرتها فَلَمَّا أَمر عبد الرَّحْمَن
بِأَن يعمرها من
(2/68)
التَّنْعِيم وَهُوَ غير الْمِيقَات الَّذِي
ابتدأت الْعمرَة فِيهِ ثَبت أَن لَا عِبْرَة بِأول الْإِحْرَام
فَإِن قيل روى ابْن نجيح عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا طوافك يَكْفِيك لحجك وعمرتك
فَدلَّ على أَنَّهَا كَانَت قارنة فَإِن عمرتها من التَّنْعِيم كَانَ
تَطَوّعا لَا قَضَاء
قيل لَهُ روى ابْن الْقَاسِم وَالْأسود وَعُرْوَة مَا يُوجب أَن يكون قد
أحلّت من عمرتها قد قضتها قبل الْإِحْرَام فَهُوَ اولى من رِوَايَة عَطاء
لِأَن هَؤُلَاءِ أعلم بشأنها وهم أثبت حفظا وأتقن
ثمَّ قد روى عبد الْملك بن سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَنَّهَا
قَالَت قلت يارسول الله أكل أهلك يرجع بِحجَّة وَعمرَة غَيْرِي قَالَ انفري
فَإِنَّهُ يَكْفِيك لَهما وَلَهُم
وَيثبت أَنَّهَا قد حلت من حَجهَا بِلَا عمره مَعَه وَلَا قبله
وَحكى عَن الْحسن بن صَالح أَنه كره لأهل الْآفَاق الَّذين يدْخلُونَ
مَكَّة بِحجَّة ثمَّ حلوا أَن يعتمروا بعد ذَلِك من التَّنْعِيم
وَهَذَا قَول لم يقل بِهِ أحد من الْعلمَاء
وَقد روى صَالح بن رستم عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة قَالَت دخل
(2/69)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ
بسرف وَأَنا أبْكِي قَالَ مَا ذَاك قَالَت حِضْت قَالَ فَلَا تبْكي اصنعي
مَا يصنع الْحَاج فقدمنا مَكَّة ثمَّ أَتَيْنَا منى ثمَّ عدنا إِلَى
عَرَفَة ثمَّ رمينَا تِلْكَ الْأَيَّام الْجَمْرَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم
النَّفر ارتحل فَنزل المحصب وَالله مَا نزلها إِلَّا لأجلي فَأمر عبد
الرَّحْمَن بن أبي بكر فَقَالَ احْمِلْ أختك من الْحرم قَالَت وَلَكِن مَا
ذكر الجعدانة وَلَا التَّنْعِيم فلتهل بِالْعُمْرَةِ وَكَانَ أقرب الْحل من
الْحرم التَّنْعِيم فَثَبت بذلك أَن الْحل وَقت الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ
556 - إِذا دخل العَبْد مَكَّة مَعَ مَوْلَاهُ بِغَيْر إِحْرَام ثمَّ
يَأْذَن لَهُ مَوْلَاهُ فَيحرم من مَكَّة
قَالَ أَصْحَابنَا فَعَلَيهِ دم لترك الْوَقْت وَإِذا عتق لِأَنَّهُ كَانَ
على مَوْلَاهُ أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْإِحْرَام قبل دُخُوله
وَلَو أَن نَصْرَانِيّا أسلم بِمَكَّة فَأحْرم لم يكن عَلَيْهِ دم لترك
الْوَقْت وَكَذَلِكَ الصَّبِي إِذا بلغ
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ فِي العَبْد يعْتق بِمَكَّة
وَقد دَخلهَا بِغَيْر إِحْرَام فَأحْرم من مَكَّة أَو النَّصْرَانِي يسلم
وَالصَّبِيّ يبلغ أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِم لترك الْوَقْت
وَحكى عَن الشَّافِعِي وجوب الدَّم فِي ذَلِك كُله لترك الْوَقْت
وَعنهُ أَن على النَّصْرَانِي الدَّم وَلَا شَيْء على العَبْد وَالصَّبِيّ
قَالَ أما الصَّبِي غير متعبد فَلَا يلْزمه بِالنَّقْصِ يدْخل فِي
إِحْرَامه شَيْء أَلا ترى أَن الصَّبِي إِذا أفسد صَلَاة أَو صوما دخل
فِيهِ لم يلْزمه شَيْء وَكَذَلِكَ
(2/70)
الْكَافِر لَا يَصح مِنْهُ فعل عبَادَة من
جِهَة الشَّرْع إِلَّا بتقدم الْإِسْلَام فَهُوَ كَالصَّبِيِّ وَأما
العَبْد فمتعبد مَنْهِيّ عَن دُخُول مَكَّة إِلَّا بِإِحْرَام فَإِذا أَدخل
نقصا فِي إِحْرَامه جبره بِدَم إِذا عتق
557 - فِيمَن جَاوز مِيقَاته بِغَيْر إِحْرَام ثمَّ دخل مَكَّة محرما من
مِيقَات آخر
قَالَ أَصْحَابنَا وَمن جَاوز وقته غير محرم ثمَّ لم يدْخل مَكَّة حَتَّى
أَتَى وقتا آخر فَأحْرم مِنْهُ سقط عَنهُ الدَّم
قَالَ وَلَو كَانَ أحرم من وقته كَانَ أحب إِلَيّ وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري يهل كل وَاحِد من مِيقَات بَلَده
وَلَا يُجَاوِزهُ إِلَّا محرما وَهُوَ قَول اللَّيْث وَقَالَ إِن لم يرجع
فَعَلَيهِ دم
وَقَالَ الشَّافِعِي الْمَوَاقِيت لأَهْلهَا وَلمن مر بهَا وأيهم مر بميقات
غَيره وَلم يَأْتِ من بَلَده كَانَ مِيقَاته مِيقَات الْبَلَد الَّذِي مر
بِهِ وَمن جَاوز وقتا لَا يُرِيد حجا وَلَا عمْرَة ثمَّ بدا لَهُ أَن يحرم
أحرم مِنْهُ وَذَلِكَ مِيقَاته وميقات من دون الْمَوَاقِيت منزله الَّذِي
هُوَ فِيهِ
وروى عَمْرو بن دِينَار وَابْن طَاوس عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر الْمَوَاقِيت وَقَالَ هن لأهلهن
وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن مِمَّن كَانَ يُرِيد الْحَج
وَالْعمْرَة فَمن كَانَ دونهن فَمن أَهله حَتَّى أَن أهل مَكَّة يهلون
مِنْهَا فَهَذَا يدل على أَن كل من أَتَى وقتا وَهُوَ يُرِيد الْإِحْرَام
فَلَيْسَ
(2/71)
لَهُ أَن يتجاوزه إِلَّا محرما فَإِذا ترك
الْإِحْرَام فِي مِيقَاته الَّذِي مر بِهِ حَتَّى عَاد إِلَى غَيره فَأحْرم
فَالْقِيَاس أَن لَا يسْقط عَنهُ الدَّم حَتَّى يعود إِلَى مِيقَاته
الَّذِي مر بِهِ
وَلَا تشبه الْعمرَة إِذا قضيت بعد الْفساد فِي أَنَّهَا تقضي من حَيْثُ
هُوَ لَا من حَيْثُ ابتدأت لِأَن الْقَضَاء كَانَ للإبتداء
وَمن جَاوز الْوَقْت مَأْمُور بِالْعودِ إِلَى الْمَتْرُوك بِعَيْنِه
وَذكر الْحسن بن صَالح عَن ابْن أبي ليلى جعل العقيق وَهِي ذَات عرق الأول
لأهل الْعرَاق يهلون مِنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك
وَقد روى الْمعَافي بن عمرَان عَن أَفْلح بن حميد عَن الْقَاسِم عَن
عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت إِلَى أَن قَالَ
وَلأَهل الْعرَاق ذَات عرق
وروى سعيد بن أبي مَرْيَم أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم بن سُوَيْد قَالَ حَدثنِي
هِلَال بن زيد أَخْبرنِي أنس بن مَالك أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ وَلأَهل الْبَصْرَة ذَات عرق وَلأَهل الْمَدَائِن العقيق
فَثَبت بذلك بطلَان مَا ذكرُوا لِأَنَّهُ جعل العقيق ذَات عرق
558 - فِي إِشْعَار وتقليد الْبدن وَالْغنم
كره أَبُو حنيفَة الْإِشْعَار وَهُوَ مثله
(2/72)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
الْإِشْعَار حسن وَهُوَ الْجَانِب الْأَيْسَر من الْبَدنَة وهوقول مَالك
وروى عَن مَالك إِن كَانَ لَهَا أسنمة أشعروا وَإِلَّا لم يشعروا
وَقَالُوا كلهم لَا يُقَلّد الْغنم وَلَا يشْعر وَهُوَ قَول سُفْيَان
أَيْضا وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي يشْعر الْبدن وَلَا يشْعر الْغنم ويقلد
وروى عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة ومروان والمسور بن مخرمَة أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلد هَدْيه وَأَشْعرهُ
وروى عَن عَائِشَة إِن شِئْت فأشعر وَإِن شِئْت فَلَا
فَإِنَّمَا أشعر ليعلم أَنَّهَا بَدَنَة إِذا ضلت أَنَّهَا لَيْسَ بنسك
وَإنَّهُ عَلامَة الْبَدنَة فَجعل عَلامَة لَهَا لكَي إِن وجدوها
الْمَسَاكِين أكلوها لِأَنَّهُ قد كَانَ نهي عَن أَخذ ضَالَّة الْإِبِل
فَجعل الْإِشْعَار عَلامَة لجَوَاز أكلهَا الْمَسَاكِين إِذا وجدوها
كَذَلِك
وَقَالَ عَطاء إِنَّمَا التَّقْلِيد والإشعار ليعلم أَنَّهَا هدي إِن ضلت
وروى عَطاء عَن ابْن عَبَّاس من شَاءَ قلد وَمن شَاءَ لم يُقَلّد وَمن
شَاءَ أشعر وَمن شَاءَ لم يشْعر
(2/73)
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ لَا
هدي إِلَّا مَا قلدد وأشعر وأوقف بِعَرَفَة
فَكَانَ قَول ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة أولى لِأَنَّهُمَا قد وَقفا على
إِشْعَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلما حكمه فَثَبت أَن
الْإِشْعَار لَيْسَ بنسك وَمَعَ ذَلِك جَائِز فعله غير مَكْرُوه لِأَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد فعله
وَأما تَقْلِيد الْغنم فروى الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن
الْأسود عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى غنما
مقلده
وَحَمَّاد بن زيد عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت
كَأَنِّي أنظر إِلَى قلائد هدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
الْغنم ثمَّ لَا يمسك عَن شَيْء
وَالْحكم عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت كُنَّا نقلد
الشَّاة فنرسل بهَا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَلَال لم يحرم
مِنْهُ شَيْء
وروى الْأَعْمَش قَالَ حَدثنَا أَبُو سُفْيَان عَن جَابر قَالَ كَانَ
فِيمَا أهْدى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنما مقلدة
وَعَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء رَأَيْت عَائِشَة تفتل قلائد الْغنم تساق
مَعَه هَدَايَا
وَسَعِيد بن اسحاق سَمِعت عَطاء بن أبي رَبَاح يَقُول أشهد لرأيت الْعَرَب
تهدي الْغنم مقلدة وَالنَّاس متوافرون لَا يُنكر ذَلِك أحد
(2/74)
قَالَ فَهَذَا لَا يسمع خِلَافه لثُبُوته
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس بعده
559 - فِي تعْيين الْبدن
قَالَ أَصْحَابنَا الْبدن من الْإِبِل وَالْبَقر وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِن نوى بِبدنِهِ أوجبهَا شَيْئا مِنْهَا بِعَينهَا
فَهُوَ مَا نوى وَإِن لم يكن نوى شَيْئا فَعَلَيهِ بقرة أَو جزور
وَقَالَ مَالك وَابْن شبْرمَة الْبدن من الْإِبِل خَاصَّة وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وأبوبكر بن عَيَّاش عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن أبي حَاضر عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ قلت الْبدن فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبقر
قَالَ وَهَذَا يدل على أَن الْبَقر غير الْبدن وَيدل عَلَيْهِ مَا روى
أَبُو عبد الله الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وقف على بَاب الْمَسْجِد
ملائكه يَكْتُبُونَ الأول فَالْأول فَمثل المهجر كَالَّذي يهدي بَدَنَة
ثمَّ كَالَّذي يهدي بقرة
وَرَوَاهُ ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مثل المهجر إِلَى الصَّلَاة كَمثل الَّذِي يهدي بدنه
ثمَّ كالمهدي الْبَقَرَة وَذكر الحَدِيث
(2/75)
فَدلَّ على أَن الْبَدنَة غير الْبَقَرَة
فَإِن قيل روى ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر اشتركنا مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَج وَالْعمْرَة كل سَبْعَة فِي
بَدَنَة فَقَالَ رجل أَرَأَيْت الْبَقَرَة يشْتَرك فِيهَا كَمَا يشْتَرك
فِي الْجَزُور فَقَالَ ماهي إِلَّا من الْبدن
قيل لَهُ مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى من قَول جَابر
قَالَ لم نجد عَن أَصْحَابنَا فَضِيلَة إناث الْبدن وَلَا ذكورها
وَعَن مَالك أَن الْأُنْثَى أفضله
سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن أبي يزِيد عَن أَبِيه عَن سِبَاع
بن ثَابت سَمعه من أم كرز الْكَعْبِيَّة الَّتِي تحدث عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة
وَلَا يضركم ذُكُورا كن أَو إِنَاثًا
فَثَبت فِي الْعَقِيقَة التَّسْوِيَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث فَدلَّ
على استوائهما
وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المهجر إِلَى الصَّلَاة
كَمثل الَّذِي يهدي بَدَنَة ثمَّ كَالَّذي يهدي بقرة ثمَّ كَالَّذي يهدي
كَبْشًا
فَجعل السَّاعَة الأولى كالبدنة ثمَّ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة كالبقرة
فَلم يَجْعَل بَين الْبَدنَة وَالْبَقَرَة وَاسِطَة من ذكران الْبدن فَدلَّ
على أَنه لَا فضل بَين الذّكر وَالْأُنْثَى
وَأَيْضًا فَإِنَّمَا سميت بَدَنَة لعظمها قَالَ مُجَاهِد إنماسميت الْبدن
للبدانة
(2/76)
وَوُجُود هَذَا الْمَعْنى فِي الذّكر
كَهُوَ فِي الْإِنَاث فَلَا فضل لبعضها على بعض
560 - فِيمَا يجزىء فِي الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجزىء فِي الْهَدْي وَلَا الضَّحَايَا إِلَّا الْجذع
من الضَّأْن والثني من الْمعز وَالْإِبِل وَالْبَقر فَصَاعِدا وَهُوَ قَول
مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز الْجذع فِي الْإِبِل وَالْبَقر
وروى عَن ابْن عمر لَا يجزىء إِلَّا الثني من كل شَيْء
قَالَ أجمع فُقَهَاء الْأَمْصَار على جَوَاز الْجذع من الضَّأْن
وروى أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة قَالَ حَدثنَا أَبُو الزبير
عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تذبحوا إِلَّا
مُسِنَّة إِلَّا أَن يعز عَلَيْكُم فاذبحوا مَكَانهَا جَذَعَة من الضَّأْن
وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد
وروى ابْن وهب قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن الْحَارِث أَن بكير بن الْأَشَج
حَدثهُ أَن معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ حَدثهُ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ
ضحينا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجذاع الضَّأْن
وروى بكير بن مُضر عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير عَن معَاذ بن
(2/77)
عبد الله الْجُهَنِيّ أَن عقبَة بن عَامر
قَالَ ضحينا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجذاع الضَّأْن
فَكَانَ فِي رِوَايَة بكير بن مُضر هَذَا عَن عَمْرو بن الْحَارِث أَن
عقبَة قَالَ وَفِي حَدِيث ابْن وهب عَن عقبَة
ثمَّ روى ابْن وهب أَخْبرنِي أُسَامَة بن زيد قَالَ حَدثنِي معَاذ بن عبد
الله الْجُهَنِيّ قَالَ سَأَلت سعيد بن الْمسيب عَن الْجذع من الضَّأْن
فَقَالَ مَا كَانَ سنة الْجذع من الضَّأْن
سَأَلَ عقبَة بن عَامر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجذع من
الضَّأْن فَقَالَ ضح بِهِ
فَثَبت أَن معَاذ بن عبد الله إِنَّمَا أَخذ عَن سعيد بن الْمسيب وَلم نجد
سعيدا حدث بِهِ عَن عقبَة فقد اضْطربَ ذَلِك فِي سَنَده وَهُوَ مُضْطَرب
فِي مَتنه أَيْضا لِأَن ابْن الْمُبَارك روى عَن هِشَام الدستوَائي عَن
يحيى ابْن أبي كثير عَن بعجة بن عبد الله عَن عقبَة بن عَامر قَالَ قسم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحايا بَين أَصْحَابه فَأصَاب عقبَة
جَذَعَة فَقلت يَا رَسُول الله صَارَت لي جَذَعَة أضحي بهَا قَالَ نعم
وروى اللَّيْث حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة أَن
(2/78)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أعطَاهُ غنما يقسمها على أَصْحَابهَا ضحايا فَبَقيَ عتود فَذكره لرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ضح بِهِ أَنْت
وَكَانَ فِي حَدِيث بعجة جَذَعَة وَفِي حَدِيث أبي الْخَيْر عتود وَذَلِكَ
اضْطِرَاب فِي الْمَتْن وَقد ثَبت بِحَدِيث جَابر جَوَاز الْجَذعَة من
الضَّأْن أضْحِية فَكَذَلِك فِي الْهدى يجزىء إِذْ لَا فرق بَين الْهدى
والضحايا فِي هَذَا الْمَعْنى
وَأما قَول الْأَوْزَاعِيّ فِي جَوَاز الْجذع من الْإِبِل وَالْبَقر فَاسد
لم يقل بِهِ أحد من الْعلمَاء غَيره
561 - مَتى يحرم من قلد بَدَنَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن قلد بَدَنَة تَطَوّعا أَو جَزَاء صيد أَو غَيره
وَسَار مَعَه وَهُوَ يُرِيد الْحَج فقد أحرم وَلَو بعث بهَا وَلم يتَوَجَّه
ثمَّ توجه لم يكن محرما حَتَّى يلْحق الْبَدنَة إِلَّا فِي الْمُتْعَة
فَإِنَّهُ يكون محرما كَمَا توجه ولايكون بالتحيل والإشعار محرما وَإِن قلد
شَاة وَنوى الْإِحْرَام لم يكن محرما
وَقَالَ سُفْيَان يكون بتقليد الْبَدنَة محرما إِذا نوى وَإِن لم يرد
الْحَج وَلَا الْعمرَة فليبعث بِهِ وليقم حَلَالا قَالَ لَا يكون بالتقليد
محرما حَتَّى يحرم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون محرما إِذا لم يرد الْإِحْرَام وَإِن قلد
قَالَ لما لم يكن بِشَيْء من أَسبَاب الْحَج محرما مثل الِاغْتِسَال
والتجرد وَالطّواف فَكَانَ الْقيَاس أَن يكون التَّقْلِيد مثله
(2/79)
وَقد روى مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن
عمْرَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت لَا يحرم إِلَّا من أهل ولبى
وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَن من بعث بهدى يمسك عَمَّا يمسك
عَنهُ الْمحرم حَتَّى ينْحَر
قَالَ ابْن عمر وَمن النِّسَاء
وَقد روى حَاتِم بن اسماعيل عَن عبد الرحمن بن عَطاء بن أبي لَبِيبَة عَن
عبد الْملك بن جَابر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي أمرت ببدني الَّتِي يعثت بهَا أَن تقلد
الْيَوْم وتشعر على مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلبِست قَمِيصِي ونسيت فَلم أكن
لأخرج قَمِيصِي من رَأْسِي وَكَانَ يبْعَث بِبدنِهِ وَأقَام بِالْمَدِينَةِ
وروى عَن عَائِشَة من وُجُوه صِحَاح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ يبْعَث بِبدنِهِ ثمَّ يُقيم حَلَالا
وَيفْسد قَول ابْن عَبَّاس من جِهَة النّظر لِأَن الْمحرم لَا يحل إِلَّا
بحلق وَهَذَا يحل عِنْد الْجَمِيع إِذا نحر الْهَدْي عَنهُ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ حلق عِنْدهم جَمِيعًا فَثَبت أَنه لَيْسَ بِمحرم ببعثه الْهَدْي
(2/80)
562 - هَل يحلب الْهَدْي ويركبه
قَالَ أَصْحَابنَا ينصح ضرع الْهدى بِالْمَاءِ فَإِن احتلب مِنْهَا شَيْئا
تصدق بِهِ وَإِن أكله تصدق بِقِيمَتِه ويركبه إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ فَإِن
نَقصه تصدق بِالنُّقْصَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك إِلَّا أَنه لَا يشرب من
لبنه وَلَا يركبه إِلَّا عِنْد الْحَاجة فَإِن نَقصه لم يتَصَدَّق
بِالنُّقْصَانِ
وَقَول الثَّوْريّ إِنَّه إِن احْتَاجَ إِلَى ركُوبهَا ركبهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل قَوْلنَا الَّذِي وَصفنَا
وروى مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يَسُوق بَدَنَة قَالَ اركبها قَالَ
يَا رَسُول الله إِنَّهَا بَدَنَة قَالَ اركبها وَيلك
وروى يزِيد بن هَارُون عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس مثله
وروى اسماعيل بن جَعْفَر عَن حميد عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يَسُوق بَدَنَة وَقد جهد قَالَ اركبها فَذكر مثله
وروى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن حميد الطَّوِيل عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن
أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يَسُوق بَدَنَة وَقد
جهد قَالَ اركبها فَذكر مثله
وَقَالَ رأى بِهِ جهدا فَثَبت إِبَاحَة ركُوبهَا فَثَبت بذلك مُنْصَرفه
إِلَى حَال الْحَاجة
(2/81)
وَمن جِهَة النّظر لما لم تكن إِجَارَة
الْبَدنَة جَائِزَة ثَبت أَنه لَا يملك ركُوبهَا أَلا ترى أَن أم الْوَلَد
لما كَانَ لَهُ الِانْتِفَاع بهَا كَانَ لَهُ تمْلِيك ذَلِك الِانْتِفَاع
غَيره
فَإِن قيل قَالَ الله تَعَالَى {لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى
ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} الْحَج 33
قيل لَهُ روى مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم فِي تَأْوِيل ذَلِك الحكم عَن
مُجَاهِد {لكم فِيهَا مَنَافِع} فِي ظُهُورهَا وَأَلْبَانهَا واصوافها
{إِلَى أجل مُسَمّى} حَتَّى تصير بدنا فَكَانَ تَأْوِيله أَن الْمَنَافِع
مُبَاحَة قبل أَن تصير بدنا
563 - فِي بيع الْبَدنَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوجب بَدَنَة تَطَوّعا أَو فرضا ثمَّ بَاعهَا
جَازَ بَيْعه وَعَلِيهِ مَكَانهَا فَإِن لم يُوجب مَكَانهَا حَتَّى زَادَت
فِي بدن أَو شعر أَو ولدت فَإِن عَلَيْهِ مثلهَا زَائِدَة وَمثل وَلَدهَا
وَلَو أوجب مَكَانهَا قبل الزِّيَادَة وَالْولد لم يكن عَلَيْهِ فِي
الزِّيَادَة شَيْء
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بَيْعه فَإِن لم يقدر عَلَيْهَا اشْترى مثلهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ يُبدل الرجل هَدْيه الْوَاجِب وَلَا يُبدل التَّطَوُّع
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا سَاقهَا وَلم يقلدها فَلهُ أَن يبدلها مَا لم
يتَكَلَّم بفرضها
(2/82)
وروى عَنهُ أَن لَهُ أَن يسْتَبْدل
بالأضحية أفضل مِنْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ هَذِه أضْحِية وَنوى إِيجَابهَا فَلَيْسَ
عَلَيْهِ أَن يبدلها وَإِن بَاعهَا فَالْبيع بَاطِل فَإِن لم يقدر
عَلَيْهَا اشْترى بِقِيمَتِهَا غَيرهَا
قَالَ وَلَو كَانَت قد خرجت عَن ملكه بِالْإِيجَابِ بجزاء الصَّيْد
وَسَائِر الْوَاجِبَات لم يجز أَن يذبحه عَن نَفسه لِأَنَّهُ ذابح مَالا
يملك وَمَعْلُوم أَنه بإيجابه لَهَا لم يَقع موقع الْفَرْض بِدلَالَة أَنه
لَو سرق أَو عطب لم يسْقط فَرْضه إِذْ لم يَقع موقعه فَلَو لم يكن مَالِكًا
حَال الذّبْح لما أَجْزَأَ عَنهُ لِأَنَّهُ ذبح مَا لايملك
وَكَذَلِكَ قد اتَّفقُوا على أَنه ذبح هدى التَّطَوُّع قربَة لموجبه ويهديه
وَإِن كَانَ لَو هلك لم يلْزمه غَيره وَلَو كَانَ ملكه غير قَائِم فِي حَال
الذّبْح لما كَانَ قربَة لَهُ
وَأَيْضًا اتَّفقُوا أَنه لَو قَالَ نوى هَذَا صَدَقَة لَا يخرج عَن ملكه
فَكَذَلِك الْهدى بِالْإِيجَابِ وَيدل عَلَيْهِ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أشرك عليا فِي الْهدى حِين قدم من الْيمن وَلَو كَانَ ملكه
زائلا مَا أشركه
وَيدل عَلَيْهِ أَنه لَو عطب فِي الطَّرِيق جَازَ لَهُ بَيْعه وَأكله وَلَو
كَانَ قد زَالَ عَنهُ ملكه لم يعد إِلَيْهِ بِالْهَلَاكِ
564 - فِي الْهدى إِذا عطب هَل يجوز بَيْعه وَأكله
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْهدى الْوَاجِب إِذا عطب لَهُ أَن يَأْكُلهُ ويبدل
مَكَانَهُ
(2/83)
وَإِن كَانَ تَطَوّعا نَحره وصبغ نَعله فِي
دَمه ثمَّ ضرب بهَا صفحته ثمَّ لم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَيتَصَدَّق بِهِ
أفضل من أَن يَأْكُلهُ السبَاع فَإِن أكل مِنْهُ ضمن قيمَة مَا أكل
وَكَذَلِكَ إِن أطْعم مِنْهُ غَنِيا وَإِن كَانَ قد جلله تصدق بجله وخطامه
وَقَالَ مَالك مثل ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ الْوَاجِب لَا يَبِيعهُ وَلَا
يَأْكُلهُ فِي التَّطَوُّع وَلَا يَأْمر بِأَكْلِهِ غَنِيا وَلَا فَقِيرا
فَإِن فعل ضمن مَا أكل
وَعَن الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ أَنه يَأْكُلهُ وَلَا يَبِيعهُ فَلَا
وَجه لَهُ إِلَّا أَنه قد خرج عَن حد الْوُجُوب أَلا ترى أَنه لَا يُجزئهُ
وَإِن مَا كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ بَاقٍ فِي ذمَّته
وَلما اتَّفقُوا على إِبَاحَة أكله مَعَ عدم بُلُوغ الْمحل فَكَذَلِك
بَيْعه
قَالَ وَهَذَا يدل على أَنه بإيجابه لم يخرج عَن ملكه لِأَنَّهُ لَو كَانَ
خرج عَن ملكه لم يعد بالعطب فِي ملكه
وَأما التَّطَوُّع فروى نَحْو قَوْلنَا فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس
وروى عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت كلوه وَلَا تَدعُوهُ للسباع فَإِن كَانَ
وَاجِبا فاهدوا مَكَانَهُ وَإِن كَانَ تَطَوّعا فَإِن شِئْتُم فاهدوا وَإِن
شِئْتُم فَلَا تهدوا
وَقَوْلها كلوه يحْتَمل أَن تكون أَرَادَت غير الْهدى فَيكون مُوَافقا
لقولنا
وروى حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع قَالَ عطبت بَدَنَة لِابْنِ عمر
تَطَوّعا فنحرها وأكلها وَلم يهد مَكَانهَا
وَالْحجّة لقولنا مَا روى عبد الْوَارِث بن سعيد قَالَ حَدثنَا أبوالتياح
عَن مُوسَى بن سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سِتّ عشرَة
(2/84)
بَدَنَة مَعَ رجل وَأمره فِيهَا فَمضى ثمَّ
رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أصنع بِمَا
أبدع عَليّ مِنْهَا قَالَ انحرها ثمَّ اصبغ نعلها فِي دَمهَا ثمَّ
اجْعَلْهُ على صفحتها وَلَا تَأْكُل مِنْهَا أَنْت وَلَا أحد من أهل رفقتك
فَإِن قيل فقد قَالَ مَالك إِنَّه إِن وَجه بهَا مَعَ رجل فَعَطب لم
يَأْكُل مِنْهَا الموجه بهَا مَعَه وَذهب إِلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا
فَهَلا قلت مثله قيل لَهُ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون نَهَاهُ عَن أكله
لِأَنَّهُ لَا يَأْكُل مِنْهَا إِلَّا فَقير وَكَانَ الرجل وَأَصْحَابه
أَغْنِيَاء
وَيحْتَمل أَن الرجل كَانَ من خُزَاعَة فِيمَن قد دخل فِي حلف النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فأجراه مجراهم فِي تَحْرِيم الصَّدَقَة
وَيدل على ذَلِك أَن قَتَادَة روى عَن سِنَان بن سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس
أَن ذؤيبا أَبَا قبيصَة بن ذُؤَيْب حَدثهُ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يبْعَث مَعَه بِالْبدنِ وَذكر الحَدِيث على نَحْو مَا
قد ذكرنَا
وروى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أَخِيه صَاحب بدن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَا رَسُول الله وَذكر الحَدِيث مثله
وَهَذَا نَاجِية عَن خُزَاعَة
وَقد روى سعيد بن عبيد بن رِفَاعَة عَن أَبِيه عَن جده رِفَاعَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حلفاؤنا وَأَبْنَاء أخواتنا وموالينا
منا
وَيدل على صِحَة تاويلنا أَنه منع أهل رفقته أكله
وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين أَن من بعث بِصَدقَة مَعَ رجل فِي رفْقَة
وَأمره أَن
(2/85)
يتَصَدَّق بهَا فِي مَكَان ذكره لَهُ أَن
من تحل لَهُ الصَّدَقَة من أهل رفقته تحل لَهُم ذَلِك
فَثَبت أَن الْمَعْنى فِي الْمَنْع كَانَ فِيهِ مَا تأولنا
565 - فِي الِاشْتِرَاك فِي الْبدن مَعَ اخْتِلَاف وُجُوه الْقرب
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يشْتَرك سَبْعَة فِي بَدَنَة أحدهم جَزَاء صيد
وَالْآخر تمتّع والاخر إحصار وَيجوز ذَلِك حَتَّى أَجمعُوا كلهَا فِي
وُجُوه الْقرب وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا يجزيء وَاحِد مِنْهُم إِلَّا بَدَنَة تَامَّة
وروى حَاتِم بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه
عَن جَابر أَن عَليّ بن أبي طَالب قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من الْيمن فِي حجَّته الَّتِي حَجهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فأشرك النَّبِي عليا فِي هَدْيه
فَثَبت بذلك جَوَاز الشّركَة فِي الْهَدَايَا كجوازها فِي الضَّحَايَا
وَقد روى مَالك عَن أبي الزبير عَن جَابر نحرنا مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة الْبَدنَة عَن سَبْعَة وَالْبَقَرَة
عَن سَبْعَة
(2/86)
566 - فِيمَا إِذا ضَاعَ الْهدى أَو
الْأُضْحِية وأبدله بآخر ثمَّ وجد الأول
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا سَاق هَديا أَو أوجبه أضْحِية فأبدل مَكَانهَا ثمَّ
وجد الأول فَإِن أنفذهما جَمِيعًا فَهُوَ أفضل وَإِن نحر الأول وَبَاعَ
الآخر أَجزَأَهُ وَإِن نحر الآخر وَبَاعَ الأول نظر إِلَى الْقِيمَتَيْنِ
فَإِن كَانَ الآخر أَكثر أَجْزَأَ وَإِن كَانَ الأول أَكثر تصدق
بِالْفَضْلِ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك إِذا نحر الْبَدَل ثمَّ وجد الأول نَحره أَيْضا
وَقَالَ فِي الْأُضْحِية إِن كَانَ قد نحر الْبَدَل صنع بِالْأولِ مَا
شَاءَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن كَانَ قد أشعر الأول ثمَّ وجده فَلَا بُد لَهُ
من إهدائه وَاجِبا كَانَ أَو تَطَوّعا وَإِن كَانَ قد نحر الْبَدَل قَالَ
وَإِن كَانَ لم يشعره فَإِن كَانَ وَاجِبا فَإِن شَاءَ تَركه وَإِن كَانَ
تَطَوّعا وَقد أبدله الآخر
قَالَ قد ثَبت بِمَا قدمنَا فِيمَا سلف أَن الْهدى لم يخرج عَن ملكه فالبدل
لم يخرج عَن ملكه أَيْضا فَإِذا وجد الأول كَانَ هُوَ الْهَدْي
567 - هَل يُورث الْهدى بِمَوْت صَاحبه
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا مَاتَ صَاحب الْهدى أَنه لوَرثَته
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُورث
وَقَالَ مَالك فِي الْأُضْحِية إِذا مَاتَ االذي أوجبهَا أَنَّهَا تورث
وَقد دللنا على أَنه لم يخرج عَن ملكه فَيجب أَو يُورث
(2/87)
568 - فِي الْعُيُوب الَّتِي لَا تجزىء فِي
الْأَضَاحِي
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْعين وَالْأُذن والإلية إِذا كَانَ الْمَقْطُوع
الثُّلُث أَجزَأَهُ فَإِن كَانَ أَكثر لم يجز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا بَقِي الْأَكْثَر أَجزَأَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أخْبرت أَبَا حنيفَة بِقَوْلِي فَقَالَ قولي
كَقَوْلِك والجماء والمكسور الْقرن يجزىء
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ قد قطع من الْأذن الْقَلِيل أَجْزَأَ وَالْكثير
لَا يجزىء وَكَذَلِكَ قَول سُفْيَان وَقَالَ سُفْيَان تُجزئ المقطوعة
الإلية
وَقَالَ اللَّيْث لَا تضحى بالمصطلمة الْأذن وَالذِّئْب
وَقَالَ الشَّافِعِي يضحى بالمكسور الْقرن وَلَا تُجزئ الجرباء لِأَنَّهُ
مرض يفْسد لَحمهَا
وروى همام عَن قَتَادَة عَن جري بن كُلَيْب عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن عضباء الْأذن والقرن
قَالَ قَتَادَة فَسَأَلت سعيد بن الْمسيب عَن العضب فَقَالَ النّصْف فَمَا
فَوْقه فَجمع فِي هَذَا الحَدِيث بَين الْقرن وَالْأُذن
(2/88)
وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن المكسور
الْقرن إِذا برأَ مِنْهُ يُجزئ
وَقد روى سُفْيَان وَشريك عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجية بن عدي أَنه كَانَ
عِنْد عَليّ فَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ لَا يَضرك
وَهُوَ الَّذِي روى الحَدِيث الأول
فَثَبت أَن الْقرن لَا عِبْرَة بِهِ وَأَيْضًا الْجَمَّاء لاخلاف فِي
جَوَازهَا فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن تكون الْمَكْسُورَة الْقرن لِأَن من
أَخذ علينا فِيهَا لَا يخْتَلف حكمهَا فِي عدمهَا من جِهَة الْخلقَة أَو
تلفهَا بعد وجودهَا
وَقد روى سُفْيَان عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجية بن عدي عَن عَليّ قَالَ
أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن
فَإِن قيل روى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة حَدثنَا أَبُو اسحاق عَن شُرَيْح بن
النُّعْمَان وَقَالَ أَبُو اسحاق كَانَ رجل صدق عَن عَليّ قَالَ أمرنَا
رَسُول الله صلى الله عَليّ وَسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن وَأَن لَا
نضحي بعوراء وَلَا مُقَابلَة وَلَا مدابرة وَلَا شرقاء وَلَا خرقاء
فَقَالَ زُهَيْر قلت لأبي إِسْحَاق أَو ذكر عضباء قَالَ لَا
قلت مَا الْمُقَابلَة قَالَ يقطع الْأذن
قلت المدابرة قَالَ يقطع من مؤخرة الْأذن
(2/89)
قلت الشرقاء قَالَ تشق الْأذن
قلت الخرقاء قَالَ تخرق أذنها للسمة
فَفِي هَذَا الحَدِيث النَّهْي عَن الْأُضْحِية بِمَا قد قطع الْقَلِيل من
أُذُنه فَقيل لَهُ لما ثَبت فِي حَدِيث جري بن كُلَيْب النَّهْي عَن الْأذن
فِي العضب قَالَ سعيد بن الْمسيب هُوَ النّصْف فَمَا فَوْقه وَجب حمل
الْحَدِيثين على الْمُوَافقَة وَتَكون الخرقاء وَمَا مَعْنَاهَا على ذهَاب
النّصْف وَيكون تَأْوِيل سعيد أولى من تَأْوِيل أبي إِسْحَاق ليتفق معنى
الْحَدِيثين
وَقد روى شُعْبَة أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن سَمِعت عبيد بن
فَيْرُوز قَالَ سَأَلت الْبَراء قلت أَخْبرنِي مَا كره رَسُول اله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَو نهى عَنهُ من الْأَضَاحِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع لَا يُجزئ العوراء الْبَين عورها والعرجاء
الْبَين ظلعها والمريضة الْبَين مَرضهَا والكسيرة الَّتِي لَا تنقى
قلت للبراء إِنِّي أكره فِي الْأذن نقص وَفِي الْقرن نقصا وَفِي السن نقصا
قَالَ مَا كرهت فَدَعْهُ وَلَا تحرمه على أحد
فَكَانَ فِي ذكره لهَذِهِ الْأَرْبَع وتخصيصه إِيَّاهَا بِالذكر دَلِيل على
أَن ماعداها يُجزئ إِلَّا أَنه لما ثَبت بِحَدِيث عَليّ فِي الْأذن مَا
ثَبت ألحقناه بِهِ وجعلناه
(2/90)
نَاسِخا لِاتِّفَاق الْمُسلمين على
مَعْنَاهُ
وَفِي قَول الْبَراء لَا تحرمه على أحد دَلِيل عَليّ أَن النَّقْص
الْقَلِيل فِي الْأذن لَا يمْنَع الْجَوَاز إِذا أوجب أضْحِية أَو هَديا
صَحِيحا ثمَّ أَصَابَهُ عور لم يجزه وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك يُجزئ فِي الْهَدْي وَلَا يُجزئ فِي الْأُضْحِية
وَقَالَ الثَّوْريّ يُجزئ فيهمَا جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجزىء
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْحجَّة أَنه لم يخرج عَن ملكه فَاعْتبر حَال الذّبْح
أَلا ترى أَنه لَو عطب قبل الْمحل لم يجز
وَلَو فَقَأَ رجل عين الْهَدْي أَخذ النُّقْصَان ويبيعه ليَشْتَرِي الثّمن
وَالْأَرْش هَديا صَحِيحا
وَقَالَ مَالك يَشْتَرِي بِالْأَرْشِ هَديا صَحِيحا أَجْزَأَ وَيتَصَدَّق
بِهِ إِن لم يبلغ هَديا
وَقَالَ الشَّافِعِي يتَصَدَّق بِالْأَرْشِ
569 - فِيمَن حج عَن الْمَيِّت أَو الْعَاجِز
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الصَّحِيح يحجّ غَيره عَن نَفسه يُجزئهُ وَيكون
تَطَوّعا لَهُ وَإِن كَانَ مَرِيضا فَمَاتَ مِنْهُ أَجزَأَهُ من حجَّة
الْإِسْلَام فَإِن أوصى رجل أَن يحجّ عَنهُ أحج عَنهُ من الثُّلُث وَإِن
تطوع رجل عَن وَالِديهِ بِالْحَجِّ عَنْهُمَا أَجزَأَهُ وَقَول ابْن أبي
ليلى إِن الْحَج عَن المي يُجزئ وَكَذَلِكَ قَول سُفْيَان مثل قَول
أَصْحَابنَا
(2/91)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحجّ عَن الْمَيِّت
وَإِن لم يوص وَيجزئهُ
وَقَالَ الْحسن بن صَالح بن حَيّ لَا يحجّ أحد عَن اُحْدُ إِلَّا عَن ميت
لم يحجّ فَقَط وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام أَو من لزمَه الْحَج وَهُوَ
بِمَنْزِلَة الْمَيِّت لَا يطْمع لَهُ فِي الْوُصُول إِلَى مَكَّة أبدا
وَقَالَ اللَّيْث يجوز الْحَج عَن الْمَيِّت
وَقَالَ الشَّافِعِي يحجّ عَن الْمَيِّت وَالْعَاجِز
قَالَ مَالك لَا يحجّ أحد عَن الْحَيّ بتة قَالَ وَإِن مَاتَ صرورة
فَأَرَادَ ورثته أَن يحجوا عَنهُ فَإِنَّهُم يتطوعون عَنهُ بِالصَّدَقَةِ
أَو بِالْعِتْقِ أَو بِالْهَدْي أحب إِلَيّ
قَالَ مَالك وَإِن أوصى أَن يحجّ عَنهُ أنفذت وَصيته وأحج عَنهُ من قد أحج
روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن عَيَّاش بن
أبي ربيعَة عَن زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن
عَليّ قَالَ اسْتقْبلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَارِيَة شَابة
من خثعم فَقَالَت إِن أبي شيخ كَبِير وَقد أَدْرَكته فَرِيضَة الله فِي
الْحَج أفيجزئ أَن أحج عَنهُ قَالَ حجي عَن أَبِيك ولوى عنق الْفضل فَقَالَ
لَهُ الْعَبَّاس لويت عنق ابْن عمك فَقَالَ رَأَيْت شَابًّا وشابة فَلم آمن
عَلَيْهِمَا الشَّيْطَان
وَقد روى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن عبد الله بن
(2/92)
الْعَبَّاس أَنه كَانَ الْفضل بن
الْعَبَّاس رَدِيف رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَتْهُ
امْرَأَة من خثعم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن فَرِيضَة الله على عباده
فِي الْحَج أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت على
الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ قَالَ نعم وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع
وروى شُعْبَة عَن النُّعْمَان بن سَالم عَن عَمْرو بن أَوْس عَن أبي رزين
قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِن أبي شيخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع الْحَج
وَالْعمْرَة وَلَا الظعن قَالَ حج عَن أَبِيك وَاعْتمر
وروى مَنْصُور عَن مُجَاهِد عَن يُوسُف بن الزبير عَن عبد الله بن الزبير
قَالَ جَاءَ رجل من خثعم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ إِن أبي أدْركهُ الْإِسْلَام وَهُوَ شيخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع
ركُوب الرحل وَالْحج مَكْتُوب عَلَيْهِ أفأحج عَنهُ
قَالَ أَنْت أكبر وَلَده قَالَ نعم قَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك
دين فقضيته عَنهُ أَكَانَ ذَلِك يُجزئ عَنهُ قَالَ نعم قَالَ فاحجج عَنهُ
فَهَذِهِ آثَار متواترة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوَاز
الْحَج عَن الْعَاجِز
وَقد روى عَن الْأَعْمَش عَن مُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
إِن أبي مَاتَ وَلم يحجّ أفأحج عَنهُ فَقَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ على
أَبِيك دين أَكنت قاضيه قَالَ نعم
(2/93)
قَالَ فدين الله أَحَق فحج عَنهُ
وروى أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
جَاءَت امْرَأَة من جُهَيْنَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أُمِّي نذرت أَن تحج وَإِنَّهَا مَاتَت قبل
أَن تحج قَالَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْت لَو
كَانَ على أمك دين أَكنت قاضيته قَالَت نعم قَالَ فحجي عَن أمك أقضوا الله
الدّين الَّذِي لَهُ عَلَيْكُم فَإِن الله أَحَق بِالْوَفَاءِ
فَثَبت فِي هذَيْن الْحَدِيثين إجَازَة الْحَج عَن الْمَيِّت وَلم يسْأَله
هَل كَانَ أوصى أم لَا فَدلَّ على اسْتِوَاء الْحَدِيثين عِنْده
570 - فِيمَن يحجّ عَن غَيره قبل أَدَاء فَرْضه
قَالَ أَصْحَابنَا حج الصرورة يُجزئ عَن غَيره وَمن قد حج أفضل وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الْحسن بن صَالح لَا يحجّ عَن الْغَيْر إِلَّا من قد حج حجَّة
الْإِسْلَام وَيكرهُ أَن تحج الْمَرْأَة عَن الرجل وَلَا يكره أَن يحجّ
الرجل عَن الْمَرْأَة لِأَن الْمَرْأَة تلبس وَالرجل لَا يلبس فِي
الْإِحْرَام
(2/94)
قَالَ الشَّافِعِي لَا يحجّ عَن أحد إِلَّا
من أدّى الْفَرْض مرّة فَإِن لم يكن حج فَهُوَ عَنهُ وَلَا أجر لَهُ
وروى سعيد عَن قَتَادَة عَن عزْرَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سمع رجلا يَقُول
لبيْك عَن شبْرمَة قَالَ من شبْرمَة قَالَ أَخ أَو قريب لي فَقَالَ فَهَل
حججْت قطّ قَالَ لَا قَالَ اجْعَل هَذِه عَنْك ثمَّ احجج عَن شبْرمَة
فاحتج الشَّافِعِي بذلك خَالفه لِأَنَّهُ يزْعم أَن الْحَج عَنهُ وَلَا
يحْتَاج أَن يَجْعَلهَا عَن نَفسه
وَقد روى ابْن وهب أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث أَن قَتَادَة بن دعامة
حَدثهُ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه مر بِهِ رجل يهل فَقَالَ
لبيْك بِحجَّة عَن شبْرمَة قَالَ وماشبرمة قَالَ رجل أوصى أَن يحجّ عَنهُ
قَالَ حججْت أَنْت قَالَ لَا قَالَ فابدأ أَنْت فحج عَن نَفسك ثمَّ حج عَن
شبْرمَة
ففسد الحَدِيث الأول بذلك لِأَنَّهُ ذكره فِي هَذَا الحَدِيث من قَول ابْن
عَبَّاس وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوب وخَالِد الْخُزَاعِيّ عَن أبي قلَابَة
عَن ابْن عَبَّاس من كَلَامه لَا من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وذكرا فِيهِ قصَّة شبْرمَة
(2/95)
فَإِن قيل روى ابْن أبي ليلى عَن عَائِشَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة قَالَ
وَمَا شبْرمَة فَذكر قرَابَة قَالَ أفحججت عَن نَفسك قَالَ لَا قَالَ فاحجج
عَن نَفسك ثمَّ احجج عَن شبْرمَة
قيل لَهُ أَيْضا هذاحديث فَاسد لفساد حفظ ابْن أبي ليلى
وَقد كَانَ شُعْبَة يَقُول مَا رَأَيْت قطّ أحدا أَضْعَف حفظا من ابْن أبي
ليلى لما كَانَ يَأْتِي بِهِ فِي مثل هَذَا
وَفِي الْأَحَادِيث الَّتِي فِي الْبَاب الَّتِي قبل هَذَا مايدل على صِحَة
قَوْلنَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْأَله هَل حججْت عَن
نَفسك أم لَا بل جعله كَالدّين وَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فَقضى دين غَيره من
مَاله أَجزَأَهُ فَكَذَلِك الْحَج عَن غَيره يُجزئ وَإِن كَانَ عَلَيْهِ
حجَّة الْإِسْلَام
571 - فِيمَن اشْترط لنَفسِهِ فِي إِحْرَام الْحَج وَالْعمْرَة
أَصْحَابنَا يذهبون إِلَى أَن اشْتِرَاطه فِي الْإِحْرَام كلا اشْتِرَاط
يَعْنِي محلي حَيْثُ حبستني وَهُوَ قَول مَالك وسُفْيَان وَاللَّيْث وروى
نَحوه عَن إِبْرَاهِيم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو حَدِيث ضباعة لم أعده وكا يكون مَحَله حَيْثُ
حَبسه الله تَعَالَى بِلَا هدي
وروى ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن طَاوُوس عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَت جَاءَت ضباعة بنت الزبير بنت عبد الْمطلب إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة ثَقيلَة
وَإِنِّي أُرِيد الْحَج وَإِنِّي شاكية فَقَالَ
(2/96)
حجي واشترطي أَن محلي حَيْثُ حبستني
وروى عبد الله بن نمير عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة
قَالَت دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ضباعة بنت الزبير
يعودها فَقَالَ لَعَلَّك أردْت الْحَج قَالَت إِنِّي وجعة قَالَ فحجي
واشترطي اللَّهُمَّ محلي حَيْثُ حبستني
وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَب عَن عُثْمَان وَعَائِشَة
فقد ثَبت ذَلِك بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاح وَقَول من ذكرنَا من لصحابة
فَلَا معدل عَنهُ
فَإِن قيل فقد روى يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن سَالم كَانَ ابْن عمر يُنكر
الِاشْتِرَاط فِي الْحَج وَيَقُول حسبكم سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِن حبس أحد عَن الْحَج طَاف بِالْبَيْتِ والصفا والمروة ثمَّ حل من
كل شَيْء حَتَّى يحجّ من قَابل
قيل لَهُ قد روينَا عَمَّن ذكرنَا من الصَّحَابَة خِلَافه وَمَعَهُمْ سنة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ أولى من قَول ابْن عمر على أَن
ابْن عمر لم يعرف حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك
(2/97)
قَالَ نَافِع كَانَ ابْن عمر إِذا سُئِلَ
عَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْحَج وَالْعمْرَة يَقُول مَا أعرفهُ
فَإِن قيل قَالَ الله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله فَإِن
أحصرتم} الْآيَة الْبَقَرَة 196 فقد بَين حكم الْمحصر فَغير جَائِز ترك
هَذَا الحكم بِخَبَر الْوَاحِد
قيل لَهُ هَذَا فِيمَن لم يشْتَرط فِي إِحْرَامه فَأَما من اشْترط فَحكمه
مَا وَصفنَا فَلَا يدْفع أَحدهمَا بِصَاحِبِهِ
قَالَ وَأما وقُوف الشَّافِعِي فِي الحَدِيث فَلِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن
سُفْيَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مر بضباعة بنت الزبير الحَدِيث فَلم يَقع إِلَيْهِ إِلَّا
بِالْإِسْنَادِ الْمُنْقَطع وَلَو وقف على مَا روينَاهُ لقَالَ بِهِ
وَأما مَا روى مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم أَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ
الِاشْتِرَاط فَلَا معنى لَهُ لأَنهم قد كَانُوا يشترطون أَنهم إِن حبسوا
كَانُوا معتمرين أَو خَارِجين من الْإِحْرَام إِلَى غير إِحْرَام
572 - هَل الْعمرَة وَاجِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك الْعمرَة غير وَاجِبَة
قَالَ سُفْيَان إِنَّهَا وَاجِبَة
(2/98)
سُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ كَانَ ابْن
عَبَّاس يَقُول هِيَ وَاجِبَة كوجوب الْحَج
قَالَ الشَّافِعِي هِيَ وَاجِبَة
روى عَفَّان بن مُسلم قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة قَالَ
حَدثنَا ثَابت عَن أنس كُنَّا قد نهينَا فِي الْقُرْآن أَن نسْأَل رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنشيء فَكَانَ يعجبنا أَن يَجِيء الرجل
الْعَاقِل من أهل الْبَادِيَة فَيسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكَانَ أجرأ على ذَلِك منا فجَاء رجل فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَتَانَا
رَسُولك فَزعم أَن الله تَعَالَى أرسلك قَالَ صدق قَالَ وَزعم أَن علينا
خمس صلوَات فِي يَوْمنَا وليلتنا وَذكر الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج
الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ صدق قَالَ فبالذي أرسلك
الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نعم قَالَ فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لَا أَزِيد
عَلَيْهِنَّ شَيْئا وَلَا أنقص مِنْهُنَّ شَيْئا فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن صدق ليدخلن الْجنَّة
فَفِي هَذَا الحَدِيث نفي وجوب الْعمرَة
وَقد روى ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وجوب الْعمرَة
على أَنه قد روى عبيد الله بن مُوسَى أخبرنَا حَنْظَلَة قَالَ سَمِعت
(2/99)
عِكْرِمَة بن خَالِد يحدث طَاوس قَالَ
جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن أَلا تغزو
فَقَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بني
الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وإقام لصَلَاة
وإيتاء الزَّكَاة وَالْحج وَصَوْم رَمَضَان
فَهَذَا يدل على أَن ابْن عمر لم ير الْعمرَة وَاجِبَة
فَإِن احْتَجُّوا من جِهَة النّظر بِأَنَّهُ لَا يتَطَوَّع إِلَّا بِمَا
لَهُ أصل من الْفَرْض وَالْعمْرَة يتَطَوَّع بهَا فَيدل على أَنَّهَا فرض
فِي الأَصْل
انْتقض ذَلِك بالاعتكاف وَإِنَّمَا هَذَا قلب الحَدِيث أَن يُقَال
لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يُقَال قد يتَطَوَّع بِمَا لَهُ أصل فِي الشَّرْع
فَجَائِز أَن يتَطَوَّع لِأَن كل مَا يتَطَوَّع بِهِ فَلهُ أصل فِي
الْفَرْض وَأَيْضًا وجدنَا سَائِر الْفُرُوض الْمُوجبَة فِي أعيانها محصورة
فِي أَوْقَات كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج فَلَو كَانَت الْعمرَة فرضا
لكَانَتْ محصورة بِوَقْت
573 - فِي الْعمرَة فِي أَيَّام السّنة كلهَا
قَالَ أَصْحَابنَا الْعمرَة جَائِزَة فِي كل السّنة غير يَوْم عَرَفَة
وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق فَإِنَّهَا محظورة فِيهِنَّ
وروى ذَلِك عَن عَائِشَة وَهُوَ قَول عَطاء
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف أَنه لم يكره الْعمرَة فِي يَوْم
عَرَفَة وَقَالَ مَالك يكره للْحَاج الْعمرَة فِي أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم
النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَلَا يكره ذَلِك لغير الْحَاج
(2/100)
وَقَالَ الثَّوْريّ يعْتَمر فِي أَي وَقت
شَاءَ من السّنة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الْحسن بن صَالح لَا يعْتَمر فِي أَيَّام التَّشْرِيق
وَقد روى الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن عَائِشَة كَرَاهَته الْعمرَة فِي
خَمْسَة أَيَّام مثل قَول أبي حنيفَة
وروى يزِيد الرشك عَن معَاذَة عَن عَائِشَة تمت الْعمرَة فِي السّنة كلهَا
إِلَّا أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر ويومين من
أَيَّام التَّشْرِيق
وروى قَتَادَة عَن معَاذَة عَن عَائِشَة قَالَت تمت الْعمرَة فِي السّنة
كلهَا إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام يَوْم النَّحْر ويومين من أَيَّام
التَّشْرِيق
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أَنه لَا يعْتَمر إِلَّا أَن ينْقض ذُو الْحجَّة
574 - فِي إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج
قَالَ أَصْحَابنَا يضيف الْحَج إِلَى الْعمرَة وَلَا يضيف الْعمرَة إِلَى
الْحَج فَإِن فعل فقد أَسَاءَ وَهُوَ قَارن وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَالشَّافِعِيّ
قَالَ إِن أضَاف الْعمرَة إِلَى الْحَج لم تلْزمهُ الْعمرَة وَلَا قضاءعليه
وَلَا دم بتركهما
(2/101)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِأَن
يضم الْعمرَة إِلَى الْحَج بَعْدَمَا أهل بِالْحَجِّ
وروى سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم أَو مَالك بن الْحَارِث عَن
أبي نصر قَالَ أَهلَلْت بِالْحَجِّ فأدركت عليا رَضِي الله عَنهُ فَقلت
إِنِّي أَهلَلْت بِالْحَجِّ أفماأستطيع أَن أضم إِلَيْهِ عمْرَة قَالَ لَا
لَو كنت أَهلَلْت بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أردْت أَن تضم إِلَيْهِ الْحَج ضممت
وَلَيْسَ عَن اُحْدُ من الصَّحَابَة خلاف ذَلِك وَمثل ذَلِك لَا يُقَال
رَأيا فَثَبت أَنه تَوْقِيف
575 - من هم حاضروا الْمَسْجِد الْحَرَام
قَالَ أَصْحَابنَا حاضروا الْمَسْجِد الْحَرَام هم أهل الْمَوَاقِيت وَمن
دونهَا إِلَى مَكَّة مِمَّن لَهُ أَن يدخلهَا بِغَيْر إِحْرَام
قَالَ مَالك الَّذين لَا دم عَلَيْهِم إِن تمَتَّعُوا أَو قرنوا فِي أشهر
الْحَج إِنَّمَا هم أهل مَكَّة وَذَوي طوى وَأما أهل منى فليسوا
بِمَنْزِلَة أهل مَكَّة وَإِن تمَتَّعُوا فَعَلَيْهِم ماعلى سَائِر أهل
الْبلدَانِ وَكَذَلِكَ من وَرَاء الْمِيقَات إِلَى مَكَّة
قَالَ الثَّوْريّ هم أهل مَكَّة
قَالَ الشَّافِعِي من كَانَ أَهله دون لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ حِينَئِذٍ أقرب
الْمَوَاقِيت وَمن سَافر إِلَيْهِ صلى صَلَاة حضر
قَالَ من كَانَ وَرَاء الْمَوَاقِيت إِلَى الْآفَاق لَهُ مُجَاوزَة
الْمَوَاقِيت الَّتِي دون الْحرم بِغَيْر إِحْرَام وَإِذا أَرَادَ
الْإِحْرَام لم يكن لَهُ مُجَاوزَة الْمَوَاقِيت إِلَّا محرما فَلم يكن
الْإِحْرَام مُسْتَحقّا عَلَيْهِ لأجل غر الْمِيقَات وَإِنَّمَا هُوَ
مُسْتَحقّ عَلَيْهِ فِي
(2/102)
الْمِيقَات إِذا أَرَادَ الْإِحْرَام
بمجاوزته الْوَقْت ثمَّ وجدنَا مُسْتَحقّا عَلَيْهِ أَنه لايدخل الْحرم
إِلَّا محرما سَوَاء أَرَادَهُ أَو لم يردهُ فَعلمنَا أَن الْحرم اسْتحق
ذَلِك لنَفسِهِ وَأَنه لَيْسَ كالميقات فَوَجَبَ أَن يكون الْحرم هُوَ
الْغرَّة دون الْمِيقَات فِي الْمَنْع من التَّمَتُّع
576 - فِي الْأَفْضَل من النّسك
قَالَ أَبُو جنيفة وَزفر الْقرَان أفضل من التَّمَتُّع والإفراد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف التَّمَتُّع بِمَنْزِلَة الْقرَان وَهُوَ قَول الْحسن
بن صَالح وسُفْيَان وَكره أَن يُقَال بَعْضهَا أقل من بعض
وَقَالَ مَالك الْحَج أحب إِلَيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون وعبيد
الله بن الْحسن الْإِفْرَاد أفضل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ أحب إِلَيّ أَن يفرد وَقَالَ
فِي الْبُوَيْطِيّ التَّمَتُّع أحب إِلَيّ
قَالَ اتّفق الْجَمِيع على إِبَاحَة الْقرَان والتمتع فَدلَّ أَنَّهُمَا
غير ناقصين وَكَيف يكون نَاقِصا وَقد أَبَاحَهُ الله تَعَالَى
ثمَّ وجدنَا تَعْجِيل الْحَج أفضل من تَأْخِيره فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن
يكون تَعْجِيل الْعمرَة أفضل من تَأْخِيرهَا
577 - فِي رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ
قَالَ أَصْحَابنَا يرف صَوته بِالتَّلْبِيَةِ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالشَّافِعِيّ
(2/103)
وَقَالَ مَالك يسمع نَفسه وَمن يَلِيهِ
إِلَّا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد منى فَإِنَّهُ يرفع صَوته
فيهمَا
وروى سُفْيَان عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عبد الْملك بن أبي بكر عَن
خَلاد بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَتَانِي جِبْرِيل فَأمرنِي أَن آمُر أَصْحَابِي أَن يرفعوا أَصْوَاتهم
بالإهلال
رَوَاهُ مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عَن عبد الملك بن أبي بكر بن
عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام عَن خَلاد بن السَّائِب عَن أَبِيه
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَرَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة عَن الْمطلب بن عبد الله عَن السَّائِب بن خَلاد
أَن جِبْرِيل قَالَ يَا مُحَمَّد كن عجاجا ثجاجا
فَثَبت بذلك أَن رفع الصَّوْت بهما أفضل
578 - فِي الإهلال بِالتَّسْمِيَةِ والتلبية وَالنِّيَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِن شَاءَ قَالَ لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة وَإِن شَاءَ
اكْتفى بِالنِّيَّةِ والتلبية وَهُوَ قَول مَالك إِلَّا أَن عِنْد مَالك
يجوز الْإِحْرَام بِغَيْر تَلْبِيَة
وَقَول الثَّوْريّ مثل قَوْلنَا وَكَذَلِكَ قَول الْحسن بن صَالح
(2/104)
وَعند الشَّافِعِي إِن شَاءَ سمى وَإِن
شَاءَ لم يسم
يزِيد بن هَارُون عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه لبّى بِعُمْرَة وَحجَّة
وَاتفقَ الْمُسلمُونَ على أَنه إِن لم يسم أَجزَأَهُ
579 - فِي لبس السَّرَاوِيل والخفين
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمحرم لَا يلبس سَرَاوِيل فَإِن لم يجد إزارا فتق
السَّرَاوِيل وَإِذا لم يجد نَعْلَيْنِ قطع خفيه أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ
وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث فِي الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا
إِذا وجد نَعْلَيْنِ فَلبس خُفَّيْنِ مقطوعين افتدى
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي الْخُفَّيْنِ وَقَالَ إِن لم يجد إزارا لبس
السَّرَاوِيل وَهُوَ قَول سُفْيَان
روى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب قَالَ لَا تلبسوا الْقَمِيص
وَلَا العمائم وَلَا السراويلات وَلَا البرانس والخفاف إِلَّا أحد لَا يجد
نَعْلَيْنِ فَلبس خُفَّيْنِ وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ
وَيزِيد بن هَارُون أخبرنَا يحيى بن سعيد عَن عمر بن نَافِع عَن
(2/105)
أَبِيه عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
فَلَمَّا منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس الْخُفَّيْنِ عِنْد
الضَّرُورَة حَتَّى يَجْعَل بِمَنْزِلَة النَّعْلَيْنِ بِالْقطعِ ثَبت أَن
الضَّرُورَة لَا يُبِيح لبس السَّرَاوِيل على حَال كَمَا لم يبح لبس الْخُف
عِنْد لضَرُورَة على مَا هُوَ عَلَيْهِ
فَإِن قيل روى سُفْيَان وهشيم وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن جريج وَشعْبَة
عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس سَمِعت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بِعَرَفَة من لم يجد إزارا لبس سَرَاوِيل
وَمن لم يجد نَعْلَيْنِ لبس خُفَّيْنِ
وروى أَبُو غَسَّان مَالك بن اسماعيل حَدثنَا زُهَيْر قَالَ حَدثنَا أَبُو
الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم
يجد نَعْلَيْنِ فليلبس خُفَّيْنِ وَمن لم يجد إزارا فليلبس سَرَاوِيل
قيل لَهُ اتَّفقُوا على أَن لبس الْخُفَّيْنِ مَحْمُول على مَا فِي حَدِيث
ابْن عَبَّاس
(2/106)
فِي الْإِبَاحَة إِلَى مَا فِي حَدِيث ابْن
عمر مُطلقًا ومباحا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الضَّرُورَة أَن يكون
مَحْمُولا على الْوَجْه الَّذِي يجوز لبسه وَهُوَ أَن يفتقه
وَلذَلِك شَوَاهِد من الْأُصُول أَلا ترى أَن الْمحرم مَنْهِيّ عَن الْحلق
وَإِن حلق لضرور افتدى فَثَبت أَن الضَّرُورَة لَا ترفع كَفَّارَة الْحَج
وَإِنَّمَا ترفع المأثم
وَأما قَول مَالك وَاللَّيْث فِي إِيجَاب الْفِدْيَة على من لبس خُفَّيْنِ
مقطوعين من أَسْفَل الْكَعْبَيْنِ إِذا كَانَ واجدا للخفين ففاسد من قبل
أَنهم اتَّفقُوا على سُقُوط الْكَفَّارَة فِيهِ إِذا لم يجد نَعْلَيْنِ
فَعلم أَن الْكَفَّارَة سَقَطت لِأَنَّهُمَا ليسَا بخفين لِأَنَّهُمَا لَو
كَانَا خُفَّيْنِ لكَانَتْ الضَّرُورَة لَا تسْقط الْكَفَّارَة فَثَبت بذلك
جَوَاز لبسهما سَوَاء عدم النَّعْل أَو وجدهَا
580 - فِي إِدْخَال مَنْكِبَيْه فِي القباء
قَالَ لَا بَأْس للْمحرمِ بِأَن يدْخل مَنْكِبَيْه فِي القباء من غير أَن
يدْخل يَده فِيهِ
وَقَالَ زفر أَلا يدْخل مَنْكِبَيْه فِيهِ وَإِن فعل فَعَلَيهِ الْفِدْيَة
وَقَالَ مَالك أكره أَن يدْخل مَنْكِبَيْه فِي القباء وَإِن لم يردالطيلسان
على نَفسه فَإِن جلله وَطَالَ ذَلِك حَتَّى ينْتَفع بِهِ فَعَلَيهِ
الْفِدْيَة وَإِن نَزعه مَكَانَهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَكره اللَّيْث وسُفْيَان إِدْخَال مَنْكِبَيْه فِي القباء لِأَنَّهُ
دُخُول فِي خياطته فَهُوَ كالدخول فِي خياطَة الْقَمِيص وَذَلِكَ مَحْظُور
بِاتِّفَاق فَكَذَلِك القباء أَلا ترى أَن لَهُ
(2/107)
أَن يرتدي بالقميص من غير دُخُول فِي
خياطَة وَكَذَلِكَ ماوصفنا من دُخُول مَنْكِبَيْه لما كَانَ دُخُولا فِي
خياطته
581 - فِي حمل الْمحرم على رَأسه شَيْئا
لم نجد فِي حمل الْمحرم على رَأسه شَيْئا مَنْصُوصا عَنْهُم إِلَّا أَنه
قَالَ إِذا دخل تَحت السّتْر فَإِن كَانَ يُصِيب رَأسه وَوَجهه كرهته فعلى
هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون الْحمل مَكْرُوها لملاصقته رَأسه
وَقَالَ مَالك لابأس بِأَن يحمل على الْمحرم رَأسه شَيْء من الْمَتَاع
لمَنْفَعَة نَفسه يكره أَن يَفْعَله لغيره
وَحكى الشَّافِعِي قَول عَطاء مثل ذَلِك وَلم يُخَالِفهُ فَدلَّ على وفاقه
إِيَّاه
قَالَ لما كَانَ مَمْنُوعًا من تَغْطِيَة رَأسه لم يخْتَلف فِي تغطيته
بِالْحملِ أَو غَيره كَمَا لما كَانَ مَمْنُوعًا من الْحلق لم يخْتَلف حكمه
على أَي وَجه حلق متعارفا كَانَ ذَلِك الْوَجْه أَو غير مُتَعَارَف
582 - فِي عقد الْمحرم الْإِزَار وَشد المنطقة وَعصب الرَّأْس
كره أَصْحَابنَا أَن يعْقد الْمحرم إزَاره على عُنُقه أَو يخلله بخلال
فَإِن فعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا بَأْس بالهميان والمنطقة يشدهما على
وَسطه
(2/108)
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف كَرَاهِيَة لبس
المنطقة إذاشدها بالإبزيم
وَقَالَ مَالك إِذا عقد ثَوْبه عَلَيْهِ وخلله فَعَلَيهِ الْفِدْيَة وَلَا
بَأْس بشد المنطقة على وَسطه إِذا كَانَ فِيهَا نَفَقَته وَيكرهُ إِذا
كَانَ فِيهَا نَفَقَة غَيره وَيكرهُ شدّ المنطقة فَوق الْإِزَار
وَكره الثَّوْريّ الْعِصَابَة فَإِن كَانَ بِهِ صداع عصب وَكفر وَلَا بَأْس
بالهميان
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِالْعِصَابَةِ إِذا اشْتَكَى وَلَا
بعقدها وَاللَّيْث لَا يرى بَأْسا بالهميان والمنطقة
وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي وَقَالَ يعْقد الْمحرم إزَاره وَلَا يعصب رَأسه من
عِلّة وَلَا غيرهلا فَإِن فعل افتدى
قَالَ كَرَاهَة شدّ المنطقة فَوق الإزالر لَا معنى لَهُ لأَنهم متفقون على
جَوَازه تَحت الْإِزَار
وَحكى أَبُو الْقَاسِم كَرَاهَة المعضدة وَفرق بَينهمَا وَبَين المنطقة
لِأَن مَوضِع المنطقة مَوضِع شدّ الْإِزَار ولماجاز شدّ الْإِزَار فِي
ذَلِك الْموضع جَازَ شدّ المنطقة وَهَذَا لَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ جَائِز
لَهُ ستر الْعَضُد فَكَذَلِك يجوز أَن يشد
(2/109)
عَلَيْهِ إِلَّا ترى أَنه لما لم يجز ستر
رَأسه لم يجز الشد عَلَيْهِ وَلما جَازَ شدّ وَسطه جَازَ شدّ الْإِزَار
عَلَيْهِ فَكَانَ الشد فِي معنى التغطية
وَقَالَ مَالك يجوز شدّ المنطقة بالسيور
فَنَظَرْنَا بَينه وَبَين أبي يُوسُف فِي كراهيته ذَلِك
فَإِذا هُوَ قد جعله بِمَنْزِلَة الْخياطَة وَلَيْسَ كَذَلِك الشد لِأَن
الشد بالسير لَيْسَ بإحداث صَنْعَة فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَال
مَصْنُوع قبل ذَلِك فَأشبه شدّ الْإِزَار إِذا لم يحدث فِيهِ صَنْعَة
مستأنفة وَأما الْخياطَة فَإِنَّهَا إِحْدَاث صَنْعَة مستأنفة فَلذَلِك
فَارق الشد الْخياطَة إِلَّا أَنا وجدناهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الطيلسان
المزرور أَنه مَكْرُوه وَأَنه كلبس الْقَمِيص فَكَذَلِك المنطقة ذَات
السيور والإبزيم كَالطَّيْلَسَانِ المزرور سَوَاء
583 - فِي استظلال الْمحرم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس أَن يستظل الْمحرم إِذا جافى ذَلِك عَن رَأسه
وَهُوَ قَول سُفْيَان وَالشَّافِعِيّ
وَكره مَالك أَن يستظل من الشَّمْس بِظِل من عَصا اَوْ ثوب وَلَا بَأْس
بالفسطاط وَالْبَيْت وَقَالَ لَا بَأْس بالظلال للْمحرمِ إِذا كَانَ زميله
امْرَأَة مُحرمَة
وروى عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه مر بِرَجُل قد استتر
بِعُود وَهُوَ محرم فَقَالَ ضح لمن أَحرمت لَهُ
(2/110)
وَيحْتَمل أَن يكون قد مَاس رَأسه
وَأَيْضًا لم يَخْتَلِفُوا أَن الْقَاعِد لَا يكره لَهُ الاستظلال
فَكَذَلِك الرَّاكِب
584 - فِي قتل الْمحرم القملة وإلقاؤها
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقتل الْمحرم القملة وَإِن فعل أطْعم شَيْئا وَهُوَ
قَول مَالك
وروى عَن سُفْيَان مَا يدل على كَرَاهَته لقتلها
قَالَ الشَّافِعِي إِذا قَتلهَا وَهِي على جسده فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن
أخرجهَا من رَأسه أطْعم شَيْئا كَأَنَّهُ قطع ظفرة أوشعرة
قَالَ لَيست القملة كالشعر لأَنهم متفقون على أَن الشّعْر الَّذِي يباين
مَوْضِعه من غير فعله لَا يكره لَهُ طَرحه فَيَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك
القملة أَو كَانَت مباينة لجسده فَلَمَّا كره الْجَمِيع إِلْقَاء القملة من
رَأسه علم أَنَّهَا لَيست بِمَنْزِلَة الشّعْر
585 - فِي غسل الْمحرم ثِيَابه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بِأَن يغسل الْمحرم ثِيَابه وَإِن قتل القملة
كَمَا لَا بَأْس بِأَن يسْتَبْدل بهَا وَإِن كَانَ فِيهِ قتل القملة بطرحه
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن يغسل ثوب نَفسه وَيكرهُ لَهُ غسل ثوب غَيره
حَكَاهُ ابْن وهب
وَحكى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أكره للْمحرمِ أَن يغسل ثَوْبه إِلَّا أَن
يُصِيبهُ جَنَابَة بِالْمَاءِ وَحده ولايغسله الحرض لِأَنَّهُ يقتل
الدَّوَابّ
(2/111)
وَلَا يكره أَن يُبدل ثِيَابه الَّتِي أحرم
فِيهَا ويلقيها
586 - فِي اغتسال الْمحرم
قَالَ أَصْحَابنَا للْمحرمِ أَن يغْتَسل وَيدخل الْحمام وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك أكرهه لقتل الدَّوَابّ وَإِزَالَة التفث والوسخ
وَقد روى مَالك وسُفْيَان عَن زيد بن أسلم عَن ابراهيم بن علد الله بن حنين
عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ للْمحرمِ أَن يغْتَسل وَخَالفهُ الْمسور فأرسلوني إِلَى أبي أَيُّوب
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغسل رَأسه وَهُوَ محرم
هَكَذَا أقبل على رَأسه وَأدبر
وَمَالك عَن سمي عَن أبي بكر عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصب على رَأسه
بالعرج وَهُوَ محرم صَائِم من حر أَو عَطش
وَإِذا جَازَ غسل سَائِر الْبدن
وَقد روى نَحْو ذَلِك عَن عمر من غير نَكِير وَاحِد من الصَّحَابَة فَدلَّ
على متابعتهم إِيَّاه
(2/112)
587 - فِي الْمحرم يقرد بعيره
قَالَ أَصْحَابنَا للْمحرمِ أَن يقرد بعيره وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالْحسن بن صَالح وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك رَأَيْت أهل الْعلم يستحبون قَول ابْن عمر فِي نَهْيه أَن
ينْزع قرادا عَن بعيره وَقَالَ مَالك إِن طرح ذَلِك عَن نَفسه فَلَا شَيْء
فِيهِ وَإِن طَرحه عَن بعيره فَعَلَيهِ أَن يطعم
روى مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث
التَّيْمِيّ عَن ربيعَة بن عبد الله بن الهدير أَنه رأى عمر بن الْخطاب
يقرد بَعِيرًا فِي طين بالسقيا وَهُوَ محرم
قَالَ مَالك لَيْسَ على هَذَا الْعَمَل وروى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يكره أَن ينْزع الْمحرم قردا عَن بعيره
113 - قَالَ مَالك وَذَلِكَ أحب مَا سَمِعت إِلَيّ فِي هَذَا
وروى جَوَاز ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس
فَقَوله وَقَول عمر فِي ذَلِك سَوَاء وَهُوَ أولى عِنْدِي فِي النّظر لِأَن
القراد لَيْسَ من الصَّيْد وَلَا فِيهِ إِزَالَة التفث عَن نَفسه فَهُوَ
كالذباب يجوز للْمحرمِ قَتله
(2/113)
588 - فِي مس الطّيب وَشمه
قَالَ أَصْحَابنَا يكره للْمحرمِ مس الطّيب وَشمه وشم الريحان وَإِن فعل
فَلم يلزق بِهِ مِنْهُ شَيْء فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلكنه يكره لَهُ وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَمَالك وَقَالَ مَالك يُقَام العطارون من بَين الصَّفَا
والمروة وَأَيَّام الْحَج وَقَالَ إِن مس طيبا كثيرا افتدى
وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ لم يريَا بَأْسا بشم الطّيب
قَالَ لما تطيب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت رَائِحَته بعد
الْإِحْرَام دلّ على أَنه لَا يكره شم الطّيب
589 - فِي تزوج الْمحرم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري للْمحرمِ أَن يتَزَوَّج
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يتَزَوَّج
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يفرق بَينهمَا وَهِي تَطْلِيقَة
وروى عَن مَالك أَنه فسخ لَيْسَ بِطَلَاق
روى مَالك وَابْن أبي ذِئْب عَن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدَّار عَن أبان
بن عُثْمَان قَالَ سَمِعت أبي عُثْمَان بن عَفَّان يَقُول قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(2/114)
لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح أويخطب
قَالَ احْتمل أَن يكون للخوف عَلَيْهِ من إصابتهن لَا لِأَن العقد فَاسد
وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد عَن
ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة بنت
الْحَارِث وَهُوَ محرم
وروى مُعلى بن أَسد حَدثنَا وهيب بن خَالِد عَن عبد الله بن طَاوس عَن
أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا فَهد وَمُحَمّد بن خُزَيْمَة قَالَا حَدثنَا
أَبُو عوَانَة عَن مُغيرَة عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة
قَالَت تزوج رَسُول الله صلى الله عَليّ وَسلم بعض نِسَائِهِ وَهُوَ محرم
فَهَذَا يدل على أَن مَنعه غَيره لأجل الْخَوْف عَلَيْهِ وَلم يخْش ذَلِك
من نَفسه فَفعل كَمَا كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم قَالَت عَائِشَة وَأَيكُمْ
يملك إربه كَمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يملكهُ
فَإِن قيل روى حَمَّاد بن زيد عَن مطر عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن
عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن أبي رَافع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم تزوج مَيْمُونَة حَلَالا
قيل لَهُ هَذَا الحَدِيث لم يرفعهُ غير مطر الْوراق وَإِنَّمَا أَصله عَن
سُلَيْمَان بن يسَار حِكَايَة عَنهُ لما ذكر فِيهِ غير مَذْكُور فِيهِ
أَخذه عَن أبي رَافع
(2/115)
وَلَا يُمكن أَن يكون لِسُلَيْمَان بن
يسَار سَماع من أبي رَافع لإنه مَاتَ فِي صدر خلَافَة عَليّ أَو قبل ذَلِك
واستخلف عليا على بَيته وَقد ذكرنَا فِي الزَّكَاة أَن عليا لما دفع
إِلَيْهِم أَمْوَالهم وجدوها نَاقِصَة فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ
أتروني يكون عِنْدِي مَال يحول عَلَيْهِ الْحول لَا أزكيه فَذَلِك يُوجب
تقدم مَوته وينفي لِقَاء سُلَيْمَان إِيَّاه
فَإِن قيل روى مَالك عَن ربيعَة عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا رَافع مَوْلَاهُ ورجلان من الْأَنْصَار
فزوجاه مَيْمُونَة بنت الْحَارِث وَهُوَ فِي الْمَدِينَة قبل أَن يخرج
روى حَمَّاد بن سلمه عَن حبيب بن الشَّهِيد عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن
يزِيد بن الْأَصَم عَن مَيْمُونَة بنت الْحَارِث قَالَت تزَوجنِي رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرف حَلَالا
وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان بعد أَن رَجَعَ من مَكَّة
وَلم يذكر مُحَمَّد بن خُزَيْمَة فِي حَدِيثه غير حجاج بن منهال
عَن حَمَّاد قيل إِنَّمَا أصل هَذَا عَن يزِيد الْأَصَم عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة غير محرم
كَذَلِك رَوَاهُ من هُوَ أعلم النَّاس بحَديثه وأرواهم عَنهُ وَهُوَ
جَعْفَر بن برْقَان عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ كنت عِنْد عَطاء فجَاء
رجل فال هَل يتَزَوَّج الْمحرم فَقَالَ عَطاء مَا حرم الله النِّكَاح
مُنْذُ أحله
(2/116)
قَالَ مَيْمُون فَقلت لَهُ أَن عمر بن عبد
الْعَزِيز كتب إِلَيّ أَن أسأَل يزِيد بن الْأَصَم أَكَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تزوج مَيْمُونَة حَلَالا أَو حَرَامًا فَقَالَ
يزِيد تزَوجهَا وَهُوَ حَلَال
فَقَالَ عَطاء مَا كَانَ يَأْخُذ هَذَا إِلَّا عَن مَيْمُونَة كُنَّا نسْمع
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا وَهُوَ محرم
فَأخْبر جَعْفَر بِالسَّبَبِ الَّذِي رفع إِلَيْهِ هَذَا الحَدِيث عَن
يزِيد بن الْأَصَم وَأَن الَّذِي كَانَ عِنْده مِنْهُ حَتَّى حَاج بِهِ
عَطاء ذكره إِيَّاه عَن يزِيد بن الْأَصَم مَوْقُوفا عَلَيْهِ غير مَرْوِيّ
عَن مَيْمُونَة
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَن يزِيد بن الْأَصَم من هُوَ أجل من جَعْفَر وحاج
بِهِ عَمْرو بن دِينَار روى سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن
زيد عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج
مَيْمُونَة وَهُوَ محرم
قَالَ عَمْرو فَحَدثني ابْن شهَاب عَن يزِيد بن الْأَصَم أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم نكح مَيْمُونَة وَهِي خَالَته وَهُوَ حَلَال
قَالَ عَمْرو فَقلت لِلزهْرِيِّ وَمَا يدْرِي يزِيد بن الْأَصَم أَعْرَابِي
بوال اتجعله إِلَى ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ يجب أَن يحْتَج بِحَدِيث ابْن
الشَّهِيد على الزُّهْرِيّ لضبط الزُّهْرِيّ وتقدمه غير أَن عَمْرو بن
دِينَار قد خَاطب الزُّهْرِيّ ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا دَفعه عَنهُ وَكَيف
تجوز مُقَابلَة رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة بِيَزِيد بن الْأَصَم
وَقد كَانَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيزِيد لم يُولد بعد
وَمن جِهَة أُخْرَى ان النّظر أَن الْإِحْرَام لَا يمْنَع العقد وَأَن منع
الْوَطْء كَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَاف
(2/117)
590 - فِي احتجام الْمحرم
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز للْمحرمِ أَن يحتجم وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا يحتجم إِلَّا عَن ضَرُورَة
روى أَبُو عوَانَة عَن مُغيرَة عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة
قَالَت احْتجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسللم وَهُوَ محرم
وَلَو لم يصلح إِلَّا للضَّرُورَة سنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سنته حَتَّى لَا يَقْتَدِي بِهِ إِلَى غير ذَلِك السَّبَب وَلَو جَازَ
للضَّرُورَة لجَاز بفدية كحلق الرَّأْس من أَذَى
591 - فِي اكتحال الْمحرم والمحرمة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالكحل للْمحرمِ والمحرمة مَا لم يكن فِيهِ
طيب فَإِن كَانَ فِيهِ طيب تصدق إِلَّا أَن يكون مرَارًا كَثِيرَة
فَعَلَيهِ دم
وَإِن كَانَ من ضَرُورَة فَعَلَيهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
قَالَ مرّة لَا تكتحل الْمَرْأَة الْمُحرمَة لِأَنَّهُ زِينَة وَهُوَ قَول
اللَّيْث
وقولهما فِي الرجل مثل قَوْلنَا
قَالَ الثَّوْريّ مثل قَوْلهمَا
(2/118)
قَالَ اللَّيْث لِأَن الْكحل زِينَة
للْمَرْأَة وشين للرجل
قَول من منعهما الْكحل للزِّينَة لَا معنى لَهُ لِأَن لَهَا أَن تتزين
بِمَا شَاءَت من الثِّيَاب
592 - فِي نظر الْمحرم فِي الْمرْآة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس أَن ينظر الْمحرم فِي الْمرْآة
قَالَ مَالك أكرهه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ قَالَ لِأَنِّي لم آمن أَن يرى فِي
وَجهه أَو رَأسه شعثا فيزيله
وَجَدْنَاهُ غير مَمْنُوع من تقليب ثِيَابه الَّتِي يجوز لَهُ لبسهَا فِي
الْإِحْرَام وَفِي النّظر إِلَيْهَا مَا يَدعُوهُ إِلَى لبسهَا وَلم يمْنَع
من اجل ذَلِك فَكَذَلِك النّظر إِلَى وَجهه
593 - فِي إِدْخَال الْحَلَال الصَّيْد إِلَى الْحرم
فال أَصْحَابنَا مَا أدخلهُ الْحَلَال الْحرم من الصَّيْد فَإِنَّهُ
يُرْسِلهُ وعَلى هَذَا يدل قَول سُفْيَان
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ والأوازعي مَا أدخلهُ من الْحل فَلهُ أَن
يذبحه وَلَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَاله
قَالَ مَالك فِي الأوز يذبحه الْمحرم
وروى نَحْو قَوْلنَا عَن عَطاء
وروى نَحْو قَول هَؤُلَاءِ عَن مُجَاهِد
(2/119)
وَحكى عَن الشَّافِعِي فِي الْحَلَال يحرم
وَفِي يَده صيد لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَاله
الْقيَاس أَن الدواجن من الصَّيْد والوحش سَوَاء كَمَا ان الْأَنْعَام
بالتوحش لَا يخرج عَن حكمهَا وَيجوز للْمحرمِ وَمن فِي الْحرم ذَبحهَا
فَكَذَلِك مَا وَصفنَا
وَقد روى أَن الصعب بن جثامة أهْدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حمَار وَحش فَرده وَقَالَ إِنَّا حرم
وَلم يكْشف هَل صادفه فِي إِحْرَامه أوقبله
594 - فِيمَن أحرم وَفِي بَيته أَو قفصه صيد
قَالَ أَصْحَابنَا من أحرم وَفِي بَيته أَو فِي قفصه صيد فَلَيْسَ عَلَيْهِ
إرْسَاله
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ فِي بَيته لم يُرْسِلهُ وَإِن كَانَ فِي قفص مَعَه
أَو يَده أرْسلهُ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى على سَبِيل مَا فِي منزله أَيْضا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمحرم يكون مَعَه حمَار وَحش يُرْسِلهُ إِذا
أحرم
وَقَالَ الْحسن بن صَالح إِذا رَجَعَ من الْحَج وَعِنْده الْحمام فِي أمله
أَنه يرسلها وَإِن رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْء من الإلف لم يقبله
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أحرم وَمَعَهُ صيد أرْسلهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أحرم فذبح أَهله صيدا قد خَلفه فيهم فَعَلَيهِ
الْجَزَاء
(2/120)
وَكَذَلِكَ إِن مَاتَ وَإِن أسلم حَتَّى
يحل فَلَا بَأْس بذَبْحه
وَقد روى عَنهُ أَنه لَا يُرْسِلهُ
فَإِن كَانَ يمسِكهُ إِذا أحرم وَهُوَ فِي بَيته فَهُوَ غير فَاعل فِي
الصَّيْد شَيْئا فَلَا يُرْسِلهُ أَلا ترى أَنه لَو جرحه وَهُوَ حَلَال
فَمَاتَ مِنْهَا بعد الْإِحْرَام لم يلْزمه شَيْء لِأَنَّهُ لم يفعل بعد
الْإِحْرَام فِيهِ فعلا فَأَما إِذا كَانَ ممسكه فَهُوَ فَاعل فِي كل حَال
فِيهِ فَهُوَ كاصطياد ثَان إِذا أحرم وَفِي يَده صيد فَأرْسلهُ ثمَّ حل
فَوَجَدَهُ فَإِذا كَانَ صَاده بدءا وَهُوَ حرَام ثمَّ أرْسلهُ فَهُوَ
للثَّانِي وَإِن كَانَ صَاده قبل الْإِحْرَام فَهُوَ أَحَق بِهِ من
الثَّانِي
وَقَالَ مَالك إِذا أحرم وَهُوَ فِي يَده فقد زَالَ ملكه عَنهُ فَهُوَ
للثَّانِي وَقَالَ مَالك لَو أَن رجلا حَلَالا اصطاد صيدا ثمَّ انفلت من
يَده فاصطاده آخر أَنه إِن كَانَ ذَلِك بحدثان ذَلِك رده على الأول وَإِن
كَانَ قد لحق بالوحش فَهُوَ للثَّانِي
قَالَ وَقَول الشَّافِعِي يدل على أَن الثَّانِي لَا يملكهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعدة على الْمَرْأَة تَحت زوج لَا يزِيل نِكَاح
الأول وَإِن وَجب عَلَيْهِ اجتنابها
595 - فِيمَا يُبَاح للْمحرمِ قَتله من الْحَيَوَانَات
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقتل الْمحرم شَيْئا من السبَاع إِلَّا الْكَلْب
وَالذِّئْب ابتدأه أَو ابتدأهما فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي قَتلهمَا
وَكَذَلِكَ الْفَأْرَة والغراب وَالْعَقْرَب
(2/121)
والحدأة وَإِن ابتدأه السَّبع وَقَتله
فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَحكى ابْن أبي عمرَان عَن زفر أَنه يقتل الذِّئْب خَاصَّة بِغَيْر فديَة
وَإِن قتل غَيره مِمَّا ابتدأه فدَاه وَذهب إِلَى أَن الضَّرُورَة لَا
تسْقط الْفِدْيَة كحلق الرَّأْس من أَذَى
وَقَالَ الْحسن بن صَالح مثل قَول أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ الثَّوْريّ
وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا يقتل الْمحرم شَيْئا من السبَاع وَلَا يَبْتَدِئ
الْإِنْسَان مثل الْأسد والنمر وَالذِّئْب والفهد قَالَ وَكَذَلِكَ
الْكَلْب الْعَقُور وَأما الثَّعْلَب والهر وَمَا أشبههما فَلَا يقتلهما
الْمحرم فَإِن فعل فدَاه
قَالَ الشَّافِعِي كل مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه فللمحرم قله
قَالَ أَبُو جَعْفَر اسْم الصَّيْد يجمع الْمَأْكُول والمنتفع بِهِ من غير
جِهَة الْأكل فَلَمَّا خص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخمس وَجب
أَن تكون الْآيَة عَامَّة فِي الْبَاقِي روى ابْن شهَاب عَن سَالم عَن
أَبِيه عَن حَفْصَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس
من الدَّوَابّ يقتلهُمْ الْمحرم الْغُرَاب والحدأة والفأرة وَالْعَقْرَب
وَالْكَلب الْعَقُور
وَمَالك عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وَهِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خمس فواسق تقتلن فِي الْحل وَالْحرم الْكَلْب
الْعَقُور والفأرة والحدأة وَالْعَقْرَب والغراب
(2/122)
فَلَمَّا خص الْمُبَاح بِعَدَد لم يجز
مجاوزته وَإِسْقَاط فَائِدَته
فَإِن قيل روى زُهَيْر عَن زيد بن أسلم عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة
أَن الْكَلْب الْعَقُور الْأسد
قيل لَهُ رَوَاهُ زُهَيْر كَمَا ذكرت وروى حَفْص بن ميسرَة عَن زيد بن أسلم
عَن ابْن سيلان عَن أبي هُرَيْرَة أَن الْكَلْب الْعَقُور الْأسد فخالفه
فِي اسناده وَإِذا رَجَعَ الحَدِيث إِلَى ابْن سيلان لم يَصح الِاحْتِجَاج
بِهِ
فَإِن قيل لَيْسَ هَذَا أَبُو صَالح السمان وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو صَالح بن
سيلان قيل لَهُ فَهُوَ أولى أَن لَا يثبت بِهِ حجَّة
وَالْكَلب الْمَذْكُور هَا هُنَا هَذَا الْكَلْب الْمَذْكُور فِي قَوْله
{فَمثله كَمثل الْكَلْب} الْأَعْرَاف 176 وَقَوله {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ
بالوصيد} الْكَهْف 18 وَإِذا ولغَ الْكَلْب
قَالَ وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يدْخل الذِّئْب فِي الْإِبَاحَة كَمَا قَالَ
أَبُو حنيفَة
فَإِن قيل قد سمى الذِّئْب كَلْبا
قيل لَهُ سَمَّاهُ الله الْعَزِيز بِغَيْر اسْم الْكَلْب فِي قصَّة يُوسُف
عَلَيْهِ السَّلَام وَأما مَالك فَقَالَ إِنِّي لَا أُبِيح من الطير أَلا
مَا أَبَاحَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيلْزمهُ أَن لَا يُبِيح
من السبَاع إِلَّا مَا أَبَاحَهُ
وَيدل على فَسَاد قَول من جعل الْكَلْب الْأسد إِنَّهُم مجمعون على أَن
الْكَلْب الْمَعْرُوف دَاخل فِيهِ فَانْتفى الْأسد
(2/123)
وَقد روى جرير بن حَازِم حَدثنَا عبد الله
بن عبيد بن عُمَيْر عَن ابْن أبي عمار عَن جَابر عبد الله أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الضبع فَقَالَ هِيَ من الصَّيْد وَجعل
فِيهَا إِذا أَصَابَهَا الْمحرم كَبْشًا
والضبع يخيف الْإِنْسَان ويبتدئه بالأذى وَقد أوجب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ الْجَزَاء فَبَطل بذلك اعْتِبَار مَالك
فَإِن قيل ذَلِك لِأَنَّهُ أَبَاحَ أكلهَا كَمَا روى ابْن جريح عَن عبيد
الله ابْن عُمَيْر أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمار أخبرهُ قَالَ سَأَلت
جَابر بن عبد الله عَن الضبع فَقلت أكلتها قَالَ نعم قلت أصيد هِيَ قَالَ
نعم
قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من قَول جَابر لِأَنَّهُ لم يكن بلغه
نَهْيه عَن كل ذى نَاب من السبَاع
قَالَ فَإِن قيل يُبِيح قتل الوزغ فِي الْإِحْرَام
قيل لَهُ لَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْعَقْرَب وَخص الْعَقْرَب بِإِبَاحَة
الْقَتْل دونه
فَإِن قيل لَهُ مَا تَقول فِي الْحَيَّة
قيل لَهُ هِيَ مثل الوزغة فِي الْقيَاس وَهُوَ قَول الحكم بن عتيبة
وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان رَوَاهُ عَنْهُمَا شُعْبَة
فَإِن قيل فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر بقتل
الْحَيَّة وَهُوَ يمنى رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن
عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمرنَا
(2/124)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل
الْحَيَّة وَهُوَ بمنى
قيل لَهُ يحْتَمل بعد الْإِحْلَال وَالْحلق
596 - فِي الصَّيْد يذبحه الْحَلَال
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس أَن يَأْكُلهُ الْمحرم وَمَا ذبحه الْمحرم لم
يَأْكُلهُ أحد وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يصد الْمحرم
وَقَالَ مَالك لَا يَأْكُلهُ الْمحرم فَإِن ذبحه الْحَلَال سَوَاء أَمر
بذَبْحه أَو لم يَأْمُرهُ إِذا ذبح من أَجله
وَكره سُفْيَان أكل لحم الصَّيْد للْمحرمِ وَإِن ذبحه الْحَلَال
وَحكى عَنهُ أَن الصَّيْد إِذا ذبحه الْمحرم فللحلال أكله
وَقَالَ اللأوزاعي إِذا صيد من أجل الْمحرم لم يُؤْكَل
وَالْحسن بن صَالح لَا يَأْكُل الْمحرم لحم صيد صَاده حَلَال بِوَجْه قَالَ
قَوْله {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر} الْمَائِدَة 96 يحْتَمل عين الصَّيْد
وَيحْتَمل الِاصْطِيَاد فَلَمَّا قَالَ {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد
تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} الْمَائِدَة 94 وَكَانَت هَذِه محكمَة وَتلك
متشابهة وَجب أَن لَا يكون مَعْنَاهُ مَحْمُولا على معنى هَذِه
وروى أَبُو عَاصِم النَّبِيل عَن ابْن جريج عَن الْحسن بن مُسلم عَن
طَاوُوس قَالَ لما قدم زيد بن الأرقم أَتَاهُ ابْن عَبَّاس فَقَالَ أهْدى
رجل إِلَى
(2/125)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحم
اصيد فَرده وَقَالَ إِنِّي حرَام فَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث مايوجب
التَّحْرِيم
روى سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن الصعب بن
جثامة قَالَ مر بِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا بالأبواء
فأهديت لَهُ حمَار وَحش فَرده عَليّ فَلَمَّا رأى الْكَرَاهَة فِي وَجْهي
قَالَ مَا رد عَلَيْك وَلَكنَّا حرم
وروى مَالك وَابْن أبي ذِئْب وَاللَّيْث عَن شهَاب بِإِسْنَادِهِ مثله
وَقَالَ أهدي حمارا وحشيا وَذكر الحَدِيث
فقد خالفوا هَؤُلَاءِ سُفْيَان فِي ذَلِك
فَإِن قيل كَانَ الْحمار مذبوحا لِأَن شُعْبَة روى عَن حبيب بن أبي ثَابت
عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن الصعب أهْدى لرَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا وحشيا فَرده وَكَانَ مذبوحا فَعَاد معنى حَدِيث
الصعب إِلَى معنى حَدِيث 3 زيد بن الأرقم فِي تَحْرِيم الصَّيْد على
الْمحرم إِلَّا أَن ابْن جريج روى عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن معَاذ
بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان
قَالَ كُنَّا مَعَ طَلْحَة بن عبيد الله وَنحن حرم فأهدى لَهُ طير
وَطَلْحَة رَاقِد فمنا من أكل وَمنا من تورع فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَة
وَقدم بَين يَدَيْهِ أكله فِيمَن أكله وَقَالَ أكلت مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى مَالك عَن أبي النَّضر عَن نَافِع مولى أبي قَتَادَة بن ربعي أَنه
(2/126)
كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ بِبَعْض طَرِيق مَكَّة تخلف مَعَ أَصْحَاب لَهُ
محرمين وَهُوَ غير محرم فَرَأى حمارا وحشيا فَاسْتَوَى على فرسه ثمَّ
سَأَلَ أَصْحَابه أَن يناولوه سَوْطه فَأَبَوا فَسَأَلَهُمْ رمحه فَأَبَوا
فَأَخذه ثمَّ شدّ على الْحمار فَقتله فَأكل مِنْهُ بعض أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبى بَعضهم فَلَمَّا أدركوا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ طعمة أطعمكموها
الله
وَمَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي قَتَادَة مثله وَزَاد
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَل مَعكُمْ من لَحْمه
شَيْء
وروى يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن عِيسَى بن
طَلْحَة عَن عُمَيْر بن سَلمَة عَن رجل من بهز أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مر بِالرَّوْحَاءِ فَإِذا هُوَ بِحِمَار وَحش عقير فِيهِ
سهم قد مَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعوه حَتَّى
يَجِيء صَاحبه فجَاء رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله هِيَ رميتي فكلوه فَأمر
أَبَا بكر أَن يقسمهُ بَين الرفاق وهم محرومون
قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِي يَصح الْحَدِيثين فَيجْعَل الْمنْهِي عَمَّن صيد
لَهُ وَالْإِبَاحَة لمن لم يصد لَهُ
كَمَا روى ابْن وهب أَخْبرنِي يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن وَيحيى بن عبد
الله بن سَالم عَن عَمْرو مولى الْمطلب عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب
عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحم
الصَّيْد حَلَال لكم وَأَنْتُم حرم مَا لم تصيدوه أَو يصاد لكم
(2/127)
فَقيل لَهُ هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الاسناد
لِأَن إِبْرَاهِيم بن سُوَيْد رَوَاهُ عَن عَمْرو عَن الْمطلب عَن أبي
مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر مثل حَدِيث جَابر
وَرَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن رجل من الْأَنْصَار
عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
فَلَمَّا اضْطربَ إِسْنَاده سقط الِاحْتِجَاج بِهِ على أَنه لَو صَحَّ
الحَدِيث لَكَانَ معنى قَوْله أَو يصاد لكم بأمركم وَهَذَا أولى لِأَن
الشَّيْء لَا يحرم على إِنْسَان بنية غَيره أَن يصيد لَهُ
وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة أَنه أفتى بِإِبَاحَة أكله ثمَّ سَأَلَ عمر
فَقَالَ لَو أَفْتيت بِغَيْرِهِ لأوجعتك وَهُوَ قَول ابْن عمر وَكَعب
وَعَائِشَة
وروى عَن عُثْمَان إِبَاحَته إِذا لم يصد من أَجله
وروى عَن عَليّ كَرَاهَته
وَيُؤْخَذ من جِهَة النّظر قَوْلنَا لأَنهم لَا يَخْتَلِفُونَ أَن لحم
الصَّيْد إِذا ذكى فِي الْحل ثمَّ أَدخل الْحرم جَازَ أكله فَكَذَلِك إِذا
أحرم
597 - فِيمَن يضْطَر إِلَى ميتَة وصيد
قَالَ أَبُو حنيفَة يَأْكُل الْميتَة وَلَا يَأْكُل الصَّيْد وَهُوَ قَول
مُحَمَّد
وروى مثله عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَهُوَ قَول زفر وَمَالك وَالثَّوْري
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يذبح الصَّيْد ويأكله وَعَلِيهِ جَزَاؤُهُ
(2/128)
قَالَ وذبيحة الْمحرم الصَّيْد لَيست
بِذَكَاة لِأَن الله سَمَّاهُ قتلا فَيَجْعَلهُ ميتَة وَإِذا حصل بذَبْحه
ميتَة فَلَا معنى الأمره بذَبْحه وَالْجَزَاء وَهُوَ لَا يَأْكُل الْميتَة
598 - فِي قطع شجر الْحرم واحتشائه ورعيه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يقطع شجر الْحرم وَلَا يحتشى وَلَا
يرْعَى فَإِن فعل أهْدى بِقِيمَتِه إِن بلغ وَإِلَّا قومه طَعَاما فأطعم كل
مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة وَهَذَا فِي كل مَا نبت بِنَفسِهِ مِمَّا لم
ينبته النَّاس
وَقَالَ زفر فِي شجر الْحرم لَا يُجزئ إِلَّا الْقيمَة يتَصَدَّق بهَا لَا
يُجزئ الْهدى إِلَّا أَن يكون قِيمَته مذبوحا مثل ذَلِك
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس بِأَن يرْعَى حشيش الْحرم وَلَا يحتش
وَهُوَ قَول (106 أ) عَطاء وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن يحتش الْحَشِيش وَلَا يرى فِي قطع شجر
الْحرم شَيْئا وَهُوَ مَحْظُور قطعه
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يحتش وَإِن فعل فدى
وروى أَبُو يُوسُف عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حرم مَكَّة
إِلَى أَن قَالَ وَلَا يختلي خَلاهَا وَلَا يعضد شَجَرهَا فَقَالَ
الْعَبَّاس إِلَّا الْإِذْخر فَإِنَّهُ لَا غنى لأهل مَكَّة عَنهُ لبيوتهم
وقبورهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الْإِذْخر
(2/129)
فَلَمَّا خص الْإِذْخر واستثناه دلّ على
أَن ماعداه مَحْظُور لَا يختلي وَهُوَ أَن يحتش أَو يرْعَى وَيدل عَلَيْهِ
مَا روى عبد الْملك عَن عَطاء عَن عبيد بن عُمَيْر أَن عمر بن الْخطاب رأى
رجلا يقطع من شجر الْحرم ويعلفه بَعِيرًا لَهُ فَقَالَ عَليّ بِالرجلِ
فَقَالَ أما علمت أَن مَكَّة حرَام لَا يعضد عضاهها فَقَالَ يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ وَالله مَا حَملَنِي على ذَلِك إِلَّا أَن معي نضوا لي
فَخَشِيت أَن لَا يبلغنِي أَهلِي وَمَا معي زَاد وَلَا نَفَقَة فرق
عَلَيْهِ عمر بعد ماهم بِهِ وَأمر لَهُ بِبَعِير من إبل الصَّدَقَة موقرا
طحينا
فَلم يَأْمُرهُ عمر برعيه وَأنكر عَلَيْهِ فعله وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة
الصَّحَابَة فَلم ينكروه فَدلَّ على متابعتهم إِيَّاه
وَلما قرن نَهْيه عَن الإختلاء بِالنَّهْي عَن تنفير الصَّيْد ثمَّ كَانَ
منتهك الْحُرْمَة يجب عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَكَذَلِكَ وَجب أَن يكون حكم
منتهك حُرْمَة الشّجر
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن ابي حنيفَة لَا بَأْس بِأَن يخرج
تُرَاب الْحرم وحجارته إِلَى الْحل وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر كَرَاهَة ذَلِك وَهُوَ قَول ابْن أبي
ليلى وَالشَّافِعِيّ
قَالَ لما كَانَ شجر الْحرم مَنْهِيّا عَن قطعه واستعماله فِي الْحرم لأجل
حرمته وَلم يكن مَمْنُوعًا من اسْتِعْمَال تُرَاب الْحرم وحجارته فِي
الْحرم علم أَنه لَا حُرْمَة لَهُ فَلَا بَأْس بِإِخْرَاجِهِ وَأَيْضًا مَا
جف من شجر الْحرم وَسقط جَازَ الِانْتِفَاع بِهِ وإخراجه فَكَذَلِك الْحجر
وَالتُّرَاب يجوز إِخْرَاجه وَالِانْتِفَاع بِهِ
(2/130)
599 - فِي المواطن الَّتِي ترفع فِيهَا
الْأَيْدِي
وروى أَصْحَابنَا عَن إِبْرَاهِيم لَا ترفع الْأَيْدِي إِلَّا فِي سَبْعَة
مَوَاطِن افْتِتَاح الصَّلَاة وقنوت الْوتر وَالْعِيدَيْنِ وَعند استلام
الْحجر وعَلى الصَّفَا والمروة وبجمع وعرفات وَفِي المقامين عِنْد
الْجَمْرَتَيْن
حكى عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ فِي افْتِتَاح الصَّلَاة وَالْوتر
وَالْعِيدَيْنِ وَعند استلام الْحجر يَجْعَل بطُون كفيه مِمَّا يَلِي
الْقبْلَة وَظُهُورهمَا قبالة وَجهه وَأما الدّفع بِجمع وعرفات وَفِي
المقامين عِنْد الْجَمْرَتَيْن وَعند الصَّفَا والمروة فيستقبل وَجهه ببطون
كفيه يَعْنِي استلام الْحجر
وَقَالَ مَالك فِي استلام الْحجر يكبر ويمضي وَلَا يرفع يَدَيْهِ وَقَالَ
فِي الصَّفَا والمروة يرفعهما أَيْضا خَفِيفا وَكَذَلِكَ بِعَرَفَات وَلم
يحفظ عَنهُ فِي المقامين
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ فِي رفع الْيَدَيْنِ عِنْد رُؤْيَة الْبَيْت
شَيْء اكرهه وَلَا أستحبه وَهُوَ حسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْفضل بن مُوسَى السينَانِي روى ابْن أبي ليلى عَن
نَافِع عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا ترفع الْأَيْدِي إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن
افْتِتَاح الصَّلَاة وَعند رُؤْيَة الْبَيْت وعَلى الصَّفَا والمروة
وبعرفات وبالمزدلفة وَعند الْجَمْرَتَيْن
(2/131)
وَرَوَاهُ الْمحَاربي عَن ابْن أبي ليلى
عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وَقد روى شُعْبَة عَن أبي قزعة الْبَاهِلِيّ عَن المُهَاجر عَن جَابر بن
عبد الله أَنه سُئِلَ عَن رفع الْأَيْدِي عِنْد الْبَيْت فَقَالَ ذَلِك
شَيْء يَفْعَله الْيَهُود قد حجَجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَلم يفعل ذَلِك
فَحَدِيث جَابر أولى لِأَنَّهُ أخبر أَنه من فعل الْيَهُود وَقد كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبع شَرِيعَة الْأَنْبِيَاء قبله حَتَّى
ينزل خِلَافه فَلَمَّا أخبر أَنهم حجُّوا مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَفْعَله دلّ على نسخ مَا فعله الْأَنْبِيَاء قبله فِي
ذَلِك فَيكون فِي ذَلِك حمل الْحَدِيثين على الصِّحَّة وَنفي التضاد
عَنْهُمَا فَانْتفى بذلك رفع الْيَدَيْنِ عِنْد رُؤْيَة الْبَيْت
وَأما رفع الْيَدَيْنِ عِنْد استلام الْحجر فَإِنَّهُ افْتِتَاح الصَّلَاة
وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الطّواف بِالْبَيْتِ
صَلَاة إِلَّا أَن الله قد أحل لكم الْمنطق فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا
بِخَير
(2/132)
فَكَانَت الصَّلَاة افتتاحها
بِالتَّكْبِيرِ فَكَذَلِك افْتِتَاح كل شوط مِنْهُ كَصَلَاة مبتدأه
فَإِن قيل لم لم نجْعَل كل سَبْعَة أَشْوَاط كَصَلَاة وَاحِدَة
قيل لَهُ لِأَنَّهُ قد يجوز للطائف أَن يقطع طَوَافه عِنْد تَمام الشوط
وَيرجع فيبني عَلَيْهِ وَلَو كَانَ كَصَلَاة وَاحِدَة لما جَازَ الْفَصْل
وَقد رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمر إِنَّك رجل
قوي وَإنَّك تزاحم على الرُّكْن فتؤذي الضَّعِيف فَإِذا رَأَيْت خلْوَة
فاستلمه وَإِلَّا فَكبر وامض
وَقد روى حَمَّاد عَن بشر بن حَرْب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو بِعَرَفَة فَكَانَ يرفع
يَدَيْهِ نَحْو ثندوته
وَإِذا ثَبت ذَلِك فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة لأجل الدُّعَاء ثَبت مثله فِي
الصَّفَا والمروة وبالمزدلفة وَعند المقامين عِنْد الْجَمْرَتَيْن
600 - فِي قطع الطّواف للصَّلَاة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قطع طَوَافه لصَلَاة أُقِيمَت أَو غَيرهَا
فَإِنَّهُ يَبْنِي بعد ذَلِك ويعتد بِمَا مضى وَكَذَلِكَ السَّعْي وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح وَالْأَوْزَاعِيّ
(2/133)
وَقَالَ مَالك إِذا أحدث فِي طَوَافه
تَوَضَّأ واستأنف وَإِن أُقِيمَت الصَّلَاة صلى مَعَ الإِمَام وَبنى على
مَا طَاف إِذا كَانَ طَوافا وَاجِبا وَإِن كَانَ تَطَوّعا فأحدث فَإِن
شَاءَ تَركه وَلم يجب عَلَيْهِ إِتْمَامه وَكَذَلِكَ إِذا دخل فِي صَلَاة
تطوع فأحدث فَلهُ أَن يَتْرُكهَا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا رعف فِي صلَاته أتم مَا بَقِي وَإِن كَانَ حَدثا
اسْتَأْنف قَالَ وَقَالَ مَالك مثله
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ فِيمَن أحدث فِي طَوَافه
أَجزَأَهُ وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ وَلَو أُقِيمَت الصَّلَاة فصلى بنى قَالَ
الْمُزنِيّ فَهَذَا دَلِيل على أَنه لَيْسَ كَالصَّلَاةِ
قَالَ لَا يَخْلُو الطّواف من أَن يكون كَالصَّلَاةِ أَو مُخَالفا لَهَا
فَلَمَّا اتَّفقُوا على أَنه لَو أُقِيمَت الصَّلَاة فَقطع بنى دلّ على
أَنه خلاف الصَّلَاة وَأَنه جَائِز فعله مَقْطُوعًا
601 - إِذا صلى الْفَرِيضَة عَن رَكْعَتي الطّواف
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُجزئهُ وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ يُجزئ الْفَرْض مِنْهُمَا
قَالَ ابْن أبي ليلى وَهُوَ بِمَنْزِلَة رجل قَرَأَ سُورَة فِي آخرهَا
سَجْدَة فَرَكَعَ بهَا
وَرُوِيَ مثله عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ رَكعَتَا الطّواف كَصَلَاة نذر لم ينب عَنهُ
الْفَرْض كَمَا يَنُوب عَن النّذر
(2/134)
602 - فِي قَضَاء رَكْعَتي الطّواف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ترك رَكْعَتي الطّواف حَتَّى خرج من مَكَّة قضاهما
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَرُوِيَ نَحوه عَن ابْن عمر وَهُوَ قَول مَالك
إِلَّا أَنه قَالَ إِن كَانَ بِمَكَّة أعَاد الطّواف وَصلى وَإِن كَانَ قد
رَجَعَ إِلَى أَهله قضى الصَّلَاة وَأهْدى هَديا
وَقَالَ الْحسن بن صَالح إِذا أخر رَكْعَتي الطّواف الْوَاجِب حَتَّى
يمْضِي أَيَّام النَّحْر فَعَلَيهِ دم
قَالَ قد دللنا على أَن قطع الطّواف لَا يمْنَع الْبناء فَقطع
الرَّكْعَتَيْنِ عَنهُ لَا تمنع الْقَضَاء
603 - فِيمَن أهل لَا يَنْوِي شَيْئا من حجَّة أَو عمْرَة
يَنْبَغِي للْحَاج أَن يطوف طواف الْقدوم قبل خُرُوجه إِلَى عَرَفَات ثمَّ
يخرج إِلَى عَرَفَات
وروى مُحَمَّد عَن الرّبيع بن صبيح عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ قدمنَا مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَابِعَة مضين من ذِي الْحجَّة مهلين
بِالْحَجِّ فَأمرنَا فطفنا بِالْبَيْتِ وسعينا بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ
أمرنَا فقصرنا ثمَّ قَالَ حلوا
قَالَ مُحَمَّد وَأخْبرنَا عمر بن ذَر قَالَ قلت لمجاهد أهلوا لَا ينوون
حجا وَلَا عمْرَة ينتظرون مَا يؤمرون بِهِ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يجعلوها عمْرَة
(2/135)
قَالَ مُحَمَّد وَهَذَا أصح الْقَوْلَيْنِ
وَكَذَا نقُول فِيمَن أهل لَا يَنْوِي شَيْئا أَنه إِن شَاءَ جعلهَا عمْرَة
وَإِن شَاءَ حجَّة
وَقَول مَالك مثل قَوْلنَا فِي أَنه إِذا كَانَ بِحجَّة قبل خُرُوجه إِلَى
عَرَفَات لم يَنْفَسِخ حجه وَلم يحل مِنْهَا إِلَى يَوْم النَّحْر وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ فِيمَن قدم مَكَّة من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهلين فَأَمرهمْ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بالإحلال نَحْو مِمَّا تَأَوَّلَه مُحَمَّد
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن للمهل بِالْحَجِّ أَن يحل يخْتَار ذَلِك
وَالْحج فِيهِ بإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واصحابه حِين خرج
وروى عبد الله بن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس أَنهم كَانُوا يرَوْنَ الْعمرَة
فِي أشهر الْحَج من أفجر الْفُجُور فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَصْحَابه وَهُوَ ملبون بِالْحَجِّ فَأَمرهمْ أَن يجعلوها عمْرَة
وروى ابْن جريج أَخْبرنِي عَطاء أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول لَا يطوف
أحد بِالْبَيْتِ حَاج وَلَا غَيره إِلَّا حل بِهِ قلت لَهُ من أَيْن كَانَ
يَأْخُذ قَالَ من قبل قَول الله تَعَالَى {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت
الْعَتِيق} الْحَج 33
فَقلت فَإِنَّمَا ذَلِك بعد التَّعْرِيف قَالَ كَانَ ابْن عَبَّاس يرَاهُ
قبل التَّعْرِيف وَبعده
قَالَ وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَأْخُذ من أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَصْحَابه أَن يحلو فِي حجَّة الْوَدَاع
(2/136)
فَهَذَا مِمَّا رَوَاهُ عَطاء عَن ابْن
عَبَّاس وروى شُعْبَة عَن الحكم عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذِه استمتعنا بهَا فَمن لم يكن
عِنْده الْهدى فليحل الْحل كُله فقد دخلت الْعمرَة فِي الْحَج
فَهَذَا إِخْبَار أَن الْقَوْم كَانُوا مهلين بِعُمْرَة فَحل مِنْهَا من
لَا هدي مَعَه وَلم يحل من سَاق الْهَدْي
روى حميد عَن بكر بن عبد الله ذكرت لِابْنِ عمر قَول أنس أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لبّى بِعُمْرَة وَحجَّة فَقَالَ ذهل أنس إِنَّمَا أهل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ وأهللنا بِهِ فَلَمَّا قدم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ لَا هدي مَعَه فليحل
وَكَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هدي فَلم يحل
فَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة
وروى عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ تمتّع رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج
وإهدى وسَاق مَعَه الْهَدْي من ذِي الحليفة وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ
فَفِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عمر أَن الَّذِي أهل بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس الْعمرَة فَحل مِنْهَا بِالطّوافِ من لم يكن
مَعَه هدي وَبَقِي فِيهِ من كَانَ سَاق الْهَدْي
قَالَ وَهَذَا أولى عندنَا من قَول ابْن عمر لِأَن مَالِكًا روى عَن نَافِع
عَن ابْن عمر عَن حَفْصَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا شَأْن النَّاس حلوا بِعُمْرَة
(2/137)
وَلم تحلل أَنْت من عمرتك فَقَالَ إِنِّي
لبدت رَأْسِي وقلدت هَدْيِي فَلَا أحل حَتَّى أنحر
فَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حَفْصَة قَوْلهَا ذَلِك
فَثَبت أَنهم أهلوا بدءا بِعُمْرَة
وروى حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر
فِي قصَّة حجَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جَابر لسنا ننوي
إِلَّا الْحَج لسنا نَعْرِف الْعمرَة حَتَّى إِذا كَانَ آخر الطّواف على
الْعمرَة قَالَ لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي
ولجعلتها عمْرَة فَمن كَانَ لَيْسَ مَعَه هدي فليحل وليجعلها عمْرَة فَحل
النَّاس وَقصرُوا إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مَعَه
الْهَدْي
فَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث أَنهم أَحْرمُوا بِالْحَجِّ وجعلوها عمْرَة
قَالَ فَقَالَ قَائِل روى حَمَّاد عَن أبي نَضرة عَن جَابر قَالَ متعتان
فعلناهما على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنْهُمَا عمر
فَلَنْ نعود إِلَيْهِمَا
قَالَ فهذاخلاف حَدِيث مُحَمَّد بن عَليّ لِأَنَّهُ ذكر فِيهِ الْمُتْعَة
والمتعة ابتداؤهما عمْرَة
قيل لَهُ لَيْسَ هَذَا بِخِلَاف لأَنهم لما جعلُوا حجهم عمْرَة ثمَّ حجُّوا
عَادوا متمتعين
وروى مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت خرجنَا
وَلَا نرى إِلَّا أَنه الْحَج فَلَمَّا قدم مَكَّة طَاف وَلم يحل وَكَانَ
مَعَه الْهَدْي فَطَافَ
(2/138)
من مَعَه من نِسَائِهِ وَأَصْحَابه وَحل
مِنْهُم من لم يكن مَعَه الْهَدْي
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَنهم جعلُوا حجهم عمْرَة
وروى عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن عبد الْوَاحِد بن
الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نذْكر إِلَّا الْحَج فَلَمَّا جِئْنَا مَكَّة
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه اجْعَلُوهَا عمْرَة
فَحل النَّاس إِلَّا من كَانَ مَعَه هدي وَهَذَا أتم
وروى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة خرجنَا مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع فأهللنا بِعُمْرَة ثمَّ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ مَعَه هدى فليهلل
بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة ثمَّ لَا يحل حَتَّى يحل مِنْهُمَا
وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن إهلالهم كَانَ بِعُمْرَة لَا حجَّة مَعهَا
وَإِنَّهُم قد أحلُّوا من عمرتهم ثمَّ أهلوا الْحَج بعد ذَلِك
وَفِيه دَلِيل على أَن من حل قبل عَرَفَة فَإِنَّمَا أحل من عمْرَة لَا من
حجَّة وَهَذَا يدْفع مَا روى عَن عَائِشَة فِي فسخ الْحَج
فَهَذَا مَا روى فِي ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر
وَعَائِشَة
ثمَّ روى شُعْبَة عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق عَن ابْن شهَاب عَن أبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ منيخ بالبطحاء فَقَالَ لي بِمَا أَهلَلْت قلت إهلال كإهلال النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد
(2/139)
أَحْسَنت طف بِالْبَيْتِ والصفا والمروة
ثمَّ أحل فَكنت أفتى النَّاس بذلك حَتَّى كَانَ زمن عمر فَذكرت ذَلِك لَهُ
فَقَالَ كتاب الله يَأْمُرنَا بالتمام وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه لم يحل حَتَّى بلغ الْهَدْي مَحَله
فَفِي ذَلِك إِنْكَار عمر على أبي مُوسَى مَا كَانَ يُفْتِي بِهِ من
الْإِحْلَال قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة فَدلَّ ذَلِك على أَن إِحْرَام أبي
مُوسَى كَانَ بِالْحَجِّ دون الْعمرَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ بِالْعُمْرَةِ
لم يُنكر عَلَيْهِ وَقد كَانَ عمر شَاهدا حجَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وأفعاله وأقواله فِيهَا فَلم يكن عِنْده أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه خَرجُوا فِيهَا إِلَى عمْرَة
وروى حَفْص بن غياث عَن يحيى بن سعيد قَالَ حَدثنِي المرقع الأسيدي قَالَ
أَبُو ذَر لَا وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره مَا كَانَ لأحد أَن يهل بِحجَّة
ثمَّ يفسخها بِعُمْرَة إِلَّا الركب الَّذين كَانُوا مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمثل هَذَا لَا يُقَال إِلَّا توقيفا
وَقد روى الدَّرَاورْدِي عَن ربيعَة الرَّأْي عَن الْحَارِث بن بِلَال
الْمُزنِيّ عَن أَبِيه قَالَ قلت يارسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَرَأَيْت فسخ حجنا هَذَا لنا خَاصَّة أم للنَّاس عَامَّة فَقَالَ بل لكم
خَاصَّة
فقد أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث أَنه
لَهُم خَاصَّة
فَإِن قيل المرقع الأسيدي والْحَارث ليسَا بمشهورين فِي الرِّوَايَة
قيل لَهُ قد روى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن ابيه قَالَ
قَالَ أَبُو ذَر إِنَّمَا كَانَت الْمُتْعَة لنا خَاصَّة أَصْحَاب مُحَمَّد
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُتْعَة الْحَج
وَهَذَا حَدِيث لَا مطْعن عَلَيْهِ فَإِن كَانَ الصَّحِيح مَا تقدم ذكره
وَهَذِه
(2/140)
الْأَحَادِيث أَنهم كَانُوا محرمين
بِعُمْرَة فَهُوَ مَا قُلْنَا وَإِن كَانَ الصَّحِيح أَنهم كَانُوا محرمين
ثمَّ نسخوه بِعُمْرَة فقد ثَبت خُصُوصِيَّة ذَلِك بِمَا وَصفنَا وَكتاب
الله يدل عَلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة
لله} الْبَقَرَة 196 فَلَمَّا كَانَت الْعمرَة لَا يجوز الْخُرُوج مِنْهَا
قبل إِتْمَامهَا بِغَيْر ضَرُورَة وَلقَوْله {وَأَتمُّوا} فَكَذَلِك الْحَج
604 - فِي الْجمع بَين الطوافين وَأكْثر بِغَيْر صَلَاة بَينهمَا
كره أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد الْجمع بَين اسبوعين من الطّواف بِغَيْر صَلَاة
بَينهمَا وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس بذلك إِذا انْصَرف على وتر ثَلَاثَة أسابيع
أَو خَمْسَة أوسبعة
وروى أَن عَائِشَة كَانَت تقرن بَين الأسبوعين وَالثَّلَاثَة ثمَّ تركع
لذَلِك وَهُوَ الْمسور بن مَخْزَمَةَ
قَالَ الْقيَاس قَول أبي حنيفَة من قبل أَنهم مجمعون أَنه لَو طَاف لحجة
أَو لعمرة وَصلى أَنه يسْعَى وَلَا يفصل بَين السَّعْي وَالصَّلَاة بِطواف
آخر لِأَن الصَّلَاة مسنونة عقيب الطّواف كالسعي مسنون عقبه
605 - مَاذَا يُقَال لطواف الْحَج
كَانَ أَصْحَابنَا وسُفْيَان وَالْأَوْزَاعِيّ يَقُولُونَ طواف الزِّيَارَة
وَكَانَ مَالك يكره ويعظم أَن يَقُول الرجل زرنا قبر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
(2/141)
قَالَ الشَّافِعِي هُوَ طواف الْإِفَاضَة
رُوِيَ حَدِيث عَن عَائِشَة حِين قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي شَأْن صَفِيَّة لما حَاضَت فِي حجتها مَا أَرَاهَا
إِلَّا حابستنا قَالَت فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّهَا قد كَانَت أفاضت
يَوْم النَّحْر طَاهِرا قَالَ فلتنفر إِذا
قَالُوا فاسم الْإِفَاضَة اولى بِهِ من الزِّيَارَة
قيل لَهُ إِنَّمَا عنت بقولِهَا أفاضت أَي رجعت وَالْمَكَان الَّذِي كَانَت
فِيهِ يَوْم النَّحْر الطّواف كَمَا قَالَ {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات}
الْبَقَرَة 198 يني رجعتم
وَقد روى سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنِي مُحَمَّد بن طَارق عَن ابْن طَاوُوس
وَأبي الزبير عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل فَهَذَا أولى من غَيره
وَأما مَا كرهه مَالك من قَوْلهم زرنا قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَلَا معنى لَهُ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها
وروى الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ حَدثنِي صَدَقَة بن يزِيد عَن الْعَلَاء بن
عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تَعَالَى
(2/142)
من وسعت عَلَيْهِ رزقه وصححت لَهُ جِسْمه
لم يزرني فِي كل خَمْسَة أَعْوَام عَاما لمحروم
فَإِن قيل روى قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا خلف بن خَليفَة عَن الْعَلَاء بن
الْمسيب عَن أَبِيه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله تَعَالَى يَقُول إِن عبدا صححت لَهُ جِسْمه
وأوسعت عَلَيْهِ فِي الْمَعيشَة يمْضِي لَهُ خَمْسَة أَعْوَام لَا يفد
إِلَيّ لمحروم
قيل لَهُ قد روى الحديثان جَمِيعًا فنثبتهما وَنثْبت اللَّفْظَيْنِ إِذْ
لَا يَنْفِي أَحدهمَا عَن الآخر
606 - من طَاف بالبي مَحْمُولا وَبَين الصَّفَا والمروة
فَإِن كَانَ من عذر أَجزَأَهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ من غير عذر
فَعَلَيهِ أَن يُعِيد فَإِن رَجَعَ إِلَى أَهله فَعَلَيهِ دم
روى هِشَام عَن مُحَمَّد إِذا طَاف بِأُمِّهِ حَامِلا لَهَا قَالَ يُجزئهُ
هَذَا الطّواف عَن نَفسه وَعَن أمه وَلَو اسْتَأْجر رجلا لحمل امْرَأَة
وَالطّواف بهَا فَطَافَ بهَا وَنوى الطّواف أَجزَأَهُ ذَلِك وَأخذ الْأجر
الَّذِي سمى لَهُ وَلَو طَاف وَهُوَ حاملها يطْلب غريما فَإِن كَانَ
الْمَحْمُول يعقل وَنوى الطّواف أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ مغمى عَلَيْهِ لم
يجزه وَلم نجد فِي شَيْء من ذَلِك خلافًا
(2/143)
وَقَالَ مَالك من طَاف مَحْمُولا من عذر
أَجزَأَهُ وَمن طَاف بصبي يَنْبَغِي لَهُ أَن يطوف بِهِ بعد مَا يطوف
لنَفسِهِ الْوَاجِب وَقَالَ فِي السَّعْي إِذا حمل الصَّبِي يُجزئهُ عَن
نَفسه وَعَن الصَّبِي
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ركب خلف مَرِيض يمسِكهُ على دَابَّة يطوف بِهِ بَين
الصَّفَا والمروة لم يجزه عَن نَفسه سَعْيه مَعَ الْمَرِيض
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز طواف الرَّاكِب
وَلَو حمل رجل رجلا فَطَافَ بِهِ كَانَ الطّواف للمحمول دون الْحَامِل
فَإِن قَالُوا لما كَانَ طواف الرَّاكِب لعِلَّة لَا فديَة فِيهِ دلّ على
أَنه فِي غير الضَّرُورَة لَا شَيْء فِيهِ لِأَن كَفَّارَة الْإِحْرَام لَا
تسقطها الضرورات
قيل لَهُ انتهاك حُرْمَة فِي الْإِحْرَام لَا يسْقط كفارتها الضَّرُورَة
وَأما فعل النّسك فَلَا يلْزم إِلَّا فِي حَال الْقُدْرَة والضرورة يسْقطهُ
كطواف الصَّدْر للحاضر وَأما قَول من قَالَ يجزىء الْمَحْمُول وَلَا يجزىء
الْحَامِل فَلَا معنى لَهُ من قبل أَنه قد يُجزئ طواف الرجل وَهُوَ رَاكب
بعيره وَيُجزئ طَوَافه وَهُوَ حَامِل ثيابًا فَلَا يمْنَع حمله ذَلِك
جَوَاز طَوَافه فَكَذَلِك حمله لغيره
فَإِن قيل كَيفَ يكون فعل وَاحِد طَوافا لِرجلَيْنِ
قيل لَهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي معنى الطَّائِف بِنَفسِهِ أَلا ترى أَن
رجلَيْنِ لَو حلفا لَا يدخلَانِ هَذِه الدَّار فَحمل أَحدهمَا صَاحبه
طَائِعا فَأدْخلهُ إِيَّاهَا حنثا جَمِيعًا فَكَذَلِك مَا وَصفنَا
(2/144)
607 - فِيمَن ترك السَّعْي حَتَّى رَجَعَ
إِلَى أَهله
قَالَ أَصْحَابنَا من ترك السَّعْي فِي الْحَج وَالْعمْرَة حَتَّى رَجَعَ
فَعَلَيهِ دم وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
قَالَ مَالك إِذا ترك السَّعْي حَتَّى رَجَعَ فَإِنَّهُ يرجع فيسعى فَإِن
كَانَ قد أصَاب فَعَلَيهِ الْعمرَة وَالْهَدْي وَإِن لم يتْرك إِلَّا شوطا
وَاحِدًا عَاد وسعى
وَقَالَ الشَّافِعِي وَهُوَ محرم كَمَا كَانَ حَتَّى يرجع فيسعى فَإِن
كَانَ مُعْتَمِرًا كَانَ حَرَامًا من كل شَيْء وَإِن كَانَ حَاجا قد حلق
وَرمى كَانَ حَرَامًا من النِّسَاء حَتَّى يرجع وَلَو ترك بعض شوط حَرَامًا
كَانَ كَذَلِك
روى سُفْيَان عَن عَاصِم قَالَ سَأَلت أنس بن مَالك عَن الصَّفَا والمروة
قَالَ كَانَا من مشاعر الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أمسكنا
عَنْهُمَا فَأنْزل الله تَعَالَى {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله}
الْبَقَرَة 158 وَرَوَاهُ حَمَّاد عَن عَاصِم عَن أنس مثله وَقَالَ أنس فِي
آخرهَا تطوع
وروى عقيل عَن ابْن شهَاب قَالَ قَالَ عُرْوَة سَأَلت عَائِشَة عَن قَول
الله تَعَالَى {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} قَالَ فَقلت وَالله
مَا على أحد جنَاح أَن لَا يطوف بَين الصَّفَا والمروة قَالَت عَائِشَة بئس
مَا قلت إِنَّه لَو كَانَ على مَا تأولت كَانَت وَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن
لَا يطوف وَإِنَّمَا نزلت فِي شَأْن الْأَنْصَار حِين تحرجوا من ذَلِك
قَالَت عَائِشَة ثمَّ قد سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّواف
بَينهمَا فَلَيْسَ لأحد أَن يتْرك الطّواف بَينهمَا
(2/145)
فَأخْبرت عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قد سنّ ذَلِك
وَفِي الْآيَة أَنَّهَا من شَعَائِر الله والشعائر هِيَ العلامات لما دَعَا
الله إِلَيْهِ فَصَارَ كرمي الْجمار وَالذكر عِنْد الْمشعر الْحَرَام فهما
سَوَاء فِي قيام الدَّم عَنْهُمَا
فَإِن قيل هلا جعلته كطواف يَوْم النَّحْر
قيل لِأَنَّهُ قد قرن بِطواف الْقدوم فَكَانَ أشبه بِهِ مِنْهُ بِطواف
الزِّيَارَة
608 - إِذا أضَاف الْعمرَة إِلَى الْحَج بعد الطّواف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَاف بحجته ثمَّ أضَاف إِلَيْهَا عمْرَة رفض عمرته
وَعَلِيهِ مَكَانهَا دم الرَّفْض وَكَذَلِكَ لَو أهل بهَا وَهُوَ وَاقِف
بِعَرَفَة وَكَذَلِكَ لَو أهل بهَا يَوْم النَّحْر قبل الطّواف وَكَذَلِكَ
لَو قدم مَكَّة بدءا فَطَافَ لِلْحَجِّ شوطا ثمَّ أحرم بِعُمْرَة رفضها
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا أحرم بِالْحَجِّ ثمَّ أضَاف إِلَيْهَا
عمْرَة لم تلْزمهُ الْعمرَة
قَالَ إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ وَطَاف ثمَّ أضَاف إِلَيْهَا حجَّة حج
لِأَنَّهُ لَا يتَغَيَّر بِشَيْء عَن جِهَته مِمَّا لَو أحرم بهما جَمِيعًا
أَلا ترى أَنه يفعل طواف الْعمرَة قبل الْحَج لَو وَقفا مَعًا
(2/146)
وَأما إِذا أحرم بِالْحَجِّ لم يطف لَهما
وأضاف إِلَيْهِمَا عمْرَة صحت أَيْضا من قبل أَنه يَأْتِي بِطواف الْعمرَة
قبل الْحَج
وَأما إِذا طَاف لِلْحَجِّ فَغير مُمكن فعل ذَلِك الطّواف الْمَفْعُول
فَإِذا أحرم بِعُمْرَة يَقع طوافها بعد طواف الْحَج فَيكون خلاف الْمسنون
فَلذَلِك أَمرُوهُ برفضها لِئَلَّا يَقع على غير مسنونها
609 - فِي تَأْخِير طواف الزِّيَارَة إِلَى بعد أَيَّام التَّشْرِيق
قَالَ أَبُو حنيفَة من أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق
فَعَلَيهِ دم وَهُوَ قَول زفر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول
أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وروى أَفْلح بن حميد بن نَافِع عَن أَبِيه أَنه كَانَ مَعَ أبي أَيُّوب
الْأنْصَارِيّ فِي رجال من الْأَنْصَار فَلم يفض منا أحد إِلَى آخر أَيَّام
التَّشْرِيق
روى إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة عَن أبي بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ
لقد رَأَيْت أَقْوَامًا لَو أمروا أَن يشْربُوا المَاء مَا شربوه حَتَّى
تَنْقَطِع أَعْنَاقهم وَلم يَكُونُوا يرَوْنَ الْبَيْت إِلَّا يَوْم
النَّفر
قَالَ الْقيَاس أَنه مفعول فِي وقته بعد التَّشْرِيق فَلَا شَيْء فِيهِ
610 - فِيمَن رفع من عَرَفَات قبل غرُوب الشَّمْس
(2/147)
قَالَ أَصْحَابنَا فَعَلَيهِ دم وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ مَالك إِن رَجَعَ
إِلَى عَرَفَات قبل انفجار الصُّبْح فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يرجع
فقد فَاتَهُ الْحَج وَعَلِيهِ من قَابل
روى يزِيد بن هَارُون عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ عَن
عُرْوَة بن مُضرس أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجمع فَقلت يَا
رَسُول الله هَل لي من حج وَقد أنضيت رَاحِلَتي قَالَ من صلى مَعنا هَذِه
الصَّلَاة وَقد وقف مَعنا قبل ذَلِك وأفاض من عَرَفَات لَيْلًا أَو نَهَارا
فقد تمّ حجه وَقضى تفثه
فَأخْبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن قَلِيل الْوُقُوف لَيْلًا أَو نَهَارا
سَوَاء فِي الْحل وَقد اتّفق الْجَمِيع فِي جَوَاز الْقَلِيل لَيْلًا
وَكَذَلِكَ النَّهَار وَإِنَّمَا أَوجَبْنَا دَمًا لِأَنَّهُ لما وقف
نَهَارا لزمَه اللَّيْث حَتَّى يدْفع مَعَ الإِمَام فَإِذا ترك ذَلِك لزمَه
دم كمن ترك شَيْئا يَسِيرا فِي الطّواف
611 - فِيمَن ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ترك الْمبيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وتعجل مِنْهَا
بلَيْل من غير عذر فَعَلَيهِ دم فَإِن كَانَ من عذر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
(2/148)
قَالُوا إِذا ترك الْوُقُوف ثمَّ وقف بهَا
قبل طُلُوع الشَّمْس بعد مَا أَفَاضَ النَّاس فَإِنَّهُ يُجزئهُ وَلَا
شَيْء عَلَيْهِ
وَكَذَا لَو وقف بعد طُلُوع الْفجْر قبل الصَّلَاة ثمَّ دفع قبل النَّاس
أَجزَأَهُ وَقد أَسَاءَ حِين تعجل قبل النَّاس وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ فِي ترك الْمبيت وَالْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة وَكَذَلِكَ
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي من خرج من مُزْدَلِفَة قبل نصف اللَّيْل فَعَلَيهِ دم
وَقَالَ مَالك الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة بعد صَلَاة الصُّبْح فَمن وقف قبل
أَن يُصَلِّي الصُّبْح فَكَأَنَّهُ لم يقف وَإِن كَانَ بعد الْفجْر
وَقَالَ مَالك فِيمَن مر بِالْمُزْدَلِفَةِ مارا وَلم ينزل بهَا فَعَلَيهِ
دم وَمن نزل بهَا ثمَّ دفع من وسط اللَّيْل أَو أَوله أَو آخِره وَترك
الْوُقُوف مَعَ الإِمَام فقد أَجزَأَهُ وَلَا دم عَلَيْهِ وَيسْتَحب أَن
يقف مَعَ الإِمَام
روى سُفْيَان حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وزَكَرِيا وَدَاوُد بن أبي
هِنْد عَن الشّعبِيّ سَمِعت عُرْوَة بن مُضرس يَقُول أتيت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقلت يَا رَسُول الله جِئْت من
جبلي طَيء وَوَاللَّه مَا تركت جبلا من هَذِه الْجبَال إِلَّا وقفت
عَلَيْهِ فَهَل لي من حج فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
شهد
(2/149)
مَعنا هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْفجْر
بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقد كَانَ وقف بِعَرَفَة قبل ذَلِك لَيْلًا أَو نَهَارا
فقد تمّ حجه وَقضى تفثه
وَقَالَ دَاوُد بن أبي هِنْد أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حِين برق الْفجْر
فَثَبت بذلك أَن وَقت الْوُقُوف قبل طُلُوع الْفجْر لِأَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكر لَهُ حكم الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلًا
وَلم يَأْمُرهُ فِيهِ بِتَرْكِهِ شَيْء وَلما قَالَ فصلى مَعنا هَذِه
الصَّلَاة فعلق تَمام الْحَج بذلك علم أَن لَا معنى لقَوْل مَالك فِي أَن
الْوُقُوف بعد الصَّلَاة وَقبلهَا لَا يُجزئ
وَعلمنَا أَن مَا بعد طُلُوع الْفجْر وَقت الْوُقُوف إِلَى طُلُوع الشَّمْس
بِمَا روى سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون كُنَّا وقوفا
عِنْد عمر بِجمع فَقَالَ إِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا لَا يفيضون حَتَّى
تطلع الشَّمْس وَيَقُولُونَ أشرق ثبير وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خالفهم فَأَفَاضَ من قبل طُلُوع الشَّمْس
فَإِن قيل روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة أَن
يَوْم أم سَلمَة دَار إِلَى يَوْم النَّحْر فَأمرهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة جمع أَن تفيض فرمت جَمْرَة الْعقبَة وصلت الْفجْر
بِمَكَّة
وَهُوَ لَا يكون إِلَّا وَقد كَانَ خُرُوجهَا قبل الْفجْر فَيدل على
مَذْهَب الشَّافِعِي من الْوُقُوف بعد نصف اللَّيْل
قيل لَهُ هَذَا حَدِيث رَوَاهُ حَمَّاد مُنْقَطِعًا كَمَا ذكرنَا وَقد روى
الثَّوْريّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أم سَلمَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا أَن تصلي الْفجْر بِمَكَّة يَوْم
النَّحْر وَلم يذكر فِيهِ بَين عُرْوَة وَبَين أم سَلمَة أحدا وَهَذَا
مُنْقَطع لِأَن عُرْوَة لَا يعلم لَهُ سَماع من أم سَلمَة
وَقد حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن يُونُس حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن
هِشَام بن
(2/150)
عُرْوَة عَن أَبِيه عَن زَيْنَب عَن أم
سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا أَن توافي الْفجْر
مَعَه بِمَكَّة يَوْم النَّحْر
وَحدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا أَسد بن مُوسَى قَالَ
حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن زَيْنَب
بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَت أمرهَا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر أَن توافي مَعَه صَلَاة الصُّبْح
بِمَكَّة
فَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث أَن أمره إِيَّاهَا كَانَ يَوْم النَّحْر
فَكَذَلِك على يَوْم سوى يَوْم النَّحْر وكلا الْحَدِيثين مُخَالف لحَدِيث
حَمَّاد بن عَمْرو بن سَلمَة لِأَن فِي حَدِيث حَمَّاد موافاة صَلَاة
الصُّبْح وَفِي هذَيْن الْحَدِيثين خلاف ذَلِك لِأَن فِي حَدِيث حَمَّاد بن
عَمْرو مَا قد دلّ على سَعَة الْوَقْت
وَفِي حَدِيث الرّبيع مَا دلّ على موافاة فِي غير يَوْم النَّحْر وَقد
كَانَ أَبُو مُعَاوِيَة حدث بِهَذَا الحَدِيث مرّة أُخْرَى فَزَاد فِيهِ
حرفا مستحيلا أَن يكون الْأَمر كَانَ عَلَيْهِ
روى الْأَثْرَم عَن أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام
عَن أَبِيه عَن زَيْنَب عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أمرهَا أَن توافيه يَوْم النَّحْر بِمَكَّة
قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لم يسْندهُ غير أبي مُعَاوِيَة وَهُوَ خطأ
قَالَ وَقَالَ وَكِيع عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا أَن توافيه صَلَاة الصُّبْح يَوْم النَّحْر بِمَكَّة
قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَهَذَا أَيْضا عجب قَالَ أَبُو عبيد الله
وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم النَّحْر مَا يصنع
بِمَكَّة كَأَنَّهُ يُنكر ذَلِك قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فَجئْت إِلَى يحيى
بن سعيد فَسَأَلته فَقَالَ عَن هِشَام
(2/151)
عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أمرهَا أَن توافي لَيْسَ توافيه
وَقد روى الدَّرَاورْدِي وَيَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَن
هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر
أم سَلمَة أَن تصلي الصُّبْح يَوْم النَّفر بِمَكَّة وَكَانَ يَوْمهَا
فَأحب أَن توافيه يَوْم النَّفر بِمَكَّة
فَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث مَا يدْفع الْأَحَادِيث الأول
612 - فِي ترك الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَبِيت بهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ترك الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَبِيت بهَا
فَعَلَيهِ دم وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ اللَّيْث إِن فَاتَهُ أَيَّام منى فَلم يحضرها فقد صَار حجه عمْرَة
وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل وَهدى وَإِن جَاءَ منى فِي آخر أَيَّامه قضى مَا
ترك من رمي الْجمار وَعَلِيهِ هدي
وروى عَن عَلْقَمَة بن قيس أَن من فَاتَهُ الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة فَاتَهُ
الْحَج وَأَنه كالوقوف بِعَرَفَة وَاحْتج لَهُ بِأَن الله تَعَالَى قَالَ
{فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام} الْبَقَرَة 198
وَفِي حَدِيث عُرْوَة بن مُضرس أَنه قَالَ وَصلى مَعنا هَذِه الصَّلَاة أما
قَوْله
(2/152)
تَعَالَى {فاذكروا الله عِنْد الْمشعر
الْحَرَام} فَإِنَّمَا عَنى بِهِ صَلَاة الصُّبْح فاتفق الْجَمِيع على أَنه
لَو بَات بِمُزْدَلِفَة وأغمى عَلَيْهِ وَلم يصل لم يفته الْحَج
فَإِذا كَانَ ترك الذّكر نَفسه لَا يفد الْحَج فَكَذَلِك الْوُقُوف
فَإِن قيل روى مطرف بن طريف عَن الشّعبِيّ عَن عُرْوَة بن مُضرس فِي
حَدِيثه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أدْرك جمعا
وَالْإِمَام وَاقِف ثمَّ وقف مَعَ الإِمَام ثمَّ أَفَاضَ مَعَ النَّاس فقد
أدْرك الْحَج وَمن لم يدْرك فَلَا حج عَلَيْهِ
قيل لَهُ رَوَاهُ مطرف كَمَا ذكرت وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي السّفر
وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وزَكَرِيا بن أبي زَائِدَة وَدَاوُد بن أبي
هِنْد على مَا قدمْنَاهُ وَتفرد مطرف بذلك وَهَؤُلَاء أولى بِالْحِفْظِ من
مطرف وَحده مَعَ أَن رِوَايَة مطرف قد أجمع الْجَمِيع على خِلَافه
لِأَنَّهُ يُوجب إِدْرَاك الْحَج بِإِدْرَاك جمع وَالْإِمَام وَاقِف بهَا
بِغَيْر ذكر الْوَقْت بِعَرَفَة قبلهَا وعَلى أَن قَوْله فَلَا حج عَلَيْهِ
يحْتَمل كَمَا قَالَ عمر من قدم ثقله فَلَا حج لَهُ على معنى الْفساد وَقد
قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضعفة أَهله وَلم يَجعله كعرفة وَلَو
كَانَ فرضا لما قدمه وَرخّص لَهُم فِي تَركه لِأَن فروض الْحَج لَا
يُسْقِطهَا الْعذر أَلا ترى أَن طواف الزِّيَارَة لما كَانَ فرضا لما
يسْقطهُ الْحيض وَطواف الصَّدْر لما لم يكن فرضا أسْقطه الْحيض
613 - فِيمَن قصّ أَظْفَاره قبل الْحلق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يبْق على الْمحرم غير الْحلق فَقص أَظْفَاره أَو
تطيب فَعَلَيهِ فديَة وروى نَحوه عَن الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك لَا شَيْء عَلَيْهِ إِذا فعل ذَلِك
بَعْدَمَا حل لَهُ الْحلق
(2/153)
قَالَ لما كَانَ تَارِك الْحلق مَنْهِيّا
عَن ذَلِك وَلم يكن تَارِك اللّبْس وَالطّيب وَمَا أشبهه بعد الْإِحْلَال
كَذَلِك علمنَا أَن بَقَاء الْحلق يُوجب بَقَاء حُرْمَة الْإِحْرَام حَتَّى
يحلق
وَقد روى مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ عمر من رمى
الْجَمْرَة ثمَّ حلق أَو قصر وَنحر هَديا إِن كَانَ مَعَه فقد حل لَهُ مَا
حرم عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاء
فَإِن قيل فقد روى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر أَن عمر خطب
النَّاس بِعَرَفَة فعلمهم أَمر الْحَج فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُم إِذا
جئْتُمْ منى فَمن رمى الْجَمْرَة فقد حل لَهُ مَا حرم عَلَيْهِ إِلَّا
النِّسَاء وَالطّيب
قيل لَهُ الَّذِي رَوَاهُ ابْن دِينَار أولى لدلَالَة الْقيَاس
614 - فِيمَن رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر قبل طُلُوع الشَّمْس
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر قبل طُلُوع
الشَّمْس أَجزَأَهُ وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا رَمَاهَا قبل طُلُوع الشَّمْس أَعَادَهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن رمى وَذبح قبل الْفجْر قَالَ لَا يَنْبَغِي
أَن يذبح حَتَّى تطلع الشَّمْس فَإِن هُوَ فعل أَجْزَأَ عَنهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن رمى قبل الْفجْر بعد نصف اللَّيْل أَجْزَأَ عَنهُ
وَاحْتج
(2/154)
الشَّافِعِي بِحَدِيث أم سَلمَة وَقد بَينا
وَجهه
وروى الْأَعْمَش وَسَعِيد عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا ترموا جَمْرَة الْعقبَة حَتَّى
تطلع الشَّمْس
وَمَنْصُور عَن سَلمَة بن كهيل عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى مُوسَى بن عقبَة أخبرنَا كريب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر نِسَاءَهُ وَثقله صَبِيحَة جمع أَن يفيضوا
مَعَ أول الْفجْر بسواد وَلَا يرموا الْجَمْرَة إِلَّا مصبحين
فَكَانَ فِي الْأَخْبَار الأولى طُلُوع الشَّمْس وَفِي هَذَا الْخَبَر
مصبحين فَيَنْبَغِي أَن يكون الإصباح الَّذِي بَينه فِي الْأَحَادِيث الأول
حَتَّى لَا يتضاد إِلَّا أَنه يحْتَمل أَن يكون الْوَقْت الْمُحْتَاج بعد
طُلُوع الشَّمْس وَوقت الْجَوَاز بعد الصُّبْح وَيدل على ذَلِك من أصبح
يَوْم الثَّالِث بمنى لزمَه رمي ذَلِك الْيَوْم وَلَو كَانَ قد نفر قبل
ذَلِك لم يلْزمه فَثَبت أَن الرَّمْي يلْزم بِكُل يَوْم بِطُلُوع الْفجْر
وَفِي حَدِيث كريب هَذَا أَنه أَمرهم أَن يفيضوا مَعَ أول الْفجْر حجَّة
على الشَّافِعِي فِيمَن وقف قبل الْفجْر أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ أَمرهم
بِالدفع بعد حُصُول الْوَقْت بعد الْفجْر
(2/155)
615 - فِي رمي الْيَوْم الثَّالِث قبل
الزَّوَال
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا رمى الْيَوْم الثَّالِث قبل الزَّوَال أَجزَأَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يُجزئهُ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَالشَّافِعِيّ
روى ابْن جريج عَن أبي الزبير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى
جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر ضحى وَمَا سواهَا بعد الزَّوَال
616 - إِذا أخر جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر حَتَّى اللَّيْل
قَالَ أَصْحَابنَا فَإِنَّهُ يرميها وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن أَخّرهَا
إِلَى الْغَد رَمَاهَا وعله دم فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يرميها وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَات فِي هَذَا كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ سُفْيَان إِذا تَركهَا إِلَى اللَّيْل مُتَعَمدا فَعَلَيهِ دم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا نَسيَه فِي الْيَوْم الأول رَمَاه فِي الْيَوْم
الثَّانِي وَلم يذكر دَمًا
روى مُسلم بن خَالِد عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص للرعاة أَن يرموا بِاللَّيْلِ
(2/156)
وروى إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة
عَن عَطاء بن أبي ريَاح عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رخص للرعاة أَن يرموا الْجمار لَيْلًا
فَهَذَا حجَّة لأبي حنيفَة
وَالْحجّة لأبي يُوسُف وَمُحَمّد مَا رَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج
أَخْبرنِي مُحَمَّد بن أبي بكر عَن أَبِيه عَن أبي البداح عَن عَاصِم بن
عدي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص للرعاة أَن يتعاقبوا
فَكَانُوا يرْمونَ غدْوَة يَوْم النَّحْر وَيدعونَ يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ
يرْمونَ من الْغَد
وروى مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن أَبَا
البداح ابْن عَاصِم بن عدي أخبرهُ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رخص لرعاة الْإِبِل فِي البيتوتة يرْمونَ يَوْم النَّحْر
ثمَّ يرْمونَ بعد أَو من بعد الْغَد ليومين ثمَّ يرْمونَ يَوْم النَّفر
فَثَبت بذلك صِحَة هَذِه الْأَخْبَار وَأَن من ذكر اللَّيْل لأَنهم يتفرغون
وَرخّص لآخرين فِي تَأْخِيرهَا إِلَى الْغَد لأَنهم لم يتفرغوا
فَثَبت أَن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام الرَّمْي لَا يفوت شَيْء مِنْهَا مَا
دَامَ فِيهَا وَلَيْسَت كالأيام بعد منى
(2/157)
617 - فِيمَن ترك رمي الْجمار كلهَا حَتَّى
مُضِيّ أَيَّام التَّشْرِيق
قَالَ أَصْحَابنَا إِن ترك رمي الْجمار كلهَا حَتَّى مُضِيّ أَيَّام
التَّشْرِيق فَعَلَيهِ دم وَإِن ترك بَعْضهَا كَانَ عَلَيْهِ لكل حَصَاة
إطْعَام مِسْكين نصف صَاع حِنْطَة إِلَى أَن يبلغ دَمًا فيطعم مَا شَاءَ
وَكَذَلِكَ عَن الْأَوْزَاعِيّ إِلَّا أَنه قَالَ فِي الْحَصَاة يَتْرُكهَا
يتَصَدَّق بِشَيْء
وَقَالَ مَالك من ترك حَصَاة فَعَلَيهِ دم وَإِن تَركهَا لَهَا فَعَلَيهِ
بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يجد فشاة فَإِن لم يجد فَصِيَام
وَقَالَ الثَّوْريّ يطعم فِي الْحَصَاة والحصايتن وَالثَّلَاث فَإِذا ترك
أَرْبَعَة فَصَاعِدا فَعَلَيهِ دم
وَقَالَ اللَّيْث فِي ترك حَصَاة دم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي ترك حَصَاة مد طَعَام وَفِي حصاتين مَدين لمسكين
وَفِي ثَلَاث حصايات دم
وروى عَنهُ فِي الْقَلِيل وَالْكثير دم
وَاتَّفَقُوا فِيمَن حلق شَعْرَة وَاحِدَة من رَأسه طَعَام فَإِن كَانَ
فَوق ذَلِك وَجب عَلَيْهِ مَا فَوْقه حَتَّى يبلغ دَمًا فَكَذَلِك فِي
الْجمار
618 - فِيمَن نسي رمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ترك رمي جَمْرَة الْعقبَة من غَد يَوْم الْعقبَة
يَوْم النَّحْر
(2/158)
فَذكرهَا من الْغَد رَمَاهَا وَعَلِيهِ دم
وَلَو كَانَ ترك جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر إِلَى الْغَد كَانَ
عَلَيْهِ دم لِأَنَّهَا رمي الْيَوْم كُله وَفِي الْيَوْم الثَّانِي رمي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يرميها وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَاخْتلف قَول مَالك فَقَالَ فِي مَوضِع يجب عَلَيْهِ دم وَفِي مَوضِع لَا
شَيْء
وَالشَّافِعِيّ لم يُوجب شَيْئا
619 - الْأَفْضَل فِي كَيْفيَّة رمي الْجمار
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن خَالِد
الْكِنْدِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن الْجراح قَالَ دخلت على أبي يُوسُف أعوده
فِي مرض مَوته فَوَجَدته مغمى عَلَيْهِ فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَيهمَا
أفضل للْحَاج فِي رمي الْجمار أَن يرميها رَاجِلا أَو رَاكِبًا قَالَ فَقلت
رَاجِلا ثمَّ قَالَ مَا كَانَ مِنْهَا يُوقف عِنْده فَالْأَفْضَل أَن يرميه
رَاجِلا وَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يُوقف عِنْده فَالْأَفْضَل أَن يرميه
رَاكِبًا قَالَ ثمَّ خرجت من عِنْده فَمَا بلغت بَاب دَاره حَتَّى سَمِعت
الصُّرَاخ عَلَيْهِ وَإِذ هُوَ قد توفّي
وَقَالَ مَالك يَرْمِي جَمْرَة لعقبة يَوْم النَّحْر رَاكِبًا وَفِي غير
يَوْم النَّحْر يَرْمِي مَاشِيا وَإِن ركب فِي كلهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَعَن الشَّافِعِي مثله
روى سُفْيَان الثَّوْريّ وَحكى إِبْرَاهِيم وروح بن عبَادَة وَغَيرهمَا
حَدثنَا أَيمن بن نايل قَالَ سَمِعت قدامَة بن عبد الله بن عمار الْكلابِي
قَالَ رَأَيْت
(2/159)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَرْمِي الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر على نَاقَة صهباءلا ضرب وَلَا طرد وَلَا
إِلَيْك إِلَيْك
فَمَا لَا يقف عِنْده يرميه رَاكِبًا بِالسنةِ وَمَا يقف عِنْده للدُّعَاء
يرميه رَاجِلا لِأَن الدُّعَاء قَائِما أفضل مِنْهُ قَاعِدا أَلا ترى
الْوُقُوف بِعَرَفَة
620 - فِيمَن رمى بحصاة قد رمى بهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا رمى بحصاة قد رمى بهَا أَجزَأَهُ وَقد أَسَاءَ
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا يُجزئهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا كَالْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأ بِهِ مرّة لِأَن
المَاء قد مَاس الْأَعْضَاء وأزال الْحَدث كَذَلِك الرَّمْي أَلا ترى لَو
استنجى بِحجر فَغسل فاستنجى بِهِ ثَانِيًا أَجزَأَهُ أَو استنجى بِحرف آخر
أَجزَأَهُ
قَالَ وَكَانَ الْقيَاس أَن لَا يكره لكنه لما روى سُفْيَان عَن فطر ابْن
خَليفَة عَن أبي الطُّفَيْل أَنه سمع ابْن عَبَّاس وَقيل لَهُ رمى النَّاس
الْجمار فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أَو هُوَ كَمَا ترى قَالَ إِنَّه
مَا يقبل من الْجمار رفع لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ مثل ثبير
فلحقته الْكَرَاهِيَة لِأَنَّهُ لم يقبل مِمَّن رمى بِهِ
(2/160)
621 - فِيمَن قدم رمي فِي الْيَوْم
الثَّانِي الْجَمْرَة الْوُسْطَى على الأولى
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر يُعِيدهَا على التَّرْتِيب فَإِن لم يفعل
أَجزَأَهُ وَرُوِيَ عَن مَالك نَحوه وَرُوِيَ خِلَافه
وَقَالَ زفر لَا يجوز إِلَّا مُرَتبا وروى نَحوه عَن الشَّافِعِي
قَالَ لما سُئِلَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَمَّن حلق قبل أَن يذبح
قَالَ إذبح وَلَا حرج
علمنَا أَن التَّرْتِيب فِي الْحَج لَيْسَ كأفعال الصَّلَاة
فَإِن قيل لَو قدم السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة على الطّواف لم يجزه
قيل لَهُ يُجزئهُ وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ هِشَام عَن مُحَمَّد
622 - فِي الرَّمْي عَن الصَّبِي وَعَن نَفسه بحاصتين مَعًا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رمي عَن الصَّبِي وَعَن نَفسه بحاصتين مَعًا
يَنْوِي إِحْدَاهمَا عَن نَفسه وَالْأُخْرَى عَن الصَّبِي أجزأهما
وَقَالَ مَالك لَا يُجزئهُ رميه عَن الصَّبِي مَا لم يرم عَن نَفسه كالطواف
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّمْي عَن الصَّبِي كَفعل الصَّبِي فَيجوز وقوعهما
مَعًا إِحْدَاهمَا عَن نَفسه وَالْأُخْرَى عَن الصَّبِي
(2/161)
623 - فِي رفع الْيَدَيْنِ عِنْد
الْجَمْرَتَيْن
قَالَ أَصْحَابنَا يرفع الْيَدَيْنِ عِنْد الْجَمْرَتَيْن وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا يرفع
الْحجَّة حَدِيث ابْن أبي ليلى عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَعَن الحكم عَن
مقسم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ترفع
الْأَيْدِي إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن وَلَا طَرِيق لذَلِك إِلَّا
التَّوْقِيف
624 - (أ) إِذا ترك الْوُقُوف عِنْد الْجَمْرَتَيْن
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا شَيْء عَلَيْهِ
قَالَ الثَّوْريّ يطعم شَيْئا أويهريق دَمًا أحب إِلَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن ترك الْقيام على الصَّفَا والمروة
لَا يُوجب شَيْئا فَكَذَلِك ترك لقِيَام عِنْد الجمرين
624 - (ب) فِي وضع الْحَصَاة وطرحها
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وضع الْحَصَاة وضعا لَا يُجزئهُ وَإِن طرحها
أَجزَأَهُ
أَسد بن عمر قَالَ لَا أحفظ عَن مَالك فِيهِ شَيْئا وَأرى أَن لَا يُجزئهُ
فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ الْوَضع يرْمى والطرح رمى
(2/162)
625 - فِي الصَّبِي يرتكب مَحْظُورًا فِي
الْإِحْرَام
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الصَّبِي يحرم عَنهُ أَبوهُ فَيُصِيب شَيْئا فِي
إِحْرَامه مِمَّا لَا خطر على الْمحرم فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ يفتدي
رَوَاهُ مَالك وسُفْيَان والماجشون عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة عَن كريب مولى
ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر
بِامْرَأَة وَهِي فِي محفها فَقيل لَهَا هَذَا رَسُول الله فَأخذت بعضد صبي
مَعهَا فَقَالَت أَلِهَذَا حج فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نعم وَلَك أجر
قَالُوا فَلَمَّا جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ حجا وَجب
عَلَيْهِ من الْفِدْيَة فِي الْجِنَايَات وَترك مَا يجب فعله مثل مَا يجب
على الْكَبِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْحَج عبَادَة كَالصَّلَاةِ وَغَيرهَا وَوجدنَا مَا
يُوجِبهُ الْإِنْسَان على نَفسه بالْقَوْل آكِد مِنْهُ بِالدُّخُولِ لأَنهم
مُخْتَلفُونَ بعد الدُّخُول فِي الصَّلَاة
فَقَالَ قَائِلُونَ لَهُ قطعهَا وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَن من أوجب على
نَفسه قربَة أَنَّهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ يلْزمه الْوَفَاء بهَا
ثمَّ اتَّفقُوا على أَن الصَّبِي لَا يلْزمه ذَلِك بالْقَوْل فالدخول أولى
أَنه لَا يلْزمه وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا}
الْمَائِدَة 95 وَالصَّبِيّ لَا عمد لَهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَمن عَاد
فينتقم الله مِنْهُ} الْمَائِدَة 95 وَذَلِكَ لَا يدْخل فِي الصَّبِي
(2/163)
626 - فِي الصَّبِي الْمحرم يبلغ قبل
الْوُقُوف بِعَرَفَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الصَّبِي إِذا أحرم قبل الْبلُوغ ثمَّ بلغ قبل
الْوُقُوف بِعَرَفَة فَإِن جددوا إحراما بعد الْبلُوغ ووقف بعرفه أَجزَأَهُ
وَإِلَّا لم يجزه
وَقَالَ مَالك يمْضِي فِي إِحْرَامه ذَلِك وَلَا يُجزئهُ من حجَّة
الْإِسْلَام وَإِن جدد الْإِحْرَام
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الصَّبِي وَالْعَبْد إِذا أحرما ثمَّ بلغ وَعتق
فمضيا على إحرامهما قبل الْوُقُوف أجزأهما من حجَّة الْإِسْلَام قَالَ
وأماالكافر إِذا أحرم ثمَّ أسلم فَإِن جدد إحراما أَجزَأَهُ من حجَّة
الْإِسْلَام وَلَا يمْضِي على الأول لِأَنَّهُ لم يكن إحراما
قَالَ أبوجعفر قد ثَبت أَن الصَّبِي لَيْسَ لَهُ إِحْرَام
627 - فِيمَن ترك طواف الْوَدَاع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ترك طواف الصَّدْر فَعَلَيهِ دم وَهُوَ قَول
سُفْيَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَول مَالك لَا شَيْء عَلَيْهِ
وروى سُفْيَان عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَمر النَّاس
أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ الطّواف إِلَّا أَنه خففه عَن الْحَائِض
(2/164)
وسُفْيَان بن عُيَيْنَة أَيْضا عَن
سُلَيْمَان عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّاس ينفرون من كل
وَجه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينفرن أحدكُم حَتَّى
يكون آخر عَهده الطّواف بِالْبَيْتِ
628 - فِيمَن أحرم بحجتين أَو عمرتين مَعًا
قَالَ أَبُو حنيفَة من أحرم بحجتين أَو عمرتين لزمتاه وَصَارَ رافضا
لإحداهما حِين توجه إِلَى مَكَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مثل ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ يصير رافضا لإحداهما فِي
الْحَال قبل التَّوَجُّه
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يلْزمه إِلَّا وَاحِدَة وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ
كَمَا لم يَصح الدُّخُول فِي صَلَاتَيْنِ إِذا لم يُؤمر بالمضي فيهمَا
كَذَلِك حجَّتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِك الْحَج وَالْعمْرَة مَعًا لِأَنَّهُ
يئمر بِالْمَعْنَى فيهمَا
629 - فِي تمتّع الْمَكِّيّ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمَكِّيّ يقدم مُتَمَتِّعا وَقد سَاق الْهَدْي
أولم يسق أَنه يكون مُتَمَتِّعا وَلَا خلاف فِيهِ بَين الْأَصْحَاب وَلَا
دم عَلَيْهِ
وَقَالُوا لَو قرن من الْكُوفَة كَانَ عَلَيْهِ دم وَلَو قدم بِعُمْرَة
وَطَاف لَهَا
(2/165)
شوطا ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ قَالَ يرفض
الْحَج وَعَلِيهِ لرفضه دم وَحجَّة وَعمرَة مَكَانهَا وَإِن مضى
عَلَيْهِمَا أَجزَأَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ لجمعة بَينهمَا دم
وَقَالَ مَالك إِذا قرن الْمَكِّيّ أَو تمتّع مضى فِيهِ وَلَا دم عَلَيْهِ
فِي شَيْء من ذَلِك هَذَا فِي كل من كَانَ منزله فِي الْحرم وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الْحسن بن صَالح عَلَيْهِ دم الْقرَان والتمتع فَإِن لم يجد هَديا
صَامَ
وَقَالَ اللَّيْث عَلَيْهِ دم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ على الْمَكِّيّ دم مُتْعَة
قَالَ فوقفنا من قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه على أَن الْمَكِّيّ لَا
مُتْعَة لَهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لَهَا وَأَن عَلَيْهِ من قرانه الْحَج
وَالْعمْرَة دم
سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول هُوَ عِنْدهم دم إساءة لَا يجزيء مِنْهُ
عِنْد عَدمه الصَّوْم وَلَا يَأْكُل مِنْهُ
ووقفنا من قَول الْحسن بن صَالح إِن حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وَغَيرهم
فِي الحكم سَوَاء فِي هَذَا الْبَاب وَذَلِكَ أَن مذْهبه وَمذهب جمَاعَة من
أهل الْعلم أَن حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام لم يمنعوا من التَّمَتُّع
بِهَذِهِ الْآيَة فَوَاجِب أَن يَكُونُوا عاصين إِذا فَعَلُوهُ فَهَذَا
مُحْتَمل وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مَا قَالَ الْحسن بن صَالح فوجدناهم
لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الْكُوفِي إِذا قدم بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج ثمَّ
رَجَعَ إِلَى أَهله ثمَّ حج من عَامه ذَلِك أَنه لَا يكون مُتَمَتِّعا
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يكون حكم أهل مَكَّة لبقائهم فِي أَهْليهمْ بعد
الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَكَانَ الْبَقَاء فِي
(2/166)
أَهْليهمْ بعد الْعمرَة فِي أشهر الْحَج
فَكَانَ الْبَقَاء فِي أَهله بعد الْعمرَة مسْقطًا للدم وَالصَّوْم عَنهُ
وَإِذا ثَبت ذَلِك علمنَا أَن مَا فِي الْآيَة من الِاسْتِثْنَاء على
النَّهْي لَا على رفع الْهَدْي وَالصَّوْم وَكَانَ الْقَارِن لَا يقصر فِي
إِحْرَامه وَالْهَدْي زِيَادَة فَضِيلَة فَكَانَ قد ثَبت أَن حاضري
الْمَسْجِد الْحَرَام إحرامهم إِذا تمَتَّعُوا وقرنوا نَاقص لم يجب فِيهِ
مَا يجب فِي غَيرهم من الْفَضِيلَة لِأَنَّهُ غير مَحْمُول على الْقرَان
والتمتع
630 - فِي عمْرَة الآفاقي بأشهر الْحَج ثمَّ عوده لِلْحَجِّ فِي عَامه من
غير بَلَده
قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن قدم مَكَّة من أهل الْكُوفَة بِعُمْرَة فِي أشهر
الْحَج وَفرغ مِنْهَا ثمَّ خرج إِلَى مصر غير مصره ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة
فحج من عَامه كَانَ مُتَمَتِّعا مَا لم يرجع إِلَى أَهله
وَحدث ابْن أبي عمرَان عَن أَصْحَاب أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِذا خرج إِلَى
مَكَان لأَهله التَّمَتُّع وَالْقرَان فَمن حج من عَامه لم يكن مُتَمَتِّعا
قَالَ ابْن أبي عمرَان وَهَذَا أشبه بأصولهم
وَقَالَ سُفْيَان مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله أَو إِلَى بلد أبعد من بَلَده لم
يكن مُتَمَتِّعا وَإِن لم يتباعد وَرجع إِلَى نَحْو الْمَدِينَة والطائف
كَانَ مُتَمَتِّعا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا رَجَعَ إِلَى الْمِيقَات سقط عَنهُ دم الْمُتْعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر يجب أَن لَا يسْقط الدَّم حَتَّى يرجع إِلَى أَهله
فَيصير بِمَعْنى حاضري السمجد الْحَرَام فَأَما دون أَهله فَلم يصل لَهُ
هَذَا الحكم فَلَا يسْقط الدَّم
(2/167)
631 - فِي وُقُوع بعض طواف الْعمرَة فِي
رَمَضَان وَبَعضه فِي شَوَّال
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَاف أَرْبَعَة أَشْوَاط لعمرة فِي رَمَضَان
وَثَلَاثَة فِي شَوَّال لم يكن مُتَمَتِّعا وَإِن طَاف ثَلَاثَة فِي
رَمَضَان وَأَرْبَعَة فِي شَوَّال كَانَ مُتَمَتِّعا
وَقَالَ مَالك إِذا لم يحل من عمرته حَتَّى دخل شَوَّال كَانَ مُتَمَتِّعا
وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ الثَّوْريّ إاذ قدم مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَان فَلم يطف حَتَّى رأى
هِلَال شَوَّال كَانَ مُتَمَتِّعا
قَالَ الأوزاهي إِن رأى هِلَال شَوَّال قبل أَن يدْخل الْحرم كَانَ
مُتَمَتِّعا وَإِن رَآهُ بَعْدَمَا دخل الْحرم لم يكن مُتَمَتِّعا
قَالَ الْحسن بن صَالح عمْرَة الرجل فِي الشَّهْر الَّذِي يطوف فِيهِ لَهَا
وَإِن كَانَ قد أهل بهَا فِي غَيره وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا يَدُور أمرهَا على الطّواف وَهُوَ صلبها
وَالَّذِي إِذا جَامع فِيهَا أفسدها فَإِذا أَمن الْفساد صَحَّ
وَمن أصل أَصْحَابنَا أَن بعد الْأَرْبَع لَا يلْحقهَا الْفساد وَكَذَا
رُوِيَ عَن عَطاء
632 - فِيمَن صَامَ بعد إِحْرَام الْعمرَة
فِيمَن صَامَ بعد إِحْرَام الْعمرَة أَجزَأَهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
(2/168)
قَالَ زفر إذابدأ بِإِحْرَام الْحَج وَهُوَ
يُرِيد أَن يضيف إِلَيْهِ عمْرَة فصَام قبل إِحْرَام الْعمرَة أَجزَأَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن بَدَأَ بِإِحْرَام الْعمرَة فصَام أَجزَأَهُ قبل
إِحْرَام الْحَج وَإِن بَدَأَ بأحرام الْحَج فصَام قبل إِحْرَام الْعمرَة
لم يجزه
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد إِن أحرم بِالْعُمْرَةِ لم يجزه حَتَّى يحرم
بِالْحَجِّ وَهُوَ مَذْهَب أبي زيد حَمَّاد بن دَلِيل وَهُوَ قَول عَمْرو
بن دِينَار وَمَالك وَالشَّافِعِيّ عَن عَائِشَة وَابْن عمر وَهُوَ
الصَّحِيح
633 - فِي صِيَام السَّبْعَة فِي الْحَج
قَالَ أَصْحَابنَا من صَامَ السَّبْعَة فِي الْحَج لَا يُجزئهُ لِأَنَّهُ
قَالَ تَعَالَى {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} الْبَقَرَة 196 يَعْنِي بعد
الْفَرَاغ من الْحَج وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي يصومها إذارجع إِلَى أَهله
قَالَ مَالك إِذا أَرَادَ الْمقَام بِمَكَّة صَامَ بهَا بعد الْحَج وَإِن
أَرَادَ الرُّجُوع فليؤخر حَتَّى يرجع
وَلَا يَخْلُو قَوْله {إِذا رجعتم} من أَن يُرِيد الرُّجُوع إِلَى أَهله
أَو إِلَى الْإِحْلَال فَلَو اراد الْأَهْل لَكَانَ للقارن أَن يَصُوم
إذارجع إِلَى أَهله قبل الْحَج فَلَمَّا اتّفق الْجَمِيع على أَنه لَا
يُجزئهُ بعد رُجُوعه إِلَى أَهله قبل الْحَج صَحَّ أَنه أَرَادَ
الْإِحْلَال من الْحَج والفراغ مِنْهُ
(2/169)
634 - فِيمَن لم يجد الْهَدْي وَلم يصم
حَتَّى يَوْم النَّحْر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يصم حَتَّى يَوْم النَّحْر وَلم يجد الْهَدْي
فأحل بِلَا هدي وَلَا صِيَام فَإِن عَلَيْهِ هديين إِذا أيسر أَحدهمَا
لإحلاله بِغَيْر هدي وَلَا صَوْم وَالْآخر هدي الْقرَان وَهُوَ قَول
سُفْيَان فِي امْتنَاع جَوَاز الصَّوْم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يفِيض يَوْم النَّحْر حَتَّى يهدي أَو يَصُوم
فَإِن لم يفعل حَتَّى رَجَعَ فَعَلَيهِ هدي ويصومهن بعد الرُّجُوع وَيهْدِي
إِن وجد
وَقَالَ اللَّيْث لَا يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق وَلكنه يَصُوم بعْدهَا
إِن لم يجد الْهَدْي
وَقد كَانَ الشَّافِعِي يَقُول يَصُوم أَيَّام منى ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ
لايصوم وَحكى الرُّجُوع الْمُزنِيّ
وَقَالَ مَالك يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق فَإِن لم يفعل صَامَ بعْدهَا
روى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام
آخرهَا يَوْم عَرَفَة قَالَ فَذكرت لسَعِيد بن جُبَير فَقَالَ هَذَا قَول
ابْن عَبَّاس
فَفِي ذَلِك مَا يمْنَع الصَّوْم بعده لِأَنَّهُ جعل آخرهَا يَوْم عَرَفَة
وَلَا شَيْء بعد الآخر
وَقد اتَّفقُوا على أَنه لَا يَصُوم يَوْم النَّحْر وَهُوَ أقرب إِلَى
الْحَج من أَيَّام (115 ب) التَّشْرِيق هِيَ الَّتِي بعد أولى أَن لَا
يجزيء لنهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصّيام فيهمَا جَمِيعًا
وَمَا روى عَن عَائِشَة وَابْن عمر أَنَّهُمَا رخصا فِي ذَلِك
(2/170)
فَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لِأَنَّهُمَا لم
يبلغهما النَّهْي وَيدل على ذَلِك مَا روى يحيى بن سعيد الْقطَّان حَدثنَا
هِشَام بن عُرْوَة أَخْبرنِي أبي أَن عَائِشَة كَانَت تَصُوم أَيَّام
التَّشْرِيق
وَلَا خلاف بَين النَّاس أَنه لَا يصومها تَطَوّعا فَدلَّ على أَنه لم يكن
النَّهْي بلغهما
635 - إِذا دخل فِي صَوْم الثَّلَاثَة أَيَّام ثمَّ وجد الْهَدْي
قَالَ أَصْحَابنَا فَعَلَيهِ الْهَدْي وَلَا يُجزئهُ الصَّوْم وَإِن حل
ثمَّ وجد الْهَدْي أَجزَأَهُ الصَّوْم وَكَذَلِكَ فِي الرَّقَبَة وَهُوَ
قَول عَطاء فِي صَوْم الْمُتَمَتّع
وَقَالَ الثَّوْريّ مثل قَوْلنَا وَكَذَلِكَ قَالَ حَمَّاد وَالْحسن بن
صَالح
وَقَالَ مَالك إِذا وجد الْهَدْي فِي الْيَوْم الثَّالِث مضى على صِيَامه
وَإِن وجده فِي أول يَوْم عَنهُ فَإِن شَاءَ أهْدى وَإِن شَاءَ مضى فِي
صَوْمه وَكَذَلِكَ وَإِذا صَامَ من ظِهَاره يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ
وجد الرَّقَبَة فليعتق أحب إِلَيّ وَإِن صَامَ أَكثر من ذَلِك مضى فِي
صَوْمه
وَقَالَ الشَّافِعِي إذادخل فِي الصَّوْم ثمَّ وجد الْهَدْي مضى فِي
صِيَامه وَإِن أهْدى فَحسن وَكَذَلِكَ الْمظَاهر والمكفر عَن يَمِينه
قَالَ إِنَّمَا أَبَاحَ الصَّوْم عِنْد العوز فَمن وجد لم يجزه الصَّوْم
فَإِن قيل فَيَنْبَغِي إذافرغ من الصّيام أَن لَا ينْتَقض صَوْمه
قيل لَهُ الصَّوْم للإحلال فَمَا لم يَقع إحلال لم يَقع موقعه وَلذَلِك
اعْتبر بِهِ وَقت الْإِحْلَال
(2/171)
636 - من ذبح هَدْيه للتمتع قبل طُلُوع
الْفجْر من يَوْم النَّحْر
قَالَ أَبُو حنيفَة لم يجزه وَلَو كَانَ جَزَاء صيد أَو تطوع أَو فديَة
أَجزَأَهُ أَي وَقت ذبح وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُجزئهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يُجزئهُ نَحره قبل فجر يَوْم النَّحْر قَالَ
الشَّافِعِي لِأَن على النَّاس فرضين فِي الْبدن وَالْمَال فَمَا كَانَ فِي
المَال جَازَ تقدمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر يُقَال لَهُ الْأُضْحِية مُتَعَلقَة بِالْمَالِ وَلَا
يجوز تقدمه على يَوْم النَّحْر فَكَذَلِك هِيَ الْمُتْعَة
637 - فِيمَن يفْسد عمرته فِي أشهر الْحَج فيقضيها ثمَّ يحجّ من عَامه
فَهَل يكون مُتَمَتِّعا
قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن أهل بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج ثمَّ أفسدها
فقضاها وَحج من عَامه ذَلِك أَنه لَا يكون مُتَمَتِّعا إِلَّا أَن يكون
رَجَعَ إِلَى أَهله ثمَّ عَاد وَاعْتمر
قَالَ إِذا دخل عَلَيْهِ أشهر الْحَج وَهُوَ بِمَكَّة فَاعْتَمَرَ لم يكن
مُتَمَتِّعا إِلَّا أَن
(2/172)
يرجع إِلَى أَهله ثمَّ يعْتَمر بعد ذَلِك
فَإِن جَاوز وقتا من الْمَوَاقِيت ثمَّ اعْتَمر لم يكن مُتَمَتِّعا
قَالَ وَلَو كَانَ دخل فِي غير أشهر الْحَج كَانَ مُتَمَتِّعا لِأَنَّهُ لم
يدْخل عَلَيْهِ أشهر الْحَج وَهُوَ بِمَكَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا جَاوز الْمَوَاقِيت ثمَّ أحرم
بِعُمْرَة كَانَ مُتَمَتِّعا رَجَعَ إِلَى أَهله أَولا
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن أَتَى وقتا غير وقته لم يكن مُتَمَتِّعا وَإِن خرج
إِلَى وقته كَانَ مُتَمَتِّعا يَعْنِي أَنه إِن كَانَ من أهل الْعرَاق
فَرجع إِلَى ذَات عرق
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا اعْتَمر فِي أشهر الْحَج ثمَّ حج من
عَامه كَانَ مُتَمَتِّعا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس قَوْلهمَا أَنه لَيْسَ من حاضري الْمَسْجِد
الْحَرَام وَيكون حكمه لَو كَانَ ابْتِدَاء دُخُول مَكَّة من أهل بِعُمْرَة
فِي أشهر الْحَج ثمَّ حج من عَامه
قَالَ أَيهمَا مَا أفسد فَعَلَيهِ قَضَاؤُهُ وَقد سقط عَنهُ دم الْمُتْعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر دم الْمُتْعَة
وَقَالَ مَالك لَا يسْقط عَنهُ دم الْمُتْعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر دم التَّمَتُّع إِنَّمَا هُوَ زِيَادَة فِي الْقرْبَة
الَّتِي فِي الْجمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة وَمن أفسدها فَلَا قربَة لَهُ
فِيهَا فَسقط دم الْمُتْعَة
638 - فِي وقف الْهَدْي بِعَرَفَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِن أوقف هدي الْمُتْعَة بِعَرَفَات فَحسن وَإِن لم يفعل
لم يضرّهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
(2/173)
وَقَالَ مَالك كل هدي يحْتَاج إِلَى ذبحه
أَيَّام منى فَلَا بُد أَن يوقفه بِعَرَفَات فَإِن فَاتَهُ ذَلِك أخرجه
إِلَى الْحل ثمَّ أدخلهُ الْحرم ونحره
وَقَالَ اللَّيْث كل هدي يَشْتَرِي بمنى أنهى أَن يشْعر ويقلد قبل يَوْم
عَرَفَة أَو يَوْم عَرَفَة ثمَّ يُوقف بِعَرَفَة فَإِن لم يفعل فَلَيْسَتْ
بِهَدي إِنَّمَا هِيَ أضْحِية فَإِن فَاتَهُ ذَلِك بِعَرَفَة وَكَانَ هَديا
وَاجِبا فَإِنَّهُ يَسُوقهَا من الْحل مشعرة مقلدة حَتَّى يدخلهَا مَكَّة
فينحرها وَالشَّاة وَغَيرهَا من الْهَدْي فِي ذَلِك سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وجدنَا الْحَاج عَلَيْهِ أَشْيَاء فِي نَفسه من
الْوُقُوف لجمع وَالطّواف وَالسَّعْي والبيتوتة بمنى فَكَانَت هَذِه
الْأَشْيَاء وَاجِبَة عَلَيْهِ فِي نَفسه فلاحظ للهدي فِي شَيْء من ذَلِك
وَالْقِيَاس على ذَلِك أَن يكون هَذَا حكم الْهَدْي فِي الْوُقُوف
بِعَرَفَة
فَإِن قيل قد روى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ الْهَدْي مَا قلد
وأشعر وأوقف بِعَرَفَة وروى أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كل هدي
لَا يُوقف بِعَرَفَة فَهُوَ أضْحِية قَالَ وَكَانَ ابْن عمر يَسُوق مَعَه
الْبدن من الْمَدِينَة
قيل لَهُ قد روى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة
أَنَّهَا سُئِلت عَن التَّعْرِيف بِالْبدنِ فَقَالَت إِن شِئْت فَعرف وَإِن
شِئْت فَلَا
فقولها كَذَلِك فكاف لقَوْل ابْن عمر وَإِذا تكافئا وَجب الِاسْتِدْلَال
بِالنّظرِ
639 - فِي كَيْفيَّة نحر الْبدن
قَالَ أَصْحَابنَا إِن شَاءَ نحر هَدْيه وَإِن شَاءَ أضجعه وَكَذَلِكَ
(2/174)
الثَّوْريّ إِلَّا أَنه قَالَ باركه
وَقَالَ مَالك قَائِمَة معقولة
وَقَالَ الشَّافِعِي قَائِمَة معقولة
وَغَيره معقولة وَإِن لم يُمكنهُ نحرها باركة
روى سعيد عَن يُونُس عَن زِيَاد بن جُبَير بن حَيَّة قَالَ رأى ابْن عمر
رجلا ينْحَر بَدَنَة وَقد أناخها وأضجعها فَقَالَ ابعثها قيَاما مُقَيّدَة
سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَاحْتمل أَن يكون كره الإضجاع لِأَن اللَّفْظ روى بِالشَّكِّ أناخها أَو
أضجعها
وَقد روى حَمَّاد عَن ابْن دِينَار عَن ابْن عمر أَنه نحر بدنته وَهِي
باركة
فَثَبت أَنه كره الإضجاع فَحسب
وروى الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس {فاذكروا اسْم الله
عَلَيْهَا صواف} الْحَج 36 قَالَ معقولة على ثَلَاث قَوَائِم ثمَّ يَقُول
بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك
وَقد روى حَمَّاد عَن عَمْرو بن دِينَار رَأَيْت ابْن الزبير يَنْحَرهَا
وَهِي قَائِمَة على ثَلَاث قَوَائِم معقولة
وَهَذَا لَا يُقَال بِالرَّأْيِ فَثَبت أَنه تَوْقِيف
(2/175)
640 - إِذا نحر للمتعة فِي اللَّيْلَة
الَّتِي بعد يَوْم النَّحْر أَو الثَّانِيَة
قَالَ أَصْحَابنَا أَجزَأَهُ وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
قَالَ مَالك لَا يجزيء ذَلِك وَلَا الْأُضْحِية إِلَّا نَهَارا
وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات
على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} الْحَج 28 فَذكرُوا الْأَيَّام دون
اللَّيَالِي
قيل لَهُ إِذا ذكر الْأَيَّام دخل مَا قبلهَا من اللَّيَالِي فَصَارَ
حكمهَا حكمهَا ينزل عَلَيْهِ قَول الله تَعَالَى {واذْكُرُوا الله فِي
أَيَّام معدودات} الْبَقَرَة 203 وَهِي أَيَّام منى وَكَانَت لياليها
بمنزلتها
641 - فِي الَّذِي يقوم بِذبح الْهَدْي
قَالَ أَصْحَابنَا اسْتحبَّ أَن يذبح الرجل هَدْيه بِيَدِهِ وَإِن ذبحه
غَيره أَجزَأَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يذبحه مُسلم من كَانَ
قَالَ مَالك أكره أَن يذبح هَدْيه أَو أضحيته غَيره كَرَاهِيَة شَدِيدَة
وَإِن فعل أَجزَأَهُ
وروى حَاتِم بن اسماعيل عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ دَخَلنَا
على جَابر بن عبد الله فحدثنا عَن حجَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قدم من الْيمن بدن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْهَدْي مَا سوى ذَلِك وَكَانَ جمَاعَة
(2/176)
الْهَدْي الَّذِي أَتَى بِهِ عَليّ من
الْيمن وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
الْمَدِينَة مائَة فَنحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا
وَسِتِّينَ بَدَنَة وَأعْطى عليا فَنحر مَا غبر
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر بعضه وَنحر
عليا بعضه فَدلَّ على جَوَاز الْأَمريْنِ
642 - فِي ذبح الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ للهدي
قَالَ أَصْحَابنَا إذاذبح هَدْيه يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَجزَأَهُ
وَمَا نحب لَهُ ذَلِك وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَالشَّافِعِيّ
قَالَ مَالك لَا يُجزئهُ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِية
قَالَ الله عز وَجل {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} الْمَائِدَة
5 يَعْنِي الذَّبَائِح فَهُوَ عَام
643 - فِي ذكر شَيْء مَعَ اسْم الله عز وَجل عِنْد الذّبْح
كره أَصْحَابنَا أَن يذكر مَعَ اسْم الله تَعَالَى غَيره بِأَن يَقُول
اللَّهُمَّ تقبل من فلَان وَلَا بَأْس بِأَن يَقُوله بعد الذّبْح
وَقَالَ اللَّيْث لَا يذكر مَعَ اسْم الله تَعَالَى عِنْد الذّبْح وَلَا
عندالعطاس وَلَا عِنْد الذَّبِيحَة وَأنكر قَول من يَقُول اللَّهُمَّ مِنْك
وَإِلَيْك
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يكره أَن يَقُول بعد اسْم الله تَعَالَى
اللَّهُمَّ تقبل من فلَان وَكره مَالك اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك وَقَالَ
هَذِه بِدعَة
(2/177)
قَالَ الذّكر مَأْمُور بِهِ على
الذَّبِيحَة فَيكْرَه أَن يخلط بِهِ غَيره من الدُّعَاء لنَفسِهِ إِذْ
لَيْسَ من جنس الذّكر على الذَّبِيحَة
فَإِن قيل قد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ
على ذَبِيحَته اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَأمته من شهد بِالتَّوْحِيدِ
وَشهد لي بالبلاغ
قيل لَا يثبت ذَلِك من وَجه تقوم الْحجَّة بِهِ عِنْد أهل الاسناد
وَأما الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحسنة لِأَنَّهَا
تَصْدِيق للرسول فَهُوَ من جنس التَّكْبِير
644 - إِذا ذبح كل وَاحِد هدي الآخر لنَفسِهِ من غير علم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ذبح رجلَانِ كل وَاحِد هدي صَاحبه عَن نَفسه وَهُوَ
لَا يعلم واخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا هَدْيه مذبوحا أَجزَأَهُ وَهَذَا
اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَلا يُجزئ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِية وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي إِلَّا أَنه قَالَ يضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه قيمَة هدي
صَاحبه مذبوحا وَحيا
وَقَالَ مَالك يُجزئ فِي الْهَدْي وَلَا يُجزئ فِي الضَّحَايَا لِأَن
الْهَدْي إِذا أشعر لم يرجع صَاحبه فِيهِ وَله أَن يُبدل الْأُضْحِية
بِخَير مِنْهَا
قَالَ لَا فرق فِي الْقيَاس بَينهمَا لِأَن الْجَمِيع على ملك صَاحبه
فَيُجزئ فيهمَا
(2/178)
645 - فِيمَا يجوز الْأكل من الْهَدْي
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَأْكُل شَيْئا من الْهَدْي إِلَّا من الْقرَان
والمتعة والتطوع إِذا بلغ مَحَله وَكَذَلِكَ الثَّوْريّ فِي هدي الْمُتْعَة
أَنه يُؤْكَل
وَقَالَ مَالك يَأْكُل من الْهَدْي إِلَّا جَزَاء الصَّيْد ونسك الْأَذَى
وَنذر الْمَسَاكِين
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ يَأْكُل من هدي الْمُتْعَة والمحصر وَالْوَصِيَّة
والتطوع وَالنّذر
قَالَ الشافي لَا يَأْكُل إِلَّا من التَّطَوُّع وَلَا يَأْكُل من
الْوَاجِب
قَالَ الله تَعَالَى {وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله} الْحَج 36
فَهَذِهِ وَاجِبَة لِأَن شَعَائِر الْحَج وَاجِبَات كَقَوْلِه تَعَالَى
{إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} الْبَقَرَة 158 وَلَا هدي فِي
الْإِحْرَام إِلَّا الْقرَان أَو الْمُتْعَة
وَقد روى اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن الْهَاد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد
عَن أَبِيه عَن جَابر فَذكر قصَّة حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا قدم مَكَّة وَفرغ من الطّواف قَالَ من لم يكن مَعَه هدي فليحل
بِعُمْرَة فَإِنِّي لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت
الْهَدْي وجعلتها عمْرَة
قَالَ جَابر وَقدم عَليّ من الْيمن بِهَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَكَانَ جمَاعَة الْهَدْي الَّذِي قدم بِهِ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَعلي مائَة بَدَنَة فَنحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ثَلَاثًا وَسِتِّينَ
(2/179)
بَدَنَة وَنحر عَليّ سبعا وَثَلَاثِينَ
فأشرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا فِي هَدْيه ثمَّ أَخذ من
كل بَدَنَة بضعَة فَجعل فِي قدر فَأكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من لَحمهَا وتحثى من مرقها
فَثَبت بذلك جَوَاز أكل هدي الْقرَان والمتعة
فَإِن قيل كَانَ تَطَوّعا لِأَنَّهُ كَانَ مُفردا
قيل لَهُ كَيفَ يكون ذَلِك وَقد روى مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عُمْرَتنَا هَذِه الَّتِي تَمَتعنَا
بهَا فَمن لم يكن مَعَه هدي فليحل الْحل كُله
فَدلَّ ذَلِك على أَنه كَانَ فِي بَدْء إِحْرَامه فِي عمْرَة أَو فِي
إِحْرَام لم يرد بِهِ حجا وَلَا عمْرَة أَو كَانَ يخرج ينْتَظر الْقَضَاء
ثمَّ عَاد إِحْرَامه إِلَى عمْرَة سَاق لَهَا الْهَدْي فَلم يحل بَينهَا
وَبَين الْحَج الَّذِي أَرَادَهُ لأجل الْهَدْي
وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة وَابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تمتّع فَاشْترى هَدْيه بِقديد
وَعَن سعد بن أبي وَقاص تمتّع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج وتمتعا مَعَه
وَقَالَت حَفْصَة يَا رَسُول الله مابال النَّاس حلوا بِعُمْرَة وَلم تحل
أَنْت عمرتك فَقَالَ إِنِّي لبدت رَأْسِي وقلدت هَدْيِي فَلَا أحل حَتَّى
أنحر
(2/180)
فَثَبت بذلك أَنه كَانَ من المائه
الْبَدنَة هدي مُتْعَة
فَإِن قيل قَالَ جَابر انطلقنا لَا نَعْرِف إِلَّا الْحَج فهذايدل على أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا كَانَ محرما بِالْحَجِّ
قيل لَهُ إِنَّمَا أخبر جَابر عَمَّا عرفه من حَال نَفسه وَأما حَال
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد عرفه غَيره وَأخْبر بِهِ فَهُوَ أولى
646 - إِذا حلق الْقَارِن قبل أَن يذبح
قَالَ أَبُو حنيفَة فَعَلَيهِ دمان دم الْقرَان وَدم لحلقه قبل الذّبْح
قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا دم الْقرَان وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك فِيمَن حلق قبل أَن يَرْمِي عَلَيْهِ الْفِدْيَة
وَقَالَ زفر فِي الْقَارِن ثَلَاثَة دِمَاء دمان للحلق وَدم للقران
وروى الثَّوْريّ عَن عبد الرحمن بن الْحَارِث بن أبي ربيعَة عَن زيد بن
عَليّ عَن ابيه عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ قَالَ أَتَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أفضت قبل
أَن أحلق قَالَ أحلق وَلَا حرج قَالَ
(2/181)
وجاءه آخر فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي
ذبحت قبل أَن أرمي قَالَ ارْمِ وَلَا حرج
فَكَانَ فِي هَذَا رفع الْحَرج فِي تَقْدِيم ذَلِك
وروى ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن عبد الله
ابْن عمر قَالَ سَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
حلقت قبل أَن أذبح قَالَ اذْبَحْ وَلَا حرج وَقَالَ آخر ذبحت قبل أَن أرمي
قَالَ أرم وَلَا حرج
فَكَانَ فِي ذَلِك مَا قد ذكر
روى أَسْبَاط بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو اسحاق الشَّيْبَانِيّ عَن
زِيَاد بن علاقَة عَن أُسَامَة بن شريك قَالَ حجَجنَا مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَسئلَ عَمَّن حلق قبل أَن يذبح أَو ذبح قبل أَن يحلق
فَقَالَ لَا حرج لَا حرج فَلَمَّا أَكْثرُوا عَلَيْهِ قَالَ أَيهَا النَّاس
إِن الله رفع الْحَرج إِلَّا من اقْترض من أَخِيه شَيْئا ظلما فَذَلِك
الْحَرج
فَكَانَ فِي ذَلِك مَا وصفت وَلم يبين فِيهِ أَن السَّائِل كَانَ مُفردا
أَو قَارنا فَدلَّ على أَنه اسْتِوَاء الحكم
647 - فِيمَن سعى قبل الطّواف
قَالَ أَصْحَابنَا أَن سعى بَين الصَّفَا والمروة قبل الطّواف لم يجزه
وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن
الثَّوْريّ
(2/182)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَإِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَن سُفْيَان أَنه يُجزئهُ وَلَا يُعِيد
وَقَالَ عَطاء من بَدَأَ بالمروة قبل الصَّفَا لم يضرّهُ ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون الرَّازِيّ حَدثنَا جرير بن
عبد الحميد الضَّبِّيّ عَن أبي إِسْحَاق عَن زِيَاد بن علاقَة عَن أُسَامَة
بن شريك قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجاجا
وَكَانَ نَاس يأتونه قَالَ فَمن قَائِل يارسول الله سعيت قبل أَن أَطُوف
أَو أخرت شَيْئا وقدمت شَيْئا فَكَانَ يَقُول لَا حرج لَا حرج إِلَّا رجل
اقْترض عرض رجل مُسلم وَهُوَ ظَالِم لَهُ فَذَلِك الَّذِي يحرج وَيهْلك
فَثَبت بذلك جَوَاز السَّعْي قبل الطّواف
648 - فِي مِقْدَار الْحلق وَالتَّقْصِير المجزئ
قَالَ أَصْحَابنَا تقصر الْمَرْأَة مثل الْأُنْمُلَة وَلَو قصر الرجل
وَالْمَرْأَة من جَانب رَأسه النّصْف أَجزَأَهُ أَيْضا وَقد أَسَاءَ وَلَا
أحب لَهُ أَن يفعل وَقَالَ مَالك يَأْخُذ من جَمِيع قُرُون رَأسهَا
الْقَلِيل وَإِن أخذت من بعض الْقُرُون وأبقت بَعْضًا لم جزها قَالَ
وَكَذَلِكَ الرجل لَو قصر من بعض شعره وَأبقى بَعْضًا لم يجزه
قَالَ الثَّوْريّ يُجزئهُ شَعْرَة وَاحِدَة
(2/183)
وَقَالَ الشَّافِعِي ثَلَاث شَعرَات
فَصَاعِدا
قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله}
الْبَقَرَة 196 فَدلَّ على أَن هُنَاكَ حلق وَاجِب
وَقَالَ {مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ} الْفَتْح 27 فوصفهم بذلك
وَمن حلق ثَلَاث شَعرَات لم يلْحقهُ بِهَذِهِ الصّفة وَلَا يُقَال حالق
رَأسه وَلَا مقصر
فَالْقِيَاس أَن لَا يُجزئ حَتَّى يَأْتِي على الْكل كَمَا أمرنَا
بِالطّوافِ وَهُوَ على الْبَيْت كُله دون الْبَعْض
649 - إِذا أخر الْحلق حَتَّى ذهب أَيَّام النَّحْر
فَإِنَّهُ يحلق وَعَلِيهِ دم عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ
وَإِن حلق خَارج الْحرم كَانَ عَلَيْهِ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَالثَّوْري
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر لَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك إِذا حلق فِي أَيَّام منى فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ
إِن أَخّرهُ عَن أَيَّام منى بعد أَن يحلق بِمَكَّة فَإِن حلق خَارج مَكَّة
فَعَلَيهِ دم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن حلق فِي غير الْحرم إِن كَانَ جَامع قبله
فَعَلَيهِ دم وَإِن لم يُجَامع فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول عَطاء
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي تَأْخِير الْحلق
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَنه مَأْمُور بِالْحلقِ بعد أَيَّام
النَّحْر فَدلَّ على أَنه
(2/184)
غير مَحْصُور بِوَقْت وَكَذَلِكَ إِذا خرج
من الْحرم وَهُوَ مَأْمُور بِهِ فَدلَّ على أَنه غير مَحْصُور بمَكَان وَمن
فعل شَيْئا فِي وقته أَو مَكَانَهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
650 - فِي خطب الْحَج
قَالَ أَصْحَابنَا خطب الْحَج ثَلَاثَة قبل التَّرويَة بِيَوْم بِمَكَّة
بعد الظّهْر يذكر فِيهَا مناسكهم وَأُخْرَى يَوْم عَرَفَة كخطبة الْجُمُعَة
وَالثَّالِثَة يَوْم الثَّانِي بعد الظّهْر بمنى وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي
من النَّحْر وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ زفر يخْطب الأولى يَوْم التَّرويَة عِنْد ارْتِفَاع النَّهَار
وَلَا يجلس فِيهَا وَكَذَلِكَ يَوْم عَرَفَة بعد الزَّوَال قبل الصَّلَاة
يجلس بَينهمَا كَالْجُمُعَةِ وَأُخْرَى يَوْم النَّحْر حَيْثُ يَرْمِي
جَمْرَة الْعقبَة ضحوة وَلَا يجلس فِيهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يخْطب قبل يَوْم التَّرويَة بِيَوْم بعد الظّهْر
وَيَوْم عَرَفَة أُخْرَى بعد الزَّوَال قبل الصَّلَاة وَأُخْرَى بعد
الظّهْر يَوْم النَّحْر وَأُخْرَى بعد الظّهْر يَوْم الثَّالِث من يَوْم
النَّحْر وَهُوَ النَّفر الأول
وَأما قَول زفر أَنه يخْطب بعد الزَّوَال فِي الْيَوْم الَّذِي ذكر فَهُوَ
أشبه قِيَاسا على خطْبَة عَرَفَة لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا من أَسبَاب الْحَج
وَلَا تشبه خطْبَة الْعِيد إِذْ لَيست من أَسبَاب الْحَج
وَأما الْخطْبَة الَّتِي قَالَ الشَّافِعِي فَذهب بهَا إِلَى أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا يَوْم النَّحْر فَإِنَّهَا لم تكن من
أَسبَاب الْحَج لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهَا شَيْئا من ذَلِك وَإِنَّمَا ذكر
فِيهَا أحكاما اخرى وَهِي الْخطْبَة الْمَشْهُورَة وَقَالَ الشَّافِعِي
يخطبها بعد الظّهْر
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُوجب خِلَافه لِأَن
حَاتِم بن إِسْمَاعِيل روى عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن ابيه عَن جَابر فِي
حجَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن ذكر الْجمار ثمَّ
(2/185)
قَالَ انْصَرف إِلَى المنحر فَذكر ذَلِك
إِلَى أَن قَالَ ثمَّ أَفَاضَ رَسُول الله حَتَّى أَتَى الْبَيْت فصلى
بِمَكَّة الظّهْر
فَثَبت بذلك بطلَان قَول الشَّافِعِي فِي ذَلِك
فَإِن قيل روى ابْن جريج عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم عَن أبي الزبير
عَن جَابر لما أفاضوا فِي الْحجَّة الَّتِي حَجهَا بهم أَبُو بكر خطب
النَّاس فَحَدثهُمْ عَن إفاضتهم وَعَن نحرهم وَعَن مناسكهم فَلَمَّا فرغ
قَامَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَرَأَ على النَّاس سُورَة بَرَاءَة
حَتَّى خَتمهَا
قيل لَهُ إِن خطْبَة أبي بكر لم تكن لِلْحَجِّ وَإِنَّمَا كَانَت لِأَن
عليا احْتَاجَ إِلَى قِرَاءَة بَرَاءَة فابتدأ أَبُو بكر بِالْخطْبَةِ
لِئَلَّا يتفرق النَّاس وَيقْرَأ عَليّ السُّورَة عَلَيْهِم
651 - فِيمَن مَاتَ بعد الْوَقْف وَأوصى بإتمام الْحَج عَنهُ
روى سُلَيْمَان بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد إِذا وقف بِعَرَفَة
ثمَّ مَاتَ فأوصى بِأَن يتم عَنهُ فَإِنَّهُ يذبح عَنهُ للمزدلفة دم ولرمي
الْجمار دم وللحلق دم ولطواف الزِّيَارَة بَدَنَة ولطواف الصَّدْر دم
وَذَلِكَ كُله من الثُّلُث وروى نَحوه عَن سُفْيَان
وروى عَن طَاوُوس أَنه يقْضِي عَنهُ وليه مَا بَقِي وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن مَاتَ قبل أَن يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة فَلَا هدي
عَلَيْهِ وَإِن رمى جَمْرَة الْعقبَة ثمَّ مَاتَ فَعَلَيهِ الْهَدْي من
جَمِيع المَال
(2/186)
وَقَالَ الْحُسَيْن بن حَيّ إِذا مَاتَ
بِعَرَفَة بعد الزَّوَال كَانَ عَلَيْهِ دم لعرفة كَأَنَّهُ أَفَاضَ قبل
الإِمَام وَدم للحلق وَكَذَلِكَ إِذا أوصى
قَالَ الْقيَاس أَن يقْضِي عَنهُ الْعَجز وَلَا يقْضِي بِدَم فَكَذَلِك لَا
يقوم عَنهُ الدَّم وَلَا معنى لقَضَاء الْغَيْر عَنهُ لِأَنَّهُ لَا
يَخْلُو فِي أَن يَفْعَلهَا بِإِحْرَام أَو بِلَا إِحْرَام فَإِن
فَعَلُوهَا فِي غير إِحْرَام لم يجز لِأَن الْمَفْعُول عَنهُ إِنَّمَا
كَانَ يَفْعَله بِإِحْرَام وَلَو فعل عَنهُ بِإِحْرَام لم يخل من أَن يكون
الْمحرم أحرم بِهِ عَن نَفسه أَو عَن الْمَيِّت فَإِن كَانَ الْفَاعِل فقد
صَار فَاعِلا عَن الْمَيِّت فِي إِحْرَام نَفسه وَذَلِكَ بِمَعْنى من فعل
بِغَيْر إِحْرَام وَإِن فعله فِي إِحْرَام يبتدئه عَن الْمَيِّت فَإِن مَا
بَقِي لَا يفعل بِإِحْرَام يَقع لَهُ خَاصَّة فَسقط ذَلِك من الْوُجُوه
كلهَا
652 - فِي الْمَكَان وَالزَّمَان الَّذِي ينْحَر الْمحصر هَدْيه
قَالَ أَصْحَابنَا الْمحصر بالعدو وَالْمَرَض سَوَاء يذبح هَدْيه فِي
الْحرم وَيحل قبل يَوْم النَّحْر إِن شَاءَ وَعَلِيهِ حجَّة وَعمرَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ لَهُ ذَلِك دون يَوْم النَّحْر
وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
والمحصر بِعُمْرَة ينْحَر هَدْيه مَتى شَاءَ فِي قَوْلهم وَسَوَاء دَامَ
بِهِ الْإِحْصَار إِلَى يَوْم النَّحْر أَو زَالَ عِنْد أبي حنيفَة فِي
رِوَايَة أبي يُوسُف
وروى زفر عَن أبي حنيفَة أَنه إِن تمّ الْإِحْصَار إِلَى يَوْم النَّحْر
أَجْزَأَ ذَلِك عَنهُ وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاء حجَّة وَعمرَة وَإِن صَحَّ
قبل وَقت الْحَج لم يجزه ذَلِك وَكَانَ محرما بِالْحَجِّ على حَاله
قَالَ وَلَو صَحَّ فِي الْعمرَة بعد بَعثه الْهَدْي فَإِن قدر على إِدْرَاك
الْهَدْي قبل أَن يذبح مضى حَتَّى يقْضِي عمرته وَإِن لم يقدر حل إِذا نحر
عَنهُ الْهَدْي
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ الْإِحْصَار بعدو لَا غير فَإِذا أحْصر بعدو
فَإِنَّهُ
(2/187)
ينْحَر هَدْيه ويحلق رَأسه حَيْثُ حبس
وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام فحجها
حسب
قَالَ الثَّوْريّ الْإِحْصَار بالعدو وَالْمَرَض سَوَاء ويذبح عَنهُ
الْهَدْي يَوْم النَّحْر وَيحل
وروى أَبُو عَاصِم النَّبِيل عَن حجاج الصَّواف أَخْبرنِي يحيى بن أبي كثير
عَن عِكْرِمَة عَن حجاج بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من عرج أَو كسر فقد حل وَعَلِيهِ حجَّة أُخْرَى
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا حجاج الصَّواف
بِإِسْنَادِهِ مثله قَالَ فَحدثت بذلك ابْن عَبَّاس وَأَبا هُرَيْرَة
فَقَالَ صدق
فَثَبت بذلك أَن حكم الْمَرَض والعدو سَوَاء فِي ذَلِك
وَمعنى قَوْله قد حل أَي قد حَان لَهُ أَن يحل كَمَا يُقَال للْمَرْأَة
إِذا انْقَضتْ عدتهَا قد حلت للأزواج يَعْنِي قد حل لَهَا أَن تتَزَوَّج
وَتحل للزَّوْج
وروى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة
فَإِن أحصرتم ثمَّ قَالَ من حبس أَو مرض قَالَ إِبْرَاهِيم فَحدثت بِهِ
سعيد بن جُبَير فَقَالَ هَكَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَهَذَا تَفْسِير
الْآيَة
فَثَبت أَن الِاسْم يلْحقهَا وَأَنه لَا يحل بِنَفس الْحصْر أَلا ترى إِلَى
قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَة {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي
مَحَله} الْبَقَرَة 196
(2/188)
وروى عَن ابْن مَسْعُود مثل قَوْلنَا فِي
الْإِحْصَار بِالْمرضِ
وروى عَن ابْن عمر لَا يكون الْإِحْصَار إِلَّا من عَدو
وَالنَّظَر أَن من منع المَاء فِي السّفر لعدو أوكان مَرِيضا لَا يقدر على
اسْتِعْمَاله سَوَاء فَكَذَلِك فِي الْحَج
وَلَا يجوز الْإِحْلَال قبل بُلُوغ الْهَدْي مَحَله لقَوْله تَعَالَى
{وَلَا تحلقوا رؤوسكم} ثمَّ قَالَ {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ
أَذَى من رَأسه ففدية} يَعْنِي إِلَى أَن يبلغ الْهَدْي مَحَله فَثَبت أَن
امْتنَاع الْإِحْلَال قبل ذَلِك
فَأَما من جوز ذبح الْهَدْي فِي غير الْحرم فَذهب إِلَى مَا روى سُفْيَان
بن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن أبي زيد عَن أَبِيه عَن سِبَاع بن ثَابت عَن
أم كرز قَالَت أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية
أسأله عَن لُحُوم الْهَدْي
قَالُوا وَالْحُدَيْبِيَة من الْحل قَالُوا وَقَالَ تَعَالَى {وَالْهَدْي
معكوفا أَن يبلغ مَحَله} الْفَتْح 25
قيل لَهُ يجوز أَن يُرِيد بِهِ الْحل الْمُسْتَحبّ وَقد روى عَطاء عَن
جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل منى منحر وكل فجاج
مَكَّة طَرِيق ومنحر وَمَعَ ذَلِك الْمُسْتَحبّ مَوضِع بِعَيْنِه
وروى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن الْمسور أَن رَسُول الله صلى الله عله
وَسلم كَانَ بِالْحُدَيْبِية
(2/189)
خباؤه بِالْحلِّ ومصلاة فِي الْحرم
فَامْتنعَ أَن يذبح هَدْيه فِي الْحل وَهُوَ يقدر على شَيْء من الْحرم
وَقد روى إِسْرَائِيل عَن مجزأَة بن زَاهِر عَن نَاجِية بن جُنْدُب
الْأَسْلَمِيّ قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين صد الْهدى
فَقلت يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْعَثْ معي الْهَدْي
فلأنحره فِي الْحرم قَالَ وَكَيف تَأْخُذ بِهِ قَالَ آخذ بِهِ فِي أَوديَة
لَا يقدرُونَ عَليّ فِيهَا فَبَعثه معي حَتَّى نَحرته فِي الْحرم
وَالنَّظَر أَن لَا ينْحَر دون يَوْم النَّحْر لِأَنَّهُ جعل بَدَلا من
الْوُصُول إِلَى مَا يحل بِهِ الْحَاج من حَاجَة فَكَذَلِك بدله
وَأما وجوب الْقَضَاء فَلَمَّا فِي حَدِيث الْحجَّاج بن عَمْرو فِيمَن كسر
أَو عرج
وَأَيْضًا من أحرم بِحجَّة تطوع ثمَّ أَرَادَ تَركهَا لم يكن لَهُ ذَلِك
كالواجب بِالنذرِ فَكَانَ الْقيَاس أَن يكون الدُّخُول مثله
653 - فِي حلق وتقصير الْمحصر
قَالَ أَصْحَابنَا لَيْسَ على الْمحصر تَقْصِير وَلَا حلق
قَالَ أَبُو يُوسُف يقصر فَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
حكى ابْن أبي عمرَان عَن مُحَمَّد بن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف فِي نوادره
أَن عَلَيْهِ أَن يحلق وَيقصر لَا بُد لَهُ من ذَلِك
(2/190)
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن
حَيّ والشافي يقصر
وروى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن الْمسور ومروان بن الحكم قَالَا
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه بِالْحُدَيْبِية
حِين أحْصر عَن الْبَيْت قومُوا فَانْحَرُوا ثمَّ احْلقُوا
فَثَبت وجوب الْحلق عَلَيْهِ
وروى أَبُو إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ حلق رجال بِالْحُدَيْبِية وَقصر آخَرُونَ فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرحم الله المحلقين قَالُوا والمقصرين
قَالَ ذَلِك ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ والمقصرين
وروى الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي إِبْرَاهِيم
الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر يَوْم الْحُدَيْبِيَة للمحلقين ثَلَاثًا
وللمقصرين مرّة
وَذَلِكَ لايكون إِلَّا لحلق عَن إِحْرَام وَيكون نسكا لِأَن الْأَفْضَل
فِي غير الْإِحْرَام للحالق على المقصر
قَالَ أَبُو بكر يحْتَمل أَن يكون قَالَه لما رأى من جدهم فِيمَا أَمرهم
بِهِ
(2/191)
وَصِحَّة يقينهم لأَنهم كَانُوا كارهين
للإحلال فمدح من جد فِي ذَلِك وسارع إِلَيْهِ وفضله على غَيره وَالنَّظَر
إِلَى الْمحصر قَادر على الْحلق وَإِنَّمَا سقط عَنهُ سَائِر النّسك لعدم
الْقُدْرَة
654 - فِي الْمحصر بِمَكَّة
قَالَ أَصْحَابنَا من أَتَى مَكَّة محرما بِالْحَجِّ لم يكن محصرا بهَا
قَالَ مَالك يخرج إِلَى الْحل يفعل مَا فعله الْمُعْتَمِر وَعَلِيهِ الْحَج
من قَابل وَالْهَدْي
وَالشَّافِعِيّ الْإِحْصَار بِمَكَّة وَغَيرهَا سَوَاء إِذا لم يجد سَبِيلا
إِلَى قَضَاء نُسكه
وَالْقِيَاس أَنه بِمَكَّة وَغَيرهَا سَوَاء كَمَا أَن فَوت الْحَج
وَغَيرهَا سَوَاء فيالحكم
655 - فِي الْإِحْصَار بعد الْوُقُوف بِعَرَفَة
قَالَ أَصْحَابنَا من وقف بِعَرَفَة ثمَّ أحْصر لَا يكون محصرا أبدا وَهُوَ
حرَام من النِّسَاء حَتَّى يطوف للزيارة
وَقَالَ مَالك لَا يحل حَتَّى يطوف للزيارة
قَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ يكون محصرا يُوكل بِالْهَدْي من بعض
الْإِحْرَام كَمَا كَانَ يحل من جَمِيعه
قَالَ من أدْرك عَرَفَة فقد أدْرك الْحَج فَلَمَّا أَمن الْفَوْت وَالْفساد
لم يحل مِنْهُ
(2/192)
656 - فِيمَن فَاتَهُ الْحَج
قَالَ أَصْحَابنَا من فَاتَهُ الْحَج حل بِعُمْرَة وَعَلِيهِ الْحَج من
قَابل وَلَا هدي
قَالَ مَالك أحب أَن يمْضِي لوجهه وَيحل من إِحْرَامه وَذَلِكَ بِعُمْرَة
بالإهلال الأول وَلَا يسْتَأْنف لَهَا إهلالا
قَالَ وَله أَن يثبت على إِحْرَامه وَلكنه يحل مَا لم يدْخل مَكَّة فَإِن
دخل مَكَّة فَلَا أرى لَهُ وَلكنه يحل بِالطّوافِ وَالسَّعْي فَإِن كَانَ
قَابلا قضى الْحجَّة الَّتِي فَاتَتْهُ وَعَلِيهِ دم
وَقَالَ الثَّوْريّ يحل بِعُمْرَة وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل وهدي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يفعل مَا يدْرك من أَعمال الْحَج وَيَقْضِي
قَالَ الشَّافِعِي يحل بِعُمْرَة ثمَّ يقْضِي الْحَج من قَابل وَلَيْسَ أَن
حجَّة صَار عمْرَة كَيفَ يصير عمْرَة وَقد ابتدأه حجا
قَالَ الْمُزنِيّ قِيَاس قَوْله أَن يَأْتِي بباقي الْحَج وَهُوَ الْمبيت
بمنى وَالرَّمْي مَعَ الطّواف وَالسَّعْي
روى مَالك عَن يحيى بن سُلَيْمَان بن يسَار أَن أَبَا أَيُّوب
الْأنْصَارِيّ خرج حَاجا حَتَّى إِذا كَانَ بالنازية بطرِيق مَكَّة أضلّ
رواحله وَقدم على عمر يَوْم النَّحْر فَقَالَ لَهُ عمر اصْنَع مايصنع
الْمُعْتَمِر وَقد حللت فَإِذا أدْركْت الْحَج من قَابل تحج ولتهد مَا
اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي
(2/193)
وروى موس بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر
من قَوْله مثله
وروى مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود بن يزِيد عَن عمر أَنه قَالَ يحل
بِعُمْرَة وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل وَلَا هدي عَلَيْهِ
قَالَ الْأسود وَسَأَلت زيد بن ثَابت عَن ذَلِك فَقَالَ مثله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ لإِيجَاب الْهَدْي وَجه فقد اتّفق هَؤُلَاءِ من
الصَّحَابَة على ذَلِك فَلَا يعدل عَن قَوْلهم إِذْ لَيْسَ يروي عَن غَيرهم
فَلَا معنى لقَوْل من قَالَ يمْضِي فِي الْحَج لِأَنَّهُ لَو مضى لفعل طواف
الزِّيَارَة قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة فَلَا يَقع طَوافا للزيارة
وَلما أَجمعُوا على أَن للْحَاج الَّذِي يفوتهُ أَن يحل قبل الْوُقُوف
بِعَرَفَة دلّ على سُقُوط جَمِيع الْحَج عَنهُ وَأَنه قد صَار بالفوات فِي
عمْرَة لَا حجَّة
657 - فِي الصَّوْم عَن هدي الْإِحْصَار
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُجزئ عَن هدي الْإِحْصَار الصَّوْم وَكَذَلِكَ
سَائِر الْجِنَايَات فِي الْإِحْرَام إِلَّا مَا أُبِيح فِي حَال الْعذر من
حلق الرَّأْس من أَذَى وَمَا فِي مَعْنَاهُ
قَالَ مَالك كل هدي وَجب على رجل عجز عَن الْمَشْي أَو وَطْء لأَهله أَو
شَيْء تَركه من الْحَج فَإِنَّهُ يُجزئ عَنهُ الصَّوْم إِذا لم يقدر
عَلَيْهِ وَلَا يُجزئهُ الطَّعَام قَالَ إِنَّمَا الطَّعَام وَالصِّيَام
يجزيان فِي فديَة الْأَذَى وَجَزَاء الصَّيْد لَا يجوز الطَّعَام إِلَّا
فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ
(2/194)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَن أفسد حجَّة
بجماع فَعَلَيهِ بَدَنَة وَالْحج من قَابل وَيُجزئ عَنهُ وَعَن امْرَأَته
بَدَنَة وَاحِدَة وَمَا تلذذ بِهِ دون الْجِمَاع أَجْزَأَ شَاة فَإِن لم
يجد قومت الْبَدنَة حَيْثُ تجب دَرَاهِم بِمَكَّة وَالدَّرَاهِم طَعَاما
فَإِن لم يجد صَامَ عَن كل مد يَوْمًا وَلَا يكون الطَّعَام وَالْهَدْي
إِلَّا بِمَكَّة وَمنى وَالصَّوْم حَيْثُ شَاءَ
ذكر عَن مُحَمَّد أَنه غير جَائِز إِثْبَات الْإِبْدَال بِقِيَاس
658 - فِيمَن أَخذ شَيْئا من شعر رَأسه أَو لحيته
قَالَ أَصْحَابنَا من أَخذ من شعر رَأسه أولحيه ربعا فَعَلَيهِ دم وَلما
دونه صَدَقَة
قَالَ مَالك إِذا نتف شَعرَات فطعام وَإِن نتف مَا أماط الْأَذَى عَنهُ
فَعَلَيهِ الْفِدْيَة
قَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ فِي ثَلَاث
شَعرَات دم وَمَا دونهَا طَعَام
قَالَ الله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه}
الْآيَة فإوجب الْفِدْيَة الْمَذْكُورَة فِيمَن أَزَال الْأَذَى وَلَيْسَ
فِي إِزَالَة ثَلَاث شَعرَات إِزَالَة الْأَذَى من الرَّأْس فَلَا فديَة
فِيهِ
659 - فِي الْإِطْعَام فِي فديَة الْأَذَى
قَالَ أَبُو يُوسُف إِن غدى وعشى مَسَاكِين من فديَة الْأَذَى أَجزَأَهُ
(2/195)
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يُجزئهُ كَمَا لَا
يُجزئ فِي الزَّكَاة لِأَن الله تَعَالَى سَمَّاهُ صَدَقَة وَقَالا هُوَ
مُخَيّر بَين الْأَشْيَاء الثَّلَاث
قَالَ سُفْيَان وَمَالك يطعم كل مِسْكين مَدين إِن اخْتَار الطَّعَام
قَالَ الشَّافِعِي يُعْطي الْمَسَاكِين مَدين لكل مِسْكين أَو دم أَو
صِيَام
حجاج بن منهال عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا دَاوُد
بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ عَن كَعْب بن عجْرَة ذكر قصَّته فِي هوَام
رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَعَك دم قلت لَا
قَالَ فَإِن شِئْت فَصم ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن شِئْت فَتصدق بِثَلَاثَة
آصَع من تمر بَين سِتَّة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع
وَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث التَّخْيِير بَين الطَّعَام وَالصَّوْم
بَعْدَمَا سَأَلَهُ عَن الدَّم فَأخْبرهُ أَنه لَيْسَ مَعَه
وروى حجاج بن منهال أَيْضا عَن حمادبن سَلمَة عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن
الشّعبِيّ عَن عبد الرحمن بن أبي ليلى عَن كعلب بن عجْرَة أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر الْقِصَّة إِلَى أَنه قَالَ فَاحْلِقْ رَأسك
وَإِن شِئْت نسيكه وَإِن شِئْت نعم ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن شِئْت فاطعم
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الخصيب بن نَاصح عَن وهيب بن خَالِد عَن دَاوُد بن أبي
هِنْد عَن الشّعبِيّ قَالَ حَدثنِي كَعْب بن عجْرَة مثله
وروى شُعْبَة عَن عبد الرَّحْمَن الْأَصْبَهَانِيّ عَن عبد الله بن معقل
عَن
(2/196)
كَعْب بن عجْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَذكر فِي الطَّعَام كل مِسْكين نصف صَاع حِنْطَة
وروى ابْن بنت أَزْهَر عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَحدثنَا ابْن أبي
إِسْحَاق عَن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة
مثله وَقَالَ فِي الطَّعَام أَو أطْعم سِتَّة فرقا من زبيب فَذكرهَا هَا
هُنَا الزَّبِيب
فَهَذِهِ آثَار مُخْتَلفَة وَمَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يذكرفي ذَلِك إِلَّا صنفا وَاحِدًا وَقد اتَّفقُوا على سُقُوط
الْفَرْض بِإِخْرَاج الْحِنْطَة واختلفوافي التَّمْر وَالزَّبِيب فَلَا
يسْقط الْفَرْض إِلَّا سُفْيَان
660 - فِي الْخِيَار فِي فديَة الْأَذَى
قَالَ أَصْحَابنَا مَا فعله الْمحرم من إِزَالَة الْأَذَى من ضَرُورَة
فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَمَا لم يكن للضَّرُورَة فدم لَا غير وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ الثَّوْريّ من فعل ذَلِك لغير ضَرُورَة وَلَا عذر فَهُوَ
بالخيارمثل من فعله من ضَرُورَة
(2/197)
قَالَ لَا يخْتَلف حكم من اصطاد لضَرُورَة
أَو غَيرهَا فَعلمنَا أَن الصَّوْم لَا يُغير الحكم وَإِنَّمَا يرقع المأثم
661 - فِيمَن تطيب أَو لبس نَاسِيا
قَالَ أَصْحَابنَا من لبس أَو تطيب نَاسِيا فَعَلَيهِ الْفِدْيَة
قَالَ الشَّافِعِي إِن تطيب نَاسِيا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ احْتج
الشَّافِعِي بِحَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي سَأَلَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محرم بِعُمْرَة وَعَلِيهِ طيب فَلم يَأْمُرهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالفدية وَأمره بِغسْل الطّيب وَنزع
الْجُبَّة
قَالَ لِأَنَّهُ فعله قبل قيام الْحجَّة عَلَيْهِ وَلُزُوم فَرْضه إِيَّاه
وَكَيف نقيس الْجَهْل على النسْيَان وَلم يَخْتَلِفُوا أيضاأن من قتل صيدا
نَاسِيا وعامدا فِي الحكم سَوَاء
662 - فِيمَن تطيب وَلبس عدَّة مَرَّات
قَالَ أَصْحَابنَا من تطيب بِطيب كثير فِي موطن وَاحِد فَعَلَيهِ دم وَاحِد
وَإِن كَانَ فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة فَعَلَيهِ لكل موطن كَفَّارَة
وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر الأول
وَكَذَلِكَ كلما فعله من ذَلِك من وَجه وَاحِد
(2/198)
قَالَ مَالك يجب لكل مرّة من اللّبْس أَو
الطّيب كَفَّارَة إِلَّا فِي الْجِمَاع خَاصَّة فَإِنَّهُ لَا يجب إِلَّا
دم وَاحِد وَإِن جَامع مرَارًا كَثِيرَة
قَالَ الثَّوْريّ إِذا داوى مرَارًا كَثِيرَة بِطيب فكفارة وَاحِدَة
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن أَصَابَهُ أَذَى من رَأسه فحلق ثمَّ احْتَاجَ
إِلَى لبس فَلبس على وَجه الدَّوَاء فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم
يكفر ثمَّ كفر ثمَّ عَاد وَجب أُخْرَى
قَالَ اللَّيْث إِذا صنع شَيْئا بعد شَيْء افتدى لكل شَيْء كَفَّارَة فَإِن
كَانَ ذَلِك فِي موطن وَاحِد فِي مرّة وَاحِدَة لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا
فديَة وَاحِدَة
قَالَ الشَّافِعِي وَإِذا لبس من ضَرُورَة وغطى رَأسه وَلبس خُفَّيْنِ من
شدَّة برد وَفعل ذَلِك كُله فِي مَكَان وَاحِد فَعَلَيهِ كَفَّارَة
وَاحِدَة وَإِن فرق شَيْئا بعد شَيْء كَانَ عَلَيْهِ لكل لبسة فديَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا بَأْس للموطن الْوَاحِد فِي الْقيَاس وَشبهه
مُحَمَّد بكفارة رَمَضَان وَيلْزمهُ أَن لَا يفرق حكم اللّبْس وَالطّيب
كَمَا لم يفرق حكم الْإِفْطَار بجماع وَلبس
(2/199)
663 - فِي تقليم الْأَظْفَار
قَالَ أصحابناإذاقلم أظفار كَفه فَعَلَيهِ دم وَإِن قلم من كل كف أَو رجل
أَرْبعا أَرْبعا فَعَلَيهِ طَعَام إِلَّا أَن تبلغ دَمًا
قَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ دم إِذا قلم خَمْسَة أظفار من يَد وَاحِدَة أَو
غير ذَلِك
قَالَ زفر إِذا قلم أظفار يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ فِي موطن أَو ثَلَاثَة
أَصَابِع فَعَلَيهِ دم وَإِن قلم إِصْبَعَيْنِ فَفِي كل إِصْبَع نصف صَاع
قَالَ مَالك إِنَّمَا تجب الْفِدْيَة فِي قلم الظفر إِذا كَانَ فِيهِ
إمَاطَة الْأَذَى فَإِن كَانَ فِي ظفر وَاحِد إمَاطَة الْأَذَى فَعَلَيهِ
دم
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قلم ظفرا وَاحِدًا فَعَلَيهِ الْفِدْيَة
الشَّافِعِي فِي ظفر مد وَفِي ظفرين مَدين وَفِي ثَلَاثَة دم
664 - فِي حلق الْمحرم رَأس الْحَلَال أَو قصّ شَاربه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَخذ الْمحرم من شَارِب الْحَلَال أَو قصّ إظفاره
فَإِنَّهُ يطعم شَيْئا
قَالَ مَالك إِذا حلق الْمحرم رَأس حَلَال فَعَلَيهِ الْفِدْيَة
قَالَ ابْن الْقَاسِم رُوِيَ أَنه يتَصَدَّق لقتل الدَّوَابّ حسب
قَالَ الثَّوْريّ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَهُوَ قَول مُجَاهِد
رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير أَنه يتَصَدَّق بدرهم
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن أَخذ الْمحرم رَأس الْمحرم بِإِذْنِهِ
فعلَيْهِمَا كَفَّارَة وَاحِدَة
(2/200)
وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فعلى الْآخِذ
كَفَّارَة وَلَيْسَ على الآخر شَيْء وَلَو حَرَامًا أَخذ من شعر حَلَال
فعلى الْحَرَام الْكَفَّارَة
قَالَ اللَّيْث لَا بَأْس أَن يَأْخُذ الْحَرَام شَارِب الْحَلَال أَو يقص
شعره وأكره أَخذه كُله لأجل الدَّوَابّ
قَالَ الشَّافِعِي يحلق الْمحرم رَأس الْحَلَال قَالَ لَا يكره للْمحرمِ
أَن يَأْمر الْحَلَال أَن يحلق رَأس نَفسه
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكعب بن عجْرَة احْلق وَهُوَ
محرم فَثَبت أَن حلقه إِيَّاه بِمَنْزِلَة الْأَمر وَلَيْسَ كَذَلِك
الصَّيْد لِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَن أَمر الْمحرم بالإصطياد فَكَذَلِك فعله
665 - فِي الْمحرم إِذا جَامع امْرَأَته الْمُحرمَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جَامع امْرَأَته وهما محرمان أَو نَائِمَة
مُكْرَهَة فعلى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا دم وَيفْسد حجهما والمكرهة والمطاوعة
فِي هَذَا سَوَاء
قَالَ مَالك إِذا أكره نِسَاءَهُ فجامعهن وَهُوَ محرمون فَعَلَيهِ عَن كل
وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَفَّارَة وَعَلِيهِ فِي نَفسه كَفَّارَة وَقَالَ لَو
أَن رجلا غطى وَجه محرم نَائِم فالكفارة على الَّذِي غطى وَلَيْسَ على
النَّائِم شَيْء وَإِن حلقه وَهُوَ نَائِم فالكفارة على الحالق لَا على
النَّائِم وَكَذَلِكَ الطّيب
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا غلبها على نَفسهَا وَهِي مُحرمَة فَإِنَّهَا
تمْضِي فِي حَجهَا وعَلى زَوجهَا أَن يحججها من مَاله
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حلق شعر محرم بِغَيْر أمره رَجَعَ على الْحَلَال
بفديته وَتصدق بهَا
(2/201)
لم يَخْتَلِفُوا أَن جماع المكرهة كجماع
المطاوعة فِي إِفْسَاد الْحَج وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَا يتَوَصَّل بِهِ
إِلَى الْقَضَاء وَهل على المكرهة الْإِثْم وجدناهم اتَّفقُوا على أَن
المَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ لَا يجب على الْمُكْره فَكَذَلِك قَضَاء
الْحَج
666 - فِيمَن لمس امْرَأَته بِشَهْوَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لمس الْمحرم امْرَأَته بِشَهْوَة فَعَلَيهِ دم أنزل
أَو لم ينزل وَلَا يفْسد حجه وَكَذَلِكَ لَو جَامعهَا فِيمَا دون الْفرج
فَأنْزل فَإِن نظر بِشَهْوَة فَأنْزل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِذا أكره الْمحرم امْرَأَته بقبلة فَأنْزل فقد فسد حجه
قَالَ وَكَذَلِكَ إِذا لمس فَأنْزل وَلم يدم على ذَلِك وَلم يتبع النّظر
يتلذذ بذلك إِنَّمَا كَانَ نظره فجاءة فحجه تَامّ وَعَلِيهِ دم فَإِن أدام
النّظر واشتهى حَتَّى أنزل فسد حجه قَالَ وَلَو لمس بِشَهْوَة أَو بَاشر
أَو تلذذ بذلك وَلم ينزل فَعَلَيهِ دم وحجه تَامّ
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا جَامع امْرَأَته فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل بَطل
حجه وَإِن كَانَت هِيَ أنزلت بَطل حَجهَا وَإِلَّا فعلَيْهَا دم
قَالَ عبد الله بن الْحسن إِذا لمس فَأنْزل فسد حجه وَفِي النّظر لَا يفْسد
قَالَ أبوجعفر اتَّفقُوا أَن اللَّمْس إذالم يكن مَعَه إِنْزَال لم يفْسد
ثمَّ اتَّفقُوا أَن الْجِمَاع فِي الْفرج يفْسد سَوَاء كَانَ مَعَه
إِنْزَال أم لَا ثمَّ وجدنَا الْجِمَاع فِي الْفرج مَعَ عدم الْإِنْزَال
يتَعَلَّق بِهِ أَحْكَام من الصَدَاق وَالْحَد وإفساد الصّيام وَهَذَا
الحكم لَا يتَعَلَّق باللمس الَّذِي لَا إِنْزَال مَعَه فَوَجَبَ أَن
يَسْتَوِي حَال اللَّمْس فِي وجود الْإِنْزَال مَعَه أَو عَدمه فِي أَن لَا
يفْسد بِهِ حج
(2/202)
فَإِن قيل إِذا كَانَ مَعَه إِنْزَال وَجب
الْغسْل كالجماع فِي الْفرج فَهَلا كَانَ ذَلِك فِي إِفْسَاد الْإِحْرَام
قيل لَهُ الْإِنْزَال بالاحتلام يُوجب الْغسْل وَلَا يفْسد الْإِحْرَام
وَلَا الصّيام فَبَطل مَا قلت
فَإِن قيل إِنَّمَا لم يفْسد صَوْمه باقترانه بالاحتلام لِأَنَّهُ بِغَيْر
فعل مِنْهُ
قيل لَهُ فقد رَأينَا المستكرهة يفْسد إحرامها بِالْجِمَاعِ وَإِن لم يكن
من فعلهَا فَعلمنَا أَن ذَلِك لَا يتَعَلَّق حكمه بِفِعْلِهِ وَغير فعله
إِن كَانَ مُوجبا لإفساد الْإِحْرَام
667 - فِيمَن جَامع بعد الْوُقُوف بِعَرَفَة
قَالَ أَصْحَابنَا من جَامع بعد الْوُقُوف بِعَرَفَة فَعَلَيهِ بَدَنَة
وحجه تَامّ يمْضِي فِيهِ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وروى عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ مَالك إِذا جَامع مَا بَين أَن يدْفع من عَرَفَة إِلَى أَن يَرْمِي
الْجَمْرَة فَعَلَيهِ الْهَدْي وَحج من قَابل وَإِن جَامع بعد رمي جَمْرَة
الْعقبَة قبل أَن يفِيض فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يعْتَمر وَيهْدِي وَلَيْسَ
عَلَيْهِ حج من قَابل
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا جَامع قبل رمي جَمْرَة الْعقبَة فسد حجه وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي
روى عَن ابْن عمر أَنه إِذا جَامع قبل الطّواف بِالْبَيْتِ فَعَلَيهِ
الْحَج من قَابل
(2/203)
قَالَ فَسَاد الْحَج إِنَّمَا هُوَ فِي
الْحَال الَّذِي يلْحق فِيهَا الْفَوات فَإِذا أَمن الْفَوات أَمن الْفساد
668 - فِي الإقتران فِي قَضَاء الْحَج الْفَاسِد
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل وَالْمَرْأَة يحجان فيفسدان حجهما بجماعهما
ثمَّ يعودان فيقضيان أَنَّهُمَا لَا يفترقان
قَالَ زفر يفترقان بِأَن لَا يجتمعا فِي بَيت وَاحِد وروى نَحوه عَن
سُفْيَان
قَالَ مَالك لَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يحلا
قَالَ الثَّوْريّ إِذا بلغا الْمَكَان الَّذِي وَقع فِيهِ الْجِمَاع
افْتَرقَا إِلَى أَن يفرغا من الْحَج وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَرُوِيَ
نَحوه عَن ابْن عَبَّاس
وَمثله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ إِنَّمَا هُوَ تَوْقِيف فَوَجَبَ القَوْل
بِهِ
669 - فِيمَن جَامع امْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ مَرَّات
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا جَامع امْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ
مرّة بعد مرّة فَإِن كَانَ فِي مقَام وَاحِد فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة
وَإِن كَانَ فِي أَمَاكِن مُخْتَلفَة فَعَلَيهِ لكل مرّة دم
قَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة مالم يكفر الأولى وَرُوِيَ
مثله عَن الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا جَامع مرَارًا فَعَلَيهِ كَفَّارَة
وَاحِدَة وَفرق مَالك
(2/204)
بَين اللبَاس وَالطّيب وَبَين الْجِمَاع
لِأَن الْجِمَاع قد فسد حجه فَلَا يجب بعد ذَلِك كَفَّارَة بجماع أخر
وَلَيْسَ كَذَلِك الطّيب
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِن الْجِمَاع وَإِن أفسد الْحَج فحرمته بَاقِيَة أَلا
ترى أَنه لَو تطيب أولبس بعد ذَلِك وَجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَيَنْبَغِي
أَن لَا يكون للجماع الثَّانِي كَفَّارَة إِلَّا أَن يكفر الأول كَمَا أَن
من زنى مرَّتَيْنِ لم يجب إِلَّا حد وَاحِد فَإِن حد ثمَّ زنى حد ثَانِيًا
وَلَا حكم للموطوءة فِي ذَلِك
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُجزئ فِي ذَلِك إِذا لم يجد الْهَدْي
الصّيام وَقد تقدّمت هَذِه الْمَسْأَلَة
وَقد وجدنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه أوجب فِي ذَلِك فديَة الْأَذَى وَهُوَ
أولى لِأَنَّهُ لم يرو عَن غَيره خِلَافه فَحكمه كحكمه
670 - فِيمَن جَامع بعدأداء بعض طواف عمرته
قَالَ أَصْحَابنَا من جَامع امْرَأَته بَعْدَمَا طَاف لعمرته ثَلَاثَة
أَشْوَاط فَسدتْ عمرته يمْضِي فِيهَا ويقضيها وَعَلِيهِ دم يُجزئهُ ئاة
قَالَ مَالك إِذا جَامعهَا بَعْدَمَا طَاف لعمرته وسعى قبل أَن يقصر
فَعَلَيهِ دم
قَالَ سُفْيَان إِذا جَامع بعد الطّواف قبل السَّعْي فَعَلَيهِ دم وَقد تمت
عمرته وَكَذَلِكَ إِن جَامع بعد السَّعْي قبل الْحلق
قَالَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا طَاف الْمُعْتَمِر بِالْبَيْتِ شوطا
وَاحِدًا وَهُوَ جَاهِل ثمَّ سعى ثمَّ جَامع فليقض بَقِيَّة طَوَافه وليهرق
دماوإن رَجَعَ إِلَى بَلَده عَاد وَقضى بَقِيَّة طَوَافه وَهُوَ محرم
حَتَّى يطوف وَعَلِيهِ دم
(2/205)
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَتَمام الْعمرَة
الطّواف بِالْبَيْتِ فَمن وَاقع قبل الطّواف بطلت عمرته وَإِن وَاقع بعد
الطّواف قبل السَّعْي لم تبطل وَعَلِيهِ دم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا جَامع فِيمَا بَين الْإِحْرَام وَبَين أَن يفرغ
من الطّواف وَالسَّعْي فَسدتْ عمرته
قَالَ مَوضِع الطّواف من الْعمرَة كالوقوف بِعَرَفَة من الْحَج وَلَا فرق
فِي الْقيَاس بَين قَلِيل الطّواف وَكَثِيره لِأَن الْكل فرض
671 - فِي محرم صَاد صيدا فَقتله حَلَال يَده فِي الْحل
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي محرم صَاد صيدا فَقتله حَلَال فِي يَده الْحل فعلى
الْمحرم الْجَزَاء وَيرجع بِهِ على الْقَاتِل فَإِن صَامَ عَنهُ لم يرجع
على الْقَاتِل بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يغرم شَيْئا فَيملك بِهِ الصَّيْد
وَلَو أرْسلهُ الْحَلَال من يَده وَقد كَانَ أحرم وَهُوَ فِي يَده فَإِن
الْحَلَال يضمن قِيمَته للْمحرمِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يضمن وَلَو كَانَ صَاده بَعْدَمَا أحرم
فَأرْسلهُ من يَده لم يضمن من قَوْلهم
وَقَالَ مَالك إِذا قَتله حَلَال فِي يَده فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وعَلى
الْمحرم الْجَزَاء إِذا قتلاه جَمِيعًا
وَقد ذكرنَا عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ اسْتِوَاء الحكم فِي وجوب
الْجَزَاء بِفِعْلِهِ وبفعل غَيره فَيُشبه أَن يكون الصَّيْد الَّذِي تلف
فِي يَد الْمحرم كَذَلِك حكمه
قَالَ لَا يرجع الْمحرم على الْقَاتِل لِأَن للْمحرمِ أَن يملك الصَّيْد
ملكا مستأنفا فَكَذَلِك لَا يملكهُ بلضمان
(2/206)
672 - إِذا قتل الْمحرم الصَّيْد وَأكل
مِنْهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمحرم يقتل الصَّيْد ثمَّ يَأْكُل مِنْهُ يجب
عَلَيْهِ جَزَاء مَا أكل مَعَ الْجَزَاء الأول وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَلَو كَانَ هَذَا حَلَالا فِي صيد الْحرم لم يكن جَزَاء مَا أكل
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ عَلَيْهِ
جَزَاء ماأكل لِأَنَّهُ يَأْكُل ميتَة لَيْسَ بصيد
قَالَ وَهُوَ الْقيَاس
673 - فِي بيض النعام إِذا شواه الْمحرم
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أكله
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُؤْكَل الْبيض
وَكَانَ كشجر الْحرم وحشيشه من قلعه فَأدى قِيمَته لم يكن بِمَنْزِلَة
الْميتَة وَجَاز اسْتِعْمَاله
674 - فِي المُرَاد بِالْمثلِ بقوله تَعَالَى {فجزاء مثل مَا قتل من النعم}
الْمَائِدَة 95
قَالَ أَبُو حنيفَة الْمثل المُرَاد بِالْآيَةِ الْقيمَة وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
(2/207)
وَيكون بِالْخِيَارِ أَن يَشْتَرِي
بِالْقيمَةِ هَديا أَو طَعَاما فيعطي كل مِسْكين نصف صَاع بر وَإِن شَاءَ
صَامَ عَن كل نصف صَاع يَوْمًا وَرُوِيَ مثله عَن ابْن عَبَّاس
وَإِبْرَاهِيم
قَالَ مُحَمَّد النظير من النعم فِي الظبي شَاة وَفِي الأرنب عنَاق وَمَا
لَا نَظِير لَهُ من النعم فَالْقيمَة وَإِن حكم الحكمان بِالطَّعَامِ كَمَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَكَذَلِكَ إِذا حكما بالصيام
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن بلغ الْقيمَة عنَاقًا لم يهد وَأطْعم أَو صَامَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُجزئ العناق
قَالَ زفر يحكم بِالْقيمَةِ دَرَاهِم فيشتري بهَا جزورا إِن بلغت أوبقرة
أَو شَاة فيذبحها وَيتَصَدَّق بلحمها لَا يُجزئهُ غير ذَلِك إذاكان
مُوسِرًا فَإِن لم يجد ثمن الْهَدْي حكم عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق بِقِيمَتِه
فَإِن لم يقدر على قِيمَته قوم الصَّيْد دَرَاهِم ثمَّ ينظر بكم يُعْطي
طَعَام بِتِلْكَ الدَّرَاهِم فيصوم مَكَان كل نصف صَاع يَوْمًا قَالَ وَإِن
كَانَ الَّذِي أصَاب نعَامَة لم يُجَاوز بِقِيمَتِهَا بَدَنَة وَإِن أصَاب
حمَار وَحش لم يُجَاوز بِقِيمَتِه بقرة وَإِن أصَاب ظَبْيًا لم يُجَاوز
بِقِيمَتِه شَاة
قَالَ مَالك الْمثل النظير من النعم فَإِن كَانَ حكما عَلَيْهِ
بِالطَّعَامِ قوم الصَّيْد بِالطَّعَامِ وَإِن قومه بِدَرَاهِم ثمَّ اشْترى
بِهِ طَعَاما جَازَ وَإِن أَرَادَ أَن يَصُوم صَامَ عَن كل مد من ذَلِك
الطَّعَام يَوْمًا
قَالَ مَالك وَيحكم عَلَيْهِ فِي صغَار الصَّيْد من النعم كَمَا يحكم فِي
كباره كالأحرار كَبِيرهمْ وصغيرهم فِي الدِّيَة سَوَاء
(2/208)
قَالَ سُفْيَان الْمثل فِي النظير
وَالْخيَار فِي الطَّعَام وَالصِّيَام إِلَى الحكم لَا إِلَى الْمَحْكُوم
عَلَيْهِ
قَالَ الشَّافِعِي الْمثل النظير من النعم فَإِن أَرَادَ الطَّعَام قوم
النظير دَرَاهِم ثمَّ الدَّرَاهِم طَعَاما ثمَّ تصدق بِهِ وَإِن شَاءَ
صَامَ عَن كل مد يَوْمًا
قَالَ قَول زفر إِنَّه على التَّرْتِيب وَإِن ذكر فِيهِ أَو كَمَا فِي
قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي
الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من
خلاف أَو ينفوا من الأَرْض} الْمَائِدَة 33 على التَّرْتِيب وَإِن ذكر
فِيهِ أَو
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ بكفارة الْيَمين اشبه لِأَنَّهُمَا كفارتان
ثمَّ نَظرنَا فِي قَول مَالك إِن الْخِيَار إِلَى الْحكمَيْنِ فِي
الطَّعَام وَالصِّيَام وَإِلَى قَول أبي حنيفَة فِي جعله الْخِيَار للمحكوم
عَلَيْهِ
فَوَجَدنَا الله تَعَالَى جعل الحكم إِلَيْهِمَا وَلم يذكر خِيَار
الْمُكَفّر فَوَجَبَ أَن يكون الْكل مَوْقُوفا على حكم لحكمين
وَأما الْمثل من النظير فقد روى عَن عمر أَنه حكم فِي الظبي بِشَاة وَلم
يذكر تَقْوِيم الدَّرَاهِم وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير
خلاف
وَأما جَوَاز الحكم بجدي وعناق فقد روى عَن عمر أَنه حكم فِي ضَب
(2/209)
بجدي وَفِي أرنب بعناق وروى نَحوه عَن ابْن
مَسْعُود وَعبد الله بن عمر
وروى عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس فِي الْحَمَامَة شَاة
وَمَا دون الْحمام لَا خلاف أَن فِيهِ الْقيمَة
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّوْم أَنه كل نصف صَاع حِنْطَة يَوْمًا
وَأَنه يجب على التَّرْتِيب رَوَاهُ جرير عَن مَنْصُور عَن الحكم عَن مقسم
عَن ابْن عَبَّاس
فَفِيهِ تَقْوِيَة لقَوْل زفر وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه جعل فِي الضبع شَاة حِين سُئِلَ عَن ذَلِك فَلم يذكر فِيهِ
تَخْيِير بَينهَا وَبَين الطَّعَام وَالصِّيَام فَثَبت بذلك أَن الْوَاو
هَا هُنَا على التَّرْتِيب لَا على التَّخْيِير فصح بذلك قَول زفر
قَالَ هَذَا أولى عِنْدِي مِمَّا قدمْنَاهُ فِي أول الْمَسْأَلَة ورجعنا
إِلَيْهِ لهذاالحديث
675 - فِي مَكَان إِخْرَاج الصَّدَقَة الْمُوجبَة فِي النّسك
قَالَ أَصْحَابنَا كل صَدَقَة وَجَبت فِي حج أَو عمْرَة فعلهَا حَيْثُ
شَاءَ
(2/210)
قَالَ مَالك الصَّدَقَة حَيْثُ شَاءَ
وَكَذَلِكَ نسك فديَة الْأَذَى وَأما هدي جَزَاء الصَّيْد فَلَا يكون
إِلَّا بِمَكَّة لقَوْله تَعَالَى {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} الْمَائِدَة 95
قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ الطَّعَام بِمَكَّة
قَالَ اللَّيْث الطَّعَام فِي الْموضع الَّذِي لزمَه ذَلِك
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكعب بن معجرة أَو أطْعم سِتَّة
مَسَاكِين وَلم يذكر الْمَكَان فَلَو كَانَ مَخْصُوصًا بمَكَان كَمَا أَنه
لما كَانَ محصورا بعدو ذكره
676 - فِي الْفِدْيَة فِي بيض النعام
قَالَ أَصْحَابنَا فِي بيض النعام قيمتهَا وَهُوَ قَول الْحسن بن صَالح
وَالشَّافِعِيّ
قَالَ مَالك عشر من الْفِدْيَة كَمَا يكون فِي جَنِين الْحرَّة عشر دِيَة
أمة
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَنه لَو اسْتهْلك لرجل بيضًا كَانَ
عَلَيْهِ ضَمَانهَا فِي نَفسهَا لَا غير وَلم يَجْعَلُوهُ كالجنين لأَنهم
مُخْتَلفُونَ فِي الْجَنِين إِذا خرج مَيتا بعد الضَّرْبَة فِي الْأمة
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِيهِ نصف عشر قِيمَته ذكرا كَانَ أَو
أُنْثَى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِن كَانَ ذكرا فَنصف عشر قِيمَته وَإِن
كَانَ أُنْثَى فعشره
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ مَا نقص الْأُم كَمَا أَنه لَو كَانَ فِي
بَهِيمَة
وَقَالُوا جَمِيعًا فِي اسْتِهْلَاك الْبَيْضَة لآدَمِيّ خلاف ذَلِك فَبَطل
قَول مَالك
(2/211)
677 - فِي الْمحرم يضْرب بطن عنز فيلقي
الْجَنِين مَيتا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ضرب الْمحرم بطن عنز من الظباء فَأَلْقَت جَنِينهَا
مَيتا وَمَاتَتْ فَعَلَيهِ جزاؤها وَجَزَاء الْوَلَد
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ قيمَة الْأُم وَعشر قيمَة الْأُم فِي الْجَنِين
قَالَ الْقيَاس أَن يكون عَلَيْهِ قيمَة الْأُم دون الْوَلَد وَترك
الْقيَاس
وَقَول الشَّافِعِي وَهُوَ قَول أبي حنيفَة الَّذِي ذكرنَا أَنه الْقيَاس
وَتَركه إِلَى الِاسْتِحْسَان
678 - فِي نفور الصَّيْد بِرُؤْيَة الْمحرم أَو تعلقه بالفسطاط
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رَآهُ فنفر مِنْهُ أَو ضرب فسطاطه فتعقل بِهِ صيد
فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ الْجَزَاء وَإِن لم يقْصد إِلَى الصَّيْد بذلك
قَالَ الله تَعَالَى {ليبلونكم الله بِشَيْء} الْمَائِدَة 94 فَكَانَ
الْمَعْنى الْمُوجب للجزاء مُوَافقَة الْمنْهِي عَنهُ من ذَلِك وفيماوصفناه
مُبَاح للْمحرمِ فعل مَا ذكرنَا
(2/212)
وَقد رُوِيَ عَن أبي حنيفَة فِي رجل محرم
أرسل كَلْبا على ذِئْب فَأصَاب صيدافلا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ الْجَزَاء
679 - فِي كَفَّارَة الْحلق والتطيب واللبس
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلق وتطيب وَلبس فَعَلَيهِ لكل وَاحِد كَفَّارَة
فَإِن فعله على وَجه الرَّفْض والإحلال لم يجب إِلَّا كَفَّارَة وَاحِدَة
قَالَ مَالك إِن صَاد على وَجه الرَّفْض لإحرامه وتطيب وَفعل سَائِر
الْأَشْيَاء الْمنْهِي عَنْهَا فِي الْإِحْرَام فَعَلَيهِ جَزَاء الصَّيْد
لكل صيد أَصَابَهُ جَزَاء بعد جَزَاء
وَأما اللبَاس وَالطّيب كُله فَعَلَيهِ لكل ذَلِك كَفَّارَة وَاحِدَة وَإِن
فعله مرَارًا
وَقَول الشَّافِعِي إِنَّه إِن فعله على وَجه الرَّفْض فَهُوَ بِمَنْزِلَة
فعله على غير وجع الرَّفْض
قَالَ رفضه لَا يُخرجهُ من إِحْرَامه فَهُوَ كلا رفض
680 - فِي إِعْطَاء جَزَاء الصَّيْد غَنِيا ظنا أَنه فَقير
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أعْطى من جَزَاء الصَّيْد رجلا ظَنّه فَقِيرا ثمَّ
علم أَنه غَنِي أَجزَأَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُجزئهُ
681 - هَل يُعْطي جَزَاء الصَّيْد لأقاربه
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يُعْطي من جَزَاء الصَّيْد ولدا وَلَا والدا وَلَا
زَوْجَة
(2/213)
وَقَالَ مَالك لَا يُعْطي أَخا وَلَا ولدا
وَلَا والدا وَلَا زَوْجَة
682 - فِي الْأكل من جَزَاء صَيْده
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أكل من جَزَاء صيد أهداه فَعَلَيهِ قيمَة مَا أكل
يتَصَدَّق بِهِ وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
قَالَ مَالك إذاأكل مِنْهُ شَيْئا أبدلها كلهَا
قَالَ قد سقط الْفَرْض بِالذبْحِ وَأكله مِنْهُ غير معيد عَلَيْهِ الْفَرْض
بل يتَصَدَّق بِمِقْدَار ماأكله
683 - فِي إِعْطَاء جَزَاء الصَّيْد الذِّمِّيّ
قَالَ أَصْحَابنَا إذاأعطى جَزَاء الصَّيْد أهل الذِّمَّة أَجزَأَهُ
قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يُجزئهُ
قَالَ الله تَعَالَى {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} الْمَائِدَة 95 فَلم
يخص
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطْعم سِتَّة مَسَاكِين فَكَانَ
على الْعُمُوم كَمَا أَن قَوْله {ففدية من صِيَام} وَقَوله {أَو عدل ذَلِك
صياما} على الْإِطْلَاق لَا تتَابع فِيهِ وَإِن ذكر ذَلِك فِي الظِّهَار
إِلَّا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِمعَاذ إِن الله فرض
عَلَيْهِم حَقًا فِي أَمْوَالهم يُؤْخَذ من أغنيائهم وَيرد فِي فقرائهم
فَالْقِيَاس إِن كل صَدَقَة قصد بهَا الْمَسَاكِين مثل الزَّكَاة
وَقد قَالَ أَبُو يُوسُف فِي إمْلَائِهِ إِن كَفَّارَة الْيَمين لَا تُعْطى
الذِّمِّيّ
(2/214)
684 - فِي الْمحرم إِذا دلّ حَلَالا على
صيد فَقتله
قَالَ أَصْحَابنَا فعلى الدَّال الْجَزَاء وَلَو دلّ الْمحرم محرما وَدلّ
الثَّانِي آخر فَقتله فعلى كل وَاحِد مِنْهُم جَزَاء تَامّ وَلَيْسَ على
الدَّال فِي الْحرم جَزَاء
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ جَزَاء
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لاشيء على الدَّال كَمَا لَو دله على قتل رجل
ذكر حَدِيث أبي قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَو
اشرتم أَو أعنتم قَالَ فَكل
وَهَذَا يدل على أَن واحدامنهم لَو دلّ لمَنعه من أكله لَوْلَا ذَلِك مَا
كَانَ لسؤاله لذَلِك معنى فَإِذا فَائِدَة إِيجَاب الْجَزَاء على الدَّال
وَمنعه أكله فَثَبت أَن الْإِشَارَة بِمَنْزِلَة الْأَمر بقتْله
فَيَنْبَغِي أَن لَا يخْتَلف ذَلِك فِي الْمحرم والحلال فِي الْحرم
وَقد روى دَاوُد بن أبي هِنْد عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ أَتَى
رجل عمر بن الْخطاب فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أَشرت إِلَى
ظَبْي وَأَنا محرم فَقتله صَاحِبي فَقَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف
مَا ترى قَالَ شَاة قَالَ وَأَنا أرى ذَلِك
وروى شريك بن عبد الله عَن الركين عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس أَن
محرما أَشَارَ إِلَى حَلَال ببيض نعام فَجعل عَليّ وَابْن عَبَّاس عَلَيْهِ
الْجَزَاء فَثَبت بذلك عَن عَليّ وَعمر من غير خلاف من أحد من السّلف
(2/215)
685 - إِذا قتل الْحَلَال صيد الْحرم
قَالَ أَصْحَابنَا فِيهِ الصَّدَقَة أَو الذّبْح وَلَا يُجزئ الصَّوْم
وَقَالَ الشَّافِعِي جَزَاء مثل جَزَاء الْمحرم
قَالَ لما جَازَ الْهَدْي دلّ أَنه مفارق لضمان الْآدَمِيّين فَكَانَ كجزاء
صيد الْمحرم إذاكان كَفَّارَة
686 - محرمان قتلا صيدا
قَالَ أَصْحَابنَا على كل وَاحِد مِنْهُمَا جَزَاء كَامِل وَإِذا قتل
الحلالان صيدا فِي الْحرم فعلَيْهِمَا جَزَاء وَاحِد بَينهمَا وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ فِي المحرمين وَالْحسن بن صَالح أَيْضا
قَالَ مَالك المحرمان والحلالان سَوَاء وعَلى كل وَاحِد جَزَاء كَامِل
قَالَ الشَّافِعِي وَالْأَوْزَاعِيّ عَلَيْهِم جَمِيعًا دم وَاحِد قَالَ
الشَّافِعِي وَكَذَلِكَ الحلالان فِي الْحرم
احْتج الموجبون لجزاء وَاحِد بقوله تَعَالَى {فجزاء مثل مَا قتل من النعم}
الْمَائِدَة 95 فَإِنَّمَا أوجب جَزَاء وَاحِدًا
قيل لَهُم فقد قَالَ {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة}
النِّسَاء 92 وَيجب على كل وَاحِد كَفَّارَة تَامَّة
احْتج مُحَمَّد فِي الْفرق بَين الحلالاين فِي الْحرم والمحرمين أَن
الْمُوجب للجزاء فِي الحلالين معنى وَاحِد وَهُوَ الْحرم وَالْمعْنَى فِي
المحرمين مَعْنيانِ لِأَن إِحْرَام كل وَاحِد غير إِحْرَام الآخر
(2/216)
687 - فِي الرَّمْي من الْحل صيدا فِي
الْحرم وَبِالْعَكْسِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رمى من الْحل صيدا فِي الْحرم أَو رمى من الْحرم
صيدا فِي الْحل فَعَلَيهِ الْجَزَاء وَلَو رمى صيدا فِي الْحل وَهُوَ فِي
الْحل فَأَصَابَهُ فِي الْحرم فَعَلَيهِ الْجَزَاء وَلَو رمى صيدا فِي
الْحل وَهُوَ فِي الْحل فَمر السهْم فِي طَائِفَة من الْحرم فَأصَاب
الصَّيْد لم يكن عَلَيْهِ جَزَاء وَلَو أرسل كَلْبا من الْحل على صيد من
الْحل فألجأه الْكَلْب إِلَى الْحرم وَقَتله فِيهِ لم يكن عَلَيْهِ
الْجَزَاء وَلَا تشبه هَذِه الرَّمية
وَقَالَ مَالك مثل ذَلِك فِي هَذَا إِلَّا أَنه سوى بَين الْكَلْب والرمية
إِذا لَجأ الصَّيْد إِلَى الْحرم فَقتله فِيهِ فَأوجب فِيهِ الْجَزَاء
قَالَ الثَّوْريّ فِي شَجَرَة أَصْلهَا فِي الْحل وَأَغْصَانهَا فِي الْحرم
وَعَلَيْهَا طير قَالَ مَا كَانَ فِي لحل فليرم وماكان فِي الْحرم فَلَا
يرْمى
قَالَ وَإِذا رمى صيدا فِي الْحل فتجاهل وَدخل الْحرم وَمَات فَلَا
كَفَّارَة فِيهِ وَلَا يُؤْكَل
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن أرسل كَلْبه فِي الْحرم فَقتل فِي الْحل
فَعَلَيهِ الْجَزَاء قَالَ وَلَو أرسل كلب فِي الْحل فَدخل الْحرم
فَأَجَازَهُ ثمَّ أَخذه فِي الْحل فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلهُ
قَالَ اللَّيْث إِذا أرسل كَلْبه على الصَّيْد فِي الْحل بَعيدا من الْحرم
وألجأه الْكَلْب إِلَى الْحرم وَقَتله فَلَا جَزَاء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ
قَرِيبا من الْحرم حِين أرْسلهُ فَعَلَيهِ الْجَزَاء
وَقَول الشَّافِعِي مثل قَوْلنَا فِي الرَّمْي إِلَّا أَنه قَالَ إِذا رمى
الْمُسلم من طَائِفَة من الْحرم وهما فِي الْحل فالاحتياط أَن يفْدِيه
(2/217)
قَالَ لم يَخْتَلِفُوا فِيمَن رمى من الْحل
صيدا فِي الْحرم أومن الْحرم صيدا فِي الْحل فِي وجوب الْجَزَاء
وَاخْتلفُوا إِذا كَانَ فِي الْحل وَبَينهمَا طَائِفَة من الْحرم فَكَانَ
نَظِيره مَا قَالَ أَبُو يُوسُف فِيمَن رمى مُسلما فَارْتَد المرمى ثمَّ
أسلم ثمَّ وَقع بِهِ السهْم أَن عَلَيْهِ الدِّيَة
وَقَالَ مُحَمَّد لَا شَيْء عَلَيْهِ
فَاعْتبر أَبُو يُوسُف الطَّرفَيْنِ وراعى مُحَمَّد مَا حدث بَينهمَا وَمن
أَصلهمَا مُرَاعَاة خُرُوج السهْم من يَد الرَّامِي ووقوعه بالمرمى
فَقَالَا لَو رفاه والمرمى مُرْتَد ثمَّ أسلم أَو رَمَاه والمرمى مُسلم
ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ وَقع بِهِ السهْم أَنه لاشيء على الرَّامِي
فَلَزِمَ مُحَمَّد على هَذَا الأَصْل يَجْعَل لمرور السهْم فِي الْحرم حكما
كَمَا جعل لحدوث مَا حدث من الْمُرُور بَين الطَّرفَيْنِ حكما
688 - فِيمَن قتل الصَّيْد خطأ أَو عمدا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قتل صيدا عمدا أَو خطأ أصَاب قبل ذَلِك صيدا أم لَا
فَعَلَيهِ الْجَزَاء وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مُجَاهِد إِن قَتله نَاسِيا لقَتله ذَاكِرًا لإحرامه لم يحكم
عَلَيْهِ
احْتج من لم يُوجِبهُ فِي الْخَطَأ بتخصيص الله الْعَامِد بِالذكر
فَقيل لَهُم ذكر الْعمد لِأَنَّهُ ذكر الْوَعيد عقيبة وَالدَّلِيل على
وُجُوبه فِي الْخَطَأ أَن الله تَعَالَى قد أوجب الْكَفَّارَة فِي قتل
الْخَطَأ وَهِي فِي قتل الْعمد أوجب مِنْهَا فِي الخطا
(2/218)
فَلَمَّا ثَبت فِي قتل الْعمد الْجَزَاء
وَجب مثله فِي الْخَطَأ وَأَيْضًا يَسْتَوِي حكم جماع الْخَطَأ والعمد فِي
إِفْسَاد الْحَج فَوَجَبَ أَن يكون الْجَزَاء مثله
وَأما إِسْقَاط من أسقط الْجَزَاء إِذا فعله نَاسِيا فاحتجوا بقوله
تَعَالَى {وَمن عَاد} فَلم يُوجب جَزَاء
فَقيل لَهُم أما قَول الله تَعَالَى {عَفا الله عَمَّا سلف} يعْنى مَا سلف
فِي الْجَاهِلِيَّة {وَمن عَاد} أَي فِي الْإِسْلَام
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن الضبع
فَقَالَ هُوَ صيد وفيهَا شَاة وَلم يسْأَله هَل أصَاب قَتله
وَعَن عمر أَنه سُئِلَ عَمَّن أصَاب ظَبْيًا فَلم يسْأَله هَل أصبت قبل
ذَلِك وَلم يرو عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه
فَإِن قيل فقد سَأَلَ عمر قبيصَة أعمدا قتلته أم خطأ وَلَا فرق بَين
الْخَطَأ والعمد
قيل لَهُ سَأَلَ ليقْرَأ عَلَيْهِ آيَة الْوَعيد إِن كَانَ عمدا ليتوب
بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف وَلم نجد خلافًا فِي محرم قتل بازيا معلما
فَعَلَيهِ قِيمَته لصَاحبه معلما وَعَلِيهِ قِيمَته لَحْمًا جَزَاء
إِحْرَامه وَهُوَ قَول مُحَمَّد أَيْضا
قَالَ مَالك عَلَيْهِ قيمتان معلما فِي الْوَجْهَيْنِ
الشَّافِعِي وَالْحسن بن صَالح قِيمَته لصَاحبه وَجَزَاء للْمَسَاكِين
(2/219)
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قتل حمامة
فَعَلَيهِ قيمتهَا لصَاحِبهَا لَا غير لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الدَّجَاجَة
فَإِن كَانَت بَريَّة فَعَلَيهِ جزاؤها
الْجَزَاء وَجب لعين الصَّيْد فَلَا يخْتَلف أَن تكون وحشية أَو قد تأنس
وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوك وَغير الْمَمْلُوك يجب فِيهِ الْجَزَاء
689 - الْقَارِن يقتل الصَّيْد
قَالَ أَصْحَابنَا عَلَيْهِ جزاآن
قَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ جَزَاء وَاحِد وَالْحسن بن صَالح
مثله
وَقَالَ فِي الْقَارِن إِذا أحْصر يبْعَث بهديين انتهك حرمتين
فَالْقِيَاس أَن يكون جزاآن
فَإِن قيل فقد يَكْفِي حلق وَاحِد
قيل لَهُ الْحلق إِذا وَقع اسْتَحَالَ بَقَاء الْإِحْرَام مَعَه
وَالثَّانِي لَا معنى لَهُ فَأَما سوى ذَلِك من الصَّيْد وَالطّيب
فَإِنَّهُ يفعل الأول مَعَ بَقَاء إِحْرَامه وَكَذَلِكَ الثَّانِي
وَكَذَلِكَ إِذا اجْتمعَا
690 - الْقَارِن يُجَامع بعد قَضَاء الْعمرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَاف الْقَارِن لعمرته وسعى ثمَّ جَامع فسد حجه
وَمضى فِيهِ وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل وَلَيْسَ عَلَيْهِ دم الْقرَان
وَلَيْسَ عَلَيْهِ عمْرَة لِأَنَّهَا لم تفْسد وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ دم الْقرَان وَدم الْفساد ويمضي فيهمَا وَعَلِيهِ
حجَّة وَعمرَة من قَابل يقرن بَينهمَا وَإِن لم يقرن لم يجز ويقضيهما من
حَيْثُ أحرم
(2/220)
بهما إِلَّا أَن يكون إِحْرَامه بهما كَانَ
بعد الْمِيقَات فَلَيْسَ لَهُ أَن يحرم بهما إِلَّا من الْمِيقَات
وَقَالَ الشَّافِعِي قد فسد عَلَيْهِ إِحْرَامه
691 - فِي برْء الصَّيْد الْمَجْرُوح
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن جرح صيدا فبرأ فَعَلَيهِ مَا نقص الْجرْح وَلَو
قطع يَده أَو رجله فبرأ عَلَيْهِ قِيمَته صَحِيحا
قَالَ مَالك إِذا أصَاب طيرا منتفة فحبسه حَتَّى نبت وطار فَلَا جَزَاء
عَلَيْهِ
اللَّيْث من كسر جنَاح صيد أورجله أرى أَن يفْدِيه
قَالَ عبيد الله بن الْحسن فِيمَن فَقَأَ عين ظَبْي فَعَلَيهِ مَا نقص
الظبي الشَّافِعِي وَيغرم النُّقْصَان
لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا كَانَ مَمْلُوكا لرجل أَنه يغرم النُّقْصَان
فَكَذَلِك إِذا كَانَ لله تَعَالَى
692 - فِي كَيْفيَّة صِيَام الْحَج وَكَفَّارَة الْيَمين
قَالَ اصحابنا كل صَوْم لم يذكر فِي الْقرَان مُتَتَابِعًا فَلهُ ان يفرق
مثل ثَلَاثَة ايام فِي الْحَج وَغَيره إِلَّا كَفَّارَة الْيَمين فَإِنَّهُ
متتابع
وَقَالَ مَالك مثل ذَلِك وَيجوز التَّفْرِيق فِي كَفَّارَة الْيَمين
وَقَول الثَّوْريّ مثل قَوْلنَا فِي ذَلِك كُله وَيجوز التَّفْرِيق فِي
كَفَّارَة الْيَمين
(2/221)
الْحسن بن صَالح إِذا قَالَ لله تَعَالَى
عَليّ صَوْم شهر تَابع وَلَو قَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِن شَاءَ فرق
وَكَفَّارَة الْيَمين متتابع
قَالَ اللَّيْث كل مَا ذكر الله من الصَّوْم فِي الْكتاب فَهُوَ متتابع
صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ
وَقَالَ إِذا كَانَ عَلَيْهِ صِيَام فِي كَفَّارَة يَمِين فصَام يَوْمَيْنِ
من آخر شعْبَان ثمَّ ثَبت أَنه أول رَمَضَان قَالَ يُجزئهُ ذَلِك الْيَوْم
لكفارته ويصوم يَوْمًا آخر لتَمام ذَلِك وَيَقْضِي يَوْمًا من رَمَضَان
وَقَالَ من أوجب على نَفسه صِيَام أَيَّام فَعَلَيهِ متتابعة
الشَّافِعِي كَا مَا يذكر فِي الْقُرْآن مُتَتَابِعًا فَلهُ أَن بفرق
وَكَذَلِكَ كَفَّارَة الْيَمين قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لكعب بن عجْرَة صم ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يذكر فِيهِ التَّتَابُع فَدلَّ
على أَنه لَيْسَ بِشَرْط
وَأما كَفَّارَة الْيَمين فَلِأَن فِي قِرَاءَة عبد الله وَأبي ثَلَاثَة
أَيَّام مُتَتَابِعَات
693 - فِي مَكَان ذبح الدِّمَاء الْوَاجِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا الدِّمَاء الْوَاجِبَة فِي الْحَج وَالْعمْرَة لَا يذبح
شَيْء مِنْهَا فِي غير الْحرم وَيجزئهُ أَن يذبحها فِي أَي الْحرم شَاءَ
قَالَ مَالك كل دم وَجب لنسك تَركه أَو لجزاء صيد فَإِنَّهُ لَا يذبح
إِلَّا بِمَكَّة أَو منى فَلَو أوقفهُ بِعَرَفَة نَحره بمنى فَإِن لم يوقفه
بِعَرَفَات سَاق من الْحل وَنحر بِمَكَّة
(2/222)
قَالَ الثَّوْريّ فِي جنايات الْإِحْرَام
لَا يذبح إِلَّا بِمَكَّة
قَالَ الشَّافِعِي لَا ينْحَر هدي دون الْحرم إِلَّا فِي إحصار فَإِنَّهُ
يذبح حَيْثُ أحْصر
قَالَ الله تَعَالَى {حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} الْبَقَرَة 196 قَالَ
{وَالْهَدْي معكوفا أَن يبلغ مَحَله} الْفَتْح 25 فَعلمنَا أَن للهدي محلا
وَأَنه قبل بُلُوغ الْمحل حرَام وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَة الصَّيْد {هَديا
بَالغ الْكَعْبَة} الْمَائِدَة 95 فَثَبت أَن مَحَله بُلُوغ الْكَعْبَة
وَقَالَ فِي الْبدن {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} الْحَج 33
فَثَبت صِحَة مَا قُلْنَا
694 - هَل يُجزئ إِذا ذبح الْمُتْعَة قبل فجر يَوْم النَّحْر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُجزئهُ ذبح هدي الْمُتْعَة قبل طُلُوع الْفجْر من
يَوْم النَّحْر وَيجوز بعد طُلُوع الْفجْر وَمَا سوى ذَلِك يُجزئهُ قبل
وَبعد وَيسْتَحب يَوْم النَّحْر وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
قَالَ مَا كَانَ من هدي سَاقه أَو جَزَاء صيد أَو غَيره لم يُجزئهُ ذبحه
قبل طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر وَكَذَلِكَ نسك الْأَذَى إِذا
قَلّدهُ لم ينْحَر إِلَّا بمنى بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر
قَالَ الشَّافِعِي يجوز تَعْجِيل دم الْقرَان قبل يَوْم النَّحْر
قَالَ اتَّفقُوا فِي الضَّحَايَا أَنَّهَا مَقْصُورَة على يَوْم النَّحْر
لَا يجوز قبله وَإِن فَاتَهُ أَيَّام النَّحْر لم يكن لَهُ أَن يَأْتِي
بهَا إِلَّا فِي أَيَّام النَّحْر من قَابل لِأَن النَّاس على قَوْلَيْنِ
فِي الْأَضَاحِي فَمنهمْ من يَرَاهَا وَاجِبَة فَلَا يَفْعَلهَا إِلَّا
أَيَّام النَّحْر
(2/223)
وَمِنْهُم من لَا يَرَاهَا وَاجِبَة
وَيَقُول إِن أوجب أضْحِية من جِهَة النّذر فعلهَا يَوْم النَّحْر فَعلم
بذلك أَن للأضاحي وقتا مَعْلُوما لَا يجوز فِيهِ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
وَوجدنَا الْهَدَايَا من فَاتَهُ أَن يذبحها فِي أَيَّام النَّحْر وَلم يكن
سَاقهَا قبل ذَلِك بِأَنَّهُ يذبحها بعد ذَلِك فَلَمَّا جعل سَائِر
الْأَيَّام وقتا لَهَا بعد مُضِيّ يَوْم النَّحْر علمنَا أَنَّهَا مَخَافَة
للأضاحي وَأَن الدَّهْر كُله وَقت لَهَا
695 - فِي العَبْد إِذا أذن لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْحَج
قَالَ أَصْحَابنَا عَلَيْهِ فِي كَفَّارَة الْحَج الصّيام وَمَا كَانَ من
الدِّمَاء وَالطَّعَام فَبعد الْعتْق وَإِن أحْصر فعلى مَوْلَاهُ أَن
يبْعَث بِهَدي مَعَه فَيحل بِهِ لِأَن مَوْلَاهُ أذن لَهُ فَعَلَيهِ أَن
يحلله
قَالَ مَالك عَلَيْهِ الْفِدَاء فِي النّسك وإماطة الْأَذَى لِأَنَّهُ
لَيْسَ لَهُ أَن يَفْعَله من مَال سَيّده فَلَيْسَ لسَيِّده أَن يمنعهُ
الصّيام إِذا لم يتعمده وَكَانَ مخطئا فِيهِ وَكَذَلِكَ كل مَا أصَاب خطأ
الشَّافِعِي لَا يُجزئهُ الصَّوْم
وَقَالَ أَصْحَابنَا لمَوْلَاهُ أَن يمنعهُ الصَّوْم فِي جَزَاء الصَّيْد
ونسك الْأَذَى وَقَالُوا لَيْسَ لَهُ مَنعه من صَوْم الظِّهَار
وَكَانَ الْقيَاس على ذَلِك أَن لَا يمنعهُ من صَوْم جَزَاء الصَّيْد كَمَا
قَالَ مَالك إِلَّا أَن لَهُم فرقا فِي ذَلِك وَهُوَ أَنه لَو مَنعه صَوْم
الظِّهَار لَكَانَ مَانِعا لَهُ وَطْء امْرَأَته لِأَنَّهُ لَا يصل
إِلَيْهِ إِلَّا بِالصَّوْمِ فَفِيهِ إِيصَال حَقّهَا من الْجِمَاع
فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَأما جَزَاء الصَّيْد فَمثل كَفَّارَة الْيَمين فَلَو
حلف العَبْد لمَوْلَاهُ أَن يمنعهُ
(2/224)
من الصَّوْم وَأما هدي والإحصار فَهُوَ
الْإِحْلَال وَمن حَقه أَخذ مَوْلَاهُ بكسوته الَّتِي لَا تحل لَهُ وَهُوَ
محرم فَكَذَلِك يكون لَهُ أَخذه بِمَا يصل بِهِ إِلَى الإنتفاع بهَا وكل
مَا جعلنَا على العَبْد فِيهِ الصَّوْم فأطعم عَنهُ مَوْلَاهُ أَو ذبح لم
يُجزئهُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ يُجزئ أَن
يطعم عَنهُ بعد موت العَبْد لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر
سَعْدا أَن يتَصَدَّق عَن أمه بعد مَوتهَا العَبْد لَا هدي عَلَيْهِ
قَالَ إِذا أهْدى عَنهُ صَار كمن أهْدى عَن إِنْسَان بِغَيْر أمره فَلَا
يُجزئهُ لِأَنَّهُ لَو جَازَ عَنهُ بِغَيْر أمره لم يكن ذائقا وبال أمره
وَقد قَالَ تَعَالَى {ليذوق وبال أمره} وَأما خبر سعد حِين أمره النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَصَدَّق عَن أمه بعد مَوتهَا فَلِأَنَّهُ قد
كَانَ يجوز أَن يتَصَدَّق عَنْهَا فِي حَيَاتهَا بأَمْره وَيجوز أَن يكون
قد فوضت ذَلِك إِلَيْهِ
وَقد روى الْعَطاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا
من ثَلَاثَة ولد صَالح يدعوا لَهُ أَو من علم بثه أَو صَدَقَة جَارِيَة
وَأما خبر سعد فقد روى مَالك بن أنس عَن سعد بن عمر بن شُرَحْبِيل بن سعيد
عَن سعد بن عبَادَة عَن أَبِيه عَن جده أَنه قَالَ خرج سعد مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض مغازيه وَحَضَرت أمه الْوَفَاة
بِالْمَدِينَةِ فَقيل لَهَا أوصِي فَقَالَت فيمَ أوصِي إِنَّمَا المَال
مَال سعد فَتُوُفِّيَتْ قبل أَن يقدم سعد فَلَمَّا قدم سعد ذكر ذَلِك لَهُ
فَقَالَ سعد يَا رَسُول الله هَل ينفعها أَن يصدق عَنْهَا فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَقَالَ سعد حَائِط كَذَا وَكَذَا
صَدَقَة عَنْهَا
وروى مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن رجلا قَالَ
(2/225)
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن
أُمِّي افتلتت نَفسهَا وأراها لَو تَكَلَّمت تَصَدَّقت أفأتصدق عَنْهَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَتصدق عَنْهَا
فَدلَّ ذَلِك على أَن الصَّدَقَة الَّتِي ذكرهَا إِنَّمَا كَانَت لِأَنَّهُ
قد كَانَ من الْمُتَصَدّق بهَا عَنْهَا سَبَب فِي حَيَاتهَا إِمَّا
لتفويضها ذَلِك إِلَى غَيرهَا مُتَقَدّمَة أَو لبدله وَصِيَّة فَمَاتَتْ
قبل إمضائها فحققها وَلَدهَا
696 - فِي السَّيِّد يَأْذَن لجاريته بِالْحَجِّ ثمَّ يحللها
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل أذن لجاريته فِي الْإِحْرَام ثمَّ بَاعهَا
فَلِلْمُشْتَرِي أَن يحللها
وَقَالَ زفر وَمَالك الشَّافِعِي لَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يحللها وَقَالَ
زفر وَالشَّافِعِيّ للْمُشْتَرِي الْخِيَار فِي فسخ البيع إِن لم يكن علم
بِالْإِحْرَامِ
لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا أذن لعَبْدِهِ فِي التَّزْوِيج أَو لأمته ففعلا
لم يكن بعد ذَلِك للْمُشْتَرِي فسخ النِّكَاح وَلَو لم يَأْذَن لم يجب
النِّكَاح بدءا
وَاخْتلفُوا على أَن الْأمة إِذا أَحرمت كَانَ إحرامها صَحِيحا فَإِن
للْمولى إحلالها مَا لم ياذن لَهَا فالإذن إِذا لم يعْمل فِي وُقُوع
الْإِحْرَام بِجَوَازِهِ بِغَيْر إِذن مِنْهُ فَمَا لم يكن لُزُوم إحرامها
لأجل الْإِذْن فَكَانَ لسَيِّدهَا إحلالها إِذا لم يكن إِذن لِأَن الْإِذْن
بدءا لم يعْمل فِي إجَازَة الْإِحْرَام وَإِنَّمَا كَانَ بِمَنْزِلَة
عاريتهم إِيَّاهَا أنفسهم وللمعير أَن يرجع فِيمَا أعَار مَتى شَاءَ
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل شتم أَخَاهُ أَو ظلمه وَهُوَ محرم فَعَلَيهِ
دم
وَهَذَا قَول لم يقل بِهِ غَيره من أهل الْعلم فَبَطل
(2/226)
ى 697 من أفسد حجَّة أَو عمْرَة وَترك
السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء لَا شَيْء عَلَيْهِ غير الْقَضَاء للحجة
الَّتِي أفسدها أَو الْعمرَة
وَقَالَ مَالك من ترك ذَلِك فِي الْفَاسِدَة هُوَ كمن تَركه فِي
الصَّحِيحَة
وَهَذَا على أصل مَالك لِأَنَّهُ يَقُول إِن من ترك ذَلِك فِي الصَّحِيحَة
كَانَ محرما بِحَالهِ حَتَّى يرجع فيطوف وَلَو شوطا وَاحِدًا
698 - إِذا حج تنفيذا لوَصِيَّة فَهَلَكت النَّفَقَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى بِحَجّ عَنهُ بِثُلثِهِ فأحجوا رجلا فَلَمَّا
بلغ الْكُوفَة مَاتَ أَو سرقت نَفَقَته وَقد أنْفق نصف النَّفَقَة
فَإِنَّهُ يحجّ عَن الْمَيِّت من ثلث مَا بَقِي من مِيرَاثه وَهُوَ قَول
زفر
وَقَالَ أَبُو يُوصف إِن بَقِي من ثلث جَمِيع المَال شَيْء حج مِنْهُ من
الْموضع الَّذِي بلغ الأول وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يرجع بِشَيْء وَقد استوفى وَصِيَّة الْمَيِّت وَلَكِن
يحجّ بِمَا بَقِي فِي يَد الْحَاج الْمَيِّت من حَيْثُ مَاتَ وَدم
الْإِحْصَار من مَال الْمَيِّت وَدم الْجِمَاع على الْحَاج
قَالَ مَالك إِذا أحْصر الْحَاج عَن الْبَيْت وَقد أنْفق بعض النَّفَقَة
فَإِن كَانَ اسْتوْجبَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يرد المَال كُله وَكَانَ من
الْأجر بِحِسَاب مَا سَار وَإِن أَخذ على الْبَلَاغ رد الْفضل فِي يَده
قَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بفرس فِي سَبِيل الله فابتاعه الْوَصِيّ فَمَاتَ
قبل أَن ينفذهُ إِلَى الْوَصِيّ لَهُ فقد بطلت الْوَصِيَّة
(2/227)
قَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا قَاسم
الْوَصِيّ وَرَثَة الْمُوصي وَأخذ الْوَصِيّ الْحجَّة ثمَّ ضَاعَت لم يرجع
على الْوَرَثَة بِشَيْء وَإِذا أَخذهَا بِغَيْر مقاسمة فَضَاعَت فَإِنَّهُ
يرجع بأخذها وَالْمَال وَلَا ضَمَان على الْوَصِيّ وَإِذا أوصى بِحجَّة
فَدفع الْوَصِيّ دَرَاهِم إِلَى إِنْسَان فَيَقُول هِيَ لَك على أَن تحج
بهَا عَن فلَان فَضَاعَت الدَّرَاهِم إِنَّمَا يضمن الْحجَّة وَمَا فضل من
النَّفَقَة
وَقَالَ إِذا أَخذ الْوَصِيّ الْحجَّة بِأَمْر قَاض فَضَاعَت النَّفَقَة لم
يرجع فِي المَال بِشَيْء
قَالَ الشَّافِعِي إِذا اسْتَأْجر رجلا لِلْحَجِّ عَن الْمَيِّت فَمَاتَ
فَلهُ بِقدر عمله من الْأجر
قَالَ عِنْد أَصْحَابنَا لَا يجوز الِاسْتِئْجَار على الْحَج وَمَالك كرهه
وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يجيزانه
فَلَا يَخْلُو الْإِجَارَة من أَن يَقع على وَقت مَعْلُوم فَإِن كَانَ
كَذَلِك فقد يجوز أَن يفرغ من الْحَج قبل انقضائه فَيبقى بَقِيَّة وقته
بِغَيْر عمل يعمله فِي الْحَج فَيجب فَسَاد الْإِجَارَة
أَو على أَفعَال الْحَج كخياطة ثوب بِعَيْنِه فَإِن كَانَ كَذَلِك فالأعمال
فِي الْحَج غير مَعْلُومَة مِنْهَا الصَّلَاة المفعولة للْإِحْرَام
والتلبية عِنْد هبوط وَاد وعلو شرف وَمِنْهَا حلق الرَّأْس وَهُوَ لَا تصح
الْإِجَارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يصل بِهِ نفع إِلَى الْمُسْتَأْجر
قَالَ فَإِذا قبض الْوَصِيّ الْحجَّة يَنْبَغِي أَن يكون من مَال الْمَيِّت
كالورثة إِذا قبضوا نصِيبهم يكون ضائعا من مَالهم
(2/228)
699 - إِذا أوصى أَن يحجّ عَنهُ بِثلث
مَاله
قَالَ أَصْحَابنَا فَهُوَ من بَلَده وَإِلَّا فَمن حَيْثُ بلغ وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا لم يبلغ الثُّلُث أَن يحجّ بِهِ عَنهُ
فَإِنَّهُ يحجّ عَنهُ من الْمَدِينَة والواد والجحفة
وَقَالَ سوار بن عبد الله إِذا أَمر أَن يحجّ عَنهُ من مَكَان فَلم يبلغ
الثُّلُث من ذَلِك الْمَكَان فَإِنَّهُ يعين بِهِ فِي حج
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يحجّ بِهِ عَنهُ من مَوضِع فِي الطَّرِيق
حَيْثُ يبلغ
لَا نعلم لسوار مُوَافقا فِي هَذَا القَوْل وَهُوَ فَاسد أَيْضا لِأَن
الْمَيِّت أوصى أَن يحجّ عَنهُ بِهِ لَا عَن غَيره فَإِذا عين بِهِ غَيره
كَانَ مصروفا إِلَى غير مَا أوصى بِهِ
700 - فِيمَن أوصى بِالْحَجِّ عَنهُ كل سنة من ثلثه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ قد أوصيت بِثُلثي فِي الْحَج يحجّ بِهِ فِي
كل سنة بِمِائَة دِرْهَم فَإِنَّهُم يحجون بذلك فِي سنة وَاحِدَة
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ يتَصَدَّق عني فِي كل سنة بِمِائَة دِرْهَم
فَإِنَّهُم يتصدقون بِهِ فِي أول السّنة وَكَذَلِكَ الرّقاب
قَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ فَإِنَّهُ يحجّ عَنهُ فِي
عَاميْنِ أحب إِلَيّ
فَهَذَا يدل على أَنه إِذا ذكر عَاميْنِ فَهُوَ أَحْرَى
قَالَ فِي وصيتة مَعْنيانِ أَحدهمَا الْحَج وَهُوَ الْقرْبَة وَالثَّانِي
تفرقها فِي أَوْقَات وَلَا قربَة فِيهِ فَهُوَ كمن أوصى بطرح مَاله فِي
الْبَحْر فَلَا ينفذ لِأَنَّهُ لَا قربَة فِيهِ وَأَيْضًا تَعْجِيل الْقرب
أفضل من تَأْخِيرهَا
(2/229)
701 - إِذا أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ وَارثه
قَالَ أَبُو يُوسُف فِي رجل أوصى أَن يحجّ عَنهُ وَارِث لَهُ وَقبل ذَلِك
الْوَارِث أَن الْوَصِيَّة بَاطِلَة إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة وَلم نجد
خلافًا بَينه وَبَين أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ زفر الْوَصِيَّة جَائِزَة إِذا كَانَت تخرج من الثُّلُث
قَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ إِن كَانَ نَفَقَة مثل
بذل الْحجَّة أَجزَأَهُ وَلَا يجوز الْفضل
قَالَ الْوَصِيَّة للْوَارِث إِذا استوفى مِنْهُ مثلهَا يجوز عِنْد زفر
وَأبي يُوسُف جَمِيعًا مثل أَن يوصى بِأَن يُبَاع عَبده من وَارثه بِمثل
قِيمَته وَعند أبي حنيفَة لَا يجوز فَكَأَنَّهُ ينْفق فِي حجه مَال
الْمَيِّت بِغَيْر عوض فَلَا يجوز
702 - فِي أكل الْمحرم الطَّعَام الَّذِي فِيهِ زعفران
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بِأَن يَأْكُل الْمحرم الطَّعَام فِيهِ زعفران
إِذا كَانَ قد مسته النَّار وروى نَحوه عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر
وَإِن أكل الزَّعْفَرَان فِي غير أَن يكون فِي طَعَام فَعَلَيهِ دم إِن
كَانَ كثيرا وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
قَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ خبيصا يصْبغ اللِّسَان فَفِيهِ الْفِدْيَة
وَإِن كَانَ مُسْتَهْلكا فَلَا فديَة فِيهِ
قَالَ وجدنَا حكم الثِّيَاب المصبوغة فِيمَا مسته النَّار أَو لم تمسه
النَّار سَوَاء فَكَذَلِك الطَّعَام يَنْبَغِي أَن يَسْتَوِي حكمه
(2/230)
فَلَمَّا اتَّفقُوا على أَن الطَّعَام
الَّذِي مسته النَّار لَا يكره وَإِن كَانَ فِيهِ زعفران كَذَلِك مَا لم
تمسه
703 - إِذا قَالَ عَليّ الْمَشْي إِلَى بَيت الله
قَالَ أَصْحَابنَا فَإِنَّهُ يمشي وَعَلِيهِ حجَّة أَو عمْرَة وَإِن شَاءَ
ركب وأهراق دَمًا وَإِن جعلهَا حجَّة فَلم يركب فَإِنَّهُ لَا يركب حَتَّى
يطوف طواف الزِّيَارَة وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ فِي الْعمرَة يمشي حَتَّى
يطوف بَين الصَّفَا والمروة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يركب وَيكفر عَن يَمِينه بِمَنْزِلَة النّذر
قَالَ ابْن شبْرمَة إِذا لم يقدر على الْمَشْي ركب وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
قَالَ سُفْيَان يمشي حَتَّى ينفر من منى إِلَى الْبَيْت مَاشِيا وَهُوَ
قَول الْحسن وَعَطَاء وروى عَن سُفْيَان أَنه إِذا ركب فَعَلَيهِ كَفَّارَة
يَمِين
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة جعلت عَلَيْهَا نذر أَن تمشي إِلَى بَيت
الله إِن ذهبت إِلَى الْحمام أبدا ثمَّ ذهبت قَالَ أما النّذر فيمين وَأما
الْحَج فتحج راكبة وَلم يذكر هَديا
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة جعلت عَلَيْهَا نذر أَن تمشي إِلَى بَيت
الله إِن ذهبت إِلَى الْحمام أبدا ثمَّ ذهبت قَالَ أما النّذر فيمين وَأما
الْحَج فتحج راكبة وَلم يذكر هَديا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل ساومه
رجل بِثَوْب فَقَالَ إِنِّي أَخَاف أَن تستقيلني قَالَ إِن استقلنك فعلي
الْمَشْي إِلَى بَيت الله ثمَّ استقاله فَعَلَيهِ يَمِين يكفرهَا فَإِنَّهُ
لم يرد بذلك وَجه الله
وَلَو قدت رجلا قَالَ عَليّ الْمَشْي إِلَى بَيت الله إِن تركتك قَالَ يكفر
عَن يَمِينه وَيَعْفُو عَن أَخِيه
(2/231)
قَالَ الْحسن بن صَالح إِذا حلف
بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله أَن لَا يكلم أَبَاهُ وَلَا أمه أَنه يكلمهما
وَيكون عَلَيْهِ الْمَشْي أفضل من أَن يَعْصِي الله تَعَالَى
قَالَ وَمن جعل عَلَيْهِ الْمَشْي فَإِنَّهُ يهل بِعُمْرَة من مِيقَات أهل
بَلَده ثمَّ يمشي
وَإِن قَالَ عَلَيْهِ أَن يحجّ إِلَى الْبَيْت مَاشِيا فَمثل ذَلِك
وَإِن قَالَ لله عَلَيْهِ أَن يحجّ مَاشِيا فَإِنَّهُ يمشي من الْبَطْحَاء
قَالَ وَإِن جعل عَلَيْهِ الْمَشْي فَمشى بعض الطَّرِيق ثمَّ أعيا فَركب
فَإِذا كَانَ عَاما قَابلا فليركب مَا مَشى وَيَمْشي مَا ركب فَإِن كَانَ
سمى عَاما يمْشِيه فليكفر عَن يَمِينه
قَالَ اللَّيْث يمشي من حَيْثُ حلف لَا من حَيْثُ حنث وفإن ترك الْمَشْي
أهْدى
حكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه إِن ركب اهراق دَمًا وَإِن مشي
فَإِنَّهُ يمشي حَتَّى تحل لَهُ النِّسَاء
وروى يحيى الْقطَّان عَن حميد بن ثَابت عَن أنس قَالَ مر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل يهادي بَين رجلَيْنِ فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا
نذر أَن يمشي فَقَالَ إِن الله لَغَنِيّ عَن تَعْذِيب هَذَا نَفسه وَأمره
أَن يركب
فَكَانَ من ذَلِك من أمره ناذرا الْحَج أَنه يحجّ رَاكِبًا فَاحْتمل أَن
يكون أمره بالركوب فِي غير هدي وَلَا شَيْء
فَوَجَدنَا همام بن يحيى قد روى عَن قَتَادَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
(2/232)
أَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَتَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ أَن أُخْته نذر أَن تمشي
إِلَى الْكَعْبَة حافية نَاشِرَة شعرهَا
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرها فلتركب ولتختمر ولتهد
هَديا
وروى عبد الْعَزِيز بن مُسلم حَدثنَا مطر الْوراق عَن عِكْرِمَة عَن عقبَة
بن عَامر قَالَ نذرت أُخْتِي أَن تمشي إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ إِن الله
لَغَنِيّ عَن مشيها مروها فلتركب ولتهد بَدَنَة
فَاخْتلف قَتَادَة ومطر عَن عقبَة وَقَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس
وَالْأَشْبَه مَا رَوَاهُ مطر لِأَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قد روى عَن
الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي رجل نذر أَن يمشي إِلَى الْبَيْت فَمشى نصف
الطَّرِيق ثمَّ أعيى فَركب قَالَ يحجّ من قَابل وَيَمْشي مَا ركب ولينحر
بَدَنَة
فَلَو كَانَ عِنْده هَذَا الحَدِيث لم يقل بذلك
وَقد روى شريك عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولى آل طَلْحَة عَن كريب
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن أُخْتِي نذرت
(2/233)
أَن تحج مَاشِيَة فَقَالَ إِن الله لَا
يصنع بشقاء أختك لتحج راكبة ولتكفر عَن يَمِينهَا
قَالَ وَحدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي يحيى بن عبد
الله الْمعَافِرِي عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن عقبَة بن عَامر
الْجُهَنِيّ أَن أُخْته نذرت أَن تمشي إِلَى الْبَيْت حافية غير مختمرة
فَذكر ذَلِك عقبَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول
الله مر أختك فلتركب ولتختمر ولتصم ثَلَاثَة أَيَّام
وَرَوَاهُ يزِيد بن هَارُون أخبرنَا يحيى بن سعيد عَن عبيد الله بن زهر
أَنه سمع أَبَا سعيد الرعيني يذكر عَن عقبَة بن عَامر مثله
فتصحيح هَذِه الْآثَار أَنه أوجب عَلَيْهَا الرّكُوب هدي الإختمار وَترك
النّذر كَفَّارَة يَمِين
كَمَا حَدثنَا يُونُس حَدثنَا ابْن وهب أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث عَن
كَعْب بن عَلْقَمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن شماسَة الْمهرِي عَن أبي
الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة الْيَمين
قَالَ لنا يُونُس هَكَذَا حَدثنَا ابْن وهب فِي الْإِمْلَاء وَحدثنَا فِي
الْمُوَطَّأ عَن عبد الرَّحْمَن بن شماسَة عَن عقبَة
(2/234)
وروى مَالك عَن طَلْحَة بن عبد الْملك
الْأَيْلِي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن
يَعْصِي الله فَلَا يعصيه
فَلَمَّا نفى وجوب مَا لَيْسَ بِطَاعَة وَجَبت فِيهِ الْكَفَّارَة
704 - فِيمَن نذر بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله أَو إِلَى مَكَّة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ عَليّ الْمَشْي إِلَى بَيت الله أَو إِلَى
مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة فَهُوَ سَوَاء وَعَلِيهِ حج أَو عمْرَة وَلَو
قَالَ إِلَى الْحَرَام إو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام لم يلْزمه شَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هما مثل الأول
وَلَو قَالَ عَليّ السّفر إِلَى مَكَّة أَو إِلَى أَن آتِي مَكَّة أَو
الْمَشْي إِلَى الصَّفَا والمروة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَلَو قَالَ عَليّ الرّكُوب إِلَى مَكَّة لزمَه حجَّة أَو عمْرَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ بَيت الله أَو الصَّفَا والمروة أَو الْحرم
فَإِن أَرَادَ الشُّكْر أَو التَّقَرُّب إِلَى الله فَعَلَيهِ أَن يمشي
وَإِن ركب أهْدى وَإِن كَانَ ذَلِك فِي يَمِين فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين
لَا غير وَحكى عَنهُ الْمُزنِيّ أَيْضا أَنه إِذا نذر أَن يَأْتِي موضعا من
الْحرم مَاشِيا أَو رَاكِبًا فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي الْحرم حَاجا أَو
مُعْتَمِرًا
قَالَ الْقيَاس أَن يكون كل مَوضِع من الْحرم ذكره فِي نَذره أَنه يلْزمه
(2/235)
إِحْرَام لِأَنَّهُ لَا يصل إِلَيْهِ
إِلَّا بِالْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِك النّذر أَن يمشي إِلَى بَيت
الْمُقَدّس أَو مَسْجِد الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
لِأَنَّهُ لَا يلْزمه بِدُخُولِهِ ذَلِك إِحْرَام
705 - من قَالَ لله عَليّ أَن أهدي هَذَا الثَّوْب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فَعَلَيهِ أَن يهدي مَا قَالَ وَإِن كَانَ
دَارا أهْدى قيمتهَا وَتصدق بذلك على مَسَاكِين مكه وَإِن أعطَاهُ حجبة
الْبَيْت أَجزَأَهُ
قَالَ أَبُو يُوسُف إِذا تصدق بهَا حَيْثُ شَاءَ أَجزَأَهُ لم تكن نِيَّة
وَقَالَ زفر لَا يُجزئهُ لغير مَكَّة
قَالَ مَالك إِذا قَالَ لله عَليّ أَنه أهدي هَذَا الثَّوْب فَإِنَّهُ
يَبِيعهُ وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِه هَديا يهديه يَسُوقهُ من الْحل إِلَى
الْحرم بذَبْحه بَدَنَة فَإِن لم يبلغ فبقرة وَإِلَّا فشاة وَلَا يُجزئ
إِلَّا مَا يُجزئ فِي الْهَدْي من الْأَسْنَان الَّذِي من جَمِيع ذَلِك
والجذع من الضَّأْن
قَالَ الثَّوْريّ أحب إِلَيّ أَن يَجعله فِي الطّيب
قَالَ الْحسن بن صَالح حَيْثُمَا تصدق بِهِ أَجزَأَهُ
قَالَ الشَّافِعِي لَا يجزيء أَن يتَصَدَّق بِهِ إِلَّا فِي مَسَاكِين
الْحرم فَإِن نوى أَن يعلقه سترا على الْبَيْت أَو يَجعله فِي طيبه جعله
حَيْثُ نوى
قَالَ الْقيَاس أَن لَا يجوز غير الْهَدْي لِأَنَّهُ لفظ بِهِ فَيكون كَمَا
قَالَ مَالك
(2/236)
706 - قَالَ إِن فعلت كَذَا فَأَنا أحج
بفلان
قَالَ أَصْحَابنَا إِن قَالَ إِن فعلت كَذَا فَأَنا أحج بفلان فَإِن نوى
أَن يحجّ فلَانا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يحجّ بفلان
وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ أَن يحجّ هُوَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن
يحجّ فلَانا وَلَو قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي أَن أهدي فلَانا لرجل آخر
فَفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
قَالَ مَالك إِذا قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي أَن أهدي فلَانا لرجل آخر
فَفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
قَالَ مَالك إِذا قَالَ أَنا أحج بفلان إِلَى بَيت الله إِن فعلت كَذَا
فَحنث فَإِن أَرَادَ حمله على عُنُقه فَإِن عَلَيْهِ أَن يحجّ مَاشِيا
وَيهْدِي وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الرجل وَإِن لم ينْو ذَلِك فليحج
رَاكِبًا وَالرجل مَعَه يحجّ بِهِ وَلَا هدي عَلَيْهِ قَالَ مَالك إِذا
قَالَ أَن أحمل هَذَا العمود إِلَى بَيت الله أَو شَيْئا من الْمَتَاع
فليحج وليهد لما جعل على نَفسه
وَلَو قَالَ أَن أهدي فلَانا إِلَى بَيت الله إِن فعلت كَذَا فَحنث
فَإِنَّهُ يهدي عَنهُ هَديا
وروى عَن ابْن شهَاب مثله
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ إِن زوجت هَذِه الْمَرْأَة فلَانا وَأَنا
أهديه وَعلي الْمَشْي إِلَى بَيت الله وَأَنا أنحر وَلَدي
قَالَ بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نذر فِي مَعْصِيّة
وكفارته يَمِين وليذبح كَبْشًا عِنْد الْبَيْت وليتصدق بِلَحْمِهِ
(2/237)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الرجل يهدي
خادمه إِن وَطئهَا فَإِن كَانَ مُوسِرًا أهدي بَدَنَة وَإِن كَانَ مُعسرا
فِيمَن يكفرهَا
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا نذر الْمَشْي فِي غير غضب وَفِي حق فَعَلَيهِ
الْمَشْي قَالَ اللَّيْث فِي امْرَأَة نذرت أَن تحمل ابْنهَا حَتَّى تضرب
بِهِ الرُّكْن الْأسود فَإِنِّي أرى أَن تحج وَتَأْتِي بابنها وتنحر عَنهُ
هَديا
قَالَ الْحسن بن صَالح إِذا قَالَ الرجل أَنا أهدي فلَانا إِلَى بَيت الله
فَإِنَّهُ بِحجَّة أَو بِعُمْرَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ أَنا أهدي فلَانا إِلَى بَيت الله وَلم يكن
لَهُ نِيَّة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نذر فِي مَعْصِيّة
الْقيَاس أَن قَوْله يهدي فلَانا لَا يمْضِي لَهُ إِذا كَانَ فُلَانُهُ لَا
يهدي وَيدل عَلَيْهِ مَا روى حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة
عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِيمَا لَا يملك
ابْن آدم
707 - من حج لِلْإِسْلَامِ ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ أسلم
قَالَ أَصْحَابنَا يُعِيد الْحَج وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأحد قولي
اللَّيْث وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
وَحكي عَن اللَّيْث أَنه لَا يُعِيد حجَّة الْإِسْلَام
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُعِيد
(2/238)
وَهُوَ أشبه بِأَصْلِهِ لِأَنَّهُ جعل
الْمُرْتَد بِمَنْزِلَة الْمُسلم فِي لُزُوم الصَّلَاة فِي حَال الرِّدَّة
لما قَالَ {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} الزمر 65 صَار كَأَنَّهُ لم يزل
كَانَ كَافِرًا والساعة أسلم فَيلْزمهُ حكم الْإِسْلَام الْآن
708 - فِي التَّطَوُّع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع
قَالَ أَصْحَابنَا يكره التَّطَوُّع بَين الْمغرب وَالْعشَاء
بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِن فعل أعَاد الْإِقَامَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
فِي أَن لَا يتَطَوَّع
قَالَ اللَّيْث يتعشى بَينهمَا
وَفِي حَدِيث ابْن عمر وَأُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يتَطَوَّع بَينهمَا فَثَبت مَا وَصفنَا وَلَا خلاف أَنه لَا يفصل
بَين صَلَاتي عَرَفَة بِشَيْء فَكَذَلِك مُزْدَلِفَة
709 - فِي النّذر بِذبح الْوَلَد
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا نذر أَن ينْحَر وَلَده فَعَلَيهِ شَاة يذبحها
وَهُوَ قَول مُحَمَّد قَالَ مُحَمَّد وَفِي العَبْد أَيْضا شَاة
(2/239)
قَالَ أَبُو يُوسُف لَا شَيْء عَلَيْهِ
فيهمَا
قَالَ مَالك فِي الْوَلَد كَفَّارَة يَمِين ثمَّ قَالَ مَالك بعد ذَلِك إِن
أَرَادَ بذلك أَن يهدي ابْنه لله فَعَلَيهِ هدي وَإِن لم يرد ذَلِك فَلَا
شَيْء عَلَيْهِ لَا كَفَّارَة وَلَا غَيرهَا رُوِيَ عَنهُ فِيهِ كَفَّارَة
يَمِين وَحكي عَنهُ أَنه إِذا قَالَ أَنا أنحر وَلَدي فكفارة يَمِين وَإِن
قَالَ أنحره عِنْد مقَام إِبْرَاهِيم فَعَلَيهِ هدي وَإِن قَالَ أنحر أبي
وَأمي فَهُوَ مثل الابْن
قَالَ الْحسن بن صَالح إِذا قَالَ ينْحَر فلَانا عِنْد الْكَعْبَة
فَإِنَّهُ بِحجَّة أَو بِعُمْرَة إِذا لم يكن نوى أَحدهمَا بِعَيْنِه وَإِن
نوى وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ الَّذِي نوى وينحر هَديا لقَوْله هُوَ
الَّذِي ينحره
قَالَ اللَّيْث إذاقال هُوَ ينْحَر ابْنه عِنْد الْبَيْت فَإِن عَلَيْهِ
أَن يحجّ ويحج بِابْنِهِ ذَلِك وينحر عَنهُ هَديا هُنَاكَ
قَالَ الشَّافِعِي لَا شَيْء فِي ذَلِك لِأَنَّهُ مَعْصِيّة وَلَا نذر فِي
مَعْصِيّة
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نذر فِي مَعْصِيّة فَأبْطل
هَذَا القَوْل فَلم يثبت حكمه بِوَجْه
وَقد روى سُفْيَان عَن يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن ابْن
عَبَّاس فِي رجل نذر أَن ينْحَر ابْنه فَأمره بِالْكَفَّارَةِ فَقَالَ رجل
هَذَا من خطوَات الشَّيْطَان كَيفَ يكون فِيهِ الْكَفَّارَة
قَالَ أَو مَا سمعته يَقُول {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا}
المجادلة 2 ثمَّ أمره بِالْكَفَّارَةِ
(2/240)
فَفِي هَذَا الحَدِيث ذكر الْكَفَّارَة
فَحمل مُحْتَمل كَفَّارَة الْيَمين وَيحْتَمل غَيرهَا
وروى سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن كريب عَن ابْن
عَبَّاس فِي رجل نذر أَن ينْحَر نَفسه فَأمره ان يحجّ فِي كل عَام إِلَى
الْبَيْت وينحره مائَة من الْإِبِل فِي كل عَام ثلثا لَا يفْسد اللَّحْم
وَقد روى يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن قبيصَة بن ذويب أَن امْرَأَة نذرت أَن
ينْحَر ابْنهَا فَسَأَلت عبد الله بن عمر فَقَالَ مَا أعلم الله أَمر فِي
النّذر إِلَّا بِالْوَفَاءِ فَقَالَت الْمَرْأَة فأنحر ابْني قَالَ ابْن
عمر قد نهاكم الله أَن تقتلُوا أَنفسكُم وَلم يزدها على ذَلِك فَسَأَلت
ابْن عَبَّاس فَقَالَ أَمر الله بوفاء النّذر ونهاكم عَن قتل أَنفسكُم وَقد
كَانَ عبد الْمطلب نذر إِن وافى لَهُ عشرَة رَهْط أَن ينْحَر أحدهم
فَلَمَّا توافوا لَهُ أَقرع بَينهم فَخرجت الْقرعَة على عبد الله وَكَانَ
أحبهم إِلَيْهِ وَقَالَ عبد الْمطلب اللَّهُمَّ هَذَا الْإِبِل فَقَالَ
ابْن عَبَّاس ان ينْحَر مائَة من الْإِبِل مَكَان ابْنك فَبلغ مَرْوَان بن
الحكم وَهُوَ أَمِير على الْمَدِينَة فَقَالَ ان عمر وَابْن عَبَّاس أصابا
الْفتيا أَنه لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله فاستغفري وتوبي إِلَيْهِ وتصدقي
واعملي مَا اسْتَطَعْت من الْخَيْر قَالَ فسر النَّاس بذلك وأعجبهم قَول
مَرْوَان وَرَأَوا أَنه قد أصَاب الْفتيا فَلم يزَالُوا يفتون بِأَن لَا
نذر فِي مَعْصِيّة الله
(2/241)
710 - أَيهمَا أفضل الصَّدَقَة أم حجَّة
تطوع
قَالَ ابو حنيفَة الصَّدَقَة أفضل من حجَّة تطوع وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَعبيد الله بن الْحسن
قَالَ الْحسن بن صَالح الْحَج فِي كل خَمْسَة أَعْوَام أفضل لما روى عَن
الْعَلَاء عَن يُونُس بن خباب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ الله
تَعَالَى أَي عبد صححت جِسْمه وأوسعت عَلَيْهِ فِي الرزق يَأْتِي عَلَيْهِ
خمس سِنِين لَا يفد إِلَيّ لمحروم
قَالَ الصَّدَقَة مَنْفَعَة لأهل الْإِسْلَام وَالْحج مَنْفَعَة مَقْصُورَة
عَلَيْهِ خَاص وَالصَّدَََقَة أفضل لعُمُوم نَفعهَا
711 - إِذا وَجب عَلَيْهِ الْقصاص أَو الْحَد فَدخل الْحرم
قَالَ اصحابنا لم يقْتَصّ فِيهِ فِي النَّفس وَلَا يحد فِيمَا يَأْتِي على
النَّفس ويقام عَلَيْهِ مَا سوى ذَلِك فِيمَا دون النَّفس وَإِن أصَاب
الَّذِي اوجب الْقَتْل فِي الْحرم أقيم عَلَيْهِ وَفِي الأول لَا يؤوي
وَلَا يُبَايع حَتَّى يخرج وَهُوَ قَول زفر
قَالَ أَبُو يُوسُف يخرج من الْحرم فَيقْتل وَكَذَلِكَ الرَّجْم حكى ابْن
أبي عمرَان عَن مُحَمَّد بن شُجَاع عَن الْحسن عَن أبي يُوسُف
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُقَام عَلَيْهِ ذَلِك كُله فِي الْحرم وَإِن
أَتَاهُ فِي غير الْحرم
روى نَحْو قَوْلنَا عَن ابْن عَبَّاس من غير خلاف من أحد من الصَّحَابَة
(2/242)
وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَمن دخله كَانَ
آمنا} آل عمرآن 97
فَإِن قيل أَرَادَ الصَّيْد
قيل لَهُ لَو كَانَ كَذَلِك لقَالَ وَمَا دخله كَانَ آمنا كَمَا قَالَ
{وَمَا أكل السَّبع} {وَمَا ذبح على النصب} {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح}
الْمَائِدَة 3 4
لِأَن من لبني آدم خَاصَّة
فَإِن قيل فَإِن أصَاب فِي الْحرم
قيل لَهُ الْحرم إِنَّمَا يُؤمن الْخَائِف لِأَنَّهُ مَتى يكْتَسب جرما
فَهُوَ آمن فِي نَفسه فالحرم يجره من جرمه وَأما من أصَاب الذَّنب فِي
الْحرم فخاف فَلم يرد عَلَيْهِ مَا يُؤمنهُ بعد وُقُوع ذَنبه
وَقد روى يحيى بن معِين حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي سَمِعت مُحَمَّد
بن إِسْحَاق يحدث عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن بجير بن أبي بجير قَالَ
سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حِين خرجنَا إِلَى الطَّائِف فمررنا بِقَبْر فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا قبر أبي رِغَال وَهُوَ ابو ثَقِيف وَكَانَ من
ثَمُود وَكَانَ بِهَذَا الْحرم يدْفع عَنهُ فَلَمَّا خرج أَصَابَته النقمَة
بِهَذَا الْمَكَان فَدفن فِيهِ وَآيَة ذَلِك أَنه دفن مَعَه غُصْن من ذهب
إِن أَنْتُم نَبَشْتُمْ عَنهُ أصبتموه مَعَه فَابْتَدَرَهُ النَّاس
فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ الْغُصْن
فَلم يصب الله أَبَا رِغَال بالنقمة إِلَّا بعد خُرُوجه من الْحرم
وَحكى الشَّافِعِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عِنْدَمَا
قتل عَاصِم بن ثَابت وخبيب أَن يقتل ابْن فلَان فِي دَاره بِمَكَّة غيلَة
إِن قدر عَلَيْهِ
(2/243)
وَذَلِكَ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَت
مُحرمَة فَدلَّ على أَنَّهَا لَا تمنع أحدا من شَيْء وَجب عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ فِي الحَدِيث لم نجد لَهُ
أصلا وَلَا يدْرِي عَن أحد
712 - إِذا أوصى بِثلث مَاله فِي سَبِيل الله
قَالَ أَبُو حنيفَة فَهُوَ من الْغَزْو
وَقَالَ مُحَمَّد فِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة يُعْطي مُحْتَاج الْغُزَاة
والمرابطين وَإِن أعْطى مُحْتَاجا غير غاز وَلَا مرابط أَجْزَأَ لِأَنَّهُ
فِي سَبِيل الله
قَالَ مَالك لَا يجوز فِي غير الْغَزْو
وَالثَّوْري لأهل الثغران من يَغْزُو
الشَّافِعِي لَا يُعْطي إِلَّا من أَرَادَ الْغَزْو من أهل الْبَلَد
الَّذِي بِهِ مَاله
روى سعيد عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن ابْن
الْحَارِث أَن مَرْوَان أرسل إِلَى أم معقل يسْأَلهَا عَن هَذَا الحَدِيث
فَحَدَّثته أَن لزَوجهَا ناضحة فِي سَبِيل الله وأرادت الْعمرَة فَسَأَلت
زَوجهَا الناضح فَأبى فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر
بِأَن يُعْطِيهَا وَقَالَ الْحَج وَالْعمْرَة فِي سَبِيل الله
وروى مُوسَى بن عقبَة عَن عِيسَى بن معقل عَن جدته أم معقل أَن
(2/244)
أَبَا معقل مَاتَ وَجعل بعيره فِي سَبِيل
الله فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ارْكَبِي بعيرك
فَإِن الْحَج فِي سَبِيل الله
فَكَانَ فِي هَذِه الْأَخْبَار جعله فِي الْحَج فِيمَا جعل فِي سَبِيل الله
وَلم يرو عَنهُ مَا يَنْفِي ذَلِك وروى نَحوه عَن ابْن عمر
وَمَا جَاءَ هَذَا المجىء فَلَا معدل عَنهُ اخر كتاب الْمَنَاسِك
(2/245)
= كتاب النِّكَاح =
713 - فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي
قَالَ أَبُو حنيفه للْمَرْأَة أَن تزوج نَفسهَا كُفؤًا وَهُوَ قَول زفر
وَإِن زوجت نَفسهَا غير كُفْء فَالنِّكَاح جَائِز أَيْضا وللأولياء أَن
يفرقُوا بَينهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز النِّكَاح إِلَّا بولِي فَإِن سلم الْوَلِيّ
جَازَ وَإِن ابي أَن يسلم وَالزَّوْج كُفْء أجَازه القَاضِي وَإِنَّمَا يتم
النِّكَاح فِي قَوْله حِين يُجِيزهُ القَاضِي وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا ولت أمرهَا رجلا فَزَوجهَا كُفؤًا فَالنِّكَاح
جَائِز وَلَيْسَ للْوَلِيّ أَن يفرق بَينهمَا
قَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا
نِكَاح إِلَّا بولِي وَلَيْسَت الوالدة بولِي وَلَا أَن تجْعَل الْمَرْأَة
وَليهَا رجلا إِلَّا قَاضِيا من قُضَاة الْمُسلمين وَإِن كَانَ الْوَلِيّ
سَفِيها أَو غير مسفه فَزَوجهَا رجلا لَا تزوج مثله لم أجزه وَإِن كنت
فَزَوجهَا مثله أجزت نِكَاحهَا مسفها كَانَ أَو غير مسفه
(2/247)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا
كَانَت امراة مُعتقة أَو مسكينة دنيئة لَا خطب لَهَا فَلَا بَأْس أَن تزوج
تسْتَخْلف رجلا أَن يُزَوّجهَا وَيجوز
وَقَالَ مَالك وكل امْرَأَة لَهَا مَال وغنى وَقدر فَإِن تِلْكَ لاينبغي
أَن يُزَوّجهَا إِلَّا الْأَوْلِيَاء أَو السُّلْطَان
قَالَ وَأَجَازَ مَالك للرجل أَن يُزَوّج الْمَرْأَة وَهُوَ من فَخذهَا
وَإِن كَانَ ثمَّ من هُوَ أقعد بهَا مِنْهُ
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْمَرْأَة تزوج بِغَيْر ولي وَإِن غَيره أحسن مِنْهُ
أَن يرفع أمرهَا إِلَى السُّلْطَان فَإِن كَانَ كُفؤًا أجَازه وَلم يفسخه
وَذَلِكَ فِي الثّيّب من النِّسَاء وَقَالَ فِي السَّوْدَاء تزوج بِغَيْر
ولي أَنه جَائِز
قَالَ وَفِي الْبكر إِذا زَوجهَا غير ولي ووليها قريب حَاضر فَهَذَا
الَّذِي امْرَهْ إِلَى الْوَالِي يفسخه لَهُ السُّلْطَان إِن رأى ذَلِك
وَجها وَالْوَلِيّ فِي مثل هَذَا أولى من الَّذِي أنْكحهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من لم يجز النِّكَاح إِلَّا بولِي بِحَدِيث شريك
عَن سماك عَن ابْن أخي معقل أَن أُخْت معقل كَانَت تَحت رجل فَطلقهَا ثمَّ
أَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا فَأبى عَلَيْهِ معقل فَنزلت هَذِه الْآيَة {فَلَا
تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ} الْبَقَرَة 232
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذِه الْقِصَّة لَا تروى فِي حَدِيث مُتَّصِل
الْإِسْنَاد غير هَذَا الحَدِيث لَا يحْتَج بِمثلِهِ لما فِي إِسْنَاده من
الرجل الْمَجْهُول الَّذِي روى عَنهُ سماك
(2/248)
وروى مَالك وَاللَّيْث عَن عبد الرَّحْمَن
بن الْقَاسِم عَن أبي عَن عَائِشَة أَنَّهَا زوجت حَفْصَة بنت عبد
الرَّحْمَن للمنذر بن الزبير وَعبد الرَّحْمَن غَائِب بِالشَّام فَلَمَّا
قدم عبد الرَّحْمَن قَالَ مثلي يفتات عَلَيْهِ فكلمت عَائِشَة الْمُنْذر
قَالَ الْمُنْذر فَإِن ذَلِك بيد عبد الرَّحْمَن قَالَ عبد الرَّحْمَن مَا
كنت أرد أمرا قضيتيه فقرت حَفْصَة
وَلم يكن ذَلِك طَلَاقا فَهَذَا يُوجب أَن يكون من مَذْهَبهمَا جَوَاز
النِّكَاح بِغَيْر ولي فَغير جَائِز أَن يكون عِنْدهمَا عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بطلَان النِّكَاح بِغَيْر ولي عصبَة ثمَّ يُخَالِفهُ
إِلَى غَيره
فَإِن قيل كَيفَ يجوز قبُول هَذَا الحَدِيث مَعَ رِوَايَة ابْن جريج عَن
عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَنَّهَا نكحت رجلا
من بني أَخِيهَا جَارِيَة من بني أَخِيهَا فَضربت بَينهمَا بستر ثمَّ
تَكَلَّمت حَتَّى إِذا لم يبْق إِلَّا النِّكَاح أمرت رجلا فأنكح ثمَّ
قَالَت لَيْسَ إِلَى النِّسَاء النِّكَاح
قيل لَهُ لَيْسَ هَذَا مُخَالفا للْأولِ لِأَنَّهُ جَائِز أَن تكون فِي
الأول أَيْضا أمرت رجلا بِالتَّزْوِيجِ فَكَانَ مُضَافا إِلَيْهَا لأمرها
بِهِ وايضا فَإِن حَدِيث ابْن جريج فَاسد لِأَن أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول
أخْبرت عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم فَصَارَ من بَينه وَبَين عبد
الرَّحْمَن مَجْهُولا وَالْأُخْرَى أَن ابْن إِدْرِيس يرويهِ عَن ابْن جريج
عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن عَائِشَة مُرْسلا لم يذكر فِيهِ عَن
أَبِيه
وَاحْتج من ذهب مَذْهَب مَالك فِي أَن الْوَلِيّ الْبعيد والقريب سَوَاء
بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خطب أم سَلمَة قَالَت لَيْسَ
أحد من أوليائي شَاهدا فَقَالَ
(2/249)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ
من أوليائك أحد شَاهد وَلَا غَائِب يكره ذَلِك فَقَالَت يَا عمر زوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَوجهَا
وَإِنَّمَا زَوجهَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كَانَ بَينه
وَبَينهَا نسب لِأَنَّهُ كَانَت من قُرَيْش وَإِن كَانَ بَعيدا
وكما روى بكير بن عبد الله الْأَشَج عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن
الْخطاب لَا تنْكح الْمَرْأَة إِلَّا بِإِذن وَليهَا أَو ذَوي الرَّأْي من
أَهلهَا أَو السُّلْطَان
فَيُقَال إِنَّهَا قَالَت لَيْسَ أحد من أوليائي شَاهدا وَلَو كَانَ
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَايَة فِي تَزْوِيجهَا لقَالَ لَهَا من
أوليائك وَلم يكن يَقُول لَيْسَ أحد من أوليائك شَاهد وَلَا غَائِب يكره
ذَلِك
714 - فِي عقد الْمَرْأَة على نَفسهَا
لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا فِي جَوَاز عقد الْمَرْأَة النِّكَاح على
نَفسهَا إِذا أذن لَهَا وَليهَا فِي ذَلِك فَإِن لم يَأْذَن لَهَا
الْوَلِيّ فِيهِ كَانَ الْخلاف فِيهِ على مَا تقدم وَقَالَ الْحسن بن حَيّ
إِذا جعلهَا الْوَلِيّ وَكيلا لنَفسهَا أَو لغَيْرهَا كَانَ جَائِزا
(2/250)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تلِي
الْمَرْأَة عقد النِّكَاح بِحَال
715 - فِي النِّكَاح بِغَيْر شُهُود وَنِكَاح السِّرّ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا نِكَاح إِلَّا بِشُهُود وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يجوز النِّكَاح بِغَيْر شُهُود
وَقَالَ مَالك لَو زوج بنته وَأمرهمْ أَن يكتموا ذَلِك لم يجز النِّكَاح
وَإِن تزوج بِغَيْر بَيِّنَة على خير وَجه استسرار جَازَ ويشهدان فِيمَا
يستقبلان لِأَن هَذِه رِوَايَة ابْن الْقَاسِم
وَذكر ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يُزَوّج الْمَرْأَة بِشَهَادَة
رجلَيْنِ واستكتمها ذَلِك قَالَ يفرق بَينهمَا بتطليقة وَلَا يجوز
النِّكَاح وَلها صَدَاقهَا إِن كَانَ أَصَابَهَا وَلَا يُعَاقب
الشَّاهِدَانِ إِن كَانَا جهلا ذَلِك وَإِن كَانَ أَتَيَا ذَلِك
بِمَعْرِِفَة إِن ذَلِك لَا يصلح عوقبا فِي ذَلِك
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا تزَوجهَا بِشَاهِدين وَقَالَ
لهمااكتما ذَلِك جَازَ النِّكَاح
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتّفق الْجَمِيع أَنه لَا بُد من إِظْهَار عقد
النِّكَاح للتفريق بَين الْمَعْقُود عَلَيْهَا بِنِكَاح وَبِغير
الْمَعْقُود عَلَيْهَا طَائِفَة شرطت إِظْهَاره للشُّهُود وَطَائِفَة
إِخْرَاجه عَن أَن يكون سرا غير مَكْتُوم وَإِن لم يحضرهُ أحد ثمَّ يشْهد
بعد ذَلِك فَلَمَّا كَانَ الْإِشْهَاد لَا بُد مِنْهُ وَجب أَن يكون فِي
حَال العقد لما وَقع
(2/251)
بِشُهُود خرج من أَن يكون سرا فَجَاز وَمَا
كَانَ بِخِلَافِهِ فَهُوَ سر وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس قَالَ البغايا
اللائي ينكحن أَنْفسهنَّ بِلَا بنية وَلَيْسَ عَن أحد من الصَّحَابَة
خِلَافه
716 - فِي مِقْدَار الصَدَاق
قَالَ أَصْحَابنَا لَا مهر أقل من عشرَة دَرَاهِم
وَقَالَ مَالك ربع دِينَار
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَاللَّيْث وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ يجوز
بِقَلِيل المَال وَكَثِيره وَلَو دِرْهَم وَاحِد
717 - فِي الْأَكفاء فِي النِّكَاح
اعْتبر أَصْحَابنَا الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أَبى وَالِد الْبِنْت أَن
يُزَوّجهَا رجلا لَيْسَ بكفء فِي الْحسب والشرف إِلَّا أَنه كُفْء فِي
الدّين فَإِن السُّلْطَان يُزَوّجهَا وَلَا ينظر إِلَى قَول الْأَب
وَالْوَلِيّ إِذا رضيت بِهِ وَكَانَ كُفْء فِي دينه
(2/252)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ نِكَاح غير
الْكُفْء بِمحرم فأرده بِكُل حَال إِنَّمَا هُوَ تَقْصِير عَن الْمُزَوجَة
والولاة
قَالَ وَإِن اسْتَوَت الْوُلَاة فَزَوجهَا بِإِذْنِهَا كفوا جَازَ وَإِن
كَانَ غير كُفْء لم يثبت إِلَّا باجتماعهم قبل نِكَاحه فَيكون حَقًا لَهُم
تَرَكُوهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي
سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا
بني بياضة انكحوا أَبَا هِنْد وَانْكِحُوا إِلَيْهِ
وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على سُقُوط اعْتِبَار الْكَفَاءَة لِأَن
الْأَوْلِيَاء إِذا رَضوا جَازَ
وروى شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أَوْس بن ضمعج عَن سلمَان أَنه قَالَ
لَا يؤمكم فِي الصَّلَاة وَلَا يتَزَوَّج نساءكم يَعْنِي الْعَرَب
718 - ب إِذا زوج الْمَرْأَة وليان
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا زوج
الْمَرْأَة وليان كل وَاحِد مِنْهُمَا رجلا بأمرها فَالْأول أَحَق فَإِن
دخل بهَا الآخر وَلم يعلم أَيهمَا أول فرق بَينهَا وَبَينه وَقَالَ مَالك
وَاللَّيْث إِذا دخل بهَا الآخر فالآخر أَحَق
718 - فِي غيبَة الْوَلِيّ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غَابَ أقرب الْأَوْلِيَاء غيبَة مُنْقَطِعَة
فَلِمَنْ دونه أَن يُزَوّج
(2/253)
الصَّغِير قَالَ ذكر بكر الْعمي عَن ابْن
سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف الْغَيْبَة المنقطعة كَمَا بَين بَغْدَاد إِلَى
الرّيّ
وَقَالَ زفر لَيْسَ لمن دونه أَن يُزَوّجهَا وَإِن كَانَ الْأَقْرَب
غَائِبا غيبَة مُنْقَطِعَة فَإِن زَوجهَا كَانَ النِّكَاح مَوْقُوفا على
إجَازَة الْغَائِب
وَقَالَ مَالك فِي الْبكر إِذا غَابَ أَبوهَا غيبَة مُنْقَطِعَة مثل
هَؤُلَاءِ الَّذين يخرجُون فِي الْمَغَازِي فيقيمون فِي الْبِلَاد الَّتِي
خَرجُوا إِلَيْهَا مثل الأندلس وأفريقيا وطنجة فَأرى أَن ترفع أمرهَا إِلَى
السُّلْطَان فَينْظر لَهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ للأبعد أَن يُزَوّج إِذا غَابَ الْأَقْرَب على مسيرَة
ثَلَاثَة أَيَّام وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن زوج أُخْته وَأَبوهُ غَائِب الْأَقْرَب على
مسيرَة ثَلَاث لم يُزَوّج إِلَّا بِإِذْنِهِ
719 - فِي الْمَرْأَة يكون لَهَا أَب وَابْن من أولى بتزويجها
ذكر دَاوُد بن رشد فِي الْمَرْأَة لَهَا ابْن وجد أَبُو أَب
قَالَ فِي قَول أبي يُوسُف الابْن أولى وَفِي قَول مُحَمَّد الْأَب وَالْجد
أولى لِأَنَّهُمَا لَا يسقطان وهما من فَوْقهمَا وَلَيْسَ الابْن من
فَوْقهمَا وَالِابْن أولى من الْأَخ للْأَب وَالأُم
وَقَالَ مَالك الابْن فِي النِّكَاح أولى من الْأَب
وَقَالَ اللَّيْث الابْن أولى بإنكاح أمه من أَبِيهَا من جده وَالْجد من
الْأَب
(2/254)
وَقَالَ اللَّيْث الابْن أولى بإنكاح أمه
من أَبِيهَا من جده وَالْجد أولى بإنكاح بنته
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُزَوّج الْمَرْأَة ابْنهَا إِلَّا أَن يكون عصبَة
720 - فِي أمة الْمَرْأَة ومولاتها
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ للْمَرْأَة أَن تزوج أمتها
وَقَالَ مَالك تَأمر رجلا بتزويجها
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَسُئِلَ أيزوج الرجل أمة امْرَأَته أم عصبتها
فَقَالَ الزَّوْج أَحَق بتزويجها إِذا زَوجهَا بِإِذن امْرَأَته
وَقَالَ الشَّافِعِي يُزَوّج أمة الْمَرْأَة وَليهَا بِإِذْنِهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَزْوِيج الْمَمْلُوكَة بِحَق الْملك لَا بِحَق
الْولَايَة فَهُوَ كَالْبيع الَّذِي يسْتَحق فِيهِ العقد بِحَق الْملك لَا
بِحَق الْولَايَة
721 - فِي تَزْوِيج الْبكر الْبَالِغ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري والأوازعي وَالْحسن بن حَيّ لَا يُزَوّجهَا
الْأَب وَلَا غَيره إِلَّا بِإِذْنِهَا
وَقَالَ أَصْحَابنَا سكُوتهَا رِضَاهَا
وَقَالَ مَالك للْأَب تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي يُزَوّجهَا الْجد أَيْضا
(2/255)
722 - فِي الْبكر هَل يكون سكُوتهَا رضَا
فِي غير أَبِيهَا
قَالَ أَصْحَابنَا أَي ولي زَوجهَا فَسَكَتَتْ جَازَ عَلَيْهَا
وَقَالَ مَالك لَا يجوز على الْبكر أَمر ولي غير أَبِيهَا من قريب أَو بعيد
إِلَّا بِرِضَاهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُزَوّجهَا غير الْأَب وَالْجد إِلَّا بأذنها
723 - فِي تَزْوِيج الثّيّب الصَّغِير
قَالَ أَصْحَابنَا لوَلِيّ الثّيّب الصَّغِير أَن يُزَوّجهَا كَمَا
يُزَوّجهَا لَو كَانَت بكرا
وَقَالَ مَالك يلْزم الثّيّب الصَّغِيرَة نِكَاح أَبِيهَا إِذا زَوجهَا
وَهِي صَغِيرَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ للْأَب تَزْوِيج الثّيّب الصَّغِيرَة وَالله
أعلم
724 - فِي الْبكر إِذا بلغَهَا تَزْوِيج أَبِيهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا زوج الْبكر وَليهَا فبلغها فَسَكَتَتْ فَهُوَ رضَا
وَمَالك الشَّافِعِي يجيزان عقد الْأَب عَلَيْهَا بِغَيْر أمرهَا إِلَّا
أَن مَالِكًا قَالَ لَا يكون الرِّضَا مِنْهَا بِالسُّكُوتِ إِذا زَوجهَا
غير الْأَب بِغَيْر امرها لم يَصح وَلم يلْحقهُ إجَازَة لِأَنَّهُ مَوْقُوف
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر إِذا قَالَت الْبكر لم أرْضى حِين بَلغنِي
وَقَالَ الزَّوْج
(2/256)
سكت فَالْقَوْل قَول الْبكر وَهُوَ قَول
ابْن شبْرمَة وَقَالَ زفر القَوْل قَول الزَّوْج
725 - فِي الْبكر الَّتِي يكون سكُوتهَا رضَا
قَالَ أَصْحَابنَا جَمِيعًا إِذا وطِئت وطأ وَجب بِهِ الْمهْر وَالْعدة فقد
صَارَت ثَيِّبًا وَإِن وطِئت بتزوج فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْبكر عِنْد أبي
حنيفَة وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ هِيَ ثيب
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَاللَّيْث إِن نقلت الْبكر إِلَى زَوجهَا فطال
مقَامهَا عِنْده وَلم يَطَأهَا ثمَّ طَلقهَا فَإِنَّهَا تزوج كَمَا تزوج
الْأَبْكَار
وَقَالَ مَالك إِذا طَالَتْ إِقَامَتهَا عِنْد الزَّوْج وَشهد مشَاهد
النِّسَاء فَإِنَّهَا لَا يُزَوّجهَا أَبوهَا إِلَّا بِرِضَاهَا وَإِن لم
يصبهَا زَوجهَا وَأما إِن كَانَ الشَّيْء الْقَرِيب فَإِنِّي أرى لَهُ أَن
يُزَوّجهَا
قَالَ وَأرى السّنة طول إِقَامَة لَا يُزَوّجهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا
726 - فِي تَزْوِيج الصغار
قَالَ أَصْحَابنَا لأولياء الصغار الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَلَا خِيَار
لَهُم فِي تَزْوِيج الْأَب وَالْجد وَلَهُم الْخِيَار فِي تَزْوِيج من
سواهُم فِي قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا خِيَار لَهُم
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن ابْن شبْرمَة أَن تَزْوِيج
الْآبَاء على الصغار لَا يجوز
(2/257)
وَذكر ابْن وهب عَن مَالك فِي تَزْوِيج
الرجل يتيمته إِذا رأى لَهُ الْفضل وَالصَّلَاح وَالنَّظَر أَن ذَلِك
جَائِز عَلَيْهِ
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الرجل يُزَوّج أُخْته وَهِي صَغِيرَة
أَنه لَا يجوز وَإِن بلغت فرضيت حَتَّى يستأنفوا نِكَاحا وَلَو زوج
الْوَصِيّ فَإِن كره الْأَوْلِيَاء وَالْوَصِيّ أولى من الْوَلِيّ غير أَنه
لَا يُزَوّج الثّيّب إِلَّا بِرِضَاهَا وَلَا يَنْبَغِي أَن يقطع عَنْهَا
الْخِيَار الَّذِي جعل لَهَا فِي نَفسهَا
ويزوج الْوَصِيّ بنيه الصغار وَبنَاته الصغار وَلَا يُزَوّج الْبَنَات
الْكِبَار إِلَّا برضاهن
وَقَول اللَّيْث فِي ذَلِك كَقَوْل مَالك وَهُوَ قَول ربيعَة وَيحيى بن
سعيد فِي أَن الْوَصِيّ أولى من الْوَلِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يجوز للعم تَزْوِيج الصَّغِيرَة وَلَا الْأَخ قَالَ
الثَّوْريّ وَالْأَمْوَال إِلَى الأوصياء وَالنِّكَاح إِلَى الْأَوْلِيَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يُزَوّج الصَّغِيرَة إِلَّا الْأَب
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يُزَوّج الْوَصِيّ إِلَّا أَن يكون وليا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز يزويج الصغار من الرِّجَال وَالنِّسَاء
إِلَّا للْأَب أَو الْجد إِذا لم يكن أَب وَلَا ولَايَة للْوَصِيّ على
الصَّغِيرَة
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِذا أشهد على الْوَصِيَّة رجلا
وَامْرَأَتَيْنِ لم يُزَوّج الْوَصِيّ بعض بَنَات الْمَيِّت إِلَّا بإحضار
ولي الْمَيِّت أَو يرفع إِلَى السُّلْطَان فيأمره بِالتَّزْوِيجِ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد روى عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَابْن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ جَوَاز تَجْوِيز غير الْأَب وَالْجد من
الْأَوْلِيَاء للصغار
(2/258)
وروى نَحوه عَن ابْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل
قَوْله تَعَالَى {وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى} النِّسَاء 3
وَعَن عَائِشَة نَحوه
727 - فِي تَزْوِيج ابْنَته على أقل من مهر الْمثل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَزفر وَاللَّيْث إِذا زوج ابْنَته الصَّغِيرَة
بِأَقَلّ من مهر مثلهَا جَازَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر إِذا زوج ابْنه الصَّغِير امْرَأَة
بِأَكْثَرَ من مهر مثلهَا
قَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا زوج ابْنه الصَّغِير وَلَا مَال لأبنه فَإِن
الصَدَاق على أَبِيه إِذا كَانَ الْغُلَام يَوْم زوجه لَا مَال لَهُ فَإِن
كَانَ لَهُ مَال فالصداق على مَال الْغُلَام إِلَّا أَن يُسمى الْأَب
الصَدَاق عَلَيْهِ
728 - فِيمَن جن بعد الْبلُوغ هَل يُزَوّج
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز تَزْوِيجه كالصغير إِذا جن جنونا مطبقا وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يُزَوجهُ أَبوهُ
وَقَالَ زفر وَمَالك لَا يُزَوّج إِذا كَانَ الْوَلِيّ أَو غَيره
729 - فِي ولي المراة يُزَوّجهَا من نَفسه بأمرها
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر يجوز لوَلِيّ الْمَرْأَة أَن يُزَوّجهَا من
نَفسه بأمرها وَهُوَ
(2/259)
قَول مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَا يجوز أَن يهب من لَهُ
ولَايَة عَلَيْهِ وَيكون هُوَ الْعَاقِد والقابض فَكَذَلِك النِّكَاح
730 - فِي اخْتِلَاف الدينَيْنِ هَل يمْنَع الْولَايَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ أَحدهمَا مُسلما وَالْآخر كَافِرًا لم يكن
أَحدهمَا وليا للْآخر فِي النِّكَاح وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن وهب فِي النَّصْرَانِيَّة لَهَا أَب مُسلم إِن أَبَاهَا
يُزَوّجهَا وَلَيْسَ إِلَى غَيره مَنعه
731 - فِي الَّتِي لم يسم لَهَا إِذا مَاتَ عَنْهَا قبل الدُّخُول
قَالَ أَصْحَابنَا لَهَا مهر مثلهَا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن
حَيّ وَقَول الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا مهر لَهَا
وَلَا مُتْعَة وَلها مِيرَاث
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ أنكحناك فُلَانَة بِلَا صدَاق فَإِن دخل بهَا
ثَبت النِّكَاح وَكَانَ لَهَا صدَاق مثلهَا وَإِن لم يدْخل بهَا فرق
بَينهمَا وَقَالَ ابْن الْقَاسِم بَلغنِي ذَلِك عَن مَالك
وَقَالَ مَالك فِي عقد النِّكَاح إِذا لم يفْرض فِيهِ صدَاق مثلهَا إِذا
بنى بهَا
(2/260)
فرض لَهَا فَأَما قبل الْبناء فَإِنَّهُ لم
يجب لَهَا
قَالَ مَالك والتعريض مَا قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه {إِن طلّقْتُم
النِّسَاء} الْآيَة (الْبَقَرَة 236) فَهَذَا النِّكَاح بِغَيْر صدَاق
وَهَذَا التَّعْرِيض
وروى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر أَنه لَا صدَاق
لَهَا
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود لَهَا صدَاق مثلهَا وَذكر قصَّة بروع
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَشَرطه لنفي الصَدَاق لَا يبطل العقد إِذا كَانَ
العقد غير مفتقر بل العقد غير قَائِم بِنَفسِهِ غير مضمن بِهِ
وَقد اتَّفقُوا أَنه إِذا دخل لم يفرق بَينهمَا فَقبل الدُّخُول مثله
(2/261)
732 - فِي نسَاء الْمَرْأَة الْمُعْتَبر
بهَا مهر مثلهَا
قَالَ أصحانبا يعْتَبر من نسائها من كَانَ من عشيرتها وقومها وَأهل
بَلَدهَا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى نساؤها أمهاتها وخالاتها
وَقَالَ مَالك إِنَّمَا ينظر فِي هَذَا إِلَى نسائها فِي قدرهَا وحالها
وموضعها وَغِنَاهَا ولاينظر إِلَى نسَاء قَومهَا
وَقَالَ مَالك وَقد ينظر فِي هَذَا إِلَى الرِّجَال أَيْضا أَلَيْسَ الرجل
يُزَوّج لِقَرَابَتِهِ ويعتقد قلَّة ذَات يَده وَآخر أَجْنَبِي مُوسر يعلم
أَنما رغب فِي مَاله فَلَا يكون صَدَاقهَا عِنْد هذَيْن سَوَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي يعْتَبر نسَاء عصبتها وَلَيْسَت أمهَا من نسائها
وَيعْتَبر نسَاء بَلَدهَا وَمن هُوَ فِي سنّهَا وعقلها وحمقها وجمالها
وقبحها
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي قصَّة بروع لَهَا صدَاق نسائها لَا وكس وَلَا شطط
فِيمَا قَالَ عبد الله وَأَخْبرُوهُ عَن قَضَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِمثلِهِ ونساؤها هن نسَاء قَومهَا وَمَالك يعْتَبر فِي
الْمُسْتَحَاضَة الَّتِي جهلت أَيَّامهَا أَيَّام نسائها فالصداق أولى بذلك
733 - فِي التَّقْصِير فِي الْمهْر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا زوجت نَفسهَا كُفؤًا وَقصرت فِي الْمهْر فللأولياء
أَن يبلغُوا بهَا مهر مثلهَا أَو يفرق بَينهمَا
(2/262)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا سَبِيل
لَهُم إِلَى ذَلِك
وَقَالَ مَالك إِذا تزَوجهَا بِغَيْر صدَاق ثمَّ سمى لَهَا أقل من صدَاق
مثلهَا ورضيت بِهِ وَقَالَ الْوَلِيّ لَا أرْضى وَالْمَرْأَة بكر فَإِن
الرِّضَا إِلَى الْوَلِيّ وَلَيْسَ إِلَيْهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ مَا ترضيا عَلَيْهِ جَازَ بعد العقد
إِذا لم تكن التَّسْمِيَة فِي العقد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا لم يسم فِي العقد ثمَّ فرض لَهَا دون مهر
مثلهَا فَلم يرض أَبوهَا فلهَا صَدَقَة نسائها وَإِن رَضِي الْأَب وكرهت
الْبِنْت فلهَا صَدَقَة نسائها بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا إِلَّا أَن تكون
صَغِيرَة لم تبلغ فَقَوْل أَبِيهَا جَائِز عَلَيْهَا
734 - فِي الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح من هُوَ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ
وَالشَّافِعِيّ الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح هُوَ الزَّوْج بِأَن يتم
لَهَا كَمَال الْمهْر بعد الطَّلَاق قبل الدُّخُول وَقَوله {إِلَّا أَن
يعفون} الْبَقَرَة 237 للبكر وَالثَّيِّب
وَقَالَ مَالك إِذا طَلقهَا قبل الدُّخُول وَهِي بكر جَازَ عَفْو أَبِيهَا
عَن نصف الصَدَاق وَقَوله {إِلَّا أَن يعفون} اللَّاتِي قد دخل بِهن قَالَ
وَلَا يجوز لأحد أَن يعْفُو عَن شَيْء من الصَدَاق إِلَّا الْأَب وَحده لَا
وَصِيّ وَلَا غَيره
وَقَالَ اللَّيْث لأبي بكر أَن يضع من صَدَاقهَا عِنْد عقدَة النِّكَاح
وَإِن كرهت وَيجوز عَلَيْهَا وَبعد عقد النِّكَاح لَيْسَ لَهُ أَن يضع
شَيْئا من صَدَاقهَا وَلَا يجوز عَفوه أَيْضا عَن شَيْء من صَدَاقهَا بعد
الطَّلَاق قبل الدُّخُول وَيجوز لَهُ
(2/263)
مبارأة زَوجهَا وَهِي كارهة إِذا كَانَ
ذَلِك نظرا من أَبِيهَا لَهَا وكما لم يجز للْأَب أَن يضع لزَوجهَا شَيْئا
من صَدَاقهَا بعد النِّكَاح كَذَلِك لَا يعْفُو عَن نصف صَدَاقهَا بعد
ذَلِك
وَذكر ابْن وهب عَن مَالك أَن مبارأته عَلَيْهَا جَائِز
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ وَجبير بن مطعم فِي بِيَدِهِ عقدَة
النِّكَاح أَنه الزَّوْج
وَعَن ابْن عَبَّاس هُوَ أَبوهَا
وَقَالَ مَالك إِن قَوْله تَعَالَى {إِلَّا أَن يعفون} على الْبكر تَعْتَد
لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ}
فالآية فِي الْمُطلقَة غير الْمَدْخُول بهَا
735 - فِيمَن لم يسم مهْرا فِي العقد وسمى بعد ذَلِك
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على غيرمهر مُسَمّى ثمَّ فرض لَهَا
بِرِضَاهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فَإِن لَهَا مُتْعَة
وَقد كَانَ أَبُو يُوسُف يَقُول لَهَا نصف الصَدَاق ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا
ذكرنَا
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَهَا نصف الْفَرْض
قَالَ الْحسن عَن زفر إِذا تزَوجهَا بِغَيْر مهر ثمَّ وهبت لَهُ جَمِيع مَا
يجب لَهَا عَلَيْهِ من صدَاق وَغير ذَلِك فَقبل هُوَ جَائِز وَلَا شَيْء
لَهَا عَلَيْهِ فَإِن طَلقهَا بعد ذَلِك قبل الدُّخُول فَلَا شَيْء لَهَا
عَلَيْهِ أَيْضا
(2/264)
فَجعل زفر الْمُتْعَة بعض مهر الْمثل
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْهِبَة جَائِزَة مَا لم يطلقهَا وَإِن طَلقهَا قبل
الدُّخُول فلهَا الْمُتْعَة
وَأَبُو يُوسُف يَجْعَل مهرهن بِمهْر الْمثل فِي الْمُتْعَة وَمُحَمّد
يَجْعَلهَا رهنا بِالْمُتْعَةِ
736 - فِي تَزْوِيج الْمَرْأَة على حكمه أَو حكمهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْأَوْزَاعِيّ إِن تَرَاضيا بِشَيْء جَازَ وَإِن
اخْتلفَا فمهر الْمثل دخل بهَا أَو لم يدْخل
وَقَالَ مَالك النِّكَاح ثَابت فَإِن تَرَاضيا بالحكم جَازَ النِّكَاح
وَإِلَّا فرق بَينهمَا وَلم يكن لَهَا عَلَيْهِ شَيْء يكون بِمَنْزِلَة
التَّفْوِيض إِذا لم يفْرض لَهَا صدَاق مثلهَا وأبت أَن تقبله وَفرق
بَينهمَا وَلم يكن لَهَا عَلَيْهِ شَيْء
وَقَالَ مَالك وَإِن دخل بهَا فلهَا صدَاق مثلهَا
737 - فِي وجوب الْمُتْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا الْمُتْعَة وَاجِبَة للَّتِي طَلقهَا قبل الدُّخُول وَلم
يسم لَهَا فَإِن دخل بهَا فَإِنَّهُ يمتعها وَلَا يجْبر عَلَيْهَا وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
(2/265)
وَالْأَوْزَاعِيّ إِلَّا أَن
الْأَوْزَاعِيّ زعم أَن أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا كَانَ مَمْلُوكا لم تجب
الْمُتْعَة وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول وَلم يسم لَهَا مهْرا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو الزِّنَاد الْمُتْعَة لَيْسَ بواجبة إِن
شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل لَا يجْبر عَلَيْهَا وَإِن لم يفرقا بَين
الْمَدْخُول بهَا أَو غير الْمَدْخُول بهَا وَبَين من سمى لَهَا أَو لم يسم
لَا
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا يجْبر أحد على الْمُتْعَة سمى لَهَا أَو لم
يسم دخل بهَا أَو لم يدْخل وَإِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَنْبَغِي أَن يَفْعَله
وَلَا يجْبر عَلَيْهَا
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للملاعنة مُتْعَة على حَال من الْأَحْوَال
وَقَالَ الشَّافِعِي الْمُتْعَة وَاجِبَة لكل مُطلقَة وَلكُل زَوْجَة إِذا
كَانَ الْفِرَاق من قبله أَو يتم بِهِ إِلَّا الَّتِي سمى لَهَا وَطَلقهَا
قبل الدُّخُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ لكل مُطلقَة مُتْعَة
عَن ابْن عمر لكل مُطلقَة مُتْعَة إِلَّا الَّتِي تطلق وَقد فرض لَهَا
صَدَاقا وَلم يدْخل بهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر مهر الْمثل مُسْتَحقّ بِالْعقدِ والمتعة بعض مهر
الْمثل فَيجب كمايجب الْمُسَمّى فَإِذا اسْتحقَّت مهر الْمثل أَو
الْمُسَمّى بِالدُّخُولِ لم تجب الْمُتْعَة لِأَنَّهَا لَا تكون بدل
الْبضْع فَهِيَ ندب
738 - فِي الزِّيَادَة فِي الْمهْر
قَالَ أَصْحَابنَا الزِّيَادَة فِي الصَدَاق بعد النِّكَاح جَائِزَة وَهِي
ثَابِتَة إِن دخل بهَا أَو مَاتَ عَنْهَا وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول بطلت
الزِّيَادَة وَكَانَ لَهَا نصف الْمُسَمّى فِي العقد
(2/266)
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ الزِّيَادَة
بِمَنْزِلَة هبة مُسْتَقْبلَة إِن أقبضها جَازَت فِي قَوْلهمَا وَإِن لم
يقبضهَا بطلت
وَقَالَ مَالك الزِّيَادَة تصح فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول رَجَعَ نصف مَا
زَادهَا إِلَيْهِ وَهِي بِمَنْزِلَة مَا وهبه لَهَا يقوم بِهِ عَلَيْهِ
وَإِن مَاتَ عَنْهَا قبل أَن تقبض فَلَا شَيْء لَهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا
عَطِيَّة لم تقبض
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا أقبضها الزِّيَادَة ملكهَا
وَهُوَ فَإِنَّمَا ملكهَا على أَنَّهَا زِيَادَة على أَنَّهَا هبة فَلَو لم
تصح زِيَادَة لم تصح هبة
739 - فِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة فِي النِّكَاح
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط فِي النِّكَاح شرطا فَاسِدا أَو تزَوجهَا على
مهر مَجْهُول كثير الْجَهَالَة فَالنِّكَاح جَائِز وَالشّرط بَاطِل وَلها
مهر مثلهَا فِي الْمهْر الْمَجْهُول
وَقَالَ مَالك إِذا تزَوجهَا على مهر إِلَى موت أَو فِرَاق فَأرَاهُ غير
جَائِز وَيفْسخ النِّكَاح وَإِن دخل ثَبت النِّكَاح وَلها مهر مثلهَا وَإِن
تزَوجهَا على صدَاق مَجْهُول على ثَمَرَة نَخْلَة قبل أَن تبدو صَلَاحهَا
أَو على مَا فِي بطن أمته أَو على بعير شارد أَو عبد آبق فَإِن لم يدْخل
بهَا فرق بَينهمَا وَإِن دخل بهَا ثَبت نِكَاحهَا وَلم يفْسخ وَلها مهر
مثلهَا وَكَانَ مَا سمى لَهَا من الْغرَر لزَوجهَا إِلَّا أَن تقبض
الْجَنِين بَعْدَمَا ولد أَو العَبْد الْآبِق بعد مَا رَجَعَ أَو الْبَعِير
بعد مَا أَخذ
وَقَالَ مَالك كل نِكَاح لَا يفْسد بعد الدُّخُول فَفِيهِ الطَّلَاق
وَالْمِيرَاث قبل
(2/267)
الدُّخُول وكل نِكَاح يفْسد بعد الدُّخُول
فَإِنَّهُ لَا طَلَاق فِيهِ وَلَا مِيرَاث قبل الدُّخُول
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْحر يُزَوّج الْمَمْلُوكَة على أَن وَلَده مِنْهَا
حر فَالنِّكَاح جَائِز وَيكون وَلَده من الْأمة حرا على مَا شَرط وَلها مهر
مثلهَا بِغَيْر شَرط
قَالَ وَلَو تزَوجهَا وصداقها جَارِيَة لَهُ قد كَانَ زَوجهَا رجلا وَشرط
لزَوجهَا أَن وَلَده مِنْهَا حر فَعلمت الْمَرْأَة بذلك فَالنِّكَاح جَائِز
وللمرأة قيمَة تِلْكَ الْجَارِيَة على زَوجهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا عقد النِّكَاح على ألف على أَن لأَبِيهَا ألفا
أَو على أَن لَا يخرج بهَا أَو على أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا فلهَا مهر
مثلهَا فِي ذَلِك كُله وَالنِّكَاح صَحِيح
740 - فِي الْوَاجِب بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاح الْفَاسِد
قَالَ أَصْحَابنَا فِي النِّكَاح الْفَاسِد إِذا دخل بهَا فلهَا الْأَقَل
من الْمُسَمّى وَمن مهر الْمثل
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَهَا مهر مثلهَا بَالغا مَا بلغ
وَقَالَ مَالك كل نِكَاح فَاسد لَا يقر عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ فِي الْعدة
بِأَن تزوج أُخْته من الرضَاعَة وَأَنه إِذا دخل بهَا فلهَا المر
الْمُسَمّى وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وروى مثله عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
(2/268)
741 - فِي النِّكَاح على أحد شرطين
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تزَوجهَا على أَنه إِن قَامَ بهَا بِالْكُوفَةِ
فمهرها ألف وَإِن أخرجهَا فمهرها أَلفَانِ فَالنِّكَاح جَائِز وَالشّرط
الأول جَائِز إِن وفى بِهِ وَإِن لم يوف بِهِ فلهَا مهر مثلهَا لَا ينقص من
ألف وَلَا يُزَاد على أَلفَيْنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مُحَمَّد الشرطان جَمِيعًا جائزان
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَت صَدَاقي مِائَتَا دِينَار على أَن لَا تخرج بِي
من أَهلِي فَإِن خرجت بِي فصداقي أَرْبَعمِائَة دِينَار
قَالَ فَخرج بهَا فمهرها مِائَتَا دِينَار وَشَرطهَا بَاطِل وَكَذَلِكَ فِي
أَن يتسرى عَلَيْهَا
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قَالَ لامْرَأَة أَتزوّج بك فَإِن أَعطيتك فِي
رَمَضَان ألف دِرْهَم فَأَنت امْرَأَتي وَإِلَّا لَيْسَ بيني وَبَيْنك
نِكَاح قَالَ هم على شرطهم إِن أَعْطَاهَا فِي رَمَضَان ألف دِرْهَم فَهِيَ
امْرَأَته
وَعند الشَّافِعِي أَن حكم المهور فِي الشُّرُوط كأحكام أَيْمَان
الْبياعَات فِي الشُّرُوط
فَيجب على أَصله أَن يكون لَهَا مهر الْمثل
742 - إِذا شَرط لأَبِيهَا مَالا
قَالَ هِشَام عَن مُحَمَّد إِذا زوج ابْنَته على عشرَة الاف على ان يَجْعَل
للْأَب ألف دِرْهَم وَقبض الْأَب الْألف فاستهلكها أَنه إِن كَانَ جعلهَا
لَهُ الزَّوْج
(2/269)
على حَال يرى أَن ذَلِك لَازم لَهُ فَلهُ
أَن يرجع بهَا على الْأَب وَإِن كَانَ جعلهَا هبة لم يكن لَهُ أَن يرجع
فِيهَا إِلَّا كَمَا يرجع فِي الهبه وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ مَالك فِي ذَلِك مَا كَانَ من شَرط يَقع بِهِ النِّكَاح فَهُوَ
لأبنته إِن اتبعته وَإِن فَارقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فلزوجها شطر الْحَد
الَّذِي وَقع بِهِ النِّكَاح رِوَايَة ابْن وهب وَذكر ابْن الْقَاسِم عَنهُ
مثل ذَلِك
وَقَالَ إِن أعطَاهُ بَعْدَمَا زوجه فَإِنَّمَا هَذِه تكرمة أكْرمه بهَا
فَلَا شَيْء للْأَب فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا عقد النِّكَاح بِأَلف على أَن
لأَبِيهَا ألفا سوى الْألف فَسَوَاء قبض الْألف الْأَب أَو لم يقبضن فلهَا
مهر مثلهَا
743 - إِذا شَرط أَن يُطلق زَوجته أَو على أَن لَا يُخرجهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وابو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا تزَوجهَا على ألف على أَن
يُطلق زَوجته أَو على أَلا يُخرجهَا من منزلهَا فَالنِّكَاح جَائِز فَإِن
وفى بِمَا قَالَ فَلَا شَيْء غير الْألف وَإِن لم يوف أكمل لَهَا مهر
الْمثل
وَقَالَ زفر لَهَا مَا سمى وفى أَو لم يوف وَهُوَ قَول ربيعَة وَمَالك
وَالثَّوْري
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهَا مهر الْمثل وَفِي أَو لم يوف
744 - فِي التَّزْوِيج على الْخدمَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة على
خدمته سنة
(2/270)
فَإِن كَانَ حرا فها مهر مثلهَا وَإِن
كَانَ عبدا فلهَا خدمته سنة
وَقَالَ مُحَمَّد لَهَا قيمَة خدمته إِن كَانَ حرا
وَقَالَ مَالك إِذا تزَوجهَا على أَن يهاجرها سنة أَو أَكثر أَو أقل وَيكون
ذَلِك صَدَاقا فَإِنَّهُ يفْسخ النِّكَاح إِن لم يكن دخل بهَا فَإِن كَانَ
دخل بهَا ثَبت النِّكَاح
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا تزَوجهَا على أَن يحجها ثمَّ طَلقهَا قبل أَن
يدْخل بهَا فَهُوَ ضَامِن لنصف حَجهَا من الحملان وَالْكِسْوَة وَالنَّفقَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ النِّكَاح جَائِز على خدمته إِن
كَانَ وقتا مَعْلُوما
745 - فِيمَن تزوج امْرَأتَيْنِ بِصَدَاق وَاحِد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزوج امْرَأتَيْنِ على ألف دِرْهَم فَالنِّكَاح
جَائِز وَيقسم الْألف على قدر مهورهما وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ وَرُوِيَ
نَحوه عَن الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ إِذا نكح امْرَأتَيْنِ بِصَدَاق
وَاحِد كَانَ لكل وَاحِدَة من ذَلِك على قدر صدَاق مثلهَا وَالنِّكَاح
ثَابت
وَقد قيل لكل وَاحِدَة صدَاق مثلهَا على الزَّوْج وَالْألف هُوَ أحب إِلَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَاز بيع الْعَبْدَيْنِ فِي
صَفْقَة وَاحِدَة بِثمن وَاحِد يَنْقَسِم على الثمنين وَكَذَلِكَ لَو
اشْترى سَهْما من دَار وَعرض فِي صَفْقَة وَاحِدَة بِثمن وَاحِد أَن
الشَّفِيع يَأْخُذ السهْم بِحِصَّتِهِ من الثّمن إِلَّا شَيْئا
رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَن الشَّفِيع إِن شَاءَ أَخذ السهْم وَالْعرض
المبيعين
(2/271)
بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن شَاءَ ترك ثمَّ
أَنه رَجَعَ عَن ذَلِك إِلَى أَنه يَأْخُذ السهْم وَحده دون الْعرض
746 - إِذا جعل عتقهَا صَدَاقهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أعتق أمته على أَن
تزَوجه نَفسهَا فَقبلت ثمَّ أَبَت أَن تزَوجه فَهِيَ حرَّة وَعَلَيْهَا أَن
تسْعَى لَهُ فِي قيمتهَا
وَقَالَ زفر لاسعاية عَلَيْهَا فَإِن تزوجته جَازَ النِّكَاح وَلم تكن
عَلَيْهَا سماية وَلها الْمهْر إِن كَانَ سمى لَهَا مهْرا
فلهَا مهر مثلهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الشَّرْط جَائِز وَلَا مهر لَهَا غَيره
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أعْتقهَا وَجعل عتقهَا مهْرا لَهَا إِن كَانَ بعد
الْعتْق قد مضى الْعتْق وَإِن كَانَ قبله فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يُزَوّج
أمته وَإِن كَانَ مَعَ الْعتْق لم يجز أَيْضا لِأَن النِّكَاح وَقع على
أمته مَعَ الْعتْق
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مهرهَا السّعَايَة الَّتِي كَانَت تجب عَلَيْهَا إِذا
لم تتزوجه
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَمَالك لَا يجوز أَن يكون عتق أمته صَدَاقهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ كَقَوْل أبي يُوسُف
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعتْق لَيْسَ بِمَال لِأَن الْعتْق لَا يقبض بِهِ
مَالا وَإِنَّمَا يبطل بِهِ الرّقّ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ لَو طلق على زَوجته
أَن تزَوجه نَفسهَا مَتى شَاءَ بِغَيْر صدَاق ثمَّ وَقت لَهُ بذلك لم يكن
بِدُونِ مهر عِنْده كَذَلِك الْعتْق
(2/272)
وَقد روى أُسَامَة بن زيد عَن نَافِع عَن
ابْن عمر أَنه يكره أَن يَجْعَل عتق الْأمة صَدَاقهَا
747 - فِي الْمهْر يزِيد فِي بدنه عِنْد الْمَرْأَة ثمَّ يطلقهَا قبل
الدُّخُول
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا تزَوجهَا على عبد وَدفعه إِلَيْهَا
فَزَاد فِي بدنه ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فَلهُ عَلَيْهَا نصف قِيمَته
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
748 - فِي هَلَاك الْمهْر الْمعِين فِي يَد الزَّوْج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على عبد بِعَيْنِه فَهَلَك فِي يَد
الزَّوْج قبل الْقَبْض فَعَلَيهِ قِيمَته للْمَرْأَة
وَعَن الشَّافِعِي رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مثل ذَلِك وَالْأُخْرَى أَن
لَهَا مهر مثلهَا
قَالَ مَالك يهْلك من مَال الْمَرْأَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه إِذا اشْترى شَيْئا مكايلة أَو
موازنة أَو معاددة أَن هَلَاكه فِي يَد البَائِع قبل تَسْلِيمه وَقبل
كَيْله ووزنه وعده أَنه هَالك من مَال بَائِعه وَيكون مَضْمُونا عَلَيْهِ
حَتَّى يُسلمهُ وَإِذا وَجب ذَلِك فِي البيع وَجب فِي النِّكَاح مثله
لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة
(2/273)
749 - فِي هَلَاك الْمهْر فِي يَد
الْمَرْأَة
إِذا هلك العَبْد الْمهْر فِي يَدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فعلَيْهَا
نصف قِيمَته وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ يهْلك من مَالهمَا جَمِيعًا وَلَا تضمن
لَهُ شَيْئا
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا كَانَ الْمَقْبُوض حَيَوَانا تزَوجهَا
عَلَيْهِ لم تضمن لَهُ شَيْئا وَإِن كَانَ تزَوجهَا على دَرَاهِم أَو
مَتَاع سوى الْحَيَوَان أَو العَبْد فعلَيْهَا أَن ترد نصف مَا تزَوجهَا
عَلَيْهِ
750 - إِذا تزَوجهَا بعد الْقَبْض مَتى يَزُول ملكهَا عَنهُ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على عبد وَدفعه إِلَيْهَا ثمَّ طَلقهَا
قبل الدُّخُول ثمَّ أعتق الزَّوْج نصِيبه قبل أَن يقْضِي القَاضِي لَهُ
بِنصفِهِ لم يجز عتقه فَإِن قضى لَهُ بِهِ القَاضِي أَو ردته إِلَيْهِ
بِغَيْر قَضَاء لم يجز الْعتْق الْمُتَقَدّم وَيجوز عتقه بعد
وروى عَن زفر أَن عتقه جَائِز قبل قَضَاء القَاضِي وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ
751 - فِي الْمهْر ينقص فِي يَدهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قبضت الْمهْر فنقص فِي يَدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل
الدُّخُول فالزوج بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ نصفه نَاقِصا وَلَا شَيْء
لَهُ وَإِن شَاءَ ضمنهَا نصف الْقيمَة يَوْم الْقَبْض وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك يَأْخُذ نصفه نَاقِصا وَلَا شَيْء لَهُ
(2/274)
وَقَالَ زفر يَأْخُذ نصفه نَاقِصا وَنصف
النُّقْصَان وَلَا شَيْء لَهُ غَيره فِي ذَلِك
752 - فِي الْمَرْأَة تشتري بصداقها شَيْئا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشترت بصداقها شَيْئا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول
فَلهُ عَلَيْهَا نصف الصَدَاق وَلَا سَبِيل لَهُ على الْمَتَاع الْمُشْتَرى
وَقَالَ مَالك إِذا تزَوجهَا على ألف فاشترت بهَا مِنْهُ عبدا أَو دَارا
فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهَا بِنصْف العَبْد وَالدَّار إِذا طَلقهَا قبل
الدُّخُول وَلَو كَانَت أخذت مِنْهُ الْألف واشترت بهَا دَارا أَو عبدا من
غَيره ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهَا بِنصْف الْألف
قَالَ مَالك وَلَو كَانَت اشترت من غير الزَّوْج أَو من الزَّوْج شَيْئا
مِمَّا تصلحه فِي جهازها خَادِمًا عطرا أَو ثيابًا فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا
أصدقهَا لَهُ نصف نمائه وَعَلِيهِ نصف نقصانه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا تزَوجهَا على ألف دِرْهَم فاشترت بشطرها
مَتَاعا فَإِنَّهُ يَأْخُذ مِنْهَا شطر الْمَتَاع الَّذِي اشترت وَشطر مَا
بَقِي من النَّقْد
وَقَالَ اللَّيْث إِذا اشترت بِهِ مَتَاعا فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا
نصف هَذَا الْمَتَاع إِذا طَلقهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} الْبَقَرَة 237
فَلَا يجوز غَيره
753 - فِي هبة الصَدَاق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على ألف أَو عرض فَوَهَبته لَهُ قبل
الْقَبْض ثمَّ
(2/275)
طَلقهَا قبل الدُّخُول فَلَا شَيْء لَهُ
عَلَيْهَا وَلَا لَهَا عَلَيْهِ وَإِن قَبضته ثمَّ وهبته ضمنت نصف الْألف
وَلم يضمن من الْعرض شَيْئا
وَقَالَ الْحسن عَن زفر لَا يرجع عَلَيْهَا فِي الْألف بعد الْقَبْض أَيْضا
بِشَيْء لِأَن من أَصله أَن الْألف يسْتَحق الزَّوْج نصفهَا لَو كَانَت
قَائِمَة بِعَينهَا فِي يَده فَهِيَ كالعرض
وَقَالَ مَالك إِذا وهبت الصَدَاق ثمَّ طَلقهَا فَلَا شَيْء للزَّوْج فَإِن
وهبت لَهُ نصف صَدَاقهَا ثمَّ طَلقهَا وَقد قبضت النّصْف الآخر فَللزَّوْج
أَن يرجع عَلَيْهَا بِنصْف ذَلِك النّصْف من الْمَقْبُوض
وَإِن كَانَت لم تقبض ذَلِك من الزَّوْج رجعت على الزَّوْج بِنصْف ذَلِك
النّصْف وَلَا فرق عِنْده بَين أَن تقبض جَمِيع الْمهْر ثمَّ تهبه وَبَين
أَن لَا تقبض حَتَّى تهبه وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ
جَمِيعًا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا وهبت لَهُ جَمِيع صَدَاقهَا لم يرجع عَلَيْهَا بعد
الطَّلَاق بِشَيْء وَإِن وهبت لَهُ الْبَعْض رَجَعَ عَلَيْهَا بِنصْف
مِمَّا بَقِي من صَدَاقهَا
قَالَ الشَّافِعِي إِذا وهبت لَهُ صَدَاقهَا فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا
يرجع عَلَيْهَا بِنصفِهِ وَالْآخر لَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء ملكه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قبضت النّصْف ووهبت النّصْف الْبَاقِي ثمَّ
طَلقهَا قبل الدُّخُول فَلَا شَيْء لَهَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عَلَيْهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يرجع عَلَيْهَا بِنصْف الْمَقْبُوض
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْإِبْرَاء وَالْهِبَة ليسَا بِمَنْزِلَة الْقَبْض
أَلا ترى أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الدّين إِذا أَبْرَأ الْغَرِيم لم
يعزم لشَرِيكه شَيْئا وَلَو قبض نصِيبه ضمن نصفه لشَرِيكه فَوَجَبَ أَن لَا
تكون الْهِبَة فِي مَسْأَلَتنَا كَالْقَبْضِ
(2/276)
754 - فِي التَّزْوِيج على أقل من مِقْدَار
الصَدَاق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على دِرْهَمَيْنِ فلهَا تَمام عشرَة
دَرَاهِم
وَقَالَ زفر لَهَا مهر مثلهَا
وَقَالَ مَالك يبلغ بِهِ ربع دِينَار إِن رَضِي الزَّوْج وَإِن أَبى فسخ
النكاخ إِذا لم يدْخل بهَا وَإِن دخل بهَا كمل لَهَا ربع دِينَار
755 - فِي الْعَيْب يُوجد بِالْمهْرِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على عبد لم تره فَلَيْسَ لَهَا خِيَار
الرُّؤْيَة وَإِن وجدت بِهِ عَيْبا فَإِن كَانَ عَيْبا فَاحِشا ردته وَأخذت
الْقيمَة وَإِن لم يكن فَاحِشا لم ترده وَلَا شَيْء لَهَا غَيره
وَقَالَ زفر لَهَا أَن ترد بِالْعَيْبِ فَاحِشا كَانَ أَو غير فَاحش قَالَ
مَالك لَهَا أَن ترده بِالْعَيْبِ وَترجع بِالْقيمَةِ فَإِن مَاتَ كَانَ
لَهَا مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ كَالْبيع
قَالَ الشَّافِعِي ترده بِالْعَيْبِ وَترجع إِلَى مهر الْمثل
756 - فِي الْأَب هَل يقبض مهر الْبكر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز قبض أحد على الْكَبِيرَة إِلَّا قبض الْأَب على
الْبكر
(2/277)
قَالَ ابْن أبي عمرَان كَانَ ابْن
سَمَّاعَة يخالفهم فِي ذَلِك وَلَا يُجِيز قبض الْأَب عَلَيْهَا بِغَيْر
تَوْكِيل مِنْهَا
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز قبض الْبكر للمهر وَإِنَّمَا
يقبضهُ أَبوهَا
قَالَ اللَّيْث إذاقبض الْأَب مهر ابْنَته وَقد زَوجهَا فاستهلكه فَإِن
للزَّوْج أَن يدْخل بهَا وَيُؤْخَذ من أَبِيهَا لَهَا قدر مايستحل بِهِ
الزَّوْج فَإِن لم يكن عِنْد أَبِيهَا شَيْء أعْطى الزَّوْج ذَلِك من
عِنْده وَكَانَ ذَلِك لزَوجهَا دينا على أَبِيهَا وَلم يذكر عَنهُ الْفرق
بَين الْبكر وَالثَّيِّب
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ يبرأ الزَّوْج بِدفع الْمهْر إِلَى أَب
الْبكر وَإِن كَانَت كَبِيرَة وَذكر عَنهُ الرّبيع أَنه إِذا قبض مهر
الثّيّب أَو الْبكر وَهُوَ يَلِي مَالهَا فَهُوَ بَرَاءَة للزَّوْج
وَكَذَلِكَ إِذا دَفعه إِلَى من يَلِي مَالهَا من غير الْآبَاء فَهُوَ
بَرَاءَة لَهُ من الصَدَاق فَإِن كَانَت الثّيّب أَو الْبكر على مَال
نَفسهَا وَهِي رَشِيدَة لم يبرأ بِدَفْعِهِ إِلَى أحد من الْأَوْلِيَاء لَا
الْأَب وَلَا غَيره
757 - إِذا اسْتحق العَبْد أَو وجد حرا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على عبد فَاسْتحقَّ فلهَا عَلَيْهِ
قِيمَته وَإِن وجد حرا فَفِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَهَا مهر الْمثل
وَفِي قَول أبي يُوسُف لَهَا قِيمَته لَو كَانَ عبدا
وَفِي قَول مَالك لَهَا الْقيمَة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل يَجْعَل نَفسه عبدا يَدْفَعهُ الرجل فِي صداقه
إِلَى امْرَأَة ثمَّ يعلم أَنه حر فَإِن الزَّوْج إِن كَانَ مُوسِرًا ضمن
قيمَة الْحر لَو كَانَ عبدا وَإِن كَانَ الزَّوْج مُعسرا فعلى الْحر
الَّذِي بذل نَفسه للزَّوْج قِيمَته لامْرَأَة الرجل وَيصير دينا لَهُ على
زَوجهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهِ قِيمَته
(2/278)
758 - فِي الْحر إِذا تزَوجهَا على
أَبِيهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على أَبِيهَا عتق فَإِن طَلقهَا قبل
الدُّخُول رَجَعَ عَلَيْهَا بِنصْف قِيمَته وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا تزوج امْرَأَة فَأَصْدقهَا أَبَاهَا على أَن تعطيه
دَنَانِير مُسَمَّاة ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فَإِنَّهُ يعْتق
عَلَيْهَا وَيرد على زَوجهَا نصف قِيمَته وتنزع مِنْهُ مَا أَعطَتْهُ
لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي للْمَرْأَة أَن تصدق أَبَاهَا
759 - فِي النِّكَاح على عبد وسط هَل تقبل فِيهِ الْقيمَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على عدد من الْإِبِل أوغيرها من
الْحَيَوَان مُسَمّى أَو على عبد بِغَيْر عينه فَالنِّكَاح جَائِز وَلها
الْوسط من ذَلِك وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث
فَإِن أَعْطَاهَا الْقيمَة وأبت أَن تقبل فَإِنَّهَا تجبر على قبُولهَا
عِنْد أَصْحَابنَا وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تجبر على قبُول الْقيمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْبضْع لَيْسَ بِمَال كالنفس وكالجنين قد قيل فيهمَا
الْقيمَة الدِّيَة فِي النَّفس وَخمْس مائَة فِي الْغرَّة
760 - فِي الشّغَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أزَوجك أُخْتِي على أَن تزَوجنِي أختك وَيكون
نِكَاح كل وَاحِدَة مهر الْأُخْرَى فَهُوَ الشّغَار وَيصِح النِّكَاح بهمر
الْمثل وَهُوَ قَول اللَّيْث
(2/279)
وَقَالَ مَالك لايصح النِّكَاح دخل بهَا
أَو لم يدْخل
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أزَوجك بِنْتي بِعشْرَة دَنَانِير على أَن تزَوجنِي
بنتك بِمِائَة دِينَار فَلَا أُجِيز فِي ذَلِك كُله
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يسم لوَاحِدَة مِنْهُمَا مهْرا وَشرط أَن
يُزَوجهُ الْأُخَر بنته وَهُوَ يَلِي أمرهَا على أَن صدَاق كل وَاحِدَة بضع
الْأُخْرَى وَلم يسم صَدَاقا فَهَذَا الشّغَار فَلَا يَصح وَلَو سمى لَهما
أَو لأَحَدهمَا صَدَاقا فَالنِّكَاح ثَابت وَالْمهْر فَاسد وَلكُل وَاحِدَة
مهر مثلهَا وَنصف مهر مثلهَا إِن طَلقهَا قبل الدُّخُول
761 - إِذا ولدت الْخَادِم فِي يَدهَا أَو فِي يَده
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على خَادِم وَدفعهَا إِلَيْهَا فَولدت فِي
يَدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فَلَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا وَلَا على
وَلَدهَا ويضمنها نصف قيمتهَا وَكَذَلِكَ النّخل وَالشَّجر وَسَائِر
الْحَيَوَان إِذا حصل مِنْهَا نَمَاء فِي يَدهَا وَقَالَ مَالك وَزفر يرجع
عَلَيْهَا بِنصْف الْخَادِم وَنصف الْمهْر وَنصف النَّحْل وَنصف الثَّمَرَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي ثَمَرَة النّخل إِن طَلقهَا قبل أَن تؤبر
النّخل فلهَا شطر بِمَا فِيهَا فَإِن كَانَت بعد مَا أبرت فلهَا شطرها
وللمرأة ثَمَرَتهَا وَلم يذكر الْفرق بَين الْقَبْض وَبعده
قَالَ الشَّافِعِي إِذا ولدت الْأمة فِي يَدهَا أَو نتجت الْمَاشِيَة فنقصت
من حَالهَا كَانَ الْوَلَد لَهَا دونه لِأَنَّهُ حدث فِي ملكهَا فَإِن
شَاءَت أخذت أنصافها نَاقِصَة وَإِن شَاءَت أخذت أَنْصَاف قيمتهَا
762 - فِي نَفَقَة زَوْجَة العَبْد وصداقها
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزوج العَبْد بِإِذن مَوْلَاهُ فالمهر دين فِي
عُنُقه وَيُبَاع فِيهِ
(2/280)
إِلَّا ان يفْدِيه مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ
النَّفَقَة
وَقَالَ مَالك الْمهْر فِي ذمَّة العَبْد وَيُؤْخَذ من مَال وهب للْعَبد
وَنَحْوه فَأَما عمله وخراجه فَلَا شَيْء لَهَا فِيهِ فَإِن أعتق العَبْد
كَانَ ذَلِك الدّين يتبع بِهِ
وَقَالَ الوزاعي الْمهْر فِي ذمَّة العَبْد إِن أعتق يَوْمًا
وَقَالَ اللَّيْث الْمولى ضَامِن لنفقتها إِن لم يكن للْعَبد مَال فَإِن
كَانَ فضل مَال فَلَا بَأْس أَن تَأْخُذ مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أذن لعَبْدِهِ فَتزَوج كَانَ لَهَا الصَدَاق مَتى
عتق وَفِي إِذْنه لعَبْدِهِ إِذن فِي اكْتِسَاب الْمهْر وَالنَّفقَة إِذا
وَجَبت عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة أعْطى مِمَّا
فِي يَده
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يستهلكه العَبْد من
الْأَمْوَال بِغَيْر إِذن الْمولى أَنه يُبَاع فِيهِ فَوَجَبَ أَن يكون
كَذَلِك مَا لزم من الْمهْر وَالنَّفقَة بِإِذن الْمولى
763 - فِي العَبْد يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن الْمولى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزوج العَبْد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ وَأعْطى
امْرَأَته الْمهْر فللمولى أَن يَأْخُذهُ مِنْهَا ويضمنها مَا استهلكت
وَيكون مهرهَا عَلَيْهِ إِذا أعتق إِذا لم يجز النِّكَاح
وَقَالَ مَالك إِذا نقدها الْمهْر فَإِن للْمولى أَن يَأْخُذ مِنْهَا ذَلِك
وَيتْرك لَهَا قدر مَا يسْتَحل وَيكون الْمهْر دينا عَلَيْهِ يتبعهُ بِهِ
إِذا أعتق
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهِ مهر مثلهَا إِذا عتق إِن دخل بهَا
(2/281)
764 - إِذا تزوج على سُورَة من الْقُرْآن
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يكون تَعْلِيم السُّورَة من الْقُرْآن مهْرا وَلها
مهر مثلهَا وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي يكون ذَلِك مهْرا لَهَا فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول
رَجَعَ عَلَيْهَا بِنصْف أجر التَّعْلِيم إِن كَانَ قد علمهَا رِوَايَة
الْمُزنِيّ وَحكى الْمُزنِيّ عَنهُ أَنه يرجع عَلَيْهَا بِنصْف مهر الْمثل
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
قَالَ زَوجتك بِمَا مَعَك من الْقُرْآن وعَلى مَا مَعَك من الْقُرْآن
فَإِنَّمَا هُوَ على وَجه تَعْظِيم الْقُرْآن وَأَهله لَا على أَنه مهر
كَمَا روى أنس أَن أَبَا طَلْحَة تزوج أم سليم على إِسْلَامه فَذكرت ذَلِك
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحسنه وَتَعْلِيم الْقُرْآن فرض كَمَا
روى عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ بلغُوا عني وَلَو آيَة فَكيف يجوز أَن يكون عوضا للبضع
قَالَ أَيْضا فَإِن التَّعْلِيم قد يكون فِي قَلِيل الْمدَّة وكثيرها وَلَا
اخْتِلَاف علمناه فِيمَن بَاعَ عَبده من رجل على أَن يُعلمهُ سُورَة ذكرهَا
أَنه لايجوز كَذَلِك النِّكَاح
(2/282)
765 - فِيمَن زوج ابْنه الصَّغِير وَضمن
عَنهُ الْمهْر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا زوج ابْنه الصَّغِير وَضمن عَنهُ الْمهْر جَازَ
وللمرأة الْمهْر عَلَيْهِ وعَلى الابْن فَإِن أدّى الْأَب فِي حَيَاته لم
يرجع على الابْن إِلَّا أَن يشهر أَنه يُؤَدِّيه ليرْجع فَيرجع وَإِن لم
يؤد حَتَّى مَاتَ فللمرأة أَن تَأْخُذهُ من مَال الْأَب وَإِن شَاءَت اتبعت
الابْن فَإِن أَخَذته من مَال الْأَب رَجَعَ بَقِيَّة الْوَرَثَة على
الابْن بحصصهم
وَقَالَ الثَّوْريّ نَحْو ذَلِك
وَقَالَ مَالك إِذا زوج ابْنه الصَّغِير ولامال للِابْن فَيَمُوت الْأَب
فَإِن الْمَرْأَة تَأْخُذ صَدَاقهَا من مَال الْأَب وَلَا تقاص إخْوَته
بِشَيْء مِمَّا تقبض الْمَرْأَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي الْأَب إِذا زوج ابْنه الصَّغِير وَضمن عَنهُ
الْمهْر فالصداق على الْأَب دينا فِي مَاله وَلَيْسَ على الابْن من ذَلِك
شَيْء
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ إِذا زوج ابْنه الصَّغِير وَضمن
عَنهُ وَعدم لم يرجع بِهِ عَلَيْهِ وَإِن تحمل الْأَب الصَدَاق وَجعل
عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ على الابْن مِنْهُ شَيْء
766 - فِيمَن ضمن الصَدَاق لابنته الصَّغِيرَة
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ جَائِز وَلَا يرجع بِهِ على الزَّوْج وَلها إِذا
بلغت أَن تَأْخُذ بِهِ الْأَب إِن شَاءَت وَإِن شَاءَت الزَّوْج
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا قَالَ الرجل لِابْنِهِ أَو لأَجْنَبِيّ تزوج
وَعلي صداقك فَتزَوج فَهُوَ ضَامِن لصداقها إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن كَانَ
مُعسرا فعلى الزَّوْج
(2/283)
وَقَالَ مَالك إذازوج ابْنَته وَضمن
صَدَاقهَا فَهُوَ جَائِز وَلَا يرجع بِهِ على الزَّوْج إِذا أدّى لِأَن
ذَلِك صلَة مِنْهُ لَهَا وَلَا شَيْء على الزَّوْج وَإِن دخل بهَا وَمَات
الضَّامِن مُفلسًا وَلم يدْخل بِالْمَرْأَةِ وَلم يدع الْمَيِّت الضَّامِن
مَالا فَلَا سَبِيل للزَّوْج إِلَى الدُّخُول حَتَّى يُعْطِيهَا الْمهْر
وَقَالَ الشَّافِعِي الضَّمَان جَائِز إِن كَانَ بِإِذن الزَّوْج رَجَعَ
بِهِ عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه أَو كَانَ صَغِيرا لم يرجع بِهِ
عَلَيْهِ
767 - فِي الِاخْتِلَاف فِي الْمهْر
إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي الْمهْر فَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة إِلَى
مهر مثلهَا وَالْقَوْل قَول الزَّوْج فِيمَا زَاد وَإِن طَلقهَا قبل
الدُّخُول فَالْقَوْل قَول الزَّوْج فِي نصف الْمهْر فِي قَول أبي حنيفَة
وَمُحَمّد وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ
وَلم يذكرُوا قبل الطَّلَاق أَو بعده قبل الدُّخُول
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا دخل بهَا فَالْقَوْل قَول الزَّوْج فِي الْمهْر
طلق أَو لم يُطلق إِلَّا أَن يَأْتِي بِشَيْء مستنكر فَلَا يصدق
وَقَالَ زفر القَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه
(2/284)
وَقَالَ مَالك إِذا دخل بهَا فَالْقَوْل
قَول الزَّوْج وَإِن لم يدْخل بهَا حلف الزَّوْج على مَا ادَّعَت ثمَّ فسخ
النِّكَاح وَإِن كَانَ بعد الطَّلَاق فَالْقَوْل قَول الزَّوْج
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اخْتلفَا فِي الْمهْر قبل الدُّخُول أَو بعده
تحَالفا وَلها مهر مثلهَا
768 - يدْخل بِالْمَرْأَةِ قبل أَن يُعْطِيهَا شَيْئا
قَالَ أَصْحَابنَا للزَّوْج أَن يدْخل بامرأته إِذا كَانَ مهرهَا مُؤَجّلا
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا يدْخل بهَا حَتَّى يقدم لَهَا شَيْئا يُسمى صَدَاقا سمي
أَو لم يسم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ كَانُوا يستحبون أَن لَا يدْخل بهَا حَتَّى يقدم
لَهَا شَيْئا فَإِن كَانَ قد سمى الصَدَاق فَلَا بَأْس بذلك
769 - هَل تمنع نَفسهَا بِالْمهْرِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِذا كَانَ الْمهْر حَالا فلهَا أَن تمنع
نَفسهَا بِالْمهْرِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن دخل بهَا بِرِضَاهَا فلهَا منع نَفسهَا
بِالْمهْرِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا دخل بهَا
بِرِضَاهَا لم يكن لَهَا أَن تمنع نَفسهَا بِالْمهْرِ
(2/285)
770 - إِذا اخْتلفَا فِي قبض الصَدَاق
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَعُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ إِذا
اخْتلفَا فِي قبض الصَدَاق وَقد دخل بهَا فَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة
أَنَّهَا لم تقبض كَمَا لَو لم يدْخل بهَا
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث إِذا دخل بهَا بِرِضَاهَا
فَالْقَوْل قَول الزَّوْج إِنَّه قد دفع الصَدَاق
وَقَالَ ابْن شبْرمَة القَوْل قَول الْمَرْأَة إِلَّا أَن يَتَطَاوَل
الْأَمر وتلد أَوْلَادًا فَيكون القَوْل قَول الزَّوْج إِلَّا أَن
الْأَوْزَاعِيّ قَالَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَة إِن لم يدْفع إِلَيْهَا مَا
شَرط لَهَا من عَاجل الصَدَاق
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث على الزَّوْج الْيَمين لقد أَعْطَاهَا صَدَاقهَا
771 - فِي الزَّوْجَيْنِ يموتان
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري إِذا مَاتَ الزَّوْجَانِ وَلم يكن سمى
لَهَا لم أحكم لَهَا بِشَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يرجع إِلَى قَول وَرَثَة الزَّوْج
وَقَالَ مُحَمَّد يعْتَبر مهر الْمثل وَإنَّهُ بَقِي أحد الزَّوْجَيْنِ
فلهَا مهر الْمثل فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَكَذَلِكَ إِذا سمى لَهَا وَمَاتَا
جَمِيعًا فَإِنَّهَا مَا سمى لَهَا بِلَا خلاف
وَقَالَ الأوازعي إِذا مَاتَ الزَّوْج فعلى الْمَرْأَة الْبَيِّنَة على
الصَدَاق فَإِن
(2/286)
لم تَجِيء بِبَيِّنَة على أصل صَدَاقهَا
فعلى وَرَثَة الزَّوْج الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى مَا علمنَا أَن لَك
عَلَيْهِ من صدَاق فَإِن حلفوا فَلَا شَيْء لَهَا
وَقَالَ اللَّيْث فِي الصَدَاق الْمُؤخر أما أهل الشَّام وَأهل مصر فَلَا
يقضون بِهِ للْمَرْأَة إِمَّا أَن يَمُوت أَو يطلقهَا وَأما أهل
الْمَدِينَة وَأهل الْعرَاق فَيَقُولُونَ مَتى قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة
قضى بِهِ لَهَا
772 - فِي السمعة فِي الصَدَاق
بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا أعلم الشُّهُود أَن
الْمهْر الَّذِي يظهره سَمعه وَأَن أصل الْمهْر كَانَ كَذَا وَكَذَا ثمَّ
تزوج وأعلن الَّذِي قَالَ فَإِن الْمهْر هُوَ مهر السِّرّ والسمعة الَّتِي
أظهرها بَاطِل وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث
وَقَالَ ابْن أبي ليلى السمعة هِيَ الْمهْر وَالَّذِي أسره بَاطِل وَهُوَ
قَول ابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ
وأختلف قَول الشَّافِعِي فَقَالَ فِي مَوضِع الْمهْر السِّرّ وَفِي مَوضِع
الْمهْر مهر الْعَلَانِيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُمَا لَو سمعا بِمِائَة
دِينَار على أَن الْمهْر فِي الْحَقِيقَة ألف دِرْهَم أَنه لَا يثبت الْألف
مهْرا فَإِن الحكم لما تعاقدا عَلَيْهِ التَّزْوِيج لَا لما سواهُ
وَقد أختلف عَن أبي حنيفه فِي الرجلَيْن يتعاقدان بَينهمَا يبيعان عبدا
بِثمن يذكرانه وَأَن ذَلِك تلجئة لَا حقيقه بَينهمَا ثمَّ تعاقدا البيع قبل
أَن يبطلا مَا عَلَيْهِ تلجئة فروى مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ أَن البيع
تلجئة فِي قَول أَصْحَابنَا جَمِيعًا
(2/287)
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَن
هَذَا لَا يكون تلجئة حَتَّى يَقُولَا فِي العقد قد تبايعنا هَذَا العقد
تلجئة بِكَذَا وَإِذا لم يفعلا ذَلِك فَالْبيع صَحِيح
773 - فِي تعْيين الدَّرَاهِم فِي التَّزْوِيج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزوج أَو بَاعَ بدارهم بِأَعْيَانِهَا أَو
دَنَانِير أَو فلوس بِأَعْيَانِهَا فَلهُ أَن يُعْطي غَيرهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا بَاعَ سلْعَة بِدَرَاهِم
بِأَعْيَانِهَا لم يصلح ذَلِك إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ إِن تلفت
فَعَلَيهِ بدلهَا فَإِن لم يشْتَرط عَلَيْهِ فَلَا خير فِي هَذَا البيع
فَإِن وَجَبت البيع وَالنِّكَاح ثمَّ اسْتحقَّت فعلى المُشْتَرِي
وَالزَّوْج مثلهَا وَلَا ينْتَقض البيع
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَاعَ بِدَرَاهِم بِأَعْيَانِهَا فَوَجَدَهَا
زُيُوفًا ردهَا وَأخذ مثلهَا وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر إِذا بَاعَ ألف دِرْهَم بِخَمْسِينَ
دِينَارا بِأَعْيَانِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يُعْطي غير الْمعِين وَإنَّهُ
اسْتحقَّت بَطل الصّرْف وَقَول الشَّافِعِي كَذَلِك
774 - فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة على ألف على أَن ترد عَلَيْهِ عبدا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على ألف دِرْهَم على أَن ترد عَلَيْهِ
عبدا بِعَيْنِه فَالنِّكَاح جَائِز وَيقسم الْألف على مهر مثلهَا وَقِيمَة
العَبْد فَتكون حِصَّة العَبْد مهرهَا وَحِصَّة العَبْد بيعا
(2/288)
وَقَالَ مَالك لَا يجوز هَذَا النِّكَاح
وَقَالَ مَالك وَلَا يجْتَمع فِي صَفْقَة وَاحِدَة نِكَاح وَبيع وَلَا صرف
وَبيع وَلَا شركَة وَبيع قَالَ مَالك إِلَّا أَن تكون الدَّرَاهِم
الْيَسِيرَة الَّتِي تكون مَعَ السّلع اشْتَرَاهَا بِدَنَانِير الثُّلُث
أَو النّصْف فَلَا بَأْس بذلك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أصدقهَا أَبَاهَا على أَن تعطيه دَنَانِير مُسَمَّاة
ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فَإِنَّهُ يعْتق عَلَيْهَا أَبوهَا وَترد على
زَوجهَا نصف قيمَة أَبِيهَا وتنتزع مِنْهُ مَا أَعطَتْهُ لِأَنَّهُ لَا
يَنْبَغِي للْمَرْأَة أَن تصدق أَبَاهَا
وَقَالَ الْمُزنِيّ اخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي الرجل يتَزَوَّج على عبد
يُسَاوِي ألفا على إِن زادنه ألفا وَمهر مثلهَا يبلغ ألفا فأبطله فِي أحد
قوليه وَأَجَازَهُ فِي الآخر وَجعل مَا أصَاب قدر الْمهْر من العَبْد
مهرهَا وَمَا أصَاب قدر الْألف من العَبْد بيعا
قَالَ الْمُزنِيّ وأشبه عِنْدِي بقوله أَن لَا يُجِيزهُ لِأَنَّهُ لَا
يُجِيز البيع إِذا كَانَ فِي عقده كَذَا وَلَا الْكِتَابَة إِذا كَانَت فِي
عقده بيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر من منع ذَلِك فَإِنَّمَا يمنعهُ لجَهَالَة الْحصَّة
وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو اشْترى عبدا وشقصا من دَار إِن الشَّفِيع
يَأْخُذ الشّقص بِالْحِصَّةِ وَقد جمعت الصَّفْقَة شَيْئَيْنِ لغير
الْمُتَبَايعين فِي أَحدهمَا حق وَلَيْسَ لَهُ فِي الآخر حق
775 - فِيمَن ملك عبد امْرَأَته بصداقها
هِشَام عَن مُحَمَّد فِي عبد تزوج امْرَأَة بِإِذن مَوْلَاهُ على ألف
دِرْهَم فصالحها الْمولى على أَن يَجْعَل العَبْد لَهَا بجهازها إِن
الْمَرْأَة بخيارها إِن شَاءَت
(2/289)
أخذت العَبْد وأعطت مَوْلَاهَا ألف دِرْهَم
وَإِن شَاءَت ردَّتْ العَبْد وَلَا شَيْء لَهَا وَلَو كَانَ بَاعَ العَبْد
مِنْهَا بمهرها فَلَا خِيَار لَهَا وَعَلَيْهَا الْألف وَقد بَطل النِّكَاح
فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك إِذا تزوج العَبْد بِإِذن سَيّده على صدَاق ضمنه الْمولى
ثمَّ دفع الْمولى العَبْد إِلَى الْمَرْأَة فِيمَا ضمن من الصَدَاق
بِرِضَاهَا قبل أَن يدْخل بهَا فَالنِّكَاح مفسوخ وَيرد العَبْد إِلَى
سَيّده
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِن بَاعهَا ملك الْألف
بِعَينهَا وَالْبيع بَاطِل لِأَن عقد البيع وَالْفَسْخ وَقعا مَعًا وَلَو
بَاعهَا بِأَلف لَا بِعَينهَا جَازَ البيع وَعَلَيْهَا الثّمن وَالنِّكَاح
مفسوخ من قبلهَا وَقبل السَّيِّد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذَلِكَ كُله فِي حَالَة قبل الدُّخُول لأَنهم لَا
يَخْتَلِفُونَ فِي أَن الرجل إِذا ابْتَاعَ زَوجته قبل الدُّخُول أَن
مهرهَا يبطل وَقد خالفهم الثَّوْريّ فِي ذَلِك وَاللَّيْث فَلم يبطلا
صَدَاقهَا بالابتياع وجعلاها كالمطلقة فَجعلَا لَهَا نصف الْمهْر
776 - إِذا تزوج على هذَيْن الْعَبْدَيْنِ فَإِذا أَحدهمَا حر
قَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهَا غير العَبْد الْبَاقِي
قَالَ أَبُو يُوسُف لَهَا العَبْد الْبَاقِي وَقِيمَة الْحر لَو كَانَ عبدا
وَقَالَ مُحَمَّد لَهَا العَبْد إِلَّا أَن يكون مهر مثلهَا أَكثر فَيبلغ
بهَا ذَلِك وَهُوَ قَول زفر
وَقَالَ زفر وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أَحدهمَا مُدبرا أَو مكَاتبا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَيَجِيء على قِيَاس قَول مَالك فِي البيع أَن يكون
الْحر إِن
(2/290)
كَانَ وَجب الْعَبْدَيْنِ وَمن أَجله كَانَ
التَّزْوِيج عَلَيْهِمَا أَن لَهَا أَن ترد الْبَاقِي ثمَّ يكون كَحكم
العَبْد الْمَعِيب إِذا ردته بِالْعَيْبِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا تزوج امْرَأَة على دَرَاهِم وخمر فَالنِّكَاح
جَائِز وَلها مهر مثلهَا
777 - فِي الْمَرِيض يضمن عَن ابْنه الْمهْر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا زوج ابْنه الصَّغِير وَضمن الْمهْر ثمَّ مَاتَ من
مَرضه فضمانه بَاطِل وَالنِّكَاح جَائِز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ اللَّيْث وَمَالك فَإِن كَانَ للإبن مَال يُؤدى مِنْهُ الصَدَاق
أَخذ مِنْهُ وَإِلَّا فسخ النِّكَاح وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
778 - إِذا اشْترى زَوجته قبل الدُّخُول
قَالَ أَصْحَابنَا قد فسد النِّكَاح وَلَا مهر عَلَيْهِ وَهُوَ قَول مَالك
وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَاللَّيْث لمولاها نصف الصَدَاق
قَالَ اللَّيْث وَهُوَ تَطْلِيقَة
قَالَ وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو خَالع امْرَأَته الْحرَّة قبل الدُّخُول
أَنه يبطل نصف الصَدَاق وَإِن كَانَ الْخلْع بهما وَأَبُو حنيفَة يُبرئهُ
من ذَلِك النّصْف مَعَ وُجُوبه
779 - فِي النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ ينْعَقد النِّكَاح وَلها
الْمهْر الْمُسَمّى وَإِن لم يسم فلهَا مهر الْمثل
قَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم لَا تحل لأحد بعد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَت
(2/291)
هِبته إِيَّاهَا لَيست على نِكَاح
وَإِنَّمَا وَهبهَا لَهُ ليحضنها أوليكلفها فَلَا أرى بذلك بَأْسا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة
780 - فِي الدعْوَة الَّتِي يجب حُضُورهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد عَن أَصْحَابنَا فِي ذَلِك شَيْئا إِلَّا فِي
إِجَابَة دَعْوَة وَلِيمَة الْعرس وَلَا يجب فِي غَيرهَا
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِجَابَة كل دَعْوَة وَاجِبَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِجَابَة وَلِيمَة الْعرس وَاجِبَة وَلَا أرخص فِي ترك
غَيرهَا من الدَّعْوَات وَمن تَركهَا لم يبن فِي أَنه عَاص كَمَا تبين فِي
وَلِيمَة الْعرس
الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أجِيبُوا الدَّاعِي وَلَا تردوا الْهَدِيَّة وَلَا تضربوا النَّاس
وَهِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا دعِي أحدكُم فليجب فَإِن كَانَ مُفطرا فليطعم وَإِن كَانَ
صَائِما فَليصل
قَالَ هِشَام وَالصَّلَاة الدُّعَاء
وروى ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آتوا الدعْوَة إِذا
دعيتم وَفِي لفظ آخر إِذا
(2/292)
دعِي أحدكُم إِلَى وَلِيمَة فليأتها فَخص
الْوَلِيمَة فِي هَذَا الحَدِيث
وَالْحسن قَالَ دعِي عُثْمَان بن أبي العَاصِي إِلَى ختان فَأبى أَن يُجيب
وَقَالَ كُنَّا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نأتي
الْخِتَان وَلَا ندعى لَهُ وروى أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف أولم وَلَو بِشَاة وَرُوِيَ عَن عُيَيْنَة
عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة يدعى لَهَا
الْأَغْنِيَاء وَيتْرك الْفُقَرَاء وَمن لم يجب الدعْوَة فقد عصى الله
وَرَسُوله وَرَوَاهُ مَالك عَن الزُّهْرِيّ فَوَقفهُ على أبي هُرَيْرَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَيُقَال إِن الْوَلِيمَة إِنَّمَا هِيَ طَعَام الْعرس
خَاصَّة
781 - فِيمَن يحضر الْوَلِيمَة فيجد هُنَاكَ لعبا أَو مُنْكرا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا حضر الْوَلِيمَة فيجد هُنَاكَ اللّعب فَلَا بَأْس
بِأَن يقْعد فيأكل
وَقَالَ عَن مُحَمَّد إِن كَانَ الرجل مِمَّا يقْتَدى بِهِ فَأحب إِلَيّ
أَن يخرج
وَقَالَ مَالك كَانَ اللّعب الَّذِي يكون ظَاهرا مثل الْكبر وَمثل ذَلِك
فَإِنِّي أرَاهُ خَفِيفا
(2/293)
وَقَالَ اللَّيْث إِن كَانَ فِيهِ الضَّرْب
بِالْعودِ وَاللَّهْو فَلَا يَنْبَغِي أَن يشهده
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ فِي وَلِيمَة الْعرس مُسكرا أَو خمرًا وَمَا
أشبهه من الْمعاصِي الظَّاهِرَة نَهَاهُم فَإِن نَحوا ذَلِك وَإِلَّا لم
أحب لَهُ أَن يجلس فَإِن علم ذَلِك عِنْدهم لم أحب أَن يُجيب
782 - فِي نهبة اللوز وَالسكر
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بنثر السكر والجوز واللوز فِي الْعرس والختان
إِذا أذن أَهله وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ ابْن أبي ليلى أكره نثر السكر والجوز واللوز وَيكرهُ أَن يُؤْخَذ
مِنْهُ شَيْء
وَقَالَ مَالك لَا يُعجبنِي ذَلِك وَكره أَن يُؤْكَل شَيْء مِمَّا
يَأْخُذهُ الصّبيان اختلاسا على تِلْكَ الْحَال
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ لَو ترك كَانَ أحب إِلَيّ وَلَا يبين
أَنه حرَام
وَقَالَ الرّبيع عَنهُ أكرهه لمن أَخذه
روى عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من انتهب
فَلَيْسَ منا
والصنابحي عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ بَايعنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على أَن لَا ننتهب
(2/294)
وروى عبد الله بن قرط عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نحر بدنا ثمَّ قَالَ من شَاءَ اقتطع
783 - هَل ينظر إِلَى الْمَرْأَة قبل التَّزْوِيج
قَالَ أَصْحَابنَا لَا ينظر من الْمَرْأَة الْحرَّة غير الْمحرم إِلَّا
الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكر ابْن وهب عَنهُ فَإِن نظر إِلَيْهَا أَنه يكره
أَن ينظر إِلَيْهَا وَإِن أَرَادَ تَزْوِيجهَا ثمَّ قَالَ بعد وَعَلَيْهَا
ثِيَابهَا فَلَا بَأْس
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس أَن ينظر الرجل إِلَى الْمَرْأَة إِذا
أَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أَرَادَ تَزْوِيجهَا ينظر إِلَى وَجههَا وكفيها
وَهِي متغطية بِإِذْنِهَا وَغير إِذْنهَا وَلَا ينظر إِلَى مَا وَرَاء
ذَلِك
784 - فِي الْقسم بَين الْحَرَائِر وَالْإِمَاء
قَالَ أَصْحَابنَا وَعُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ للْحرَّة الثُّلُثَانِ
من الْقسم وللأمة الثُّلُث
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يقسم بَينهمَا سَوَاء
785 - فِي الْقسم بَين الْبكر وَالثَّيِّب
قَالَ أَصْحَابنَا الْقسم بَينهمَا سَوَاء
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ للبكر سبع وللثيب ثَلَاث فَإِن كَانَت لَهُ
امْرَأَة أُخْرَى غير الَّتِي تزوج فَإِنَّهُ يقسم بَينهمَا بعد أَن تمْضِي
أَيَّام الَّتِي تزوج
(2/295)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا تزوج الْبكر على
الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا وَإِذا تزوج الثّيّب على الْبكر أَقَامَ
عِنْدهَا لَيْلَتَيْنِ ثمَّ قسم بَينهمَا بعد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَضَت السّنة أَن يجلس فِي بَيت الْبكر سبعا وَفِي
الثّيّب أَرْبعا فَإِن تزوج الْبكر أَو لَهُ امْرَأَة أُخْرَى فَإِن للبكر
ثَلَاث ثمَّ يقسم وَإِن تزوج الثّيّب وَله امْرَأَة كَانَ لَهَا
الثُّلُثَانِ
وَقَالَ أنس بن مَالك إِذا تزوج الْبكر على الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا
ثمَّ قسم وَإِذا تزوج الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا
786 - فِي فسخ النِّكَاح بِالْعَيْبِ
قَالَ أَصْحَابنَا جَمِيعًا لَا يفْسخ النِّكَاح بِعَيْب بِالْمَرْأَةِ
وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَأبي الزِّنَاد وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ
فَإِن كَانَ الْعَيْب بِالرجلِ لم يفْسخ سأيضا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي
يُوسُف وَالثَّوْري
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا وجدته على حَال لَا تطِيق الْقيام مَعَه من جذام أَو
نَحوه فلهَا الْخِيَار فِي الْفَسْخ كالعنين
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك ترد الْمَرْأَة بالجنون والجذام والبرص
وداء النِّسَاء الَّذِي فِي الْفرج إِذا تزَوجهَا وَهُوَ لَا يعلم بذلك
فَإِذا دخل بهَا فلهَا الصَدَاق بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَرجع الزَّوْج
بذلك على وَليهَا بِمَا دلّس لَهُ إِلَّا أَن يكون وَليهَا ابْن عَمها أَو
مولى أَو رجلا من الْعَشِيرَة لَا علم لَهُم بِشَيْء من أمرهَا فَلَا غرم
عَلَيْهِم وَأرى ذَلِك عَلَيْهَا خَاصَّة لِأَنَّهَا غرته وَيتْرك لَهَا
عوضه من مسيسه إِيَّاهَا وللمرأة مثل ذَلِك إذاتزوجها الرجل وَبِه هَذِه
الْأَشْيَاء فَإِن
(2/296)
كَانَ بِالْمَرْأَةِ وَلم يدْخل بهَا
حَتَّى علم فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ خلى سَبِيلهَا وَلم يكن لَهَا
شَيْء من الْمهْر وَإِن شَاءَ أمسك قَالَ وَإِن وجدهَا عمياء أَو مقعدة أَو
شلاء فَهُوَ مثل ذَلِك وَلَا شَيْء لَهَا عَلَيْهِ من صَدَاقهَا إِن لم
يدْخل بهَا وَإِن دخل بهَا فَعَلَيهِ الْمهْر وَيرجع على الْوَلِيّ الَّذِي
أنكحه
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا وجد بهَا جنونا أَو برصا أَو جذاما أَو عفلا
وَلم يعلم بِهِ الْوَلِيّ إِنَّه إِن شَاءَ أَخذ صداقه الَّذِي أصدقهَا
وَبرئ مِنْهَا
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْجُنُون والجذام والبرص وداء النِّسَاء الَّذِي
يكون فِي الْفرج كَقَوْل مَالك
وَكَانَ ابْن شهَاب يَقُول كل دَاء عضال
وَقَالَ الشَّافِعِي يرد من الْجُنُون والجذام والبرص والقرن فَإِن كَانَ
قبل الدُّخُول فَلَا شَيْء لَهَا وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول فلهَا مهر
مثلهَا بالمسيس وَلَا يرجع بِالْمهْرِ عَلَيْهَا وَلَا على وَليهَا قَالَ
وَكَذَلِكَ إِن وجدت ذَلِك بِالزَّوْجِ فلهَا الْفَسْخ للنِّكَاح وَإِن
كَانَ بعد فلهَا الْمهْر
رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَيّمَا رجل نكح امْرَأَة بهَا جذام أَو برص أَو
جُنُون فمسها فلهَا صَدَاقهَا وَذَلِكَ لزَوجهَا غرم على وَليهَا رَوَاهُ
سعيد بن الْمسيب عَنهُ وروى الشّعبِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا
امْرَأَته إِن شَاءَ طلق وَإِن شَاءَ أمسك
(2/297)
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْبيُوع يرد فِيهَا
بصغير الْعُيُوب وكبيرها والأزواج لَا يردون بصغر الْعُيُوب وَكَذَلِكَ
كبيرها
787 - فِي الذميين يتزوجان على خمر أَو خِنْزِير
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الذِّمِّيّ يتَزَوَّج على خمر بِعَينهَا أَو
خِنْزِير بِعَيْنِه ثمَّ أسلما أَو أسلم أَحدهمَا فَلَا شَيْء لَهَا غير
ذَلِك
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَهَا مهر مثلهَا من الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ مُحَمَّد لَهَا الْقيمَة فِي الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَ ذَلِك لغير
عينهَا فَفِي الْخِنْزِير مهر الْمثل وَفِي الْخمر الْقيمَة فِي قَول أبي
حنيفَة وَفِي قَول أبي يُوسُف فِي جَمِيع ذَلِك مهر الْمثل وَفِي قَول
مُحَمَّد الْقيمَة وَهُوَ قَول زفر
وَقَالَ مَالك إِذا أسلما أحملهما على سنة الْمُسلمين فَإِن كَانَ قبل
الدُّخُول فلهَا مهر مثلهَا إِن أحب وَإِلَّا فرق بَينهمَا وَلم يلْزمه
شَيْء وَإِذا كَانَ دخل بهَا وقبضت الصَدَاق قبل دُخُوله بهَا كَانَ ذَلِك
صَدَاقهَا وَلم يكن لَهَا على الزَّوْج شَيْء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَهَا الْقيمَة فِي الْخمر وَالْخِنْزِير وَلم يفرق
بَين الدُّخُول وَغَيره
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم تقبضه فمهر الْمثل وَإِن قبضت فَلَا شَيْء
لَهَا غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْخمر وَالْخِنْزِير مَال بِدلَالَة مَا روى
قُتَيْبَة بن سعيد
قَالَ حَدثنَا يحي بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن اسرائيل عَن
إِبْرَاهِيم بن عبد الْأَعْلَى عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ قيل لعمر بن
الْخطاب إِنَّهُم يَأْخُذُونَ فِي
(2/298)
الجزيه ثمن الْخمر والخنازير فَقَالَ عمر
ولوهم إِيَّاهَا ليكونوا هم الَّذين يبيعونها خُذُوا أثمانها مِنْهُم
فَقَالَ ذَلِك بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير خلاف وَالشَّافِعِيّ لَا
يَجْعَل ذَلِك مَالا لَهُم وَلَا يُوجب على مستهلكها ضمانا للذِّمِّيّ ثمَّ
قَالَ إِذا تزَوجهَا على ذَلِك وقبضت ثمَّ اسلما فَلَا شَيْء لَهَا غَيره
وَلم يَجْعَلهَا بِمَنْزِلَة من لم يقبض شَيْئا فقد جعلهَا مَالا لَهُم
788 - فِيمَن تزوج أمْرَأَة فِي عدتهَا من غَيره وَدخل بهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزوج أمْرَأَة مُعْتَدَّة من غَيره وَدخل بهَا
فَفرق بَينهمَا فَإِنَّهَا إِذا انْقَضتْ عدتهَا من الأول فَلَا بَأْس على
الاخر أَن يَتَزَوَّجهَا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك اللَّيْث وَلَا بِملك الْيَمين
وروى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار أَن
طليحة نكحت فِي عدتهَا فَأتى بهَا عمر بن الْخطاب فضربها ضربات بالمخفقة
وَضرب زَوجهَا وَفرق بَينهمَا وَقَالَ أَيّمَا امْرَأَة نكحت فِي عدتهَا
فرق بَينهَا وَبَين زَوجهَا الَّذِي نكحت ثمَّ اعْتدت بَقِيَّة عدتهَا من
الأول ثمَّ اعْتدت من الآخر وَإِن كَانَ دخل بهَا الآخر وَلم ينْكِحهَا
أبدا فَإِن كَانَ لم يدْخل بهَا اعْتدت من الأول وَكَانَ الأول خاطبا من
الْخطاب
(2/299)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا يحي بن
عُثْمَان قَالَ حَدثنَا نعيم قَالَ حَدثنَا ابْن الْمُبَارك قَالَ حَدثنَا
أَشْعَث عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق قَالَ بلغ عمر أَن امْرَأَة من قُرَيْش
تزَوجهَا رجل من ثَقِيف فِي عدتهَا فَأرْسل إِلَيْهَا فَفرق بَينهمَا
وعاقبهما وَقَالَ لَا ينْكِحهَا أبدا وَجعل الصَدَاق فِي بَيت المَال وفشى
ذَلِك فِي النَّاس فَبلغ عليا فَقَالَ رحم الله أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ
مَا بَال الصَدَاق فِي بَيت المَال إنَّهُمَا جهلا فَيَنْبَغِي للْإِمَام
أَن يردهم إِلَى السّنة قيل فَمَا تَقول أَنْت فيهمَا قَالَ لَهَا الصَدَاق
بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَيفرق بَينهمَا وَلَا جلد عَلَيْهِمَا وتكمل
عدتهَا من الأول ثمَّ تكمل الْعدة من الآخر ثمَّ يكون خاطبا فَبلغ ذَلِك
عمر بن الْخطاب فَخَطب النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس ردوا الجهالات
إِلَى السّنة
وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَنه لَو زنى بهَا لم يحرم ذَلِك تَزْوِيجهَا
فَكَذَلِك وَطئه إِيَّاهَا فِي الْعدة
789 - فِي الْعدة من اثْنَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَالثَّوْري
وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا وَجَبت عَلَيْهَا الْعدة من رجلَيْنِ فَإِن عدَّة
وَاحِدَة تكون لَهما جَمِيعًا سَوَاء كَانَت الْعدة بِالْحملِ أَو
بِالْحيضِ أَو بالشهور
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ تَعْتَد لكل عدَّة
مُسْتَقْبلَة
وروى أَبُو الزِّنَاد عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن عمر فِي الَّتِي تزوجت
فِي الْعدة أمرهَا أَن تَعْتَد مِنْهُمَا وَظَاهره يَقْتَضِي أَن يكون
عدَّة وَاحِدَة مِنْهُمَا
(2/300)
وروى الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار
أَنه قَالَ تَعْتَد عدتهَا من الأول ثمَّ تَعْتَد من الآخر عدَّة كَامِلَة
فَوَجَبَ أَن يحمل مَعْنَاهُ على بَقِيَّة الْعدة ليُوَافق حَدِيث أبي
الزِّنَاد
قَالَ وَلما اتَّفقُوا أَن الأول لَو أَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل انْقِضَاء
عدته مِنْهَا أَنه لايجوز لَهَا ذَلِك علمنَا أَنَّهَا فِي عدَّة من
الثَّانِي لِأَن الْعدة مِنْهُ لَا تمنع تَزْوِيجهَا
فَإِن قيل منع من ذَلِك لِأَن الْعدة مِنْهُ يتلوها عدَّة من غَيره
قيل لَهُ فقد يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا ثمَّ تَمُوت هِيَ قبل بُلُوغهَا
مَوضِع الِاعْتِدَاد من الثَّانِي
790 - فِيمَن تزوجت فِي الْعدة فَجَاءَت بِولد
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء فِي امْرَأَة تزوجت رجلا فِي عدتهَا
فَجَاءَت بِولد قَالَ وَإِن جَاءَت بِهِ لأَقل من سنتَيْن مُنْذُ طَلقهَا
الأول كَانَ ابْن الأول وَإِن جَاءَت بِهِ لأكْثر من سنتَيْن مُنْذُ
طَلقهَا الأول فَإِن كَانَ لسِتَّة أشهر مُنْذُ دخل بهَا الثَّانِي
فَلَيْسَ بِابْن للْأولِ وَلَا للْآخر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك إِن دخل بهَا الثَّانِي قبل أَن تحيض حَيْضَة أَو حيضتين
فَالْوَلَد للْأولِ إِذا جَاءَت بِهِ لَهما لأَقل من سِتَّة أشهد مُنْذُ
دخل بهَا الثَّانِي فَإِن ادعياه
(2/301)
فَهُوَ للْأولِ وَإِن نفياه فَهُوَ للْأولِ
فَإِن انْتَفَى مِنْهُ الأول وادعاه الآخر فَهُوَ للْآخر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن جَاءَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ
نَكَحَهَا الآخر فَهُوَ من الأول وَإِن جَاءَت بِهِ لأكْثر من أَربع سِنِين
مُنْذُ فَارقهَا الأول ولأقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ نَكَحَهَا الثَّانِي
فَلَيْسَ للْأولِ وَلَا للثَّانِي وَإِن كَانَ لسِتَّة أشهر إِلَى أقل من
أَربع سِنِين مُنْذُ فَارقهَا الأول دعى لَهُ الْقَافة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا معنى لاعْتِبَار الْحيض لاتفاقهم على أَنَّهَا لَو
لم تَحض أوحاضت وَجَاءَت بِولد لمُدَّة يلْزم فِي مثلهَا للَزِمَ الزَّوْج
إِذا لم تكن تزوجت فَكَانَ وجود الْحَيْضَة فِي ذَلِك وَعدمهَا سَوَاء
كَذَلِك إِذا تزوجت فِي الْعدة
791 - فِي الْمُعْتَدَّة فِي النِّكَاح الْفَاسِد
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا
وَجَبت عَلَيْهَا عدَّة من نِكَاح فَاسد أَو جَائِز فللذي تَعْتَد مِنْهُ
أَن يَتَزَوَّجهَا إِذا لم تكن مُعْتَدَّة من غَيره
وَقَالَ مَالك كل وَطْء كَانَ فَاسِدا يلْحق فِيهِ الْوَلَد فَفرق بَينهمَا
فَلَا يَتَزَوَّجهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وَإِن كَانَ مَا فِي بَطنهَا
يثبت نسبه مِنْهُ فَلَا يَطَأهَا فِي تِلْكَ الْعدة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي الْعدة من النِّكَاح الصَّحِيح
أَنَّهَا لَا تمنع تَزْوِيجه كَذَاك من الْفَاسِد إِلَّا شَيْء يرويهِ
قَتَادَة عَن خلاس عَن عَليّ
(2/302)
792 - فِي الزَّوْج الْعنين يَدعِي
الْجِمَاع بعد الْأَجَل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أجل الْعنين سنة ثمَّ ادّعى بعد الْأَجَل أَنه قد
وصل إِلَيْهَا فَإِن كَانَت بكرا فِي الأَصْل نظر إِلَيْهَا النِّسَاء
فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر خيرت وَإِن قُلْنَ هِيَ ثيب فَالْقَوْل قَول
الزَّوْج وَلَا خِيَار لَهَا وَإِن كَانَت ثَيِّبًا فِي الأَصْل فَالْقَوْل
قَوْله أَنه وصل إِلَيْهَا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك فِي الْبكر وَالثَّيِّب القَوْل قَوْله رَوَاهُ ابْن
الْقَاسِم
وَقَالَ الْمعَافي عَن الثَّوْريّ إِذا لم يصل إِلَيْهَا فرافعته إِلَى
القَاضِي وَهِي بكر أَجله سنة من يَوْم رافعته إِلَى القَاضِي فَإِن وصل
إِلَيْهَا وَإِلَّا فرق بَينهمَا وَإِن كَانَ لَهَا الْمهْر وَإِن كَانَت
ثَيِّبًا لم يُؤَجل إِذا ادّعى أَنه يَأْتِيهَا وَلَكِن يُؤْخَذ يَمِينه
وتقيم عِنْده
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَت مَا وطئني حضر امْرَأَتَانِ فِي بَيت
وَأمر بغشيانه أَهله وَبَينه وَبَينهمَا بَاب فَإِذا فرغ نظرتا فَإِن وجدتا
مَاءَهُ فِي دَاخل فرجهَا فقد صدق وَإِلَّا فرق بَينهمَا واعتدت
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا ألزمهُ أَنه عنين حَتَّى يتصادقا
وَقَالَ اللَّيْث يختبران بصفرة الورس وَغَيره فتجعل ذَلِك فِي الْمَرْأَة
إِذا لم تكن بكرا ثمَّ ينظر إِلَيْهِ فَإِن كَانَ بِهِ أثر تِلْكَ
الصُّفْرَة أقرَّت تَحْتَهُ وَإِن لم ير فِيهِ شَيْء من ذَلِك فرق بَينهمَا
وَعرفت أَنه لَا يستطيعها
(2/303)
793 - فِي فرقة الْعنين هَل هِيَ طَلَاق
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري هِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَيست بِطَلَاق
قَالَ أَبُو جَعْفَر هِيَ وَاقعَة بِسَبَب من الزَّوْج فَصَارَت كالمحيرة
794 - فِي مُدَّة أجل الْعنين
لَا فرق بَين أَصْحَابنَا بَين الْحر وَالْعَبْد إِذا ادَّعَت امْرَأَته
أَنه لَا يصل إِلَيْهَا ويؤجلان سنة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك العَبْد يُؤَجل نصف أجل الْحر سِتَّة أشهر فَإِذا فقد عَن
زَوجته ضرب لَهُ أجل سنتَيْن نصف أجل الْحر
795 - فِيمَن وجد طولا إِلَى الْحرَّة
قَالَ أَصْحَابنَا للرجل أَن يتَزَوَّج أمة إِذا لم يكن تَحْتَهُ حرَّة
وَإِن وجد طولا إِلَى الْحرَّة
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا خشِي على نَفسه فِي الْمَمْلُوكَة فَلَا بَأْس
بِأَن يَتَزَوَّجهَا وَإِن كَانَ مُوسِرًا
وَقَالَ أبويوسف فِي قَوْله عز وَجل {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا}
النِّسَاء 25 هُوَ أَن يكون تَحْتَهُ حرَّة
(2/304)
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَالْأَوْزَاعِيّ الطول المَال فَإِذا وجد طولا إِلَى الْحرَّة لَا
يتَزَوَّج أمة فَإِن لم يجد طولا لم يَتَزَوَّجهَا أَيْضا حَتَّى يخْشَى
الْعَنَت على نَفسه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطول الْوُجُود وَالْقُدْرَة قَالَ الله تَعَالَى
{شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول} غَافِر 3 يَعْنِي ذِي الْقُدْرَة فَوَجَبَ أَن
يكون الْمَعْنى وجود ملك بضع الْأمة لِأَنَّهُ لَو كَانَ المَال الْوَاجِب
أَن لَو كَانَ لَهُ مَال فِي مَوضِع لَا يجد حرَّة يَتَزَوَّجهَا أَن لَا
يتَزَوَّج أمة وَإِن خشِي الْعَنَت وَقد اتَّفقُوا أَنه يتَزَوَّج وَلَو
كَانَ لَهُ امْرَأَة حرَّة وَبَينه وَبَينهَا مَسَافَة بعيدَة لم يتَزَوَّج
أمة وَإِن لم يجد مَالا فَعلمنَا أَن الطول هُوَ كَون الْبضْع فِي ملكه
796 - فِيمَن تزوج أمة وَتَحْته حرَّة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أمة وَتَحْته حرَّة وَلَا
يَصح نِكَاح الْأمة وَلَا فرق بَين إِذن الْحرَّة وَغير إِذْنهَا وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك فِيمَا روى ابْن وهب عَنهُ لَا بَأْس أَن يتَزَوَّج الرجل
الْأمة على الْحرَّة والحرة بِالْخِيَارِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِي الْأمة تنْكح على الْحرَّة أرى أَن يفرق
بَينهمَا ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ تخير الْحرَّة إِن شَاءَت أَقَامَت وَإِن
شَاءَت فَارَقت قَالَ وَسُئِلَ مَالك عَن رجل تزوج أمة وَهُوَ مِمَّن لَا
يجد الطول قَالَ أرى أَن يفرق بَينهمَا فَقيل لَهُ فَإِنَّهُ يخَاف
الْعَنَت
قَالَ السَّوْط يضْرب بِهِ ثمَّ خففه بعد ذَلِك
(2/305)
قَالَ وَقَالَ مَالك وَإِذا تزوج العَبْد
أمة على حرَّة فَلَا خِيَار للْحرَّة لِأَن الْأمة من نِسَائِهِ
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا بَأْس أَن يتَزَوَّج الرجل الْأمة على الْحرَّة
797 - فِيمَن تزوج أمة وحرة فِي عقدَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزوج بهما فِي عقدَة جَازَ نِكَاح الْحرَّة وَبَطل
نِكَاح الْأمة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ يفْسخ نِكَاح الْأمة
وَيثبت نِكَاح الْحرَّة ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ إِن كَانَت الْحرَّة علمت
بالأمة فَالنِّكَاح ثَابت يَعْنِي نِكَاح الْحرَّة وَالْأمة وَلَا خِيَار
للْحرَّة وَإِن كَانَت لم تعلم فلهَا أَن تُفَارِقهُ
798 - فِي تَزْوِيج الْأمة الْكِتَابِيَّة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أكرهه إِن كَانَ مَوْلَاهَا كَافِرًا وَالنِّكَاح
جَائِز
وَقَالَ الثَّوْريّ أكرهه
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز
النِّكَاح
799 - فِي الْعَزْل عَن الْأمة وَالزَّوْجَة
قَالَ أَصْحَابنَا الْإِذْن فِي الْعَزْل عَن الزَّوْجَة الْأمة إِلَى
مَوْلَاهَا وَهُوَ قَول مَالك
(2/306)
وَعَن الثَّوْريّ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا
لَا يعْزل عَنْهَا إِلَّا بأمرها وَالْأُخْرَى إِلَّا بِأَمْر مَوْلَاهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ أَن يعْزل عَن الْأمة الزَّوْجَة وَلَا يعْزل عَن
الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا
800 - فِي كَيْفيَّة الْمُتْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا عشرَة أَيَّام فَهُوَ بَاطِل وَلَا نِكَاح
بَينهمَا وَهَذِه مُتْعَة وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
قَالَ زفر النِّكَاح جَائِز وَالشّرط بَاطِل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَلَو تزوج امْرَأَة وَمن نِيَّته أَن يطلقهَا
وَلَيْسَ ثمَّ شَرط فَلَا خِيَار فِي هَذَا هَذَا مُتْعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا عَليّ بن معبد قَالَ حَدثنَا الْوَلِيد بن
الْقَاسِم بن الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس
بن أبي حَازِم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ لنا نسَاء فَقُلْنَا يَا رَسُول
الله أَلا نستخصي فنهانا عَن ذَلِك وَرخّص لنا أَن ننكح بِالثَّوْبِ إِلَى
أجل ثمَّ قَرَأَ {لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله} لكم فَأخْبر أَن
الْمُتْعَة كَانَت نِكَاحا إِلَى أجل
(2/307)
801 - كم يتَزَوَّج العَبْد
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يتَزَوَّج
العَبْد أَكثر من امْرَأتَيْنِ
وَقَالَ مَالك يتَزَوَّج العَبْد أَربع نسْوَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن طَلَاق العَبْد لزوجته
تَطْلِيقَتَانِ كالحد على النّصْف مِمَّا على الْحر فَكَذَلِك الْعدَد
802 - الْجمع بَين الْمَرْأَة وَزَوْجَة أَبِيهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
لَا بَأْس بِأَن يجمع الرجل بِامْرَأَة وَابْنَة زوج كَانَ لَهَا قبله
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز هَذَا النِّكَاح
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَن عبد الله بن جَعْفَر جمع بَين ابْنة عَليّ
وَبَين امْرَأَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَجمع عبد الله بن صَفْوَان بَين
امْرَأَة رجل وبنته وَعَن سُلَيْمَان بن يسَار وَابْن سِيرِين وَرَبِيعَة
جَوَاز ذَلِك وروى هِشَام عَن مَنْصُور عَن الْحسن أَنه كَانَ يكره أَن
يجمع الرجل بَين بنت الرجل وإمرأته
(2/308)
803 - فِي الزِّنَا هَل يحرم على الْأُم
وَالْبِنْت
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا زنى بِأم امْرَأَته
حرمت عَلَيْهِ امْرَأَته
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا تحرم بِالزِّنَا وَيحرم أَن يَتَزَوَّجهَا
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه إِذا زنى بِأم امْرَأَته فَارق
امْرَأَته
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الرجل يَزْنِي بِأم امْرَأَته قَالَ حرَام لَا
يحرم حَلَالا وَلكنه إِن زنى بِالْأُمِّ قبل أَن يتَزَوَّج الْبِنْت أَو
زنى بالبنت قبل أَن يتَزَوَّج الْأُم فقد حرمتا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا فرق بَين الْمُسْتَقْبل والمستدبر فِيمَا يُوجب
التَّحْرِيم كإرضاع
804 - فِي اللَّمْس هَل يحرم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا لمسها لشَهْوَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا
وبنتها وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
ثمَّ اخْتلفُوا فِي النّظر فَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا نظر إِلَى فرجهَا
بِشَهْوَة كَانَت بِمَنْزِلَة اللَّمْس بِشَهْوَة
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا نظر إِلَى فرجهَا مُتَعَمدا وَلم يذكر الشَّهْوَة
وَقَالَ مَالك إِذا نظر إِلَى شعر جَارِيَته أَو صدرها أوساقها أوشيء من
محاسنها تلذذا حرمت عَلَيْهِ أمهَا وبنتها
(2/309)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا
يحرم بِالنّظرِ حَتَّى يلمس
وَقد روى التَّحْرِيم بِالنّظرِ عَن عَامر بن ربيعَة ومسروق وَالتَّحْرِيم
باللمس عَن إِبْرَاهِيم وَمُجاهد وَالقَاسِم
805 - فِي الْمكَاتب يَشْتَرِي زَوجته
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى الْمكَاتب زَوجته فَالنِّكَاح جَائِز
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن النِّكَاح ينْتَقض وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ
806 - فِي الْمَرْأَة تملك زَوجهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ملكت زَوجهَا بَطل النِّكَاح وَلم يكن ذَلِك
طَلَاقا وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ هُوَ طَلَاق
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ملكته فَإِنَّهُ يُبَاع عَلَيْهَا وَلَا يتْرك
مَمْلُوكا لَهَا وَكَانَ يَطَأهَا قبل ذَلِك
807 - فِيمَن تزوج امْرَأَة وَشرط لَهَا دارها
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على أَن لَا يُخرجهَا من بَلَدهَا أَو من
دارها فَالنِّكَاح جَائِز وَالشّرط غير ثَابت فَإِن كَانَ سمى لَهَا أقل من
مهر الْمثل ثمَّ لم يَفِ لَهَا كَمَال مهر الْمثل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الثَّوْريّ الْأَحْسَن أَن يَفِي لَهَا ويخرجها إِن شَاءَ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِن هَذَا الشَّرْط لَيْسَ بِشَيْء وَله أَن
يخرج بهَا
(2/310)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا
شرطت عَلَيْهِ أَن لَا يُخرجهَا إِلَّا بِرِضَاهَا ورضى أَبِيهَا لم
يُخرجهَا حَتَّى يرضيا وَإِن كَانَ رِضَاهَا وَحدهَا فَلهُ أَن يخرج بهَا
إِن رضيت
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ لَهَا شَرطهَا وَعَلِيهِ أَن يَفِي
لَهَا وَقَالَ ابْن شبْرمَة لِأَنَّهُ قد شَرط لَهَا حَلَالا وَهُوَ قَول
ابْن شُرَيْح
وروى عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن عمر بن الْخطاب أَنه قضى فِي امْرَأَة
يشْتَرط لَهَا زَوجهَا أَن لَا يُخرجهَا من منزلهَا ثمَّ بدا لَهُ أَن
ينْتَقل إِلَى بلد آخر فَقضى عمر أَن الْمَرْأَة مَعَ زَوجهَا
وروى ابْن أبي ليلى عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عباد بن عبد الله
الْأَسدي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا شَرط الرجل للْمَرْأَة
دارها فَشرط الله قبل شَرطهَا
(2/311)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ النَّبِي
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي قصَّة بُرَيْدَة كل شَرط لَيْسَ فِي
كتاب الله فَهُوَ بَاطِل
وَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِي حكم الله وَلَا فِي حكم رَسُوله وَلَا فِيمَا دلنا
عَلَيْهِ وَاحِد مِنْهُمَا لُزُوم هَذَا الشَّرْط فَبَطل
808 - فِي الْمولى يُزَوّج أم الْوَلَد
قَالَ أَصْحَابنَا وَاللَّيْث يُزَوّج أم وَلَده
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أكره للرجل أَن يُزَوّج أم وَلَده وَلكنه
بعد حَيْضَة جَائِز التَّزْوِيج وَإِن زَوجهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا
بِحَيْضَة كَانَ النِّكَاح بَاطِلا
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم لَا يُزَوّج أم الْوَلَد إِلَّا
بِإِذْنِهَا وَقَالَ فِي غَيره هِيَ كالمملوكة فِي جَمِيع أَحْكَامهَا غير
أَنَّهَا لَا تبَاع
809 - فِي تَزْوِيج الْمَمْلُوك
قَالَ أَصْحَابنَا للْمولى أَن يُزَوّج عَبده وَأمته بِغَيْر أذنهما
وَذكر أَبُو جَعْفَر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يُزَوّج
العَبْد إِلَّا بِإِذْنِهِ ويزوج الْأمة بِغَيْر إِذْنهَا وروى نَحوه عَن
الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ يزوجهما بِغَيْر إذنهما
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يكره الرجل أمته وَغُلَامه على النِّكَاح
وَلَا ينْكح أمته إِلَّا بِمهْر يدْفع إِلَيْهَا فيستحل بِهِ فرجهَا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يُزَوّج أمته من عَبده الْأسود لأمة كره
لَهُ إِلَّا
(2/312)
أَن يكون على وَجه الصّلاح يُرِيد بِهِ عفة
الْغُلَام وَمَا كَانَ مِنْهُ على وَجه الضَّرَر لِلْجَارِيَةِ لم يجز
وَمَا لم يكن ضَرَر فَهُوَ جَائِز
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ وَإِن أكره السَّيِّد عَبده على
النِّكَاح فَهُوَ مفسوخ وَلَيْسَ لَهُ أَن يكره أمته على أحد بِهِ شَيْء من
هَذِه الأدواء يَعْنِي لجنون والجذام والبرص بِنِكَاح وَله أَن يَهَبهَا
لكل وَاحِد مِنْهُم وَبَيْعهَا مِنْهُم
810 - فِي الْكَبِيرَة ترْضع الصَّغِيرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ رضيعة وكبيرة فأرضعت
الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة قبل الدُّخُول وَهِي لَا تعلم أَن الصَّغِيرَة
امْرَأَته فعلى الزَّوْج نصف الْمهْر للصغيرة وَلَا يرجع على الْكَبِيرَة
إِلَّا أَن تكون تَعَمّدت الْفساد فَيرجع عَلَيْهَا وَلَا شَيْء للكبيرة
بِحَال
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ يغرم الزَّوْج للصغيرة نصف الْمهْر
وَيرجع بِهِ على الْكَبِيرَة تَعَمّدت الْفساد أَو لم تتعمده
وَقَالَ الشَّافِعِي يغرم نصف الْمهْر وَيرجع على الْمُرضعَة بِنصْف صدَاق
مثلهَا لِأَن كل من أفسد شَيْئا ضمن قيمَة مَا أفسد خطأ كَانَ أَو عمدا
قَالَ مَالك إذاتزوج صَغِيرَة فأرضعتها أمه أَو أُخْته وَقعت الْفرْقَة
وَلَا شَيْء على الَّتِي أرضعت لِأَنَّهُ لم يُطلق
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم تكن الْفرْقَة من جِهَتهَا وَإِنَّمَا كَانَت من
جِهَة الْمُرضعَة فَلَا يسْقط من مهرهَا إِلَّا مَا يسْقط بِالطَّلَاق إِذا
لم تكن الْفرْقَة من جِهَتهَا أَلا ترى أَنَّهَا لَو مَاتَت لم يبطل مهرهَا
(2/313)
810 - ب فِيمَن أرضعت صبيتين تَحت رجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ تَحْتَهُ رضيعتان فأرضعتهما أَجْنَبِيَّة
إِحْدَاهمَا قبل الْأُخْرَى حرمتا عَلَيْهِ وَلكُل وَاحِدَة نصف مهر وَيرجع
بِهِ الزَّوْج على الَّتِي أرضعت إِن تَعَمّدت الْفساد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِذا أرضعت إِحْدَاهمَا ثمَّ
الْأُخْرَى أَنه يُقَال للزَّوْج اختر أَيَّتهمَا شِئْت فاحبسها وخل
الْأُخْرَى لِأَن هَذِه الْحُرْمَة طرأت على نِكَاح صَحِيح وَلَيْسَت فِي
حكم من تزوج أُخْتَيْنِ مَعًا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا تزوج امْرَأَة ثمَّ تزوج عَلَيْهَا صبية صَغِيرَة
فأرضعتها الْمَرْأَة لتحرمها عَلَيْهِ فَإِن الصَّغِيرَة تحرم عَلَيْهِ
وَيُقِيم مَعَ الأولى إِلَّا أَن تطلق الأولى قبل أَن يَمَسهَا وَيُقِيم
مَعَ الصَّغِيرَة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الصبيتين إِذا أرضعتهما امْرَأَة إِحْدَاهمَا بعد
الْأُخْرَى فسد نِكَاح الْأَخِيرَة وَثَبت نِكَاح الأولى كمن تزوج امْرَأَة
على أُخْتهَا قَالَ وَلَو أرضعتهما مَعًا فسد نِكَاحهمَا
811 - فِي حد الرَّضَاع الْمحرم وَوَقته
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ قَلِيل الرَّضَاع
وَكَثِيره يحرم فِي المهد
وَقَالَ اللَّيْث اجْتمع الْمُسلمُونَ فِي ان قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره
يحرم فِي المهد مَا يفْطر الصَّائِم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يحرم الرَّضَاع إِلَّا خمس رَضعَات متفرقات
وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَا كَانَ من رضَاع فِي الْحَوْلَيْنِ وَبعده لسِتَّة
أشهر وَقد فطم أَو لم يفطم
(2/314)
وَقَالَ زفر مَا دَامَ يجترئ اللَّبن وَلم
وَيطْعم فَهُوَ رضَاع وَإِن أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاث سِنِين
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّوْري يحرم مَا كَانَ من
الْحَوْلَيْنِ وَلَا يحرم بعدهمَا وَلَا يعْتَبر الْفِطَام إِنَّمَا
يعْتَبر الْوَقْت
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره يحرم فِي
الْحَوْلَيْنِ وَمَا كَانَ بعد الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يحرم قَلِيله
وَلَا كَثِيره وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الرَّضَاع حولان وَشهر
وشهرين بعد الْحَوْلَيْنِ وَقَالَ إِن فصلته قبل الْحَوْلَيْنِ وأرضعته بعد
تَمام الْحَوْلَيْنِ وَهُوَ فطيم فَإِن ذَلِك لَا يكون رضَاعًا إِذا كَانَ
قد اسْتغنى قبل ذَلِك عَن الرَّضَاع فَلَا يكون بعده رضَاعًا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا فطم لسنة وَاسْتمرّ فطامه فَلَيْسَ بعده رضَاع
لَو أرضع ثَلَاث سِنِين لم يفطم لم يكن رضَاعًا بعد الْحَوْلَيْنِ
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَا ذكره عَنهُ أَبُو صَالح أَن امْرَأَة جَاءَتْهُ
فَقَالَت إِنِّي أُرِيد الْحَج وَلَيْسَ معي محرم فَقَالَ اذهبي إِلَى
امْرَأَة رجل ترضعك فَيكون زَوجهَا أَبَا لَك فتحجين مَعَه
وروى ابْن وهب أَيْضا عَن اللَّيْث أَنه قَالَ أَنا أكره رضَاع الْكَبِير
أَن أحل مِنْهُ شَيْئا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى فِي قصَّة سهلة بنت سُهَيْل وَفِي إرضاعها سالما
مولى أبي حُذَيْفَة وَهُوَ رجل أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَهَا بإرضاعه خمس رَضعَات
وَكَانَت عَائِشَة تَقول بذلك رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن
عَائِشَة وَأمرت سَائِر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
يَأْخُذن بِذَاكَ
وَقد روى قُتَيْبَة بن سعيد وَأَبُو كَامِل قَالَا حَدثنَا أَبُو عوَانَة
عَن هِشَام بن
(2/315)
عُرْوَة عَن أَبِيه عَن فَاطِمَة بنت
الْمُنْذر عَن أم سَلمَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَا كرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا فتق الأمعاء وَكَانَ قبل الطَّعَام
رَوَاهُ سهل بن بكار عَن أبي عوَانَة بِإِسْنَادِهِ فأوقفه على أم سَلمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن وَصله أولى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدُونِ قطعه وَلَو
تفرد بِزِيَادَة كَانَ مَقْبُولًا
وَقد روى عَن عَليّ وَعمر وَعبد الله وَأبي هُرَيْرَة لَا رضَاع بعد فطام
وَقد رَوَت عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا
الرَّضَاع من المجاعة
ووأمااعتبار الشَّافِعِي للخمس فَإِنَّهُ ذهب إِلَى مَا روى مَالك عَن عبد
الله بن أبي بكر عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة أَنَّهَا
قَالَت كَانَ فِيمَا أنزل الله فِي الْقُرْآن عشر رَضعَات مَعْلُومَات
يحرمن ثمَّ نسخن بِخمْس مَعْلُومَات فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ فِيمَا يقْرَأ من الْقُرْآن
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا حَدِيث مُنكر لِأَنَّهُ لَو جَازَ أَن يكون
قُرْآنًا غير مَا فِي
(2/316)
الْمُصحف لجَاز أَن يكون لبَعض مَا فِي
أَيْدِينَا من الْقُرْآن مَنْسُوخا بِمَا لَيْسَ فِي أَيْدِينَا مِنْهُ
وَقد روى الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَيحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة
قَالَت نزل من الْقُرْآن لَا يحرم إِلَّا عشر رَضعَات ثمَّ نزل بعد اَوْ
خمس رَضعَات وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحرم
المصة ولاالمصتان بِإِسْنَاد مُضْطَرب لِأَن يُونُس يرويهِ عَن ابْن شهَاب
عَن عُرْوَة عَن ابْن الزبير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَيَرْوِيه مرّة عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقد روى مَالك عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة أَنه سَأَلَ سعيد بن الْمسيب عَن
الرضَاعَة فَقَالَ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِن كَانَ قَطْرَة
وَاحِدَة فَهُوَ يحرم ثمَّ سَأَلت عُرْوَة بن الزبير فَقَالَ مثل ذَلِك
وَهَذَا يدل على اضْطِرَاب الحَدِيث لِأَنَّهُ لَو ثَبت عِنْد عُرْوَة
ذَلِك لما خَالفه إِلَى غَيره
(2/317)
812 - فِي لبن الْفَحْل
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَمَالك اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ فِي لبن
الْفَحْل يحرم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَأَبُو سَلمَة وَعَطَاء بن يسَار إِن لبن الْفَحْل لَا يحرم شَيْئا من قبل
الرِّجَال
وروى نَحوه عَن رَافع بن خديج
وَقَالَ ابْن عَبَّاس لبن الْفَحْل يحرم وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَذكر حَدِيث
عَائِشَة فِي قصَّة أَفْلح أخي أبي القعيس
وَمن جِهَة النّظر أَن سَبَب اللَّبن هُوَ مَاء الرجل وَالْمَرْأَة
جَمِيعًا فَوَجَبَ أَن يكون الرَّضَاع مِنْهُمَا كَمَا كَانَ الْوَلَد
لَهما وَإِن اخْتلف سببهما
فَإِن قيل قد يكون اللَّبن من غير فَحل فَكَذَلِك إِذا كَانَ لَهَا فَحل
فاللبن لَهَا لَا لَهُ
قيل لَهُ إِن مَا يكون بِغَيْر فَحل فَهُوَ عَارض لَيْسَ بغذاء وَاللَّبن
الَّذِي من الْفَحْل هُوَ الْغذَاء فَحكمه حكم الْمَخْلُوق لَهُ
(2/318)
فَإِن قيل روى عَن مَالك عَن عبد
الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة كَانَ يدْخل عَلَيْهَا من
أَرْضَعَتْه أخواتها وَبَنَات أَخِيهَا وَلَا يدْخل عَلَيْهَا من
أَرْضَعَتْه نسَاء إخوتها
قيل لَهُ هَذَا غير مُخَالف لما رَوَت فِي لبن الْفَحْل لِأَن لَهَا أَن
تَأذن لمن شَاءَت من محارمها وتحجب من شَاءَت
813 - مَتى يَنْقَطِع لبن الأول
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ لبن من زوج قد طَلقهَا فَتَزَوجهَا آخر
وحملت مِنْهُ وَنزل لَهَا لبن من الآخر الثَّانِي فاللبن من الأول حَتَّى
تَلد فَإِذا ولدت فَهُوَ من الآخر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا عرف أَنه من الْحَبل الثَّانِي فَهُوَ من الآخر
وَقد انْقَطع من الأول
وَقَالَ زفر وَمُحَمّد هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَإِذا وضعت فَهُوَ للأخر
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مَوضِع هُوَ من الأول وَفِي مَوضِع هُوَ مِنْهُمَا
جَمِيعًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا ولدت من رجل فاللبن مِنْهُ بعد
الفصال وَقَبله وَلَو طَلقهَا وَتَزَوَّجت وحملت من الثَّانِي
ققال ابْن الْقَاسِم هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَإِن كَانَ لم يَنْقَطِع من
الأول
وَعَن مَالك فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة فترضع صَبيا قبل أَن تحمل درت
لَهُ فأرضعته وَلم تَلد قطّ إِن ذَلِك اللَّبن للزَّوْج لِأَن المَاء يغيل
اللَّبن
(2/319)
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لقد هَمت أَن أَنَّهُنَّ عَن الغيلة والغيلة أَن يطَأ الرجل امْرَأَته
وَهِي ترْضع لِأَن المَاء يغيل اللَّبن
وَذكر الْوَلِيد بن مُسلم عَن الزُّهْرِيّ أَنَّهَا إِذا حملت من الزَّوْج
الثَّانِي فاللبن من الأول حَتَّى تضع
قَالَ وَقَالَ غير الزُّهْرِيّ اللَّبن للْأولِ حَتَّى يبلغ سِتَّة أشهر من
حملهَا من زَوجهَا الآخر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لايختلفون أَن تَزْوِيج الثَّانِي لَا يقطع حكم
اللَّبن من الزَّوْج الأول وَإِن وضع الْحمل يَنْقَطِع من الأول ويجعله
للثَّانِي
وَالْقِيَاس أَن يكون فِي حَال الْحمل من الثَّانِي لِأَن اللَّبن غذَاء
الْحمل قبل الْوَضع وَبعده
814 - فِي لبن الْمَرْأَة الْميتَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا حلب اللَّبن من ثدي
امْرَأَة ميتَة وأرضع صبي حرم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يحرم
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر إِن اللَّبن حكمه مُتَعَلق بِنَفسِهِ لَا
بِالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لَو حلب فِي إِنَاء فشربه حرم وَمَا اعتل بِهِ
الشَّافِعِي أَنه لايحل فَلَا معنى لَهُ لِأَن اللَّبن لَو وَقعت فِيهِ
قَطْرَة بَوْل فَشرب حرم
(2/320)
815 - فِي الوجور والسعوط وَنَحْوهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا الوجور والسعوط يحرم والصبب فِي الْأذن وَالْعين والدبر
والإحليل لَا يحرم وَكَذَلِكَ الْجَائِفَة والآمة
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري الوجور والسعوط إِذا وصل إِلَى الْجوف يحرم
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي السعوط وَفِي الحقنة قَولَانِ أَحدهمَا يحرم
وَالْآخر لَا يحرم
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْمَرْأَة تسعط الصَّبِي من لَبنهَا وتسقيه من
دَوَاء أَنه لَيْسَ برضاع وَإِنَّمَا الرَّضَاع مَا خص من الثدي
816 - فِيمَن قَالَ لامْرَأَته هِيَ أُخْتِي من الرَّضَاع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لامْرَأَته هِيَ أُخْتِي من الرَّضَاع ثمَّ
قَالَ أوهمت صدق فَإِن ثَبت عَلَيْهِ فرق بَينهمَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يفرق بَينهمَا وَلَا يصدق على الْخَطَأ
(2/321)
717 - فِي اللَّبن يخلط بِغَيْرِهِ
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَإِن كَانَ لبن الشَّاة لم يحرم وَهُوَ قَول أبي
يُوسُف وَلم يذكر خلافًا عَن إبي حنيفَة
وَابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِذا جعل اللَّبن فِي طَعَام وطبخ
على النَّار أَو غلى اللَّبن وصب فِي مَاء وَالْغَالِب المَاء لم يحرم
وفال الشَّافِعِي يحرم كَمَا لَو خلط حَلَال بِحرَام وَهُوَ مستهلك فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ اللَّبن كالنجاسة فِي المَاء لِأَن المَاء قد
ينجس بالمجاورة وَالطَّعَام لَا يحرم بمجاورة اللَّبن إِيَّاه
818 - فِي لبن الْمَرْأَتَيْنِ إِذا اخْتَلَط
إِذا اخْتَلَط لبن الْمَرْأَتَيْنِ فَإِن حكم للْغَالِب عِنْد أبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد يحرم مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ قَول زفر وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر جوز أعتبار غَلَبَة المَاء فِي زَوَال حكم اللَّبن
لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ لبن وَغَلَبَة اللَّبن على لبن آخر لَا يخرج
ذَلِك الْقَلِيل من أَن يكون لَبَنًا
819 - فِي الْمُحَلّل
روى مُحَمَّد عَن إبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ لعن الله
الْمُحَلّل والمحلل لَهُ
(2/322)
قَالَ مُحَمَّد وَهُوَ الرجل يُطلق
امْرَأَته فَيسْأَل رجلا أَن يَتَزَوَّجهَا ليحللها لَهَا فَهَذَا مَكْرُوه
للسَّائِل والمسؤول أَن يَفْعَله
فَذكر الْكَرَاهَة للشّرط وَلم يذكر فَسَاد النِّكَاح وَلَا صِحَّته
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ إِنَّمَا يحلل عندنَا الَّذِي
يشْتَرط ذَلِك وَيظْهر فِي عقد النِّكَاح فَأَما إِذا كَانَ النِّكَاح
صَحِيحا بِغَيْر شَرط بِمهْر وَولي وشهود وَدخُول فَلَيْسَ هَذَا بِمُحَلل
وَلَا مُحَلل لَهُ
والنيه من الثَّلَاثَة بَاطِل وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد إِذا كَانَ من نِيَّته ونيتها أَن يحللها
للْأولِ فَبنى بهَا تمّ طَلقهَا لم تحل للْأولِ فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي
يُوسُف وَذكر هِشَام قَالَ مُحَمَّد وَلَا أعلم أَبَا يُوسُف إِلَّا روى
ذَلِك عَن أبي حنيفه أَنَّهَا لَا تحل
قَالَ مُحَمَّد روى زفر فِيمَا أعلم عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ فِي ذَلِك
أَنَّهَا لَا تحل لَهُ
قَالَ مُحَمَّد ونكاحهما جَائِز وَأَن شَرط التَّحْلِيل وَله أَن يمْسِكهَا
وروى الْحسن عَن زفر أَنه إِذا شَرط تحليلها للْأولِ فَالنِّكَاح جَائِز
وَالشّرط بَاطِل ويكونان محصنين بِهَذَا التَّزْوِيج وَالْجِمَاع وَتحل
للْأولِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف النِّكَاح على هَذَا الشَّرْط فَاسد وَلها مهر الْمثل
بِالدُّخُولِ
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث نِكَاح الْمُحَلّل
فَاسد وَلَا يحللها للزَّوْج الأول
قَالَ اليث فَإِن تزَوجهَا ثمَّ فَارقهَا لترجع إِلَى زَوجهَا وَلم يعلمهَا
بذلك وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك مِنْهُ إحسانا فَلَا بَأْس بِأَن ترجع
إِلَيْهِ
(2/323)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترط
التَّحْلِيل لم يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ قرب من نِكَاح الْمُتْعَة
لِأَنَّهُ مُؤَقّت وَإِن كَانَ وقته مَجْهُولا قَالَ وَنِكَاح الْمُحَلّل
الْمنْهِي عَنهُ إِذا شَرط أَن ينْكِحهَا حَتَّى تكون الحصانة
قَالَ وَلَو تزَوجهَا وَمن نِيَّته أَن لَا يمْسِكهَا إِلَّا مقَامه
بِالْبَلَدِ أَو يَوْمًا أويومين فَالنِّكَاح جَائِز لَا يُفْسِدهُ
النِّيَّة
قَالَ روى عَليّ وَعبد الله وَأَبُو هُرَيْرَة وَعقبَة بن عَامر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بالتيس الْمُسْتَعَار
وَهُوَ الْمُحَلّل
قَالَ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث بَيَان بِمَعْنى الْمُحَلّل فَاحْتمل أَن يكون
الَّذِي بِشَرْط التَّحْلِيل وَيحْتَمل أَن يكون هُوَ الْوَطْء لَا عَن عقد
وَهُوَ معنى قَول زفر وَيحْتَمل أَن يكون كَمَا قَالَ الشَّافِعِي
ثمَّ قد رُوِيَ عَن عمر أَنه قَالَ لَا أُوتِيَ بِمُحَلل وَلَا بمحللة
إِلَّا رجمتها
وَقَالَ ابْن عمر التَّحْلِيل سفاح
وَقَالَ الْحسن وَإِبْرَاهِيم إِذا هم أحد الثَّلَاثَة بالتحليل فسد
النِّكَاح
(2/324)
وَقَالَ سَالم يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا
لِيحِلهَا إِذا لم يعلم الزَّوْجَانِ وَهُوَ مأجور وَهُوَ مَذْهَب
الْقَاسِم بن مُحَمَّد
وَقَالَ عَطاء الْمُحَلّل يُقيم على نِكَاحه
820 - فِي الْمُرَاهق هَل يحلهَا للْأولِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا كَانَ يُجَامع
مثله فجامعها فَإِنَّهُ يحلهَا لزَوجهَا الأول
وَقَالَ مَالك لَا يحلهَا لِأَن وَطْء الصَّبِي لَيْسَ بِوَطْء الْوَطْء
الَّذِي يحل مَا يجب فِيهِ الْحُدُود
قَالَ الله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} الْبَقَرَة ت 230 وَقد فعلت
وَأَيْضًا فَإِن جمَاعه يحرم الْبِنْت كجماع الْكَبِير فَكَذَلِك
التَّحْلِيل
821 - فِي جماع النَّصْرَانِي النَّصْرَانِيَّة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَالشَّافِعِيّ إِذا طلق الْمُسلم امْرَأَته النَّصْرَانِيَّة ثَلَاثًا
فَتَزَوجهَا نَصْرَانِيّ وَدخل بهَا ثمَّ طَلقهَا حلت للْأولِ
وَقَالَ مَالك لَا تحل لِأَن نكاحهم لَيْسَ بِنِكَاح حَتَّى يسلمُوا وَإِن
دخل بهَا بعد مَا أَسْلمُوا حلت للأزواج فَإِن نِكَاحهمَا صَحِيح قَالَ
الله تَعَالَى {وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم} وَلَا خلاف أَنَّهُمَا يتوارثان
بِهِ
(2/325)
821 - ب فِيمَن اشْترى ثمَّ وَطئهَا ثمَّ
بَاعهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى امْرَأَته وَقد دخل بهَا فَإِن وَطأهَا
حَلَال بِالْملكِ وَعَلَيْهَا الْعدة فَإِن بَاعهَا قبل انْقِضَاء الْعدة
وَقَبضهَا المُشْتَرِي حلت لَهُ بعد انْقِضَاء الْعدة وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
قَالَ مَالك إِذا طَلقهَا ثمَّ اشْتَرَاهَا ثمَّ وَطئهَا بعد الشِّرَاء
انْفَسَخت الْعدة فَإِن بَاعهَا بعد ذَلِك لم يكن عَلَيْهِ فِيهَا إِلَّا
الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة فَإِن لم يَطَأهَا حَتَّى بَاعهَا لم يَمَسهَا
حَتَّى تحيض حيضتين وَإِن اشْتَرَاهَا وَلم يكن طَلقهَا ثمَّ بَاعهَا
فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاء وَلَيْسَ بعدة ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ
حيضتان هَكَذَا حَكَاهُ ابْن الْقَاسِم
وَقَالَ ابْن وهب إِذا اشْتَرَاهَا ثمَّ بَاعهَا وَلم يكن طَلقهَا
فَعَلَيهِ عدَّة الْأمة حيضتان مَا لم يصبهَا فَإِن أَصَابَهَا بعد ملكه
إِيَّاهَا ثمَّ أعْتقهَا أَو بَاعهَا لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا
الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة وَاحِدَة وَإِن طَلقهَا ثمَّ ابتعاعها أَو
أعْتقهَا فَإِنَّهَا تَعْتَد بحيضتين وَإِن مَسهَا بَعْدَمَا ابتاعها
فَإِنَّهَا تَعْتَد بِحَيْضَة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا استبرأها ثمَّ بَاعهَا فعدتها حيضتان وَإِن وَطئهَا
ثمَّ بَاعهَا فحيضة
822 - فِي التَّزْوِيج قبل الاسبتراء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وطأ جَارِيَته ثمَّ زَوجهَا للزَّوْج أَن يَطَأهَا
قبل الِاسْتِبْرَاء وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن الزَّوْج لَا يَطَأهَا
حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا
وَقَالَ مَالك لَا يُزَوّجهَا إِلَّا بِحَيْضَة
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِن زَوجهَا قبل الِاسْتِبْرَاء فسخ
النِّكَاح
(2/326)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أعتق أم وَلَده
أَو جَارِيَة كَانَ يَطَأهَا أَنه لَا يعجبنا أَن يُزَوّجهَا حَتَّى
يَسْتَبْرِئهَا بِثَلَاث حيض
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي عدَّة أم الْوَلَد إِذا أعتقت حَيْضَة فَإِن
كَانَت لم تَلد مِنْهُ وَقد وَطئهَا فَإِن أعْتقهَا عِنْد مَوته فعدتها
أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَإِن لم يكن أعْتقهَا فحيضة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعدة إِنَّمَا تجب فِي الْأُصُول بِزَوَال الْفراش
الَّذِي وَقع فِي الْوَطْء وفراش الْملك غير زائل مَعَ التَّزْوِيج فَلَا
يُوجب عدَّة فَوَجَبَ أَن يجوز النِّكَاح لِاسْتِحَالَة وجوب الْعدة مِنْهُ
فِي ملك مَا هُوَ ثَابت لَهُ كَمَا لَا تجب الْعدة مِنْهُ فِي نِكَاح هُوَ
بَاقٍ بَينهمَا
فَإِن قيل فَأَنت تَأمره بالاستبراء إِذا أَرَادَ بيعهَا
قيل لَهُ لم يَخْتَلِفُوا أَن اسْتِبْرَاء البَائِع لَا يسْقط عَن
المُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاء فاستبراء المُشْتَرِي آكِد لِأَن البَائِع لَو
لم يَطَأهَا لم يُؤمر بالاستبراء وَالْمُشْتَرِي يُؤمر فِي هَذَا الْحَال
بالاستبراء ثمَّ أَن المُشْتَرِي مَعَ وجوب الِاسْتِبْرَاء غير مَانع من
تَزْوِيجهَا كَذَلِك وجوب الِاسْتِبْرَاء على البَائِع لَا يمْنَع
تَزْوِيجهَا
823 - فِي الزَّانِيَة هَل عَلَيْهَا عدَّة
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل رأى امْرَأَة تَزني فَتَزَوجهَا فَلهُ أَن
يَطَأهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا
وَقَالَ مُحَمَّد لَا أحب أَن يَطَأهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا فَإِن تزوج
امْرَأَة وَبهَا حمل من زنا جَازَ النِّكَاح وَلَا يَطَأهَا حَتَّى تضع
(2/327)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف النِّكَاح فَاسد
وَإِن كَانَ الْحمل من زنا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ زفر إِذا زنت فعلَيْهَا الْعدة وَإِن تزوجت قبل انْقِضَاء الْعدة
لم يجز النِّكَاح
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز نِكَاحهَا وَإِن كَانَت حُبْلَى من زنا وَلَا
يَطَأهَا حَتَّى تضع
وَقَالَ مَالك إِذا زنى الرجل بِالْمَرْأَةِ ثمَّ أَرَادَ نِكَاحهَا
فَذَلِك جَائِز لَهُ بعد أَن يستبرئ من وَطئه بِثَلَاث حيض
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إذاتزوج امْرَأَة حرَّة فَدخل بهَا فَجَاءَت
بِولد بعد ذَلِك بِشَهْر أَنه لَا ينْكِحهَا أبدا لِأَنَّهُ وَطئهَا فِي
عدَّة إِذا زنى بِامْرَأَة لم يَتَزَوَّجهَا حَتَّى تحيض حَيْضَة
وَالثَّلَاث أحب إِلَيّ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا تزوج فَجَاءَت بِولد لشهر فَإِنَّهَا تجلد أَو ترْجم
إِن كَانَت ثَيِّبًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعدَد فِي الْأُصُول إِنَّمَا تجب بِزَوَال أَسبَاب
تقدمها وَلم يكن قبل الزِّنَا سَبَب تجب الْعدة بزواله فَلَا تجب
وَالْقِيَاس فِي الْحمل مثله وَقد روى عَن عمر أَنه حد غُلَاما وَجَارِيَة
فجرا ثمَّ حرص أَن يجمع بَينهمَا فَأبى الْغُلَام فَلم يكن عِنْده أَن
عَلَيْهَا عدَّة من زنا وَذَلِكَ بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير خلاف
فَإِن قيل إِنَّمَا جَازَ الْجمع بَينهمَا بِنِكَاح لِأَن الْعدة لَو
وَجَبت كَانَت تكون مِنْهُ كالعدة من طَلَاق زَوجهَا
قيل لَهُ إِنَّمَا الْعدة من الطَّلَاق وَسَائِر وُجُوه الْفراش فَفِيهَا
حق الزَّوْج
(2/328)
فَلَا يمْنَع نِكَاحه لقَوْل الله تَعَالَى
{فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها} (الْأَحْزَاب 49)
وَإِنَّمَا الْعدة من الَّذِي لَو وَجَبت فَلَا حق فِيهَا للزَّوْج فَهُوَ
وَسَائِر النَّاس فِيهَا سَوَاء فَالْوَاجِب أَن يمْنَع نِكَاحه
824 - فِيمَن تزوج أم امْرَأَته جَاهِلا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزوج أم امْرَأَته جَاهِلا قبل أَن يدْخل بهَا
وَوَطئهَا فسد النِّكَاح وَعَلِيهِ نصف الْمهْر وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا صدَاق عَلَيْهِ وَقد فسد النِّكَاح لِأَن الزَّوْج لم
يعْتَمد التَّحْرِيم
825 - فِي امْرَأَة الْمَفْقُود
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تتَزَوَّج امْرَأَة الْمَفْقُود حَتَّى تثبت وَفَاته
والمفقود الرجل يخرج فِي وَجه فيفقد فَلَا يعرف مَوْضِعه وَلَا يستبين أمره
أَو يأسره الْعَدو فَلَا يستبين مَوته وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن
حَيّ
وَقَالَ عُثْمَان وَالثَّوْري فِي الْمَفْقُود تتَزَوَّج امْرَأَته
فَيَجِيء وَهِي مُزَوّجَة أَنه أَحَق بهَا وَترد على الزَّوْج الْأَخير
مهره لِأَنَّهُ إِنَّمَا تزوج امْرَأَة لَهَا زوج
وَقَالَ مَالك تنْتَظر امْرَأَته أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد أَرْبَعَة أشهد
وَعشرا ثمَّ تحل فَإِن أدْركهَا زَوجهَا قبل أَن تتَزَوَّج فَهُوَ أَحَق
بهَا
(2/329)
قَالَ وَيضْرب الْأَجَل أَربع سِنِين من
يَوْم ترجع إِلَى الْحَاكِم لَا من يَوْم فقد
وَقَالَ مَالك فِي الَّتِي ينعى لَهَا زَوجهَا إِذا قدم فَهِيَ امْرَأَته
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قدم زَوجهَا بعد الْأَجَل قبل أَن تتَزَوَّج
فَلَيْسَ للْإِمَام عَلَيْهِ طَلَاق وَهِي امْرَأَته وَإِن تزوجت بعد
الْأَجَل ثمَّ جَاءَ زَوجهَا فَاخْتَارَ امْرَأَته فَلَيْسَ عَلَيْهِ
طَلَاق
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ فِي امْرَأَة الْغَائِب أَي غيبَة
كَانَت لَا تَعْتَد وَلَا تنْكح أبدا حَتَّى يَأْتِيهَا يَقِين وَفَاته
وَلَو اعْتدت بِأَمْر حَاكم أَربع سِنِين ثمَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ونكحت
وَدخل بهَا الزَّوْج كَانَ حكم الزَّوْجِيَّة بَينهَا وَبَين زَوجهَا
بِحَالهِ غير أَنه مَمْنُوع من فرجهَا بِوَطْء لشُبْهَة وَلَا نَفَقَة
لَهَا من حَيْثُ نكحت وَلَا فِي غير عدتهَا من الْوَطْء الْفَاسِد
لِأَنَّهَا مخرجة نَفسهَا من يَده
روى سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب فِي امْرَأَة الْمَفْقُود أَنَّهَا
تَتَرَبَّص أَربع سِنِين وَتعْتَد عدَّة الْوَفَاة ثمَّ تتَزَوَّج إِن
شَاءَت وَإِن قدم زَوجهَا خَيره بَين الْمَرْأَة وَبَين الصَدَاق فَإِن
اخْتَار امْرَأَته عزلت عَن زَوجهَا ثمَّ ردَّتْ إِلَى زَوجهَا الأول وَإِن
اخْتَار الصَدَاق كَانَت عِنْد زَوجهَا الآخر وَأعْطِي زَوجهَا الأول
صَدَاقهَا
وروى عَطاء عَن عبيد بن عُمَيْر عَن عمر بن الْخطاب فِي امْرَأَة
الْمَفْقُود أَنه أمرهَا أَن تَتَرَبَّص أَربع سِنِين فَفعلت ثمَّ أَمر
وليه أَن يطلقهَا ثمَّ أمرهَا أَن تَعْتَد ثَلَاثَة قُرُوء فَفعلت ثمَّ
أمرهَا أَن تَعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَفعلت ثمَّ أمرهاأن تتَزَوَّج
وروى حَمَّاد بن سلمه عَن ثَابت عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَن رجلا
فقدته امْرَأَته فَأَتَت عمر بعد أَربع سِنِين فَسَأَلَ عَن قَوْلهَا
قَومهَا وجيرانها
(2/330)
فصدقوها فَأمرهَا ان تَعْتَد أَربع سِنِين
من ذِي قبل ثمَّ تزوجت فجَاء زَوجهَا فخيره عمر بَين الصَدَاق وَبَين
امراته فَاخْتَارَ الصَدَاق
قَالَ حَمَّاد لَا أعلم ثَابتا إِلَّا قَالَ فأعطيناه الصَدَاق من بَيت
المَال
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عَمْرو
الشَّيْبَانِيّ أَن أَربع نسْوَة فقدن أَزوَاجهنَّ فأمرهن عمر أَن يعتدن
أَربع سِنِين
فَفِي هذَيْن الْحَدِيثين أَن عمر جعل عدَّة امْرَأَة الْمَفْقُود أَربع
سِنِين
روى أَن عُثْمَان سُئِلَ عَن الْمَفْقُود وَقد أشرف عَلَيْهِم وَهُوَ
مَحْصُور وَقد تزوجت امْرَأَته فَقَالَ عُثْمَان أَن جَاءَ زَوجهَا خير
بَين الصَدَاق وَبَين امْرَأَته فَلَمَّا قتل عُثْمَان سَأَلت الْمَرْأَة
عليا عَن ذَلِك فَأجَاب بِمثل قَول عُثْمَان فَاخْتَارَ الصَدَاق فأديت
أَلفَيْنِ وَأدّى زَوجي أَلفَيْنِ رَوَاهُ أَيُّوب عَن أبي الْمليح
الْهُذلِيّ عَن سهيمة بنت عُمَيْر أَن زَوجهَا فقد وَذكر الحَدِيث
قَالَ أَبُو جَعْفَر يحْتَمل أَن يكون عَليّ إِنَّمَا أفتى بذلك لِأَنَّهُ
اخْتَار حكم إِمَام قد حكم بِهِ
وَقد رُوِيَ سعيد عَن قَتَادَة عَن خلاس عَن عَليّ قَالَ تربص امْرَأَة
الْمَفْقُود أَربع سِنِين ثمَّ يطلقهَا ولي زَوجهَا ثمَّ تَعْتَد أَرْبَعَة
أشهر وَعشرا وَالْمَشْهُور عَنهُ خلاف ذَلِك وَهُوَ مَا رَوَاهُ مَنْصُور
عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عباد ابْن عبد الله عَن عَليّ قَالَ فِي
امْرَأَة الْمَفْقُود هِيَ امْرَأَته
(2/331)
826 - فِي الْمَرْأَة انتعي إِلَيْهَا
زَوجهَا فَتزوّجت
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا نعي إِلَيْهَا زَوجهَا فاعتدت وَتَزَوَّجت
وَجَاءَت بِولد من زَوجهَا الآخر فَهُوَ للْأولِ
قَالَ أَبُو يُوسُف إِذا جَاءَت بِهِ لسِتَّة أشهر مُنْذُ دخل بهَا
الثَّانِي فَهُوَ من الثَّانِي
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد إِذا جَاءَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ دخل
بهَا الثَّانِي فَهُوَ ابْن الأول وَإِن جَاءَت بِهِ لِسنتَيْنِ فَصَاعِدا
فَهُوَ ابْن الثَّانِي
قَالَ وَيَجِيء على مَذْهَب مَالك أَنَّهَا إِذا حَاضَت حَيْضَة أَو حيضتين
ثمَّ دخل بهَا الثَّانِي فَهُوَ للْآخر إِذا جَاءَت بِهِ لسِتَّة أشهر
مُنْذُ دخل بهَا وَإِن كَانَ أقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ دخل بهَا فَهُوَ
للْأولِ
وَقَالَ الثَّوْريّ الْوَلَد للْآخر وَترد إِلَى الأول
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا نعي الرجل إِلَى امْرَأَته وأجلت
أَربع سِنِين ثمَّ أمرت بالاعتداد مِنْهُ فاعتدت ثمَّ تزَوجهَا رجل
وَجَاءَت مِنْهُ بِولد فَادَّعَاهُ الأول أريته الْقَافة
وَقَالَ فِي اخْتِلَاف أبي حنيفَة وَابْن أبي ليلى الْوَلَد للْآخر
827 - فِي هَدِيَّة الْعرس
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تزَوجهَا على الف على أَن يهدي لَهَا هَدِيَّة
فلهَا تَمام مهر الْمثل وَلم يذكر خلافًا
(2/332)
قَالَ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَيْسَ
لَهَا غير الْمُسَمّى وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَول الشَّافِعِي أَيْضا أَن
الْهَدِيَّة لَا تلْزمهُ وَإِن شَرط
وَقَالَ مَالك فِيمَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم إِذا طَالب أهل الْمَرْأَة
الزَّوْج بهدية الْعرس فَإِنَّهُ يقْضِي لَهَا بهَا إِذا كَانَ ذَلِك قد
عرف من شَأْنهمْ وَهُوَ عَلَيْهِم
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل شَرط
لَيْسَ من كتاب الله فَهُوَ بَاطِل
وَالقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد
828 - فِي تَزْوِيج أُخْت أم الْوَلَد
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يتَزَوَّج أُخْت أم وَلَده وَلَا يطَأ الَّتِي
يُزَوّج حَتَّى يملك فرج أم وَلَده غَيره فَإِن زَوجهَا عَادَتْ إِلَيْهِ
بفرقة قبل انْقِضَاء الْعدة لم يطَأ امْرَأَته حَتَّى يملك فرج ام وَلَده
غَيره وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يُعجبنِي أَن يتَزَوَّج أُخْتهَا وَإِن
فعل لم أفرق بَينهمَا وَلَا يطَأ حَتَّى يحرم أَيَّتهمَا شَاءَت قَالَ
وَلَو كَانَت لَهُ أمة يَطَأهَا فَبَاعَهَا ثمَّ تزوج أُخْتهَا فَلم يدْخل
بهَا حَتَّى اشْترى اختها الَّتِي كَانَ يَطَأهَا فَإِن لَهُ أَن يَطَأهَا
فَإِن رجعت إِلَيْهِ أم وَلَده فَلهُ أَن يطَأ الْأمة الَّتِي عِنْده ويمسك
عَن أم وَلَده
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا وطأ جَارِيَته بِملك الْيَمين لم يجز أَن
يتَزَوَّج أُخْتهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي ملك الْيَمين لَا يمْنَع نِكَاح الْأُخْت
(2/333)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك إِنَّهَا
إِذا عَادَتْ إِلَيْهِ جَازَ أَن يطَأ الزَّوْجَة لَا معنى لَهُ لِأَن
الْملك الَّذِي منع وَطْء الزوجه فِي الِابْتِدَاء مَوْجُود فَلَا فرق بَين
عودهَا إِلَيْهِ وَبَين يقائها بدءا فِي ملكه
وروى نَحْو قُلْنَا فِي الرجل يكون عِنْده أختَان فليستولد إِحْدَاهمَا
ثمَّ يُزَوّجهَا أَنه لَا يطَأ الْأُخْرَى فَإِن طلق أم وَلَده الَّتِي
زَوجهَا وعادت إِلَيْهِ لم يطَأ الْأُخْرَى
829 - فِي الحربية تخرج إِلَيْنَا مسلمة
قَالَ أَبُو حنيفه فِي الحربية تخرج إِلَيْنَا مسلمة وَلها زوج كَافِر فِي
دَار الْحَرْب فقد وَقعت الفرقه وَلَا عدَّة عَلَيْهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد عَلَيْهَا الْعدة فَإِن أسلم الزَّوْج لم
تحل لَهُ إِلَّا بِنِكَاح مُسْتَقْبل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِذا أسلم
الزَّوْج قبل أَن تحيض ثَلَاث حيضات فَهِيَ امْرَأَته وَإِن لم يسلم حَتَّى
حَاضَت ثَلَاث حيض فقد وَقعت الْفرْقَة
وَلَا فرق عِنْد الشَّافِعِي بَين دَار الْحَرْب وَدَار الْإِسْلَام لَا
حكم للدَّار عِنْده
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا سبيت ذَات زوج استبرئت بحيضتيتن لِأَن زَوجهَا
أَحَق بهَا إِذا جَاءَ فِي عدتهَا وَغير ذَات الْأزْوَاج بِحَيْضَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر جعل على المسبية الْعدة وَلَا نعلم لَهُ مُوَافقا على
ذَلِك من أهل الْعلم
(2/334)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن مَالك عَن
الزُّهْرِيّ قَالَ لم يبلغنَا أَن امْرَأَة هَاجَرت إِلَى الله وَإِلَى
رَسُوله زَوجهَا كَافِر مُقيم بدار الْكفْر إِلَّا فرقت هجرتهَا بَينهَا
وَبَين زَوجهَا إِلَّا إِذا قدم زَوجهَا وَهِي فِي عدتهَا
قَالَ وَهُوَ مُنْقَطع لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ فِي الْأُصُول أَن
الْعدة إِذا وَجَبت عَن سَبَب غير الطَّلَاق الرَّجْعِيّ إِنَّمَا تجب بعد
ارْتِفَاع النِّكَاح فَأَما مَعَ بَقَاء النِّكَاح فَلَا عدَّة
830 - فِي الْكَافِر يسلم وَتَحْته أختَان أَو خمس نسْوَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يخْتَار الْأَوَائِل فَإِن كَانَ
تزويجهن فِي عقد فرق بَينه وبينهن وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَول مَالك وَمُحَمّد وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
يخْتَار من الْخمس أَرْبعا وَمن الْأُخْتَيْنِ أَيَّتهمَا شَاءَ إِلَّا
أَنه روى عَنهُ فِي الْأُخْتَيْنِ أَن الأولى امْرَأَته
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يخْتَار الْأَرْبَع الْأَوَائِل فَإِن لم يدر أيتهن
الأولى طلق كل وَاحِدَة حَتَّى تَنْقَضِي عدتهن ثمَّ يتَزَوَّج أَرْبعا إِن
شَاءَ
831 - فِي الْكَافِر تسلم امْرَأَته
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الذميين إِذا أسلمت الْمَرْأَة عرض على الزَّوْج
الْإِسْلَام فَإِن أسلم وَلَو وَإِلَّا فرق بَينهمَا ولوكانا حربيين كَانَت
امْرَأَته حَتَّى تحيض ثَلَاث حيض فَإِن لم يسلم وَقعت الْفرْقَة
(2/335)
قَالَ ابْن شبْرمَة فِي النَّصْرَانِي تسلم
امْرَأَته قبل الدُّخُول يفرق بَينهمَا وَلَا صدَاق لَهَا وَلَو كَانَت
مَجُوسِيَّة وَأسلم الزَّوْج وَلم يدْخل ثمَّ لم تسلم حَتَّى انْقَضتْ
عدتهَا فلهَا نصف الصَدَاق وَإِن أسلمت قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا فهما على
نِكَاحهمَا
وَقَالَ مَالك إِذا أسلمت وَزوجهَا كَافِر ثمَّ أسلم كَانَ أَحَق بهَا مَا
دَامَت فِي الْعدة وَإِن انْقَضتْ عدتهَا فَلَا سَبِيل عَلَيْهَا وَلَيْسَت
هَذِه الْفرْقَة طَلَاقا
وَقَالَ مَالك فِي النَّصْرَانِيَّة تكون تَحت النَّصْرَانِي فَتخرج إِلَى
بعض الْأَسْفَار فتسلم وَهُوَ غَائِب فَإِنَّهَا تؤمن بِالنِّكَاحِ وَلَا
ينْتَظر بهَا وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء إِن قدم بعد انْقِضَاء عدتهَا وَهُوَ
مُسلم نكحت أَو لم تنْكح فَإِن أسلم قبل انْقِضَاء عدتهَا فِي غيبته فَإِن
نكحت قبل أَن يقدم زَوجهَا أَو تبلغها إِسْلَامه فَلَا سَبِيل لَهُ
إِلَيْهَا وَإِن أدْركهَا قبل أَن تتَزَوَّج فَهُوَ أَحَق بهَا
وَقَالَ مَالك فِي نَصْرَانِيَّة أسلمت وَزوجهَا نَصْرَانِيّ وَطَلقهَا قبل
انْقِضَاء الْعدة لم يَقع طَلَاقه عَلَيْهَا
وَقَالَ مَالك وَإِن أسلم الرجل قبل امْرَأَته وهما من غير أهل الْكتاب
وَقعت الْفرْقَة إِذا عرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام وَلم تسلم
وَقَالَ الثَّوْريّ مثل قَول أَصْحَابنَا فِي إِسْلَام أحد الذميين سَوَاء
فِي عرض الْإِسْلَام وَفِي الْمهْر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أسلمت فَهِيَ امْرَأَته مَا دَامَت فِي الْعدة
وَلَا يَقع الطَّلَاق إِن أسلمت فِي الْعدة وَإِن أسلمت بعد الْعدة فَهِيَ
تَطْلِيقَة وَهُوَ خَاطب
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ مثله فِي اعْتِبَار الْعدة
وروى عَنهُ مثل قَول أَصْحَابنَا فِي عرض الْإِسْلَام وَلها نصف الصَدَاق
لِأَن الْفرْقَة من قبله وَلَيْسَت بِطَلَاق
وَاللَّيْث يعْتَبر الْعدة فِي وُقُوع الْفرْقَة وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي
(2/336)
وَقد روى أَبُو مُعَاوِيَة عَن أبي
إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن السفاح عَن دَاوُد بن كرْدُوس أَن رجلا من بني
تغلب أسلمت امْرَأَته فَقَالَ لَهُ عمر أسلم وَإِلَّا فرقت بَيْنكُمَا فَلم
يسلم فَفرق بَينهمَا عمر
وروى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عَليّ قَالَ هُوَ أَحَق بنكاحها مَا
دَامَت فِي هجرانها
وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي النَّصْرَانِيَّة إِذا أسلمت وَزوجهَا
نَصْرَانِيّ يفرق بَينهمَا وَقَالَ الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى فَلم
يعْتَبر وَاحِد مِنْهُم الْعدة
فَإِن قيل قد روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد
زَيْنَب على أبي الْعَاصِ على النِّكَاح الأول بعد ثَلَاث سِنِين
قيل لَهُ فقولك هَذَا يدل على أَن قصَّة أبي الْعَاصِ مَنْسُوخَة عِنْده
وَقد
(2/337)
رُوِيَ عَن قَتَادَة أَن ذَلِك قبل أَن
تنزل سُورَة بَرَاءَة وَقطع الْيَهُود بَينهم وَبَين الْمُشْركين
وَقَالَ الزُّهْرِيّ كَانَ هَذَا قبل أَن تنزل الْفَرَائِض
وَقَالَت طَائِفَة نسخه قَوْله تَعَالَى {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر}
الممتحنه 10 وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا أَنه لم يعْتَبر بَقَاؤُهَا فِي الْعدة
وَقد روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه ردهَا عَلَيْهِ بِنِكَاح جَدِيد
وَقد روى سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ أَن أَبَا الْعَاصِ بن
الرّبيع أسر يَوْم بدر فَأتى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد
عَلَيْهِ ابْنَته
وَفِي هَذَا أَنه ردهَا عَلَيْهِ وَهُوَ كَافِر
وَقد روى شُعْبَة عَن حَمَّاد ومغيرة عَن إِبْرَاهِيم فِي نَصْرَانِيّ
تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّة فَأسْلمت فَأبى أَن يسلم فَقَالَ تقر عِنْده
وَقَالَ حَمَّاد فَسَأَلَنِي عَنْهَا عبد الحميد فَأَخْبَرته فِيهَا بقول
إِبْرَاهِيم فَكتب فِيهَا إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَكتب عمر أَن يفرق
بَينهمَا
وَقَالَ حَمَّاد قَول عمر أعجب إِلَيّ من قَول إِبْرَاهِيم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ شَاذ لَا مُوَافق لَهُ عَلَيْهِ علمنَا
(2/338)
832 - فِي طَلَاق الذِّمِّيّ
هَل يَقع على امْرَأَته الَّتِي أسلمت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَبى أَن يسلم فرق بَينهمَا وَيَقَع عَلَيْهَا
طَلَاقه مَا دَامَت فِي الْعدة
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا يَقع طَلَاقه بعد إسْلَامهَا سَوَاء كَانَت
فِي الْعدة أَو لم تكن وَإِن أسلم الزَّوْج بعد ذَلِك وَهِي فِي الْعدة
كَانَت امْرَأَته وَكَانَ طَلَاقه بَاطِلا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا طلق الذِّمِّيّ الَّذِي قد اسلمت زَوجته وَقد
كَانَ دخل بهَا فالطلاق مَوْقُوف فَإِن أسلم وَزَوجته فِي الْعدة تمّ
الطَّلَاق لأَنا قد علمنَا حِين أسلم أَنَّهَا زَوجته وَإِن لم يسلم حَتَّى
تَنْقَضِي الْعدة فالطلاق بَاطِل لأَنا قد علمنَا أَنَّهَا غير زَوجته
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَذْهَب الشَّافِعِي لَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ قد
جعلهَا زَوجته قبل انْقِضَاء الْعدة فَيَنْبَغِي أَن يَقع طَلَاقه
833 - فِي الزَّوْجَيْنِ يسبيان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا سبى الحربيان وهما زوجان مَعًا فهما على النِّكَاح
وَإِن سبي أَحدهمَا قبل الآخر وَأخرج إِلَى دَار الْإِسْلَام فقد وَقعت
الْفرْقَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إذاسبيا مَعًا فَمَا كَانَا فِي المقاسم فهما على
النِّكَاح فَإِن
(2/339)
اشتراهما رجل فَإِن شَاءَ جمع بَينهمَا
وَإِن شَاءَ فرق بَينهمَا فأعدها لنَفسِهِ أَو زَوجهَا غَيره بَعْدَمَا
يَسْتَبْرِئهَا بِحَيْضَة وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا سبيت ذَات زوج استبرئت بحيضتين لِأَن زَوجهَا
أَحَق بهَا جَاءَ فِي عدتهَا وَغير ذَات الزَّوْج حَيْضَة وَقَالَ
الشَّافِعِي إِذا سبيت بَانَتْ من زَوجهَا سَوَاء كَانَ مَعهَا زَوجهَا أَو
لم يكن
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحَدِيث أبي سعيد فَاسد الاسناد فِي شَأْن السبايا
وَذَلِكَ أَنه يرويهِ لثوري وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن عُثْمَان البتي عَن
أبي الْخَلِيل عَن أبي سعيد قَالَ أصبْنَا سَبَايَا يَوْم أَوْطَاس ولهن
أَزوَاج فكرهنا أَن نقع عَلَيْهِنَّ فسألنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَنزلت {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم}
النِّسَاء 24 فاستحللناهن
وَرَوَاهُ يزِيد بن زُرَيْع عَن عُثْمَان البتي عَن صَالح أبي الْخَلِيل
عَن رجل عَن أبي سعيد فَأدْخل بَين أبي سعيد وَبَين أبي الْخَلِيل رجلا
مَجْهُولا ففسد الحَدِيث
وَمن وَجه النّظر أَن الزَّوْجَيْنِ لَو خرجا ذميين أَو مُسلمين كَانَا على
النِّكَاح كَذَلِك إِذا سبيا مَعًا
(2/340)
834 - فِي تصرف الْمَرْأَة فِي مَالهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اجْتمع للْمَرْأَة عقلهَا وَبَلغت جَازَ تصرفها فِي
مَالهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَمر الْبكر فِي مَالهَا وَلَا مَا وضعت عَن
زَوجهَا من الصَدَاق وَإِنَّمَا ذَلِك إِلَى أَبِيهَا فِي الْعَفو عَن
زَوجهَا وَلَا يجوز لغير الْأَب من أوليائها ذَلِك
وَقَالَ بيع الْمَرْأَة ذَات الزَّوْج دارها وخارجها جَائِز وَإِن كره
الزَّوْج إِذا أَصَابَت وَجه البيع فَإِن كَانَ مُحَابَاة كَانَ فِي ثلث
مَالهَا وَإِن تَصَدَّقت أَو وهبت أَكثر من الثُّلُث لم يجز من ذَلِك
قَلِيل وَلَا كثير
قَالَ وعطية الْمَرْأَة زَوجهَا المَال جَائِز عَلَيْهَا وَإِن أحَاط ذَلِك
بمالها كُله (153 ب)
قَالَ مَالك وَالْمَرْأَة الأيم إِذا لم يكن لَهَا مَال كَالرّجلِ فِي
مَاله سَوَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز عَطِيَّة الْمَرْأَة حَتَّى تَلد أَو تكون
فِي بَيت زَوجهَا سنة
وَقَالَ اللَّيْث لَا يجوز عتق الْمَرْأَة ذَات الزَّوْج وَلَا صَدَاقهَا
إِلَّا فِي الشَّيْء الْيَسِير الَّذِي لَا بُد لَهَا مِنْهُ بصلَة
الرَّحِم أوغير ذَلِك مِمَّا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى
قَالَ ابو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو
دين} النِّسَاء 12 وَلم يفرق بَين الْبكر وَالثَّيِّب فِي الْوَصِيَّة
وَلَا بَين ذَات زوج وَغَيرهَا
وَفِي حَدِيث زَيْنَب ابْنة عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لتصدقن وَلَو من حليكن
(2/341)
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْم فطر فصلى ثمَّ خطب ثمَّ أَتَى النِّسَاء
فأمرهن أَن يتصدقن
835 - فِي تَزْوِيج الْمَرْأَة فِي عدَّة أخنها
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تزوج الْمَرْأَة فِي عدَّة أُخْتهَا من بينونة
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يجوز إِذا
كَانَت قد بَانَتْ
وَرُوِيَ نَحْو قَوْلنَا عَن عَليّ وَزيد بن ثَابت وَعبيدَة وَسَعِيد بن
الْمسيب وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالقَاسِم بن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ
وَسَالم بن عبد الله وَعَطَاء وَمُجاهد وَالْحسن
وروى مُحَمَّد بن كثير قَالَ أخبرنَا سُفْيَان عَن أبي هَاشم قَالَ سَأَلت
إِبْرَاهِيم أَعلَى الرجل عدَّة قَالَ نعم وعدتان وَثَلَاث فِي الْأَرْبَع
وَفِي الْأَخير وَفِي الْمَرْأَة يَمُوت وَلَدهَا من غير زَوجهَا
وَقَالَ عُرْوَة بن الزبير وَسَعِيد بن الْمسيب رِوَايَة وَالقَاسِم بن
مُحَمَّد رِوَايَة تَزْوِيجهَا فِي عدَّة أُخْتهَا من بينونة
(2/342)
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي تَزْوِيج أُخْت
أم الْوَلَد إِذا كَانَت تَعْتَد من الْمولى بِالْعِتْقِ فَلم يجزه أَبُو
حنيفَة وَأَجَازَ أَن يتَزَوَّج أَرْبعا سواهَا
وَقَالَ زفر لَا يتَزَوَّج أُخْتهَا وَلَا أَرْبعا سواهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يتَزَوَّج أُخْتهَا وأربعا سواهَا
836 - إِذا ادّعى الزَّوْج إِقْرَارهَا بِانْقِضَاء الْعدة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى أَنَّهَا أخْبرته بِانْقِضَاء الْعدة صدق فِي
أَمر نَفسه ويتزوج أُخْتهَا وَلَا يصدق عَلَيْهَا فِي نَفَقَتهَا
وَقَالَ زفر لَا يصدق وَلَا يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أُخْتهَا وَلَا
أَرْبعا سواهَا هَكَذَا ذكر ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنه يصدق فِي حق نَفسه وَلَا يصدق فِي
نَفَقَتهَا
837 - فِي وَطْء الْمَرْأَة فِي الدبر
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَصْحَابنَا يكْرهُونَ ذَلِك وَينْهَوْنَ عَنهُ أَشد
النَّهْي وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ فِي الْمُزنِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحكى لنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أَنه سمع
الشَّافِعِي يَقُول مَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
تَحْرِيمه وَلَا تَحْلِيله شَيْء
وَالْقِيَاس أَنه حَلَال
(2/343)
وروى أصبغ بن الْفرج عَن ابْن الْقَاسِم
قَالَ مَا أدْركْت أحدا اقْتدى بِهِ فِي ديني يشك فِيهِ أَنه حَلَال
يَعْنِي وَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا ثمَّ قَرَأَ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم}
قَالَ فَأَي شَيْء أبين من هَذَا وَمَا أَشك فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم قَالَ
حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي أويس الْأَعْشَى قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن
بِلَال عَن زيد بن أسلم عَن عبد الله بن عمر أَن رجلا اتى امْرَأَته فِي
دبرهَا فَوجدَ فِي نَفسه ذَلِك وجدا شَدِيدا فَأنْزل الله تَعَالَى
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} الْبَقَرَة 223
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَزيد بن أسلم لَا نعلم لَهُ سَمَاعا من ابْن عمر
وروى ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر أَن الْيَهُود
قَالُوا
(2/344)
للْمُسلمين من أَتَى امْرَأَته وَهِي
مُدبرَة جَاءَ وَلَده أَحول فَأنْزل الله تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم}
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقبلة ومدبرة مَا كَانَ فِي
الْفرج
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَكِيم الْأَثْرَم عَن أبي تَمِيمَة عَن أبي
هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اتى حَائِضًا
أَو امْرَأَة فِي دبرهَا أَو كَاهِنًا فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد
وروى مَالك عَن ربيعَة عَن أبي الْحباب سعيد بن يسَار أَنه سَأَلَ ابْن عمر
عَن ذَلِك فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ
وروى وَهل يفعل ذَلِك أحد من الْمُسلمين
838 - فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي مَتَاع الْبَيْت وَقد طلق
أَو لم يُطلق فَمَا كَانَ للرِّجَال فَهُوَ للرجل وَمَا كَانَ للنِّسَاء
فَهُوَ للْمَرْأَة وَمَا كَانَ لَهما فَهُوَ للرجل وَفِي الْمَوْت مَا
كَانَ لَهما فَهُوَ للْبَاقِي مِنْهُمَا
(2/345)
وَقَالَ زفر من رِوَايَة مُحَمَّد مَا
كَانَ لَهما فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر جَمِيع الْمَتَاع بَينهمَا نِصْفَانِ إِلَّا مَا
كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لابسه
وَقَالَ مُحَمَّد كَقَوْل أبي حنيفَة إِلَّا فِي الْمَوْت فَإِنَّهُ قَالَ
مَا كَانَ لَهما فَهُوَ للرجل
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْحَيَاة وَالْمَوْت تُعْطى الْمَرْأَة مَا
يُجهز بِهِ فِي مثلهَا وَمَا بَقِي للزَّوْج
وروى أَبُو يُوسُف عَن ابْن أبي ليلى إِن مَتَاع الْبَيْت كُله للرجل فِي
الْحَيَاة وَالْمَوْت إِلَّا الدرْع والخمار وَشبهه
وروى مُحَمَّد عَنهُ إِن جَمِيعه للرجل إِلَّا لباسها الَّذِي عَلَيْهَا
وَقَالَ مَالك كَقَوْل مُحَمَّد بن حسن
وَقَالَ الثَّوْريّ هُوَ بَينهمَا إِلَّا مَا عرف إِنَّه للنِّسَاء وَالرجل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَا كَانَ للرِّجَال فَهُوَ للرجل وَمَا كَانَ
للنِّسَاء فَهُوَ للْمَرْأَة وَمَا كَانَ للرجل وَالْمَرْأَة فَهُوَ
بَينهمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالْحسن بن الْحَيّ وَعبيد
الله بن الْحسن
(154 ب) وَقَالَ ابْن الْقَاسِم ابْن معن وَشريك بن عبد الله جَمِيع
الْمَتَاع بَينهمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَإِن كَانَ أَحدهمَا مَمْلُوكا فالمتاع للْحرّ
مِنْهُمَا
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد العَبْد الْمَأْذُون لَهُ وَالْمكَاتب
بِمَنْزِلَة الْحر
وَقِيَاس قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن الْحر وَالْعَبْد فِي ذَلِك سَوَاء
(2/346)
839 - فِي الْوكَالَة بِالتَّزْوِيجِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر حميد بن عبد الرَّحْمَن الرواسِي عَن الْحسن بن
حَيّ أَنه كَانَ يرى أَن الْوكَالَة فِي النِّكَاح لَا يكون إِلَّا
بِبَيِّنَة كَمَا لَا يكون النِّكَاح إِلَّا بِبَيِّنَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نعلم لَهُ مُوَافقا على هَذَا من أهل الْعلم
وَالْوكَالَة لَيست بِعقد يملك بِهِ الْبضْع فَهُوَ كَسَائِر الوكالات
840 - فِي التَّزْوِيج على المخاطرة
ذكر ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يخْطب إِلَى الرجل امْرَأَته فَيَقُول
إِن جئتني بِكَذَا وَكَذَا إِلَى أجل مُسَمّى فقد زَوجتك وَيشْهد لَهُ بذلك
فَقَالَ أكره أَن تنْكح على هَذَا فَإِن وَقع هَذَا وَثَبت حَتَّى يَأْتِي
الْأَجَل فَإِنِّي أرَاهُ نِكَاحا ثَابتا يلْزم الْأَب ذَلِك فِي ابْنَته
قَالَ وَلَا يَقع الْمِيرَاث بَينهمَا حَتَّى يَأْتِي الْأَجَل وَإِنَّمَا
ثَبت النِّكَاح حِين حل الْأَجَل وَلَا نعلم هَذَا القَوْل روى عَن أحد
إِلَّا عَن اللَّيْث وَسَائِر عُقُود التمليكات لَا يَصح على الأخطار
وَكَذَلِكَ تمْلِيك الإنصاع وَإِنَّمَا يجوز على الْخطر مَا لَيْسَ
بِتَمْلِيك كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق
841 - فِي السّير يتَزَوَّج الحربية ثمَّ يسبى
قَالَ أَصْحَابنَا لَو أَن أَسِيرًا من الْمُسلمين تزوج فِي دَار الْحَرْب
نَصْرَانِيَّة بِشُهُود مُسلمين فَالنِّكَاح جَائِز وَإِن سبيت فَهِيَ لمن
أَخذهَا
وَقَالَ اللَّيْث هِيَ فيئ وَلَا يحل لأحد أَن يطلقهَا وَيَرَاهُ أولى
بِثمنِهَا
(2/347)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم أحدا قَالَ
هُوَ أَحَق بِثمنِهَا غير اللَّيْث وَقد تبَاع الْأمة وَهِي تَحت زوج فَلَا
يكون زَوجهَا أَحَق بِثمنِهَا كَذَلِك المسبية
842 - فِي الْخلْوَة هَل توجب الْمهْر
قَالَ أَصْحَابنَا الْخلْوَة الصَّحِيحَة تمنع سُقُوط شَيْء من الْمهْر
بعدالطلاق وطأ أَو لم يطَأ إِلَّا أَن يكون أَحدهمَا محرما أَو مَرِيضا أَو
كَانَت حَائِضًا أَو صَائِمَة فِي رَمَضَان فَإِنَّمَا يجب فِي ذَلِك نصف
الْمهْر إِن طلقا بعد الْخلْوَة قبل الدُّخُول
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَهَا كَمَال الْمهْر فِي هَذِه الْوُجُوه كلهَا إِن
طَلقهَا وَعَلَيْهَا الْعدة عِنْدهم جَمِيعًا فِي جَمِيع هَذِه الْوُجُوه
وَقَالَ الثَّوْريّ لَهَا الْمهْر كَامِلا إِذا خلا بهَا وَإِن لم يدْخل
بهَا إِذا جَاءَ ذَلِك من قبله وَإِن كَانَت رتقاء فلهَا نصف الصَدَاق
وَقَالَ مَالك إِذا خلا بهَا وَقبلهَا وكشفها إِن كَانَ ذَلِك قَرِيبا
فَلَا أرى لَهَا إِلَّا نصف الصَدَاق وَإِن تطاول ذَلِك فلهَا الْمهْر
إِلَّا أَن تحب أَن تضع لَهُ مَا شَاءَت
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا تزوج امْرَأَة فَدخل عَلَيْهَا عِنْد أَهلهَا
فقبلها ولمسها (155 أ) ثمَّ طَلقهَا وَلم يُجَامِعهَا أَو أرْخى عَلَيْهَا
سترا وأغلق عَلَيْهَا بَابا فقد تمّ الصَدَاق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا خلا بهَا وَلم يُجَامِعهَا ثمَّ طَلقهَا فلهَا
نصف الْمهْر إِذا لم يدْخل بهَا وَإِن ادَّعَت الدُّخُول فَالْقَوْل
قَوْلهَا بعد الْخلْوَة
(2/348)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أرْخى عَلَيْهَا
ستارة فقد وَجب الصَدَاق
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا خلا بهَا وَلم يُجَامِعهَا حَتَّى طلق فلهَا نصف
الْمهْر وَلَا عدَّة عَلَيْهَا
قَالَ عَليّ وَعمر وَزيد بن ثَابت إِذا أغلق بَابا أَو أرْخى سترا ثمَّ
طَلقهَا فلهَا جَمِيع الْمهْر
وَقَالَ زُرَارَة بن أوفى قضى الْخُلَفَاء الراشدون المهديون أَنه من أغلق
بَابا أَو أرْخى سترا فقد وَجب عَلَيْهِ الْمهْر وَوَجَبَت الْعدة
فَإِن قيل روى سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء وَعَن ابْن
عَبَّاس قَالَ إِذا فوض إِلَى الرجل فَطلق قبل أَن يمس فَلَيْسَ لَهَا
إِلَّا الْمَتَاع
قيل لَهُ لَا دلَالَة فِي هَذَا على أَن ابْن عَبَّاس مُخَالف لما ذكرنَا
لِأَن قَوْله فوض إِلَيْهِ يحْتَمل أَنه يُرِيد بِهِ أَنه لم يسم لَهَا
مهْرا
وَقَوله قبل أَن يمس يُرِيد قبل الْخلْوَة لِأَن الآخرين قد تأولوا
الْمَسِيس على الْخلْوَة
(2/349)
843 - فِي تَوْكِيل الْمَرْأَة الرجل
بتزويجها من رجل بِغَيْر عينه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وكلت الْمَرْأَة رجلا أَن يُزَوّجهَا مِمَّن رأى
جَازَ ذَلِك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ أَن يُزَوّجهَا من نَفسه وَلَا من غَيره
حَتَّى يُسَمِّي من يُرِيد أَن يُزَوّجهَا إِيَّاهَا فَإِن زَوجهَا من
نَفسه فبلغت فرضيت جَازَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَينهم فِي جَوَاز توكليه بِبيع عَبده مِمَّن
رأى فَكَذَلِك النِّكَاح
844 - فِي عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا هَل فِيهَا حيض
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا مَضَت أَرْبَعَة
أشهر وَعشرا انْقَضتْ عدتهَا وَإِن لم تَحض فِيهَا إِذا لم تكن حَامِلا
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يستبرئ مَعَ ذَلِك بِحَيْضَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن مَذْهَب مَالك أَن الْحَامِل قد تحيض فَكيف
يسقطهن بِالْحيضِ مَعَ جَوَاز وجود الْحمل مَعَه
845 - فِيمَن تزوج امْرَأَة مُعْتَدَّة مِنْهُ من بينونة ثمَّ طَلقهَا قبل
الدُّخُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو يُوسُف وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ لَهَا
مهر كَامِل للنِّكَاح اللثاني وعدة مُسْتَقْبلَة
(2/350)
وَقَالَ زفر وَمُحَمّد وَمَالك وَعُثْمَان
البتي وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث لَهَا نصف الصَدَاق وَبَقِيَّة الْعدة
الأولى
وَرُوِيَ نَحْو قَول أبي حنيفَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ
وَرُوِيَ نَحْو قَول مُحَمَّد عَن الْحسن وَعَطَاء بن أبي رَبَاح
وَالزهْرِيّ وَعِكْرِمَة
846 - فِي تَزْوِيج الْمَرِيض
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ
وَالشَّافِعِيّ نِكَاحه جَائِز وَلَا يُجَاوز بهَا مهر مثلهَا ومهرها دين
من جَمِيع المَال كَسَائِر الدُّيُون (155 ب)
قَالَ مَالك لَا يجوز نِكَاحه إِذا كَانَ مَرضا يمْنَع الْقَضَاء فِي مَاله
إِلَّا فِي الثُّلُث وَإِن لم يدْخل بهَا فرق بَينهمَا وَلَا مهر لَهَا
وَإِن كَانَ دخل بهَا فلهَا بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا فِي ثلث مَاله تبدأ
بِهِ قبل الْوَصَايَا وَالْعِتْق وَلَا مِيرَاث لَهَا مِنْهُ
وَلَو تزوجت وَهِي مَرِيضَة لم يجز نِكَاحهَا وَيفرق بَينهمَا وَلها
الْمهْر كَامِلا إِن دخل بهَا وَلَا يَرِثهَا إِن مَاتَت من مَرضهَا
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا تزَوجهَا وَهُوَ مَرِيض فمهرها وميراثها من
الثُّلُث وَإِن أوصى لقوم آخَرين كَانَت الْمَرْأَة شَرِيكا فِي الثُّلُث
بِالْمِيرَاثِ وَالْمهْر
وَقَالَ اللَّيْث مهرهَا وميراثها من الثُّلُث
قَالَ وَمن النَّاس من يَقُول تبدأ على اهل الْوَصَايَا وَمِنْهُم من
يَقُول تحاص أَصْحَاب الْوَصَايَا فِي الثُّلُث
(2/351)
وَقَالَ ابْن حَيّ نِكَاح الْمَرِيض جَائِز
ولامرأته مَا سمى لَهَا من الصَدَاق وَإِن كَانَ أَكثر من صدَاق مثلهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَرِيض غير مَحْجُور عَلَيْهِ فِي مَاله بِدلَالَة
أَن لَهُ أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي بِمثل الْقيمَة بِلَا خلاف فَجَاز نِكَاحه
بِمهْر الْمثل
847 - فِي الْمَرِيض يعْتق أمته ثمَّ يَتَزَوَّجهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي الْمَرِيض يعْتق أمته ثمَّ يَتَزَوَّجهَا وَيدخل
بهَا ثمَّ يَمُوت إِنَّهَا إِن كَانَت تخرج من الثُّلُث هِيَ ومهرها
فَالنِّكَاح جَائِز وَلها الْمهْر وَالْمِيرَاث وَلَا سِعَايَة عَلَيْهَا
وَإِن كَانَت قيمتهَا ومهرها لَا يخرجَانِ من الثُّلُث دفع لَهَا مهر
مثلثها وَالثلث وَالدّين مِمَّا بَقِي بعد الْمهْر سعت فِيمَا بَقِي من
قيمتهَا وَالنِّكَاح فَاسد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد النِّكَاح جَائِز فِي جَمِيع الْأَحْوَال
وَعَلِيهِ الصَدَاق وَالْمِيرَاث بعد ذَلِك وتسعى فِيمَا بَقِي عَلَيْهَا
من قيمتهَا لسَائِر الْوَرَثَة مَعهَا وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ وَابْن
شبْرمَة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قَالَ لأمة لَهُ فِي مَرضه إِنِّي كنت أعْتقهَا
وتزوجتها فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين لم يجز حَتَّى يقْضِي الدّين وَإِن لم
يكن عَلَيْهِ دين تعْتق فِي ثلثه وَيكون لَهَا الْمِيرَاث فِي ثلثه ويحاص
بِهِ أَصْحَاب الْوَصَايَا إِن لم يحمل ذَلِك الثُّلُث
وَقَالَ الْمُزنِيّ النِّكَاح جَائِز وعتقها وَصِيَّة وَلَا مِيرَاث لَهَا
كحرة قتلت زَوجهَا فَالنِّكَاح ثَابت وَلَا تَرثه وكأحد الزَّوْجَيْنِ إِذا
كَانَ كَافِرًا أَو أمة
847 - فِيمَن تزوج على نسب فَوَجَدَهُ على غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تزَوجهَا على أَنه فلَان بن فلَان فَإِذا هُوَ
غَيره ثمَّ
(2/352)
علمت فلهَا الْخِيَار لِأَنَّهُ قد غرها
وَإِن أخْبرهَا على نسب فَكَانَ على غَيره وَهُوَ كقولها فِي النسبين
إِلَّا أَن الَّذِي أخْبرهَا بِهِ أفضلهَا فلهَا الْخِيَار وَإِن كَانَ
الَّذِي كتمها أفضل النسبين فَلَا خِيَار لَهَا
وَقَالَ مَالك إِذا تزوج امْرَأَة زَوجهَا على نسب فَإِذا هِيَ لغيره فَلهُ
الْخِيَار وَإِن لم يُزَوّجهَا على نسب فَلَا خِيَار لَهُ
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَيَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك فِي الرجل إِذا تزوج
على نسب فَإِذا هُوَ لغيره أَن لَهَا الْخِيَار
وَقَالَ عُثْمَان البتي كَأَن يُسمى باسم الرجل وَاسم أَبِيه فزوج ثمَّ
علمُوا أَنه لَيْسَ بِهِ فَإِنَّهُ يفرق بَينهمَا وَلها الصَدَاق
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا شَرط أَنه قيسي فَإِذا هُوَ فَارسي فَإِنَّهُ
يفرق بَينهمَا وينكل عُقُوبَة وَإِن كَانَ عَرَبيا لَيْسَ من قيس فلهَا
الْخِيَار
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا وصف الناكح نَفسه بِصفة فَزَوجُوهُ عَلَيْهَا
فوجدوه على غَيرهَا فَإِن كَانَ أفضل مِنْهَا كَانُوا بِالْخِيَارِ كَرجل
تزوج امْرَأَة على أَنه مولى فَإِذا هُوَ عَرَبِيّ إِن شاؤوا أَجَازُوا
وَإِن شاؤوا ردوا وَإِن قَالَ إِنَّه عَرَبِيّ فوجدوه عَرَبيا من أَي
الْقَبَائِل كَانَ فَلَا خِيَار
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا انتسب إِلَى نسب فَوَجَدته دونه وَهِي فَوْقه
فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن لَهَا الْخِيَار لِأَنَّهُ منكوح بِعَيْنِه
وَالثَّانِي أَن النِّكَاح مفسوخ
848 - من تزوج على انه حر فَإِذا هُوَ عبد
قَالَ أَصْحَابنَا لَهَا الْخِيَار وَهُوَ قَول مَالك
وَإِن كَانَت هِيَ شرطت أَنَّهَا حرَّة فَإِذا هِيَ أمة وَالزَّوْج حر
فَإِن شَاءَ طلق وَإِن شَاءَ أمسك
(2/353)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا تزَوجهَا على
أَنه حر فَإِذا هُوَ عبد قد أذن لَهُ فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ يفرق
بَينهمَا وَيكون صَدَاقهَا على الَّذِي غرها مِنْهُ
قَالَ وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ شَرط أَنه حر فَوَجَدته عبدا فَفِيهَا
قَولَانِ أَحدهمَا أَن لَهَا الْخِيَار وَالْآخر أَن النِّكَاح مفسوخ
فَلَو كَانَت هِيَ الَّتِي غرت بِهِ فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن لَهُ
أَن يفْسخ بِلَا مهر وَلَا مُتْعَة وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول فلهَا مهر
مثلهَا وَالثَّانِي لَا خِيَار لَهَا
849 - فِي الْمَغْرُور
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا زوج رجل رجلا امْرَأَة على أَنَّهَا حرَّة فَولدت
أَوْلَادًا ثمَّ اسْتحقَّهَا رجل فعلى الْأَب قيمَة الْأَوْلَاد والعقر
وَيرجع بِالْقيمَةِ على الْغَار وَلَا يرجع بالعقر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أخْبرته أَنَّهَا حرَّة وَزوجهَا
وَهُوَ يعلم أَنَّهَا أمة لم يرجع عَلَيْهِ بِقِيمَة الْأَوْلَاد
قَالَ الشَّافِعِي على الْغَار قيمَة الْأَوْلَاد للْأَب وعَلى الْأَب
للْمُسْتَحقّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لاخلاف أَن للْأَب يرجع على البَائِع بِقِيمَة
الْوَلَد سَوَاء علم البَائِع أَنَّهَا أمة أَو لم يعلم وَكَذَلِكَ
النِّكَاح
850 - مَتى تعْتَبر قيمَة الْوَلَد
قَالَ أَصْحَابنَا يقوم الْأَب قيمَة الْأَوْلَاد يَوْم يختصمون من كَانَ
مِنْهُم حَيا وَمن مَاتَ مِنْهُم قبل ذَلِك فَلَا شَيْء على الْأَب من
قِيمَته
(2/354)
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث مثل قَوْلنَا فِي
اعْتِبَار الْقيمَة يَوْم الْخُصُومَة
وَعَن الثَّوْريّ فِيهَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مثل ذَلِك وَالْأُخْرَى
قِيمَته يَوْم ولد (156 ب)
وَقَالَ عبد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ الْقيمَة يَوْم ولدُوا
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن يكون الْأَوْلَاد مملوكين إِلَّا أَنهم
تركُوا الْقيَاس لِاتِّفَاق الصَّحَابَة على أَنهم أَحْرَار وَيغرم
الْمَغْرُور قِيمَته وَيرجع بِهِ على الْغَار
وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي وَعُثْمَان
851 - فِي الْمَغْرُور إِذا كَانَ مُعسرا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا سَبِيل للْمُسْتَحقّ على الْأَوْلَاد وَإِنَّمَا
الْقيمَة على الْمَغْرُور مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ الْمَغْرُور مُعسرا وَالْأَوْلَاد ملاء أتبعهم
وَإِن كَانَ الْأَب مليئا وَالْولد معدما رَجَعَ عَلَيْهِ الْأَب إِذا أيسر
852 - إِذا كَانَ الْمَقْدُور ابْن الْمُسْتَحق
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُبرئهُ ذَلِك من قيمَة الْأَوْلَاد وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا شَيْء على الْمَغْرُور من قيمَة الْوَلَد وَلَا
أَوْلَادهم أَيْضا مِنْهُ
(2/355)
853 - فِي أم الْوَلَد إِذا غرت رجلا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غرت الْأمة رجلا على أَنَّهَا حرَّة ثمَّ تبين
أَنَّهَا أم ولد فعلى الْأَب الْقيمَة وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك فِي أم ولد غرت رجلا فَتَزَوجهَا وَولدت أَوْلَادًا ثمَّ
أَقَامَ سَيِّدهَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا أم وَلَده فَلم يقْض لَهُ بِقِيمَة
الْوَلَد حَتَّى مَاتَ السَّيِّد فَلَا شَيْء للْوَرَثَة من قيمَة
الْأَوْلَاد لأَنهم عتقوا بِعِتْق أمّهم قبل أَن يقْضِي على الْأَب
بِقِيمَة الْوَلَد
قَالَ مَالك وَلَو ان رجلا مِنْهُم قتل كَانَت دِيَته لِأَبِيهِ دِيَة حر
وَيكون لسَيِّد الْأمة على أَبِيهِم قِيمَته يَوْم قتل
854 - فِي الْعَرَبِيّ يتَزَوَّج الْأمة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث إِذا تزوج
الْعَرَبِيّ الْأمة فَولدت لَهُم فهم عبيد لمولاها وَلَيْسَ لأبيهم أَن
يفديهم بِالْقيمَةِ إِلَّا أَن يرضى بذلك مَوْلَاهَا
قَالَ اللَّيْث من قَضَاء عمر بن الْخطاب فِي فدَاء ولد الْعَرَب من
الولائد سِتَّة فَرَائض إِنَّمَا كَانَ من أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة
وَفِيمَا أقرّ بِهِ الرجل من نِكَاح الْإِمَاء فَأَما الْيَوْم فَمن تزوج
أمة وَهُوَ يعلم أَنَّهَا أمة فولده عبد لسَيِّد الْأمة عَرَبيا كَانَ أَو
قرشيا أَو غَيره
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْعَرَبِيّ يتَزَوَّج الْأمة فتلد لَهُ فَإِن
الْوَلَد حر وعَلى الْأَب فداؤه
(2/356)
855 - فِي الصَّحِيح يتَزَوَّج ثمَّ يجن
هَل يفرق بَينهمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا فرق عِنْد أَصْحَابنَا بَين أَن يَتَزَوَّجهَا
وَفِيه الْعَيْب أَو يطْرَأ ذَلِك عَلَيْهِ قبل الدُّخُول على الْخلاف
الَّذِي ذَكرْنَاهُ
فَفِي قَول مُحَمَّد إِذا لم يُمكنهَا الْمقَام مَعَه فلهَا الْخِيَار
وَقَالَ مَالك إِذا جن لم يعجل عَلَيْهِ بِفِرَاق امْرَأَته وَيضْرب لَهُ
فِيهِ أجل سنة فَإِن برأَ وَإِلَّا فرق بَينهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهَا الْخِيَار وَإِن لم يؤقت
856 - فِيمَن أذهب عذرة الْمَرْأَة بِغَيْر وَطْء
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا دفع امْرَأَته فَأذْهب عذرتها قبل
الْخلْوَة ثمَّ (157 ب) طَلقهَا فلهَا نصف الصَدَاق فِي قَول أبي حنيفَة
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد جَمِيع الصَدَاق وَهُوَ كوطئه إِيَّاهَا
قَالَ وَلَو أَن رجلا أَجْنَبِيّا دَفعهَا فَأذْهب عذرتها فَعَلَيهِ صدَاق
مثلهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَإِن طَلقهَا زَوجهَا قبل الدُّخُول فَعَلَيهِ
نصف الصَدَاق فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَإِن دَفعهَا زَوجهَا وَرجل أَجْنَبِي
فأذهبا عذرتها فعلى الْأَجْنَبِيّ نصف صدَاق مثلهَا فَإِن طَلقهَا زَوجهَا
قبل الدُّخُول فَعَلَيهِ نصف صَدَاقهَا الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ فِي
قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ الْحسن عَن زفر فِي رجل دفع امْرَأَته قبل أَن يدْخل بهَا فَأذْهب
عذرتها ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فَعَلَيهِ الصَدَاق
وَقَالَ أَبُو يُوسُف نصف الصَدَاق
قَالَ زفر إِن دَفعهَا هُوَ وَآخر قبل أَن يدْخل بهَا فَأذْهب عذرتها ثمَّ
طَلقهَا
(2/357)
قبل الدُّخُول فعلى الزَّوْج ثَلَاثَة
أَربَاع الصَدَاق وعَلى الْأَجْنَبِيّ النّصْف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف على الزَّوْج وعَلى الْأَجْنَبِيّ النّصْف
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن أصل مَالك أَن ذهَاب الْعذرَة من غير وَطْء
يُوجب حُكُومَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
فَيجب على قَوْلهمَا إِذا طَلقهَا قبل الدُّخُول بعد إذهاب الْعذرَة
بِالدفع أَن يكون عَلَيْهِ نصف الصَدَاق
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي إذهاب الْعذرَة بالإصبع الْمهْر فيجيب على قَوْله
أَن يكون الزَّوْج كالواطئ
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَنْبَغِي أَن يكون كالواطئ لِأَنَّهُ لَا فرق فِي قبض
الْمَبِيع بَين أَن يقبضهُ بِيَدِهِ وَبَين أَن يحرقه أَو يغرقه
857 - فِيمَن جَامع امْرَأَته فَقَتلهَا أَو كسر عضوا مِنْهَا
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة فيجامعها
فيفضيها فَلَا شَيْء عَلَيْهِ كَذَلِك إِن جَامعهَا فَقَتلهَا فَلَا شَيْء
عَلَيْهِ فِي ذَلِك من دِيَة وَلَا غَيرهَا إِلَّا الْمهْر وَإِن كسر
فَخذهَا أَو عضوا مِنْهَا فَعَلَيهِ أرش مَا كسر قَالَ وَهَذَا قَول أبي
حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
وَقَالَ مَالك إِذا جَامع امْرَأَته الْبكر فأفضاها وَمثلهَا تُوطأ فتموت
من ذَلِك فَإِن علم أَنَّهَا مَاتَت من جمَاعه فعلى فَاعله الدِّيَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أفضاها فَعَلَيهِ دِيَتهَا وَلها مهرهَا كَامِلا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجِمَاع حق لَهُ فَلَا يضمن مايحدث مِنْهُ
بِإِذْنِهَا كَمَا لَو قطع يَد رجل بِإِذْنِهِ لم يخَاف من تلفه إِن لم
يقطع فَحدث مِنْهُ التّلف لم يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَإِن فعل ذَلِك بهَا مستكرها لَهَا ضمن عِنْدهم
جَمِيعًا لِأَنَّهُ فعله لنَفسِهِ دون إِذْنهَا كَمَا لَو ضربهَا للنشوز
(2/358)
858 - فِي وَطْء الْمَرْأَة بِحَضْرَة
أُخْرَى
ذكره مَالك وَالثَّوْري أَن يُجَامع إِحْدَى امرأتيه بحذاء الْأُخْرَى
وَلَيْسَ عَن أَصْحَابنَا فِيهِ شَيْء مَنْصُوص وَقِيَاس قَوْلهم أَنه لَا
يفعل
859 - فِي تَفْسِير الغيل الَّذِي رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
قَالَ مَالك الغيلة أَن يمس امْرَأَته وَهِي ترْضع
قَالَ ابْن الْقَاسِم فَقلت لمَالِك بعض النَّاس يَقُول هِيَ أَن يمس
امْرَأَته وَهِي حَامِل فَقَالَ لَيْسَ كَمَا قَالُوا إِنَّمَا هُوَ أَن
يَمَسهَا وَهِي ترْضع وَهُوَ تَفْسِير الحَدِيث
وَقَالَ مَالك وَإِن طلبت وَطئه إِيَّاهَا لم أر لَهَا فِي ذَلِك حجَّة
وَلَا تجبر على ذَلِك كَانَت فِيهِ يَمِين أَو لم تكن وَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لقد هَمَمْت أَن أنههم عَن الغيلة فَإِذا الْجَبْر على
الْوَطْء إِذا منعهَا على وَجه الاصلاح فَهَذَا إِنَّمَا يُرِيد بِهِ
صَلَاح الْوَلَد
قَالَ ابْن وهب سُئِلَ اللَّيْث عَن الاستسرار فَقَالَ سَمِعت فِيهِ
اخْتِلَافا فَمن النَّاس منيقول هُوَ أَن يحل لَهُ وَمِنْهُم من يَقُول
هُوَ الْوَطْء فَإِنِّي لَا أحب التَّنَزُّه عَن ذَلِك كُله
قد رَوَت أَسمَاء بنت يزِيد الْأَنْصَارِيَّة سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لاتقتلوا أَنفسكُم فَإِن الغيل يدْرك الْفَارِس على
ظهر فرسه
(2/359)
وَرُوِيَ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن
جذامة بنت وهب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد هَمَمْت
أَن أنهى النَّاس عَن الغيلة حَتَّى ذكرت أَن فَارس وَالروم يصنعون ذَلِك
فَلَا يضر أَوْلَادهم
وَذكر عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لما نهى عَن الاغتيال ثمَّ قَالَ لَو ضرّ أحدا لضر فَارس
وَالروم
فَأخْبر أَن الاباحة بعد الْحَظْر ناسخة لَهُ
وَيحْتَمل أَن يكون نَهْيه لم يكن حتما وَإِنَّمَا كَانَ نظرا للْوَلَد
وإشفاقا عَلَيْهِ حَتَّى ظن أَن ذَلِك يضرّهُ ثمَّ لما وقف على أَنه لَا
يضرّهُ أَبَاحَهُ
كَمَا روى عَنهُ الْأَمر بترك تلقيح النّخل لِأَنَّهُ ظن أَنه لَا ينْتَفع
ثمَّ انه لما علم أَنه ينفع أَمر بِهِ
وَقد روى سماك عَن عَطِيَّة بن جُبَير عَن أَبِيه فِيمَن حلف لَا يقرب
امْرَأَته حَتَّى يفطم الصَّبِي وَمَضَت أَرْبَعَة أشهر فَسَأَلت عليا
فَقَالَ إِن كنت حَلَفت لضره فقد بَانَتْ مِنْك امْرَأَتك وَإِلَّا فَهِيَ
امْرَأَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَعند أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ أَن الرَّضَاع لَا
يبطل حَقّهَا فِي الْجِمَاع لأَنهم قَالُوا إِذا قَالَ وَالله لَا أقْربك
حَتَّى تفطمي ولدك وَبَينه وَبَين الْفِطَام أَكثر من أَرْبَعَة أشهر
فَهُوَ مول
860 - فِي ردة أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا ارْتَدَّ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَبى أحد الزَّوْجَيْنِ الْإِسْلَام بعد الْعرض
فِيمَا لَا يقر
(2/360)
عَلَيْهِ فرق بَينهمَا فَإِن كَانَ
الزَّوْج الَّذِي أَبى قبل الدُّخُول فَعَلَيهِ نصف الْمهْر وَإِن كَانَت
الْمَرْأَة هِيَ الَّتِي أَبَت فَلَا شَيْء لَهَا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك أَيهمَا أسلم فَفرق بَينهمَا قبل الدُّخُول فَلَا مهر لَهَا
لِأَنَّهُ فسخ بطلَان
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي الْمَجُوسِيّ تسلم امْرَأَته وَلم يدْخل بهَا فقد
انْقَطَعت الْعِصْمَة وَلَا صدَاق لَهَا وَإِن أسلم هُوَ وَلم يدْخل ثمَّ
تسلم حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا فلهَا نصف الصَدَاق وَإِن أسلمت قبل أَن
تَنْقَضِي الْعدة فهما على النِّكَاح
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ وَإِذا أسلم الزَّوْج الوثني وَله
امْرَأَة كَذَلِك قبل الدُّخُول فلهَا نصف الْمهْر فَإِن أسلمت هِيَ قبله
فَلَا صدَاق لَهَا لِأَن الْفَسْخ من قبلهَا
861 - فِي العَبْد يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن سَيّده
قَالَ أَصْحَابنَا إِن بلغ السَّيِّد فَأَجَازَهُ جَازَ فَإِن طَلقهَا
العَبْد قبل أَن يجز الْمولى لم يَقع طَلَاقه وَكَانَ متاركة النِّكَاح
وَقَالَ مَالك إِن أجَازه الْمولى جَازَ وَإِن طَلقهَا ابْتِدَاء لم تحل
إِلَّا بعد زوج لِأَنَّهُ إذانكح بِغَيْر إِذن السَّيِّد فَالْأَمْر يبْقى
بيد السَّيِّد
وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز وَإِن أجَازه الْمولى
قَالَ أَصْحَابنَا وَكَذَلِكَ الأمه إِذا تزوجت بِغَيْر إِذن الْمولى
فَهُوَ مَوْقُوف على إِجَازَته
(2/361)
قَالَ مَالك لَو أَن عبدا تزوج بِغَيْر
إِذن مَوْلَاهُ فَعرض على السَّيِّد فَأنْكر ثمَّ قَالَ أجزت فِي مَكَانَهُ
كَانَ جَائِزا وَلَو كَانَ بيعا فَقَالَ قد أجزت بعد أَن أنكر لم يلْزم
البيع
وَقَالَ فِي الْأمة تتَزَوَّج بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا نِكَاحهَا بَاطِل
أجَاز الْمولى أَو لم يجز لِأَن العَبْد يعْقد على نَفسه وَالْأمة لَا تلِي
عقد النِّكَاح على نَفسهَا
وَقَالَ اللَّيْث فِي العَبْد إِذا أجَاز الْمولى جَازَ
وَقَالَ الثَّوْريّ عَن إِبْرَاهِيم يجوز وَأحب إِلَيّ أَن يسْتَقْبل
النِّكَاح
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز وَإِن أجَازه الْمولى
862 - فِي العَبْد وَالْأمة يتزوجان بِغَيْر إِذن الْمولى ثمَّ يعْتق أَو
ينْتَقل الْملك فِيهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا عتقا جَازَ النِّكَاح عَلَيْهِمَا وَلَا خِيَار
للْأمة
وَذكر الْحسن عَن زفر أَنَّهُمَا إِذا عتقا بَطل نِكَاحهمَا وَكَذَلِكَ لَو
مَاتَ الْمولى بَطل وَلم يكن للْوَرَثَة أَن يجيزوا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو وسف وَمُحَمّد فِي العَبْد إِذا مَاتَ
مَوْلَاهُ فللوارث أَن يجيزوا وَفِي الْأمة إِذا مَاتَ الْمولى ووارثه
ابْنه بَطل نِكَاحهَا وَكَذَلِكَ إِن وَهبهَا أَو وَهبهَا من رجل
863 - إِذا عتقت الْأمة لمن يكن الصَدَاق
قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ دخل بهَا فالصداق للْمولى وَإِن لم يدْخل بهَا
فَاخْتَارَتْ نَفسهَا بَطل الصَدَاق وَإِن اخْتَارَتْ الزَّوْج فالمهر
للْمولى
وَقَالَ مَالك إِذا أعْتقهَا بعد الدُّخُول فالمهر للْأمة إِلَّا أَن يشرطه
السَّيِّد
(2/362)
فَيكون لَهُ وَإِن أعْتقهَا قبل الدُّخُول
فَهُوَ كَذَلِك أَيْضا إِلَّا أَن تخْتَار نَفسهَا فَيبْطل صَدَاقهَا
وَقَول اللَّيْث كَقَوْل مَالك
وَقَول الشَّافِعِي كَقَوْل أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الزَّوْج عبدا
لِأَنَّهُ يُوجب الْخِيَار لَهَا إِذا كَانَ حرا
864 - فِي الْمَرْأَة تملك زَوجهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ملكت الْمَرْأَة زَوجهَا بِبيع بعد الدُّخُول تحول
مهرهَا فِي ثمنه كالغريم إِذا اشْترى العَبْد الْمَدِين
الْغَرِيم فِي امْرَأَة داينت عبدا ثمَّ اشترته وَعَلِيهِ ذَلِك الدّين أَن
ذَلِك لَا يبطل عَنهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يبطل دينهَا
865 - فِي العَبْد يتسرى
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لَا يتسرى العَبْد لِأَنَّهُ لَا يملك إِذن
السَّيِّد لَهُ أَو لم يَأْذَن
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يتسرى فِي مَاله بِغَيْر إِذن سَيّده
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث يتسرى بِإِذن سَيّده
866 - فِي الْأمة تعْتق وَلها زوج
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ لَهَا الْخِيَار حرا كَانَ
زَوجهَا أَو عبدا
(2/363)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَاللَّيْث
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا خِيَار لَهَا إِذا كَانَ زَوجهَا حرا
867 - فِي وَقت خِيَار الْعتْق
قَالَ أَصْحَابنَا إِن علمت بِالْعِتْقِ وَبَان لَهَا الْخِيَار فخيارها
على الْمجْلس
وَقَالَ مَالك إِذا أعتقت وَهِي تَحت عبد فوقفت فَلم تختر نَفسهَا ثمَّ
تُرِيدُ أَن تخْتَار نَفسهَا فَإِنَّهَا تسْأَل عَن وقوفها إِذا وقفت فَإِن
قَالَت لأختار فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِن قَالَت وقفت وقُوف رضَا فَلَا
خِيَار لَهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَهَا الْخِيَار مَا لم يسمهَا من
غير تَوْقِيت
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن حَفْصَة بنت عمر وَعبد الله بن عمر مثل
ذَلِك من غير خلاف من أحد الصَّحَابَة لَهما
وَقد رُوِيَ عَن سعد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ لما خيرت بَرِيرَة رَأَيْت زَوجهَا مَعهَا فِي سِكَك
الْمَدِينَة ودموعه تسيل على لحيته فَكلم لَهُ النَّاس رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يطْلب إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم زَوجك وَأَبُو ولدك فَقَالَت أتأمرني بِهِ يَا رَسُول
الله فَقَالَ أَنا شَافِع فَقَالَت إِن كنت شافعا فَلَا حَاجَة لي فِيهِ
فَاخْتَارَتْ نَفسهَا وَكَانَ يُقَال لَهُ مغيث وَكَانَ عبدا لآل
الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم
(2/364)
فَأخْبر أَن مرورها فِي سِكَك الْمَدِينَة
فقولها للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتأمرني لم يبطل خِيَارهَا
868 - فِي خِيَار الْمُكَاتبَة إِذا عتقت
قَالَ أَصْحَابنَا لَهَا الْخِيَار إِذا أعتقت وَهِي تَحت زوج وَهُوَ قَول
مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر لَا خِيَار لَهَا
869 - فِي الْمَرْأَة هَل يجب عَلَيْهَا جهاز
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ لَهَا أَن تتجهز للرجل بِمَا
زَوجهَا بِقَلِيل وَلَا كثير
وَقَالَ مَالك على الْمَرْأَة أَن تتجهز للرجل بمايصلح النَّاس فِي
بُيُوتهم وتتخذ خادماإن كَانَ فِي الصَدَاق مَا يبلغ ذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل ينْكح الْمَرْأَة على صدَاق مُسَمّى وخادم ثمَّ
يبتني بهَا فتريد بعد ذَلِك أَن تبيع متاعها وخادمها فَلَيْسَ لَهَا أَن
تبيع مَا مَتعهَا بِهِ مِمَّا دخلت بِهِ وَتَزَوجهَا بِهِ وتقيم بِلَا
مَتَاع وَلَا خَادِم الا ان تُرِيدُ أَن تبيع ذَلِك لتستبدل بِهِ مَتَاعا
غَيره اَوْ خَادِمًا غَيره
وَقَالَ فِي الرجل يُزَوّج ابْنَته فَتخرج بالحلي والسوار وَالْخَادِم
فتقيم مَعَ زَوجهَا ثمَّ يَدعِي أَبوهَا أَن ذَلِك لَهُ دون ابْنَته فَإِن
كَانَ أشهد على ذَلِك قبل أَن يدخلهَا على زَوجهَا فَذَلِك لَهُ وَإِن لم
يشْهد على ذَلِك فَلَا شَيْء لَهُ
قَالَ اللَّيْث إِلَّا أَنه يَقُول للزَّوْج صداقه لَا يُؤَخر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة}
النِّسَاء 4 والنحله مَا يَزُول بِهِ ملكه من غير أَن يملك بَدَلا مثله
فَدلَّ على أَنه لَا يسْتَحق
(2/365)
بِإِزَاءِ الْمهْر عَلَيْهَا جهازا وَلَا
غير وَقَالَ تَعَالَى {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا
مريئا} النِّسَاء 4 فَجعله كَسَائِر أملاكها
870 - فِي الْمَجْبُوب والخصي وَهل يلْحقهَا النّسَب
قَالَ أَصْحَابنَا يلْحقهُ نسب ولد زَوجته إِذا كَانَ ينزل وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر يلْزمه الْوَلَد وَلم يشْتَرط أَنه ينزل
وَقَالَ مَالك إِن كَانَا لَا ينزلان لم يلحقهما نسب الْوَلَد وَهُوَ من
زنا
وَقَالَ اللَّيْث الْخصي يلْزمه نسب ولد زَوجته وَأما الْمَجْبُوب فَإِنِّي
فِي شكّ من نِكَاحه
871 - فِي الْعَاجِز عَن النَّفَقَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يفرق بَينه وَبَين امْرَأَته وَلَا يجْبر على
طَلاقهَا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك يفرق بَينهمَا بِطَلْقَة رَجْعِيَّة فَإِن أيسر فِي عدتهَا
فَلهُ عَلَيْهَا رَجْعَة
قَالَ اللَّيْث يفرق بَينهمَا
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب يفرق بَينهمَا وَهُوَ سنة
(2/366)
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز يتعذره
وَالزهْرِيّ لَا يفرق بَينهمَا
قَالَ عمر قَالَ الله تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا}
الْبَقَرَة 286
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو كَانَ مُوسِرًا فَلم يقدر إِلَّا على قوت يَوْمه
لم أفرق بَينهمَا لأجل مَا يسْقط من نَفَقَة الْمُوسر إِلَى الْمُعسر
فَكَذَلِك عَجزه عَن الْجَمِيع أَلا ترى أَنه لَو عجز فِي الِابْتِدَاء عَن
الْوَطْء فرق بَينهمَا وَلَو وطأ مرّة ثمَّ عجز لم يفرق والمطالبة قَائِمَة
لَهَا بِالْجِمَاعِ بعد الْوَطْء الأول وَلَيْسَ الْعَجز عَن النَّفَقَة
كالعجز عَن الْجِمَاع بدءا
872 - فِي الْمُعسر عَن الصَدَاق
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يفرق بَينهمَا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك يضْرب لَهُ أجل بعد أجل فَإِن قدر على مهرهَا وَإِلَّا فرق
بَينهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَلَو أعْسر بِالصَّدَاقِ وَلم يعسر بِالنَّفَقَةِ
فَاخْتَارَتْ الْمقَام مَعَه لم يكن فِرَاقه لأجل الصَدَاق وَلَو
اخْتَارَتْ الْمقَام مَعَ الْعَجز عَن النَّفَقَة (159 ب) ثمَّ أَرَادَت
الْفرْقَة كَانَ لَهَا ذَلِك لِأَن ذَلِك عَفْو عَمَّا مضى
873 - فِي الْمَمْلُوكَة تَزني أَو الزَّوْجَيْنِ هَل يسع إِمْسَاكه
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الزَّوْجَيْنِ إِذا زنى أَحدهمَا لم يحرم بذلك على
الآخر
(2/367)
قَالَ ابْن أبي عمرَان من قَوْلهم إِنَّه
اذا زنت زَوجته وحملت من الزِّنَا لَا يحرم على الزَّوْج وَطْؤُهَا لِأَن
حملهَا لَازم لَهُ وَلَو علم من أمته ذَلِك لَا يحل لَهُ وَطئهَا إِلَّا
بعد وِلَادَتهَا لِأَن حملهَا لم يلْزمه
وَأما على مَذْهَب مَالك فَإِن على الزانيه االعده فَلَا يَطَأهَا زَوجهَا
حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وَلَا يفْسد نِكَاحهَا
وَقَالَ الأوازعي إِذا اطلع من امْرَأَته على زنا لَا يرَاهُ حَرَامًا
عَلَيْهِ إِِمْسَاكهَا وَلَا يجوز لَهُ يطَأ أَن جَارِيَته إِذا علم
إِنَّهَا تَزني لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا زنت فبيعوها
وَلَو بضفير
قَالَ وَأي الزَّوْجَيْنِ زنى فهما على نِكَاحهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن الزِّنَا لَا يمْنَع ابْتِدَاء العقد وَلَا يفسخه
اذا وَقع بعده
وروى عَن على فِي رجل تزوج امْرَأَة فذنى بهَا قبل ان يدْخل بهَا أَنه يفرق
بَينهمَا وَهُوَ قَول الْحسن وَإِبْرَاهِيم قَالَ إِبْرَاهِيم وَلَا صدَاق
لَهَا
قَالَ ابو جَعْفَر وَلَا نعلم أحدا من الصحابه روى عَنهُ ذَلِك
وأباح نِكَاحهمَا عمر قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم}
النُّور 6
(2/368)
فَلم يُوقع فرقه برميها بِالزِّنَا وَلَا
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْعجْلَاني وَامْرَأَته
ثمَّ فرق بَينهمَا
وَأما قَول الأوازعي فِي الأمه فَلَا معنى لَهُ لِأَن الزِّنَا لَو كَانَ
يحرم الأمه إِذا كثر لمنع أَيْضا وَقع مرّة وَاحِدَة
وَمَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَوْله ثمَّ إِذا زنت
فبيعوها على جِهَة كَرَاهَة إمْسَاك من كَانَ عَادَته الزِّنَا لَا على
جِهَة تَحْرِيم الْوَطْء لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما أَمر بِالْبيعِ
لِأَن الْمُبْتَاع يجوز لَهُ الْوَطْء
874 - فِيمَن تزوج أُخْتَيْنِ فِي عقدتين
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن تزوج أُخْتَيْنِ فِي عقدتين لَا يدْرِي
أَيَّتهمَا الأولى أَنه يفرق بَينهمَا وَيكون لَهما عَلَيْهِ نصف مهريهما
وَإِن مَاتَا قبل أَن يبين كَانَ لَهما مِيرَاث امْرَأَة
وَلَا يعرف عَن مَالك شَيْء مَنْصُوص وَالَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ من ذَلِك
على مذْهبه أَنه يُوقف مِيرَاث الزوجه مِنْهُمَا حَتَّى يعرف فَيدْفَع
إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا دخل بِإِحْدَاهُمَا ثمَّ توفى فللمدخول بهَا
صدَاق كَامِل وللتي لم تدخل نصف صدَاق وَلها الْمِيرَاث وَعَلَيْهَا عدَّة
الْوَفَاة
وَقَالَ عُثْمَان البتي يكون الْمِيرَاث مَوْقُوفا عَلَيْهِمَا إِذا لم
يدْخل بِوَاحِدَة وَلها صدَاق وَاحِد يُوقف بَينهمَا
(2/369)
قَالَ لم يَخْتَلِفُوا أَنه يقْضى بَينهمَا
بِالْمِيرَاثِ لوَاحِدَة مِنْهُمَا فَوَجَبَ إِذا لم يكن هُنَاكَ
مُسْتَحقّا غَيرهمَا أَن يكون لَهما
875 - فِي نَفَقَة مَا مضى هَل تكون دينا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يفْرض القَاضِي وَلم يفرضها هُوَ لم تصر دينا
بِمُضِيِّ الْوَقْت وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِيمَن غَابَ عَن
امْرَأَته زَمَانا ثمَّ قدم فَإِن طلبت النَّفَقَة قَالَ إِن أقرّ وأقامت
عَلَيْهِ بَيِّنَة غرم نَفَقَتهَا وَإِلَّا لم تكن لَهَا إِلَّا من حِين
رفعت
وَقَالَ مَالك فِيمَن غَابَ عَن امْرَأَته ثمَّ حضر ثمَّ غَابَ ثمَّ حضر
وَطلبت امْرَأَته النَّفَقَة أَن ذَلِك لَيْسَ لَهَا
وَقَالَ أَيّمَا امْرَأَة غَابَ عَنْهَا زَوجهَا فادعت أَنه لم يأتها
مِنْهُ نَفَقَة وَقَالَ قد بعثت إِلَيْهَا نَفَقَة أَحْلف وَكَانَ القَوْل
قَوْله وَإِذا استدانت وَرفعت أمرهَا إِلَى الإِمَام وَهُوَ غَائِب حسب
لَهَا من يَوْم رفعت فَإِن أنكر ذَلِك زَوجهَا حَلَفت الْمَرْأَة وَدفع مَا
ذكرت
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يحكم لَهَا بِنَفَقَة
مَا مضى وَيكون دينا عَلَيْهِ
876 - فِي نَفَقَة الزَّوْجَة الْأمة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِن بوأها بَيْتا فلهَا
السُّكْنَى وَالنَّفقَة وَإِلَّا فَلَا شَيْء لَهَا
(2/370)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا زوج الرجل
ابْنَته عِنْد قوم قعد مَعَ أَهلهَا وكسوتها على زَوجهَا
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الناشز لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة
وَلَا الْكسْوَة لعدم التَّسْلِيم كَذَلِك الْأمة إِذا لم تسْتَحقّ
النَّفَقَة لعدم التَّسْلِيم فَوَجَبَ أَن لَا تسْتَحقّ الْكسْوَة
877 - فِي فرض الْخَادِم للزَّوْجَة
قَالَ أَصْحَابنَا يفْرض لَهَا ولخادمها النَّفَقَة
وروى مُحَمَّد لخادمتين إِذا كَانَت خطيرة أَو ابْنة بعض القواد
وَذكر ابْن أبي عمرَان عَن أبي يُوسُف أَنه يفْرض لمن لَا تقوم خدمتها
إِلَّا بِهِ وَلم يُوَقت فِيهِ عددا
وَقَالَ مَالك يفْرض لخادم وَاحِد
وَقَالَ اللَّيْث يفْرض لخادمين
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مَوضِع لَا يفْرض لخادم وَقَالَ فِي مَوضِع يفْرض
لخادم وَاحِد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْمَرْأَة لَيْسَ عَلَيْهَا أَن
تخْدم نَفسهَا وَأَن على زَوجهَا أَن يكفيها ذَلِك وَأَنه لَو كَانَ مَعهَا
خَادِم لم يكن للزَّوْج إِخْرَاج الْخَادِم من بَيته فَوَجَبَ أَن يكون
عَلَيْهِ نَفَقَة الْخَادِم على حسب حَاجَتهَا إِلَيْهِ
878 - فِي نَفَقَة الصَّغِيرَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا نَفَقَة للصغيرة الَّتِي لَا تجامع مثلهَا وَإِن
كَانَت الزَّوْجَة
(2/371)
كَبِيرَة وَالزَّوْج صَغِيرا فلهَا
النَّفَقَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ صَغِيرا فَلَا نَفَقَة لَهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا نَفَقَة للصغيرة
تَتِمَّة 833 زِيَادَة فِي المسبية
(160 ب) قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَحْمد بن شُعَيْب قَالَ حَدثنَا
مُحَمَّد بن الْأَعْلَى قَالَ حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع قَالَ حَدثنَا سعيد
عَن قَتَادَة عَن أبي الْخَلِيل عَن أبي عَلْقَمَة الْهَاشِمِي عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث جَيْشًا
إِلَى أَوْطَاس فَلَقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عَلَيْهِم فَأَصَابُوا
سَبَايَا لَهُنَّ أَزوَاج فِي الْمُشْركين فَكَانَ الْمُسلمُونَ يتحرجون من
غشيانهم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا
ملكت أَيْمَانكُم} النِّسَاء 24 أَي هن لكم حلا إِذا مَضَت عدتهن فَفِيهِ
ذكر الْعدة وَهِي حجَّة الْحسن بن حَيّ فِي إِيجَابه الْعدة فِي المسبية
قد كُنَّا ضعفنا هَذَا الحَدِيث بِجَهَالَة الرجل الَّذِي بَين أبي
الْخَلِيل وَبَين سعيد وَقد وقفنا على أَنه أَبُو عَلْقَمَة وَهُوَ رجل من
أهل الْعلم
وَقد روى عَنهُ يعلى بن عَطاء وروى هُوَ عَن أبي سعيد هَذَا الحَدِيث وَله
أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة
وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن أَزوَاجهنَّ كَانُوا فِي الْمُشْركين فَلم
يَكُونُوا إِذن مَعَهُنَّ فَكَانَت الْفرْقَة قد وَقعت بَينهم وبينهن
بِالسَّبْيِ
(2/372)
تَتِمَّة 825 قَول مَالك فِي الْمَفْقُود
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَفْقُود على مَذْهَب مَالك على أَرْبَعَة أوجه
فَوجه مِنْهَا إِذا فقد بَين الصفين عمر مابين السّبْعين إِلَى
الثَّمَانِينَ ومفقود تِجَارَة تربص بِهِ أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد زَوجته
عدَّة الْوَفَاة ومفقود تَتَرَبَّص بِهِ سنة وَتعْتَد عدَّة الْوَفَاة
ومفقود فِي معارك الْقَتْل يجْتَهد فِيهِ الإِمَام وَلَيْسَ فِيهِ ضرب أجل
مَعْلُوم ثمَّ تَعْتَد عدَّة الْوَفَاة بعد الِاجْتِهَاد آخر كتاب
النِّكَاح
(2/373)
= كتاب الطَّلَاق =
879 - طَلَاق السّنة
قَالَ أَصْحَابنَا أحسن الطَّلَاق أَن يطلقهَا إِذا طهرت قبل الْجِمَاع
ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وَإِن أَرَادَ أَن يطلقهَا
ثَلَاثًا طَلقهَا عِنْد كل طهر وَاحِدَة قبل الْجِمَاع وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ
قَالَ أَبُو حنيفَة وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم انهم كَانُوا يستحبون أَن لَا يزِيدُوا فِي الطَّلَاق
وَاحِدَة حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة فَإِن هَذَا افضل عِنْدهم من أَن يطلقهَا
ثَلَاثًا عِنْد كل طهر وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك وَعبد الْعَزِيز بن ابي سَلمَة الْمَاجشون وَاللَّيْث بن سعد
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ بِبُطْلَان الْعدة أَن يطلقهَا فِي طهر
قبل الْجِمَاع تَطْلِيقَة وَاحِدَة ويكرهون أَن يطلقهَا ثَلَاثًا فِي
ثَلَاثَة أطهار وَلكنه إِن لم يرد رَجعتهَا تَركهَا حَتَّى تَنْقَضِي
عدتهَا من الْوَاحِدَة
(2/375)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ لَا
يحرم أَن يطلقهَا ثَلَاثًا فَإِن قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة
وَهِي طَاهِر من غير جماع طلقت ثَلَاثًا مَعًا فَإِن كَانَت مجامعة أَو
حَائِضًا أَو نفسَاء وَقع الطَّلَاق عَلَيْهَا حِين تطهر من الْحيض أَو
النّفاس وَحين تطهر المجامعة من أول حيض بعد قَوْله
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق عَن ابي الْأَحْوَص
عَن عبد الله أَن طَلَاق السّنة يطلقهَا تَطْلِيقَة وَهِي طَاهِر من غير
جماع فَإِذا حَاضَت وطهرت طَلقهَا أُخْرَى
وَقَالَ إِبْرَاهِيم مثل ذَلِك
وَقد خَالف الْأَعْمَش فِي هَذَا جمَاعَة مِنْهُم شُعْبَة وَالثَّوْري
وَالزهْرِيّ وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة كلهم عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي
الْأَحْوَص عَن عبد الله فِي قَول الله {فطلقوهن} أَن يطلقهَا طَاهِرا من
غير جماع ثمَّ يَدعهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا أويراجعها إِن شَاءَ وَإِن
لم يذكر الطَّلَاق عِنْد كل طهر
وَهَؤُلَاء مقدمون فِي حفظ حَدِيث ابي إِسْحَاق عَن الْأَعْمَش لِأَن
رِوَايَة الْأَعْمَش عَن الْمُتَأَخِّرين كروايته عَن الْمُتَقَدِّمين
وَفِي لفظ زُهَيْر من أَرَادَ الطَّلَاق الَّذِي هُوَ الطَّلَاق فليطلق
عِنْد كل طهر من غير جماع فَلْيقل اعْتدي فَإِن بدا لَهُ رَاجعهَا وَأشْهد
رجلَيْنِ وَإِن كَانَت الثَّانِيَة فِي مرّة أُخْرَى وَكَذَلِكَ قَالَ الله
تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ}
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله وَإِلَّا كَانَت الثَّانِيَة فِي مرّة أُخْرَى
يحْتَمل أَن يكون المُرَاد فِي نِكَاح سوى النِّكَاح الأول فيوافق
مَعْنَاهُ معنى حَدِيث شُعْبَة وسُفْيَان
(2/376)
880 - فِي طَلَاق الْحَامِل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يطلقهَا ثَلَاثًا إِن شَاءَ بالشهور
وَقَالَ مَالك وَزفر وَمُحَمّد وَلَا يزِيد على وَاحِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ للحامل أَو الَّتِي لَا تحيض أَنْت طَالِق
للسّنة أَو الْبِدْعَة طلقت مَكَانهَا لِأَنَّهُ لَا سنة فِي طَلاقهَا
وَلَا بِدعَة
881 - فِي طَلَاق السّنة للَّتِي لَا تحيض
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يُطلق الآيسة وَالصَّغِيرَة مَتى
شَاءَ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَزفر يفصل بَين الْجِمَاع وَالطَّلَاق بِشَهْر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك والمستحاضة يطلقهَا زَوجهَا مَتى شَاءَ
وعدتها سنة سَوَاء كَانَ يَطَأهَا أَو لَا يَطَأهَا وَله عَلَيْهَا
الرّجْعَة حَتَّى تَنْقَضِي السّنة فَإِذا انْقَضتْ السّنة حلت للأزواج
إِلَّا أَن تكون بهَا رِيبَة فتنتظر حَتَّى تذْهب الرِّيبَة فَإِذا ذبت
الريبه وَقد مَضَت السّنة فَلَيْسَ عَلَيْهَا من الْعدة شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولى آل
طَلْحَة عَن سَالم عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لَهُ لما طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ لَهُ رَاجعهَا ثمَّ
طَلقهَا وَهِي طَاهِر أَو حَامِل
(2/377)
وَلم يقل أَو حَامِل حملا لم يَمَسهَا
فِيهِ فَدلَّ ذَلِك على أَنه إِن جَامعهَا فِي الْحمل جَازَ لَهُ أَن
يطلقهَا عَقِيبه
فَإِن قيل فِي حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا قلت طَلقهَا
طَاهِرا وَلم يقل طهرا لم يُجَامِعهَا فِيهِ
قيل لَهُ قد بَينه فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه قَالَ
فَإِن بدا لَهُ فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا قبل أَن يَمَسهَا وَلم يقل فِي
شَيْء من الْأَخْبَار أَنه يُطلق الْحَامِل قبل أَن يمس وَإِذا ثَبت أَن
الْمَسِيس فِي الْحمل لَا يمْنَع وُقُوع الطَّلَاق عَقِيبه كَانَت الآيسة
وَالصَّغِيرَة مثلهَا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا ليستا مِمَّن تحيض
882 - فِيمَن قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق للسّنة وَهِي فِي غير مَوضِع
سنة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا قَالَ لَهَا وَهِي حَائِض أَنْت
طَالِق للسّنة وَقع عَلَيْهَا إِذا ظَهرت
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لَا مرأته وَهِي حَائِض أَنْت طَالِق إِذا طهرت
طلقت مَكَانهَا وَيجْبر الرجل على رَجعتهَا وَكَذَلِكَ على أَصله إِذا
قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة وَهِي حَائِض يَقع فِي الْحَال
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة وَلَا نِيَّة
لَهُ وَهِي مِمَّن لَا تحيض طلقت عِنْد كل طهر وَاحِدَة فَإِن كَانَت
مِمَّن لَا تحيض طلقت السَّاعَة وَاحِدَة وَعند كل شهر أُخْرَى وَإِن نوى
أَن يقعن الثَّلَاث مَعًا وقعن فِي الْحَال
(2/378)
وَحكى ابْن أبي عمرَان عَن مُحَمَّد بن
شُجَاع عَن الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق
ثَلَاثًا للسّنة وَهِي مِمَّن تحيض وَقعت فِي كل طهر وَاحِدَة فَإِن نوى
أَن يقعن مَعًا كَانَت نِيَّته باطله ووقعن لأوقات السّنة فَكَذَلِك فِي
الْمَشْهُور الَّتِي لَا تحيض
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة وقعن جَمِيعًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة يحْتَمل أَن
يُرَاد سنة غَيرهَا من النِّسَاء وَقد يكون ذَلِك وَقت سنة غَيرهَا فَيَقَع
فِي الْحَال
883 - فِيمَن طلق لغير السّنة هَل يجْبر على الرّجْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُرَاجِعهَا وَلَا يجْبر عَلَيْهَا
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِذا طَلقهَا وَهِي حَائِض فَإِن السّنة إِن يُرَاجِعهَا
كَمَا يجب فِي الْحيض وَإِن طَلقهَا فِي النّفاس أجبر على رَجعتهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا أَمر بالمراجعة ليقطع أَسبَاب الطَّلَاق
الْخَطَأ فيبتدئ الطَّلَاق على الْوَجْه الْمُبَاح فَلَا فرق بَين طَلَاق
الْحَائِض وَبَينه بعد الْجِمَاع فِي الطُّهْر وَالنَّبِيّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَمر ابْن عمر بالرجعة وَلم يجْبرهُ وَمَالك
يَقُول فِي الْمظَاهر أَنه لَا يجْبر على الْكَفَّارَة حَتَّى تطالبه
زَوجته وَالظِّهَار مَعْصِيّة فالرجعة أولى أَن لَا يجْبر عَلَيْهَا وَإِن
طلق فِي الْحيض
(2/379)
884 - فِيمَن طلق فِي بعض الْيَوْم وَهِي
مِمَّن لَا تحيض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَلقهَا من بعض يَوْم وعدتهاالشهور فَإِنَّمَا
تَعْتَد من حِين طلق وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين عدَّة الطَّلَاق والوفاة
إذاكانت مِمَّن لَا تحيض وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِنَّهَا تطرح ذَلِك الْيَوْم وَتعْتَد يَوْمًا
آخر سواهُ وَذكر صَفْوَان عَن الْوَلِيد أَنه سَأَلَ مَالِكًا عَن هَذِه
الْمَسْأَلَة فَقَالَ بلغنى ذَلِك الْكسر حَتَّى تسْتَقْبل عدتهَا من مغيب
الشَّمْس إِلَى مغيب الشَّمْس وَإِن فعلت الأول أجزأها
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد صَارَت فِي الْعدة عقيب الطَّلَاق فَوَجَبَ
الِاعْتِدَاد بذلك الْوَقْت لِأَنَّهَا لَو لم تَعْتَد بذلك الْوَقْت لما
كَانَت فِي الْعدة فَكَانَ مُبَاحا لَهَا النِّكَاح
وَلما كَانَ ذَلِك وَكَانَ الله تَعَالَى أوجب على الْمُتَوفَّى عَنْهَا
أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وعَلى الَّتِي لَا تحيض ثَلَاثَة أشهرلم تجز
الزِّيَادَة على الْوَقْت الْمَذْكُور
وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لوحلف أَنه لايقرب زَوجته خَمْسَة أشهر أَنه يكون
موليا عقب الْيَمين وَإِن كَانَت الْأَرْبَعَة أشهر من وَقت الْحلف
885 - فِي الْعدة بالشهور كَيفَ هِيَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا سُلَيْمَان بن شُعَيْب عَن ابيه عَن أبي
يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا والمعتدة فِي
الطَّلَاق بالشهور أَنه إِن وَجَبت مَعَ
(2/380)
رُؤْيَة الْهلَال اعْتدت بِالْأَهِلَّةِ
وَكَانَ الشَّهْر نَاقِصا أَو تَاما وَإِن كَانَت الْعدة وَجَبت فِي بعض
شهر لم تعْمل على الْأَهِلّة واعتدت بتسعين يَوْمًا فِي الطَّلَاق وَفِي
الْوَفَاة وَثَلَاثُونَ يَوْمًا
قَالَ وَحدثنَا سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي
حنيفَة بِخِلَاف ذَلِك وَإِن كَانَت الْعدة وَجَبت فِي بعض شهر فَإِنَّهَا
تَعْتَد بِمَا بَقِي من ذَلِك الشَّهْر أَيَّامًا ثمَّ تَعْتَد بِمَا يمر
عَلَيْهَا من الْأَهِلّة شهورا ثمَّ تكمل الْأَيَّام الثَّلَاثَة تَتِمَّة
ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِذا أوجبت الْعدة مَعَ رُؤْيَة الْهلَال اعْتدت
بِالْأَهِلَّةِ قَالَ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد مثل ماروى
سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي
وروى عَن مَالك فِي الْأَخير مثله
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الْأَيْمَان وَالطَّلَاق
وروى عمر بن خَالِد عَن زفر فِي الْإِيلَاء فِي بعض الشُّهُور أَنَّهَا
تَعْتَد بِكُل شهر يمر بهَا تَاما اوناقصا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تَعْتَد بِالْأَيَّامِ حَتَّى تستكمل مائَة وَعشْرين
يَوْمًا وَلَا ينظر فِيهِ إِلَى نُقْصَان الشَّهْر وَلَا إِلَى تَمَامه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن كل وَاحِدَة من هَاتين العدتين
إِذا وَجَبت مَعَ الْهلَال اعْتدت بِكُل هِلَال مِنْهَا شهرا وَلم تنظر
إِلَى عدَّة الْأَيَّام فَوَجَبَ اعْتِبَار مثله إِذا وَجَبت فِي بعض
الشَّهْر فِيمَا تسقبل من الْأَهِلّة قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
{فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر} التَّوْبَة 2 وَأجْمع السلمون
أَنَّهَا كَانَت عشْرين من ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفر وَشهر ربيع الأول
وَعشْرين من ربيع الآخر فَاعْتبر الْهلَال فِيمَا يَلِي من الشُّهُور
(2/381)
886 - فِي الَّتِي يرْتَفع حَيْضهَا
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الَّتِي يرْتَفع حَيْضهَا لَا يأس مِنْهُ فِي
المستأنف عدتهَا الْحيض حَتَّى تدخل فِي السن الَّتِي لَا تحيض أَهلهَا من
النِّسَاء فلتستأنف عدَّة الآيسة ثَلَاثَة أشهر وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك تنْتَظر تِسْعَة أشهر فَإِنَّهَا إِن لم تَحض فِيهِنَّ
اعْتدت ثَلَاثَة أشهر فَإِن حَاضَت قبل أَن تستكمل الثَّلَاثَة الْأَشْهر
اسْتقْبلت الْحيض فَإِن مَضَت بهَا تِسْعَة أشهر قبل أَن تحيض اعْتدت
ثَلَاثَة أشهر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا حَاضَت الْمُطلقَة ثمَّ ارتابت
فَإِنَّهَا تَعْتَد التِّسْعَة أشهر من يَوْم حَيْضهَا لَا من يَوْم طلق
قَالَ مَالك فِي قَوْله تَعَالَى {إِن ارتبتم} الطَّلَاق 4 مَعْنَاهُ إِن
لم تدروا مَا تَصْنَعُونَ فِي أمرهَا
وَقَالَ فِي الَّذِي يرفع الرَّضَاع حَيْضهَا أَنَّهَا لَا تحل حَتَّى تحيض
ثَلَاث حيض وَلَيْسَت كالمرتابة والمستحاضه كالمرتابه فِي الْعدة وَالْأمة
الْمُسْتَحَاضَة والمرتابة بِغَيْر حَالهَا فِي الْعدة وَحَال الْحرَّة
وَاحِد سنة
قَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِن ارتابت من
نَفسهَا انتظرت حَتَّى تذْهب عَنْهَا الرِّيبَة وَإِن لم ترَتّب فعدتها
أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
وَقَالَ مَالك فِي الْوَفَاة عدتهَا تِسْعَة اشهر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل طلق امْرَأَته وَهِي شَابة فارتفع حَيْضهَا
فَلم تَرَ شَيْئا ثَلَاثَة أشهر فَإِنَّهَا تَعْتَد سنة
وروى سعيد بن الْمسيب عَن عمر أيماامرأة طلقت فَحَاضَت حَيْضَة أَو حيضتين
ثمَّ رفعتهاحيضتها فَإِنَّهَا تنْتَظر تِسْعَة أشهر فَإِن استبان بهَا حمل
(2/382)
وَإِلَّا اعْتدت بعدالتسعة أشهر ثَلَاثَة
أشهر ثمَّ حلت
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي الَّتِي ارْتَفع حَيْضهَا سنة قَالَ تِلْكَ
الرِّيبَة
وَعَن عَليّ وَزيد انها لَيست بالآيسة فِي ارْتِفَاع حَيْضهَا
وَقَالَ ابْن مَسْعُود لَا تَنْقَضِي عدتهَا إألا بِالْحيضِ
قَالَ الرِّيبَة ذكرت فِي الآيسة فاتفق الْجَمِيع أَن الآيسة الَّتِي
يتَيَقَّن أَنَّهَا لَا تحيض وَلَا تحمل أبدا مُرَاده بالآيسة
فَثَبت أَن قَوْله {إِن ارتبتم} الطَّلَاق 4 إِنَّمَا هُوَ ارتياب
المخاطبين قبل نزُول الْآيَة فِي عدتهَا فَبين ذَلِك لَهُم فِي الْآيَة
887 - فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ هَل تحظر الزِّينَة وَالطّيب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بذلك
وَقَالَ بشر بن لوليد عَن أبي يُوسُف لَا بَأْس بِأَن تتشوف الْمُطلقَة
وتتطيب وتلبس الْحلِيّ إِذا كَانَ طَلَاقا رَجْعِيًا
قَالَ وَلَا يدْخل عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذن
قَالَ وَله فِيهَا قَول آخر أَنه لَا يدْخل عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن إِلَّا
أَنه يَتَنَحْنَح ويخفق نَعْلَيْه وَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى شعرهَا
ومحارمها وَلَا ينظر على محرم مِنْهَا حَتَّى يشْهد على رَجعتهَا
(2/383)
وَقَالَ مَالك لَا يَخْلُو بهَا وَلَا
يدْخل عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذن ولاينظر إِلَيْهَا إِلَّا (163 أ)
وَعَلَيْهَا ثِيَابهَا وَلَا ينظر إِلَى شعرهَا وَلَا بَأْس بِأَن يَأْكُل
مَعهَا إِذا كَانَ مَعَهُمَا غَيرهمَا وَلَا يبيت مَعهَا فِي بَيت ولينتقل
عَنْهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم رَجَعَ مَالك عَن ذَلِك فَقَالَ لَا يدْخل
عَلَيْهَا وَلَا يرى شعرهَا وَلَا يَأْكُل مَعهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس بِأَن تتشوف لَهُ وتتزين وَيسلم وَلَا
يسْتَأْذن عَلَيْهَا ويؤذنها بالتنحنح وَلَا يرى لَهَا شعرًا وَلَا محرما
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يدْخل عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذن وتتشوف لَهُ
وتتزين وتبدي السَّاق والحجل يَعْنِي الخلخال
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يعتزلها ولايرى لَهَا شعرًا وَلَا ينظر إِلَيْهَا
وَتعرض لَهُ فتتزين
وَقَالَ اللَّيْث لَا يرى شَيْئا من محاسنها حَتَّى يُرَاجع
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الزني الْمُطلقَة طَلَاقا يملك رَجعتهَا
مُحرمَة على مُطلقهَا تَحْرِيم الْبَيْنُونَة حَتَّى يُرَاجع
888 - هَل يُسَافر بالمطلقة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَلقهَا طَلَاقا يملك الرّجْعَة فَلَيْسَ لَهُ أَن
يُسَافر بهَا قبل الرّجْعَة وَهِي رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد
وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن خَالِد عَنهُ لَا يُسَافر بهَا حَتَّى يُرَاجع
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُسَافر بهَا حَتَّى يُرَاجع
(2/384)
889 - فِي الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا
زَوجهَا مَتى تعتدان
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ عدتهَا من يَوْم الطَّلَاق وَيَوْم الْوَفَاة
وَقَالَ ربيعَة فِي الْوَفَاة من يَوْم يَأْتِيهَا الْخَبَر وَهُوَ مَذْهَب
الْحسن الْبَصْرِيّ وحلاس بن عَمْرو
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر من يَوْم مَاتَ
وَيَوْم طلق
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُمَا لَو علمتا بِالطَّلَاق
وَالْمَوْت فتركتا مَا يجب عَلَيْهِمَا من الْإِحْدَاد وَالْخُرُوج حَتَّى
انْقَضتْ الْمدَّة أَنَّهُمَا لاتقضيان ذَلِك فِي مُدَّة أُخْرَى كَذَلِك
إِذا لم تعلما فَهُوَ أَحْرَى أَن لَا تقضيان
890 - فِي الْأَقْرَاء
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
الْأَقْرَاء الْحيض إِلَّا أَن أَصْحَابنَا قَالُوا لَا تَنْقَضِي الْعدة
إذاكان أَيَّامهَا دون الْعشْر حَتَّى تَغْتَسِل من الْحَيْضَة الثَّالِثَة
وَيذْهب وَقت صَلَاة وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ إِلَّا أَنه قَالَ
النَّصْرَانِيَّة واليهودية فِي ذَلِك مثل الْمسلمَة
وَهَذَا لم يقلهُ أحد مِمَّن جعل الْأَقْرَاء الْحيض غير الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن زيادعن زفر هُوَ أَحَق بهَا فَإِن انْقَطع
الدَّم مالم تَغْتَسِل
(2/385)
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا انْقَطع الدَّم
من الْحَيْضَة الثَّالِثَة بطلت الرّجْعَة وَلم تعد الْغسْل
وَقَالَ عمر وَعبد الله زَوجهمَا أَحَق بهما مَا لم تَغْتَسِل من
الْحَيْضَة الثَّالِثَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ الْأَقْرَاء الْأَطْهَار فَإِذا طعنت فِي
الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَانَتْ وانقطعت الرّجْعَة
وَقَالا إِن طَلقهَا فِي طهر قد جَامعهَا فِيهِ اعْتدت فِي ذَلِك الطُّهْر
قرءا
وَقَالَ الزُّهْرِيّ يلغي ذَلِك الطُّهْر ثمَّ تَعْتَد ثَلَاثَة أطهار
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن الْمُتَأَخِّرين من يَقُول إِذا طعنت فِي
الْحَيْضَة الثَّالِثَة بَانَتْ وانقطعت رَجْعَة الزَّوْج وَلَا تحل لَهَا
أَن تتَزَوَّج غَيره حَتَّى تَغْتَسِل من حَيْضَتهَا مِنْهُم إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه
وَرُوِيَ نَحوه عَن ابْن عَبَّاس
وروري عَن عَائِشَة وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت خلاف ذَلِك
وروى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عدَّة الْحرَّة ثَلَاث حيض وعدة الْأمة
حيضتان
891 - فِي عدَّة الْأمة الْمُطلقَة الَّتِي لَا تحيض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طلق امْرَأَته وَهِي أمة صَغِيرَة أَو كَبِيرَة قد
يئست فعدتها شهر وَنصف وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَالشَّافِعِيّ
(2/386)
وَقَالَ اللَّيْث وَمَالك عدتهَا ثَلَاثَة
أشهر
قَالَ مَالك وعدتها فِي الْوَفَاة شَهْرَان وَخمْس لَيَال
وروى عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ ثَلَاثَة أشهر
وَعَن سعيد بن الْمسيب وَأبي قلَابَة شهر وَنصف
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم
قَالَ عدَّة الْأمة إِذا كَانَت لَا تحيض إِذا طلقت إِن شَاءَت شهرا وَنصفا
وَإِن شَاءَت شَهْرَان وَإِن شَاءَت ثَلَاثَة أشهر
وَقد روى حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء بن أبي رَبَاح
قَالَ عدَّة الْأمة إِذا كَانَت لَا تحيض شَهْرَان فَقيل لعَمْرو بن
دِينَار إِن ابْن جريج يَقُول إِن عَطاء يَقُول خمس وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة
وَقَالَ عَمْرو شهِدت على عَطاء أَنه كَانَ يَقُول شَهْرَان
892 - فِي الْأمة تعْتق فِي عدتهَا هَل تنْتَقل عدتهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طلق امْرَأَته وَهِي أمة طَلَاقا رَجْعِيًا ثمَّ
أعتقت فِي الْعدة انْتَقَلت عدتهَا إِلَى عدَّة الْحرَّة فَإِن كَانَ
طَلَاقا بَائِنا لم تنْتَقل وَكَذَلِكَ إِن مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا ثمَّ
أعتقت فِي الْعدة لم تنْتَقل الْعدة وَفِي الْبَائِن قَولَانِ أَحدهمَا
أَنَّهَا تنْتَقل وَالْآخر أَنَّهَا لَا تنْتَقل
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا طلقت الْأمة تطليقيتن ثمَّ اعتقت فِي الْعدة
فعدتها عدَّة الْأمة
(2/387)
وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد تَعْتَد عدَّة
الْحرَّة
وَقَالَ مَالك لَا يُغير عتقهَا عدتهَا سَوَاء كَانَ لَهُ عَلَيْهَا
رَجْعَة أَو لم يكن كالحد يجب على العَبْد فَلَا يتَغَيَّر بِالْعِتْقِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْأمة يَمُوت عَنْهَا زَوجهَا فتعتق فِي
الْعدة أَنَّهَا تكمل عدَّة الْحرَّة أَرْبَعَة أشهروعشرا
وَرُوِيَ عَنهُ فِي حر تَحْتَهُ أمة طَلقهَا تَطْلِيقَتَيْنِ ثمَّ أعتقت
قَالَ إِن كَانَت اعْتدت مِنْهُ قبل الْعتْق حَيْضَة اعْتدت إِلَيْهَا
أُخْرَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن تنْتَقل فِي الْبَائِن والرجعي جَمِيعًا
كَمَا قَالُوا فِي (164 أ) الصَّغِيرَة إِذا بلغت أَن عدتهَا تنْتَقل إِلَى
الْحيض سَوَاء كَانَت عدتهَا من بَائِن أورجعي وَهُوَ قَول ابْن شُجَاع
وَابْن أبي عمرَان وَلَيْسَت كالمتوفى عَنْهَا زَوجهَا إِذا أعتقت فِي
الْعدة لِأَنَّهَا إِذا كَانَت بَائِنا لم تجب عَلَيْهَا الْعدة للوفاة
فَكَذَلِك لم تنْتَقل وَالْعِتْق حَاصِل فِي مَسْأَلَتنَا فِي الْعدة
فَوَجَبَ أَن تنْتَقل بِهِ
893 - فِي كَيْفيَّة الرّجْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِن وَطئهَا أَو لمسها لشَهْوَة أَو نظر فِي فرجهَا
لشَهْوَة فَهُوَ رَجْعَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَيَنْبَغِي أَن يشْهد
بعدذلك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا رَجَعَ وَلم يشْهد صحت الرّجْعَة
وَكَذَلِكَ قَول مَالك وَيشْهد وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا
وَطئهَا فِي الْعدة وَهُوَ يُرِيد الرّجْعَة وَجَهل أَن يشْهد فَهِيَ
رَجْعَة وَإِلَّا فَلَيْسَتْ برجعة وَقَالَ وَيَنْبَغِي للْمَرْأَة أَن
تَمنعهُ الْوَطْء حَتَّى يشْهد وَذكر الْوَلِيد عَن مَالك أَن الْقبْلَة
لَا تقع بهَا رَجْعَة
(2/388)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْجِمَاع واللمس
رَجْعَة وَالنَّظَر إِلَى الْفرج لَيْسَ برجعة
وَقَالَ اللَّيْث الْوَطْء رَجْعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تكون الرّجْعَة إِلَّا بِكَلَام وَإِن جَامعهَا
يَنْوِي الرّجْعَة أَو لَا يَنْوِي فَلَيْسَ برجعة وَعَلِيهِ مهر الْمثل
قَالَ وَلَو آلى مِنْهَا ثمَّ رَاجع كَانَ موليا من حِين رَاجع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الْحسن وَمُحَمّد بن سِيرِين عَن عمرَان بن
حُصَيْن فِي رجل طلق امْرَأَته وَلم يشْهد قَالَ طلق لغير عدَّة وراجع
بِغَيْر سنة ليشهد على طَلاقهَا ورجعتها وَلَا يعود
وَقَول الشَّافِعِي ظَاهر الْفساد فِي إِيجَابه الْمهْر فِي الْوَطْء
لِأَنَّهَا زَوجته تسْتَحقّ مِيرَاثه وَإِن طَلقهَا فِي الصِّحَّة فمحال
أَن يجب الْمهْر فِي وَطْء زَوجته
894 - إِذا ادّعى رَجْعَة الْمَمْلُوكَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طلق امْرَأَته وَهِي أمة تَطْلِيقَة وَانْقَضَت
عدتهَا فَقَالَ الزَّوْج رَاجَعتك فِي الْعدة وَأنْكرت وَأقر الْمولى
فَالْقَوْل قَول الْأمة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد القَوْل قولي الْمولى فِي الرّجْعَة
وَذكر ابْن الْقَاسِم أَن قِيَاس قَول مَالك أَن لَا يصدق الْمولى لِأَن
مَالِكًا يَقُول لَا يجوز قَول الْمولى على نِكَاح أمته
وَقَالَ الشَّافِعِي القَوْل قَول الْأمة فِي ذَلِك وَلَا يصدق الْمولى
(2/389)
895 - إِذا لم يعلمهَا بالرجعة حَتَّى
تزوجت
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا رَاجع امْرَأَته من
طَلَاق رَجْعِيّ وَلم يعلمهَا ذَلِك وَانْقَضَت عدتهَا وَتَزَوَّجت ثمَّ
جَاءَ زَوجهَا الأول وَقد دخل الثَّانِي أَو لم يدْخل فَهِيَ امْرَأَة
الأول وَيفرق بَينهَا وَبَين الْأَخير
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث إِن لم يدْخل بهَا الآخر
فَالْأول أَحَق بهَا وَإِن دخل بهَا الآخر فَهِيَ امْرَأَة الآخر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَينهم أَن رجعته صَحِيحَة مَعَ جهلها بهَا
وَأَنه إِذا (164 ب) جَاءَ قبل تَزْوِيجهَا أنهاامرأته فَكَانَ تَزْوِيجهَا
وَهِي امْرَأَة الأول فلايصح
فَإِن قيل روى الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَن السّنة مَضَت فِي
الَّذِي يُطلق امْرَأَته ثمَّ يُرَاجِعهَا فيكتمها رَجعتهَا حَتَّى تحل
فَتنْكح زوجا غَيره فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ من أمرهَا شيءولكنها من زَوجهَا
الآخر
فَأخْبر أَنه سنة وَالسّنة لَا يجوز خلَافهَا
قيل لَهُ قَوْله سنة لَا يدل على التَّوْقِيف وَإِنَّمَا مخرج هَذَا عَن
عمرفي حَدِيث مُنْقَطع رَوَاهُ حجاج بن منهال عَن أبي عوَانَة عَن مَنْصُور
عَن إِبْرَاهِيم أَن أَبَا كنف طلق امْرَأَته ثمَّ خرج فَكتب إِلَيْهَا
بالرجعة فَلم يبلغهَا فَتزوّجت فَقَالَ ألم أكن كتبت إِلَيْك فَقَالَت مَا
جَاءَنِي مِنْك كتاب قَالَ فَركب إِلَى عمر فَقص عَلَيْهِ الحَدِيث فَكتب
إِلَى اميره إِن وجدت امْرَأَة وَلم يدْخل بهَا فَهِيَ امْرَأَته وَإِن
كَانَ قد دخل بهَا فَهُوَ رجل عجز قَالَ فجَاء الرِّجَال عِنْدهَا قد
مَسْكَنهَا فَقَالَ أخلوني فَقَالُوا لَا تفعل وَمَا لَك عَلَيْهَا سَبِيل
فَقَالَت الْمَرْأَة أخلوه فأغلق الْبَاب وَبَات مَعهَا حَتَّى أصبح قَالَ
وَألقى الرجل وَمَعَهُ كتاب أَمِير
(2/390)
الْمُؤمنِينَ فَقَالَ سمعا وَطَاعَة لكتاب
أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَردَّتْ عَلَيْهِ امْرَأَته
قيل لَهُ هذاكما روى عَنهُ فِي الْمَفْقُود وَقد خَالفه عَليّ
وَقد روى عَن شُرَيْح فِي هَذَا أَنه قَالَ إِذا طلق فأعلمها وراجع فَلم
يعلمهَا فقد بَانَتْ مِنْهُ
وَقد روى عَن الْحسن فِي ذَلِك أَنَّهَا إِذا لم تعلم بالرجعة حَتَّى
انْقَضتْ الْعدة فَلَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن خلاس فِي رجل طلق امْرَأَته
وَأشْهد أَو رَاجع وَأشْهد واستكتم الشُّهُود حَتَّى انْقَضتْ الْعدة فَفرق
بَينهمَا عَليّ وعزر الشُّهُود وَلم يَجْعَل لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَة
وَإِنَّمَا الْمَعْنى فِي هَذَا أَنه اتهمَ الشُّهُود فَلم يقبل شَهَادَتهم
وَلذَلِك عزرهم
وَقد روى هَذَا الحَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن خلاس وَقَالَ فِيهِ
فاتهم الشَّاهِدين فجلدهما وَأَجَازَ الطَّلَاق
فَلم يثبت عَن عَليّ فِي ذَلِك شَيْء يُوَافق قَول الْخصم
وَقَالَ الله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} الْبَقَرَة 228
وَقد فعل
(2/391)
896 - فِي الْمُعْتَدَّة بِالْحيضِ تيأس
قَالَ اصحابنا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا اعْتدت بِحَيْضَة أَو
ثِنْتَيْنِ ثمَّ يئست من الْمَحِيض فَإِنَّهَا تَعْتَد بعد الْإِيَاس
بِثَلَاثَة أشهر
وَقَالَ مَالك إِذا إرتفع حَيْضهَا تنْتَظر لسبعة أشهر ثمَّ تَعْتَد
ثَلَاثَة أشهر وَقد حلت للأزواج
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اعْتدت حيضتين ثمَّ يئست من الْمَحِيض
أَنَّهَا تَعْتَد بالحيضتين وتكمل عدتهَا بِشَهْر وَقد حلت للأزواج
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَت الصَّغِيرَة إِذا اعْتدت بشهرثم حَاضَت
تسْتَقْبل الْعدة ثَلَاث حيض وَجب أَن يكون كَذَلِك مَا وَصفنَا
وَأَيْضًا فَإِن الله تَعَالَى جعل عدتهاأحد شَيْئَيْنِ إِمَّا الْحيض
وَإِمَّا الشُّهُود وَالْجمع بَينهمَا خَارج عَن ذَلِك
897 - فِي انْقِضَاء الْعدة بِالسقطِ
قَالَ أَصْحَابنَا لَو أسقطت مُضْغَة أَو علقَة لم تنقض بهَا الْعدة وَإِن
استبان خلقه أَو بعض خلقه انْقَضتْ الْعدة بِهِ
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم مثل ذَلِك
وروى الحكم عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهَا إِذا أَلْقَت علقَة أَو مُضْغَة
فَهِيَ من أُمَّهَات الْأَوْلَاد
(2/392)
وروى مُجَاهِد أَن امْرَأَة مسحت بطن
امْرَأَة فَأَلْقَت مُضْغَة فَأمرهَا عمر بن الْخطاب أَن تكفر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك مَا أثْبته النِّسَاء من مُضْغَة أَو
علقَة أوشيء تستيقن أَنه ولد فَإِنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَتَكون أم
ولد وَإِن لم يتَبَيَّن فِيهِ خلق آدَمِيّ سَأَلنَا عُدُولًا من النِّسَاء
فَإِن زعمن أَن هَذَا لَا يكون إِلَّا من خلق آدَمِيّ كَانَت بِهِ أم ولد
وَإِن شككن لم تكن بِهِ أم ولد
وَقِيَاس قَوْله فِي الْعدة مثله
898 - فِي عدَّة الْمُسْتَحَاضَة
قَالَ أَصْحَابنَا عدَّة الْمُسْتَحَاضَة وَغَيرهَا سَوَاء ثَلَاث حيض
قَالَ ابْن وهب عَن مَالك عدَّة الْمُسْتَحَاضَة سنة والحرة وَالْأمة فِي
ذَلِك سَوَاء
وَقَالَ اللَّيْث عدَّة الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا سنة إِذا
كَانَت مُسْتَحَاضَة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا أطبق عَلَيْهَا الدَّم فَإِن
كَانَ دَمًا ينفضل فَيكون أَيَّامًا أَحْمَر قانيا محتدما كثيرا وَفِيمَا
بعده قَلِيلا رَقِيقا إِلَى الصُّفْرَة فحيضها المحتدم وطهرها الرَّقِيق
والصفرة وَإِن كَانَ مشتبها كَانَت حَيْضَتهَا بِقدر أَيَّام حَيْضهَا
فِيمَا مضى قبل الِاسْتِحَاضَة وَإِن ابتدأت مُسْتَحَاضَة أونسيت أَيَّام
حَيْضهَا تركت الصَّلَاة يوماوليلة واستقبل بهَا الْحيض من أول هِلَال
يَأْتِي عَلَيْهَا بعد وُقُوع الطَّلَاق فَإِذا أهل هِلَال الرَّابِع
انْقَضتْ عدتهَا فَإِن الِاسْتِحَاضَة لَا تمنع وجود الْحيض فَهِيَ من
ذَوَات الْأَقْرَاء فعدتها بالشهور سَاقِطَة
(2/393)
899 - فِي عدَّة الْمُطلقَة فِي الْمَرَض
قَالَ أَبُو حنيفه وَمُحَمّد إِذا ورثت وَالطَّلَاق بَائِن فعدتها أبعد
الْأَجَليْنِ إِذا مَاتَ وَهِي فِي الْعدة قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك عدتهَا عدَّة الطَّلَاق دون الْوَفَاة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ تَعْتَد عدَّة الطَّلَاق دون
الْوَفَاة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ تَعْتَد عدَّة الْمُتَوفَّى
عَنْهَا زَوجهَا وتلغي مَا كَانَت قد اعْتدت عَلَيْهِ قبل ذَلِك وَهُوَ
قَول إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ
900 - فِي الْمُطلقَة المبتوتة هَل تحد فِي عدتهَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمُطلقَة المبتوتة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا لَا
تدهن بِزَيْت مُطيب وَلَا بِشَيْء من الأدهان إِلَّا من وجع
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الْإِحْدَاد
وَقَالَ مَالك لَا إحداد إِلَّا على متوفى عَنْهَا زَوجهَا وَهُوَ قَول
اللَّيْث وَلَا تدهن الحادة إِلَّا بِالْحلِّ أَو الزَّيْت وَلَا تدهن
إِلَّا بالأدهان المرببة
وَقَالَ الشافي أحب للمطلقة المبتوتة الْإِحْدَاد وَلَا يبين لي أَن أوجبه
عَلَيْهَا وَلَا تدهن الحادة بِشَيْء من الأدهان لشعرها وتدهن بدنهَا
بالزيت والشيرج وَمَا لَا طيب فِيهِ وَلَا تدهن رأسهها ووجهها بذلك
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا تنْتَقل المبتوتة وَلَا الْمُتَوفَّى عَنْهَا
زَوجهَا من بَيتهَا الَّذِي
(2/394)
كَانَت تسكنه وَتخرج الَّتِي توفى عَنْهَا
زَوجهَا بِالنَّهَارِ وَلَا تبيت وَلَا تخرج الْمُطلقَة لَيْلًا وَلَا
نَهَارا وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك لَا تنْتَقل المبتوتة وَلَا الرَّجْعِيَّة وَلَا
الْمُتَوفَّى عَنْهَا من أَي بَيت كَانَت فِيهِ جيدا أَو رديئا وَإِنَّمَا
الْإِحْدَاد فِي الزِّينَة
وَرُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ الْمُطلقَة تحيض ثَلَاثًا والمتوفى
عَنْهَا زَوجهَا فِي الْعدة سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن المبتوتة مَمْنُوعَة من
البيتوتة إِلَّا فِي بَيتهَا وَكَانَت البيتوتة من الْإِحْدَاد الَّذِي
أَمر بِهِ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فأشبهها من هَذَا الْوَجْه وَجب
أَن يكون مثلهَا فِي بَقِيَّة الْإِحْدَاد
901 - فِيمَن يجب عَلَيْهَا الْإِحْدَاد من النِّسَاء
قَالَ أَصْحَابنَا لَيْسَ على الصَّغِيرَة وَلَا على الْكَافِرَة وَلَا على
الْأمة الْمسلمَة الْإِحْدَاد فَهُوَ على الْحرَّة فِي الْعدة
وَقَول مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ الْإِحْدَاد على الصَّغِيرَة
والكافرة فَهُوَ على الْمسلمَة الْكَبِيرَة
902 - فِي الْمَرْأَة يطلقهَا زَوجهَا فِي السّفر أَو يَمُوت عَنْهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قدم مَعَ امْرَأَته الْكُوفَة وَهُوَ يُرِيد
الْحَج وَهُوَ من أهل
(2/395)
خُرَاسَان فَمَاتَ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهَا
لَا تخرج حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَهَا أَن تخرج مَعَ محرم فِي الْعدة
والوفاة وَالطَّلَاق فِي ذَلِك سَوَاء على الْخلاف
روى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف أَنَّهَا لَا تخرج فِي الطَّلَاق
وَتخرج فِي الْوَفَاة لِأَن الْخُرُوج فِي السّفر أيسر أَلا ترى أَن
الْمُتَوفَّى عَنْهَا تخرج من بَيتهَا بِالنَّهَارِ وَلَا تخرج الْمُطلقَة
وَهُوَ قَول زفر فِي رِوَايَة الْحسن كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أخرج لحَاجَة فَمَاتَ فِي مصر فَإِنَّهَا
ترجع إِلَى بَلَدهَا إِذا كَانَ مجتازا لَا يُرِيد الْإِقَامَة
وَالسُّكْنَى
وَقَالَ مَالك فِي الرجل يخرج بامرأته حَاجا وَهُوَ من أهل الأندلس
وَنَحْوهَا فَيهْلك فِي الطَّرِيق بِموضع إِن رجعت انْقَضتْ عدتهَا قبل أَن
ترجع فَلَيْسَ عَلَيْهَا رُجُوع وَأرى أَن تمْضِي وَإِن كَانَ الزَّوْج
توفّي عَنْهَا قبل أَن تحرم فَإِنَّهَا ترجع مَا لم تحرم فَإِن أَحرمت لم
ترجع
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا خرجا يُريدَان الْحَج فَتوفي الرجل فَإِن
كَانَت أَحرمت أتمت حَجهَا وَإِن كَانَت لم تحرم رجعت فاعتدت فِي بَيتهَا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا بلغَهَا خبر الْوَفَاة وَهِي فِي الطَّرِيق فَلَيْسَ
عَلَيْهَا أَن تقيم فِي غير بَلَدهَا وَلَكِن عَلَيْهَا إِذا قدمت وَقد
بَقِي عَلَيْهَا من عدتهَا شَيْء أَن تستكملها فِي منزل زَوجهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا خرجت فِي حَاجَة فَطلقت أَو مَاتَ عَنْهَا فلهَا
الْخِيَار فِي (166 أ) الذّهاب وَالرُّجُوع وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَن ترجع
إِلَى بَيتهَا قبل أَن يَنْقَضِي سفرها وَلَا أَن تقيم فِي الْمصر الَّذِي
أذن لَهَا فِي السّفر إِلَيْهِ
قَالَ وَلَو أذن لَهَا فِي زِيَارَة أَو نزهة فعلَيْهَا أَن ترجع لِأَن
الزِّيَارَة لَيست مقَاما
(2/396)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وجدنَا الْمُعْتَدَّة
من طَلَاق أَو وَفَاة لَيْسَ لَهَا السّفر فِي الْعدة وَلَو سافرتا فِي
عدتيهما وَجب ردهما إِلَى منازلهما حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة وَكَذَلِكَ
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قصَّة الفريعة بنت مَالك
وَقَالَ لَهَا امكثي فِي بَيْتك الَّذِي جَاءَ فِيهِ نعي زَوجك حَتَّى يبلغ
الْكتاب أَجله
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن الصَّحَابَة روى سعيد بن الْمسيب أَن عمر رد نسْوَة
من ذِي الحليفة فخرجن فِي عددهن
وَعَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان أَن عمر بن الْخطاب وَزيد بن
ثَابت قَالَا الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَبهَا فاقة شَدِيدَة فَلم يرخص
لَهَا أَن تخرج من بَيتهَا إِلَّا فِي بَيَاض نَهَارهَا تصيب من طعامهم
ثمَّ ترجع إِلَى بَيتهَا فتبيت فِيهِ
وَعَن ابْن عمر الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا كَانَت الْمُطلقَة مثلهَا
فَإِذا سافرتا ثمَّ وَجَبت عَلَيْهِمَا الْعدة وَجب أَن يكون ذَلِك قَاطعا
لَهما عَن الْمُضِيّ فِي سفرهما لعودهما إِلَى حَال لَا يَصح معهااستئناف
السّفر فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الرُّجُوع إِذا لم يكن بَينهمَا وَبَين
مصريهما مسيرَة ثَلَاث
903 - فِي الْمِقْدَار الَّذِي تصدق فِيهِ الْمَرْأَة فِي انْقِضَاء الْعدة
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا أصدقهَا فِي أقل من شَهْرَيْن إِذا كَانَت من
ذَوَات الْحيض
(2/397)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا تصدق
من أقل من تِسْعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ فِي
رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَنهُ
وروى الْمعَافى عَنهُ أَنَّهَا لَا تصدق فِي أقل من أَرْبَعِينَ يَوْمًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نَعْرِف لهَذَا القَوْل معنى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَسُئِلَ عَن الْمُطلقَة تحيض ثَلَاث حيض فِي
أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أدنى من ذَلِك إِن عدتهَا قد انْقَضتْ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِذا ادَّعَت أَن عدتهَا قد انْقَضتْ فِي مِقْدَار
مَا تَنْقَضِي فِيهِ الْعدة صدقت وَلَا تصدق فِي الْيَسِير الَّذِي لَا
تَنْقَضِي فِي مثله الْعدة
قَالَ وَسَأَلت مَالِكًا إِذا قَالَت قد حِضْت ثَلَاث حيض فِي شهر قَالَ
يسْأَل النِّسَاء عَن ذَلِك فَإِن كن يحضن كَذَلِك ويطهرن لَهُ كَانَت
مصدقة فِيهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا تقبل قَوْلهَا فِي أقل من خَمْسَة وَأَرْبَعين
يَوْمًا
وَقَالَ الشَّافِعِي القَوْل قَوْلهَا فِيمَا يُمكن فِيهِ انْقِضَاء الْعدة
904 - فِيمَا تصدق فِيهِ النُّفَسَاء من انْقِضَاء الْعدة
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصدق النُّفَسَاء فِي أقل من خَمْسَة وَثَمَانِينَ
يَوْمًا إِذا طَلقهَا زَوجهَا حِين ولدت
وَقَالَ مُحَمَّد أصدقهَا فِي أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا وَزِيَادَة شَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أصدقهَا فِي أقل من خَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى ابْن الْمُبَارك عَن أبي حنيفَة أَن الدَّم إِذا
انْقَطع فِي الْأَرْبَعين على هَذَا
(2/398)
أَن يصدقها فِي سِتِّينَ يَوْمًا وَسَاعَة
لِأَنَّهُ يَجْعَل السَّاعَة نفاسا ثمَّ خَمْسَة عشر طهرا وَخَمْسَة حيضا
من رِوَايَة أبي يُوسُف
وَيَنْبَغِي فِي رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة على هَذَا
الأَصْل أَن لَا يصدقها فِي أقل من خَمْسَة وَسبعين يَوْمًا وَسَاعَة
لِأَنَّهُ يَجْعَل سَاعَة نفاسا وَخَمْسَة عشر طهرا وَعشرَة حيضا ثمَّ
كَذَلِك حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة
وَأما الثَّوْريّ فَإِن ابْن الْمُبَارك روى عَنهُ أَنه مَتى عاودها الدَّم
فِي الْأَرْبَعين كَانَ نفاسا قل الطُّهْر أَو كثر فَيَجِيء على هَذَا أَن
لَا يصدقها فِي أقل من تِسْعَة وَسبعين يَوْمًا
905 - فِي نَفَقَة المبتوتة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ لكل مُطلقَة السُّكْنَى
وَالنَّفقَة مَا دَامَت فِي الْعدة حَامِلا كَانَت أَو غير حَامِل
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا سكن للمبتوتة وَلَا نَفَقَة وَرُوِيَ عَنهُ
لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَة لَهَا إِلَّا أَن تكون حَامِلا وَرُوِيَ
عَنهُ أَن عَلَيْهِ نَفَقَة الْحَامِل المبتوتة إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن
كَانَ مُعسرا فَلَا نَفَقَة لَهَا عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ للمبتوتة السُّكْنَى
وَلَا نَفَقَة لَهَا إِلَّا أَن تكون حَامِلا
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو ثَوْر لَا سُكْنى لَهَا وَلَا نَفَقَة
(2/399)
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر وَعبد
الله فِي الْمُطلقَة ثَلَاثًا أَن لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة
906 - فِي نَفَقَة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة فِي مَال الْمَيِّت حَامِلا
كَانَت أَو غير حَامِل
وَقَالَ ابْن أبي ليلى هِيَ فِي مَال الزَّوْج بِمَنْزِلَة الدّين على
الْمَيِّت إِذا كَانَت حَامِلا
وَقَالَ مَالك نَفَقَتهَا على نَفسهَا وَإِن كَانَت حَامِلا وَلها
السُّكْنَى وَإِن كَانَت الدَّار للزَّوْج فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين
فالمرأة أَحَق بسكناها حَتَّى تَنْقَضِي عدتهاوإن كَانَت فِي بَيت بكرَاء
فأخرجوها لم يكن لَهَا سُكْنى فِي مَال الزَّوْج هَذَا رِوَايَة ابْن وهب
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ لَا نَفَقَة لَهَا فِي مَال الْبَيْت وَلها
السُّكْنَى إِذا كَانَت الدَّار للْمَيت فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين فَهِيَ
أَحَق بِالسُّكْنَى من الْغُرَمَاء وتباع للْغُرَمَاء وَيشْتَرط السُّكْنَى
على المُشْتَرِي
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا كَانَت حَامِلا أنْفق عَلَيْهَا من جَمِيع المَال
حَتَّى تضع
(2/400)
فَإِذا وضعت أنْفق على الصَّبِي من نصِيبه
هَذَا رِوَايَة الْأَشْجَعِيّ وروى الْمعَافى عَنهُ أَن نَفَقَتهَا من
حصَّتهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمَرْأَة يَمُوت زَوجهَا وَهِي حَامِل فَلَا
نَفَقَة لَهَا فَإِن كَانَت أم ولد فلهَا النَّفَقَة من جَمِيع المَال
حَتَّى تضع
وَقَالَ اللَّيْث فِي أم الْوَلَد إِذا كَانَت حَامِلا مِنْهُ فلينفق
عَلَيْهَا من المَال فَإِن ولدت كَانَ ذَلِك فِي حِصَّة وَلَدهَا وَإِن لم
تَلد كَانَ ذَلِك دينا يتبع بِهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ للمتوفى عَنْهَا النَّفَقَة فِي جَمِيع المَال
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا قَوْلَيْنِ أَحدهمَا
لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة وَالْآخر لَا نَفَقَة لَهَا ولاسكنى
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا
زَوجهَا أَن النَّفَقَة فِي جَمِيع المَال حَتَّى تضع
وَقَالَ ابْن عمر فِي الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَهَا
النَّفَقَة فِي جَمِيع المَال
وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَجَابِر نَفَقَتهَا من نصِيبهَا
907 - فِي الْعدة الَّتِى لَا تجب فِيهَا النَّفَقَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جَاءَت الْفرْقَة من قبلهَا بِمَعْصِيَة فَلَا
نَفَقَة لَهَا وَلها السُّكْنَى وَلَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة فِي النِّكَاح
الْفَاسِد
(2/401)
وَقَالَ مَالك فِي الذميين إِذا أسلمت
الْمَرْأَة وَقعت الْفرْقَة أَو كَانَا من الْمَجُوس فَأسلم الزَّوْج وَقعت
الْفرْقَة فرفعتها حَيْضَتهَا فلهَا السُّكْنَى وَقَالَ فِي الذِّمِّيّ
يتَزَوَّج أُخْته من الرضَاعَة وَهُوَ لَا يعلم فَيُفَرق بَينهمَا أَن
لَهَا السُّكْنَى إِن كَانَ دخل بهَا لِأَنَّهَا تَعْتَد مِنْهُ وَإِن
كَانَت حَامِلا فلهَا النَّفَقَة فَإِن لم تكن حَامِلا فَلَا نَفَقَة لَهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ كل بَائِن من زَوجهَا بعد الدُّخُول فعلَيْهَا
عدَّة الْمُطلقَة وَلها السُّكْنَى وَالنَّفقَة حَتَّى تخرج من مَائه
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ فِي الْمُعْتَدَّة من نِكَاح فَاسد لَا
سُكْنى لَهَا وَلَا نَفَقَة حَامِلا كَانَت أَو غير حَامِل
908 - فِي الصَّبِي يَمُوت عَن امْرَأَته
قَالَ أَصْحَابنَا إِن مَاتَ عَنْهَا الصَّبِي وَهِي حَامِل فعدتها أَن تضع
حملهَا وَإِن وجدت الْحمل بعد مَوته فعدتها أَرْبَعَة أشهر وَعشرا لِأَن
الْحمل لَيْسَ مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ
أَن يَضعن حَملهنَّ} الطَّلَاق 4 4 فكون الْوَلَد من غَيره لَا يمْنَع أَن
تكون عدتهَا الْحمل لِأَن الْجَمِيع قد اتَّفقُوا على أَن الْعدة لجَوَاز
أَن يكون الْحمل مِنْهُ وَإِن كَانَ الْحمل من غَيره لَا يمْنَع أَن تكون
عدتهَا الْحمل من غَيره لحق الْمُلَاعنَة بِالْحملِ من غَيره ينتغي نسبه
مِنْهُ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَتَكون عدتهَا وضع الْحمل وَلَيْسَ من
الزَّوْج
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا قَالَ لامْرَأَته كلما ولدت
غُلَاما فَأَنت طَالِق فَولدت غلامين بَينهمَا سنة أَنَّهَا قد طلقت
بِالْأولِ وحلت للأزواج وَلم يلْحق بِهِ الآخر
(2/402)
909 - فِي الْمَرْأَة المبوأة بَيْتا إِذا
طلقت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بوأ الْمولى الْأمة بَيْتا مَعَ الزَّوْج ثمَّ
طَلقهَا وَهِي على حَالهَا فلهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة
وروى عَمْرو بن خَالِد عَن زفر فِي رجل طلق امْرَأَته طَلَاقا بَائِنا
وَهِي أمة (167 ب) وَلم يكن بوأها بَيْتا فَأَرَادَ الْمولى أَن يبوئها
وَينْفق عَلَيْهَا
وَقَالَ يَعْقُوب لَا يجْبر على سكناهَا وَلَا على أَن ينْفق عَلَيْهَا
لِأَن الطَّلَاق وَقع يَوْم وَقع وَلَا سُكْنى لَهَا وَلَا نَفَقَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إذاأعتقت الْأمة وَهِي تَحت العَبْد
واختارت فِرَاقه فَإِن كَانَت قد بوئت مَعَ زَوجهَا موضعا فالسكنى للزَّوْج
لَازم مَا دَامَت فِي عدتهَا وَإِن كَانَت غير مبوأة مَعَه فَلَا شَيْء
لَهَا على الزَّوْج من السُّكْنَى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا طلق الْحر أَو العَبْد الْأمة فَعَلَيهِ من
نَفَقَتهَا فِي الْعدة مَا عَلَيْهِ من نَفَقَة الْحرَّة لَا يسْقط ذَلِك
عَنهُ إِلَّا أَن يُخرجهَا سَيِّدهَا فيمنعها من الْعدة فِي منزله فَتسقط
النَّفَقَة وَكَذَلِكَ نَفَقَتهَا مَا دَامَت حَامِلا مَا لم يُخرجهَا
سَيِّدهَا من منزله
وَلَو ذَهَبْنَا إِلَى حَدِيث ابْن عمر أَن النَّفَقَة على الْحَامِل
إِنَّمَا هِيَ للْحَمْل كَانَت نَفَقَة الْحمل لَا يبلغ بعض نَفَقَة أمة
وَلكنه حكم الله علينا اتِّبَاعه
910 - بَعيدا هَل يُسَافر الْمولى بالأمة
قَالَ أَصْحَابنَا تجتنب الْأمة الْمُعْتَدَّة من الطَّلَاق مَا تجتنبه
الْحرَّة الْمُطلقَة فِي الزِّينَة إِلَّا الْخُرُوج وَهُوَ قَول اللَّيْث
فِي إِبَاحَة الْخُرُوج وَالسّفر بهَا وَكَذَلِكَ قَول الشَّافِعِي
(2/403)
وَقَالَ مَالك إِن بَاعهَا سَيِّدهَا
اشْترط على المُشْتَرِي أَن لَا يُخرجهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا
911 - فِي الْوَقْت الَّذِي يلْحق بِهِ النّسَب فِي ولد الْمُعْتَدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا يلْزم الزَّوْج نسب
وَلَدهَا مَا بَينهَا وَبَين سنتَيْن مَا لم تقر بِانْقِضَاء الْعدة فَإِن
مَضَت أَرْبَعَة أشهر وَعشر فأقرت بِانْقِضَاء الْعدة ثمَّ جَاءَت بِولد
لسِتَّة أشهر لم يكن ابْنه
وَقَالُوا فِي الرجل يتَزَوَّج الْجَارِيَة الَّتِي لم تبلغ وَهِي تجامع
فَيدْخل بهَا ثمَّ يطلقهَا طَلَاقا بَائِنا ثمَّ جَاءَت بِولد لسِتَّة أشهر
مُنْذُ يَوْم طَلقهَا لم يلْزمه إِلَّا أَن تَأتي بِهِ لأَقل من تِسْعَة
أشهر
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم يذكر فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ الأخراوين
خلافًا
قَالَ أَبُو بكر من قَول أبي يُوسُف إِنَّه يلْزمه نسب الصَّغِيرَة أَيْضا
إِلَى سنتَيْن مَا لم تقر بِانْقِضَاء الْعدة
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا مَضَت
أَرْبَعَة أشهر وَعشر ثمَّ جَاءَت بِولد لسِتَّة اشهر لم يلْزمه حَتَّى
تَجِيء بِهِ لأَقل من ذَلِك
وَقَالَ مَالك إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا أَو وَاحِدَة ثمَّ جَاءَت بِولد
لأكْثر من سنتَيْن فَإِنَّهُ يلْزمه إِذا جَاءَت بِهِ فِي ثَلَاث سِنِين
أَو أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَكَانَ مَالك يَقُول لَو حَاضَت ثَلَاث حيض
وَقَالَت قد انْقَضتْ عدتي ثمَّ جَاءَت بِولد لتَمام أَربع سِنِين من يَوْم
طَلقهَا وَقَالَت لَا اعْلَم بِالْحملِ وَقَالَ الزَّوْج هُوَ حمل حَادث
لَيْسَ مني فَإِنَّهُ يلْزمه الْوَلَد إِلَّا أَن يَنْفِيه بِلعان
(168 أ) وَقَالَ مَالك فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا اعْتدت
أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ثمَّ
(2/404)
جَاءَت بِولد لأكْثر من سِتَّة أشهر فِيمَا
بَينهَا وَبَين مَا تَلد النِّسَاء من يَوْم هلك زَوجهَا فَإِن الْوَلَد
يلْزم الزَّوْج
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قَالَ مَالك وَقد سَمِعت أَن امْرَأَة حملت سبع
سِنِين وَكَانَ مَالك يرى للمطلقة الْحَامِل النَّفَقَة على زَوجهَا سبع
سِنِين
وَقَالَ اللَّيْث أَكثر الْحمل خمس سِنِين مثل قَول مَالك
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ أَكثر الْحمل سنتَيْن مثل قَول
أَصْحَابنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي أَكثر الْحمل أَربع سِنِين
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذهب قوم إِلَى أَن أقْصَى مُدَّة الْحمل هِيَ مَا
جرت بِهِ عَادَة النِّسَاء عَلَيْهِ هِيَ تِسْعَة أشهر وَمَا جَاءَت بِهِ
لأكْثر مِنْهَا لَا يلْزمه وَكَانَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الحكم يذهب
إِلَى هَذَا القَوْل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد روى عَفَّان بن مُسلم قَالَ حَدثنَا عبد الواحد
بن زِيَاد عَن الْحَارِث بن حصيرة قَالَ حَدثنَا زيد بن وهب قَالَ قَالَ
أَبُو ذَر بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن أم
الصياد فَقَالَ سلها كم حملت بِهِ فأتيتها فسألتها فَقَالَت حملت بِهِ
اثْنَي عشر شهرا ثمَّ أَرْسلنِي إِلَيْهَا الْمرة الثَّانِيَة فَقَالَ سلها
عَن صياحه حِين وَقع فأتيتهافسألتها فَقَالَت صَاح صياح الصَّبِي ابْن
شَهْرَيْن
فقد أخبر أَنَّهَا حملت بِهِ اثْنَي عشر شرا وَلم يُنكر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَبَطل قَول من قَالَ إِن أَكثر الْحمل تِسْعَة أشهر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اخْتلف فِي أَكثر مُدَّة الْحمل فَقَالَ مَا يكون
حولان
(2/405)
وَقَالَ آخَرُونَ أَربع سِنِين وَقَالَ
آخَرُونَ خمس سِنِين وَقَالَ آخَرُونَ سبع سِنِين فالسنتان مُتَّفق
عَلَيْهِمَا وَمَا زَاد فطريقه التَّوْقِيف أَو الِاتِّفَاق وَقد عدما
فِيهِ فَلم يثبت
912 - فِي عدَّة أم الْوَلَد بِالْعِتْقِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا عتقهَا مَوْلَاهَا أَو مَاتَ فعتقت فعدتها ثَلَاث
حيض
وَقَالَ مَالك عدتهَا حَيْضَة فِي الْمَوْت وَالْعِتْق وَلها السُّكْنَى
فِي هَذِه الْحَيْضَة وَإِن كَانَت لَا تحيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أعْتقهَا مَوْلَاهَا فعدتها ثَلَاث حيض وَإِن
مَاتَ عَنْهَا فعدتها أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
وَقَالَ الْحسن كل أمة إِذا أعتقت اعْتدت ثَلَاث حيض إِن كَانَت مِمَّن
تحيض وَإِلَّا فَثَلَاثَة أشهر وَسَوَاء كَانَت بكرا أَو ثَيِّبًا
قَالَ الْحسن ويعجبني أَن تتقي أم الْوَلَد إِذا مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا
الزِّينَة كَمَا تتقي الْحرَّة فِي عدتهَا وَلَا أوجبه عَلَيْهَا
وَقَالَ اللَّيْث فِي عدَّة أم الْوَلَد كَقَوْل مَالك أَنَّهَا حَيْضَة
قَالَ وَلَو كَانَت حَائِضًا يَوْم مَاتَ ثمَّ طهرت من تِلْكَ الْحَيْضَة
رَأَيْت ذَلِك عَلَيْهَا عدَّة وَتنْكح إِن شَاءَت
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ فِي أم الْوَلَد الْمُتَوفَّى عَنْهَا
مَوْلَاهَا تَعْتَد بِحَيْضَة (168 ب) إِن كَانَت حَائِضًا يَوْم مَاتَ أَو
عتق لم تَعْتَد بِتِلْكَ الْحَيْضَة
وَقَالَ أَيْضا فِي الْمُزنِيّ وَإِذا توفى سيد أم الْوَالِد أَو أعْتقهَا
فالعدة أَن يستبرأ الْحَيْضَة فَإِن لم تكن من أهل الْحيض فَثَلَاثَة أشهر
أحب إِلَيْنَا
(2/406)
وروى قَتَادَة عَن جَابر عَن عَليّ قَالَ
عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفى عَنْهَا سَيِّدهَا حَيْضَة
وروى سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن رَجَاء بن حَيْوَة عَن قبيصَة
بن ذُؤَيْب قَالَ قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لَا تلبسوا علينا سنة نَبينَا
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا
أَرْبَعَة أشهر وَعشر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه غير جَائِز لَهَا التَّزْوِيج
كالأمة الْمُشْتَرَاة وَلما ثَبت أَنَّهَا عدَّة وَلم نجد شَيْئا من
الْعدَد حَيْضَة وَاحِدَة نوجب أَن تكون ثَلَاث حيض إِن كَانَت حرَّة وَلما
كَانَت عدتهَا وَاجِبَة عَن الْوَطْء أشبهت عدَّة الْمُطلقَة الْحرَّة
فَتكون ثَلَاث حيض وَلَا تكون بالشهور لِأَن الْعدة بالشهور للوفاة
إِنَّمَا تجب عَن العقد وَلَيْسَ هَا هُنَا عقد
913 - فِي الطَّلَاق بِالرِّجَالِ أَو بِالنسَاء
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ الطَّلَاق بِالنسَاء
وَهُوَ قَول عَليّ وَعُثْمَان بن عَفَّان وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِنَّهَا رق نقص الطَّلَاق برقه وَهُوَ مَذْهَب عبد
الله بن عمر
وَقَالَ أَصْحَابنَا مُدَّة الْإِيلَاء أَرْبَعَة أشهر وَالْحر وَالْعَبْد
فِيهَا سَوَاء كأجل الْعنين
(2/407)
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول إِذا كَانَ
الزَّوْج عبدا فالطلاق إِلَى الموَالِي دون العَبْد وَاحْتج بقول الله
تَعَالَى {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} النَّحْل 75
رَوَاهُ هشيم عَن مَنْصُور بن زادان عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
الْأَمر إِلَى الْمولى فِي لطلاق دون العَبْد اذن لَهُ أَو لم يَأْذَن
وَيَتْلُو هَذِه الْآيَة {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على
شَيْء} النَّحْل 75
وروى هشيم عَن أبي الزبير عَن أبي معبد مولى ابْن عَبَّاس أَن غُلَاما
لِابْنِ عَبَّاس طلق امْرَأَته تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس
أرجعها لَا أم لَك فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء فَأبى فَقَالَ
هِيَ لَك فاتخذها
وَقَوله هِيَ لَك فاتخذها يدل على أَنَّهَا كَانَت أمة
وَقد روى مُعَاوِيَة بن سَلام عَن يحيى بن أبي كثير عَن عمر بن معتب أَن
أَبَا حسن مولى بني نَوْفَل أخبرهُ أَنه استفتى ابْن عَبَّاس فِي رجل
مَمْلُوك كَانَت تَحْتَهُ مَمْلُوكَة فَطلقهَا تَطْلِيقَتَيْنِ فَبَانَت
مِنْهُ ثمَّ أَنَّهُمَا أعتقا بعد ذَلِك هَل يصلح للرجل أَن يخطبها فَقَالَ
ابْن عَبَّاس نعم وَقضى بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زعم ابْن
عَبَّاس وروى شَيبَان النَّحْوِيّ عَن يحيى (169 أ) بن أبي كثير عَن عمر بن
معتب عَن مولى بني نَوْفَل وَذكر أَنه طَلقهَا تَطْلِيقَة فَبَانَت فِي
هَذَا الحَدِيث نرى أَنه كَانَ يرى طَلَاق العَبْد جَائِز وَهُوَ خلاف
حَدِيث عَطاء
(2/408)
قَالَ أَبُو جَعْفَر يدل على أَن الطَّلَاق
بِالْمَرْأَةِ أَنه أَحَق للرجل كالعدة قَالَ الله تَعَالَى {فَمَا لكم
عَلَيْهِنَّ من عدَّة} الْأَحْزَاب 49 فَجعل الْعدة حَقًا للزَّوْج قَالَ
وَمُدَّة إِيلَاء الْأمة على النّصْف لِأَن الله تَعَالَى جعل لَهُ
الْفَيْء فِيهَا كَمَا جعل لَهُ الرّجْعَة فِي الْعدة فَلَو كَانَت الْعدة
على النّصْف كَانَت مُدَّة الْإِيلَاء على النّصْف
914 - فِيمَن طلق زَوجته تَطْلِيقَة وَهِي أمة ثمَّ تعْتق
قَالَ أَصْحَابنَا يصير طَلاقهَا ثَلَاثًا فَإِن طَلقهَا أُخْرَى لم تبن
حَتَّى تطلق ثِنْتَيْنِ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث إِذا أعتق الزَّوْج بعد
التطليقة لم يتَغَيَّر حكم طَلاقهَا فَتبين بِأُخْرَى إِن طَلقهَا
شبهه أَبُو جَعْفَر بِمن نوى الْإِقَامَة فِي الصَّلَاة فَيكون بِمَنْزِلَة
من ابتدأها وَهُوَ مُقيم
915 - فِي الزَّوْج الثَّانِي يهدم مَا دون الثَّلَاث
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا طَلقهَا وَاحِدَة فَعَادَت
إِلَيْهِ بعد زوج أَنَّهَا تعود على ثَلَاث ويهدم الزَّوْج الثَّانِي مَا
وَقع وَإِن كَانَ دون الثَّلَاث وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَابْن عمر
وَقَالَ مُحَمَّد وَمَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
هِيَ عِنْده
(2/409)
على مَا بَقِي من الطَّلَاق وَهُوَ قَول
عَليّ وَعمر وَابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأبي
هُرَيْرَة
916 - فِيمَن طلق بعض امْرَأَته
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ لامْرَأَته نَفسك طَالِق أَو بدنك أَو روحك
أَو رقبتك أَو نَحْوهَا أَنَّهَا طَالِق وَلَو قَالَ يدك أَو رجلك أَو شعرك
أَو نَحْو ذَلِك لم تطلق
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَزفر وَمَالك وَاللَّيْث وَالْحسن بن حَيّ
وَالشَّافِعِيّ تطلق فِي هَذَا كُله
917 - فِيمَن تطلق اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِن نوى الضَّرْب والحساب فَهِيَ اثْنَتَيْنِ وَإِن نوى
اثْنَتَيْنِ مَعَ اثْنَتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاث
وَقَالَ زفر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة فِي اثْنَتَيْنِ فَهِيَ
وَاحِدَة إِن لم يكن لَهُ نِيَّة وَإِن نوى وَاحِدَة مَعَ اثْنَتَيْنِ
فَهِيَ ثَلَاث وَإِن نوى الضَّرْب فَهِيَ اثْنَتَانِ وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر الضَّرْب والحساب إِنَّمَا يَصح فِيمَا كَانَ لَهُ
مساحة مُقَدّر عَلَيْهَا فَيكون الِاثْنَان إِذا مثلا بخطين ثمَّ اخرى فهما
خطان فَكَانَ العقد الْوَاقِعَة فِيهِ أَرْبعا فِي هَذَا الْوَجْه اثْنَان
فِي اثْنَيْنِ أَرْبَعَة وَأما مَا لَا مساحة لَهُ فَإِن ذَلِك مُسْتَحِيل
فِيهِ فَإِذا قَالَ نَوَيْت فِي عدد الطَّلَاق وَالضَّرْب الْحساب كَانَ قد
أَرَادَ بِهِ محالا فَلم تطلق بِهِ الْمَرْأَة
(2/410)
918 - فِيمَن أَرَادَ بقوله أَنْت طَالِق
ثَلَاثًا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا
وَاحِدَة وَإِن أَرَادَ (169 ب) ثَلَاثًا لم يكن ثَلَاثًا وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِن أَرَادَ ثَلَاثًا كَانَ
ثَلَاثًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فالواقع هُوَ
الثَّلَاث وَالطَّلَاق صفة لَهُ فإذاقال أَنْت طَالِق وَسكت فالواقع قَوْله
طَالِق فَلَو ثَلَاثًا بنيته كَانَ الْعَامِل مَا لم يلفظ بِهِ الثَّلَاث
والملفوظ بِهِ صفة لَهُ فَلَا يَصح إِيقَاع مَا لَيْسَ بملفوظ بِهِ
بِالنِّيَّةِ وَلَا يجوز وُقُوع الطَّلَاق بنية لَا لفظ مَعهَا لِأَن الله
تَعَالَى تجَاوز لهَذِهِ الْأمة مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تنطق بِهِ
بِلِسَان أَو تعمله
919 - فِيمَن قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت
طَالِق
قَالَ أَصْحَابنَا تبين بِالْأولَى ولايقع مَا بعْدهَا وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث تبين بِثَلَاث
إِذا كَانَ الْكَلَام مُتَّصِلا
قَالَ لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا فرق لم يَقع مَا بعد الأولى كَذَلِك إِذا
وصل
920 - فِي قَوْله اعْتدى
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يكون طَلَاقا إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مُصدق
فِيهِ إِلَّا أَن يكون فِي
(2/411)
ذكر طَلَاق أَو غضب فَإِذا أَرَادَ
الطَّلَاق لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة رَجْعِيَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن أَرَادَ بقوله اعْتدى من ثَلَاث تَطْلِيقَات
فَهِيَ وَاحِدَة فَإِن أَرَادَ اعْتدي ثَلَاث تَطْلِيقَات فَهِيَ ثَلَاث
وَقَالَ الثَّوْريّ كَقَوْل أَصْحَابنَا فِي أَنه لَا يَقع إِلَّا
بِالنِّيَّةِ وَلَا يكون إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا يكون إِلَّا وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك اعْتدي تَطْلِيقَة وَإِن لم ينْو شَيْئا إِلَّا أَن يَنْوِي
ثَلَاثًا أَو ثِنْتَيْنِ فَيكون على مَا نوى وَقَالَ اللَّيْث مثل قَول
مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي اعْتدي ونظائره لَيست بِطَلَاق حَتَّى يَنْوِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لابنَة أبي
الجون حِين قَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك عذت بمعاذ الحقي بأهلك فَكَانَ
ذَلِك طَلَاقا
وَرُوِيَ عَن كَعْب بن مَالك أَنه لما أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم باعتزال زَوجته من غير طَلَاق قَالَ لَهَا الحقي بأهلك فَلم يكن
طَلَاقا
فَدلَّ على أَنه لما لم يكن صَرِيح الطَّلَاق وَكَانَ كِنَايَة عَنهُ
مُحْتملا لَهُ وَلغيره أَنه لَيْسَ بِطَلَاق إِلَّا بنية
921 - فِيمَن قَالَ لامْرَأَته أَنْت وَاحِدَة يَنْوِي الطَّلَاق
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ وَاحِدَة رَجْعِيَّة إِذا كَانَ قد دخل بهَا وَهُوَ
قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
(2/412)
وَقَالَ الْحسن عَن زفر وَاحِدَة بَائِنَة
922 - فِي الْحَرَام
قَالَ أَصْحَابنَا إِن نوى الطَّلَاق فَهِيَ وَاحِدَة بَائِنَة إِلَّا أَن
يَنْوِي ثَلَاثًا وَإِن نوى اثْنَتَيْنِ فَوَاحِدَة وَإِن لم ينْو طَلَاقا
فَهُوَ يَمِين وَهُوَ مول
وَقَالَ ابْن أبي ليلى هِيَ ثَلَاث وَلَا أسأله عَن نِيَّته
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن الْقَاسِم الْحَرَام لَا يكون
يَمِينا فِي شَيْء إِلَّا أَن يَنْوِي وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فَيكون
كَمَا نوى
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن نوى ثَلَاثًا فَثَلَاث وَإِن نوى وَاحِدَة
فَوَاحِدَة بَائِنَة وَإِن نوى يَمِينا فَهُوَ يَمِين يكفرهَا وَإِن لم
ينْو فرقة وَلَا يَمِينا فَلَيْسَ بِشَيْء هِيَ كذبة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ هُوَ مَا نوى فَإِن لم ينْو شَيْئا فَهِيَ يَمِين
قَالَ عُثْمَان البتي هُوَ بِمَنْزِلَة الظِّهَار
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ بِطَلَاق حَتَّى يَنْوِي فَإِذا نوى الطَّلَاق
فَهُوَ طَلَاق على مَا أَرَادَ من عدد وَإِن أَرَادَ تَحْرِيمهَا بِلَا
طَلَاق فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين وَلَيْسَ بمول
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا
أحل الله لَك} التَّحْرِيم 1 ثمَّ جعل فِيهِ كَفَّارَة يَمِين
وروى ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يشرب من شراب
(2/413)
عِنْد سَوْدَة من الْعَسَل فَقَالَت
عَائِشَة وَحَفْصَة ونجد مِنْك ريحًا قَالَ أرَاهُ من شراب شربته عِنْد
سَوْدَة وَالله لاأشربه فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله
لَك}
ثمَّ جعل فِيهِ كَفَّارَة يَمِين فَكَانَ التَّحْرِيم الْمَذْكُور فِي
الْآيَة وَاقعا بقوله وَالله لَا أشربه وَإِذا كَانَ الْيَمين بِاللَّه
تَعَالَى على ترك الشَّيْء تَحْرِيمًا كَانَ تَحْرِيم ذَلِك الشَّيْء
يَمِينا
وروى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس إِذا حرم الرجل امْرَأَته فَهِيَ
يَمِين يكفرهَا أما لكم فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسْوَة
حَسَنَة
وروى سعيد بن الْمسيب وَجَابِر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس أَن الْحَرَام
يَمِين وروى خصيف عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ النّذر
وَالْحرَام إِذا لم يسم مُغَلّظَة يكون عَلَيْهِ رَقَبَة أوصيام شَهْرَيْن
مُتَتَابعين أَو إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَعْنِي على تَرْتِيب كَفَّارَة الظِّهَار وَهَذَا
مَحْمُول على أَنه إِذا أَرَادَ الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا وَإِن أراداليمين
كَانَ يَمِينا
(2/414)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو يُوسُف
وَمُحَمّد لَا يكون ذَلِك ظِهَارًا وَإِن أَرَادَهُ
وَقد روى عَن عَائِشَة فِي قَوْله {لم تحرم مَا أحل الله لَك} أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لن أَعُود لشرب الْعَسَل
وَهُوَ الْمُوجب لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ ظَاهر الْآيَة فَوَجَبَ أَن يكون قد
كَانَ هُنَاكَ يَمِين وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قد فرض الله لكم تَحِلَّة
أَيْمَانكُم} التَّحْرِيم 2
وروى عمر بن الْخطاب فِي الْحَرَام يَمِين يكفرهَا
وروى أَبُو الضُّحَى عَن مَسْرُوق أَن رجلا دخل على عبد الله وَهُوَ
يَأْكُل ضرعا فَقَالَ ادنه فَقَالَ إِنِّي حرمته فَقَالَ أدنه فَكل وَكفر
عَن يَمِينك
وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الطَّعَام يَمِينا عِنْده فالزوجة كَذَلِك
وَعَن عَليّ وَزيد فِي الْحَرَام ثَلَاث
وَعَن ابْن عمر وَزيد أَيْضا أَن فِيهِ كَفَّارَة يَمِين
وروى الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلى
وَحرم فَجعل الله تَعَالَى الْحَرَام حَلَالا {قد فرض الله لكم تَحِلَّة
أَيْمَانكُم} قَالَ وَقَالَ مَسْرُوق مَا أُبَالِي امْرَأَتي حرمت أَو
قَصْعَة من ثريد
(2/415)
923 - فِي الْبَتَّةَ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أَنْت بتة فَإِن نوى ثَلَاثًا فَثَلَاث وَإِن
نوى وَاحِدَة فَوَاحِدَة بَائِنَة وغن نوى اثْنَتَيْنِ فَوَاحِدَة وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ زفر إِن نوى اثْنَتَيْنِ فثنتان بائنتان
وَقَالَ مَالك فِي الْبَتَّةَ هِيَ ثَلَاث وَلَا يَنْوِي أحد الْبَتَّةَ
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز من قَالَ الْبَتَّةَ فقد رمى الْغَايَة
القصوى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق بتة فَهِيَ وَاحِدَة
بَائِنَة وَرُوِيَ عَنهُ أَنه ثَلَاث
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن نوى ثَلَاثًا فَثَلَاث وَإِن نوى دون الثَّلَاث
فرجعي
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج الشَّافِعِي لذَلِك بِحَدِيث عبد الله بن عَليّ
بن السَّائِب عَن نَافِع بن عجير بن عبد يزِيد أَن ركَانَة طلق امْرَأَته
سهيمة الْبَتَّةَ فَقَالَ يَا رَسُول الله وَالله مَا أردْت إِلَّا
وَاحِدَة فَردهَا إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا حَدِيث مُنْقَطع وَقد رَوَاهُ جرير بن حَازِم
قَالَ حَدثنَا الزبير بن سعيد الْهَاشِمِي عَن عبد الله بن عَليّ بن يزِيد
بن ركَانَة عَن أَبِيه عَن جده أَنه طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ على عهد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأخْبرهُ فَقَالَ
(2/416)
مَا نَوَيْت قَالَ وَاحِدَة فَقَالَ
آللَّهُ قَالَ آللَّهُ قَالَ فَهُوَ على مَا أردْت
فَهَذَا مُتَّصِل الْإِسْنَاد لم يذكر فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ردهَا عَلَيْهِ
وَقد رُوِيَ عَن عمر أَنه جعلهَا وَاحِدَة ثَلَاث رَوَاهُ سُفْيَان عَن
عَمْرو بن دِينَار عَن الْمطلب بن حنْطَب عَن عمر وَعلي وَابْن عمر
أَنَّهَا ثَلَاث وَهُوَ قَول عمر بن عبد العزيز
وَقَالَ أبان بن عُثْمَان هِيَ وَاحِدَة
924 - فِي الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْخِيَار إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة
بَائِنَة وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَا شَيْء وَالْقَوْل قَول الزَّوْج
انه يرد الطَّلَاق إِلَّا ان يكون فِي غضب أَو ذكر طَلَاق
وَقَوله أَمرك بِيَدِك إِذا اخْتَارَتْ نَفسهَا مثل ذَلِك إِلَّا أَن
يَنْوِي ثَلَاثًا فَتكون ثَلَاثًا وَالْخيَار لَا يكون ثَلَاثًا وَإِن نوى
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري إِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَا شَيْء
وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة يملك الرّجْعَة وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك فِي الْخِيَار أَنَّهَا ثَلَاث إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا وَإِن
طلقت نَفسهَا وَاحِدَة لم يَقع شَيْء وَقَالَ فِي أَمرك بِيَدِك إِذا قَالَ
أردْت وَاحِدَة فَهُوَ وَاحِدَة يملك الرّجْعَة وَلَا يصدق فِي الْخِيَار
أَنه أَرَادَ وَاحِدَة
(2/417)
وَلَو قَالَ اخْتَارِي تَطْلِيقَة فَطلقت
نَفسهَا فَهِيَ وَاحِدَة رَجْعِيَّة
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْخِيَار إِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَا شَيْء وَإِن
اخْتَارَتْ نَفسهَا فَهِيَ الْبَتَّةَ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي اخْتَارِي وأمرك بِيَدِك لَيْسَ بِطَلَاق إِلَّا
أَن يُرِيد الزَّوْج وَلَو أَرَادَ طَلاقهَا فَقَالَت قد اخْتَرْت نَفسِي
فَإِن اخْتَارَتْ طَلَاقا فَهُوَ طَلَاق وَإِن لم ترده فَلَيْسَ بِطَلَاق
قَالَ عَليّ فِي الْخِيَار إِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة
وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة
وَقَالَ عمر وَعبد الله فِي الْخِيَار وأمرك بِيَدِك إِن اخْتَارَتْ
نَفسهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَا شَيْء
وَقَالَ زيد بن ثَابت فِي الْخِيَار إِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَا شَيْء
وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَثَلَاث وَقَالَ فِي أَمرك بِيَدِك إِن
اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة وروى عَن عَائِشَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خير نِسَاءَهُ فاخترنه فَلم يكن ذَلِك
طَلَاقا
فَإِن قيل غنما كَانَ ذَلِك تخييرا بَين الدُّنْيَا والاخرة فاخترن
الْآخِرَة وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْحسن
قيل لَهُ إِنَّمَا كَانَ تخييرا بَين الصَّبْر مَعَه على الْفقر وفراقه
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه قَالَ لعَائِشَة إِنِّي أُرِيد أَن أذكر لَك
شَيْئا فلاتعجلي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي فِيهِ أَبَوَيْك فَقَالَت مَا
هُوَ فَتلا عَلَيْهَا الْآيَة
فَقَالَت أفيك أَستَأْمر ابوي لَا بل أخْتَار الله وَرَسُوله وَالدَّار
الْآخِرَة وَأَسْأَلك
(2/418)
أَن لَا تذكر لامْرَأَة من نِسَائِك مَا
اخْتَرْت فَقَالَ إِن الله لم يَبْعَثنِي معنفا وَلَكِن بَعَثَنِي معلما
ميسرًا لَا تَسْأَلنِي امْرَأَة عَمَّا اخْتَرْت إِلَّا أخْبرتهَا رَوَاهُ
أَبُو الزبير عَن جَابر ذكر والْحَدِيث
925 - فِيمَن قَالَ اخْتَارِي أَبَاك أَو أمك أَو غَيرهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهَا اخْتَارِي الْأزْوَاج أَو اخْتَارِي
أهلك أَو اخْتَارِي أَبَاك أَو قَالَ أمك يَعْنِي الطَّلَاق فَاخْتَارَتْ
نَفسهَا وَقع الطَّلَاق وَإِن قَالَ اخْتَارِي أختك إو ذَا رحم محرم
مِنْهَا فَاخْتَارَتْ نَفسهَا لم يَقع شَيْء وَإِن أَرَادَ الطَّلَاق
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن امراة كَانَت تستأذن زَوجهَا إِلَى
الْحمام وَامْرَأَة أُخْرَى كَانَت تخرج إِلَى غرفَة فِي الدَّار فَقَالَ
لَهما الزَّوْج إِمَّا أَن تختارا أَنا أَو تختارا الْحمام والغرفة فَإِن
لم يرد الطَّلَاق فَلَيْسَ بِشَيْء قَالَ ابْن الْقَاسِم فَقَوله اخْتَارِي
أَبَاك اَوْ أمك كَذَلِك على مَذْهَب مَالك إِن أَرَادَ الطَّلَاق فَهُوَ
طَلَاق وَإِلَّا فَلَا شَيْء
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل قَالَ لامْرَأَته اختاريني أَو اخْتَارِي
أَبَاك فَقَالَت قد اخْتَرْت أبي فَقَالَ وَاحِدَة
(2/419)
926 - فِي الْخِيَار إِذا علق بِوَقْت أَو
شَرط
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهَا إِذا قدم فلَان فاختاري أَو قَالَ
أَمرك بِيَدِك فَقدم فلَان فَإِن الْأَمر يصير فِي يَدهَا فِي الْوَقْت
الَّذِي علمت بقدومه فِي ذَلِك الْمجْلس
(171 ب) وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ لَهَا إِذا جَاءَ غَد
فقد جعلت الْخِيَار إِلَيْك فلهَا الْخِيَار السَّاعَة فتقضي أَو ترد فَإِن
وَطئهَا قبل غَد فَلَا شَيْء بِيَدِهَا
وَقَالَ مَالك فِيمَن تزوج الْمَرْأَة يشْتَرط لَهَا أَن إِن تزوج أَو تسرى
فَأمرهَا بِيَدِهَا فَيَتَزَوَّج أَو يتسرى وَهِي لَا تعلم قَالَ لَا
يَنْبَغِي لَهُ ان يَطَأهَا حَتَّى يعلمهَا فتقضي أَو ترد
قَالَ مَالك وَكَذَلِكَ الْأمة تعْتق تَحت العَبْد فيطأها قبل أَن تعلم
فَإِن لَهَا الْخِيَار إِذا علمت ولايقطع وَطْؤُهُ خِيَارهَا إِلَّا أَن
يقطعهَا بعد علمهَا ويحال بَين وَطْء العَبْد الْأمة إِذا اعتقت وَهِي
تَحْتَهُ حَتَّى تخْتَار أَو تتْرك
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل يَقُول لامْرَأَته إِن تزوجت عَلَيْك فأمرك
بِيَدِك وَتقول هِيَ فَإِنِّي قد اخْتَرْت نَفسِي من السَّاعَة إِن فعلت
أَنْت ثمَّ يفعل ذَلِك قَالَ أرَاهُ قد فَارقهَا لِأَنَّهَا قد اخْتَارَتْ
فِرَاقه يَوْمئِذٍ وأحكمته
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ إِن تزوجت عَلَيْك فأمرك
بِيَدِك فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن ذَلِك لَهَا وَالْآخر لَا يكون
لَهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى جرير بن حَازِم عَن مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب عَن
الْحسن بن سعد عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا وَأمر
(2/420)
عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة وَقَالَ إِن
أُصِيب زيد قبل ذَلِك فأميركم جَعْفَر فَإِن قتل فأميركم عبد الله بن
رَوَاحَة
فَفِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز الْولَايَة بالمخاطرة وتفويض من الْمولى إِلَى
الْمولى الْأَمر على شَرط فَدلَّ على جَوَاز الْوكَالَة والتخيير بالمخاطرة
927 - فِيمَن جعل للمخيرة جعلا على أَن تختاره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جعل للمخيرة جعلا على أَن تختاره فَفعلت فَلَا
شَيْء لَهَا وَيبْطل خِيَارهَا
وَلم يجز الشَّافِعِي إبِْطَال الْقسم فِي يَوْم وَلَيْلَة بِجعْل وَاحْتج
بِأَنَّهَا أَعطَتْهُ على المَال لَا غير مَمْلُوكَة وَلَا مُعتقة فَقِيَاس
قَوْله هَذَا أَن لَا يَصح لَهَا أَخذ المَال على اخْتِيَاره
928 - فِي خلية وبرية وبائن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَرَادَ طَلَاقا فَوَاحِدَة بَائِنَة إِلَّا أَن
يَنْوِي ثَلَاثًا وَإِن أَرَادَ ثِنْتَيْنِ كَانَت وَاحِدَة بَائِنَة
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ زفر ثِنْتَيْنِ بائنتين إِذا أرادهما
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث فِي الخلية والبرية والبائن هِيَ ثَلَاث فِي
(2/421)
الْمَدْخُول بهَا لِأَنَّهَا لَا يبينها
إِلَّا الثَّلَاث ويدين فِي الَّتِي لم يدْخل بهَا أَنَّهَا تَطْلِيقَة
وَاحِدَة لِأَنَّهَا تبينها ذكر عَنهُ ابْن وهب
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثله وَقَالَ عَنهُ إِن أَرَادَ ثِنْتَيْنِ
فِي غير الْمَدْخُول بهَا كَانَ كَمَا نوى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ هُوَ ثَلَاث فِي البائنة والبرية وَأما الخلية
فَسمِعت الزُّهْرِيّ يَقُول وَاحِدَة وَمَا نوى
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَاحِدَة إِلَّا أَن يَنْوِي ثَلَاثًا
قَالَ ابْن أبي ليلى فِي حرَام وخلية وبرية وبائن إِن جَمِيع ذَلِك ثَلَاث
وَلَا ندينه فِي شَيْء مِنْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ مَا نوى وَإِن نوى دون الثَّلَاث كَانَ رَجْعِيًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الْحسن الْبَصْرِيّ وخلاس عَن عَليّ فِي
الْبَريَّة والبتة والبائن وَالْحرَام وَطَلَاق الْحَرج ثَلَاث ثَلَاث
روى نَافِع عَن ابْن عمر مثله من قَوْله
929 - فِي الْخِيَار على الْمجْلس
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِذا خيرت فخيارها على الْمجْلس فَإِن قَامَت
قبل أَن تَقول شَيْئا بَطل خِيَارهَا
(2/422)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ بعض
الْمُتَأَخِّرين فِي حَدِيث أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا إِنِّي ذَاكر لَك أمرا فَلَا تعجلِي حَتَّى
تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك وَلم يقل فِي مجلسك فَدلَّ على أَن لَهَا
الْخِيَار بعد الْمجْلس قَالَ أَبُو جَعْفَر يجوز أَن يكون كَذَلِك لِأَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جعل لَهَا الْخِيَار فِي الْمجْلس
وَبعده حَتَّى تشَاور أَبَوَيْهَا وَكَذَلِكَ يَقُول فِيمَن خير امراته فِي
الْمجْلس وَبعده أَن لَهَا الْخِيَار
930 - فِي الرُّجُوع عَن التَّمْلِيك
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جعل أَمر امْرَأَته بِيَدِهَا وَقَالَ لَهَا
طَلِّقِي نَفسك فَهُوَ على الْمجْلس وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع فِيهِ
وَلَو قَالَ لأَجْنَبِيّ طلق امْرَأَتي كَانَ على الْمجْلس وَبعده وَله أَن
ينهاه
وَلَو قَالَ لَهُ طَلقهَا إِن شِئْت أَو قَالَ لَهَا أمرهَا بِيَدِك كَانَ
على الْمجْلس وَلم يكن لَهُ الرُّجُوع فِيهِ
وقالزفر إِذا قَالَ لأَجْنَبِيّ طلق امْرَأَتي إِن شِئْت فَهُوَ على
الْمجْلس وَبعده وَله أَن ينهاه قبل أَن تطلق
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لأَجْنَبِيّ أَمر امْرَأَتي بِيَدِك فَلَيْسَ
لَهُ أَن يرجع فِيهِ وَكَذَلِكَ الثَّوْريّ وَاللَّيْث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا جعل أَمر امْرَأَته بِيَدِهَا فَلهُ أَن يرجع
قبل أَن تَقول شَيْئا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ملك أمرهَا غَيرهَا فَهَذِهِ وكَالَة وَللزَّوْج
أَن يرجع فِيهِ قبل أَن يوقعه وَمَتى أوقعه قبل رُجُوعه وَقع
(2/423)
931 - فِي الْكَلَام الَّذِي يشبه
الطَّلَاق إِذا أَرَادَ بِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا كل كَلَام يشبه الْفرْقَة إِذا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاق
فَهُوَ طَلَاق وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أعجمي ناول امراته حبلا أمرهَا أَن تَأْخُذ بطرفه
وَأخذ بطرفه الآخر ثمَّ قطع مَا بَينه وَبَينهَا بسكين فَقَالَ أردْت
الطَّلَاق فَهُوَ طَلَاق كَمَا أَرَادَ
(173 ب) وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ كلي واشربي وَنوى الطَّلَاق فَهُوَ
طَلَاق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ مَا عَنى بِهِ الطَّلَاق فَهُوَ طَلَاق
وَقَالَ الشَّافِعِي فَأَما مَا لَا يشبه الطَّلَاق فَلَيْسَ بِطَلَاق
كَقَوْلِه اسقيني أَو أطعميني
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أوفى عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجَاوز الله لأمتي عَمَّا
حدثت بِهِ أَنْفسهَا مالم تنطق بِهِ لِسَان أَو تعمله يَد
فَدلَّ ذَلِك على أَنه لَا يَقع بِالنِّيَّةِ دون القَوْل أَو الْكتاب
لقَوْله أَو تعمله يَد
932 - فِيمَن قَالَ لَيست لي بِامْرَأَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ لَيست لي بِامْرَأَة وَنوى الطَّلَاق فَهُوَ
طَلَاق وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا قَالَ
وَالله مَا أَنْت
(2/424)
لي بِامْرَأَة أَو لَيست لي وَالله
امْرَأَة وَهُوَ يُرِيد الطَّلَاق لم يكن طَلَاقا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الأول أَيْضا لَيْسَ بِطَلَاق
وَقَالَ مَالك إِذا نوى بقوله لَيست لي بِامْرَأَة أَو مَا أَنْت لي
بِامْرَأَة فَهُوَ طَلَاق
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي الرجل يُقَال لَهُ أتزوجت فَيَقُول لَا مَا لي
زوجه وَقد تزوج فَهِيَ بَائِنَة بِوَاحِدَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ مَا أَنْت بامرأتي وَنوى طَلَاقا
فَذَلِك إِلَى نِيَّته
وَقَالَ اللَّيْث هِيَ كذبة
933 - فِيمَن شكّ فِي الطَّلَاق
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا تطلق امْرَأَته وَلَا يلْزمه شَيْء
وَقَالَ مَالك فِي رجل حلف فَلَا يدْرِي بِأَيّ ذَلِك كَانَت يَمِينه
أبصدقة أم بِطَلَاق أم بِعِتْق أم بمشي إِلَى بَيت الله أَنه تطلق عَلَيْهِ
امْرَأَته وتعتق عبيده وَيتَصَدَّق بِثلث مَاله وَيَمْشي إِلَى بَيت الله
تَعَالَى وَإِنَّمَا يُؤمر بِجَمِيعِ ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله
تَعَالَى وَلَا يجْبر عَلَيْهِ فِي الْقَضَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدِيث يحيى بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن
عَمْرو السّري ابْن مصرف قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن جحادة
قَالَ شَككت فِي طَلَاق امْرَأَتي فَلم أدر أطلقتها وَاحِدَة أم لَا
فَسَأَلت شَرِيكا فَقَالَ طَلقهَا وأشهدنا على رَجعتهَا ثمَّ سَأَلت
سُفْيَان فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْك شَيْء حَتَّى تستيقن ثمَّ سَأَلت زفر
فَقَالَ أشهدنا على رَجعتهَا فَذكرت مَا قَالَا لزفَر فَقَالَ أما شريك
فَهُوَ
(2/425)
بِمَنْزِلَة لَو قلت إِنِّي شَككت فِي ثوبي
أَصَابَهُ بَوْل أم لَا فَقَالَ لَك بل السَّاعَة عَلَيْهِ ثمَّ اغسله
وَقَالَ سُفْيَان لَيْسَ عَلَيْك شَيْء حَتَّى تستيقن وَقلت لَك اغسله وصل
فِيهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا طَلقهَا وَلم يدر كم طلق اعْتد بتطليقة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شكّ فِي طَلَاقه وَاحِدَة والبتة قضى عَلَيْهِ
بالبتة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ من استيقن نِكَاحا ثمَّ شكّ فِي
الطَّلَاق لم يزل الْيَقِين إِلَّا بِيَقِين
وَلَو قَالَ حنثت بِالطَّلَاق أَو الْعتْق وقف على نِسَائِهِ ورقيقه حَتَّى
يتَبَيَّن وَيحلف الَّذِي يَدعِي وَإِن مَاتَ قبل ذَلِك أَقرع بَينهم وَإِن
خرج السهْم على الرَّقِيق (173 أ) عتقوا من رَأس المَال وَإِن وَقع على
النِّسَاء لم يطلقن وَلم يعْتق الرَّقِيق
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن سعيد وَعَن عباد بن تَمِيم أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الرجل يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد
الشَّيْء فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد
ريحًا فَجعل الحكم لليقين وألغى الشَّك
934 - فِي الرِّدَّة هَل هِيَ طَلَاق
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ الْفرْقَة الْوَاقِعَة
بردة الزَّوْج لَيست بِطَلَاق
(2/426)
وَمَالك تقع الْفرْقَة بِالرّدَّةِ عِنْده
وَهِي طَلَاق بَائِن وَهُوَ قَول مُحَمَّد
935 - فِي إباء الزَّوْج الْإِسْلَام
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أسلمت امْرَأَة الذِّمِّيّ وأبى الزَّوْج فَفرق
بَينهمَا فَهُوَ طَلَاق هُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَيْسَ بِطَلَاق وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
إِلَّا أَن مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ يَقُولَانِ إِنَّمَا تقع الْفرْقَة
بِمُضِيِّ ثَلَاث حيض قبل أَن يسلم
936 - فِي فرقة الْمُعتقَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتَارَتْ الْمُعتقَة نَفسهَا بِالْعِتْقِ
فَلَيْسَ ذَلِك بِطَلَاق وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث تَطْلِيقَة بَائِنَة
937 - فِيمَن قَالَ لامْرَأَته أَنا مِنْك بَائِن أَو خَيرهَا
فَقَالَت قد طلقت
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يَقع ذَلِك طَلَاق
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تطلق
(2/427)
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر وَابْن
مَسْعُود فِي الرجل يَجْعَل أَمر امْرَأَته بِيَدِهَا فَقَالَت لَهُ أَنْت
طَالِق أَنَّهَا تطلق
وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا تطلق
قَالَ أَبُو جَعْفَر إذاقال أَنا مِنْك طَالِق فَهُوَ مُطلق لنَفسِهِ لَا
لَهَا وَالله تَعَالَى إِنَّمَا جعل لَهُ أَن يُطلق زَوجته بقوله تَعَالَى
{إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن} الطَّلَاق 1 وَلم يَجْعَل إِلَيْهِ أَن
يُطلق نَفسه قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْله أَنا مِنْك بَائِن أَو أَنا
عَلَيْك حرَام لِأَنَّهُ يَصح أَن يَقُول بَانَتْ مني وَبنت مِنْهَا وَحرمت
عَليّ وَحرمت عَلَيْهَا وَلَا يَصح أَن يَقُول طلقت من زَوْجَتي
938 - فِي الْحكمَيْنِ فِي الشقاق
قَالَ أَصْحَابنَا لَيْسَ لهماأن يفرقا إِلَّا أَن يَجْعَل الزَّوْج
إِلَيْهِمَا التَّفْرِيق وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ يجوز قَوْلهمَا فِي الْفرْقَة والاجتماع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن سِيرِين عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي عَن
عَليّ أَنه قَالَ لِلْحكمَيْنِ أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا قَالَا وَمَا
علينا قَالَ عَلَيْكُمَا إِن رأيتماأن تجمعَا جَمعْتُمَا وَإِن رأيتماأن
تفَرقا فَرَّقْتُمَا فَقَالَت الْمَرْأَة قد رضيت وسلمت وَقَالَ الزَّوْج
أما فِي الْفرْقَة فَلَا أرْضى فَقَالَ عَليّ لَيْسَ لَك ذَاك لست ببارح
حَتَّى ترْضى بِمثل مَا رضيت فَدلَّ على أَن مذْهبه أَنَّهُمَا لَا يفرقان
إِلَّا برضى الزَّوْج
(2/428)
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه إِن أجمع
رأيهما على أَن يجمعا أَو يفرقا فَأَمرهمَا جَائِز
939 - فِي طَلَاق الْمُكْره
قَالَ أَصْحَابنَا يَصح طَلَاقه ونكاحه وعتقه ونذره
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يَصح
وَقَالَ الثَّوْريّ يَصح طَلَاقه رَوَاهُ الْأَشْجَعِيّ عَنهُ وروى عَنهُ
الْمعَافى انه لَا نِكَاح لمضطهد
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى بشر بن بكر عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن عبيد
بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجَاوز
الله عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ وتجاوزه
إِنَّمَا هُوَ عَفْو فَدلَّ على أَنه أَرَادَ إِسْقَاط المأثم وَالْعَفو
عَن الطَّلَاق وَالْعتاق لَا يَصح لِأَنَّهُ غير مذب فيعفى عَنهُ وَذكر
حَدِيث حُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ ولأبيه
حِين حلفهما الْمُشْركُونَ نفى لَهُم بعهدهم ونستعين الله عَلَيْهِم
قَالَ وَالْإِكْرَاه لَا يمْنَع وُقُوع مَا حلف وَإِنَّمَا يُوجب الْخِيَار
وَالْخيَار لَا يَصح فِي طَلَاق وَلَا عتق وَلَا نِكَاح
(2/429)
940 - فِيمَن سبقه لِسَانه بِالطَّلَاق
قَالَ أَصْحَابنَا يَقع فِي الْقَضَاء فِيمَا بَينه وَبَين الله كَذَلِك
الْعتْق وَذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة مثل ذَلِك
وَقَالَ فِيمَن قَالَ لامْرَأَته طَالِق وَأَرَادَ أَن يَقُول إِن دخلت
الدَّار ثمَّ بدا لَهُ فَسكت أَو شغله شاغل وَنِيَّته إِن دخلت الدَّار
وَلكنه لم يتَكَلَّم بِهِ فالطلاق وَاقع فِي الْقَضَاء وَفِيمَا بَينه
وَبَين الله تَعَالَى فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَلَو حلف بِحَجّ أَو غَيره أَو هدي أَو مشي أَو عهد أَو نذر أَو مَا سوى
ذَلِك مَا خلا الطَّلَاق وَالْعتاق ثمَّ شغله شاغل عَن تَمام الْكَلَام
وَالْيَمِين لم يلْزمه شَيْء وَلَو أَرَادَ أَن يتَكَلَّم بِكَلَام غير
الطَّلَاق فسبقه لِسَانه فَقَالَ أَنْت طَالِق طلقت فِي الْقَضَاء وَفِيمَا
بَينه وَبَين الله
وَقَالَ مَالك إِذا حلف بِالطَّلَاق على أَمر أَن لَا يَفْعَله فَقَالَ
أَنْت طَالِق الْبَتَّةَ ثمَّ بدا لَهُ فَترك الْيَمين فَإِنَّهَا لَا تكون
طَلَاقا لِأَنَّهُ لم يرد أَن يطلقهَا إِنَّمَا أَرَادَ الْيَمين فقطعها
عَن نَفسه وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ امْرَأَته طَالِق وَهُوَ لَا يُرِيد
امْرَأَته فَلَا طَلَاق عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَلَا نِيَّة لَهُ وَقع
الطَّلَاق وَحكى عَنهُ الرّبيع إِنَّمَا غلب الرجل من لِسَانه حَتَّى
قَالَه بِغَيْر اخْتِيَاره مِنْهُ لذَلِك فَهُوَ كلا قَول فِي أَنه لَا
يلْزمه شَيْء من طَلَاق وَلَا غَيره
941 - فِي طَلَاق السَّكْرَان وعقوده
قاق أَصْحَابنَا طَلَاق السَّكْرَان وعقوده وَأَحْكَام أَفعاله ثَابِتَة
كأفعال
(2/430)
الصاحي إِلَّا الرِّدَّة فَإِنَّهُ إِذا
ارْتَدَّ لَا تبين مِنْهُ امْرَأَته اسْتِحْسَانًا
قَالَ مُحَمَّد وَلَو قذف حد وَكَذَلِكَ إِذا قتل أَو قتل وَإِن زنى أَو
سرق أقيم (174 ب) عَلَيْهِ الْحَد وَلَا يجوز إِقْرَاره بالحدود
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن طَلَاق السَّكْرَان جَائِز وَإِن قتل
أَو قتل وَذكر ابْن أَشْرَس عَن مَالك أَنه سُئِلَ عَن نِكَاح السَّكْرَان
فَقَالَ لَا أرَاهُ جَائِزا وطلاقه جَائِز عَلَيْهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ طَلَاق السَّكْرَان وعتقه جَائِز
وَقَالَ عُثْمَان البتي السَّكْرَان بِمَنْزِلَة الْمَجْنُون لَا يجوز
طَلَاقه وَلَا عتقه وَلَا بَيْعه وَلَا نِكَاحه وَلَا يحد فِي قذف وَلَا
زنا وَلَا سَرقَة
وَقَالَ اللَّيْث كل مَا جَاءَ من منطق السَّكْرَان فَهُوَ مَوْضُوع عَنهُ
وَلَا يلْزمه طَلَاق وَلَا عتق وَلَا بيع وَلَا نِكَاح وَلَا يحد فِي
الْقَذْف إِلَّا فِي حد الشَّرَاب وَحده إِمَّا عمله بِيَدِهِ من قتل أَو
سَرقَة أَو زنا فَإِنَّهُ يُقَام عَلَيْهِ ذَلِك كُله
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ فِي طَلَاق السَّكْرَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه
وَالْآخر لَا يلْزمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر طَلَاق السَّكْرَان غير جَائِز وَهُوَ مَذْهَب
عُثْمَان بن عَفَّان وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَن شرب البنج فَذهب عقله أَن
طَلَاقه غير جَائِز وَكَذَلِكَ السَّكْرَان من الشَّرَاب وعَلى أَنه لَا
تخْتَلف أَحْكَام فَاقِد الْعقل أَن يكون ذهَاب عقله بِسَبَب من جِهَته أَو
من جِهَة الله تَعَالَى أَلا ترى أَنه لَا فرق بَين من عجز عَن الْقيام فِي
الصَّلَاة بِسَبَب من قبل الله تَعَالَى أَو من قبل نَفسه بِأَن يكسر رجل
نَفسه فِي بَاب سُقُوط فرض الْقيام عَنهُ
فَإِن قيل رُوِيَ عَن عَليّ أَنه قَالَ كل طَلَاق جَائِز إِلَّا طَلَاق
الْمَعْتُوه
(2/431)
قيل لَهُ السَّكْرَان معتوه بسكره
كَالْمَجْنُونِ معتوه بالجنون والموسوس معتوه بالوسوسة
942 - فِي طَلَاق الْمَرِيض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طلق امْرَأَته فِي مَرضه ثَلَاثًا ثمَّ مَاتَ فِي
مَرضه وَهِي فِي الْعدة فَإِنَّهَا تَرثه فَإِن مَاتَ بعد انْقِضَاء الْعدة
لم تَرثه وَإِن صَحَّ من مَرضه ثمَّ مرض ثمَّ مَاتَ من مَرضه وَهِي فِي
الْعدة ورثته أَيْضا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَزفر
وَكَذَلِكَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك إِذا طلق امْرَأَته وَهُوَ مَرِيض قبل الدُّخُول فلهَا نصف
الْمهْر وَالْمِيرَاث وَلَا عدَّة عَلَيْهَا وَإِن تزَوجهَا عشرَة أَزوَاج
كلهم طلق فِي الْمَرَض فَإِنَّهَا تَرث جَمِيعهم إِذا مَاتُوا قبل أَن
يصحوا من الْمَرَض
وَذكر اللَّيْث أَن ابْن شبْرمَة سَأَلَ ربيعَة عَن الْمَرِيض يُطلق
امْرَأَته فَقَالَ تَرثه وَلَو تزوجت عشرَة أَزوَاج فَأنْكر ذَلِك ابْن
شبْرمَة
وَقَالَ اللَّيْث القَوْل قَول ربيعَة
وَقَالَ مَالك وَإِن صَحَّ من مَرضه صِحَة مَعْرُوفَة ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك
لم تَرثه وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تَرث المبتوتة وَإِن مَاتَ وَهِي فِي الْعدة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ كتب عمر إِلَى
شُرَيْح فِي الَّذِي يُطلق امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مَرضه تَرثه مَا دَامَت
فِي الْعدة وَلَا يَرِثهَا (174 ب)
(2/432)
وروى هِشَام عَن عمر بن أبي سَلمَة عَن
أَبِيه أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ وَهُوَ
مَرِيض وَكَانَت سَأَلته الطَّلَاق فَورثَهَا عُثْمَان مِنْهُ بعد
انْقِضَاء الْعدة
وروى أَبُو عوَانَة عَن عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه أَنه ورثهَا وَهِي
فِي الْعدة
وروى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه ان عبد الرَّحْمَن طلق امْرَأَته فِي
مَرضه ثَلَاثًا فَقَالَ عُثْمَان لَئِن مت لأورثنها مِنْك قَالَ قد علمت
ذَلِك قَالَ فَمَاتَ فِي عدتهَا فَورثَهَا عُثْمَان
وَكَانَ عُرْوَة يَقُول تَرثه مَا كَانَت فِي الْعدة
وَهَذَا اللَّفْظ يدل على مُوَافقَة عبد الرَّحْمَن لعُثْمَان فِي ذَلِك
وروى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت إِذا طلق الرجل
امْرَأَته فِي مَرضه فانقضت الْعدة فَلَا مِيرَاث بَينهمَا
943 - فِي الْمَرِيض يُطلق امْرَأَته بِإِذْنِهَا أَو يملكهَا أمرهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا سَأَلته الطَّلَاق فَطلقهَا أَو خلعها أَو قَالَ
لَهَا إِن شِئْت فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيض ثمَّ مَاتَ وَهِي
فِي الْعدة لم تَرثه
(2/433)
وَقَالَ مَالك إِن اخْتلعت مِنْهُ فِي
مَرضه أَو جعل أمرهَا بِيَدِهَا فَطلقت نَفسهَا وَهُوَ مَرِيض فَإِنَّهَا
تَرثه
وَقَالَ مَالك كل طَلَاق وَقع فِي الْمَرَض فَإِنَّهَا تَرثه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن طَلقهَا بِإِذْنِهَا ورثته وَإِن ملكهَا أمرهَا
فَطلقت نَفسهَا لم تَرثه
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن شهَاب عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ قيل
لعُثْمَان لم ورثتها وَقد علمت أَن عبد الرَّحْمَن لم يطلقهَا ضِرَارًا
وَلَا فِرَارًا من كتاب الله تَعَالَى فَقَالَ عُثْمَان أردْت أَن يكون سنة
أيهاب النَّاس الْفِرَار من كتاب الله تَعَالَى عز وَجل
وَكَانَ طلق بأمرها فَمن طلق بسؤالها لذَلِك أَو بتمليكها فَهُوَ غير فار
مِنْهَا فَلَا معنى لتوريثها
944 - فِي الصَّحِيح يَقُول لامْرَأَته إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فَأَنت
طَالِق فَيَجِيء الْوَقْت وَهُوَ مَرِيض
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تَرثه
وروى الْحسن عَن زفر أَنَّهَا تَرثه
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ وَهُوَ صَحِيح إِذا قدم فلَان فإنت طَالِق
ثَلَاثًا فَقدم وَالزَّوْج مَرِيض ورثت
(2/434)
945 - فِي المحصور وَنَحْوه يُطلق
قَالَ أَصْحَابنَا فِي المحصور يُطلق ثَلَاثًا أَنَّهَا لَا تَرثه كَذَلِك
فِي وصف الْقِتَال وَلَو كَانَ قد بارز رجلا أَو قدم ليقْتل فِي قصاص
أويرجم فِي زنا ورثته إِن مَاتَ من ذَلِك الْوَجْه
وَقَالَ مَالك من حضر للزحف أَو تحسر للْقَتْل فَهُوَ بِمَنْزِلَة
الْمَرِيض فِيمَا صنع فِي مَاله
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا التقى الصفان فَمَا صنع فَهُوَ وَصِيَّة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ مثله
وَذكر الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب فِي الْحَامِل
أَو الْغَازِي يتَصَدَّق قَالَ هُوَ من الثُّلُث
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ أما مَا اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز (175
أ)
946 - فِيمَن حلف بِالطَّلَاق على شَيْء يَفْعَله فَلم يَفْعَله
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف بِطَلَاقِهَا ليَأْتِيَن الْبَصْرَة فَمَاتَ
قبل أَن يأيتها طلقت وَلها الْمِيرَاث إِذا كَانَ قد دخل بهَا وعدتها أبعد
الْأَجَليْنِ لم يذكر أَو أَبُو جَعْفَر قَول أبي يُوسُف فِي الْعدة
وَقَالَ مَالك يتوارثان وَلَا يَحْنَث الرجل لِأَنَّهُ قد مَاتَ وَهُوَ
قَول اللَّيْث
وَقَالَ الثَّوْريّ كَقَوْل مَالك فِي الْحِنْث لَا يَقع
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل قَالَ لغلامه إِن لم يضْربهُ مائَة سَوط
فامرأته طَالِق ثَلَاثًا أَنه إِن لم يضْربهُ حَتَّى يَمُوت أَحدهمَا
فَهِيَ طَالِق وَلَا مِيرَاث بَينهمَا
(2/435)
ويحال بَينه وَبَين وَطئهَا وَإِن لم
يضْربهُ إِلَى أَرْبَعَة أشهر طلقت عَلَيْهِ لما جعل عَلَيْهِ من طَلاقهَا
ثَلَاثًا أَو اثْنَتَيْنِ أَو وَاحِدَة وَقَالَ أَيْضا فِي غير هَذِه
الرِّوَايَة إِذا قَالَ لامْرَأَته إِن لم أَتزوّج عَلَيْك فَأَنت طَالِق
الْبَتَّةَ ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا حنث وَإِن كَانَ هُوَ الْمَيِّت ورثته فِي
قَول من يُورث المبتوتة إِذا وَقع الطَّلَاق فِي الْمَرَض
947 - فِيمَن طلق إِن لم يفعل كَذَا هَل يمْنَع مِنْهَا
قَالَ أَصْحَابنَا الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ فِي الرجل يحلف بِطَلَاق
امْرَأَته على شَيْء يَفْعَله فَلَا يَفْعَله حَتَّى يَمُوت أَنه لَا
يُحَال بَينه وَبَين زَوجته قبل أَن يفعل مَا حلف عَلَيْهِ
قَالَ ابْن شبْرمَة إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن لم
أَتزوّج فُلَانَة فَإِنِّي أرى لَهُ أَن لَا يُجَامع امْرَأَته حَتَّى
يَتَزَوَّجهَا وَأَن لَا يتْرك وعضلها إِذا كرهت ذَلِك وتلوم بِقَدرِهِ قدر
مَا يفرق بِهِ الْإِيلَاء فَإِن تزوج إِلَى ذَلِك وَإِلَّا أجبرته على
طَلاقهَا
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن لم أضربك فامرأتي طَالِق ثَلَاثًا ففقد العَبْد
وَلم يدر أَيْن يذهب وَصَارَ مأيوسا فِي قدومه وكرهت زَوجته التَّلَوُّم
أجبرته على طَلاقهَا وَإِن كَانَ على رَجَاء ضرب لَهُ مُدَّة الْإِيلَاء
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يُجَامِعهَا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا قَالَ لامْرَأَته إِن لم أنكح عَلَيْك
فَأَنت طَالِق الْبَتَّةَ فَلَا يَطَأهَا حَتَّى ينْكح فَإِن نكح خرج من
يَمِينه وَإِلَّا لم يَقع طَلَاقه حَتَّى ترفع أمرهَا إِلَى الإِمَام
فَيضْرب لَهُ أجل أَرْبَعَة أشهر من حِين يرفع ذَلِك فَإِن تزوج وَإِلَّا
طلقت عَلَيْهِ
وَإِن أَرَادَ أَن يُجَامِعهَا فِي عدتهَا لم أر أَن يُمكن من ذَلِك حَتَّى
ينْكح فيرتجعها فِي الْعدة إِن شَاءَت إِلَّا أَن يُصِيبهُ أَمر لَهُ فِيهِ
عذر فيخاف فَوَات الْعدة فَإِن ارتجع كَانَت لَهُ الرّجْعَة
(2/436)
وَقَالَ مَالك فِيمَن قَالَ لامْرَأَته إِن
لم أنكح عَلَيْك إِلَى شهر فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يتْرك حَتَّى
يمْضِي الْأَجَل الَّذِي حلف
قَالَ وَمن سمى ليمينه أَََجَلًا يضْربهُ من الزَّمَان خلى بَينه وَبَين
ذَلِك الْأَجَل (175 ب) فيتبين حنثه أَو بره
وَقَالَ مَالك فِي الَّذِي يحلف بِطَلَاق امْرَأَته الْبَتَّةَ ليقضينه قبل
الْهلَال أَنه لَا بَأْس بِأَن يظاهر امْرَأَته فِي ذَلِك وَلَا يجلس
عَنْهَا
قَالَ وَلَو قَالَ لامْرَأَته إِن لم يقدم أبي فَأَنت طَالِق وَأَبوهُ
بِالْيمن فَإِنَّهُ يضْرب لَهُ أَرْبَعَة أشهر إِذا رفع ذَلِك فَإِن قدوم
أَبوهُ وَإِلَّا خرجت مِنْهُ بتطليقة إِيلَاء
وَذكر ابْن عبد الحكم عَن مَالك قَالَ من أعتق جَارِيَته إِلَى سنتَيْن
فَلَا يَطَأهَا وَمن أعتق عَبده إِلَى سنتَيْن فَهُوَ كَمَا قَالَ يُؤَخر
إِلَى سنتيه وَلَا يعجل لَهُ الْعتْق
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مثل قَول مَالك فِي منع الْمَرْأَة مِنْهُ
وَاعْتِبَار مُدَّة الْإِيلَاء إِلَّا أَنه لم يذكر مُدَّة الْإِيلَاء من
حِين يرفع
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل يحلف بِطَلَاق امْرَأَته إِن لم يتَزَوَّج
عَلَيْهَا أَنه يُوقف عَنْهَا حَتَّى لَا يَطَأهَا وَيضْرب لَهُ أجل
الْمولي
قَالَ ابْن وهب وَسُئِلَ اللَّيْث عَن رجل قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق
الْبَتَّةَ إِن لم تتصدقي عَليّ بِكَذَا أَو حَلَفت امْرَأَته بِالْمَشْيِ
إِلَى بَيت الله تَعَالَى أَن لَا تفعل فَقَالَ أرى أَن تفعل فِي مجلسها
أَن تطلق عَلَيْهِ الْبَتَّةَ وَلَا يضْرب لَهُ أجل الْمولى
(2/437)
948 - فِيمَن طلق إِلَى أجل
قَالَ فِي الأَصْل إذاقال أَنْت طَالِق إِلَى شهر طلقت بعد شهر إِلَّا أَن
يَنْوِي الْحَال وَلم يذكر خلافًا وَهُوَ قَول زفر
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَقع بعد شهر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ أَشهب وَمَالك إذاقال لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِلَى الْهلَال
أَنَّهَا طَالِق حِين تعلم
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَنه إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِلَى
قدوم فلَان لم تطلق حَتَّى يقدم
وَقَالَ اللَّيْث من طلق إِلَى أجل سَمَّاهُ طلقت حِين لفظ بِالطَّلَاق
قَالَ أَبُو جَعْفَر ظَاهر الْكَلَام أَنَّهَا طَالِق السَّاعَة كَمَا
قَالَ وَالله لَا أقْربك إِلَى سنة كَانَ مَانِعا نَفسه من قربهَا من
السَّاعَة إِلَى سنة وكما لَو قَالَ عَليّ ألف إِلَى سنة لَيْسَ يَعْنِي
أَن وُجُوبهَا لَهُ بعد سنة
949 - فِي الطَّلَاق الْمُعَلق بِشَرْط
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا علق الطَّلَاق بِوَقْت
أَو شَرط لم تقع بِهِ وَاحِدَة سَوَاء كَانَ مِمَّا هُوَ غيب لَا يُعلمهُ
أَو مِمَّا يُعلمهُ نَحْو قَوْله إِذا ولدت ولدا أَو أمْطرت السَّمَاء أَو
جَاءَ رَأس الشَّهْر وَنَحْو ذَلِك
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِذا حِضْت طلقت
السَّاعَة
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا وَهِي حَامِل إِذا وضعت فَأَنت طَالِق طلقت
السَّاعَة وروى ذَلِك كُله ابْن الْقَاسِم عَن مَالك
(2/438)
قَالَ وَأَخْبرنِي ابْن دِينَار أَن
مَالِكًا سُئِلَ عَن رجل قَالَ لامْرَأَته وَكَانَت تَلد الْجَوَارِي
فَحملت فَقَالَ لَهَا إِن لم يكن فِي بَطْنك غُلَام فَأَنت طَالِق طلقت
السَّاعَة فَإِن ولدت غُلَاما كَانَ الطَّلَاق مَاضِيا بِمَنْزِلَة من
قَالَ إِن لم تمطر السما فِي يَوْم كَذَا فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا
فَإِنَّهَا تطلق السَّاعَة وَإِن أمْطرت (176 ب) فِي ذَلِك الْيَوْم لم ترد
إِلَيْهِ
فَقيل لمَالِك فالرجل يَقُول لامْرَأَته إِن لم يقدم أبي إِلَى يَوْم كَذَا
فَأَنت طَالِق
قَالَ مَالك هَذَا لَا يشبه الْمَطَر لِأَن هَذَا يَدعِي أَن الْخَبَر قد
جَاءَهُ بقدوم أَبِيه فِي ذَلِك الْيَوْم وَلَيْسَ هَذَا كمن حلف على
الْغَيْب
قَالَ مَالك وَلَو قَالَ لَهَا وَهِي حَائِض أَنْت طَالِق إِذا طهرت طلقت
السَّاعَة وَيجْبر على رَجعتهَا
وَإِذا قَالَ إِذا قدم فلَان فَأَنت طَالِق لم تطلق حَتَّى يقدم وَقَالَ
مَالك وَلَو قَالَ لَهَا إِن مت فَأَنت طَالِق لم تطلق عَلَيْهِ وَلَو
قَالَ إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق طلقت حِين تكلم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق إِذا هَل الْهلَال
تَعْتَد فِي يَوْم لفظ بِالطَّلَاق قَالَ وَلَو جعل امْرَأَته طَالقا إِن
تزوج امْرَأَة قد سمى لَهَا زوج طلقت امْرَأَته مَكَان
وَلَو قَالَ إِذا جَاءَ فلَان وَأَشْبَاه ذَلِك مِمَّا لَا يدْرِي أَيكُون
أَو لَا يكون فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ يَطَأهَا وَلَا طَلَاق عَلَيْهِ
حَتَّى يكون مَا ذكر وَلَو قَالَ إِذا احضت ثمَّ طهرت فَأَنت طَالِق فارتفع
حَيْضهَا فَإِنَّهُ يَطَأهَا حَتَّى تحيض وَكَذَلِكَ إِن حملت وَلَو
استحيضت فَإِذا جَاوَزت أقراءها اغْتَسَلت وصلت وَوَقع الطَّلَاق
(2/439)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا حلف بِطَلَاقِهَا
ليقْتلن فلَانا طلقت السَّاعَة وَلم ينْتَظر بِهِ أَن يقْتله وَإِن قَتله
لم يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق
وَلَو قَالَ إِذا ولدت فَأَنت طَالِق لم تطلق حَتَّى تضع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَن أعتق عَبده إِذا كَانَ كَذَا
لما هُوَ كَائِن لَا محَالة أَو لما قد يكون وَقد لَا يكون أَنَّهُمَا
سَوَاء وَأَنه لَا يعْتق حَتَّى يكون الشَّرْط وَكَذَلِكَ الطَّلَاق
950 - فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق
قَالَ أَصْحَابنَا الِاسْتِثْنَاء جَائِز فِي الطَّلَاق وَالْعتاق وَلَا
يقعان مَعَه وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقع وَلم يعْمل الِاسْتِثْنَاء وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار
إِن شَاءَ الله تَعَالَى صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَبَطلَت الْيَمين
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا اسْتثِْنَاء فِي الطَّلَاق ولافي الْعتاق
وَقَالَ مَالك وَلَا فِي مشي وَلَا صَدَقَة
قَالَ مَالك لَا يسْتَثْنى إِلَّا فِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى وَلَو
حلف بِاللَّه أَن لَا يضْرب امْرَأَته إِن شَاءَ الله فَهُوَ مول وَلَو
قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ فلَان لم تطلق حَتَّى يعرف أَشَاء فلَان أم
لَا وَلَو كَانَ فلَان مَيتا لم تطلق لأَنا نعلم أَن الْمَيِّت لَا يَشَاء
قَالَ مَالك وَلَو قَالَ عَليّ نذر إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله فَلَا
شَيْء عَلَيْهِ وَهَذَا مثل الْحلف بِاللَّه تَعَالَى
(2/440)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا اسْتثِْنَاء
فِي الطَّلَاق وَيجوز فِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى
وَقَالَ اللَّيْث لَا يجوز الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق وَالْعتاق فِي
الْحُقُوق الَّتِي (176 ب) بَينه وَبَين النَّاس وَمَا كَانَ بَينه وَبَين
الله تَعَالَى فِي يَمِين حلف بهَا فَلهُ الِاسْتِثْنَاء
وَمن قَالَ عَليّ هدي أَو أَمْشِي إِلَى بَيت الله إِن شَاءَ الله فَلهُ
الِاسْتِثْنَاء إِذا كَانَ مُتَّصِلا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حلف ثمَّ قَالَ إِن شَاءَ الله فَهُوَ
بِالْخِيَارِ فِي بعض الْأَلْفَاظ وَفِي بَعْضهَا فقد اسْتثْنى
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس إجَازَة الِاسْتِثْنَاء بعد انْقِطَاع الْكَلَام
وَاحْتج بقوله {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} الْكَهْف 24
وروى شريك عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله لأغزون قُريْشًا وَالله لأغزون قُريْشًا
وَالله لأغزون قُريْشًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَكَانَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاء بعد الْيَمين الثَّالِثَة
وَهَذَا حَدِيث قد وَصله شريك وَذكره على هَذَا الْوَجْه وقطعه من هُوَ
أثبت مِنْهُ وَهُوَ مسعر فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن سماك عَن عِكْرِمَة قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لأغزون قُريْشًا ثمَّ
قَالَ إِن شَاءَ الله ثمَّ قَالَ وَالله لأغزون قُريْشًا ثمَّ قَالَ إِن
شَاءَ الله ثمَّ قَالَ وَالله لأغزون قُريْشًا ثمَّ قَالَ إِن شَاءَ الله
فَصَارَ مُنْقَطِعًا وَذكر مسعر الِاسْتِثْنَاء فِي كل يَمِين
(2/441)
وروى عَن ابْن عمر لَا حنث فِي يَمِين
مَوْصُول آخرهَا إِن شَاءَ الله
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين فَرَأى
غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه
وَلَو جَازَ الِاسْتِثْنَاء بعد قطع الْكَلَام لقَالَ فليستثن وَلَا خلاف
أَنه مَتى علق الطَّلَاق بِمَشِيئَة آدَمِيّ أَنه لَا يَقع أَو يَشَاء
كَذَلِك إِذا علق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى
951 - فِي دَعْوَى الْخُصُوص فِي الْيَمين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لامْرَأَته إِن لبست فَهِيَ طَالِق وَقَالَ
عنيت ثوبا دون ثوب لم يصدق فِي الْقَضَاء وَلَا فِيمَا بَينه وَبَين الله
تَعَالَى وَلَو كَانَ قَالَ لَا ألبس ثوبا صدق فِيمَا بَينه وَبَين الله
تَعَالَى دون الْقَضَاء ولوقال لَا كلمت فلَانا شهرا وَقَالَ نَوَيْت
النَّهَار دون اللَّيْل لم تكن نِيَّته شَيْئا
وَقَالَ مَالك إِذا حلف بِالطَّلَاق لَا يدْخل دَار فلَان فَقَالَ نَوَيْت
أَن لَا أدخلها شهرا دين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي وَلَا يصدق فِي الْقَضَاء فِي قَوْلهمَا
592 - فِيمَن كتب الطَّلَاق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كتب الْأَخْرَس لامْرَأَته فِي كتاب بِطَلَاقِهَا
وَقَامَت الْبَيِّنَة فرق بَينهمَا فِي الْقَضَاء وَإِن لم ينْو الطَّلَاق
وَسعه أَن يُقيم عَلَيْهَا فِيمَا بَينه وَبَين الله
(2/442)
تَعَالَى وَإِن كتب فِي الأَرْض لم يجز
ذَلِك عَلَيْهِ إِلَّا أَن يَنْوِي الطَّلَاق
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِذا كتب إِلَى امْرَأَته بِطَلَاقِهَا أَنه إِن
نوى الطَّلَاق وَقع وَإِن كتب وَهُوَ غير عازم على الطَّلَاق وَإِنَّمَا
كتب لينْظر ويستشير لم يَقع (177 ب)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِذا كتب طَلَاق امْرَأَته وَقع
953 - فِيمَن لَا يدْرِي أحنث أم لَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا حلف على شَيْء أَنه لَا يَفْعَله
ثمَّ فعل شَيْئا لَا يدْرِي أهوَ مَا حلف عَلَيْهِ أم غَيره أَنه لايحنث
حَتَّى يستقين وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْحلف بِاللَّه وَبَينه
بِالطَّلَاق وَغَيره
وَقَالَ مَالك يَحْنَث
954 - فِيمَن عقد طَلاقهَا بِشَيْء لَا يطلع عَلَيْهِ غَيرهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهَا إِن كنت تحبين فَأَنت طَالِق فَقَالَت
أَنا أحبك وَقع الطَّلَاق سَوَاء كَانَت صَادِقَة فِيهِ أَو كَاذِبَة
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن كنت تحبين أَن يعذبك الله بجهنم فَقَالَت أَنا
أحبه
فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يَقع وَقَالَ مُحَمَّد لَا يَقع إِذا
كَانَ فِي قَلبهَا خلاف مَا أظهرت
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث فِي رجل سَأَلَ امْرَأَته عَن شَيْء فَقَالَ إِن
لم تصدقيني أَو إِن كتمتيني فَأَنت طَالِق الْبَتَّةَ فَأَخْبَرته فَإِنِّي
أرى أَن يفارقها
(2/443)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ
حَرْمَلَة إذاقال إِن كنت تحبيني فَأَنت طَالِق فَهَذَا على أَن تَقوله
بلسانها دون الْقلب
955 - فِيمَن قَالَ أَنْت طَالِق يَوْم يقدم فلَان
قَالَ أَصْحَابنَا هَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَو قَالَ لَيْلَة يقدم
فلَان كَانَ هَذَا على اللَّيْل دون النَّهَار
وَقَالَ مَالك هما سَوَاء إِذا ذكر اللَّيْلَة فَقدم النَّهَار أَو ذكر
يَوْمًا فَقدم لَيْلًا حنث لِأَن النَّهَار من اللَّيْل وَاللَّيْل من
النَّهَار
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حلف ليقضينه لَيْلَة يهل الْهلَال فَخرجت
اللَّيْلَة قبل أَن يَقْضِيه حنث
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لأقضينك يَوْم الْإِثْنَيْنِ فغابت الشَّمْس قبل
أيقضيه حنث
956 - فِيمَن حلف على مَاض
قَالَ ابْن الْقَاسِم سُئِلَ مَالك عَن رجل كَانَ بَينه وَبَين رجل شَرّ
وَكَانَ لأَحَدهمَا أَخ فلقي الَّذِي نَازع أَخَاهُ فَقَالَ قد بَلغنِي
الَّذِي كَانَ بَيْنك وَبَين أخي أمس وَامْرَأَته طَالِق إِن لم يكن لَو
كنت حَاضرا لفقأت عَيْنَيْك قَالَ فَقَالَ مَالك أرَاهُ حانثا على شَيْء
لايبر فِيهِ وَلَا فِي مثله
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا إِلَّا عَن مَالك
وَقِيَاس قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَالشَّافِعِيّ أَن لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ جعلهَا طَالقا بِتَرْكِهِ أَن
يفعل كَذَا لَو كَانَ حاضره فلاوجه لإيقاع الْحِنْث عَلَيْهِ فِي ذَلِك
(2/444)
957 - فِيمَن حلف ثمَّ طلق هَل تبطل
الْيَمين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق
ثَلَاثًا ثمَّ أَبَانهَا بِوَاحِدَة ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ فَدخلت طلقت
وَلَو كَانَ طَلقهَا ثَلَاثًا بعد الْيَمين فَتَزَوجهَا بعد زوج فَدخلت
الدَّار لم تطلق
وَقَالَ زفر بِالْيَمِينِ وَهُوَ قَول حَمَّاد
وَقَالَ مَالك إذاقال أَنْت طَالِق يَوْم أكلم فلَانا ثمَّ أَبَانهَا
وَانْقَضَت عدتهَا (177 ب) ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ فَكلم فلَانا طلقت
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالْأَوْزَاعِيّ وَعبد الْعَزِيز الْمَاجشون مثل
ذَلِك
وَعَن الثَّوْريّ مَحْفُوظ لَهُ فِي الْيَمين على الْعتْق إِذا بَاعه ثمَّ
اشْتَرَاهُ وَقَالَ تبطل الْيَمين بِزَوَال الْملك لِأَنَّهُ لَا يَصح عقد
الْيَمين قبل الْملك
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَنه لَو جن بعد الْيَمين لم تبطل
بِيَمِينِهِ كَذَلِك زَوَال الْملك
958 - فِيمَن قَالَ لآخر خير امْرَأَتي
قَالَ أَصْحَابنَا لايثبت لَهَا الْخِيَار إِلَّا بعد أَن يخبرها وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت امْرَأَته تسمع ذَلِك فَهِيَ بِالْخِيَارِ قبل
أَن يَقُول لَهَا الرجل اخْتَارِي إِلَّا أَن يكون أَرَادَ ان يَجْعَل
ذَلِك إِلَى الرجل وَيكون هُنَاكَ مَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَيْهِ فلايكون
لَهَا خِيَار حَتَّى يخيرها
(2/445)
قَالَ أَصْحَابنَا إِن قَالَت إِن كَانَ
كَذَا لشَيْء قد مضى طلقت وَإِن كَانَ لشَيْء لم يمض لم تطلق
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا حكى عَنهُ الرّبيع فِي أَمَالِيهِ إِذا كَانَ
أمرهَا بِيَدِهَا فَقَالَت إِذا كَانَ أَمْرِي بيَدي فقد طلقت نَفسِي لم
يكن طَلَاقا
959 - فِي إِذا شِئْت وَإِن شِئْت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَهُوَ على الْمجْلس
وَلَو قَالَ إِذا شِئْت كَانَ على الْأَبَد وَكَذَلِكَ مَتى شِئْت
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا شَاءَ وَإِن شَاءَ وَاحِد
960 - فِيمَن طلق قبل موت فلَان بِشَهْر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عَاشَ فلَان شهرا ثمَّ مَاتَ طلقت قبل ذَلِك
بِشَهْر وَكَذَلِكَ قَول زفر وَلَو قَالَ قبل قدوم فلَان بِشَهْر فَقدم
فلَان بعد شهر وَقع عِنْد الْقدوم فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ زفر يَقع قبل الْقدوم بِشَهْر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا لايقع
الطَّلَاق قبل الْمَوْت وَلَا قبل الْقدوم وَإِنَّمَا يَقع عِنْد الْقدوم
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ عَبدِي حر قبل موتِي بشر فهومن الثُّلُث
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ أَنْت طَالِق قبل موتِي بِشَهْر فَمَاتَ من
غير ذَلِك
(2/446)
لم يَقع إِلَّا أَن يقتل بعد شهر فَيَقَع
قبل ذَلِك بِشَهْر فَإِن قتل مَعَ الشَّهْر سَوَاء لم يَقع حَتَّى يكون
أَكثر من شهر بِوَقْت وَكَذَلِكَ لَو سمى مَرضا بِعَيْنِه لم يَقع
بِمَوْتِهِ من غَيره من الْأَمْرَاض
961 - فِي الطَّلَاق وَالْعتاق قبل الْملك
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق
فَهُوَ كَمَا قَالَ تطلق من يَوْم تزوج وَكَذَلِكَ الْعتْق إِذا أَضَافَهُ
إِلَى الْملك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا عَم لم يَقع وَإِن سمى شَيْئا بِعَيْنِه أَو
جعل ذَلِك إِلَى أجل وَقع وَكَذَلِكَ قَول مَالك
وَذكر عَن مَالك أَنه أَيْضا إِذا ضرب لذَلِك أَََجَلًا يعلم أَنه لَا
يبلغهُ فَقَالَ إِن تزوجت إِلَى كَذَا وَكَذَا سنة لم يلْزمه شَيْء
قَالَ مَالك وَلَو قَالَ كل عبداشريته فَهُوَ حر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق لزمَه مَا
قَالَ وَهُوَ قَول النتي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن قَالَ لامْرَأَته كل جَارِيَة أتسراها
عَلَيْك فَهِيَ حرَّة فتسري عَلَيْهَا جَارِيَة فَإِنَّهَا تعْتق عَلَيْهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ فَهُوَ حر فَلَيْسَ
بِشَيْء وَلَو قَالَ اشتريه أَو أرثه أَو نَحْو ذَلِك عتق إِذا ملك بذلك
الْوَجْه لِأَنَّهُ خص وَلَو قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ
طَالِق فَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن قَالَ من بني فلَان
(2/447)
أَو من أهل الْكُوفَة أَو كَذَا لزمَه
قَالَ الْحسن لَا نعلم أحدا مُنْذُ وضعت الْكُوفَة أفتى بِغَيْر هَذَا
قَالَ وَقَالَ اللَّيْث فِيمَا حَضرته يلْزمه فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يلْزمه من ذَلِك شَيْء لَا إذاخص وَلَا إِذا عَم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن عمر بن الْخطاب فِيمَن قَالَ إِن نكحت
فُلَانَة فَهِيَ عَليّ كَظهر أُمِّي إِن تزَوجهَا فَهُوَ مظَاهر
وَقد روى أَبُو عوَانَة عَن مُحَمَّد بن قيس عَن إِبْرَاهِيم أَو الْأسود
عَن عبد الله إِذا قَالَ إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق فَهُوَ كَمَا
قَالَ
وروى عَن ابْن عَبَّاس فِي رجل قَالَ إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق
أَنه لَيْسَ بِشَيْء
وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِيمَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
طَلَاق قبل النِّكَاح إِنَّمَا هُوَ أَن يذكر الرجل امْرَأَة فَيُقَال
تزَوجهَا فَيَقُول هِيَ طَالِق الْبَتَّةَ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فَأَما
من قَالَ إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق الْبَتَّةَ فَإِنَّمَا طَلقهَا
حِين تزَوجهَا وَكَذَلِكَ فِي الْحُرِّيَّة
(2/448)
962 - فِي قَوْله كل امْرَأَة أَو كلما
تزوجت امْرَأَة
قَالَ أَصْحَابنَا كل امْرَأَة لَا يتَكَرَّر بِهِ الطَّلَاق على وَاحِدَة
وَإِنَّمَا يَقع على أعدادالنكاح وَكلما يتَكَرَّر وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك فِي قَوْله كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَطلقت ثمَّ تزَوجهَا
مرّة أُخْرَى طلقت أَيْضا إِذا قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا من هَمدَان
أَو نَحوه
962 - ب فِيمَن قَالَ إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق فَتَزَوجهَا وَدخل
بهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ لَهَا مهر وَنصف وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك لَهَا الْمهْر الْمُسَمّى
(2/449)
963 - فِيمَن طلق وَاحِدَة من نِسَائِهِ
بِغَيْر عينهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَعُثْمَان البتي وَاللَّيْث إِذا لم ينْو
وَاحِدَة بِعَينهَا حِين قَالَ فَإِنَّهُ يخْتَار أيتهن شَاءَ فيوقع
الطَّلَاق عَلَيْهَا والباقيات نساؤه
وَقَالَ مَالك إِذا لم ينْو وَاحِدَة بِعَينهَا طلقن عَلَيْهِ جَمِيع
نِسَائِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ لامْرَأَته إِحْدَاكُمَا طَالِق ثَلَاثًا
منع مِنْهُمَا حَتَّى يبين فَإِن قَالَ لم أرد هَذِه كَانَ إِقْرَارا
مِنْهُ بِالْأُخْرَى
(38 ب) قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين إِن هَذَا القَوْل
بَاطِل لَا يَقع بِهِ طَلَاق ثمَّ قَالَ يعقب ذَلِك وَالْأُخْرَى طَالِق
طلقتا جَمِيعًا فتناقض وَأثبت حكم القَوْل الأول قَالَ وَأما جَوَاب
الشَّافِعِي فَلم يَقع عَن مَسْأَلَتنَا لأَنا إِنَّمَا قُلْنَا فِيمَن
قَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق لَا يَنْوِي وَاحِدَة بِعَينهَا فلامعنى لقَوْله
إِنَّه يُؤْخَذ الزَّوْج مَا لَا تبيان لَهُ عِنْده
964 - إِذا مَاتَت إِحْدَاهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لامرأتيه إِحْدَاكُمَا طَالِق فَمَاتَتْ
إِحْدَاهمَا طلقت الْأُخْرَى
إِذا مَاتَ الزَّوْج
قَالُوا وَلَو مَاتَ الزَّوْج قبل أَن يبين وَكَانَ قَالَ إِحْدَاكُمَا
طَالِق ثَلَاثًا فَإِن مِيرَاث زوجه بَينهمَا وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَاللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي يُوقف أمره حَتَّى يصطلحا
(2/450)
وَرُوِيَ نَحْو قَوْلنَا عَن ابْن عَبَّاس
وَذَلِكَ أَنه سُئِلَ فَقَالَ يصيبهن من الطَّلَاق مثل مَا يصيبهن من
الْمِيرَاث رَوَاهُ عَنهُ جَابر بن زيد
965 - فِي طَلَاق الْأَخْرَس
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْأَخْرَس إِذا كَانَ يكْتب أويوميء إِيمَاء يعرف
جَازَ نِكَاحه وطلاقه وعتقه وَبيعه وشراؤه واقتص مِنْهُ واقتص لَهُ وَلَا
يحد وَلَا يحد لَهُ
وَإِن كَانَ رجل أصمت يَوْمًا فَكتب لَهُ لم يجز شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ مَالك ذَلِك كُله جَائِز وَيحد إِذا قذف وَيحد قَاذفه سَوَاء كَانَ
بِإِشَارَة مِنْهُ يعرف أَو بِكِتَابَة وَكَذَلِكَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ يُلَاعن بِالْإِشَارَةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الخرس مُخَالف للصمت الْعَارِض كَمَا أَن الْعَجز عَن
الْجِمَاع الْعَارِض بِالْمرضِ وَنَحْوه يَوْمًا وَنَحْوه مُخَالف الْعَجز
الميؤوس مَعَه الْجِمَاع نَحْو الْمَجْبُوب فِي بَاب خِيَار الْمَرْأَة فِي
الْفرْقَة
966 - فِيمَن طلق امْرَأَته إِن لم يفعل كَذَا فِي مُدَّة ذكرهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ عَبدِي حر إِن لم أَدخل هَذِه الدَّار غَدا
فَمضى غَد وَلَا يدْرِي أَدخل أم لم يدْخل لم يعْتق وَالْقَوْل قَول
الْمولى أَنه قد دخل وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر القَوْل قَول العَبْد أَنه لم يدْخل وَهُوَ قَول
البتي وَاللَّيْث
(2/451)
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن القَوْل قَول الْمولى وَالْأُخْرَى ان القَوْل قَول
العَبْد
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن الْمَرْأَة لَو صدقته أالعبد لم
يعْتق وَلم تطلق فَلَو كَانَ مضى الْوَقْت يُوجب الْحِنْث لم يقبل تصادقهما
كَمَا أَنه لَو قَالَ أردْت طَلَاقا من وثاق لم يقبل مِنْهُ وَمِنْهَا
967 - فِيمَن طلق ثَلَاثًا بِلَا بَيِّنَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا وَجحد وَحلف عَلَيْهَا أَن تهرب
مِنْهُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَكَذَلِكَ قَول مَالك إِلَّا أَنه قَالَ
لَا يسْتَحْلف الزَّوْج على الطَّلَاق (179 أ) حَتَّى تقيم الْمَرْأَة
شَاهدا وَاحِدًا فَحِينَئِذٍ يسْتَحْلف الزَّوْج على دَعْوَاهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حلف تركت من الْوضُوء والزينة مَا يَدعُوهُ
إِلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّهَا تتْرك الزِّينَة وَالْعرض لَهُ وَكَانَت فِي
ذَلِك بِخِلَاف الزَّوْجَة كَذَلِك فِي الْمقَام مَعَه وَالْخلْوَة مَعَه
968 - إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا ثمَّ جَحده وادعته الْمَرْأَة ثمَّ
مَاتَ بعد استحلاف القَاضِي
وَقَالَ أَصْحَابنَا لاترثه إِن مَاتَ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن ابي ليلى تَرثه إِلَّا إِن تبين بعد الْمَوْت أَنه طَلقهَا
ثَلَاثًا
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث تَرثه
(2/452)
969 - فِي تَوْقِيت الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أَمرك بِيَدِك الْيَوْم فَأمرهَا بِيَدِهَا
حَتَّى يَنْقَضِي الْيَوْم وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه كَانَ
يَقُول أَن المخيرة خِيَارهَا على الْمجْلس
قَالَ فعلى هَذَا القَوْل يَنْبَغِي أَن يبطل خِيَارهَا بِمُضِيِّ الْيَوْم
وَأَنه رَجَعَ عَن ذَلِك وَقَالَ فِي الرجل يُخَيّر امْرَأَته فيفترقان قبل
أَن تخْتَار أَن لَهَا الْخِيَار حَتَّى يُوقف ويجامعها
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَعْنِي بقوله يوقفان الْحَاكِم يخيرها كَمَا تَقول
فِي خِيَار امْرَأَة الْعنين
وَقَالَ اللَّيْث فِي ذَلِك كَقَوْل مَالك الآخر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إذاقال لامْرَأَته أَمرك بيد فلَان أَرْبَعَة أشهر
فَإِنَّهُ لَا يَطَأهَا حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعَة أشهر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك أَنه على الْمجْلس
إِذا لم يكن مؤقتا
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْخِيَار على مَا ذكرنَا فِي قَول مَالك وَقَالَ فِي
التَّمْلِيك إِنَّه على الْمجْلس
قَالَ أَبُو جَعْفَر خِيَار امْرَأَة الْعنين يثبت بِتَخْيِير الْحَاكِم
لِأَن التَّأْجِيل ابتداؤه يثبت بالحاكم فَكَذَلِك مَا تعلق بِهِ من
الْخِيَار
(2/453)
وَاتَّفَقُوا أَن خِيَار الْأمة الْمُعتقَة
يثبت بِغَيْر الْحَاكِم لِأَن سَببه ابتداؤه لم يتَعَلَّق بالحاكم فَوَجَبَ
أَن يكون خِيَار المخيرة غير مُتَعَلق بالحاكم فَإِذا وَقت الْخِيَار وَجب
أَن يكون محصورا بِالْوَقْتِ الموقت لَهُ فَلَا يجوز ثُبُوته بعده
لِأَنَّهُ لم يَجْعَل لَهَا الزَّوْج ذَلِك
قَالَ أَبُو بكر قد أثبت مَالك وَاللَّيْث خِيَار المخيرة لِأَنَّهُمَا قد
قَالَا إِن لَهَا أَن تخْتَار نَفسهَا قبل التَّوْقِيت وَإِنَّمَا جعلا
خِيَارهَا يبطل بعد التَّوْقِيت إِذا لم يخْرجن بِوَقْت وَلَيْسَ بمنزل
امْرَأَة الْعنين لِأَنَّهَا لَا يثبت لَهَا قبل تَخْيِير الْحَاكِم
970 - فِيمَن حلف لَا يدْخل الدَّار إِلَّا بِإِذْنِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك إِذا قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار إِلَّا بإذني
فَعَبْدي حر فَأذن لَهُ مرّة فَدخل ثمَّ خرج فَدَخلَهَا بِغَيْر إِذْنه حنث
وَيحْتَاج إِلَى الْإِذْن فِي كل مرّة إِلَّا أَن يَنْوِي الْإِذْن مرّة
وَاحِدَة فيدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَلَو قَالَ إِلَّا أَن أذن لَك فَهَذَا على إِذن مرّة وَاحِدَة إِلَّا أَن
يَنْوِي كل مرّة
قَالَ الشَّافِعِي إِلَّا بإذني على مرّة وَاحِدَة إِلَّا أَن يَقُول كلما
خرجت إِلَّا (179 ب) بإذني
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الْحِنْث يَقع بِدُخُولِهِ مرّة وَاحِدَة
بِغَيْر إِذْنه وَجب أَن يَقع الْبر بِدُخُولِهِ مرّة وَاحِدَة بِإِذْنِهِ
(2/454)
971 - فِيمَن قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة
قبلهَا وَاحِدَة
قَالَ أَصْحَابنَا أَنْت طَالِق وَاحِدَة قبلهَا وَاحِدَة وَلم يدْخل بهَا
فَهِيَ طَالِق ثِنْتَيْنِ فِي قَوْله مَعهَا وَاحِدَة
وَعَن أبي يُوسُف فِي قَوْله مَعهَا وَاحِدَة أَنَّهَا تطلق وَاحِدَة
قبلهَا وَاحِدَة فَهِيَ طَالِق ثِنْتَيْنِ وَلم يذكر فرقا بَين الْمَدْخُول
بهَا وَغير الْمَدْخُول
972 - فِيمَن قَالَ يَمِيني فِي يَمِينك
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي قَول أبي حنيفه وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَالشَّافِعِيّ فِي رجل قَالَ لرجل يَمِيني فِي يَمِينك فَحلف الَّذِي
خُوطِبَ أَن يَمِينه يلْزمه دون الَّذِي خاطبه
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لم يلْزم الْمُخَاطب أَيْضا تِلْكَ الْيَمين
طَلَاقا كَانَ أَو غَيره
قَالَ مَالك فَإِن رد عَلَيْهِ حِين يسمعهُ يتفوه بِالطَّلَاق فَلهُ ذَلِك
وَإِن سكت لزمَه مَا لزم صَاحبه فِي الْيَمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله فِي يَمِيني لَيْسَ فِيهِ طَلَاق زَوجته وَلَا
عتق عَبده فَلَا يلْزمه بِهِ شئ وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون معنى يَمِيني
مثل يَمِينك أَو مَعَ يَمِينك فَلَا يدل على حلف وَاقع
973 - فِيمَن حلف لَا يركب وَهُوَ رَاكب
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَمَالك إِن لبث على حَال الرّكُوب
سَاعَة حنث
(2/455)
وَكَذَلِكَ اللّبْس وَالسُّكْنَى وَإِن ترك
من سَاعَته لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِن نزع الثَّوْب أَو تحول من الدَّار
وَقَالَ زفر قد حنث لِأَنَّهُ قد بَقِي على حَال الرّكُوب أدنى إِلَى أَن
نزل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث يعلى بن منية حِين أَتَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ جبه وَقد أحرم بِعُمْرَة فَسَأَلَهُ فَقَالَ
النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انْزعْ عَنْك هَذِه الجبه واصنع
فِي عمرتك مَا كنت صانعا فِي حجك وَلم يَأْمُرهُ بكفارة فِيمَا بَين
بَقَائِهَا عَلَيْهِ بعد الْأَمر إِلَى أَن نَزعهَا وَقد حصل لابسا لَهَا
جُزْءا من الْوَقْت بعد الْأَمر
974 - فِيمَن حلف لَا يدْخل دَارا بِعَينهَا فَصَارَت صحراء
قَالَ أَصْحَابنَا يَحْنَث إِذا دَخلهَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يَحْنَث
975 - فِي الْحَضَانَة
قَالَ أَبُو حنيفه الْأُم أَحَق بالغلام وَالْجَارِيَة الصغيرين ثمَّ
الْجدّة من الْأُم ثمَّ الجده من الْأَب ثمَّ الْأُخْت لأَب وَأم ثمَّ الأ
خت لأم ثمَّ الْخَالَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَحَق من الْأُخْت
للْأَب وَفِي الْأُخْرَى الْأُخْت أولى ثمَّ الْعمة وَالأُم والجدتان أَحَق
بالجارية حَتَّى تبلغ وبالغلام حَتَّى يَسْتَغْنِي وَمن سواهُمَا أَحَق
بهما حَتَّى يستغنيا وَلَا يُرَاعى الْبلُوغ
(2/456)
وَقَالَ زفر الْخَالَة أولى من الْأُخْت
لأَب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْأُخْت أولى
روى عمر بن خَالِد عَن زفر أَن الْخَالَة أولى من الْجدّة للْأَب
وروى الْحسن عَنهُ أَن الْجدّة أولى كَذَلِك رُوِيَ عَنهُ أَن الْأُخْت
للْأَب أولى من الْخَالَة
وَقَالَ مَالك الْأُم أَحَق بحضانة الْوَلَد إِذا كَانَ صَغِيرا فَإِذا
أثغر أَو فَوق ذَلِك فَلَا حضَانَة لَهَا
قَالَ ابْن وهب وَسُئِلَ مَالك عَن الْمُطلقَة وَلها ابْن الْكتاب وَبنت قد
بلغت الْحيض للْأَب أَن يَأْخُذهَا فَقَالَ مَالك لَا ألى ذَلِك أرى أَن
يُؤَدب الْغُلَام ويعلمه وينقلبه إِلَى أمه وَلَا يفرق بَينه وَبَين أمه
وَلَكِن يتعهده فِي كِتَابه ويقر عِنْد أمه ويتعهد الْجَارِيَة وَهِي عِنْد
أمهَا مَا لم تنْكح
قَالَ مَالك وللجدة من الْأُم الْحَضَانَة بعد الْأُم ثمَّ الْجدّة من
الْأَب وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن ولد الْمَرْأَة إِذا كَانَ ذكرا
فَهِيَ أولى بحضانته مَا لم تتَزَوَّج فَإِذا بلغ ذهب حَيْثُ شَاءَ
فَخَالف ابْن الْقَاسِم رِوَايَة ابْن وهب فِي اعْتِبَاره الْبلُوغ
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَالأُم أَحَق بحضانة بنتهَا فَإِذا بلغت
الْجَارِيَة مَا لم تتَزَوَّج قَالَ مَالك فَإِذا تزوجت الْأُم فالجدة من
الْأُم أولى فَإِن طَلقهَا زَوجهَا لم يرد إِلَيْهَا الْوَلَد
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ فَإِن مَاتَت جدته فخالته أولى بحضانته ثمَّ
بعْدهَا جدته لِأَبِيهِ ثمَّ الْأُخْت ثمَّ الْعمة وَبنت الْأَخ أولى
بِالْوَلَدِ من الْعصبَة
فَلم يذكر مَالك تَخْيِير الْوَلَد فِي شَيْء من ذَلِك
(2/457)
قَالَ الثَّوْريّ إِن تزوجت فالجارية أَحَق
بِهِ
وَقَالَ ابْن عمر جَدب أمك خير لَك من خصب عمك
فَلم يُوجب الثَّوْريّ التَّخْيِير
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْأُم إِذا تزوجت فالعم أَحَق من الْجدّة
وَإِن طَلقهَا زَوجهَا ثمَّ أَرَادَت أَخذ الْوَلَد لم يكن لَهَا ذَلِك
وَلم يذكر تخييرا للصَّبِيّ
وَقَالَ اللَّيْث الْأُم أَحَق بالابن حَتَّى يبلغ ثَمَان سِنِين أَو تسعا
أَو عشرا ثمَّ الْأَب أولى بالجارية حَتَّى تبلغ وَإِن كَانَت الْأُم غير
مرضية فِي نَفسهَا وأدبها لولدها أخذت مِنْهَا إِذا بلغت إِلَّا أَن تكون
صبية صَغِيرَة لَا يخَاف عَلَيْهَا وَلم يذكر اللَّيْث أَيْضا تخييرا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَانَت الْبِنْت كاعبا أَو غُلَام قد أَيفع
فاستغنى عَن أمه خيرا بَين أَبَوَيْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بلغ سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين خير قَالَ
وَالأُم أَحَق بِالْوَلَدِ الصَّغِير ثمَّ الْجدّة للْأُم وَإِن علت ثمَّ
الْجدّة للْأَب وَإِن علت ثمَّ الْأُخْت للْأَب وَالأُم ثمَّ الْأُخْت
للْأَب ثمَّ الْأُخْت للْأُم ثمَّ الْخَالَة ثمَّ الْعمة وَلَا ولَايَة لأم
أَب الْأُم قَالَ وَلَا حق لأحد مَعَ الْأَب غير الْأُم وأمهاتها فَأَما
أخواته وغيرهن فَإِنَّمَا يكون حقهن بِالْأَبِ فَلَا يكون لَهُنَّ حق مَعَه
وَالْجد أَب الْأَب يقوم مقَام الْأَب إِذا لم يكن أَب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عُثْمَان البتي
عَن عبد الحميد الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن جده أَنه اسْلَمْ فَأَبت
امْرَأَته أَن تسلم
(2/458)
فجَاء بِابْن لَهما صَغِير لم يبلغ فأجلس
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأُم هَا هناثم خَيره وَقَالَ
اللَّهُمَّ اهده فَذهب إِلَى أَبِيه
وَقد رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عُثْمَان البتي عَن عبد الحميد بن
سَلمَة عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَهما هَل لَكمَا ان تخيراه فَقَالَا نعم فناداه أمه فَذهب نَحْوهَا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اهده فناداه أَبوهُ
فَانْصَرف إِلَيْهِ
وَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث أَن تخييره إِنَّمَا كَانَ بِاخْتِيَار
الْمَرْأَة
وَقد روى يحيى بن أبي كثير عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونَة عَن أبي هُرَيْرَة
أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت
إِن زَوجي يُرِيد أَن يحول بيني وَبَين ابْني وَكَانَ قد طَلقهَا فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتهمَا عَلَيْهِ فَقَالَ الرجل من
يحول بيني وَبَين ابْني فخبره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين
أَبِيه وَأمه فَاخْتَارَ أمه فَذَهَبت بِهِ
وَقد رَوَاهُ زِيَاد بن سعد عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونَة بِإِسْنَادِهِ
وَلم يذكر فِيهِ أَنه قَالَ اسْتهمَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذكر التَّخْيِير
وَأَن الْمَرْأَة قَالَت ابْني يسقيني من بِئْر أبي عتبَة
(2/459)
976 - فِي الْمَرْأَة تنْتَقل بِوَلَدِهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَلقهَا لم يكن لَهَا أَن تخرج بِوَلَدِهَا إِلَّا
إِلَى الْمصر الَّذِي وَقع فِيهِ عقد النِّكَاح إِذا كَانَ ذَلِك مصرها
فَأَما إِلَى غير ذَلِك الْموضع فَلَا قَالُوا وَلَا يخرجهم من الْمصر
إِلَى السوَاد ويردهم إِلَى السوَاد إِلَى الْمصر إِذا كَانَ قَرِيبا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا تزَوجهَا بِالْبَصْرَةِ ثمَّ أخرجهَا فلهَا أَن
ترد أَوْلَادهَا إِلَى الْبَصْرَة
وَلم يذكر أَنَّهَا كَانَت من أهل الْبَصْرَة أم لَا
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للْأُم أَن تنقل الْأَوْلَاد إِلَى غير بلد الْأَب
وأوليائه إِلَّا أَن يكون إِلَى مَوضِع قريب الْبَرِيد وَنَحْوه وَللْأَب
والأولياء أَن ينقلوا الْأَوْلَاد إِلَى بلد مُنْقَطع إِذا أَرَادَ
السُّكْنَى بِهِ وَإِن خرج لحَاجَة لم يخرج الْوَلَد
وَقَالَ اللَّيْث لَهَا أَن تخرجهم إِلَى السوَاد إِلَّا أَن يكون بَعيدا
فَلَا تتْرك يخرج بهم وأولياء الْوَلَد أَحَق بهم مِنْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أَرَادَ الْأَب والأولياء النقلَة عَن الْبَلَد
فهم أَحَق بِالْوَلَدِ وَإِن كَانَ مُرْضعًا ينقلوه مَعَهم
977 - فِي أُجْرَة منزل من لَهُ حضَانَة الصَّبِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر الَّذِي تعلمناه مِمَّن كَانَ يذهب إِلَى قَول
أَصْحَابنَا إِن الَّتِي تسْتَحقّ حضَانَة الصَّبِي لَا تجب لَهَا أُجْرَة
الْمنزل الَّتِي تحضن فِيهِ الصَّبِي فِي مَاله وَكَذَلِكَ قَول مَالك
(2/460)
قَالَ مَالك إِنَّمَا تجب لَهَا أُجْرَة
الْمنزل إِذا كَانَ لَهَا النَّفَقَة على الرجل (181 أ) وَهَذِه بَائِنَة
لَا نَفَقَة لَهَا وَكَذَلِكَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ آخَرُونَ على الصَّبِي أُجْرَة الْمسكن الَّذِي يسكنهُ للَّتِي
تحضنه إِذا كَانَ لَهُ مَال فَإِن لم يكن لَهُ فعلى من عَلَيْهِ نَفَقَة
الصَّبِي
وَقد حكى ذَلِك عَن الشَّافِعِي وَلم نجده رِوَايَة
978 - فِيمَن جَاءَت بِولد لسِتَّة أشهر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهَا إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق
فَتَزَوجهَا فَجَاءَت بِولد لسِتَّة أشهر مُنْذُ تزَوجهَا فَهُوَ ابْنه
وَعَلِيهِ الْمهْر
قَالَ أَبُو جَعْفَر فوقفنا بذلك على أَنه قد جعل لما بَين التَّزْوِيج
وَوُقُوع الطَّلَاق جُزْءا من السِّتَّة أشهر الَّتِي هِيَ مُدَّة الْحمل
الَّتِي يلْزم بهَا لَو لم يكن طَلَاق
وَقَالَ الْحسن عَن زفر فِيمَن قَالَ لامْرَأَته قبل أَن يدْخل بهَا إِن
خلوت بك فَأَنت طَالِق وَلم يُجَامِعهَا أَنَّهَا طَالِق وَلها الصَدَاق
كَامِلا وَلَا رَجْعَة لَهُ عَلَيْهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَهَا نصف الصَدَاق وَلَا رَجْعَة لَهُ
وَلم يعْتَبر زفر إِمْكَان الْجِمَاع فِي صِحَة الْخلْوَة واعتبره أَبُو
يُوسُف
وَقَالَ مَالك إِذا جَاءَت الزَّوْجَة بِولد لسِتَّة أشهر بعد النِّكَاح
لزمَه وَإِن لم يدْخل بهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَلَا يَنْفِيه إِلَّا
اللّعان وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فَجَاءَت بِولد لسِتَّة أشهر مُنْذُ
تزوج فَقَالَ لَيْسَ هُوَ مني وصدقته الْمَرْأَة فَالْوَلَد لَا حق بِهِ
وَعَلِيهِ الْحَد
(2/461)
وَقَالَ اللَّيْث فِي رجل تزوج امْرَأَة
فَأَقَامَ مَعهَا سِتَّة أشهر فَإِذا هِيَ حَامِل فَقَالَ لَيْسَ هَذَا
الْحمل مني قَالَ إِن كَانَ حملهَا من زوج قبله غير أَنه نَكَحَهَا فِي
عدتهَا فالحمل لغيره إِذا ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ يَوْم دخل بهَا
وَلَو ولدت لسِتَّة مُنْذُ دخل بهَا كَانَ الْوَلَد ولد الآخر فَاعْتبر فِي
ذَلِك وَقت الدُّخُول لَا وَقت التَّزْوِيج
قَالَ وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
قَالَ أَبُو بكر ذكر فِي الْمَسْأَلَة أَنه تزَوجهَا فِي عدَّة من غَيره
وَهَذَا يُوجب فَسَاد النِّكَاح فَيجوز اعْتِبَار وَقت الدُّخُول وَلَيْسَ
فِيهِ بَيَان أَنه إِذا تزَوجهَا نِكَاحا صَحِيحا ثمَّ جَاءَت بِولد
لسِتَّة أشهر من يَوْم تزوج أَنه يلْزم أم لَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا جَاءَت الَّتِي لم يدْخل بهَا بِولد لسِتَّة أشهر
لزمَه
979 - فِيمَن طلق ثَلَاثًا فِي كلمة وَاحِدَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن أبي ليلى وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ
وَاللَّيْث وَعُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ من طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فِي
كلمة وَاحِدَة وَقعت وَلم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَكَذَلِكَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف أَنه كَانَ الْحجَّاج بن ارطأة
حسنا وَكَانَ يَقُول طَلَاق الثَّلَاث لَيْسَ بِشَيْء
وَقَالَ مُحَمَّد بن اسحاق الثَّلَاث يرد إِلَى الْوَاحِدَة وَاحْتج بِمَا
رَوَاهُ عَن دَاوُد (181 ب) بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ طلق ركَانَة بن عبد يزِيد امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مجْلِس وَاحِد
فَحزن عَلَيْهَا حزنا شَدِيدا فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
(2/462)
كَيفَ طَلقهَا قَالَ طَلقتهَا ثَلَاثًا فِي
مجْلِس وَاحِد قَالَ نعم قَالَ وَإِنَّمَا لَك وَاحِدَة فارجعها إِن شِئْت
قَالَ فَرَاجعهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن ابْن طَاوس عَن
أَبِيه أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس ألم تعلم أَن
الثَّلَاث كَانَت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر
وصدرا من خلَافَة عمر ترد إِلَى الْوَاحِدَة قَالَ نعم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَانِ حديثان منكران قد خالفهما مَا هُوَ أولى
مِنْهُمَا
روى ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي عِيَاض بن عبد الله الفِهري عَن ابْن شهَاب
عَن سهل بن سعد أَن عُوَيْمِر الْعجْلَاني لما لَاعن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَينه وَبَين زَوجته قَالَ عُوَيْمِر كذبت عَلَيْهَا يَا
رَسُول الله إِن أَمْسَكتهَا فَطلقهَا ثَلَاثًا قبل أَن يَأْمُرهُ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنفذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ذَلِك عَلَيْهِ
وروى سعيد بن جُبَير وَمَالك بن الْحَارِث وَمُحَمّد بن إِيَاس بن الْبكر
(2/463)
والنعمان بن أبي عَيَّاش كلهم عَن ابْن
عَبَّاس فِيمَن طلق امْرَأَته ثلاثاأنه قد عصى ربه وَبَانَتْ مِنْهُ
امْرَأَته
وَقد كَانَ ابْن جريج يُدَلس كثيرا ثمَّ لَا تقبل رِوَايَته وَطَاوُس
فَإِنَّمَا قَالَ إِن أَبَا الصَّهْبَاء سَأَلَ ابْن عَبَّاس وَلم يذكر
أَنه حَضَره وَلَيْسَ يُعَارض رِوَايَة ابْن جريج عَن ابْن طَاوُوس
رِوَايَة من ذكرنَا عَن ابْن عَبَّاس
980 - فِي الْحَال الَّتِي يحل فِيهَا أَخذ الْفِدْيَة من الْمَرْأَة
قَالَ أَصْحَابنَا إذاكان النُّشُوز من قبلهَا حل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهَا
مَا أَعْطَاهَا وَلَا يزْدَاد وَإِن كَانَ النُّشُوز من قبله لم يحل لَهُ
أَن يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا فَإِن فعل جَازَ فِي الْقَضَاء
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يجوز للْمَرْأَة إِذا كَانَ من غير إِضْرَار مِنْهُ
لم يجز
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا علم أَن زَوجهَا أضرّ لَهَا وضيق
عَلَيْهَا وَأَنه ظَالِم لَهَا مضى عَلَيْهِ الطَّلَاق وردوا عَلَيْهَا مَا
لَهَا
وَذكر ابْن الْقَاسِم أَنه جَائِز للرجل أَن يَأْخُذ مِنْهَا فِي الْخلْع
أَكثر مما أَعْطَاهَا وَيحل لَهُ وَإِن كَانَ النُّشُوز من قبل الزَّوْج حل
لَهُ أَن يَأْخُذ مَا أَعطَتْهُ على الْخلْع إِذا رضيت بذلك وَلم يذكر فِي
ذَلِك ضَرَر مِنْهُ لَهَا وَعَن اللَّيْث نَحْو ذَلِك
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا جَاءَ الْخلْع من قبلهَا فَلَا بَأْس أَن يَأْخُذ
مِنْهَا شَيْئا وَإِذا جَاءَ من قبله فَلَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهَا
شَيْئا
(2/464)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل خَالع
امْرَأَته وَهِي مَرِيضَة إِن كَانَت نَاشِزَة كَانَ فِي ثلثهَا وَإِن لم
تكن نَاشِزَة رد عَلَيْهَا وَكَانَت لَهُ عَلَيْهَا الرّجْعَة فَإِن
خَالعهَا قبل أَن يدْخل بهَا على جَمِيع مَا أصدقهَا وَلم يبن مِنْهَا
نُشُوزًا أَنَّهُمَا إِذا اجْتمعَا على فسخ النِّكَاح قبل أَن يدْخل بهَا
فَلَا أرى بذلك بَأْسا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَانَت الْإِسَاءَة من قبله فَلَيْسَ لَهُ أَن
يخلعها بِقَلِيل (182 أ) وَلَا كثير وَإِن كَانَت الْإِسَاءَة من قبلهَا
والتعطيل لحقه كَانَ لَهُ أَن يخلعها على مَا تَرَاضيا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ
قَول عُثْمَان البتي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَت الْمَرْأَة مَانِعَة مَا يجب عَلَيْهَا
لزَوجهَا حلت الْفِدْيَة للزَّوْج وَإِذا حل لَهُ أَن يَأْكُل مَا طابت
نَفسهَا على غير فِرَاق يحل لَهُ أَن يَأْكُل مَا طابت بِهِ نَفسهَا
وَيَأْخُذ مَا الْفِرَاق بِهِ
981 - فِي الْخلْع طَلَاق
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري والبتي وَالشَّافِعِيّ تَطْلِيقَة
بَائِنَة إِلَّا أَن يُرِيد ثَلَاثًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان أَن الْخلْع طَلَاق
وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه لَيْسَ بِطَلَاق
982 - فِي الْخلْع دون السُّلْطَان
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ يجوز الْخلْع
بِغَيْر سُلْطَان
(2/465)
وروى عَن الْحسن وَابْن سِيرِين أَن
الْخلْع لَا يجوز إِلَّا عِنْد السُّلْطَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر جَوَازه دون
السُّلْطَان وكما جَازَ النِّكَاح دون السُّلْطَان كَذَلِك الْخلْع
983 - فِي الْخلْع هَل يُبرئهُ مِمَّا عَلَيْهِ لَهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا خَالعهَا أَو بارأها على عبد أَو على مائَة
دِرْهَم فَلَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وَإِن كَانَ قد أَعْطَاهَا الْمهْر لم
يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول وَلم يُعْطهَا بَرِيء
وَلم يكن لَهَا عَلَيْهِ شَيْء دخل بهَا أولم يدْخل
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْخلْع يتراجعان بِمَا لكل وَاحِد على
صَاحبه من مهر على مَا يُوجِبهُ الطَّلَاق
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي المبارأة كَقَوْل أبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد
هما سَوَاء المبارأة وَالْخلْع وَاحِد
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِذا افتدت بِهِ قبل الدُّخُول بِعشْرَة ثمَّ
أَرَادَت أَن تتبعه بِنصْف الْمهْر لم يكن لَهَا ذَلِك
قَالَ وَلَو سَأَلته أَن يطلقهَا على شَيْء من صَدَاقهَا كَانَ لَهُ مَا
أَعطَتْهُ وَرجعت عَلَيْهِ بِنصْف مَا بَقِي من صَدَاقهَا إِن لم يكن نقدها
وَإِن كَانَ نقدها رَجَعَ عَلَيْهِ بِنصْف مَا بَقِي فِي يَدهَا بعد
الَّذِي أَعطَتْهُ
قَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ مثل قَول مُحَمَّد
(2/466)
984 - فِي المختلعة هَل يلْحقهَا طَلَاق
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث رِوَايَة
يلْحقهَا الطَّلَاق مَا دَامَت فِي الْعدة
وَقَالَ مَالك إِن طَلقهَا عقيب الْخلْع من غير سكُوت طلقت وَإِن كَانَ
بَينهمَا سكُوت لم تطلق
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يلْحقهَا الطَّلَاق
روى الضَّحَّاك بن مُزَاحم عَن ابْن مَسْعُود ان المختلعة يلْحقهَا
الطَّلَاق مَا دَامَ فِي الْعدة وَهُوَ مُرْسل وروى عَن أبي الدَّرْدَاء
مثله
وروى عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير أَنه لَا يلْحقهَا الطَّلَاق
985 - فِي الْخلْع على مَا يُثمر نخلها أَو تَلد ماشيتها
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز وَترد الْمهْر الَّذِي أخذت
وَقَالَ مَالك هُوَ جَائِز
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الْخلْع إِلَّا مَا يجوز فِي البيع
وَالْإِجَارَة
وَذكر أَبُو جَعْفَر أَن أَبَا حنيفَة أجَاز الْخلْع على مَا يُثمر نخله
الْعَام فَإِن أثمرت فَلهُ وَإِن لم تثمر فَلَا شَيْء لَهُ وَإنَّهُ إِن
خلعها على مَا يكْسب الْعَام أَو مَا تحمل خادمته أَو مَاشِيَته ردَّتْ
الْمهْر وَلم يَصح ذَلِك جعلا وَأَن أَبَا يُوسُف رَجَعَ عَن ذَلِك إِلَّا
مَا ذكرنَا
(2/467)
قَالَ أَبُو بكر هَذَا ظن من أبي جَعْفَر
على أبي حنيفَة لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا فِي أَن لَا يكون جعلا فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا ذكر مُحَمَّد ذَلِك فِي كتاب
الطَّلَاق وَلم يعزه إِلَى أبي حنيفَة ثمَّ ذكر عَقِيبه رُجُوع أبي يُوسُف
عَنهُ وَالْأول كَانَ قولا لأبي يُوسُف رَجَعَ عَنهُ وَلَيْسَ هُوَ عَن أبي
حنيفَة
986 - فِي الْخلْع على مَا فِي بطن جاريتها
قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ فِي بَطنهَا ولد فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا
شَيْء لَهُ وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز كَالْبيع
987 - فِي الْخلْع بِغَيْر جعل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلعها على غير شَيْء فَأَرَادَ طَلاقهَا فَهِيَ
تَطْلِيقَة بَائِنَة إِلَّا أَن يُرِيد ثَلَاثًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا بَأْس أَن يتتاركا على أَن لاتعطيه
شَيْئا وَلَا يُعْطِيهَا شَيْئا وَيكون تَطْلِيقَة بَائِنَة
قَالَ وَلَو قَالَ الزَّوْج أخالعك على أَن أُعْطِيك مائَة دِرْهَم فَهُوَ
خلع وَيكون تَطْلِيقَة بَائِنَة وَلها عَلَيْهِ الْمِائَة دِرْهَم وَلَا
يرجع بهَا الزَّوْج عَلَيْهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْخلْع إِذا لم يكن فِيهِ جعل فَهُوَ
تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة وَكَذَلِكَ قَول الشَّافِعِي
(2/468)
988 - فِي خلع ولي الصَّغِير عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز طَلَاق الْأَب على الصَّغِير
وَيجوز صلحه عَنهُ وَيكون تَطْلِيقَة وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ
989 - فِي خلع الْوَلِيّ على الصَّغِيرَة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز للْأَب أَن يخلع بنته الصَّغِيرَة بِمَال يضمنهُ
دونهَا وَلَا يجوز عَلَيْهَا المَال إِن خلع بمالها وَالطَّلَاق وَاقع من
الزَّوْج
وَقَالَ مَالك للْأَب وَحده أَن يخلع الصَّغِيرَة من زَوجهَا وَلَا يجوز
ذَلِك للْوَصِيّ
فرق بَين خلعه على الصَّغِيرَة وَبَين خلعه على الصَّغِير
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز خلع الْأَب على الصَّغِيرَة بِمَا لَهَا
990 - فِي خلع الْأمة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْأمة إِذا اخْتلعت من زَوجهَا على جعل فالخلع
جَائِز وَلَا شَيْء عَلَيْهَا من الْجعل حَتَّى تعْتق فَإِن أذن لَهَا
الْمولى لَزِمَهَا وبيعت فِيهِ إِلَّا الْمُكَاتبَة فَإِنَّهُ لَا يلْزمهَا
إِلَّا بعد الْعتْق وَإِن أذن الْمولى
وَقَالَ مَالك لَا يلْزم الْأمة الْجعل إِذا لم يَأْذَن لَهَا السَّيِّد
وَالطَّلَاق وَاقع وَلَا يلْزمهَا بعدالعتق
قَالَ وَيجوز خلع الْمُكَاتبَة بِإِذن السَّيِّد ويلزمها المَال وَيجوز
لَهَا أَن تَتَصَدَّق من مَالهَا بِإِذن السَّيِّد
(2/469)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا
يلْزم الْأمة المختلعة المَال بِغَيْر إِذن الْمولى
(183 أ) قَالَ الشَّافِعِي فَإِن فعلت فالطلاق بَائِن وَالْمَال عَلَيْهَا
بعد الْعتْق
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الطَّلَاق رَجْعِيّ
فَهَذَا يدل على أَنه يلْزمهَا بعد الْعتْق أَيْضا
991 - فِي الْخلْع على الشَّيْء الْمحرم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلع الْمُسلم امْرَأَته على خمر أَو خِنْزِير
فالخلع وَاقع وَلَيْسَ لَهُ شَيْء
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهَا أَن ترد مهر مثلهَا
992 - فِي الْخلْع فِي الْمَرَض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلعت فِي مَرضهَا فَهُوَ من الثُّلُث فَإِن
مَاتَت فِي الْعدة فَلهُ الْأَقَل من ذَلِك وَمن مِيرَاثه مِنْهَا
وَقَالَ مَالك إِذا اخْتلعت فِي مَرضهَا بِجَمِيعِ مَالهَا لم يجز وَلَا
يَرِثهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز الْخلْع فِي الْمَرَض كَمَا يجوز البيع فِي
الْمَرَض فَيجوز إِذا كَانَت مَرِيضَة بِمِقْدَار مهر مثلهَا وَالْفضل على
ذَلِك من الثُّلُث
993 - فِي الْخلْع على الْبَرَاءَة من السُّكْنَى
قَالَ مَالك إِن شَرط أَن يكون الْكِرَاء عَلَيْهَا وَهِي فِي بَيت بكرَاء
جَازَ
(2/470)
وَإِن شَرط أَن تخرج من منزله لم يَصح
الشَّرْط وَالْخلْع وَاقع وَلَا شَيْء على الْمَرْأَة فِيمَا ردَّتْ من
ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو خَالعهَا على أَنه بَرِيء من سكناهَا فالطلاق
وَاقع وَلها السُّكْنَى وَيرجع عَلَيْهَا بِمهْر مثلهَا
994 - فِي الْخلْع على الرَّضَاع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خَالعهَا على رضَاع ابْنه مِنْهَا سنتَيْن فَهُوَ
جَائِز وَإِن مَاتَ ابْنهَا قبل أَن ترْضِعه رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَة
الرَّضَاع للمدة الْمَشْرُوطَة
وَقَالَ زفر فِي رجل اخْتلعت مِنْهُ امْرَأَته برضاع ابْنهَا سنتَيْن على
أَنه إِن مَاتَ وَقد بَقِي من الرَّضَاع شَيْء فَهِيَ بريئة من رضَاع مَا
بَقِي إِن الطَّلَاق وَاقع وَالْخلْع على هَذَا فَاسد وَعَلَيْهَا أَن ترد
الْمهْر الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الشَّرْط على هَذَا جَائِز وَهِي بريئة إِن مَاتَ
الصَّبِي وَلَو لم يشْتَرط ذَلِك جَازَ الْخلْع على رضَاع السنتين فَإِن
مَاتَ فِي بعض ذَلِك رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَة مَا بَقِي
وَقَالَ مَالك إِذا خلعها على رضَاع ابْنهَا مِنْهُ سنتَيْن وعَلى أَن
تنْفق عَلَيْهِ إِلَى فطامه فَهُوَ جَائِز وَإِن مَاتَت كَانَ الرَّضَاع
وَالنَّفقَة فِي مَالهَا وَإِن اشْترط عَلَيْهَا نَفَقَة الْوَلَد بعد
الْحَوْلَيْنِ وَضرب لذَلِك أَََجَلًا أَربع سِنِين أَو ثَلَاث سِنِين
فَذَلِك بَاطِل وَإِن هلك الْوَلَد قبل تَمام الرَّضَاع فَلَا شَيْء
عَلَيْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو خلعها أَن ترْضع وَلَده وقتا مَعْلُوما فَمَاتَ
الْمَوْلُود فَإِنَّهُ يرجع بِمهْر مثلهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّضَاع مِمَّا يَصح الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ قَالَ
الله تَعَالَى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} الطَّلَاق 6
وَيصِح أَن يَجْعَل جعلا فِي الْخلْع وهلاك
(2/471)
الْوَلَد قبل الرَّضَاع كهلاك عرض اخْتلعت
عَلَيْهِ فَهَلَك فِي يَدهَا قبل التَّسْلِيم فَرجع إِلَى قِيمَته فَأَما
النَّفَقَة فَلَيْسَ لَهَا مِقْدَار مَعْلُوم فَلَا يجوز
995 - (183 ب) فِي الِاخْتِلَاف فِي الْخلْع
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك إِذا اخْتَلَفْنَا فِي الْجعل فَالْقَوْل قَول
الْمَرْأَة وعَلى الزَّوْج الْبَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اخْتلفَا فِيمَا وَقع بِهِ الْخلْع تحَالفا
وَعَلِيهِ مهر الْمثل كَالْبيع فَإِن قَالَت خلعتني بِغَيْر شَيْء وَقَالَ
هُوَ خلعتك بِأَلف بدرهم فَالْقَوْل قَوْلهَا وَالطَّلَاق بَائِن
996 - فِي خلع الْأَجْنَبِيّ الْمَرْأَة من الزَّوْج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الرجل للزَّوْج اخلع امْرَأَتك على ألف
دِرْهَم على أَنِّي ضَامِن أَو قَالَ عَليّ ألفى هَذَا فَفعل صَحَّ الْخلْع
وَاسْتحق الْملك وَلَو قَالَ على هَذَا الْألف وَلم يضمن وَلم يضف إِلَى
نَفسه لم يَقع وَكَانَ مَوْقُوفا على قبُول المراة
وَرُوِيَ عَن عِيسَى بن أبان عَن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد عَن مُحَمَّد أَنه
يسْتَحق الْألف وَأَنه بِمَنْزِلَة إِضَافَته إِلَى نَفسه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ طلق امراتك وَلَك ألف دِرْهَم
فَقبل فَهَذَا خلع وَالْألف وَاجِبَة على الرجل وَلَا يرجع على الْمَرْأَة
وَإِن كَانَ أَبوهَا أَو أَخُوهَا فَهُوَ عَلَيْهِ أَيْضا وَلَا يرجع
عَلَيْهَا إِلَّا أَن تجيزه فَإِن أجازته غرمت مَا أعْطى وَإِن قَالَت لَا
أرْضى فالخلع جَائِز وَلَا يرجع الْأَب عَلَيْهَا بِشَيْء
(2/472)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو قَالَ أَبُو
امْرَأَة لزَوجهَا طَلقهَا وَأَنت بَرِيء من صَدَاقهَا فَطلقهَا طلقت
ومهرها عَلَيْهِ وَلَا يرجع على الْأَب بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يضمن لَهُ
شَيْئا وَله عَلَيْهَا الرّجْعَة
997 - فِيمَن قَالَ كنت طلقت على ألف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لامْرَأَته طلقت أمس بِأَلف فَلم تقبلي
وَقَالَت كنت قبلت فَالْقَوْل قَول الزَّوْج
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الْمَرْأَة
998 - فِي حكم الْإِيلَاء
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ
إِذا حلف على أقل من أَرْبَعَة أشهر لَا يقربهَا لم يكن موليا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَابْن شبْرمَة إِن حلف لَا يقربهَا يَوْمًا ثمَّ
تَركهَا أَرْبَعَة أشهر بَانَتْ بالإيلاء
قَالَ الْحسن وَكَذَلِكَ إِن حلف أَن لَا يقربهَا فِي هَذَا الْبَيْت
فَهُوَ مول وَإِن تَركهَا أَرْبَعَة أشهر بَانَتْ بالإيلاء وَإِن قربهَا
فِي غَيره قبل الْمدَّة سقط الْإِيلَاء وَلَو حلف لَا يدْخل هَذِه الدَّار
وفيهَا امْرَأَته وَمن أجلهَا حلف فَهُوَ مول
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف على أَرْبَعَة أشهر أَو أَكثر فَهُوَ مول
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يكون موليا حَتَّى يحلف على أَكثر من
أَرْبَعَة أشهر
(2/473)
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن
إِذا كَانَ موليا فمضت أَرْبَعَة أشهر قبل أَن يقربهَا بَانَتْ بالإيلاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ تطلق وَاحِدَة رَجْعِيَّة بِمُضِيِّ الْمدَّة
(184 أ) وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يُوقف بعد مُضِيّ
الْمدَّة فإمَّا أَن يَفِي وَإِمَّا أَن يُطلق وَيكون تَطْلِيقَة
رَجْعِيَّة
وَقَالَ لَا تصح رجعته حَتَّى يَطَأهَا فِي الْعدة
قَالَ الشَّافِعِي وَلَو عفت عَن ذَلِك بعد الْمدَّة كَانَ لَهَا بعد ذَلِك
أَن تطلب وَلَا يُؤَجل فِي الْجِمَاع أَكثر من يَوْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَطاء عَن ابْن عَبَّاس إِن إِيلَاء أهل
الْجَاهِلِيَّة كَانَ السّنة والسنتين وَأكْثر من ذَلِك فوقت الله تَعَالَى
لَهُم أَرْبَعَة أشهر فَمن كَانَ إيلاؤه مِنْهُم أقل من أَرْبَعَة أشهر
فَلَيْسَ بإيلاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى ابْن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان
بن يسَار قَالَ أدْركْت أَرْبَعَة عشرمن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ للْمولى يُوقف قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نعلم
أحدا مِمَّن لقِيه سُلَيْمَان بن يسَار من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم غير ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَأبي
هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة فَأَما الْعدَد الَّذِي فِي
حَدِيث يحيى بن سعيد فَلَا نعلمهُ لَقِي من الصَّحَابَة مَا يبلغ ذَلِك
إِلَّا أَن يكون أَخذه من غَيرهم عَنْهُم فَيكون بلاغا عَنْهُم فَيكون
مُنْقَطِعًا
ثمَّ قد روى عَن عُثْمَان وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن مَسْعُود أَنه
إذامضت أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة
(2/474)
وروى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر
عَن كل وَاحِد مِنْهُم رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا مثل ذَلِك وَالْأُخْرَى يُوقف
وَعَن ابي الدَّرْدَاء أَنه يُوقف
999 - فِي الْمولي الْعَاجِز عَن الْجِمَاع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا آلى وَهُوَ مَرِيض أَو بَينه وَبَينهَا مسيرَة
أَرْبَعَة أشهر أَو هِيَ رتقاء أَو صَغِيرَة ففيئه الرِّضَا بالْقَوْل إِذا
دَامَ بِهِ الْعذر حَتَّى تمْضِي الْمدَّة
وَلَو كَانَ محرما بِالْحَجِّ وَبَينه وَبَين وَقت الْحَج أَرْبَعَة أشهر
لم يكن فيئه إِلَّا الْجِمَاع
وَقَالَ زفر فيئه بالْقَوْل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِذا آلى وَهِي صَغِيرَة لَا يُجَامع مثلهَا لم يكن
موليا حَتَّى تبلغ الْوَطْء ثمَّ يُوقف بعد مُضِيّ أَرْبَعَة أشهر مُنْذُ
بلغت وَهُوَ رَأْي ابْن الْقَاسِم وَلم يروه عَن مَالك
وَقَالَ مَالك ابْن وهب عَنهُ فِي الْمولي إِذا وقف عِنْد انْقِضَاء
الْأَرْبَعَة أشهر ثمَّ رَاجع امْرَأَته أَنه لَو لم يصبهَا حَتَّى مَضَت
عدتهَا فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا وَلَا رَجْعَة إِلَّا أَن يكون لَهُ
عذر من مرض أَو سجن أَو مَا أشبه ذَلِك فَإِن ارتجاعه إِيَّاهَا ثَابت
عَلَيْهَا وَإِن مَضَت عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا بعد ذَلِك فَإِنَّهُ إِن لم
يصبهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْأَرْبَعَة أشهر وقف أَيْضا
(2/475)
وَقَالَ الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ فِي
الْمولي إِذا كَانَ لَهُ عذر من مرض أَو كبر أَو حبس أَو كَانَت حَائِضًا
أَو نفسَاء فليف بِاللِّسَانِ يَقُول قد فئت يُجزئهُ ذَلِك وَهُوَ قَول
الْحسن بن حَيّ
(164 ب) وَقَالَ الأوازعي إِذا آلى من امْرَأَته ثمَّ مرض أَو سَافر
فَأشْهد على الْفَيْء من غير جماع فَإِنَّهُ إِن أشهد وَهُوَ مُسَافر أَو
مَرِيض لَا يقدر على الْجِمَاع فقد فَاء فليكفر عَن يَمِينه وَهِي
امْرَأَته وَكَذَلِكَ إِن ولدت فِي الْأَرْبَعَة أشهر أَو حَاضَت أَو طرده
السُّلْطَان فَإِنَّهُ يشْهد على الْفَيْء وَلَا إِيلَاء
وَقَالَ اللَّيْث إِذا مرض بعد الْإِيلَاء ثمَّ مَضَت أَرْبَعَة أشهر
فَإِنَّهُ يُوقف كَمَا يُوقف الصَّحِيح فإمَّا فَاء وَإِمَّا طلق وَلَا
يُؤَخر إِلَى أَن يَصح
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا آلى الْمَجْبُوب ففيئة
بِاللِّسَانِ قَالَ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَا إِيلَاء على الْمَجْبُوب
قَالَ وَلَو كَانَت صبية فآلى مِنْهَا استوقف أَرْبَعَة اشهر بعد مَا يصير
فِي حَال يُمكن جِمَاعهَا والمحبوس يفئ بِاللِّسَانِ وَلَو أحرم لم يكن
فيئه إِلَّا بِالْجِمَاعِ وَلَو آلى وَهِي بكر فَقَالَ لَا أقدر على
افتضاضها أجل أجل الْعنين
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن عزموا الطَّلَاق}
الْبَقَرَة 227 فَإِنَّمَا يَقع الطَّلَاق بِتَرْكِهِ الْفَيْء الَّذِي يدل
على أَنه تَركه لعزمه على طَلاقهَا فَإِن لم يقدر على الْجِمَاع لم يكن فِي
عدم الْجِمَاع فِي الْمدَّة دلَالَة على عَزِيمَة الطَّلَاق وَالْقِيَاس
أَن لَا يَقع وَإِن لم يَفِ بِلِسَانِهِ
1000 - فِيمَن قَالَ لَا أقْربك حَتَّى تفطمي ابْنك
قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ بَينه وَبَين الْفِطَام أَرْبَعَة أشهر فَهُوَ
مول
(2/476)
وَقَالَ مَالك لَا يكون موليا لِأَن هَذَا
لَيْسَ على وَجه الضَّرَر وَإِنَّمَا أَرَادَ صَلَاح وَلَده
قَالَ وَبَلغنِي أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَه
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ مثل ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن أَرَادَ أَكثر من أَرْبَعَة أشهر فَهُوَ مول
وَالْإِيلَاء فِي الْغَضَب وَالرِّضَا سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر اعْتِبَار صَلَاح الْوَلَد بِالرِّضَا لَا معنى لَهُ
لِأَن الرَّضَاع على الْأَب لَيْسَ عَلَيْهَا فحقها قَائِم فِي الْجِمَاع
1001 - فِيمَن قَالَ إِن قربتك فَللَّه عَليّ صَلَاة
قَالَ أَبُو يُوسُف لَا يكون موليا
وَقَالَ زفر وَمُحَمّد هُوَ مول
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَو قَالَ لله عَليّ صَوْم
كَانَ موليا فِي قَوْلهم جَمِيعًا
1002 - فِيمَن قَالَ لَا أقْربك حَتَّى أطلق فُلَانَة أَو أعتق عَبدِي
قَالَ أَصْحَابنَا الشَّافِعِي إِذا قَالَ لَا أقْربك حَتَّى أضْرب فلَانا
أَو حَتَّى يقدم فلَان لم يكن موليا
(2/477)
وَلَو قَالَ وَالله لَا أقْربك حَتَّى أطلق
امْرَأَتي أَو حَتَّى أعتق عَبدِي فَهُوَ مول فِي قَول أبي حنيفَة
وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَيْسَ بمول
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ وَالله لَا أقْربك حَتَّى أُعْطِيك حَقك فَلَيْسَ
بمول إِنَّمَا الْإِيلَاء فِي الْغَضَب
1003 - فِيمَن قَالَ وَالله لَا أقْربك سنة إِلَّا يَوْمًا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا قَالَ وَالله لَا أقْربك سنة إِلَّا
يَوْمًا فَلَيْسَ بمول وَله أَن يَجْعَل ذَلِك الْيَوْم أَي يَوْم شَاءَ
وَقَالَ زفر هُوَ مول لِأَن استثناءه على يَوْم من آخر السّنة
1004 - فِي إِيلَاء الذِّمِّيّ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف بِعِتْق أَو طَلَاق أَن لَا يقربهَا فَهُوَ مول
وَإِن حلف (185 أ) بِصَدقَة أَو حج لم يكن موليا وَإِن حلف بِاللَّه كَانَ
موليا فِي قَول أبي حنيفَة وَلم يكن موليا عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك لَا يكون موليا فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِيلَاء الذِّمِّيّ صَحِيح وَلم يفصل
وَقَالَ الشَّافِعِي الذِّمِّيّ كَالْمُسلمِ فِيمَا يلْزمه من الْإِيلَاء
1005 - فِيمَن حلف لَا يقرب نِسَاءَهُ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف أَن لَا يقرب نِسَاءَهُ وَله أَربع نسْوَة فمضت
أَرْبَعَة أشهر قبل أَن يقربهن بَانَتْ كل وَاحِدَة بتطليقة وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
(2/478)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ هُوَ مول
مِنْهُنَّ وَيُوقف بعد الْمدَّة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يكون موليا حَتَّى يطَأ
ثَلَاثًا مِنْهُنَّ ثمَّ يكون موليا من الْبَاقِيَة وَهُوَ قَول زفر
وَقَالَ مَالك إِذا حلف لَا يطَأ نِسَاءَهُ وَهن أَربع فوطأ وَاحِدَة
مِنْهُنَّ حنث وَوَجَبَت الْكَفَّارَة وَسقط الْإِيلَاء
1006 - فِيمَن حلف لَا يقرب وَاحِدَة من نِسَائِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ مول مِنْهُنَّ جَمِيعًا وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْقيَاس أَن يكون موليا من إِحْدَاهُنَّ كَقَوْلِه
لَا أقرب إحداكن
1007 - فِي الْإِيلَاء من الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ هُوَ مول مِنْهَا
وَقَالَ اللَّيْث لَا يكون موليا إِلَّا أَن يُرَاجِعهَا فَيكون موليا من
حِين رَاجع فَإِن تَركهَا حَتَّى انْقَضتْ ثمَّ تزَوجهَا كَانَ موليا حِين
تزَوجهَا
1008 - فِي الْإِيلَاء قبل التَّزْوِيج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لأجنبية وَالله لَا أقْربك أبدا ثمَّ
تزَوجهَا لم يكن موليا وَإِن قربهَا حنث وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي رجل قَالَ لامْرَأَة بِعَينهَا إِن وَطئتك
فَأَنت طَالِق ثمَّ تزَوجهَا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهَا تطلق وَلَا تطلق إِذا
عَم بِيَمِينِهِ
(2/479)
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ
لأجنبية وَالله لَا أقْربك ثمَّ تزَوجهَا كَانَ موليا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن موليا فِي الْحَال لم يكن موليا بعد
فَإِن قيل لَو قربهَا بعد التَّزْوِيج حنث فَهُوَ مول
قيل لَهُ وَلَو وطىء قبل التَّزْوِيج حنث وَلم يكن موليا فَكَذَلِك بعده
1009 - فِي الْمولى يُجَامع فِيمَا دون الْفرج
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يفىء إِلَّا بِالْجِمَاعِ فِي الْفرج وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا جَامعهَا فِي الدبر حنث وَكَذَلِكَ
إِذا جَامعهَا فِيمَا دون الْفرج إِذا لم تكن نِيَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو حلف أَن لَا يُجَامِعهَا
فِيمَا دون الْفرج لم يكن موليا فَكَذَلِك لَا يَصح الْفَيْء بِهِ
1010 - فِي إِيلَاء الْمَمْلُوك
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَت الزَّوْجَة مَمْلُوكَة فإيلاؤها شَهْرَان
وَلَا اعْتِبَار بِالزَّوْجِ وَإِن كَانَت حرَّة فَأَرْبَعَة أشهر
(185 ب) وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه يعْتَبر الرجل دون الْمَرْأَة
فَإِن كَانَ حرا فَأَرْبَعَة أشهر وَإِن كَانَ عبدا فشهران وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ مُدَّة الْإِيلَاء أَرْبَعَة أشهر
فِي كل حَال كمدة الْيَمين
(2/480)
1011 - فِي زَوَال الرّقّ بعد الْإِيلَاء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا عتقت الْمَرْأَة قبل انْقِضَاء شَهْرَيْن صَارَت
مدَّتهَا أَرْبَعَة أشهر
وَقَالَ مَالك إِذا آلى وَهُوَ عبد ثمَّ أعتق قبل مُضِيّ الشَّهْر لم
تَتَغَيَّر مُدَّة الْإِيلَاء
1012 - فِي إِيلَاء العَبْد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف بِالْعِتْقِ أَو بِصَدقَة مَال بِعَيْنِه لم
يكن موليا وَلَو حلف بِحَجّ أَو عمْرَة أَو صِيَام أَو طَلَاق فَهُوَ مول
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يكون موليا فِي الْعتْق لِأَنَّهُ لَو
حنث ثمَّ عتق لَزِمته الْيَمين
1013 - فِيمَن طلق ثَلَاثًا بعد الْإِيلَاء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا آلى مِنْهَا ثمَّ طلق ثَلَاثًا ثمَّ تزَوجهَا بعد
زوج لم يكن موليا وَإِن قربهَا كفر عَن يَمِينه وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ حَمَّاد بن سُلَيْمَان وَزفر وَمَالك يكون موليا
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مَوضِع إِذا بَانَتْ الْمَرْأَة ثمَّ تزَوجهَا
يكون موليا وَفِي مَوضِع آخر أَنه لَا يكون موليا
(2/481)
1014 - فِي الْيَمين بِالطَّلَاق هَل
يدخلهَا إِيلَاء
قَالَ أصجابنا إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِن لم أفعل كَذَا
فَهِيَ امْرَأَته وَلَا يكون موليا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يُحَال بَينه وَبَينهَا وَيدخل عَلَيْهِ
الْإِيلَاء من يَوْم يوقعه وَقَالَ مَالك لَو قَالَ يَا فلَان امْرَأَتي
طَالِق إِن لم تهب لي دَنَانِير فَإِنَّهُ يُحَال بَينه وَبَينهَا وَلَا
يدْخل فِي هَذَا إِيلَاء وَلَكِن يتلوم لَهُ السُّلْطَان على قدر مَا يرى
مِمَّا حلف عَلَيْهِ وَإِلَّا فرق السُّلْطَان بَينهمَا مَكَانَهُ وَلَا
ينْتَظر بِهِ لأجل الْمولي
قَالَ مَالك وَإِنَّمَا الْإِيلَاء فِيمَا حلف الرجل عَلَيْهِ على أَن
يَفْعَله وَلَا يكون إِيلَاء فِيمَا حلف على غَيره أَن يَفْعَله هَذَا
يلْتَزم لَهُ ثمَّ يفرق بَينهمَا
قَالَ عُثْمَان البتي فِي رجل قَالَ لغلامه امْرَأَتي طَالِق إِن لم أجلدك
قَالَ لَا أرى لَهُ أَن يقرب امْرَأَته حَتَّى يضْرب عَبده فَإِن مَاتَ
الْغُلَام قبل أَن يضْربهُ بَانَتْ مِنْهُ وَلَا يتوارثان
وَقَالَ عُثْمَان أَيْضا فِي رجل قَالَ لامرأتيه أطولكما حَيَاة طَالِق
أَنه يجْبرهُ على طلاقهما إِن طالبتاه بذلك وَلَا يطَأ وَاحِدَة مِنْهُمَا
وَإِنَّمَا أجْبرهُ على طلاقهما لِأَنَّهُ قَالَ قولا حَال بَينه وَبَين
جماعهما فَلم يكن لَهُ أَن يطلقهما للشُّبْهَة وَلَا أرى أَن يعضلهما
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَدلَّ ذَلِك على أَن من مذْهبه أَن العاضل يجْبر على
طلاقهما إِلَّا أَن يرفع العضل عَنْهُمَا وَلم يرد ذَلِك إِلَى حكم
الْإِيلَاء
(2/482)
1015 - فِي الظِّهَار هَل يدْخل عَلَيْهِ
الْإِيلَاء
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يدْخل الْإِيلَاء على الْمظَاهر وَإِن طَال تَركه
إِيَّاهَا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ رِوَايَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ مثله
وَقَالَ امالك لَا يدْخل على حر إِيلَاء فِي ظِهَار لايريد أَن يفِيء من
ظِهَاره وَأما العَبْد فَلَا يدْخل على ظِهَاره إِيلَاء فَهَذَا رِوَايَة
ابْن وهب
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ يدْخل الْإِيلَاء على الظِّهَار إِذا كَانَ
مضارا وَمِمَّا يعلم بِهِ ضروره أَن يكون يقدر على الْكَفَّارَة فَلَا يكفر
فَإِنَّهُ إِذا علم ذَلِك فمضت أَرْبَعَة أشهر وقف مثل الْمولى فإمَّا كفر
وَإِمَّا طلقت عَلَيْهِ امْرَأَته
وَقد رُوِيَ عَن الثَّوْريّ أَن الايلاء يدْخل على الظِّهَار
1016 - فِي الْمولى يَدعِي الْفَيْء بعد مُضِيّ الْمدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِن ادَّعَاهُ بعد الْمدَّة لم يصدق
فَإِن كَانَت أمة يصدق الْمولى فِي الْفَيْء وَذَلِكَ بعد مُضِيّ الْمدَّة
وكذبته الْأمة
فَالْقَوْل قَول الْأمة فِي قَول زفر وَفِي قَول سُفْيَان القَوْل قَول
السَّيِّد
وَقَالَ مَالك إِذا ادّعى الْفَيْء بعد مُضِيّ الْمدَّة صدق لِأَن
الطَّلَاق لم يَقع بعد وَقَالَ فِي الرّجْعَة بعد الْعدة لَا يصدق لوُقُوع
الْبَيْنُونَة
(2/483)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا ادّعى
الْفَيْء بعد مُضِيّ الْمدَّة فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ بقوله يعلم
وَلَا يُؤمنهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَفِي الرّجْعَة بعد انْقِضَاء
الْعدة لَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وقف القَوْل قَوْله أَنه قد وطىء
1017 - فِي الظِّهَار الْمُؤَقت
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا قَالَ أَنْت عَليّ
كَظهر أُمِّي فِي الْيَوْم بَطل الظِّهَار بِمُضِيِّ الْيَوْم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَاللَّيْث وَالْحسن بن حَيّ هُوَ مظَاهر
أبدا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الظِّهَار من أَن يكون كَالطَّلَاقِ فَلَا
تَوْقِيت أَو كاليمين فتوقيت وَلما كَانَ الظِّهَار تحله الْكَفَّارَة
كاليمين يحلهَا الْحِنْث وَجب أَو يؤقت كَمَا يؤقت الْيَمين وَلَيْسَ
كَالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يحله شَيْء
1018 - فِي الظِّهَار بِالنسَاء
إِذا قَالَت أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو ذَات محرم مني فَهُوَ مظَاهر
فَإِن قَالَ كَظهر فُلَانَة وَلَيْسَت بِمحرم لَهُ لم يكن مُظَاهرا وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَعُثْمَان البتي يَصح الظِّهَار بالمحرم والأجنبية
(2/484)
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا أَن
الظِّهَار لَا يَصح إِلَّا بِالْأُمِّ وَالْآخر أَنه يَصح بذوات
الْمَحَارِم
1019 - فِي الظِّهَار بِغَيْر الظّهْر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كيد أُمِّي أَو كرأسها أَو
مِمَّا يحل لَهُ شَيْئا يحل لَهُ النّظر إِلَيْهِ مِنْهَا لم يكن مُظَاهرا
لِأَنَّهُ يحل لَهُ النّظر إِلَيْهِ لَا كالظهر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك أَن يكون مظَاهر بِكُل شَيْء من
الْأُم (186 أ)
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كرأس أُمِّي أَو
كيدها فَهُوَ مظَاهر لِأَن التَّلَذُّذ بذلك محرم
1020 - فِي الْعود
قَالَ أَصْحَابنَا وَاللَّيْث الظِّهَار يُوجب تَحْرِيمًا لَا يرفعهُ
وَمعنى الْعود عِنْدهم أَن لَا يستبيح مِنْهَا إِلَّا بكفارة تقدمها
وَقد ذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف أَنه لَو وَطئهَا ثمَّ مَاتَ لم
يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا ظَاهر مِنْهَا لم تحل لَهُ إِلَّا بعد
الْكَفَّارَة فَإِن طَلقهَا ثمَّ تزَوجهَا لم يَطَأهَا حَتَّى يكفر
(2/485)
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أجمع على
إِِمْسَاكهَا وإصابتها فقد وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن طَلقهَا بعد
الظِّهَار وَلم يجمع على إِِمْسَاكهَا وإصابتها فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَإِن تزَوجهَا بعد ذَلِك لم يَمَسهَا حَتَّى يكفر كَفَّارَة الظِّهَار
وَقَالَ أَشهب عَن مَالك إِذا أجمع بعد الظِّهَار على إِِمْسَاكهَا
وإصابتها وَطلب الْكَفَّارَة فَمَاتَتْ امْرَأَته فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة
وَإِن أَرَادَ تَركهَا بعد ذَلِك لِأَن الْعود الْإِجْمَاع على مجامعتها
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِيمَن ظَاهر من امْرَأَته ثمَّ طَلقهَا قبل أَن
يَطَأهَا
قَالَ أرى عَلَيْهِ الْكَفَّارَة رَاجعهَا أَو لم يُرَاجِعهَا وَإِن مَاتَت
لم يصل إِلَى مِيرَاثهَا حَتَّى يكفر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أمكنه أَن يطلقهَا بعد الظِّهَار فَلم يُطلق فقد
وَجَبت الْكَفَّارَة مَاتَت أَو مَاتَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ آخَرُونَ حَتَّى يُعِيد القَوْل مرَّتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر رَوَت عَائِشَة وَأَبُو الْعَالِيَة أَن آيَة
الظِّهَار نزلت فِي شَأْن خَوْلَة حِين ظَاهر مِنْهَا زَوجهَا أَوْس بن
الصَّامِت فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعِتْق رَقَبَة
فَقَالَ لَا أجد فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ إِن لم آكل فِي
الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات كَاد أَن يعشو بَصرِي فَأمره بِالْإِطْعَامِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَدلَّ ذَلِك على بطلَان قَول من اعْتبر الْعَزْم على
إِِمْسَاكهَا أَو وَطئهَا لِأَنَّهُ لم يسْأَله عَن ذَلِك
وَبَطل قَول من اعْتبر إِعَادَة القَوْل مرَّتَيْنِ لِأَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْأَله عَنهُ
(2/486)
وَبَطل قَول من اعْتبر إِرَادَة الْجِمَاع
لِأَنَّهُ لم يسْأَله عَنهُ
وَبَطل قَول من اعْتبر الطَّلَاق لِأَنَّهُ لم يقل هَل تطلقها
وَثَبت قَول أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ يُوجب تَحْرِيمًا تَدْفَعهُ
الْكَفَّارَة
روى ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة أَن رجلا ظَاهر من امْرَأَته
فَوَطِئَهَا فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا يعود حَتَّى
يكفر
1021 - فِيمَن قَالَ أَنْت عَليّ حرَام كَظهر أُمِّي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر لَا يكون مُظَاهرا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن أَرَادَ الطَّلَاق كَانَ طَلَاقا
إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف قَالَ لَا أصدقه على نفي الظِّهَار وألزمه
الطَّلَاق
وَقَالَ مُحَمَّد أصدقه على نفي الظِّهَار وألزمه الطَّلَاق
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن أَرَادَ الطَّلَاق فَهُوَ طَلَاق
1022 - فِيمَن قَالَ أَنْت عَليّ كامي
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن عَنى الظِّهَار فَهُوَ ظِهَار وَإِن عَنى
الْكَرَامَة فَلَيْسَ بِشَيْء
(2/487)
وَقَالَ مُحَمَّد هُوَ ظِهَار إِذا لم يكن
نِيَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ بظهار حَتَّى يَنْوِي
1023 - فِيمَن قَالَ إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق وَأَنت عَليّ كَظهر
أُمِّي
قَالَ أَبُو حنيفه إِذا تزَوجهَا طلقت وَبَطل الظِّهَار
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك يَقع الطَّلَاق وَالظِّهَار
1024 - فِيمَن قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ عَليّ كَظهر أُمِّي
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري يلْزمه الظِّهَار إِذا تزوج وَكَذَلِكَ
قَالَ مَالك وَقَالَ وَيجزئهُ كَفَّارَة وَاحِدَة عَن جَمِيع من تزوج
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا يكون مُظَاهرا
فرق مَالك بَين الطَّلَاق وَالظِّهَار
1025 - فِيمَن قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي مرَارًا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ لكل ظِهَار كَفَّارَة إِلَّا
أَن يكون فِي مجْلِس وَاحِد وَأَرَادَ التّكْرَار فَيكون عَلَيْهِ
كَفَّارَة وَاحِدَة
(2/488)
وَقَالَ مَالك من ظَاهر من امْرَأَته فِي
مجَالِس مُتَفَرِّقَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَة وَاحِدَة فَإِن
ظَاهر ثمَّ كفر ثمَّ ظَاهر فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة أَيْضا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة وَإِن كَانَ فِي مقاعد
شَتَّى
1026 - فِي ظِهَار الذِّمِّيّ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَصح ظِهَار الذِّمِّيّ وَيصِح طَلَاقه وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ يَصح طَلَاقه
وَلم يحفظ فِي الظِّهَار
وَقَالَ الشَّافِعِي يَصح ظِهَاره وطلاقه
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَصح طَلَاقه كَمَا يَصح نِكَاحه وَلَا يَصح ظِهَاره
لِأَنَّهُ يُوجب تَحْرِيمًا لَا يرفع النِّكَاح وَلَا خلاف أَنه لَا صِيَام
عَلَيْهِ فِي الظِّهَار فَثَبت أَنه لَا يَصح ظِهَاره وَكَيف تلْزم الرقبه
فَيُؤْمَر بشرَاء مُسلم على مَذْهَب الشَّافِعِي وَهُوَ لَا يجوز عِنْده
شِرَاؤُهُ وَلَو كَانَ فِي ملكه أجْبرهُ على بَيْعه
1027 - فِيمَن ظَاهر من أَرْبَعَة نسْوَة
قَالَ أَصْحَابنَا عَلَيْهِ أَربع كَفَّارَات وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَعُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن الْقَاسِم عَلَيْهِ كَفَّارَة
وَاحِدَة فَإِن ظَاهر مِنْهُنَّ فِي مجَالِس مُتَفَرِّقه فَفِي كل وَاحِدَة
كَفَّارَة كَفَّارَة وَلَو قَالَ فِي مجْلِس
(2/489)
وَاحِد لوَاحِدَة مِنْهُنَّ أَنْت عَليّ
كَظهر أُمِّي ثمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى فِي مثل ذَلِك حَتَّى أَتَى على
الْأَرْبَع فَعَلَيهِ لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَفَّارَة كَفَّارَة وَلَو
قَالَ لأَرْبَع نسْوَة إِن تزوجتكن فَأَنْتن عَليّ كَظهر أُمِّي فَتزَوج
وَاحِدَة لزمَه الظِّهَار وَلَا يقربهَا حَتَّى يكفر (187 ب) فَإِن كفر
وَتزَوج الْبَوَاقِي فَلَا ظِهَار عَلَيْهِ فِيهِنَّ وَإِن لم يكفر حَتَّى
مَاتَت الأولى أَو فَارقهَا ثمَّ تزوج الْبَوَاقِي لم يطَأ وَاحِدَة
مِنْهُنَّ حَتَّى يكفر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا خَاطب كل وَاحِدَة على
حيالها وَجَبت لكل وَاحِدَة كَفَّارَة كَذَلِك إِذا جمعهن
1028 - فِيمَا يحرمه الظِّهَار
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقرب الْمظَاهر وَلَا يلمس وَلَا يقبل وَلَا ينظر
إِلَى فرجهَا بِشَهْوَة حَتَّى يكفر
وَقَالَ مَالك مثل ذَلِك قَالَ وَلَا ينظر إِلَى شعرهَا وَلَا إِلَى صدرها
حَتَّى يكفر لِأَن ذَلِك لَا يَدْعُو إِلَى خير
وَقَالَ الثَّوْريّ يَأْتِيهَا فِيمَا دون الْفرج وَإِنَّمَا نهى عَن
الْجِمَاع
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحل لَهُ مِنْهَا فَوق الْإِزَار كالحائض
وَقَالَ الشَّافِعِي يمْنَع الْقبْلَة والتلذذ إحتياطا
1029 - هَل يجْبر على الْكَفَّارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد عَن أبي حنيفَة فِي كتبهمْ أَكثر من قَوْله
لَيْسَ يَنْبَغِي أَن تَدعه يقربهَا حَتَّى يكفر
(2/490)
وروى عباد بن الْعَوام عَن سُفْيَان بن
حُسَيْن قَالَ سَأَلت الْحسن وَابْن شبْرمَة عَن رجل ظَاهر من امْرَأَته
فَلم يكفر تهاونا قَالَ يستعدى عَلَيْهِ قَالَ وَسَأَلت أَبَا حنيفَة قَالَ
يستعدى عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك عَلَيْهَا أَن تَمنعهُ نَفسهَا وتحول بَينه وَبَينهَا
وَقَول الشَّافِعِي يدل على أَنه يحكم عَلَيْهِ بالتكفير
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَقّهَا فِي الْجِمَاع قَائِم يجْبر عَلَيْهِ فَيُوجب
الحكم عَلَيْهِ بالتكفير
1030 - فِي الظِّهَار من الْأمة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا يَصح الظِّهَار من أمته
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالْحسن بن حَيّ
يكون مُظَاهرا من أمته كَهُوَ من زَوجته
2031 - فِيمَن ظَاهر ثمَّ طَلقهَا ثَلَاثًا وَتَزَوجهَا بعد زوج
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقربهَا حَتَّى يكفر وَهُوَ قَول مَالك
وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي يلْزمه نِكَاح جَدِيد فَإِنَّهُ لَا يعْمل فِيهِ
إِلَّا طَلَاق جَدِيد وظهار جَدِيد
1032 - فِي ظِهَار الْمَرْأَة من الزَّوْج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَت لزَوجهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو
كَظهر أُخْتِي لم تكن مُظَاهرَة وَلَا يَصح ظِهَار الْمَرْأَة وَهُوَ قَول
مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
(2/491)
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد هِيَ مُظَاهرَة
من زَوجهَا
وَذكر ابْن أبي عمرَان عَن عَليّ بن صَالح عَن الْحسن بن زِيَاد أَنه
ظِهَار
قَالَ عَليّ فَسَأَلت مُحَمَّد بن الْحسن فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء
فَأتيت أَبَا يُوسُف فَذكرت لَهُ قَوْلهمَا فَقَالَ هَذَانِ شَيخا الْفِقْه
أَخطَأ هُوَ تَحْرِيم عَلَيْهَا كَفَّارَة يَمِين كقولها أَنْت عَليّ حرَام
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يَمِين تكفرها
(188 أ) وَقَالَ الْحسن بن حَيّ تعْتق رَقَبَة وتكفر لكفارة الظِّهَار
فَإِن لم تفعل وكفرت يَمِينا رجونا أَن يجزئها
وروى مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ خطب مُصعب بن الزبير عَائِشَة بنت
طَلْحَة فَقَالَت هُوَ عَلَيْهَا كَظهر أَبِيهَا إِن تزوجته فَلَمَّا ولى
الْإِمَارَة أرسل إِلَيْهَا فَأرْسلت تسْأَل وَالْفُقَهَاء بِالْمَدِينَةِ
كثير فأفتوها أَن تعْتق رَقَبَة وتتزوجه وَقَالَ إِبْرَاهِيم لَو كَانَت
عِنْده يَوْم قَالَت ذَلِك لما كَانَ عَلَيْهَا عتق رَقَبَة وَلكنهَا
كَانَت تملك نَفسهَا حِين قَالَت ماقالت
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَنَّهَا إِذا قَالَت إِن تزوجته فَهُوَ عَليّ كَظهر
أبي كَانَت مُظَاهرَة وَلَو قَالَت وَهِي تَحت زوج كَانَ عَلَيْهَا
كَفَّارَة يَمِين
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يجوز أَن تكون عَلَيْهَا كَفَّارَة يَمِين لِأَن
الرجل لَا يلْزمه ذَلِك وَهُوَ الأَصْل فَكيف يلْزمهَا بِهِ شَيْء وَلَا
يصلح مِنْهَا ظِهَار بِهَذَا القَوْل لِأَن الظِّهَار يُوجب تَحْرِيمًا
بالْقَوْل وَهِي لَا تملك ذَلِك كَمَا لَا تملك الطَّلَاق إِذا كَانَ
مَوْضُوعا لتَحْرِيم يَقع بالْقَوْل
(2/492)
1033 - فِي الرَّقَبَة الْكَافِرَة
قَالَ أَصْحَابنَا تجزىء الرَّقَبَة الْكَافِرَة فِي الظِّهَار وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُجزئ فِي شَيْء من الْكَفَّارَات إِلَّا
الرَّقَبَة المؤمنة
1034 - فِي الصَّوْم مَعَ وجود رَقَبَة الْخدمَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَت عِنْده رَقَبَة الْخدمَة لَا شَيْء لَهُ
غَيرهَا أَو عِنْده دَرَاهِم ثمن رَقَبَة لَيْسَ لَهُ غَيرهَا لم يُجزئهُ
الصَّوْم وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ من لَهُ خَادِم لَا يملك غَيره فَلهُ أَن
يَصُوم
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَنه لَو أعتق الْخَادِم عَن الْكَفَّارَة
أَنه غير آثم فِي ذَلِك وَقد قَالَ الله عز وَجل {فَمن لم يجد} الْبَقَرَة
169 وَهَذَا وَاجِد وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة من مَعَه مَاء يخَاف على نَفسه
الْعَطش فَيجوز لَهُ التَّيَمُّم لِاتِّفَاق الْجَمِيع على أَنه آثم فِي
اسْتِعْمَال المَاء للْوُضُوء فِي حَال يخَاف فِيهِ الْعَطش والتلف على
نَفسه فَعلمنَا أَن الرَّقَبَة وَاجِبَة فِي هَذِه الْحَالة وَأَن
اسْتِعْمَال المَاء غير وَاجِب
1035 - فِي عتق أم الْوَلَد وَالْمُكَاتبَة وَنَحْوهم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز عتق أم الْوَلَد وَالْمُدبر وَالْمكَاتب إِذا
كَانَ قد أدّى
(2/493)
شَيْئا عَن الْكِتَابَة فَإِن لم يكن أدّى
شَيْئا جَازَ وَإِن اشْترى أَبَاهُ يَنْوِي عَن الْكَفَّارَة جَازَ
وَكَذَلِكَ كل ذِي رحم محرم
وَإِن قَالَ كل عبد اشْتَرَيْته فَهُوَ حر ثمَّ اشْترى عبدا يَنْوِي بِهِ
عَن الْكَفَّارَة لم يجزه
وَقَالَ زفر لَا يُجزئ الْمكَاتب وَإِن لم يكن أدّى شَيْئا
وَقَالَ مَالك لَا يُجزئ الْمكَاتب وَلَا الْمُدبر وَلَا أم الْوَلَد وَلَا
مُعتق إِلَى سِنِين عَن الْكَفَّارَة وَلَا الْوَلَد وَلَا الْوَالِد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يُجزئ الْمكَاتب وَلَا أم الْوَلَد
(188 ب) وَقَالَ عُثْمَان البتي يجزيء الْمُدبر وَأم الْوَلَد فِي
كَفَّارَة الظِّهَار وَالْيَمِين
وَقَالَ اللَّيْث يُجزئ إِن اشْترى أَبَاهُ فيعتقه فِي الْكَفَّارَة
الَّتِي عَلَيْهِ
قَالَ الشَّافِعِي لَا يُجزئ من إِذا اشْتَرَاهُ عتق عَلَيْهِ لَا يُجزئ
الْمُدبر وَلَا يُجزئ الْمكَاتب وَإِن لم يؤد شَيْئا ويجزيء الْمُعْتق
إِلَى سِنِين وَلَا تُجزئ أم الْوَلَد
1036 - فِي الرَّقَبَة النَّاقِصَة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز الْأَعْوَر والأقطع إِحْدَى الرجلَيْن وَإِحْدَى
الْيَدَيْنِ والمقطوع الْيَد وَالرجل وَلَا يُجزئ الْأَعْمَى والمقطوع
الْيَدَيْنِ والمقعد وَيُجزئ مَقْطُوع الْأُذُنَيْنِ والخصي
وَقَالَ زفر لَا يُجزئ مَقْطُوع الْأُذُنَيْنِ والأعرج إِذا كَانَ خَفِيفا
يُجزئ
(2/494)
وَإِن كَانَ شَدِيدا لم يُجزئ وَلَا يُجزئ
الأقطع وَيُجزئ الْأَعْوَر والأقطع الْيَد الْوَاحِدَة لَا يُجزئ وَلَا
يُجزئ الأجذم وَالْمَجْنُون وَلَا الْأَصَم
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقِيَاس قَول مَالك أَن لَا يُجزئ الأبرص لِأَن
الْأَصَم أيسر شَأْنًا مِنْهُ فَلَا يُجزئ ذكر ذَلِك كُله ابْن الْقَاسِم
وَلَا يُجزئ الَّذِي يجن ويفيق
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَيُجزئ الْأَعْوَر والأعرج إِلَّا أَن يمنعهُ
العرج الْمَشْي
وَقَالَ اللَّيْث لَا تجزيء الْوَاجِبَة شَيْء فِيهِ عيب لَا يُجزئ الأجذع
وَلَا الْأَعْمَى والأشل لِأَن ذَلِك مِمَّا لَا تُجزئ فِي الضَّحَايَا
فَهُوَ فِي الرّقاب الْوَاجِبَة أَشد
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ كل ذِي نقص كعيب لَا يضرّهُ فِي
الْعَمَل إِضْرَارًا بَينا مثل العرج الْخَفِيف والعور فَإِنَّهُ يُجزئ فِي
الْكَفَّارَة وَلَا يُجزئ الْأَعْمَى وَلَا المقعد وَلَا الأشل الرجل
وَيُجزئ الْأَصَم والخصي وَالْمَرِيض الَّذِي لَيْسَ بِهِ مرض زمانة مثل
الفالج والشل
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَجمعُوا فِي الْأَعْمَى والمقطوع الْيَدَيْنِ أَو
الرجلَيْن أَنه لَا يُجزئ
وَأَجْمعُوا فِي الْعَيْب الْخَفِيف أَنه يُجزئ نَحْو الْحول بِعَيْنِه أَو
خدش فِي بدنه أَو جِرَاحَة قد برِئ مِنْهَا أَنه يُجزئ فِي الْكَفَّارَة
فَإِن كَانَ مثله يعد عَيْبا فِي البيع وَيرد بِهِ الْمَبِيع فَثَبت أَنه
لَيْسَ الْمُعْتَبر فِي الرّقاب سلامتها من جَمِيع الْعُيُوب
فَإِن قيل الْعَيْب الَّذِي يمْنَع الْأُضْحِية يمْنَع الرَّقَبَة كالعور
قيل لَهُ لَيست الْأُضْحِية أصلا لذَلِك لِأَن الْأُضْحِية قد اعْتبر
فِيهَا السن والرقبة يَسْتَوِي فِيهَا الصَّغِير وَالْكَبِير
(2/495)
1037 - فِي عتق العَبْد بَين شَرِيكَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أعتق عبدا بَينه وَبَين
غَيره عَن الْكَفَّارَة أَنه لَا يُجزئهُ مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن كَانَ مُوسِرًا أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ
مُعسرا لم يُجزئهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُجزئ مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا
1038 - فِي عتق الْآبِق
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك إِذا أعتق عبدا آبقا عَن كَفَّارَة يَمِينه
جَازَ
(189 أ) وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا أعتق عبدا لَهُ غَائِبا
عَن ظِهَاره فَهُوَ على غير يَقِين أَنه أعتق وَذكر الرّبيع عَنهُ أَنه إِن
علم أَنه كَانَ حَيا ثمَّ أعتق أَجْزَأَ وَإِن لم يثبت ذَلِك لم يُجزئ
1039 - فِي كَفَّارَة العَبْد إِذا ظَاهر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُجزئهُ إِلَّا الصَّوْم وَلَا يُجزئ الْعتْق وَلَا
الْإِطْعَام
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن أطْعم بِإِذن الْمولى أَجزَأَهُ
وَإِن أعتق بِإِذْنِهِ أَو بِغَيْر إِذْنه لم يجزه وَأحب إِلَيْنَا أَن
يَصُوم
(2/496)
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَا أرى جَوَاب
هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا وهما لِأَنَّهُ إِذا قدر على الصَّوْم لَا يُجزئ
الطَّعَام فَكيف العَبْد وعنى أَن يكون جَوَاب الْمَسْأَلَة فِي كَفَّارَة
الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي العَبْد يظاهر الصَّوْم أحب إِلَيّ من الطَّعَام
رَوَاهُ وَكِيع عَنهُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا طاق الصّيام صَامَ فَإِن لم يسْتَطع استكره
أَهله على الْإِطْعَام عَنهُ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ والبتي عَلَيْهِ الصَّوْم لَا غَيره
وَقَالَ اللَّيْث لَا يُجزئهُ الطَّعَام وَإِن أدْركهُ إِذا قدر على
الصَّوْم
وَقَالَ الشَّافِعِي يَصُوم
1040 - فِي مِقْدَار الطَّعَام
قَالَ أَصْحَابنَا لكل مِسْكين نصف صَاع بر أَو صَاع تمر أَو شعير وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك مد بِمد هِشَام وَهُوَ مدان إِلَّا ثلث بِمد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ من الْحِنْطَة وَأما الشّعير فَإِن كَانَ من
الطَّعَام أهل الْبَلَد فَهُوَ مثل الْحِنْطَة وَكَذَلِكَ التَّمْر وَإِن
لم يَكُونَا طَعَام أهل الْبَلَد أطْعمهُم وكل وَاحِد مِنْهُم رسطا من شبع
الشّعير وَالتَّمْر فِي كَفَّارَة الْيَمين
(2/497)
وَقَالَ الشَّافِعِي لكل مِسْكين من طَعَام
بَلَده الَّذِي يقتات حِنْطَة أَو شَعِيرًا أَو أرزا أَو تَمرا أَو إقطا
وَذَلِكَ بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يعْتَبر مد أحدث
بعده
1041 - هَل يُجَامع قبل أَن يطعم
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُجَامع حَتَّى يطعم إِن
كَانَ فَرْضه الْإِطْعَام
وروى زيد بن أبي الزَّرْقَاء عَن الثَّوْريّ أَنه إِذا أَرَادَ أَن
يَطَأهَا قبل ان يطعم لم يكن آثِما
وروى الْمعَافى والأشجعي عَن الثَّوْريّ أَنه لَا يقربهَا حَتَّى يطعم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمظاهر بعد
عَجزه عَن الصّيام لَا يَطَأهَا حَتَّى يكفر
1042 - إِذا كرر الْإِطْعَام على مِسْكين وَاحِد
قَالَ أَصْحَابنَا إِن كرر الدّفع فِي سِتِّينَ يَوْمًا كل يَوْم نصف صَاع
أَجزَأَهُ
وَقَالَ مَالك وَزفر وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يُجزئهُ
وَذكر الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ قَالَ لم يجد الَّذِي يكفر عَن يَمِينه
إِلَّا مِسْكينا وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ فَأعْطَاهُ أَو أعطاهما ذَلِك
أَجزَأَهُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي كَفَّارَة الْيَمين إِذا أطعمت عشرَة مَسَاكِين
فَذَلِك أوفق (189 ب) وَإِن اقتصرت بِعشْرَة أَمْدَاد على كل مِسْكين أَو
ثَلَاثَة أَو أَكثر من ذكل أجزاك وَلم يذكر فرقا بَينهمَا
(2/498)
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر عدد الْمَسَاكِين
قد اقْتضى عدد الطَّعَام ثمَّ اتَّفقُوا على أَن طَعَام مِسْكين يجوز أَن
يُعْطي سين مِسْكينا إِذا أعْطى ثمَّ عَاد إِلَى ملكه ثمَّ أعْطى فَذَلِك
يجوز الِاقْتِصَار فِيهِ على مِسْكين وَاحِد وَلَا فرق بَين إعطائم فِي
يَوْم أَو فِي أَيَّام فِي الْقيَاس
1043 - فِيمَن جَامع فِي خلال الْكَفَّارَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا جَامع فِي خلال نَهَار صَوْم الظِّهَار نَاسِيا
أَو بِاللَّيْلِ عَامِدًا اسْتقْبل وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَابْن أبي ليلى
وَالثَّوْري وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَاللَّيْث
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ لَا يسْتَقْبل وَهُوَ قَول الْحسن
الْبَصْرِيّ
وَقَالُوا جَمِيعًا لَو جَامع وَقد أعْطى بعض الطَّعَام لم يسْتَقْبل
وَقَالَ مَالك يسْتَقْبل الصّيام وَالْإِطْعَام جَمِيعًا
1044 - فِيمَن مرض فِي الشَّهْرَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا يسْتَقْبل إِذا أفطر بِالْمرضِ وَهُوَ قَول الْحسن بن
حَيّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي وَفِي رِوَايَة أُخْرَى
من الْقَدِيم لَا يسْتَقْبل
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يقْضِي ذَلِك الْيَوْم ويصله بالشهرين
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَن الْحيض فِي صَوْم النَّفْل لَا يقطع
التَّتَابُع
(2/499)
وتبنى وَلَيْسَ الْمَرَض كالحيض لِأَن
الْحيض مُعْتَاد فِي الشَّهْرَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَرَض
1045 - فِي اللّعان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكا أَو دميا أَو
محدودا فِي قذف أَو كَانَت الْمَرْأَة مِمَّن لَا يجب على قاذفها الْحَد
فَلَا لعان بَينهمَا إِذا قَذفهَا
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يُلَاعن الْمُسلم زَوجته الْيَهُودِيَّة إِذا قدفها
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك الْأمة الْمسلمَة والحرة النَّصْرَانِيَّة
واليهودية يُلَاعن الْحر الْمعلم وَكَذَلِكَ العَبْد يُلَاعن عَن زَوجته
الْيَهُودِيَّة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَيْسَ بَين الْمُسلم والكافرة لعان إِذا
قَذفهَا إِلَّا أَن يَقُول رَأَيْتهَا تَزني فيلاعن سَوَاء ظهر الْحمل أَو
لم يظْهر لِأَنَّهُ يَقُول أَخَاف أَن أَمُوت فَيلْحق نسب وَلَدهَا بِي
وَإِنَّمَا يُلَاعن الْمُسلم الْكَافِرَة فِي دفع الْحمل وَلَا يلاعنها
فِيمَا سوى ذَلِك وَكَذَا زَوجته الْأمة إِلَّا فِي نفي الْحمل
قَالَ والمحدود فِي الْقَذْف يُلَاعن وَإِن كَانَ الزَّوْجَانِ جَمِيعًا
كَافِرين فَلَا لعان بَينهمَا والمملوكين الْمُسلمين بَينهمَا لعان إذاأراد
أَن يَنْفِي الْوَلَد
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ لَا يجب اللّعان إِذا كَانَ أحد
الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكا أَو كَافِرًا وَيجب إِن كَانَ محدودا فِي قذف
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا لعان بَين أهل الْكتاب وَلَا بَين الْمَحْدُود
فِي الْقَذْف وَامْرَأَته
(2/500)
وَقَالَ عُثْمَان البتي كل من قذف زَوجته
بِأَمْر زعم أَنه رأى عَلَيْهَا رجلا يلاعنها لِأَنَّهُ يحد لَهَا إِذا
كَانَ أَجْنَبِيّا فَإِن كَانَت أمة أَو نَصْرَانِيَّة لاعنها بِالْوَلَدِ
إِذا ظهر بهَا الْحمل ويلاعنها فِي الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ يحد لَهما فِي
الْقَذْف والمحدود فِي الْقَذْف يُلَاعن امْرَأَته
وَقَالَ الشَّافِعِي كل زوج جَازَ طَلَاقه وَلَزِمَه الْفَرْض يُلَاعن إِذا
كَانَت مِمَّن يلْزمهَا الْفَرْض
1046 - فِي الْقَذْف الَّذِي يُوجب اللّعان (190 أ)
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَة وَجب اللّعان وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا يُلَاعن إِلَّا أَن يَقُول رَأَيْتُك تزنين أَو يَنْفِي
حملا بهَا أَو ولدا مِنْهَا وَالْأَعْمَى يُلَاعن إِذا قذف امْرَأَته
وَقَالَ اللَّيْث لَا تكون ملاعنة إِلَّا أَن يَقُول قد رَأَيْت عَلَيْهَا
رجلا أَو يَقُول قد كنت استبرأت رَحمهَا وَلَيْسَ هَذَا الْحمل مني وَيحلف
بِاللَّه على مَا قَالَ
قَالَ عُثْمَان البتي إِذا قَالَ رَأَيْتهَا تَزني لاعنها وَإِن قَذفهَا
بخراسان وَإِنَّمَا تزَوجهَا قبل ذَلِك الْيَوْم لم يُلَاعن وَلَا كَرَامَة
1047 - فِي الْحَائِض تلاعن
ذكره الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة لَا بَأْس أَنه يُخَيّر امْرَأَته
وَهِي حَائِض فيجعلها كَذَلِك وَكَذَلِكَ يُخَيّر امْرَأَة الْعنين وَهِي
حَائِض ذكر ذَلِك فِي كل فرقة لَا تثبت مَعهَا رخصَة
(2/501)
فَأَما مُحَمَّد بن الْحسن فَإِنَّهُ ذكر
فِي الزِّيَادَات أَنه لَا يخالع امْرَأَته وَهِي حَائِض
وَقَالَ مَالك لَا تطلق عَلَيْهِ امْرَأَته وَهِي حَائِض إِذا لم يجد
النَّفَقَة حَتَّى تطهر وَكَذَلِكَ الْعنين وَقَالَ فِي الْمولي وَحده أَنه
إِذا أوقفهُ السُّلْطَان وَهِي حَائِض فَلم يَفِ طلق عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يُلَاعن فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَن تكون حَائِضًا فعلى
بَاب الْمَسْجِد
قَالَ أَبُو جَعْفَر رِوَايَة الْحسن بن حَيّ لما ذكرنَا مُنكرَة وَقد روى
مُحَمَّد خلَافهَا من غير خلاف بَينه وَبَين أَصْحَابه وَهُوَ صَحِيح
1048 - فِي وَقت نفي الْوَلَد بِاللّعانِ
قَالَ أَبُو حنيفه إِذا ولدت الْمَرْأَة فنفي وَلَدهَا حِين يُولد أَو بعده
بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ لَاعن وانتفى الْوَلَد وَإِن لم ينفه حِين ولد
إِلَى أَن مَضَت سنة أَو سنتَيْن ثمَّ نَفَاهُ لَاعن وَلَزِمَه الْوَلَد
وَلم يؤقت لذَلِك أَبُو حنيفه وقتا
وَوقت أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مِقْدَار النّفاس أَرْبَعِينَ لَيْلَة
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَ غَائِبا فَقدم فَلهُ أَن يَنْفِيه
فِيمَا بَينه وَبَين مِقْدَار النّفاس مُنْذُ قدم فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِن
قدم بعد خُرُوجه من الْحَوْلَيْنِ لم ينتف أبدا
قَالَ مَالك إِذا رأى الْحمل فَلم ينفه حَتَّى وضعت لم ينتف بعد ذَلِك
وَإِن نَفَاهُ حرَّة كَانَت اَوْ أمة وَإِن انْتَفَى مِنْهُ حِين وَلدته
وَقد رَآهَا حَامِلا فَلم ينتف
(2/502)
مِنْهُ فَإِنَّهُ يجلد الْحَد لِأَنَّهَا
حرَّة مسلمة فَصَارَ قَاذِفا لَهَا وَإِن كَانَ غَائِبا عَن الْحمل فَقدم
وَقد وَلدته فَلهُ أَن يَنْفِيه
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن أقرّ بِحمْل امْرَأَته ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك
رَأَيْتهَا تَزني لَاعن فِي الرُّؤْيَة وندمه الْحمل
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا علم الزَّوْج بِالْوَلَدِ فأمكنه الْحَاكِم
إمكانا بَينا فَترك اللّعان لم يكن لَهُ أَن يَنْفِيه كالشفعة وَقَالَ فِي
الْقَدِيم إِن لم ينفه فِي يَوْم أَو يَوْمَيْنِ لم يكن لَهُ أَن يَنْفِيه
1049 - فِي كَيْفيَّة اللّعان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يكن ولد يشْهد أَربع شَهَادَات إِنَّه لمن
الصَّادِقين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَا وَالْخَامِسَة اللّعان
وَتشهد هِيَ أَربع شَهَادَات وَالْخَامِسَة الْغَضَب (190 ب) فَإِن كَانَ
هُنَاكَ ولد نَفَاهُ وَيشْهد أَرْبعا إِنَّه لصَادِق فِيمَا رَمَاهَا بِهِ
من الزِّنَا وَنفي هَذَا الْوَلَد فيذكر فِي اللّعان أَنه نَفَاهُ حَتَّى
يلْزم أمه
وَقَالَ زفر مثل ذَلِك إِلَّا أَنه يخاطبها وتخاطبه فَتَقول أشهد بِاللَّه
إِنَّك لمن الْكَاذِبين فِيمَا رميتني بِهِ من الزِّنَا
وروى مثل ذَلِك الْحسن عَن أبي يُوسُف
وَقَالَ زفر يَقُول فِي نفي الْوَلَد أشهد بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين
فِيمَا رميتها بِهِ من نفي وَلَدهَا هَذَا وَيَقُول فِي الْخَامِسَة ولعنة
الله إِن كَانَ من الْكَاذِبين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من نفي وَلَدهَا هَذَا
ثمَّ تَقول الْمَرْأَة أشهد بِاللَّه إِنَّك لمن الْكَاذِبين فِيمَا رميتني
بِهِ من نفي وَلَدي هَذَا
(2/503)
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم
أَنه يحلف أَربع شَهَادَات فَيَقُول تا لله رَأَيْتهَا تَزني أشهد بِاللَّه
رَأَيْتهَا تَزني وَالْخَامِسَة لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين
وَتقول هِيَ أشهد بِاللَّه مَا رَآنِي أزني وَتقول ذَلِك أَربع مَرَّات
وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين
وَقَالَ الثَّوْريّ يشْهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين
وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين
وَتشهد الْمَرْأَة أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين
وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين
وَقَالَ الشَّافِعِي يَقُول أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا
رميت بِهِ زَوْجَتي فُلَانُهُ بنت فلَان وَيُشِير إِلَيْهَا إِن كَانَت
حَاضِرَة وَيَقُول ذَلِك أَربع مَرَّات ثمَّ يقعده الإِمَام ويذكره الله
تَعَالَى وَيَقُول إِنِّي أَخَاف إِن لم تكن صدقت أَن تبوأ بلعنة الله
فَإِن رَآهُ يُرِيد أَن يمْضِي أَمر من يضع يَده على فِيهِ يَقُول إِن
قَوْلك ولعنة الله عَليّ إِن كنت لمن الْكَاذِبين مُوجبَة إِن كنت كَاذِبًا
فَإِن أبي تَركه فَيَقُول ولعنة الله عَليّ إِن كنت لمن الْكَاذِبين فِيمَا
رميت بِهِ فُلَانُهُ من الزِّنَا فَإِن قَذفهَا بِأحد يُسَمِّيه بِعَيْنِه
وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ قَالَ مَعَ كل شَهَادَة إِنِّي لمن الصَّادِقين
فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا بفلان أَو فلَان وَفُلَان فَإِن نفى
وَلَدهَا قَالَ مَعَ كل شَهَادَة أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين
فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَإِن هَذَا الْوَلَد لولد زنا مَا هُوَ
مني فَإِذا قَالَ هَذَا فقد فرغ من الالتعان
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك أشهد بِاللَّه لزنت لَا معنى لَهُ
لِأَنَّهُ يجوز أَن تكون زنت سوى الزِّنَا الَّذِي ذكره كل وَاحِد
مِنْهُمَا فِي الالتعان وَإِنَّمَا أَمر بالالتعان بذلك الْفرق بِعَيْنِه
لَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا
(2/504)
1050 - فِي الْفرْقَة بِاللّعانِ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقع الْفرْقَة بعد فراغهما من اللّعان حَتَّى يفرق
الْحَاكِم
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَزفر إِذا فرغا من اللّعان وَقعت الْفرْقَة
وَإِن لم يفرق الْحَاكِم (191 أ)
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ لَا تقع الْفرْقَة بِلعان الزَّوْج
وَحده
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا أرى ملاعنة الزَّوْج امْرَأَته ينقص شَيْئا
وَأحب إِلَيّ أَن ينْطَلق
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أكمل الزَّوْج الشَّهَادَة والالتعان فقد زَالَ
فرَاش امْرَأَته وَلَا تحل لَهُ أبدا التعنت أَو لم تلتعن
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول البتي لم نجده عَن أحد من أهل الْعلم سواهُ وَقد
روى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بَين المتلاعنين
وَألْحق الْوَلَد بِالْمَرْأَةِ
فَقَالَ قَائِل مِمَّن يذهب إِلَى قَول البتي إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي
قصَّة الْعجْلَاني وَكَانَ طَلقهَا ثَلَاثًا بعد اللّعان فَلذَلِك فرق
بَينهمَا
وَقد روى ابْن شهَاب عَن سهل بن سعد قَالَ فَطلقهَا الْعجْلَاني ثَلَاث
تَطْلِيقَات بعد فراغهما من اللّعان فأنفذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
(2/505)
وَحَدِيث ابْن عمر أَيْضا إِنَّمَا فِي
قصَّة الْعجْلَاني
قَالَ أَبُو جَعْفَر يحْتَمل أَن يَصح الحديثان بِأَن يكون النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بَينهمَا بعد اللّعان ثمَّ طَلقهَا ثَلَاثًا
حَتَّى يكون تَفْرِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقعا موقعه على
مَا روى فِي الْخَبَر وَقد قَالَ الْأَكْثَر لَا يجوز أَن يمْسِكهَا وَيفرق
بَينهمَا وَاسْتحبَّ عُثْمَان البتي أَيْضا الطَّلَاق بعد اللّعان وَلم
يستحبه قبل ذَلِك فَعلم أَن اللّعان قد أحدث حكما فِي التَّفْرِيق
وَأما قَول الشَّافِعِي فخلاف الْآيَة لِأَن الله تَعَالَى قَالَ
{وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} النُّور 6 ثمَّ ذكر الْقِصَّة وعَلى قَوْله
يَنْبَغِي أَن يلاعنه وَهِي غير زَوْجَة وَقد اتَّفقُوا أَن من طلق
امْرَأَته ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ قَذفهَا بِغَيْر ولد أَنه يُلَاعن
لِأَنَّهَا لَيست زَوْجَة وَكَذَلِكَ الَّتِي بَانَتْ بِلعان الزَّوْج لم
يجز لعان الْمَرْأَة
1051 - فِي المتلاعنين يَجْتَمِعَانِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا كذب نَفسه وَجلد الْحَد فَلهُ أَن
يَتَزَوَّجهَا
وَقَالَ زفر وَأَبُو يُوسُف وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن
بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لايجتمعان أبدا
وَعَن سعيد بن جُبَير أَنه إِذا كذب نَفسه ردَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَته مَا
كَانَت فِي الْعدة
وَهُوَ رَاوِي حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
للعجلاني بعد اللّعان لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا
(2/506)
وروى الزُّهْرِيّ حَدِيث سهل بن سعد فِي
قصَّة المتلاعنين وَقَالَ فِيهِ فمضت السّنة أَنَّهُمَا إِذا تلاعنا فرق
بَينهَا ثمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا
ثمَّ روى عَنهُ يُونُس أَنه قَالَ لَا يراجعان أبدا إِلَّا أَن يكذب نَفسه
فيجلد الْحَد وَتظهر بداءتها فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن تراجعا
فَدلَّ أَن معنى قَوْله لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ
مُقيما على اللّعان
وروى عَن سعيد بن الْمسيب أَنه إِذا كذب نَفسه ردَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَته
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه إِذا ضرب الْحَد فَهُوَ خَاطب من
الْخطاب
1052 - إذاجاءت بعد اللّعان بِولد (191 ب)
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لَاعن بعد الدُّخُول لزمَه نسب وَلَدهَا مَا بَينه
وَبَين سنتَيْن وَإِن لم يدْخل فلأقل من سِتَّة أشهر
وَقَالَ مَالك إِذا رأى امْرَأَته تَزني فَهُوَ فِي ذَلِك يَطَأهَا بعد
الرُّؤْيَة فَإِنَّهُ إِن وطأ بعد الرُّؤْيَة أكذب قَوْله وَجلد الْحَد
وَألْحق بِهِ الْوَلَد وَإِن كَانَت حَامِلا من زَوجهَا وَهِي فِي تِسْعَة
أشهر فَقَالَ رَأَيْتهَا تَزني وجامعتها مُنْذُ رَأَيْتهَا تَزني فَإِنَّهُ
يلتعن ويلتحق بِهِ الْوَلَد إِذا كَانَ حملهَا بَينا مشهودا عَلَيْهِ أَو
مقرّ بِهِ قبل ذَلِك
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن لاعنها فَلم ير الْوَلَد فَإِن قَالَ لم أطأها
بعد طهر فَلَيْسَ لَهُ وَإِن اقر بِوَطْء فِي ذَلِك الطُّهْر ألحقته بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا لاعنها عَن الرُّؤْيَة ثمَّ ظهر بهَا حمل بعد ذَلِك
فَأنكرهُ وَقَالَت هُوَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يلاعنها لنفيه الْوَلَد
(2/507)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت حَامِلا
فَأَخْطَأَ الْحَاكِم فَلم يذكر نفي الْوَلَد أَو الْحمل فِي اللّعان
حَتَّى فرغ من اللّعان فَإِنَّهُ يَقُول للزَّوْج إِن أردْت نَفْيه أعدت
اللّعان وَلَا تعيد الْمَرْأَة بعد إِعَادَة الزَّوْج اللّعان إِن كَانَت
فرغت مِنْهُ بعد التعان الزَّوْج الَّذِي أغفل فِيهِ الْحَاكِم نفي
الْوَلَد أَو الْحمل
1053 - إِذا اتّفق الزَّوْجَانِ أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَنْتَفِي الْوَلَد مِنْهُ إِلَّا بِاللّعانِ
وَلَيْسَ فِي هَذَا لعان لِأَنَّهَا صدقته فَلَا يَنْفِي نسب الْوَلَد
مِنْهُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِذا تصادق الزَّوْجَانِ على أَنَّهَا وَلدته
وَأَنه لَيْسَ مِنْهُ لم يلْزمه الولدوتحد الْمَرْأَة
قَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم لَو شهد أَرْبَعَة على امْرَأَة
أَنَّهَا زنت مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر وَهِي حَامِل وَقد غَابَ زَوجهَا
مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر فأخرها الإِمَام حَتَّى وضعت ثمَّ رَجمهَا فَقدم
زَوجهَا بَعْدَمَا رجمت فَانْتفى من وَلَده وَقَالَ قد كنت استبرأتها وينفي
بِهِ الْوَلَد عَن نَفسه وَلَا يَنْفِيه هَا هُنَا إِلَّا بِاللّعانِ
1054 - فِي لعان الْأَخْرَس
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قذف الْأَخْرَس امْرَأَته بِإِشَارَة لم يحد وَلم
يُلَاعن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قذف امْرَأَته وَهِي خرساء لحق بِهِ وَلَدهَا
وَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا لعان
(2/508)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن إِذا
قذف امْرَأَته بِالْإِشَارَةِ
1055 - فِي إباء الزَّوْجَيْنِ اللّعان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا نكل عَن اللّعان حبس حَتَّى يُلَاعن
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ أَيهمَا نكل حد
للقذف وَإِن نكلت هِيَ حدت للزِّنَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل دم
امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث زنا بعد إِحْصَان وَكفر بعد إِيمَان
أَو قتل بِغَيْر نفس فنفى (192 أ) وجوب الْقَتْل إِلَّا بِمَا ذكر والنكول
عَن اللّعان خَارج من ذَلِك فَلَا يجب بِهِ رَجمهَا وَإِذا لم يجب الرَّجْم
إِذا كَانَت مُحصنَة لم يجب الْجلد فِي غير الْمُحصن لِأَن أحدا لم يفرق
بَينهمَا
فَإِن قيل قَوْله امْرِئ مُسلم يتَنَاوَل الرجل دون الْمَرْأَة
قيل لَهُ لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ للْجِنْس كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن
امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد} النِّسَاء 76 وَقَوله {يَوْم يفر الْمَرْء من
أَخِيه} عبس 34
(2/509)
1056 - فِي نفي الْحمل
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ هَذَا الْحمل لَيْسَ مني لم يكن قَاذِفا
لَهَا فَإِن ولدت بعد يَوْم لم يُلَاعن حَتَّى يَنْفِيه بعد الْولادَة
وَهُوَ قَول زفر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن جَاءَت بِهِ بعد هَذَا القَوْل لأَقل
من سِتَّة أشهر لَاعن
وَقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يلاعنها قبل الْولادَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن بِالْحملِ
وَذكر عَنهُ الرّبيع أَنه يُلَاعن حِين تَلد
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَبدة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن
عَلْقَمَة عَن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَاعن
بِالْحملِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا حَدِيث اخْتَصَرَهُ عَبدة أَخطَأ فِي اختصاره
وَأَصله عَن عِيسَى بن يُونُس وَجَرِير جَمِيعًا عَن الْأَعْمَش عَن
إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ أَرَأَيْتُم إِن وجد رجل
مَعَ امْرَأَته رجلا فَإِن هُوَ قَتله قَتَلْتُمُوهُ وَإِن هُوَ تكلم
جلدتموه وَإِن سكت سكت على غيظ فأنزلت آيَة اللّعان فَابْتلى بِهِ فجَاء
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلاعن عَن امْرَأَته
فَلم يذكر فِيهِ الْحمل وَلَا أَنه لَاعن بِالْحملِ وَهَذَا عندنَا
لِأَنَّهُ قَذفهَا فلاعن بِالْقَذْفِ
وروى ابْن جريج عَن يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن ابْن
عَبَّاس أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
مَا لي عهد بأهلي مُنْذُ عقرنا النّخل فَوجدت مَعَ امْرَأَتي رجلا مصفرا
حمشا سبط الشّعْر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ
بَين ثمَّ لَاعن بَينهمَا فَجَاءَت بِهِ يشبه الَّذِي رميت بِهِ
(2/510)
وَقد غلط ابْن جريج فِي إِسْنَاد هَذَا
الحَدِيث وَمَتنه أما إِسْنَاده فقد رَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال
وَاللَّيْث وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن
بن الْقَاسِم عَن أَبِيه فأدخلو بَين يحيى وَبَين الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن
عَن أَبِيه
وَأما الْمَتْن فَإِنَّهُم رووا أَنَّهَا وضعت ولدا يشبه الَّذِي رميت بِهِ
فلاعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا
فَأخْبرُوا أَن اللّعان كَانَ بعد الْوَضع
فَإِن قيل روى أنس أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته بِشريك بن سَحْمَاء
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انظروها فَإِن جَاءَت بِهِ
على وصف فَهُوَ لهِلَال وَإِن جَاءَت بِهِ على وصف آخر ذكره فَهُوَ
لِشَرِيك فَجَاءَت بِهِ على الْوَصْف الْمَكْرُوه (192 ب)
فَلم يُخرجهُ من نسب هِلَال إِلَّا وَقد تقدمه لعان
قيل لَهُ هَذَا مِمَّا يجوز حمل الْخَبَر عَلَيْهِ لِأَن الزَّانِي لَا
يلْحق بِهِ النّسَب قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وللعاهر الْحجر
وَإِنَّمَا يَقع هَذَا على تنَافِي الْقلب من قرب الشُّبْهَة وَبعده
1057 - فِيمَن يقر بِالْوَلَدِ أَنه مِنْهُ ثمَّ يَنْفِيه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ بِولد زَوجته أَنه مِنْهُ ثمَّ نَفَاهُ لاعنها
وَالْولد لَهُ وَهَذَا قَول الثَّوْريّ
(2/511)
وَقَالَ مَالك إِذا ظهر بهَا حمل فَلم ينتف
مِنْهُ حَتَّى وضعت ثمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يجلد الْحَد
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ إذاأقر بِهِ ثمَّ نَفَاهُ ضرب الْحَد
1058 - إِذا ولدت وَلدين فَأقر بِأَحَدِهِمَا وَنفى الآخر
قَالَ أَصْحَابنَا يلْزمه الْولدَان ويلاعن إِذا ولدتهما فِي بطن وَاحِد
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَقِيَاس قَول مَالك أَن يحد الزَّوْج
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ نَفْيه بِقَذْف لأمه فَعَلَيهِ الْحَد لَهَا
1059 - فِي موت أحد الزَّوْجَيْنِ بعد الْقَذْف وَاللّعان قبل الْفرْقَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا التعناولم يفرق بَينهمَا حَتَّى مَاتَ أَحدهمَا
وَرثهُ الآخر
وَقَالَ مَالك يتوارثان مَا لم يتم اللّعان بَينهمَا فَإِن مَاتَ الزَّوْج
بعد اللّعان وَبقيت الْمَرْأَة قيل لهاالتعني فادرئي عَن نَفسك الْحَد
وَلَا مِيرَاث لَك وَإِن أَبيت اللّعان أَو كذبت نَفسك أقيم عَلَيْك الْحَد
وَكَانَ لَك الْمِيرَاث
وَقَالَ اللَّيْث يتوارثان حَتَّى يفرغا من اللّعان
وَقَالَ الشَّافِعِي أَيهمَا مَاتَ قبل تَكْمِيل الزَّوْج اللّعان وَرثهُ
صَاحبه وَالْولد غير منفي حَتَّى يكمل ذَلِك كُله فَإِن امْتنع أَن يكمل
اللّعان حد
(2/512)
1060 - فِيمَن لَاعن ثمَّ ولدت آخر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لَاعن امْرَأَته بِولد فنفاه الْحَاكِم وَفرق
بَينهمَا ثمَّ ولدت آخر بعد يَوْم لزمَه الْولدَان جَمِيعًا وَاللّعان مَاض
على حَاله وَإِن أقرّ بهما فَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِق بقوله هما
ابناي
فَإِن قَالَ ليسَا بِابْني كَانَا ابنيه وَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ زفر إِذا نفاهما بعد ذَلِك فَعَلَيهِ الْحَد
وَقِيَاس قَول مَالك ذكره ابْن الْقَاسِم أَن الثَّانِي مُتَيَقن لِأَنَّهُ
حمل وَاحِد
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ولدت آخر بعد مُدَّة يَوْم فأقد بِهِ لزماه
جَمِيعًا وَعَلِيهِ الْحَد إِن كَانَ قَذفهَا وَإِن لم ينفه وَإِن نَفَاهُ
التعن وينفيه
1061 - فِي الْمُطلقَة يَنْفِي وَلَدهَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَا حَكَاهُ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي رجل طلق
امْرَأَته تَطْلِيقَة يملك الرّجْعَة فَجَاءَت بِولد بعد سنة فنفاه يضْرب
الْحَد لِأَنَّهُ قَذفهَا وَهِي أَجْنَبِيَّة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا بَانَتْ مِنْهُ ثمَّ أنكر حملهَا لاعنها
إِن كَانَ (193 أ) حملهَا يشْتَبه أَن يكون مِنْهُ وَإِن قَذفهَا بعد
الطَّلَاق الثَّلَاث وَهِي حَامِل يقر بحملها ثمَّ زعم أَنه رَآهَا تَزني
قبل أَن يفارقها حد وَلم يُلَاعن وَإِن أنكر حملهَا بعد أَن طَلقهَا
ثَلَاثًا لاعنها
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أنكر حملهَا بعد أَن طَلقهَا ثَلَاثًا لاعنها
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أنكر حملهَا بعد الْبَيْنُونَة لَاعن
وَلَو قَذفهَا بِالزِّنَا بعد أَن بَانَتْ مِنْهُ وَذكر أَنه رأى عَلَيْهَا
رجلا قبل طَلَاقه إِيَّاهَا جلد الْحَد وَلم يُلَاعن
(2/513)
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا ادَّعَت
الْمَرْأَة حملا فِي عدتهَا وَأنكر الَّذِي تَعْتَد مِنْهُ لاعنها فإت
كَانَت فِي غير عدَّة جلد وَلحق بِهِ الْوَلَد
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت امْرَأَة مغلوبة على عقلهَا فنفى زَوجهَا
وَلَدهَا التعن وَوَقعت الْفرْقَة وانتفى الْوَلَد وَإِن مَاتَت الْمَرْأَة
قبل اللّعان وطالب وَليهَا زَوجهَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يلتعن وَلَو مَاتَت
ثمَّ قَذفهَا حد وَلَا لعان إِلَّا أَن يَنْتَفِي بِهِ وَلَدهَا أَو حملا
فيلتعن
1062 - فِيمَن قذف مرأته ثمَّ طَلقهَا ثَلَاثًا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَانَتْ مِنْهُ بعد الْقَذْف بِطَلَاق أَو غَيره
فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا لعان وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث والشافي يُلَاعن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَذفهَا وَهِي حَامِل ثمَّ ولدت قبل أَن
يلاعنها فَمَاتَتْ لزمَه الْوَلَد وَضرب الْحَد وَإِن لَاعن الزَّوْج وَلم
تلتعن الْمَرْأَة حَتَّى تَمُوت ضرب الْحَد ويتوارثان
وَإِن طَلقهَا وَهِي حَامِل وقذفها فَوضعت حملهَا قبل أَن يلاعنها لم
يُلَاعن وَضرب الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر أوجب الله تَعَالَى اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ وَأوجب
على قَاذف الْأَجْنَبِيَّة الْحَد فَمَتَى زَالَت الزَّوْجَة سقط اللّعان
ألاترى أَن شُهُودًا لَو شهدُوا بزنا فَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِم ثمَّ
رجعُوا سقط الْحَد وَكَانَ ذَلِك شُبْهَة فِي سُقُوطه وَإِن لم يجب مثله
فِي الْأُصُول فَوَجَبَ أَن يكون حُدُوثه قبل اللّعان مسْقطًا لَهُ
(2/514)
فَإِن قيل إِنَّه لَو قَذفهَا وَهِي اجنبية
ثمَّ تزَوجهَا لم ينْتَقل إِلَى اللّعان كَذَلِك إِذا قذف وَهِي زَوْجَة
ثمَّ بَانَتْ لم يبطل اللّعان
قيل لَهُ التَّزْوِيج قد يجب فِيهِ اللّعان وَقد يجب فِيهِ الْحَد أَلا ترى
أَنه لَو أكذب نَفسه وَجب الْحَد فِي حَال النِّكَاح وَفِي غير حَال
النِّكَاح لَا يجب فِيهِ اللّعان بِحَال
1063 - إِذا ادّعى الْوَلَد بعد اللّعان والفرقة
قَالَ أَصْحَابنَا يلْحق بِهِ النّسَب إِن كَانَ حَيا وَإِن كَانَ مَيتا لم
يثبت وَيضْرب الْحَد فَإِن كَانَ الْوَلَد قد ترك ولدا ثَبت النّسَب بدعوته
وَذكر أَبُو جَعْفَر أَن فِي كتاب الْوَلَاء من الْأُصُول أَن الْوَلَد
الْملَاعن بِهِ (193 ب) إِن ترك ابْن ابْن أَو ابْن بنت فدعوته جَائِزَة
فِي قَول أبي حنيفَة وَلَا تجوز إذاكان لَهُ ابْن بنت
قَالَ أَبُو بكر وَهُوَ على خلاف مَا ذكره
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ الْوَلَد الْملَاعن بِهِ مَيتا لم يصدق على
الدعْوَة وحد وَإِن كَانَ الْمَيِّت لَهُ ولد صدق وحد
وَقَالَ الشَّافِعِي يصدق ترك الْمَيِّت ولدا أَو لم يتْرك
1064 - فِي أَرْبَعَة شهدُوا على امْرَأَة بِالزِّنَا أحدهم زَوجهَا
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز شَهَادَتهم وأقيم الْحَد على الْمَرْأَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن الزَّوْج وَيحد الثَّلَاثَة
(2/515)
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ رِوَايَتَانِ
وروى نَحْو قَوْلنَا عَن الْحسن وَالشعْبِيّ
وروى عَن ابْن عَبَّاس أَن الزَّوْج يُلَاعن وَيحد الثَّلَاثَة
1065 - فِيمَن نفى ولد امْرَأَته فَلم يُلَاعن حَتَّى مَاتَ الْوَلَد
قَالَ أَصْحَابنَا يُلَاعن ولاينتفي الْوَلَد
وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي على مَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله
1066 - فِي الْمُلَاعنَة يقذفها أَجْنَبِي
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل لَاعن امْرَأَته بِولد فقذفها إِنْسَان فَلَا حد
عَلَيْهِ وَإِن لاعنها بِغَيْر ولد فقذفها إِنْسَان فَعَلَيهِ الْحَد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحد قاذفها لاعنت بِولد أَو بِغَيْر ولد وَهُوَ قَول
مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
1067 - فِي الْقَذْف الْمُوجب اللّعان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ للْمَرْأَة يَا زَان فَعَلَيهِ اللّعان
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا نفى نسب ولد زَوْجَة فَعَلَيهِ اللّعان
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجب اللّعان حَتَّى يَقُول لَهَا جَاءَت بِهِ من
الزِّنَا آخر كتاب الطَّلَاق
(2/516)
|