مختصر
اختلاف العلماء = كتاب الشّركَة =
1664 - فِي الشّركَة بالعروض
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز الشّركَة إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير
وَلَا تجوز بالعروض وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة
وَقَالَ البتي تجوز الشّركَة بالعروض
وَقَالَ مَالك تجوز الشّركَة بالعروض وَلَا تجوز بِالطَّعَامِ وَإِن
تَسَاويا وَسَوَاء كَانَ نوعا وَاحِدًا أَو أنواعا مُخْتَلفَة وَلَا تجوز
الشّركَة وَمن أَحدهمَا دَنَانِير وَمن الآخر دَرَاهِم وَإِن كَانَت
الْقيمَة سَوَاء لِأَن الطَّعَام بِمَنْزِلَة الصّرْف
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا تجوز الشّركَة بالعروض وَلَا تكون إِلَّا
بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ أَو دَنَانِير بِدَرَاهِم فيخلطانها
يَعْنِي يتبايعان نصف الدَّرَاهِم بِنصْف الدَّنَانِير
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز بالعروض إِلَّا أَن يكون قمحا أَو زبيبا
فيخلطان جَمِيعًا
(4/5)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا تكون الشّركَة
بالعروض إِلَّا أَن يَبِيع كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف مَتَاعه بِنصْف مَتَاع
الآخر أَو تكون عرُوضا مِمَّا يخْتَلط كالحنطة وَالشعِير وَالزَّيْت
وَالسمن وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير إِذا اختلطا فَلم يعرف ذَا من ذَا
فيصيرا شَرِيكَيْنِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الشّركَة فِي الْعرُوض وَلَا فِيمَا يرجع فِي
حَال المفاضلة إِلَى الْقيمَة إِلَّا أَن يَبِيع نصف عرضه عرض الآخر
ويتقابضا وَلَا تجوز الشّركَة إِذا كَانَ من أَحدهمَا دَرَاهِم وَمن الآخر
دَنَانِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا تجوز بالعروض لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من قَالَ بِعْ
نصف عرضك على أَن يكون ثمنه لي وَيصِح فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير أَن
يَقُول اشْتَرِ لي بدراهمك عبدا
وَقَول مَالك فَاسد لِأَن الدَّرَاهِم يدخلهَا الرِّبَا وَالشَّرِكَة بهَا
جَائِزَة
1665 - فِي الشّركَة قبل الْخَلْط
قَالَ أَصْحَابنَا تصح الشّركَة قبل الْخَلْط للدراهم وَالدَّنَانِير إِذا
عينا المَال وأحضراه
وَقَالَ زفر لَا تَنْعَقِد حَتَّى يختلطا
وَقَالَ أَصْحَابنَا أَيهمَا هلك قبل الْخَلْط بعد الشّركَة فَهُوَ من مَال
صَاحبه خَاصَّة
وَقَالَ مَالك إِن كَانَا جعلا لكل وَاحِد من الْمَالَيْنِ فِي صرة ثمَّ
قبضهما أحد الشَّرِيكَيْنِ فالمصيبة عَلَيْهِ خَاصَّة
(4/6)
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا تصح الشّركَة
حَتَّى يختلطا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تصح الشّركَة إِلَّا بالخلطة
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا لم يخلطا فَمَال كل وَاحِد مِنْهُمَا على ملكه
فَإِن كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فالقابض أَمِين فَهَلَك من صَاحبه دونه
1666 - فِي التَّفَاضُل فِي الرِّبْح
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِذا اشْتَركَا شركَة عنان على أَن
يعملا وتفاضلا فِي الرِّبْح جَازَ وَإِن كَانَ رَأس المَال مِنْهُمَا
سَوَاء
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ رَأس المَال من عِنْد أَحدهمَا الثُّلُث وَمن
الآخر الثُّلثَيْنِ على أَن يعملا نِصْفَيْنِ وَالرِّبْح نِصْفَانِ فَلَا
خير فِي هَذِه الشّركَة
وَلَا يجوز عِنْده التَّفَاضُل فِي الرِّبْح مَعَ التَّسَاوِي فِي رُؤُوس
الْأَمْوَال
قَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْتَركَا مائَة ثَمَانِينَ على أَن الرِّبْح
نِصْفَانِ فالشركة فَاسِدَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم تجز الْمُضَاربَة إِذا شَرط على رب المَال
كَذَلِك فِي الشّركَة إِذا كَانَ عمل الآخر مَشْرُوطًا لم يجز أَن يسْتَحق
ربح المَال الآخر لِأَن الْمُضَاربَة لَا تصح على هَذَا الْوَجْه
1667 - فِي شركَة الْعَنَان بَين الذِّمِّيّ وَالْمُسلم
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ مَكْرُوهَة وَتجوز وَهُوَ قَول البتي
وَالشَّافِعِيّ
(4/7)
وَقَالَ مَالك لَا تجوز شركَة الْمُسلم
لِلنَّصْرَانِيِّ إِلَّا أَن يكون النَّصْرَانِي يتَصَرَّف بِحَضْرَتِهِ
لَا يغيب عَنهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ مَا يغيب عَنهُ فَلَا يُعجبنِي
1668 - فِي شَرط الْفضل فِي الوضيعة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ الوضيعة على الْمَالَيْنِ بعددهما
وَشرط الْفضل بَاطِل وَالرِّبْح على مَا اشْترطَا وَهُوَ قَول البتي
وَقَالَ مَالك الشّركَة فَاسِدَة وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر كل مَا لَا يَصح من الْعُقُود إِلَّا بِالْقَبْضِ لم
يُفْسِدهُ الشَّرْط كالعمري والهبات وَالصَّدقَات كَذَلِك الشّركَة إِذا لم
تصح بالْقَوْل دون إِحْضَار المَال وَالْقَبْض وَجب أَن لَا يُفْسِدهَا
الشَّرْط
1669 - فِي شَرط الْعَمَل على أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ جَائِزَة فَإِن كَانَ من أَحدهمَا ألف وَمن الآخر
أَلفَانِ فَشرط الْعَمَل على صَاحب الْأَلفَيْنِ على أَن الرِّبْح
نِصْفَانِ كَانَ الرِّبْح على رُؤُوس الْأَمْوَال وَالشّرط بَاطِل وَإِن
كَانَ الْعَامِل الآخر فَشرط الرِّبْح نِصْفَيْنِ جَائِز
وَقَالَ مَالك لَا يجوز شَرط الْعَمَل على أَحدهمَا فَإِن اشْترط
عَلَيْهِمَا الْعَمَل على أَن المَال عِنْد أَحدهمَا فَغير جَائِزَة
(4/8)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا كَانَ فِي
الشَّرْط أَن يعْمل أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ فَاسد
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِنَّهَا لَا تجوز إِلَّا على الْمُسَاوَاة فِي
الْعَمَل كَمَا لَا تجوز إِلَّا على الْمُسَاوَاة فِي الرِّبْح
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُضَاربَة لَا يجوز فِيهَا شَرط عمل رب المَال
وَالْقِيَاس أَلا تجوز الشّركَة مَعَ شَرط إِخْرَاج يَد أحد الشَّرِيكَيْنِ
1670 - فِي نَفَقَة أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا ينْفق كل وَاحِد مهما من مَال نَفسه وَيغرم لشَرِيكه
حِصَّته مَا أنْفق من الْجُمْلَة
وَقَالَ مَالك فِي المتعاوضين إِذا كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا عِيَال
ألغيا نفقتهما وَإِن كَانَ أَحدهمَا وَحده وَلَا عِيَال لَهُ وَللْآخر
عِيَال وَولد حسب كل وَاحِد مَا أنْفق
1671 - فِي شركَة الْوُجُوه
قَالَ أَصْحَابنَا شركَة الْوُجُوه حائزة وَالرِّبْح على قدر مَا يَقع من
المَال بِالشِّرَاءِ لكل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ شركَة التاجرين جَائِزَة بِغَيْر مَال
وَقَالَ مَالك لَا تجوز الشّركَة إِلَّا بِمَال متساو إِذا حضرا جَمِيعًا
الشِّرَاء وَكَانَ أَحدهمَا حميلا بِالْآخرِ
(4/9)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الشّركَة
إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير مختلطين
1672 - فِي شركَة الْأَبدَان
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز شركَة الْأَبدَان فِي الصناعات اتّفقت أَو اخْتلفت
عملا فِي موضِعين أَو مَوضِع وَاحِد وَلَا تجوز فِي الِاصْطِيَاد والاحتطاب
وَنَحْوه
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ كل مَا تجوز فِيهِ
الْوكَالَة تجوز فِيهِ الشّركَة وَمَا لَا تجوز فِيهِ الْوكَالَة لَا تجوز
فِيهِ الشّركَة وَمَا تجوز فِيهِ الشّركَة من الصناعات نَحْو الْخياطَة
والقصارة فَإِنَّهُ سَوَاء عملا جَمِيعًا أَو أَحدهمَا فَمَا حصل من فضل
فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ مَالك تجوز الشّركَة على أَن يخيطا أَو يصطادا إِذا كَانَا يعملان
جَمِيعًا فِي مَوضِع وَاحِد وَكَذَلِكَ إِذا اشْتَركَا فِي صيد البزاة
وَالْكلاب إِذا كَانَ الْكَلْب أَو الْبَازِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ يكون
البازيان متعاونين والكلبان متعاونين على صيد وَاحِد
وَقَالَ مَالك لَا تجوز الشّركَة بَين حداد وقصار وَإِنَّمَا تجوز فِي
صناعَة وَاحِدَة يعملان جَمِيعًا فِيهَا فِي مَوضِع وَاحِد فَإِن عملا فِي
موضِعين أَو كَانَت صناعتين لم تجز الشّركَة
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يشْتَرك المعلمان فِي تَعْلِيم الصّبيان إِذا
كَانَا فِي مَوضِع وَاحِد وَإِن تفَرقا فِي مجلسين فَلَا خير فِيهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث شركَة الْأَبدَان لَا تجوز إِلَّا
بِالدَّرَاهِمِ أَو الدَّنَانِير ويختلط المالان
فَهَذَا يدل على أَنه لَا يجز شركَة الْأَبدَان
(4/10)
1673 - فِي تصرف شريك الْعَنَان
قَالَ أَصْحَابنَا مَا اشْتَرَاهُ أحد شَرِيكي الْعَنَان على الشّركَة
فَهُوَ لَهما وَمَا اشْتَرَاهُ من غير تِلْكَ التِّجَارَة فَهُوَ لَهُ
خَاصَّة وَإِن أقرّ أَحدهمَا بدين فِي تِجَارَته جَازَ عَلَيْهِ خَاصَّة
وَلَيْسَ على الْمُنكر مِنْهُ شَيْء وَإِن كَانَ لَهما دين على رجل
فَأَخَّرَهُ أَحدهمَا لم يجز تَأْخِيره على الآخر إِلَّا بِرِضَاهُ وَلَا
يكون أَحدهمَا خصما فِيمَا تولاه الْأُخَر فِي رد بِعَيْب وَلَا مُطَالبَة
بِثمن وَلَا غَيره وَفِي الْمُعَاوضَة يلْزم جَمِيع ذَلِك الشَّرِيك الآخر
وَكَانَ مَالك لَا يعرف شريك الْعَنَان وَلَا أحد من أهل الْحجاز
وَإِنَّمَا الشّركَة شركَة الْمُفَاوضَة وَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ
فَلِلْمُشْتَرِي أَن يرد بِالْعَيْبِ على الآخر إِذا كَانَ البَائِع
غَائِبا فَإِن كَانَ مُقيما أَو كَانَت غيبته يَوْمًا فَإِنَّهُ ينْتَظر
حَتَّى يَأْتِي لَعَلَّ لَهُ حجَّة فَإِن جحد أَن يكون بَاعه شَرِيكه وَبِه
الْعَيْب حلف على الْعلم
وَقَالَ الشَّافِعِي يلْزم إِقْرَار أحد الشَّرِيكَيْنِ الآخر وَهُوَ لَا
يعرف شركَة الْعَنَان
(4/11)
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِن كَانَ الآخر خصما
عَن البَائِع فَهُوَ كَالْوَكِيلِ يَنْبَغِي أَن لَا يخْتَلف حكمه فِي حَال
حُضُوره وغيبته
1674 - فِي خُصُومَة أحد شَرِيكي الصناعات فِيمَا تولاه الآخر
قَالَ أَصْحَابنَا أَيهمَا تقبل بِالْعَمَلِ فلرب المَال مُطَالبَة الآخر
بِهِ وَأيهمَا مَا دفع الثَّوْب فَلهُ أَن يُطَالب الآخر وَإِذا جنت يَد
أَحدهمَا فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا ذكره بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة
فَإِن أقرّ أَحدهمَا بِثَوْب فِي يدهما إِن هَذَا دَفعه إِلَيْهِ ليعمله
وَقَالَ الشَّرِيك الآخر هُوَ لي صدق الْمقر وَدفع الثَّوْب إِلَى الْمقر
لَهُ اسْتِحْسَانًا كالمتفاوضين أَلا ترى أَن لَهُ أَخذ كل وَاحِد
مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْعَمَل وَرَوَاهُ مُحَمَّد كَذَلِك
وَقَالَ مَالك فِي القصارين إِذا اشْتَركَا فِي حَانُوت فَمَرض أَحدهمَا من
عمل الآخر فَالْعَمَل بَينهمَا وَلَا بَأْس بذلك
وَكَذَلِكَ إِن غَابَ أَحدهمَا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَعمل الآخر
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا مرض أَحدهمَا أَو غَابَ فَعمل الآخر بَينهمَا
1675 - فِي الشّركَة على أَعْيَان الأدوات
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز الشّركَة على فعل من
أَحدهمَا وبعين من الآخر على أَن يؤاجرهما وَيكون الْأجر نِصْفَيْنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذَلِكَ لِأَن الْوكَالَة على هَذَا الْوَجْه لَا تصح
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَتجوز الشّركَة على أَن آلَة القصارة من عِنْد
أَحدهمَا
(4/12)
وَالْبَيْت من الآخر على أَن يعملا بأداة
هَذَا فِي بَيت هَذَا على أَن الْكسْب نِصْفَانِ لِأَن الْآلَة فِي هَذَا
الْموضع لَيْسَ مِمَّا يُؤْخَذ أجره وَكَذَلِكَ الْبَيْت وَالْأُجْرَة
مَأْخُوذَة عَن الْفِعْل وَفِي الْبَغْل وَالْبَعِير مَأْخُوذ من الْبَغْل
وَالْبَعِير
وَقَالَ مَالك هَذَا لَا يجوز أَيْضا
1676 - فِي شَرط الْمُزَارعَة
قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يسْتَحق بعض الْخَارِج بِالشّرطِ إِلَّا
عَن الأَرْض أَو عَن الرجل وَلَا يسْتَحق عَن الْبَقر والآلة وَرب الْبذر
وَيسْتَحق بِغَيْر شَرط وَمَتى فَسدتْ الْمُزَارعَة كَانَ الْخراج لصَاحب
الْبذر وللباقي أجر الْمثل عَلَيْهِ من أَرض أَو عَامل
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت الأَرْض من عِنْدِي وَالْبَقر من عِنْد شَرِيكي
وَالْبذْر من عندنَا جَمِيعًا وَالْعَمَل علينا جَمِيعًا أَنه جَائِز إِذا
كَانَ كِرَاء الأَرْض وَالْبَقر سَوَاء وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر كِرَاء
لم أحبه
وَيجوز عِنْده إِذا أخرج أَحدهمَا الأَرْض وَالْآخر الْبَقر وَالْآخر
الْعَمَل إِذا كَانَ الْبذر بَينهم أَثلَاثًا وتكافؤا فِي الْعَمَل وَإِن
كَانَ الْبذر من عِنْد أحدهم لم يجز بِحَال
وَلَا تصلح الشّركَة فِي الزَّرْع عِنْد مَالك إِلَّا أَن يكون الْبذر
بَينهمَا ويتكافآن فِيمَا بعد ذَلِك من الْعَمَل فَإِن كَانَ الْبذر من
عِنْدهمَا وَمن عِنْد الآخر الأَرْض وَجَمِيع الْعَمَل لم يجز لصَاحب
الأَرْض وَيُعْطِي هَذَا بذرهما
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ لأَحَدهمَا مَاء وَللْآخر أَرض
اشْتَركَا على أَن ينبتا الأَرْض وَالْمَاء فَيكون عمل تِلْكَ الأَرْض
ونفقتها عَلَيْهِمَا سَوَاء فَهُوَ جَائِز
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ من عَن أَحدهمَا الأداة وَمن عِنْد الآخر
الْعَمَل فَإِنَّهُ
(4/13)
ينظر إِلَى قيمَة الْعَمَل وَأُجْرَة
الْآلَة فيترادان الْفضل وَإِن كَانَت الأَرْض من عِنْد أَحدهمَا أَو
كَانَت تكرى مثلهَا أقيم لَهُ كراها جَازَ عَلَيْهِ نصف الْكِرَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترك أَرْبَعَة نفر لأَحَدهم الْبذر وَللْآخر
الأَرْض وَللْآخر الْبَقر وَللْآخر عمل يَده فالشركة فَاسِدَة وَالرِّبْح
لصَاحب الْبذر وللآخرين إِجَارَة أمثالهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا تجوز الْمُزَارعَة على أَن تكون الأَرْض
مستأجرة وَيكون الرجل مُسْتَأْجرًا فَإِذا خرج عَن ذَلِك لم تصح إِلَّا أَن
مُحَمَّدًا قَالَ إِذا كَانَ من عِنْد أَحدهمَا الفدان وَمن الآخر الْعَمَل
وَمن الآخر الْبذر وَعَلِيهِ أُجْرَة الْمثل لهَؤُلَاء فَكَانَ يَنْبَغِي
أَن لَا يُفْسِدهَا بَين صَاحب الأَرْض لفسادها فِيمَا بَين صَاحب الْبَقر
وَبَين صَاحب الأَرْض
كَمَا قَالَ فِي الْمُضَاربَة إِذا وَقعت بَين صَاحب المَال وَبَين
الْمضَارب على أَن للْمُضَارب ثلث الرِّبْح ولرب المَال ثلث الرِّبْح ولرجل
آخر شَرط عمله فِي الْمُزَارعَة ثلث الرِّبْح أَن الْمُضَاربَة جَائِزَة
ولرب المَال ثُلثي الرِّبْح وللمضارب ثلثه وَللْآخر أجرتا مثله فَلم تفْسد
الْمُضَاربَة فِيمَا بَين رب المَال وَبَين الْمضَارب لأجل فَسَادهَا
فِيمَا بَينه وَبَين الآخر
1677 - فِي الصَّانِع يقْعد فِي حانوته من يعْمل مَعَه بِالنِّصْفِ
قَالَ أَصْحَابنَا فِي صانع أَو خياط يقْعد مَعَه فِي حانوته رجلا يطْرَح
عَلَيْهِ الْعَمَل بِالنِّصْفِ أَنه جَائِز اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز
(4/14)
1678 - فِي شركَة الْمُفَاوضَة
قَالَ أَصْحَابنَا شركَة الْمُفَاوضَة جَائِزَة وشرطهما أَن يستويا فِي
المَال الَّذِي يجوز انْعِقَاد الشّركَة وَفِي التَّصَرُّف فَيكون
حِينَئِذٍ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَكيلا لصَاحبه فِي التَّصَرُّف
وَالْخُصُومَة وضامنا عَنهُ مَا يلْزمه من جِهَة الْعُقُود الدَّاخِلَة فِي
الْمُفَاوضَة وَمَا كَانَ ضَمَانه فِي معنى ضَمَان الْعُقُود وَيجوز
عِنْدهم الْمُفَاوضَة فِي شركَة الْوُجُوه والأبدان أَيْضا
فَإِن وزن أَحدهمَا بعد الْمُفَاوضَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَسدتْ
الْمُفَاوضَة فِي الْوُجُوه
وَإِن وزن عرُوضا لم تفْسد
وَقَالَ ابْن أبي يعلى إِذا اشْتَركَا شركَة مُفَاوَضَة ولأحدهما ألف
دِرْهَم وَللْآخر أَلفَانِ فَهَذِهِ مُفَاوَضَة جَائِزَة وَالْمَال كُله
بَينهمَا نِصْفَانِ فَإِن اشْتَركَا فِي جَمِيع الْأَشْيَاء فقد تفاوضا
وَإِن اشْتَركَا فِي نوع وَأحد من التِّجَارَة متفاوضان فِي ذَلِك النَّوْع
وَتَصِح الْمُفَاوضَة على الثُّلُث والثلثين وَلَا يُفْسِدهَا أَن يكون
مَال أَحدهمَا أَكثر من مَال الآخر وَإِن اشْترى أَحدهمَا جَارِيَة
لنَفسِهِ من مَال الشّركَة فصاحبه مُخَيّر إِن شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِن شَاءَ
رده إِلَى الشّركَة وَإِن اشْترى طَعَاما ليأكله كَانَ لَهُ خَاصَّة
(4/15)
وَقَول الثَّوْريّ فِي الْمُفَاوضَة
كَقَوْل أَصْحَابنَا إِلَّا أَن شَرط الشّركَة عِنْده أَن يخلطا
الْمَالَيْنِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي الْمُتَفَاوضين يَقُول كل وَاحِد مِنْهُمَا
لصَاحبه أَنْت فِي مَالِي بمنزلتي فيصيران شَرِيكَيْنِ متفاوضين وَلَا
بَأْس أَن يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من المَال مَا شَاءَ من غير أَن
يحسبه على نَفسه وَلَيْسَ بَينهمَا حِسَاب مِمَّا أخذا وَيُؤْخَذ كل وَاحِد
مِنْهُمَا بدين صَاحبه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز شركَة الْمُفَاوضَة بِحَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذكر لنا بكار بن قُتَيْبَة أَنه سمع أَبَا عَاصِم
النَّبِيل وقا لَهُ رجل مَا معنى شركَة الْعَنَان فَقَالَ هِيَ كلمة تطرف
بهَا أهل الْكُوفَة يُرِيد أَنهم أحدثوها للفرقة بَين الْمُفَاوضَة والعنان
فَذَكرته لِابْنِ أبي عمرَان فَقَالَ مَا قَالَ شَيْئا وَإِنَّمَا هُوَ
مَأْخُوذ من عنان الدَّابَّة الَّذِي يحبسها بِهِ راكبها عَمَّا لَا
يُريدهُ لِأَنَّهُ يمْنَع نَفسه بهَا عَن التَّصَرُّف فِي سَائِر الْوُجُوه
الْأُخَر وَمنعه أَن يتَصَرَّف عَلَيْهِ من غير الْوَجْه الَّذِي تعاقدا
عَلَيْهِ
وَقَالَ نَابِغَة بن جعدة ... وشاركنا قُريْشًا فِي تقاها ... وَفِي
أحسابها شرك الْعَنَان ...
فَإِذا كَانَت شركَة الْعَنَان مَوْجُودَة فِي اللُّغَة فقد دلّ على أَن
هُنَاكَ شركَة غَيرهَا وَهِي الْمُفَاوضَة فَتجوز الْمُفَاوضَة كَمَا جَازَ
الْعَنَان إِلَّا أَن الْمُفَاوضَة أَعم وَإِذا جَازَ الْعَنَان مَعَ مَا
فِيهَا من الْجَهَالَة جَازَت الْمُفَاوضَة
1679 - فِي كَفَالَة أحد الْمُتَفَاوضين
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كفل أحد الْمُتَفَاوضين بِمَال لزم صَاحبه
(4/16)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك
لَا يلْزم فِي عَارِية المفاوض
قَالَ أَصْحَابنَا للمفاوض أَن يعير اسْتِحْسَانًا وَكَذَلِكَ العَبْد
الْمَأْذُون لَهُ
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِلَّا فِي الشَّيْء الْخَفِيف أَو يخبر بِهِ فِي
الِاسْتِبْرَاء فَلَا يضمن وَإِن صنع ذَاك من غير التِّجَارَة ضمن
1680 - فِي شركَة المفاوض
قَالَ أَصْحَابنَا للمفاوض أَن يُشَارك آخر شركَة مُفَاوَضَة أَو عنان
وَيجوز على شَرِيكه
وَقَالَ مَالك لَا يجوز
1681 - فِيمَن قَالَ مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ بَيْننَا نِصْفَانِ أَو
لم يؤقت
قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء إِذا قَالَ مَا
اشْتريت الْيَوْم فبيني وَبَيْنك
فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ هُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ إِن لم يؤقت يَوْمًا
وَوقت مَالا وَكَذَلِكَ إِن وَقت صنفا من الثِّيَاب وسمى عددا وَلم يسم
ثمنا وَلَا يَوْمًا فَهُوَ جَائِز
وَإِن قَالَ مَا اشْتريت وَلم يسم شَيْئا فَهُوَ بيني وَبَيْنك فَإِن أَبَا
حنيفَة قَالَ لَا يجوز إِلَّا أَن يشتركا فيقولا مَا اشترينا أَو اشْترى
لنا أَو اشْترى وَاحِد منا من تِجَارَة فَهُوَ بَيْننَا فَهَذَا جَائِز
وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَإِن قَالَ مَا اشْتريت الْيَوْم فَهُوَ لي لم يجز
وَلَو قَالَ مَا رَأَيْت أَن تشتريه الْيَوْم لي فاشتره جَازَ إِذا جعل
الْمَشِيئَة إِلَى الْوَكِيل
(4/17)
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا
قَالَ مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ بيني وَبَيْنك وَذَلِكَ بَينهمَا على
الْأَبَد حَتَّى يُخرجهُ الشَّرِيك وَلم يحك خلافًا وَكَذَلِكَ قَول
اللَّيْث
وَقَالَ مَالك لَا يجوز وَلَا تعجبني شركَة الْوُجُوه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ بيني وَبَيْنك
لم يَقع شركَة وَمَا اشْترى من شَيْء فَهُوَ لَهُ خَاصَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر تقع البضاعة وَالْمُضَاربَة على وَجه التَّفْوِيض
كَذَلِك التَّوْكِيل
1682 - فِي الدّين بَين الرجلَيْن
قَالَ مُحَمَّد عَن أَصْحَابنَا إِذا أَقبض أَحدهمَا شَيْئا شركه الآخر
فِيهِ فَإِن سلمه لَهُ لم يكن لَهُ أَن يرجع عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِي مَا
على الْمَطْلُوب فَإِذا نوى رَجَعَ عَلَيْهِ بِنصْف مَا قبض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة إِن سلم لَهُ فَلهُ
أَن يعود حَتَّى يُشَارِكهُ فِيمَا أَخذ
وَقَالَ الشَّافِعِي يُشَارِكهُ الشَّرِيك الآخر فِيمَا قبض
وَقَالَ مَالك إِن قَبضه بِأَمْر السُّلْطَان لم يُشَارِكهُ وَإِن قَبضه
بِغَيْر أَمر سُلْطَان شَاركهُ
قَالَ مَالك وَكَذَلِكَ إِن أمره الشَّرِيك أَن يخرج مَعَه فِي اقتضائه أَو
يُوكل فَلم يفعل فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكهُ فِيمَا قبض
(4/18)
1683 - فِي أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الدّين
يَأْخُذ بِنَصِيبِهِ عرضا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا صَالح أحد الشَّرِيكَيْنِ من نصِيبه من الدّين على
عوض فَإِن للشَّرِيك الآخر أَن يَأْخُذ نصفه إِلَّا أَن يَشَاء الْقَابِض
أَن يُعْطِيهِ نصف نصِيبه من الدّين وَإِن اشْترى مِنْهُ بِنَصِيبِهِ عوضا
رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكه بِنصْف نصِيبه من الدّين لَا غير
وَقَالَ زفر الشِّرَاء وَالصُّلْح سَوَاء وَيرجع بِنصْف نصِيبه من الدّين
وَقَالَ مَالك كَقَوْل زفر فِي الصُّلْح
1684 - فِي تَأْخِير أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الشَّرِيكَيْنِ فِي الدّين إِذا أخذهما الْغَرِيم
بِنَصِيبِهِ لم يجز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز تَأْخِير دين أَصله حَال
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن حل مَا أخر كَانَ لَهُ أَن يرجع على
الشَّرِيك بِنصْف مَا قبض وَإِن شَاءَ رَجَعَ بِنَصِيبِهِ على الْغَرِيم
وَقَالَ مَالك إِذا نوى مَا على الْغَرِيم من حِصَّته الَّذِي أخر وَقد
اقْتضى صَاحبه نصِيبه لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء مِمَّا قبض
آخر الشّركَة
(4/19)
= كتاب الْمُزَارعَة =
1685 - فِي الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر رحمهمَا الله لَا تجوز الْمُزَارعَة وَلَا
الْمُسَاقَاة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله
تجوزان جَمِيعًا
وَقَالَ مُحَمَّد لَا تجوز الْمُزَارعَة فِي الأَرْض الْبَيْضَاء وَتجوز
الْمُسَاقَاة فِي
(4/21)
أصل نخل وكرم ورمان وَمَا أشبهه وَتجوز
الْمُزَارعَة فِي الأَرْض الْبَيْضَاء بَين النّخل على وَجه التبع وَتجوز
أَن يساقيه النّخل وعَلى أَن يزرع الأَرْض وَالْخَارِج من الأَرْض أَو
بَينهمَا لِأَنَّهَا تبع وَإِنَّمَا تجوز إِذا كَانَت الأَرْض الَّتِي بَين
النّخل الثُّلُث وَالنَّخْل الثُّلثَيْنِ وَنَحْوه
يَقُول الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ تجوز الْمُزَارعَة
وَاللَّيْث لَا يجيزها ويجيز الْمُسَاقَاة وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي إِلَّا
أَن الشَّافِعِي يجوز الْمُسَاقَاة فِي النّخل وَالْكَرم دون غَيرهمَا
وَلَا تجوز الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ إِلَّا فِي الأَرْض الْبَيْضَاء
الَّتِي بَين النّخل الَّتِي تشترك مَعَ النّخل فِي السَّقْي
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ثَابت بن الضَّحَّاك أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة وَاخْتلف أَلْفَاظ رَافع بن خديج
فَروِيَ عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن المخابرة
وَرُوِيَ عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا يزرع
ثَلَاثَة رجل لَهُ أَرض فَهُوَ يَزْرَعهَا وَرجل منح أَخَاهُ أرضه فَهُوَ
يزرع مَا منح مِنْهَا وَرجل اكترى بِذَهَب أَو فضَّة
وروى يعلى بن حَكِيم عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن رَافع بن خديج قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها
أَو يَزْرَعهَا أَخَاهُ وَلَا يكريها بِالثُّلثِ وَلَا بِالربعِ وَلَا
بِطَعَام مُسَمّى
وروى الزُّهْرِيّ عَن سَالم أَن ابْن عمر كَانَ يكْرِي أرضه حَتَّى بلغه
أَن
(4/22)
رَافع بن خديج كَانَ ينْهَى عَن كِرَاء
الْأَرْضين فَلَقِيَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ سَمِعت عمي وَكَانَا قد شَهدا
بَدْرًا يحدثان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء
الْأَرْضين فَترك ابْن عمر كِرَاء الأَرْض
وروى مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع أَن رَافع بن خديج أخبر عبد الله بن عمر
أَن عمومته جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رجعُوا
فَقَالُوا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء
الْمُزَارعَة فَقَالَ ابْن عمر قد علمنَا أَنه كَانَ صَاحب مزرعة يكريها
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن لَهُ مَا فِي ربيع
الساقي الَّذِي تفجر مِنْهُ المَاء وَطَائِفَة من التِّبْن لَا أَدْرِي مَا
التِّبْن وَمَا هُوَ فَأخْبر ابْن عمر سَبَب الْفساد وَهُوَ شَرط مَا فِي
الرّبيع الساقي وَلم يُنكره رَافع
وروى عَطاء عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ لرجل منا فضول أَرضين على
عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانُوا يؤاجرونها على النّصْف
وَالثلث وَالرّبع فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت
لَهُ أَرض فليزرعها أَو يمنح أَخَاهُ فَإِن أبي فليمسك
وروى الثَّوْريّ عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن حَنْظَلَة بن قيس
الزرقي أَنه سمع رَافع بن خديج يَقُول كُنَّا أَكثر أهل الْمَدِينَة حقلا
وَكُنَّا نقُول للَّذي نخابره لَك هَذِه الْقطعَة وَلنَا هَذِه الْقطعَة
تزرعها لنا فَرُبمَا أخرجت هَذِه الْقطعَة وَلم تخرج هَذِه شَيْئا وَرُبمَا
أخرجت هَذِه وَلم تخرج هَذِه شَيْئا فنهانا
(4/23)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
ذَلِك فَأَما بورق لم ينهنا عَنهُ
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر كُنَّا فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نَأْخُذ الأَرْض بِالثُّلثِ أَو الرّبع بالماذيانات فَنهى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
وروى سعيد بن الْمسيب عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ كَانَ النَّاس يكرون
الْمزَارِع بِمَا يكون على الساقي فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن ذَلِك وَقَالَ اكروها بِالذَّهَب وَالْوَرق
وروى عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَامل أهل خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج من الزَّرْع وَالنَّخْل
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامل
أهل خَيْبَر كَمَا كَانُوا وَجعلهَا بَينه وَبينهمْ فَبعث ابْن رَوَاحَة
فخرصها عَلَيْهِم فَفِي هذَيْن الْخَبَرَيْنِ إجَازَة الْمُزَارعَة
وَالْمُسَاقَاة فَإِن قيل نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
المخابرة رَوَاهُ عَطاء وَأَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهِي مُشْتَقَّة من خَيْبَر فَدلَّ على أَنه مُتَأَخّر عَن
قصَّة خَيْبَر
(4/24)
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا لَا يَصح
لمَالِك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُمَا لَا يجيزان الْمُسَاقَاة ويحتجان
بِقصَّة خَيْبَر وَالْمُخَابَرَة اسْم كَانَ مَوْجُودا قبل حَدِيث خَيْبَر
وَإِن ثَبت النَّهْي عَن المخابرة وَهِي الْمُزَارعَة فَيَنْبَغِي أَن لَا
يجوز فِي الزَّرْع من النّخل إِذا كَانَ أقل من الثُّلُث وَاعْتِبَار
الثُّلُث تحكم بِغَيْر دَلِيل وَلَا يَصح التَّوْقِيت إِلَّا من جِهَة
التَّوْقِيف فَإِن قيل إِنَّمَا أجزته للضَّرُورَة
قيل لَهُ وَعَمن رويت جَوَاز الْعُقُود الْفَاسِدَة بِالضَّرُورَةِ
وَقد روى أَسْبَاط بن مُحَمَّد عَن كُلَيْب بن وَائِل قَالَ قلت لِابْنِ
عمر أَتَانِي رجل لَهُ أَرض ومآء وَلَيْسَ لَهُ بذر وَلَا بقر أخذت أرضه
بِالنِّصْفِ فزرعتها ببذري وبقري فناصفته فَقَالَ حسن فَأجَاز ابْن عمر
الْمُزَارعَة وَقد روى قصَّة خَيْبَر وَحَدِيث رَافع بن خديج
1686 - فِي التِّبْن فِي الْمُزَارعَة
قَالَ مَالك إِذا دفع النّخل مُعَاملَة مَعَ الأَرْض فالتبن بَينهمَا
نِصْفَيْنِ
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف إِذا شَرط أَن مَا أخرج الله تَعَالَى من
طَعَام فَهُوَ بَينهمَا لم يجز حَتَّى يشترطا مَا أخرج الله من شَيْء
فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ أَلا ترى أَنه لَو شَرط التِّبْن نِصْفَيْنِ
وَالْحِنْطَة للزارع لم يجز
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء لَا يجوز أَن يشْتَرط التِّبْن للزارع
وَالْحب نِصْفَيْنِ وَلَا يجوز حَتَّى يكون الْحبّ والتبن جَمِيعًا
نِصْفَيْنِ
(4/25)
وَقَالَ فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير إِذا
شَرط التِّبْن لصَاحب الْبذر وَالْحب نِصْفَيْنِ جَازَ وَإِن شَرط التِّبْن
لمن لَيْسَ لَهُ بذر وَالْحب نِصْفَيْنِ لم يجز
قَالَ ابْن أبي عمرَان الصَّحِيح مَا قَالَه مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء
وَوَافَقَ فِيهِ أَبَا يُوسُف لِأَن التِّبْن إِن كَانَ مَعَ الْحِنْطَة
كصنف وَاحِد فَغير جَائِز شَرط بعض مِنْهُ بِعَيْنِه للْآخر أَلا ترى أَنه
لَا يجوز أَن يشْتَرط الْحِنْطَة لأَحَدهمَا والتبن بَينهمَا وَإِن كَانَا
صنفين لم يجز كشعير وحنطة وَلَا يجوز أَن يشْتَرط أَن الشّعير لأَحَدهمَا
وَالْحِنْطَة بَينهمَا
وَأما سواقط النّخل فَفِي قَول مَالك هُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لرب النّخل لِأَن السواقط لَيست من
الثَّمَرَة وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة النّخل نَفسه
1687 - فِيمَا يجوز فِيهِ الْمُسَاقَاة
قَالَ مَالك لَا تجوز الْمُسَاقَاة فِي كل شَيْء يَجِيء ثمَّ يخلف ثمَّ
يَجِيء ثمَّ يخلف نَحْو الْقصب والبقول والموز والتين لِأَن بيع ذَلِك
جَائِز وَبيع مَا يَجِيء بعده
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير تجوز الْمُسَاقَاة فِي الطّلع
مَا لم يتناه عظمه فَإِذا بلغ حَالا يزِيد بعد ذَلِك لم يجز وَإِن لم يرطب
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء إِذا دفع أَرضًا ليغرسها نخلا
وكرما وشجرا على أَن مَا أخرج الله تَعَالَى من النّخل وَالشَّجر وَالْكَرم
فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ فَهُوَ جَائِز إِلَّا أَن يكون الشّجر وَالْكَرم
الَّذِي يغرسه لَيْسَ لَهُ قيمَة
(4/26)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الْمُسَاقَاة
إِلَّا فِي النّخل وَالْكَرم لِأَن ثمرتهما بَائِن فِي شجر لَا حَائِل دونه
يمْنَع إحاطة النّظر وَمن غَيرهمَا مفترق بَين أَضْعَاف ورق شَجَرَة لَا
يحاط بِالنّظرِ إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ كَذَلِك لِأَن ثَمَرَة الزَّيْتُون والتين
والكمثرى والآجاص وَنَحْوهَا من الأترج وَالرُّمَّان يحاط بِالنّظرِ
إِلَيْهِ
1688 - فِي الْمُسَاقَاة على الشّجر الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى سقِِي
قَالَ مَالك تجوز الْمُسَاقَاة فِي الشّجر البعل الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى
سقِِي
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير هُوَ جَائِز وَتَكون
الْمُسَاقَاة على التلقيح وَالْحِفْظ وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ اللَّيْث لَا تجوز الْمُسَاقَاة إِلَّا فِيمَا سقَاهُ
1689 - إِذا شَرط جَمِيع الثَّمَرَة للساقي
قَالَ مَالك هُوَ جَائِز كمن دفع مَالا مُفَاوَضَة على أَن جَمِيع الرِّبْح
لِلْعَامِلِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز وَلَا يكون ذَلِك مُسَاقَاة
وَالثَّمَرَة لرب النّخل
1690 - فِي الْمُسَاقَاة على زرع قد نبت
قَالَ مَالك لَا تجوز الْمُسَاقَاة فِي زرع إِلَّا أَن يعجز صَاحبه عَن
سقيه
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يساقي شَيْء من النّخل إِذا كَانَ فِيهِ
ثَمَر قد بدا
(4/27)
وطاب وَحل بَيْعه وَتجوز قبل أَن تبدو
صَلَاحه وَيحل بَيْعه وَالْمُسَاقَاة فِي الزَّرْع إِذا خرج واستقل فعجز
صَاحبه عَن سقيه وعلاجه فَهِيَ جَائِزَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا يساقي الزَّرْع بعد أَن يسْتَقلّ ويساقي الْقصب إِذا
خرج من الأَرْض لِأَن الْقصب أصل
وَقَالَ مُحَمَّد وَلم يحك خلافًا إِذا دفع إِلَيْهِ الزَّرْع مُعَاملَة
قبل أَن يستحصد جَازَ وَإِن كَانَ قد استحصد لم يجز
وَقَالَ الشَّافِعِي تجوز الْمُسَاقَاة على الثَّمر الَّذِي قد حل بَيْعه
فِي النّخل ذكره الرّبيع عَنهُ
وَذكر الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا تجوز الْمُعَامَلَة إِذا كَانَ فِي النّخل
ثَمَر قد بدا صَلَاحه
1691 - فِي الْمُعَامَلَة على غرس الشّجر
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف إِن كَانَ للشجر قيمَة عِنْد الْغَرْس لم يجز
وَإِن لم يكن لَهُ قيمَة جَازَ
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير هَذَا جَائِز فِي غرس الشّجر
وَالنَّخْل على أَن يكون الْجَمِيع بَينهمَا تَصِفِينَ وَكَذَلِكَ أصُول
الرّطبَة وَإِن شَرط الثَّمَرَة نِصْفَيْنِ جَازَ أَيْضا على مَا اشْترطَا
وَالْأُصُول للغارس
1692 - من أجل الْمُسَاقَاة
قَالَ مَالك لَا يجوز أَن يشْتَرط للمساقاة أَََجَلًا بِعَيْنِه شهرا أَو
سنة وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاة إِلَى الجداد
(4/28)
فَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة من غير
خلاف إِذا سمى الْمُعَامَلَة فِي النّخل سِنِين مَعْلُومَة جَازَت وَإِن لم
يسم سِنِين جَازَ وَهُوَ على أول ثَمَرَة تخرج فِي أول سنة اسْتِحْسَانًا
وَلَو كَانَ ذَلِك فِي أصُول الرّطبَة وَلم يسم سنة وَلَا أَكثر لم يجز
لِأَن الرّطبَة لَيْسَ لَهَا غَايَة تَنْتَهِي إِلَيْهَا فِي نباتها فَإِن
كَانَ للرطبة غَايَة تَنْتَهِي إِلَيْهَا فِي نبتها حَتَّى تقطع ثمَّ تخرج
بعد ذَلِك جَازَت الْمُعَامَلَة وَكَانَت على أول جزة وَلَيْسَ لوَاحِد
مِنْهُمَا بَعْضهَا إِلَّا من عذر
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُسَاقَاة إِنَّمَا تكون إِلَى جذاد الثَّمر لَا
إِلَى وَقت غَيره
وَقد روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامل الْيَهُود على نخل
خَيْبَر وَزرع أرْضهَا مَا بدا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم
يذكر وقتا
1693 - فِي نخل حائطين مُعَاملَة
قَالَ مَالك لَا يجوز أَن يدْفع حائطين صَفْقَة وَاحِدَة أَحدهمَا على
النّصْف وَالْآخر على الثُّلُث وَكَذَلِكَ دَفعه أرضه على النّصْف وحائطه
على الثُّلُث وَإِن دفعهما جَمِيعًا على النّصْف جَازَ
وَقَالَ مُحَمَّد يجوز ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو ساقاه على حَائِط فِيهِ أَصْنَاف من دقل وعجوة
وصيحاني على أَن لَهُ من الدقل النّصْف وَمن الْعَجْوَة الثُّلُث وَمن
الصيحاني
(4/29)
الرّبع وهما يعرفان كل صنف كَانَ كثلاثة
حَوَائِط وَإِن جهلا أَو أَحدهمَا كل صنف لم يجز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا فرق بَين أَن يجمع الْجَمِيع فِي صَفْقَة وَبَين
تفريقها كالإجارات والبيوع
1694 - فِي المساقي هَل يساقى
قَالَ مَالك للمساقي أَن يدْفع النّخل إِلَى أَمِين ثِقَة مثله وَإِن دَفعه
إِلَى غير أَمِين لم يجز
وَقَالَ مُحَمَّد إِن كَانَ الْبذر من قبل الْعَامِل فَلهُ أَن يَدْفَعهُ
مُزَارعَة وَإِن كَانَ من عِنْد رب الأَرْض لم يَدْفَعهُ إِلَّا أَن يَقُول
لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك كالمضاربة وَكَذَلِكَ النّخل لَا يَدْفَعهَا
إِلَى غَيره إِلَّا أَن يَقُول لَهُ رب النّخل أعمل فِيهِ بِرَأْيِك
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمضَارب إِذا دفع إِلَى غَيره مُضَارَبَة
بِغَيْر إِذن صَاحبه فَهُوَ ضَامِن
1695 - فِي آلَة السَّقْي على من هِيَ
قَالَ مَالك إِذا كَانَت النَّفَقَة والمؤونة على رب الْحَائِط وَلم يكن
على الدَّاخِل إِلَّا أَن يعْمل بيدَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ أجِير بِبَعْض
الثَّمر فَلَا يجوز وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاة أَن تكون النَّفَقَة والمؤونة
كلهَا على الدَّاخِل فِي الْحَائِط قَالَ وَلَا يجوز أَن يشْتَرط على رب
المَال شَيْئا لَيْسَ فِي الْحَائِط يَوْم أَخذه مُسَاقَاة إِلَّا أَن يكون
الشَّيْء التافه الْغُلَام أَو الدَّابَّة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الزارعة إِذا دفع إِلَيْهِ أَرضًا وبذرا وَشرط
الدولاب
(4/30)
والدالية وأداتها على رب الأَرْض أَو دوابا
يسقى عَلَيْهَا المَاء للزَّرْع جَازَ وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاة فِي النّخل
وَلَو كَانَ الْبذر من قبل الْعَامِل وَاشْترط على رب الأَرْض دولابا أَو
دوابا يَسْتَقِي عَلَيْهَا لم تجز الْمُزَارعَة وَإِن شَرط على الْعَامِل
جَازَت الْمُزَارعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي كل مَا كَانَ فِيهِ مستزاد فِي الثَّمر من إصْلَاح
المَاء وَطَرِيقه وَقطع الْحَشِيش المضر بِالنَّخْلِ وَنَحْوه جَازَ شَرطه
على الْعَامِل وَلَا باس بِأَن يشْتَرط المساقي على رب النّخل غلمانا
يعْملُونَ مَعَه وَلَا يشغلهم فِي غَيره
1696 - فِي الجداد والتلقيح على من يكون
قَالَ مَالك جدَاد الثَّمر على الْعَامِل
وَقِيَاسه أَن يكون حصاد الزَّرْع على الْعَامِل والتلقيح على الْعَامِل
إِلَّا أَن يشْتَرط على رب الأَرْض فَيجوز وَيكون عَلَيْهِ وعصر
الزَّيْتُون على من شرطا عَلَيْهِ مِنْهُمَا
وَقَالَ مُحَمَّد فِي كتاب الْمُزَارعَة السَّقْي والتلقيح وَالْحِفْظ
حَتَّى يصير
(4/31)
ثمرا على الْعَامِل فَإِذا بلغ الجداد
فالجداد عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ إِذا كَانَ الشَّرْط نِصْفَيْنِ وَلَو أَن
صَاحب النّخل اشْترط فِي أصل الْمُعَامَلَة الجداد وَالْحِفْظ بَعْدَمَا
يبلغ على الْعَامِل فالمعاملة فَاسِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي أَن اشْترط المساقي على رب الْحَائِط جداده لم يجز
وَكَانَت الْمُسَاقَاة بَاطِلَة
1697 - فِي تحظير الجداد على من يكون
قَالَ مَالك على المساقي سد الْحِيطَان وإبار النّخل وَقطع الجريد وَمَا
أشبه ذَلِك وَلَا يَنْبَغِي إِن يشْتَرط عملا حفر بِئْر أَو عين أَو غراس
يغرسه يَأْتِي بِهِ من عِنْده قَالَ وَإِن شَرط أَن يَبْنِي حوله حَائِطا
أَو يدرب عَلَيْهِ دربا أَو يحْفر بِئْرا لم تجز الْمُسَاقَاة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الزارعة إِذا شَرط على الْمزَارِع كري الْأَنْهَار
وَإِصْلَاح المسنيات كَانَت الْمُزَارعَة فَاسِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي مَا كَانَ مستزادا فِي الثَّمَرَة من إصْلَاح المَاء
وَطَرِيقه وَقطع الْحَشِيش المضر بِالنَّخْلِ وَنَحْوه فَجَائِز شَرطه على
الْعَامِل فَأَما سد الْحَائِط فَلَيْسَ فِيهِ مستزاد وَلَا صَلَاح فِي
الثَّمَرَة فَلَا يجوز شَرطه على الْعَامِل إِذا كَانَ المساقي مخوفا على
النّخل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك إِذا ساقاه ثمَّ علم أَنه سَارِق
يخَاف عَلَيْهِ أَن يذهب بثمر الْحَائِط أَو كَانَت إِجَارَة دَار فخاف أَن
يسرق الْجُذُوع
(4/32)
فَلَيْسَ لَهُ أَن يُخرجهُ لِأَن مَالِكًا
يَقُول إِذا بَاعَ سلْعَة فَوجدَ المُشْتَرِي مُفلسًا أَن البيع لَازم لَهُ
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة إِذا علم أَن الْعَامِل سَارِق مخوف على
إِفْسَاد النّخل فَهَذَا عذر وَلِصَاحِب النّخل أَن يُخرجهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يمْنَع من السّرقَة وَيكون عَلَيْهِ من يقوم مقَامه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ على المساقي حفظ مَا قع عَلَيْهِ السماقاة
وَترك تضييعه فَإِذا لم يكن مَا يلْزم بِحَق الْمُسَاقَاة مَوْجُودا فِيهِ
كَانَ كاعاجز عَن الْعَمَل فلصاحبه أَن يفْسخ الْمُسَاقَاة كَمَا
للْمُسْتَأْجر فسخ الْإِجَارَة إِذا وجد الْأَجِير عَاجِزا عَن الْعَمَل
1698 - فِي الِاسْتِحْقَاق فِي الْمُزَارعَة
قَالَ مُحَمَّد إِذا اسْتحق الأَرْض بَعْدَمَا خرج الزَّرْع فَإِنَّهُ
يقْلع الزَّرْع وَيرجع على رب الأَرْض بِحِصَّتِهِ من الزَّرْع قَائِما
فَإِن شَاءَ أَخذ نصف الزَّرْع وَسلم إِلَى رب الأَرْض نصفه
وَقَالَ مَالك لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقْلع الزَّرْع إِذا لم يكن زارع
الأَرْض غَاصبا وكل من زرع على وَجه شُبْهَة فَإِنَّهُ لَا يقْلع زرعه
وَيكون عَلَيْهِ الْكِرَاء
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنه يقْلع الزَّرْع
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو غصب فزرع أَنه يقْلع
زرعه فَكَذَلِك إِذا زرع وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا لغيره لِأَن حُقُوق
الْآدَمِيّين لَا يخْتَلف فِيهَا حكم الْعلم وَغير الْعلم
(4/33)
1699 - فِي موت رب النّخل أَو المساقي
قَالَ مَالك إِذا مَاتَ الْعَامِل قيل لوَرثَته اعْمَلُوا أَنْتُم فَإِن
أَبَوا كَانَ ذَلِك فِي مَال الْمَيِّت
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا دفع إِلَيْهِ أَرضًا زَرعهَا بِيَدِهِ فَمَاتَ رب
الأَرْض قبل أَن يستحصد فَإِنَّهُ يتْرك فِي يَد الْعَامِل حَتَّى يستحصد
ثمَّ يقسم الثَّمَرَة على الشَّرْط
وَعند الشَّافِعِي لَا ينْتَقض ذَلِك بِمَوْت أَحدهمَا
1700 - فِيمَن اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة وفيهَا شجر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر أَرضًا بَيْضَاء بِدَرَاهِم للزِّرَاعَة
فِيهَا نخل أَو شجر لَا يمْنَع الزِّرَاعَة فَالْإِجَارَة جَائِزَة فَإِن
كَانَ الشّجر يمْنَع الزِّرَاعَة لم تجز الْإِجَارَة
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يسْتَأْجر دَارا فِيهَا نخلات على أَن الثَّمَرَة
للْمُسْتَأْجر إِذا كَانَت الثَّمَرَة مثل ثلث الْكِرَاء أَو أقل
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز اسْتِئْجَار الأَرْض فِيهَا نخل فِيهِ
ثَمَرَة سَوَاء بدا صَلَاحه أَو لم يبد إِذا اشْترط الثَّمَرَة
للْمُسْتَأْجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَا يجوز اسْتِئْجَار الأَرْض
الَّتِي فِيهَا نخل لَا يُمكن زراعتها للمزارعة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي
بَعْضهَا نخل لِأَنَّهُ لَا يصل إِلَى زراعة مَوضِع النّخل وَلَا يَنْبَغِي
أَن يدْخل النّخل فِي الْإِجَارَة لِأَن ذَلِك بيع الثَّمَرَة وهما لم
يتعاقدا عقد بيع
(4/34)
1701 - فِيمَن لَهُ طَرِيق فِي أَرض رجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ لَهُ طَرِيق فِي أرضه فَلَيْسَ لصَاحب
الأَرْض أَن يزرع فِي مَوضِع الطَّرِيق
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للَّذي لَهُ الطَّرِيق أَن يستطرق فِي أَرض هَذَا
إِلَى أرضه بماشيته وغنمه لِأَنَّهُ يفْسد زرعه
وَقَول الشَّافِعِي مثل قَول أَصْحَابنَا
فَإِن قيل روى ابْن وهب عَن مَالك عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار قيل لَهُ فَمن
الضَّرَر أَن يمْنَع صَاحب الأَرْض الطَّرِيق من الاستطراق
(4/35)
= كتاب الْمُضَاربَة =
1702 - فِي المَال الَّذِي يجوز فِيهِ الْمُضَاربَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا تصح الْمُضَاربَة إِلَّا
بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير وَلَا تجوز بالفلوس وَهُوَ قَول مَالك
وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا دفع إِلَيْهِ ثوبا على أَن يَبِيعهُ على أَن
مَا كَانَ من ربح فبينهما نِصْفَيْنِ أَو أعطَاهُ دَارا يبنيها أَو يؤاجرها
على أَن أجرهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ جَازَ وَالْأَجْر وَالرِّبْح بَينهمَا
نِصْفَيْنِ
قَالَ وَهَذَا بِمَنْزِلَة الأَرْض للزِّرَاعَة وَالنَّخْل للمعاملة
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن تجوز الْمُضَاربَة بالفلوس النافقة كالدراهم
وَالدَّنَانِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَصح أَن يَقُول بِعْ عَبدك على أَن يكون ثمنه لي
وَيجوز أَن يَقُول اشْتَرِ بدراهمك عبدا بِعَيْنِه يكون لي وتشبيهه
بالمزارعة والمعاملة بعيد لِأَن الْمُضَاربَة يدْفع مِنْهَا رَأس المَال
ثمَّ الرِّبْح بَينهمَا
(4/37)
والمعاملة والمزارعة لَا يدْفع مِنْهَا
وَلَو شرطا دفع مِقْدَار بِعَيْنِه لرب المَال فسدتا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز الْمُضَاربَة بمثاقيل الذَّهَب وَالْفِضَّة
وروى أَشهب عَن مَالك أَنه تجوز بنقر الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَن النَّاس
قد قارضوا قبل أَن يضْرب الذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ ابْن الْقَاسِم سَمِعت
أَن مَالِكًا سهل فِيهَا فَقَالَ لَا يجوز بنقر الذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ
وَلَا يجوز بالمصنوع
قَالَ اللَّيْث لَا يجوز بالنقر وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم للَّذين باعوا فِي الْغَنَائِم أَرْبَعَة مَثَاقِيل سلبه عينا فِي
الْغَنَائِم أَن يتما وَقد كَانُوا يتبايعون بِدَنَانِير على وَجه هِرقل
ودراهم على وَجه كسْرَى ثمَّ ضرب بعد ذَلِك دَرَاهِم ودنانير إسلامية
1703 - إِذا شَرط الْمضَارب عمل عبد رب المَال
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط للْمُضَارب ثلث الرِّبْح ولعَبْد رب المَال
ثلث الرِّبْح على أَن يعْمل العَبْد مَعَه فَهُوَ جَائِز وَالثُّلُثَانِ
لرب المَال وَالثلث للْمُضَارب وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك تجوز الْمُضَاربَة وَالشّرط ولرب المَال الثُّلُث ولعبده
الثُّلُث وللمضرب الثُّلُث كَأَنَّهُ دَفعه إِلَى أَجْنَبِي مُضَارَبَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يشْتَرط عمل عبد رب المَال مَعَه وَلَا
يجوز أَن يشرط خدمَة عبد الْمضَارب شهرا لرب المَال فَإِن خدمَة عبد
الْمضَارب كَانَ لَهُ أجر مثله شهرا بِخِدْمَة العَبْد وَالْمُضَاربَة على
حَالهَا
1704 - إِذا شَرط على الْمضَارب خُصُوص التَّصَرُّف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط على الْمضَارب أَن لَا يَشْتَرِي إِلَّا من
فلَان
(4/38)
أَو لَا يَشْتَرِي إِلَّا الرَّقِيق أَو
على أَن لَا يَبِيع وَلَا يَشْتَرِي إِلَّا بِالْكُوفَةِ كَانَ ذَلِك على
مَا شَرط لَا يَنْبَغِي أَن يتجاوزه فَإِن تعداه ضمن
وَقَالَ مَالك لَا خير فِي شَيْء من ذَلِك وتفسد الْمُضَاربَة بِهَذِهِ
الشُّرُوط وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَا يَشْتَرِي إِلَّا سلْعَة كَذَا إِلَّا
أَن تكون السّلْعَة مَوْجُودَة كَثِيرَة لَا تخْتَلف فِي شتاء وَلَا صيف
فَإِن ذَلِك لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث يجوز أَن يشْتَرط شرطا لَا بَأْس بِهِ مثل أَن يَقُول لَا
تركب بِهِ فِي الْبَحْر وَلَا تسلف فِي سلْعَة واشتر يدا بيد وَلَا تشتر
حَيَوَانا هَذَا كُله لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يقارضه إِلَى مُدَّة وَلَا أَن يشْتَرط
أَن لَا يَشْتَرِي إِلَّا من فلَان وَلَا سلْعَة وَاحِدَة بِعَينهَا أَو
يَشْتَرِي نخلا أَو دوابا فَإِن فعل فَذَلِك كُله فَاسد وَإِن اشْترط أَن
يَشْتَرِي صنفا مَوْجُودا فِي الشتَاء والصيف فَذَلِك جَائِز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْمُضَاربَة قد يجوز وُقُوعهَا
خَاصَّة فِي نوع من التِّجَارَات يُوجد فِي كل وَقت وَكَذَلِكَ يجوز أَن
يَقُول تصرف فِي سَائِر الْبلدَانِ إِلَّا فِي بلد معينه فَلَمَّا جَازَ
ذَلِك عِنْد الْجَمِيع وَجب أَن يَقع خَاصَّة إِذا خصها بِبَلَد أَو بسلعة
بِعَينهَا
1705 - فِي تَوْقِيت الْمُضَاربَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد عَن أَصْحَابنَا تَوْقِيت الْمُضَاربَة
(4/39)
وَقِيَاس قَوْلهم فِي الْوكَالَة أَنَّهَا
لَا تخْتَص بِالْوَقْتِ لأَنهم قَالُوا لَو وكل رجلا بِبيع عَبده الْيَوْم
فَبَاعَهُ غَدا جَازَ وَكَانَت كَالْوكَالَةِ المنقطعة
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لأَنهم يَقُولُونَ لَو قَالَ بِعْهُ
الْيَوْم وَلَا تبعه غَدا لم يكن لَهُ بَيْعه غَدا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ
على أَن يَبِيعهُ الْيَوْم دون غَد
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِذا وَقتهَا فَسدتْ
1706 - فِي الْمُضَاربَة بِثمن بِعرْض لغيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع إِلَيْهِ عرضا فَقَالَ بِعْهُ واعمل بِثمنِهِ
مُضَارَبَة كَانَ جَائِزا على مَا قَالَ إِذا قبض الثّمن كَانَ مُضَارَبَة
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِن الْمُضَاربَة لَا تصح
وَفِي الْأُخْرَى تصح وَهُوَ قَول مَالك أَنه إِذا قبض الثّمن صحت وعَلى رب
المَال أجر مثله فِي بيع الْعرُوض
وَالشَّافِعِيّ لَا يجيزها
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوكَالَة تتَعَلَّق على المخاطرة كالإمارة وَقد
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن قتل زيد فجعفر
الْأَمِير وَالْمُضَاربَة مثلهَا
(4/40)
1707 - فِي الْمضَارب يَبِيع بنسيئة
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يَبِيع بنسيئة مَا لم يَنْهَهُ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك لَا يَبِيع بنسيئة إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن
فعل ضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن بَاعَ أَو اشْترى بدين ضمن إِلَّا أَن يَأْذَن
لَهُ
1708 - فِي مُحَابَاة الْمضَارب
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز شِرَاؤُهُ إِلَّا بِمَا يتَغَابَن فِيهِ
وَقَالَ مَالك إِذا حابى فِي البيع جَازَ البيع وَضمن الْمضَارب
الْمُحَابَاة وَلَا يرد البيع إِن كَانَ مُعسرا
1709 - فِي الْمضَارب أَن يُسَافر بِالْمَالِ
روى مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة أَن للْمُضَارب أَن يُسَافر
بِالْمَالِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ
وروى أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر
بِالْمَالِ
قَالَ أَبُو يُوسُف يخرج بِهِ إِلَى مَوضِع يرجع بِهِ من يَوْمه كقطربل من
بَغْدَاد وَلَا يُسَافر بِهِ إِلَى مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يُسَافر بِالْمَالِ شَرط ذَلِك أَو لم يشرط إِذا
كَانَ المَال كثيرا
(4/41)
الشَّافِعِي يُسَافر على أَن الرِّبْح
بَينهمَا على الشَّرْط
1710 - إِذا أمره أَن يستدين على الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أمره أَن يستدين على المَال فَاشْترى بِرَأْس
المَال عبدا ثمَّ اشْترى جَارِيَة بِأَلف فثمن الْجَارِيَة عَلَيْهَا
نِصْفَانِ
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يَقُول لَهُ اشْتَرِ على الْمُضَاربَة
بِالدّينِ لِأَنَّهُ كالمضاربه بِغَيْر حَال وَقَالَ الشَّافِعِي اذا ادان
الْمضَارب فِي بيع اَوْ شِرَاء فَهُوَ ضَامِن إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ رب
المَال
1711 - فِي خلط الْمُضَاربَة بِمَالِه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يخلطه بِمَالِه وَلَا يُشَارك بِهِ غَيره إِلَّا أَن
يَقُول اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك
(4/42)
وَقَالَ مَالك يجوز لَهُ أَن يخلط بِمَالِه
وَإِن لم يذكر اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك وَإِن شَرط على الْمضَارب أَن يخلط
بِمَالِه لم يجز
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يقارض آخر ويخلط مَاله بِمَال رب المَال الأول
وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
قَالَ وَلَو دفع رجل مالين قراضا على أَن يكون ربح هَذَا النّصْف وَربح
الآخر على الثُّلُث وَلَا يخلطهما فَإِن ذَلِك مَكْرُوه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس أَن يخلطه بِمَالِه وَقَالَ الثُّلُث لَا
يخلطه إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن خلطه فَهُوَ ضَامِن
1712 - فِي نَفَقَة الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا إِن سَافر بِالْمَالِ أنْفق مِنْهُ فِي طَعَامه وَكسوته
وَشَرَابه وركوبه والحجامة من مَاله والدواء من مَاله خَاصَّة وَكَذَلِكَ
نَفَقَته فِي الرُّجُوع من سفر وَإِذا أَقَامَ فِي مَوضِع فنفقته على نَفسه
وَقَالَ مَالك طَعَامه وَكسوته فِي سَفَره وَمَا يصلحه بِالْمَعْرُوفِ فِي
المَال بِقدر المَال إِذا شخص فِي المَال وَله النَّفَقَة فِي المَال فِي
رُجُوعه فِي سَفَره
وَقَالَ الثَّوْريّ نَفَقَته فِي الذّهاب من الْمُضَاربَة وَفِي الرُّجُوع
إِلَى بَلَده عَلَيْهِ خَاصَّة
(4/43)
وَقَالَ اللَّيْث لَهُ أَن ينْفق فِي
الْحَضَر مِقْدَار مَا يتغدى بِهِ وَلَا يتعشى وَلَا يكنس لِأَنَّهُ يكون
بِالْغَدَاةِ مَشْغُولًا بِمَال الْمُضَاربَة وَفِي السّفر نَفَقَته فِي
مَال الْمُضَاربَة فَإِن خرج بِمَال نَفسه مَعَه كَانَت النَّفَقَة على قدر
الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ وَهَذَا أَيْضا قَول أَصْحَابنَا
وَقَالَ الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي لَا ينْفق فِي السّفر والحضر إِلَّا
أَن يَأْذَن صَاحبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا القَوْل خلاف الْإِجْمَاع
وَقَول اللَّيْث أَيْضا خلاف الْإِجْمَاع لِأَنَّهُ لَو وَجب لَهُ
الْغَدَاء وَجب لَهُ الْعشَاء كالسفر وَالنَّفقَة فِي الرُّجُوع على المَال
أَيْضا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ كَانَ المَال مُضَارَبَة كَمَا كَانَ سَبَب
خُرُوجه فِي الِابْتِدَاء لمَال الْمُضَاربَة
1713 - إِذا شَرط جَمِيع الرِّبْح للْمُضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا إِن شَرط جَمِيع الرِّبْح للْمُضَارب فَهُوَ قرض وَهُوَ
قَول ابْن شبْرمَة
(4/44)
وَقَالَ مَالك هَذَا لَا بَأْس بِهِ وَلَا
شَيْء على الْعَامِل
وَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا مُضَارَبَة فَاسِدَة وَله أجر مثله
وَالنُّقْصَان وَالزِّيَادَة لصَاحب المَال
1714 - فِي الْمضَارب يبضع
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يبضع
وَقَالَ مَالك إِذا بضع ضمن وَلَا يودع إِلَّا عِنْد الْخَوْف على منزله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَهُ أَن يسْتَأْجر لَهُ من يحفظه وَيعْمل بِهِ وَله
أَن يودع ويبضع بِغَيْر أجر
1715 - فِيمَن قَالَ خُذ مَالِي على زيد واعمل بِهِ مُضَارَبَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَبضه كَانَ مُضَارَبَة فِي يَده
(4/45)
وَقَالَ مَالك لَا يجوز هَذَا فَإِن فعل
وَعمل فَلهُ أجر مثله فِي التقاضي وَيرد إِلَى ترَاض مثله لِأَنَّهُ شَرط
الْقَبْض فِي الْمُضَاربَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ ذَلِك بِشَرْط إِنَّمَا ذَلِك أَمْرَانِ
أَحدهمَا وكَالَة بِالْقَبْضِ وَالْآخر الْأَمر بِالْعَمَلِ وَالشّرط أَن
يَقُول أقبضهُ على أَن تعْمل بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل مَا ذكر يفرق بَين أَن يشرط مثل ذَلِك فِي
الْمُضَاربَة وَبَين أَن لَا يشرط
1716 - فِي الْمُضَاربَة بدين على الْمضَارب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِذا أمره بِأَن يعْمل بِالدّينِ الَّذِي لَهُ
عَلَيْهِ مُضَارَبَة على النّصْف فَهَذَا فَاسد وَمَا اشْترى فللمضارب
خَاصَّة لَهُ ربحه وَعَلِيهِ وضيعته وَدين رب المَال بِحَالهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد جَمِيع مَا اشْتَرَاهُ وَربح فِيهِ فَهُوَ
لرب المَال وَقد توى من الدّين وَله على رب المَال أجر مثله
1717 - إِذا قَالَ للْمُضَارب ضم إِلَيْهَا ألفا من عنْدك واعمل بهَا
مُضَارَبَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بِهِ فَإِن شَرط فضل الرِّبْح للْمُضَارب
لِأَنَّهُ عَامل
(4/46)
وَقَالَ مَالك لَا يجوز ذَلِك فِي رِوَايَة
ابْن الْقَاسِم وَأَجَازَهُ فِي رِوَايَة أَشهب
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يصلح هَذَا
1718 - فِي الْمضَارب يودع
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يودع
وَقَالَ مَالك لَا يودع إِلَّا عِنْد الْخَوْف على منزله
1719 - فِي شَرط ضَمَان المَال على الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا الْمُضَاربَة جَائِزَة وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ مَالك الْمُضَاربَة فَاسِدَة وَله أجر مثله
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن يفْسد لِأَنَّهُ قَالَ إِذا شَرط البضاعة
مَعَ الْمضَارب فَسدتْ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُضَاربَة لَا تصح إِلَّا بِالْقَبْضِ فَهُوَ
كالعمرى لَا يُبْطِلهَا الشَّرْط وَلَيْسَ كَالْبيع لِأَنَّهُ يَصح
بالْقَوْل
(4/47)
1720 - فِي الْمضَارب ينْفق على مَال
الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَحَمله
بِمِائَة من عِنْده أَو قصره بِمِائَة من عِنْده فَهُوَ مُتَطَوّع وَلَا
شَيْء لَهُ وَإِن صبغ الثِّيَاب حَمْرَاء فَهُوَ شريط فِيهِ بِزِيَادَة
الصَّبْغ وَلَا يضمن
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا حمله من عِنْده فَذَلِك دين لَهُ فِي
المَال فَإِن استغرق المَال وَزَاد لم يكن لَهُ على رب المَال شَيْء
1721 - فِي المضاربين يفضل أَحدهمَا فِي الرِّبْح
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يشْتَرط لأحد المضاربين النّصْف وَللْآخر أقل
أَو أَكثر
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يفضل أَحدهمَا لِأَنَّهُمَا متساويان فِي
الْعَمَل لَا يجوز فِيهَا التَّفَاضُل عِنْده وَكَذَلِكَ قِيَاس قَول
الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو رَضِي أَحدهمَا بِأَن يعْمل بِغَيْر شَيْء جَازَ
فَكَذَلِك إِذا رَضِي بِنُقْصَان الرِّبْح
(4/48)
1722 - فِي الْمضَارب يدْفع المَال
مُضَارَبَة إِلَى غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك على أَن مَا
رزقك الله فبيننا نِصْفَانِ فَدفعهُ إِلَى آخر مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ
وبالثلثين وَمَا حصل من الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ
وَلَو قَالَ على أَن مَا كَانَ من فضل فبيننا نِصْفَانِ كَانَ الثُّلُثَانِ
للْآخر وَالثلث للْأولِ وَضمن الأول لرب المَال تَمام نصف الرِّبْح وَهُوَ
السُّدس
وَقَالَ زفر إِذا قَالَ على أَن مَا رزقك الله من شَيْء فَهُوَ بَيْننَا
نِصْفَانِ وعَلى أَن يعْمل فِيهِ بِرَأْيهِ فَدَفعهَا الْمضَارب إِلَى آخر
مُضَارَبَة أَنه جَائِز فَإِن شَرط للْآخر الثُّلثَيْنِ فَهُوَ مُخَالف
ضَامِن لرأس المَال
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير مِمَّا رَوَاهُ أَسد بن
الْفُرَات عَنهُ إِذا دفع إِلَيْهِ أَرضًا وبذرا على أَن يزرعه فَمَا أطْعم
الله من شَيْء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَأمره أَن يعْمل فِيهِ بِرَأْيهِ
فَدفع الْعَامِل الْبذر وَالْأَرْض إِلَى رجل مُزَارعَة على أَن الثُّلُث
للدافع وللمدفوع إِلَيْهِ الثُّلُثَانِ أَنه مُخَالف ضَامِن الْبذر
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان لَا فرق بَين الْمُزَارعَة وَالْمُضَاربَة فِي
الْقيَاس
قَالَ ابْن أبي عمرَان وَسمعت عليا الرَّازِيّ يَقُول كتبه الْأَخِيرَة
الَّتِي تفرد بِنِصْفِهَا كالمزارعة وَالْمُضَاربَة وَنَحْوهَا فِيهَا
أَشْيَاء لَو نظر عَلَيْهَا لرجع عَنْهَا لِأَنَّهَا مُخَالفَة لأصوله
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا دفع الْمضَارب المَال إِلَى غَيره وَخرج
مِنْهُ إِلَيْهِ فقد ضمن وَإِن دفع بَعْضًا واتجر فِي بعض على غير وَجه
الْخُرُوج إِلَيْهِ فَمَا دفع إِلَيْهِ فَلَيْسَ بضامن وَإِنَّمَا هُوَ
استعانة بِغَيْرِهِ
(4/49)
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا يجوز
لِلْعَامِلِ أَن يفاوض غَيره إِلَّا بِأَمْر رب المَال فَإِن دَفعه إِلَى
غَيره على أَن لَهُ ثُلثي الرِّبْح فَهُوَ ضَامِن وَنصف الرِّبْح لرب
المَال وَنصفه للثَّانِي وَللثَّانِي على الأول سدس الرِّبْح
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلهُ أَن
يَدْفَعهُ مُضَارَبَة إِلَى غَيره وَأحب إِلَيّ أَن يُفَسر فَيَقُول ادفعها
إِلَى غَيْرِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا دَفعه مُضَارَبَة إِلَى آخر بِغَيْر أَمر رب
المَال فلرب المَال نصف المَال وَالْأول ضَامِن وللعامل نصف مَا يبْقى ثمَّ
رَجَعَ وَقَالَ هُوَ ضَامِن وَالرِّبْح كُله للْأولِ وَعَلِيهِ أجر الْمثل
للثَّانِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لَهُ أَن يسْتَأْجر من يعْمل لَهُ فِي
الْمُضَاربَة أذن لَهُ أَو سكت كَذَلِك فِي الْقيَاس يَدْفَعهُ مُضَارَبَة
إِلَى غَيره وَإِن لم يقل اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك
1723 - فِي شِرَاء الْمضَارب من رب المَال وَشِرَاء رب المَال مِنْهُ
قَالَ أَصْحَابنَا لرب المَال أَن يَشْتَرِي من الْمضَارب وَالْمُضَارب
يَشْتَرِي مِنْهُ
وَقَالَ زفر لَا يجوز الشِّرَاء بَينهمَا فِي مَال الْمُضَاربَة
وَقِيَاس قَول مَالك أَنه يجوز إِذا كَانَت حَقِيقَته كظاهره وَهُوَ قَول
اللَّيْث وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَيْضا أَن يجوز
(4/50)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ الْمضَارب
كَالْوَكِيلِ لِأَن الثّمن الَّذِي يلْزم الْمضَارب وَالثمن الَّذِي يلْزم
الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ يلْزم الْمُوكل مثله للْوَكِيل فالمضارب
كَالْأَجْنَبِيِّ
1724 - فِي بيع رب المَال شَيْئا من الْمُضَاربَة بِغَيْر أمره
قَالَ فِي الْمُضَاربَة الصَّغِير عَن أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ رب المَال
جَارِيَة من الْمُضَاربَة بِقِيمَتِهَا أَو أَكثر جَازَ البيع وَلَو بَاعَ
بِأَقَلّ من ذَلِك كَانَ للْمُضَارب أَن يرد البيع
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بَيْعه إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْعَامِل فَإِن أجَازه
جَازَ فِي نصيب رب المَال وَلم يجز فِي نصيب الْمُقَارض
1725 - فِي عبد الْمُضَاربَة يقتل
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمُضَاربَة لَا قصاص على قَاتله إِلَّا أَن يجمعا
على قَتله فَيقْتل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِذا لم يكن فِيهِ فضل فلرب المَال أَن يقْتَصّ إِذا فسخت
الْمُضَاربَة وَقد بَقِي فِي يَده شَيْء يسير
(4/51)
1726 - رد الْمضَارب من لَهُ السّفر مَا
كَانَ تافها كخلق قربَة
قَالَ مَالك وَإِذا بَقِي فِي يَدي الْمضَارب خلق قربَة أَو ثوب أَو شَيْء
تافه فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَإِنَّمَا يرد الشَّيْء الَّذِي لَهُ ثمن
وَقَالَ اللَّيْث مَا ألبس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ لِلْعَامِلِ
وَإِنَّمَا يرد الشَّيْء الَّذِي لَهُ ثمن وَأما الزَّكَاة وَخلق الْقرْبَة
وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ لَا يحل لَهُ حَتَّى يَسْتَأْذِنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا لم يقلهُ غير مَالك وَاللَّيْث وَالْفُقَهَاء
كلهم على خِلَافه وَلَا فرق بَين التافه وَغَيره
وَقد روى عبد الرَّحْمَن بن مهْدي والقعنبي عَن سعيد بن مُسلم عَن عَامر بن
عبد الله بن الزبير عَن عَوْف بن الْحَارِث بن الطُّفَيْل عَن عَائِشَة
قَالَت قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إياك ومحقرات
الذُّنُوب فَإِن لَهَا من الله طَالبا وَإِذا كَانَ محقرات الذُّنُوب
مَطْلُوبَة ككبيرها كَانَ كَذَلِك قَلِيل التَّبعَات ككبيرها
(4/52)
1727 - فِي الْمضَارب يتَعَدَّى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يقل اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدفعهُ إِلَى
غَيره ضمنه وَالرِّبْح بَين الأول وَالثَّانِي على مَا شَرط ولرب المَال
أَن يضمن أَيهمَا شَاءَ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا شَرط عَلَيْهِ أَن لَا يُجَاوز مَكَانا فجاوزه
فَاشْترى فَهُوَ ضَامِن وَإِذا اشْترى على الشَّرْط الَّذِي كَانَ بَينهمَا
فَصَاحب المَال بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ رَأس مَاله وَإِن شَاءَ أجَاز
لَهُ مَا منع وَكَانَ على شَرطه
وَإِن قَالَ اشْتَرَيْته لنَفْسي وضمنت المَال فَهُوَ مَا قَالَ
وَإِن اشْتَرَاهُ على الشَّرْط الَّذِي بَينهمَا وَقَالَ لم أعلم أَنِّي
أضمن فَأَما إِذا علمت أَنِّي أضمن فَلَا أجعَل لَهُ شَيْئا فلس لَهُ ذَلِك
وَهُوَ بَينهمَا وَإِن أحب ذَلِك صَاحب المَال فَإِن شَاءَ أَن يضمنهُ ضمنه
وخلاه وَالرِّبْح
وَقَالَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة هُوَ ضَامِن وَالرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ سوار هُوَ ضَامِن وَالرِّبْح على مَا اشْترطَا
وَقَالَ مَالك إِذا دفع إِلَى آخر بِغَيْر أَمر صَاحبه فَهُوَ ضَامِن وَإِن
نقص فَعَلَيهِ النُّقْصَان وَإِن ربح فَلصَاحِب المَال نصف الرِّبْح
وللعامل نصف مَا بَقِي
وَقَالَ اللَّيْث إِذا دفع إِلَيْهِ مائَة دِينَار قراضا فسلف مِنْهَا
عشْرين دِينَارا وَعمل بِثَمَانِينَ فَصَارَت مائَة فَلصَاحِب المَال ربح
خمسين وللعامل ربح ثَلَاثِينَ لِأَنَّهُ تعدى وَلَو سلف خمسين وَعمل
بالخمسين الْأُخْرَى حَتَّى صَارَت مائَة فَلَيْسَ لِلْعَامِلِ من الرِّبْح
شَيْء وَالرِّبْح كُله لرب المَال وَلَو نقص من الْخمسين الَّتِي عمل بهَا
لم يكن عَلَيْهِ ضَمَان وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَان الْخمسين الَّتِي سلف
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تعدى فَإِن اشْترى بِالْمَالِ بِعَيْنِه فالشراء
بَاطِل وَلَا ربح لوَاحِد مِنْهُمَا وَإِن اشْترى بِعَيْنِه فَذَلِك
للمقارض لتعديه وَالْمَال فِي ذمَّته
(4/53)
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا ضمن الطَّالِب
بطلت الْمُضَاربَة لِأَن الْمُضَاربَة لَا تصح بِمَال فِي الذِّمَّة
1728 - إِذا نَهَاهُ رب المَال عَن الْعَمَل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا نَهَاهُ عَن الْعَمَل وَفِي يَده رداهم أَو
دَنَانِير فنهيه صَحِيح فَإِن اشْترى بعد ذَلِك مَتَاعا ضمن فَإِن كَانَ
فِي يَده عرُوض فَنَهَاهُ كَانَ للْمُضَارب أَن يَبِيعهُ وَكَذَلِكَ لَو
مَاتَ رب المَال
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ المَال على حَاله أَخذه مِنْهُ فَإِن كَانَ قد
اشْترى بِالْمَالِ وتجهز ليخرج بِهِ إِلَى سفر فَلَيْسَ لرب المَال أَن
يردهُ وَإِن نَهَاهُ عَن الْعَمَل وَفِي يَده سلْعَة فَإِنَّهُ ينظر
السُّلْطَان فَإِن رأى وَجه بَيْعه بَاعه وَهُوَ أَن يكون وَقت نفاق تِلْكَ
السّلْعَة وَإِن لم ير وَجها أخر السّلْعَة حَتَّى يرى وَجه بيع
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ رب المَال أَنا آخذها بِمَا تَسَاوِي فَإِنَّهُ
وأجنبي سَوَاء فِي ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اخْتلف الْمُقَارض وَرب المَال فِي بيع السّلْعَة
فَالْقَوْل قَول من دَعَا إِلَى البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ للْمُضَارب بيع مَا فِي يَده من الْمَتَاع
بعد موت رب المَال لم يعْمل بهبته فِي حَيَاته وَلم يكن كَالْوَكِيلِ
إِلَّا أَن لَهُ مُطَالبَته برد رَأس مَاله فَلَا بُد من البيع
(4/54)
1729 - فِي تقاضي مَال الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أدانه الْمضَارب فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ فضل أجبر
الْمضَارب على التقاضي وَإِن لم يكن فِيهِ فضل لم يجْبر على تقاضيه وأحال
الَّذِي لَهُ المَال حَتَّى يتقاضاه
وَقَالَ مَالك يجْبر على التقاضي فَإِن كَانَ فِيهِ وضيعة فلرب المَال أَن
لَا يرضى بالحوالة
قَالَ أَبُو جَعْفَر للْمُضَارب إِخْرَاج نَفسه من الْمُضَاربَة مَتى شَاءَ
وَله أَن يفعل ذَلِك إِذا كَانَ المَال دينا وَإِن لم يكن فِيهِ فضل
فَعَلَيهِ أَن يحِيل وَإِن كَانَ فِيهِ فضل فَهُوَ قد أَخذ الْبَدَل عَن
الْعَمَل فَيجْبر على التقاضي
1730 - فِي موت الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا مَاتَ الْمضَارب وَالْمُضَاربَة عرُوض فَلَيْسَ لرب
المَال بَيْعه وَإِنَّمَا يَبِيعهُ وَصِيّ الْمضَارب فَإِن لم يكن لَهُ
وَصِيّ بَاعه أَمِين القَاضِي
وَقَالَ مَالك إِذا مَاتَ الْمضَارب وَالْمَال دين وَفِيه ربح فَإِن كَانَ
ورثته أُمَنَاء اقتضوه وَلَهُم حِصَّة الْمَيِّت من الرِّبْح وَإِن لم
يَكُونُوا أُمَنَاء خلوا بَين رب المَال وَبَينه وَلَا شَيْء لَهُم من
الرِّبْح فَإِن لم يَفْعَلُوا وكلوا أَمينا يَقْتَضِيهِ فَإِن لم
يَفْعَلُوا أسلم المَال الدّين وَالْعرُوض إِلَى رب المَال فاقتضاه وَلَا
شَيْء لَهُم من الرِّبْح
(4/55)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا مَاتَ رب المَال
وَالْمَال مَتَاع لم يحركه حَتَّى يَأْتِي القَاضِي فيأمره بِبيعِهِ فَإِن
حركه كَانَ ضَامِنا لَهُ فَإِذا كَانَ موت رب المَال يخرج الْمضَارب من
ولَايَته ويبيعه القَاضِي كَذَلِك الْمضَارب
وَقَالَ اللَّيْث إِذا مَاتَ الْمضَارب تَقْتَضِيه الْوَرَثَة وَلَهُم ربح
الْمَيِّت وَإِن كَرهُوا ذَلِك استأجروا من المَال من يتقاضاه ويقسمون مَا
بَقِي بعد الْإِجَارَة من الرِّبْح بعد رَأس المَال وَإِن قَالَ رب المَال
أَنا أَتَقَاضَاهُ وَلَا أُعْطِيكُم ربحا لم يكن لَهُ ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون لوَارِثه أَن يعْمل وَيبِيع مَا كَانَ فِي
يَده فَإِن كَانَ فِيهِ فضل كَانَ لوَارِثه وَإِن كَانَ خسرانا كَانَ فِي
المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن لَهُ نَهْيه عَن البيع فِي حَيَاته وَكَانَ
لَهُ البيع بعد النَّهْي كَذَلِك وَصِيّه بعد مَوته وَلَا معنى لبيع
الْوَرَثَة لأَنهم إِنَّمَا يخلفون الْمَيِّت فِيمَا ورثوا عَنهُ وهم لَا
يَرِثُونَ التَّصَرُّف فِي الْمُضَاربَة أَلا ترى أَن وَصِيّا لرجل لَو
مَاتَ لم يخلفه الْوَرَثَة فِي الْوَصِيَّة وَقَامَ وَصِيّه فِيهِ مقَامه
وَقَول مَالك وَاللَّيْث إِن الْوَرَثَة إِذا اقتضوا المَال استحقوا
الرِّبْح وَإِن لم يقتضوا لم يستحقوا فَلَا معنى لَهُ لِأَن الرِّبْح موروث
عَن الْمَيِّت عملت الْوَرَثَة بعد ذَلِك فِيهِ أَو لم تعْمل وَلَا يَزُول
ملكهم بتركهم التقاضي
(4/56)
1731 - إِذا مَاتَ الْمضَارب وَلم تعرف
الْمُضَاربَة بِعَينهَا
قَالَ أَصْحَابنَا تصير دينا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ والبتي
وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا شَيْء للْمُودع وَلَا لرب المَال
فِي الْمُضَاربَة
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا كَانَت عِنْده ودائع
وقراض وَلم تُوجد بِعَينهَا وَعَلِيهِ دين وَلم يوص بِشَيْء يحاص أهل
الودائع وَأهل الْقَرَاض فِيمَا ترك
وَقَالَ مَالك فِي رجل بعث رجلا بِمَال إِلَى بلد فَقدم الْبَلَد فَهَلَك
الرَّسُول وَقَالَ الْمُرْسل إِلَيْهِ لم يدْفع إِلَيّ شَيْئا فَلَا شَيْء
لرب المَال فِي مَال الرَّسُول فَإِن هلك الرَّسُول بالطاعون وَلم يُوجد
لَهَا أثر قَالَ مَا أحراه أَن يكون فِي مَاله وَإِن مَاتَ الرَّسُول فِي
الطَّرِيق فَهُوَ ضامنه فِي مَاله وَإِن مَاتَ أحد الشَّرِيكَيْنِ
فَأَقَامَ الآخر الْبَيِّنَة أَن الْمَيِّت كَانَ قبض من مَالهمَا مائَة
دِينَار وَلم يُوجد قَالَ إِن كَانَ مَوته قَرِيبا من قَبضه حَتَّى نظر أَن
مثلهَا لم يشغلها فِي تِجَارَته فَهُوَ فِي حِصَّته وَإِن تطاول فَلَا
شَيْء فِي مَاله
1732 - فِي الْمضَارب يَدعِي أَنه قد رد المَال
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمضَارب وَالْمُودع إِذا قَالَا قد رددنا المَال
فَالْقَوْل قَوْلهمَا مَعَ أيمانهما وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي فيهمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه قد رده
وَكَذَلِكَ كل أَمِين يَدعِي الدّفع
(4/57)
وَقَالَ مَالك فِي الْقَرَاض وَإِن كَانَ
دَفعه إِلَيْهِ بِغَيْر بَيِّنَة فَهُوَ مُصدق وَإِن كَانَ دَفعه إِلَيْهِ
بِبَيِّنَة فَإِنَّهُ يلْزم حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة بِدَفْعِهِ وَإِلَّا
غرم المَال وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ قد هلك فَهُوَ أَمِين لَا شَيْء
عَلَيْهِ وَإِن قَالَ دفعتها إِلَيْك فَإِن جَاءَ بِبَيِّنَة أَنه قد
دَفعهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن
وَقَالَ اللَّيْث إِذا دَفعه إِلَيْهِ بِبَيِّنَة لم يصدق على الرَّد
إِلَّا بِبَيِّنَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الْإِشْهَاد من أَن يُخرجهُ من حكم
الْمُضَاربَة أَو لَا يُخرجهُ فَإِن كَانَ بَاقِيا مَعَ الْإِشْهَاد على
الْمُضَاربَة فَالْقَوْل قَوْله كَمَا لَو لم يشْهد وَلما كَانَ
الْإِشْهَاد لَا يُخرجهُ من جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ وَاسْتِحْقَاق
الرِّبْح دلّ أَنه بَاقٍ على الضاربة لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ ضَامِنا
لِلْمَالِ لَهُ ربحه لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخراج
بِالضَّمَانِ
وَلما لم يخْتَلف حكم الغصوب بِالْإِشْهَادِ أَو تَركه كَذَلِك
الْمُضَاربَة والوديعة وَسَائِر الْأَمَانَات
1733 - فِي عتق الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا كَانَ رَأس المَال ألفا وَقِيمَة
العَبْد أَلفَيْنِ فَأعْتقهُ الْمضَارب جَازَ عتقه وَكَانَ كعبدين
شَرِيكَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا وَإِن كَانَت قيمَة الْجَارِيَة مثل رَأس
المَال فَادّعى الْمضَارب وَلَدهَا لم يصدق فَإِن زَادَت حَتَّى
(4/58)
صَارَت أَلفَيْنِ ثَبت النّسَب واستسعى
الْوَلَد فِي حِصَّة رب المَال ألف وَخَمْسمِائة وَضمن الْمضَارب نصف قيمَة
الْأُم
وَقد ذكر مُحَمَّد فِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة أَنه إِذا وَطئهَا
الْمضَارب وَلَا فضل فِيهَا فَجَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ لشُبْهَة بتزويج
فَلَزِمَهُ الْوَلَد وكل وَاحِد مِنْهُمَا قِيمَته ألف لم يعْتق وَاحِد
مِنْهُمَا فَإِن زَادَت قيمَة أَحدهمَا جرى فِيهِ الْعتْق
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَن النّسَب إِنَّمَا ثَبت بِمَا
ادَّعَاهُ من التَّزْوِيج والشبهة
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا ربح مرّة وَوضع أُخْرَى فَلَا ربح لَهُ إِلَّا
بعد حِسَاب جَامع وإتمام لرأس المَال إِلَّا أَن يكون شَرط لرَبه ربح كل
مَا يبين فَهُوَ بِمَنْزِلَة محاسبته
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على أَنه لَا يملك مِنْهُ شَيْء إِلَّا
بعد محاسبته فَقِيَاس قَوْله أَن لَا يعْتق وَإِن كَانَ فِيهِ فضل
وَقَالَ مَالك إِذا ربح ثمَّ اشْترى من ربح المَال جَارِيَة فَوَطِئَهَا
فَحملت مِنْهُ ثمَّ نقص المَال فَإِنَّهُ إِن كَانَ لَهُ مَال أخذت قيمَة
الْجَارِيَة من مَاله فأوفى المَال فَمَا كَانَ بعد وَفَاء المَال فَهُوَ
بَينهمَا على شَرطهمَا وَإِن لم يكن لَهُ مَال بِيعَتْ الْجَارِيَة حَتَّى
يُوفي رَأس المَال من ثمنهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَلَا يُرَاعِي فضل قيمَة الْجَارِيَة يَوْم وَطئهَا
وَإِنَّمَا تعْتَبر قيمتهَا فِي الْوَقْت الَّذِي يُوفي رب المَال رَأس
مَاله وروى ذَلِك عَنهُ ابْن وهب وَقَالَ ابْن وهب ثمَّ رَجَعَ عَنهُ
وَقَالَ أَقف فِيهِ
(4/59)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا اشْترى
الْمضَارب وَلَده وَهُوَ يعلم فَإِنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ وَيدْفَع إِلَى رب
المَال رَأس مَاله وَربحه إِن كَانَ فِيهِ ربح وَإِن لم يكن فيهمَا ربح
فَأسلم إِلَى رب المَال رَأس مَاله وَلم يعْتق وَإِن كَانَ لَا مَال
لِلْعَامِلِ وَكَانَ فِيهِ فضل بيع مِنْهُ بِقدر رَأس المَال وَربح المَال
فَدفع إِلَى رب المَال وَعتق مِنْهُ مَا بَقِي
فَجعل فِي هَذِه الرِّوَايَة أَنه إِذا كَانَ فِيهِ فضل فَهُوَ بِمَنْزِلَة
عبد بَين رجلَيْنِ وَإِذا لم يكن فِيهِ فضل لم يعْتق
وروى أَشهب عَن مَالك فِي الزَّكَاة أَنه يعْتد بِالرِّبْحِ ملكا من يَوْم
نَص فِي يَد الْمضَارب
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا وَطئهَا قبل أَن يَقع لَهُ ربح فِي المَال
فَعَلَيهِ حد الزَّانِي وَإِذا كَانَ لَهُ فِيهَا ربح جلد مائَة جلدَة
فَإِن حملت قومت وَدفعت إِلَيْهِ ورد على صَاحب المَال مَا صَار بِهِ
فِيهَا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ابْتَاعَ جاريتين فَأعتق إِحْدَاهمَا وأحبل
الْأُخْرَى فَإِنَّهُمَا يباعان جَمِيعًا وَيكون الْوَلَد لِأَبِيهِ
بِقِيمَتِه فَمَا نقص من الْقَرَاض فَعَلَيهِ ضَمَانه وَمَا زَاد فَهُوَ
بَينهمَا وَلم يذكر فرقا بَين أَن يكون كل وَاحِدَة أَكثر من رَأس المَال
أَو مثله
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترى سلْعَة تَسَاوِي أَلفَيْنِ وَحَال الْحول
فَفِيهِ
(4/60)
قَولَانِ أَحدهمَا تزكّى السّلْعَة كلهَا
لِأَنَّهَا من مَال مَالِكهَا لَا شَيْء للْمُضَارب فِيهَا حَتَّى
يَسْتَوْفِي رب المَال رَأس المَال
وَالْقَوْل الآخر إِن على رب المَال زَكَاة ألف وَخَمْسمِائة ووقفت
الزَّكَاة فِي خَمْسمِائَة فَإِن حَال عَلَيْهَا حول ثَان وَبَلغت
أَلفَيْنِ زكيت الْأَلفَيْنِ لِأَنَّهُ قد حَال على الْخَمْسمِائَةِ الْحول
من يَوْم صَارَت للمقارض وَإِن نفقت السّلْعَة فَلَا شَيْء على رب المَال
وَلَا على الْمُقَارض
وَحكى الْمُزنِيّ عَنهُ أَنه إِذا اشْترى ابْن نَفسه لم يعْتق عَلَيْهِ
سَوَاء كَانَ فِيهِ فضل أَو لم يكن فِيهِ لِأَنَّهُ لَا ربح لَهُ إِلَّا
بعد قبض رَأس المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن رب المَال لَو أعْتقهُ
وَقِيمَته أَلفَانِ أَنه يضمن حِصَّة الْمضَارب مِنْهُ فَدلَّ على أَن
الْمضَارب مَالك لَهُ فَإِن قيل فَكيف أجزت للْمُضَارب أَن يَأْخُذ
الرِّبْح بِالْعِتْقِ قبل أَن يَسْتَوْفِي رب المَال رَأس مَاله
قيل لَهُ لم نبح لَهُ ذَلِك وَلَكِن الْعتْق قد نفذ وَحصل الِاسْتِهْلَاك
كَمَا لَو أعتق رب المَال عتق رَأس مَاله وحصته من الرِّبْح وَقد استوفى
ربحه قبل الْمضَارب
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو كَانَت قيمَة كل وَاحِد من
الْعَبْدَيْنِ ألف دِرْهَم لم ينفذ عتق الْمضَارب فِيمَا وَلَا فِي
أَحدهمَا
وَقَالَ زفر يجوز عتقه فِي نصِيبه أعتقهما أَو أعتق أَحدهمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو أعتق رب المَال أَحدهمَا عتق جَمِيعه وَكَانَ
مُسْتَوْفيا لرأس مَاله فَدلَّ على أَن رَأس مَاله فِي كل وَاحِد على حياله
فَلَا ربح إِذا للْمُضَارب فِيهِ
(4/61)
1734 - فِي أَخذ الرِّبْح قبل الْقِسْمَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اقْتَسمَا الرِّبْح وَمَال الْمُضَاربَة على حَاله
فَضَاعَ بعد ذَلِك فَإِن قسمتهَا بَاطِلَة وَمَا أَخذه رب المَال مَحْسُوب
من رَأس مَاله وَمَا أَخذه الْمضَارب يردهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِذا أذن لرب المَال فِي أَخذ الرِّبْح وَقَالَ رَجَوْت
السَّلامَة وَحلف رد الْمضَارب مَا أَخذه
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أذن لَهُ رب المَال فِي أَخذ الرِّبْح فَأَخذه ثمَّ
هلك رَأس المَال لم يرد الْمضَارب شَيْئا وَإِن أَخذه بِغَيْر إِذْنه كَانَ
عَلَيْهِ أَن يجْبر المَال بِالرِّبْحِ الَّذِي قَبضه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يحصل ربح إِلَّا بعد حُصُول رَأس المَال وَلَا
يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو ضَاعَ شَيْء من المَال قبل أَن يقبضهُ أَنه يهْلك
من الرِّبْح دون رَأس المَال فَلَا فرق بَين أَن يقبض الْمضَارب ربحه أَو
لَا يقبضهُ
1735 - فِي جِنَايَة رب المَال على الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا مَا اسْتَهْلكهُ رب المَال من الْمُضَاربَة صَار بِهِ
مُسْتَوْفيا لرأس مَاله وَمَا اسْتَهْلكهُ الْمضَارب يضمنهُ
وَقَالَ مَالك لَا يكون مُسْتَوْفيا لرأس مَاله وَلكنه يكون بِهِ دينا
عَلَيْهِ إِلَّا أَن يحاسبه فَيجْعَل من رَأس المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ الَّذِي لزم رب المَال من جنس المَال فَلَا
سَبِيل للْمُضَارب عَلَيْهِ لِأَن لرب المَال استرجاعه مِنْهُ إِذا صَار
فِي يَده
(4/62)
1736 - إِذا اشْترى الْمضَارب فَهَلَك فِي
يَده الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى الْمضَارب بِأَلف من الْمُضَاربَة عبدا
يُسَاوِي ألفا فَهَلَك المَال فِي يَده قبل أَن ينقده فَإِنَّهُ يرجع على
رب المَال بِهِ وَيكون رَأس مَاله أَلفَيْنِ فِي الْمُضَاربَة
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يُقَال لرب المَال إِن شِئْت فادفع الثّمن
وَتَكون السّلْعَة قراضا على حَالهَا وَإِن أبي لزم الْمُقَارض ثمنهَا
وَكَانَت لَهُ فَإِن لم يكن لَهُ مَال بِيعَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ
الرِّبْح وَعَلِيهِ النُّقْصَان وَقَالَ مَالك فَإِن أدّى رب المَال فرأس
المَال ألف
وَقَالَ الثَّوْريّ يرجع على رب المَال
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترى وَجَاء ليدفع المَال فَوَجَدَهُ قد ضَاعَ
فَلَيْسَ على صَاحب المَال شَيْء والسلعة للمقارض
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمضَارب أجِير بِجُزْء من الرِّبْح فَيرجع كَمَا
يرجع الْأَجِير
1737 - فِي لمضارب يَدعِي أَنه أنْفق فِي سَفَره من مَاله وَيُرِيد
الرُّجُوع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يصدق على الرُّجُوع عَلَيْهِ وَإِن كَانَ أَمينا
فِيمَا يصرف فِيهِ
(4/63)
وَقَالَ مَالك هُوَ مُصدق يرجع بِمَا
أنفقهُ من مَال إِذا كَانَت نَفَقَة مثله وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي
فِي مَسْأَلَة ذكرهَا فِي الْإِجَارَة إِذا أذن لَهُ فِي النَّفَقَة على
الْإِبِل وَقِيَاس قَول الثَّوْريّ مثل قَول أَصْحَابنَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا يكون أَمينا فِي رفع الضَّمَان عَن نَفسه لَا
فِي إِيجَابه على غَيره
1738 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي الرِّبْح
إِذا ربح فَقَالَ رب المَال شرطت لَك النّصْف وَقَالَ الْمضَارب
الثُّلثَيْنِ فَالْقَوْل قَول رب المَال
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الْمضَارب فِي عمل مثله فِي تعامل النَّاس
وَإِن جَاءَ بِشَيْء مستنكر لم يصدق ورد إِلَى عمل مثله وَهُوَ قَول
اللَّيْث
وَقَول الثَّوْريّ كَقَوْل أَصْحَابنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان وللمضارب أجر مثله على رب
المَال
ط إِذا كَانَ رب المَال لَو قَالَ دَفعته بضَاعَة صدق كَذَلِك إِن أقرّ
بِرِبْح مَا
1739 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي رَأس المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء أَنه إِذا جَاءَ
بِأَلفَيْنِ فَقَالَ رب
(4/64)
المَال رَأس المَال أَلفَانِ وَقَالَ
الْمضَارب ألف فَالْقَوْل قَول رب المَال فِي قَول أبي حنيفَة الأول ثمَّ
رَجَعَ فَقَالَ القَوْل قَول الضَّارِب وَالْفُقَهَاء كلهم على القَوْل
الثَّانِي من قَوْله
1740 - فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا دفع المَال مُضَارَبَة وَلم يسم ربحا فَهَذِهِ
مُضَارَبَة فَاسِدَة وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَله أجر مثله وَالرِّبْح
لرب المَال كُله والوضيعة عَلَيْهِ وَفِي قَوْلهمَا يضمن لِأَنَّهُ أجِير
مُشْتَرك
وَقَالَ مَالك إِذا لم يسم ربحا رد إِلَى قِرَاض مثله وَإِن دفع إِلَيْهِ
مَالا قراضا على أَن يسلفه رب المَال سلفا فللعامل أجر مثله وَجَمِيع
الرِّبْح لرب المَال وَكَذَلِكَ إِن قَالَ على أَن لرب المَال درهما من
الرِّبْح زِيَادَة
وَقَالَ مَالك إِذا شَرط عَلَيْهِ ضَمَان المَال فَلهُ قِرَاض مثله وَلَا
ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِن شَرط مُضَارَبَة إِلَى سنة رد إِلَى قِرَاض
مثله
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة لَهُ أجر مثله
وَالرِّبْح وَالْمَال لرَبه
آخر كتاب الْمُضَاربَة
(4/65)
= كتاب الْوكَالَة =
1741 - فِي وكَالَة الْحَاضِر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر لَا يجوز تَوْكِيل الْحَاضِر بِالْخُصُومَةِ
إِلَّا برضاء خَصمه أَو عذر من مرض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ يقبل من كل
أحد بِغَيْر رضَا الْخصم
وَقَالَ ملك لَيْسَ لَهُ أَن يُوكل فِي ابْتِدَاء الْخُصُومَة إِلَّا من
عِلّة فَإِذا أدليا بحجتهما وَحلف أَحدهمَا أَن لَا يُخَاصم الآخر وَعرف
مِنْهُ أَذَى وَشتم وَكَانَت غيبته لذَلِك فَلهُ أَن يُوكل وَأما
الْمَرْأَة وَمن لَا يرضى أَن يخْتَلف إِلَى القَاضِي وَمن يضعف عَن حجَّته
فليوكل من افتدى الْخُصُومَة فَلهُ أَن يُوكل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا
الدَّار وَلَا ضَرَر
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا يقبل من الرجل الجريء إِلَّا من عذر
وَيقبل من الْمَرْأَة إِذا كَانَت غير خراجة أَو كَانَت حَائِضًا لَا يصلح
لَهَا دُخُول الْمَسْجِد وَأما إِذا كَانَت تخرج لم تقبل مِنْهَا الجراية
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد
الرَّحْمَن بن سهل الْأنْصَارِيّ لما خَاصم
(4/67)
إِلَيْهِ فِي دم أَخِيه عبد الله بن سهل
الَّذِي وجد قَتِيلا بِخَيْبَر بِمحضر من عميه حويصة ومحيصة ابْني مَسْعُود
كبر كبر يُرِيد ولي الْكَلَام فِي ذَلِك الْكَبِير مِنْهُمَا فَتكلم حويصة
ثمَّ محيصة وَكَانَ الْوَارِث عبد الله بن سهل دونهمَا فَكَانَا وكيلين
وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يُوكل عقيلا ثمَّ لما أسن عقيل قَالَ عبد
الله بن جَعْفَر وَكيلِي فَمَا قضى لَهُ فلي وَمَا قضى عَلَيْهِ فعلي فخاصم
عبد الله بن جَعْفَر طَلْحَة فِي ضفير أحدثه عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي
أرضه إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَقيل الْخُصُومَة فَهَذَا اتِّفَاق
مِنْهُم على جَوَاز تَوْكِيل الْحَاضِر
1741 - ب فِيمَن أَرَادَ تثبيت وكَالَة من غَائِب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل بَينته إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ خصم حَاضر
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالشَّافِعِيّ تقبل وَإِن لم يحضر خصم
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَنه لَا تسمع الْبَيِّنَة على حَاضر
إِلَّا بعد سُؤَاله عَمَّا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ وسماعه مِنْهُ كَذَلِك
الْغَائِب
(4/68)
1742 - فِي إِقْرَار الْوَكِيل
بِالْخُصُومَةِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يجوز إِقْرَاره على الْمُوكل عِنْد غير
القَاضِي وَيجوز عِنْد القَاضِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز عِنْد قَاض وَغير قَاض
وَقَالَ زفر لَا يجوز عِنْد غير قَاض وَلَا عِنْد قَاض وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو قَالَ من غير تَوْكِيل مَا
أقرّ بِهِ فلَان عَليّ فَهُوَ لَازم لي أَنه لَا يلْزمه إِقْرَاره
وَكَذَلِكَ الْوَكِيل
1743 - فِي الْوَكِيل يُوكل
قَالَ أَصْحَابنَا لَيْسَ لَهُ أَن يُوكل إِلَّا بِإِذن الْمُوكل لَهُ
وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَهُ أَن يُوكل بذلك إِذا أَرَادَ أَن يغيب أَو مرض
قَالَ أَبُو جَعْفَر هُوَ لم يُوكله فِي التَّوْكِيل وَالْوكَالَة لَا
تسْتَحقّ بعمومها التَّصَرُّف وَلَيْسَ كَذَلِك الْوِصَايَة أَلا ترى أَنه
لَو قَالَ قد وَكلتك لم يسْتَحق بِهِ التَّصَرُّف
وَلَو قَالَ قد أوصيت إِلَيْك اسْتحق بِهِ التَّصَرُّف على الْعُمُوم
فَوَجَبَ أَن
(4/69)
يسْتَحق بِهِ عُمُوم التَّصَرُّف على
الْمَيِّت وَإِن لم يكن ذُكُورا كَمَا اسْتحق سَائِر وُجُوه التَّصَرُّف
وَلم يسْتَحق ذَلِك بِالْوكَالَةِ لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا خَاصَّة على
حسب مَا يَقْتَضِيهِ لفظ الْمُوكل من الْخُصُومَة
1744 - فِي وكَالَة الصَّبِي وَالْعَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الصَّبِي يعقل وَالْعَبْد جَازَ توكيلها
والعهدة على الْآمِر
وَقَالَ مَالك لَا يجوز الْإِذْن للصَّبِيّ فِي التِّجَارَة عبدا كَانَ أَو
حرا
وَالشَّافِعِيّ يجوز تَوْكِيل العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِالْخلْعِ
وَنَحْوه وَلَا يجوز تَوْكِيل غير بَالغ وَلَا معتوه
قَالَ الشَّافِعِي وَلَو جَازَ لَهُ إِقْرَاره إِذا أذن لَهُ أَبوهُ فِي
التِّجَارَة لجَاز أَن يَأْذَن لَهُ فِي طَلَاق امْرَأَته أَو يَأْمُرهُ
بِقَذْف رجل فيحده
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَكِيل إِنَّمَا يفعل ذَلِك للَّذي وَكله لَا
لنَفسِهِ فَلَا معنى لاعْتِبَار حَال التَّوْكِيل لِأَن اعْتِبَار حَاله
فِي تصرفه إِنَّمَا يجب فِيمَا يتَصَرَّف فِيهِ لنَفسِهِ أَلا ترى أَنه لَو
وكل صَبيا بهدم دَاره أَو ذبح شاته فَفعل أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ
وَلَوْلَا أَن الْوكَالَة صَحِيحَة لضمن كَذَلِك يقوم مقَامه فِي الْعُقُود
وَلَيْسَ ذَلِك كَإِذْنِهِ فِي طَلَاق امْرَأَة الصَّبِي لِأَن الْأَب لَا
يملك ذَلِك
(4/70)
فَلَا يَصح تَوْكِيله بِهِ وَهُوَ يملك
التَّصَرُّف على نَفسه فِي البيع وَالشِّرَاء وَسَائِر الْعُقُود فَيصح
تَوْكِيل الصَّبِي بِهِ وَكَذَلِكَ يملك التَّصَرُّف على الابْن فِي
الشِّرَاء وَالْبيع فَيجوز إِذْنه لَهُ فِيهِ
وَقد روى يزِيد بن هَارُون عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن
عمر بن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خطبهَا فَقَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي مصبية وَلَيْسَ أحد من أوليائي
شَاهد قَالَ لَيْسَ أحد من أوليائك شَاهد وَلَا غَائِب يكره ذَلِك فَقَالَت
يَا عمر زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَزَوجهَا
1745 - إِذا وَكله بِالشِّرَاءِ بِمَا عَلَيْهِ من الدّين
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أمره أَن يَشْتَرِي عبدا بِعَيْنِه بِمَا عَلَيْهِ
من الدّين جَازَ وَإِن كَانَ بِغَيْر عينه لم يجز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك إِن قَالَ أسلفه فِي طَعَام لم يجز وَإِن قَالَ اشْتَرِ بهَا
سلْعَة نَقْدا فَإِن كَانَ الْآمِر والمأمور حاضرين جَازَ وَإِلَّا لم يجز
1746 - فِي البيع بقيل الثّمن من الْوَكِيل
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وَكله بِبيع عَبده فَبَاعَهُ بِقَلِيل أَو كثير
جَازَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز إِلَّا
بِمَا يتَغَابَن فِيهِ وَالشِّرَاء لَا يجوز عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا
يتَغَابَن النَّاس فِيهِ فَإِن اشْترى بِأَكْثَرَ لزمَه دون الْآمِر فِي
قَول أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك يكون مَوْقُوفا على إجَازَة الْآمِر
(4/71)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي
الْوَصِيّ أَنه لَا يَبِيع إِلَّا بِمَا يتَغَابَن فِيهِ فَكَذَلِك
الْوَكِيل
1747 - فِيمَن وكل بِالشِّرَاءِ بِثمن ذكر لَهُ فَابْتَاعَ بِأَقَلّ
قَالَ أَبُو حنيفَة من غير خلاف إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ شَيْئا
بِعَيْنِه بِثمن ذكره لَهُ فَاشْتَرَاهُ لَهُ بِأَقَلّ من ذَلِك الثّمن
أَنه لَا يكون مُخَالفا وَيلْزمهُ مَا اشْترى وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر الشِّرَاء للْمَأْمُور وَلَا يلْزم الْآمِر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ هُوَ مُخَالف والآمر بِالْخِيَارِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الشِّرَاء بِأَلف غير الشِّرَاء بِأَلفَيْنِ أَلا ترى
أَنه لَو قَالَ قد اشْتريت مِنْك هَذَا العَبْد بألفي دِرْهَم فَقَالَ قد
بعتكه بِأَلف أَنه لَا ينْعَقد بَينهمَا بيع كَذَلِك الْوكَالَة فِي
الْقيَاس
1748 - فِي الْوَكِيل يَبِيعهُ من نَفسه
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يَبِيعهُ من نَفسه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يَبِيعهُ من نَفسه إِذا علم صَاحبه وَقَالَ
اللَّيْث يَبِيعهُ من نَفسه نَاقِصا مَا يعْطى بهَا أَو أَكثر وَفِي
الصّرْف لَا يَبِيعهُ من نَفسه إِلَّا أَن يكون الْآمِر حَاضرا
(4/72)
1749 - فِي الْوَكِيل بالسلم إِذا أسلم
إِلَى أَبِيه وَنَحْوه
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز أَن يُسَلِّمهَا إِلَى أَبِيه وَابْنه وَلَا
من لَا تجوز لَهُ شَهَادَته
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز إِلَّا من عَبده ومكاتبه ومفاوضه
وَقَالَ مَالك يجوز إِذا لم يكن فِيهِ مُحَابَاة إِلَّا فِي مُفَاوَضَة أَو
ابْنه الصَّغِير
1750 - فِي الْوَكِيل يَبِيع بِغَيْر الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل وكل رجلا بِبيع دَاره فَبَاعَهَا بِعرْض من
الْعرُوض جَازَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يَبِيع إِلَّا
بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير
وَقَالَ مَالك إِذا بَاعهَا بِعرْض لم يلْزم الْآمِر وَأحب إِلَى أَن
يُبَاع الْعرض فَإِن كَانَ فِيهِ فضل عَن قيمَة الْمَبِيع كَانَ للْآمِر
وَإِن كَانَ فِيهِ نُقْصَان ضمن الْوَكِيل
1751 - فِي الْوَكِيل يَشْتَرِي من يعْتق على الْآمِر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وَكله بِأَن يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَة فَاشْترى أمه
أَو بنته جَازَ وَلزِمَ الْآمِر وعتقت عَلَيْهِ
وَإِن قَالَ اشْتَرِ لي جَارِيَة أطئها أَو قَالَ أبيعها فَاشْترى
هَؤُلَاءِ لزم الْمَأْمُور دون الْآمِر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
(4/73)
وَكَذَلِكَ روى الْحسن بن زِيَاد فِي هَذِه
الْمسَائِل وَقَالَ عَن أبي حنيفَة إِذا كَانَ الْآمِر قد حلف بِعِتْق كل
مَمْلُوك يملكهُ إِلَى ثَلَاثِينَ سنة فَاشْترى الْمَأْمُور عبدا بِأَمْر
الْآمِر أَو أمة عتق من مَال الْآمِر إِلَّا أَن يكون الْمَأْمُور قد علم
بِيَمِين الْآمِر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَفِي الأولى فَيكون الْمَأْمُور مُخَالفا وَيلْزمهُ الشِّرَاء لنَفسِهِ
وَقَالَ مَالك إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ أمة فَاشْترى أمه أَو ابْنَته
فَإِن علم لم يجز على الْآمِر وَإِن لم يعلم جَازَ عَلَيْهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أمره أَن يبْتَاع لَهُ عبدا فَاشْترى أَخَاهُ وَهُوَ
لَا يعلم فَإِنِّي أكره ذَلِك وَلَا يعْتق عَلَيْهِ وَلكنه يُبَاع فَإِن
كَانَ فِيهِ فضل كَانَ لَهُ وَإِن كَانَ نُقْصَان كَانَ عَلَيْهِ وَلَا
شَيْء على الْوَكِيل
قَالَ أَبُو جَعْفَر حُقُوق الْآدَمِيّين لَا يخْتَلف فِي حَال الْجَهْل
وَالْعلم كَذَلِك هَذَا
1752 - فِي ضيَاع الثّمن من الْوَكِيل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع إِلَيْهِ ألف دِرْهَم وَأمره أَن يَشْتَرِي
لَهُ بهَا دَارا فاشتراها وَهَلَكت الدَّرَاهِم بعد الشِّرَاء فَإِنَّهُ
يرجع بِمِثْلِهَا على الْآمِر وَلَو لم يدْفع الدَّرَاهِم حَتَّى اشْترى
ثمَّ دَفعهَا إِلَيْهِ فَهَلَكت ضمن الْوَكِيل ألفا من مَاله للْبَائِع
وَلَا يرجع بهَا على الْآمِر
وَقَالَ مَالك يرجع بهَا على الْآمِر فِي هَذِه أَيْضا
(4/74)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ
أَنه لَو دَفعه إِلَيْهِ قبل الشِّرَاء كَانَ هَالكا من مَال الْآمِر
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قبضهَا وَهُوَ أَمِين فِيهَا لَا بِحَق وَاجِب لَهُ
عَلَيْهِ وَإِذا قبضهَا بعد الشِّرَاء فَإِنَّمَا قبضهَا بِحَق وَاجِب دينا
لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ضَمَانه أَلا ترى أَنه كَانَ مجبرا على دَفعهَا
إِلَيْهِ
1753 - فِي الْوَكِيل بِالْبيعِ أَو التَّزْوِيج إِذا قَالَ قد فعلته
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ الْوَكِيل بِالتَّزْوِيجِ زَوجته أمس لم
يصدق إِلَّا بِشُهُود وَفِي البيع يصدق
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يصدق فيهمَا وَهُوَ قَول مَالك وَكَذَلِكَ
قَالَ الشَّافِعِي فِي الْوَكِيل بِالْبيعِ وَلَا يحفظ عَنهُ شَيْء فِي
التَّزْوِيج
1754 - فِي الْوكَالَة بشرَاء دَار أَو عبد أَو نَحوه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الْجِنْس مَجْهُولا لم يجز مثل أَن يَقُول
اشْتَرِ لي ثوبا لِأَنَّهَا أَجنَاس مُخْتَلفَة وَإِن قَالَ هرويا جَازَ
وَإِن لم يسم الثّمن وَإِن قَالَ اشْتَرِ لي عبدا لم يجز فَإِن سمى روميا
وَنَحْوه أَو سمى الثّمن جَازَ وَإِن كَانَ وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ حمارا
وَلم يسم الثّمن فَهُوَ جَائِز
فَإِن قَالَ اشْتَرِ لي دَارا لم يجز وَإِن سمى الثّمن جَازَ
وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يجوز وَإِن سمى الثّمن حَتَّى يُسمى الْمصر
الَّذِي يَشْتَرِي لَهُ فِيهِ
قَالَ مَالك إِذا أمره أَن يَشْتَرِي جَارِيَة أَو ثوبا فَإِن اشْترى مَا
يصلح أَن
(4/75)
يكون من جواري الْآمِر وَمن ثِيَاب الْآمِر
جَازَ وَإِن اشْترى مَالا يشبه أَن يكون من جواريه أَو من ثِيَابه لم يجز
على الْآمِر إِلَّا أَن يَشَاء وَيلْزم الْمَأْمُور
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا معنى لاعْتِبَار ملك مَا يكون من جواري الْآمِر
وَمن ثِيَابه لِأَنَّهُ قد يَشْتَرِي مَا لايشتهيه من ذَلِك لهبة أَو
صَدَقَة أَو غَيره أَو تِجَارَة أَو عتق
1755 - إِذا اشْترى جَارِيَة مَعِيبَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَة فاشتراها عمياء
أَو مَقْطُوعَة الْيَدَيْنِ جَازَ على الْآمِر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز
وَقَالَ مَالك مَا كَانَ من الْعُيُوب مُفْسِدا لم يجز على الْآمِر
1756 - فِي الْوَكِيل يَدعِي البيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الْوَكِيل بِالْبيعِ قد بِعته من فلَان
بِأَلف دِرْهَم وَجحد فلَان البيع وَلَا بَيِّنَة للْوَكِيل فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ وَهُوَ قَول سَائِر أهل الْعلم
وَقَالَ مَالك يضمن الْوَكِيل الثّمن لِأَنَّهُ أتْلفه حِين لم يشْهد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو قَالَ الْمُودع رددت
الْوَدِيعَة أَو هَلَكت وَقد كَانَ دَفعه إِلَيْهِ بِغَيْر بَيِّنَة أَن
القَوْل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين كَذَلِك الْوَكِيل
1757 - إِذا ابْتَاعَ الْوَكِيل زِيَادَة على مَا وكل بِهِ
قَالَ مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي
لَهُ عشرَة
(4/76)
أَرْطَال لحم بدرهم فَاشْترى عشْرين رطلا
بدرهم لزم الْآمِر مِنْهَا عشرَة أَرْطَال بِنصْف دِرْهَم وَكَانَ
للْمَأْمُور عشرَة أَرْطَال بِنصْف دِرْهَم وَلم يذكر خلافًا وَكَذَلِكَ
رُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه إِذا أمره أَن يَشْتَرِي لَهُ
خَمْسَة أَرْطَال سمن بدرهم فَاشْترى لَهُ خَمْسَة أَرْطَال وأوقية بالدرهم
لزم الْآمِر كُله إِذا كَانَ يَسِيرا فَإِن اشْترى لَهُ عشرَة أَرْطَال
بدرهم لزم الْآمِر خَمْسَة مِنْهَا بِنصْف دِرْهَم
وَأَصْحَاب مَالك يَقُولُونَ قِيَاس مذْهبه أَن يلْزم الْجَمِيع الْآمِر
بالدرهم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن صَاحب المَال
بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ الْجَمِيع بالدرهم وَإِن شَاءَ أَخذ ماأمر
بِهِ بِحِصَّتِهِ من الثّمن
وَالْقَوْل الآخر أَنه يلْزم الْآمِر جَمِيع مَا اشْتَرَاهُ بِالثّمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد رُوِيَ فِيمَا يدْخل فِي هَذَا لِمَعْنى حَدِيث
عُرْوَة الْبَارِقي وَهُوَ مَا رَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن شبيب بن
غرقدة عَن عُرْوَة الْبَارِقي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أعْطى رجلا دِينَارا يَشْتَرِي لَهُ أضْحِية فَاشْترى شَاتين فَبَاعَ
إِحْدَاهمَا بِدِينَار فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
هَذِه أضْحِية وَهَذَا دِينَار ربحه فَدفع إِلَيْهِ بالدينار ودعا لَهُ
بِالْبركَةِ
وَقد روى الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان فَقَالَ فِيهِ عَن شبيب
أَنه سمع الْحَيّ يَقُولُونَ أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَذكر الحَدِيث فَصَارَ الحَدِيث عَن رجال الْحَيّ
وَقد روى سعيد بن زيد أَخُو حَمَّاد بن زيد قَالَ حَدثنَا الزبير بن الخريت
(4/77)
قَالَ وَحدثنَا أَبُو لبيد لمازة بن زبار
عَن عُرْوَة بن أبي الْجَعْد الْبَارِقي وَذكر الحَدِيث
سعيد بن زيد لَيْسَ بِقَوي عِنْد أهل الحَدِيث إِلَّا أَنه قد رَوَاهُ مَعَ
سعيد هَارُون النَّحْوِيّ قَالَ حَدثنَا الزبير بن الخريت عَن أبي لبيد
الْبَارِقي
وَهَذَا حَدِيث مُسْتَقِيم السَّنَد مَعْرُوف الروَاة فَثَبت صِحَة ملك
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للشاتين لَوْلَا ذَلِك لما أَخذ مِنْهُ
الدِّينَار وَلما أمضى لَهُ البيع
1758 - فِي الْوَكِيل يَأْخُذ السّلم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وَكله بِأَن يَأْخُذ لَهُ دَرَاهِم فِي طَعَام
فَأَخذهَا الْوَكِيل إِلَى أجل مُسَمّى فالسلم على الْوَكِيل خَاصَّة وَلَا
يَصح على الْآمِر فَإِن دفع الدَّرَاهِم إِلَى الْآمِر كَانَت قرضا على
الْآمِر للْوَكِيل وَقَالَ يَصح السّلم على الْآمِر وَالدَّرَاهِم للْآمِر
وَقَالَ مَالك وَإِن شَرط الْمُسلم على الْوَكِيل أَنه إِن لم يرض الْآمِر
فالسلم عَلَيْك للأجل فَهُوَ جَائِز كَمَا قَالَ
وَقَالَ مَالك لَو وَكله بِأَن يسلم لَهُ دَرَاهِم فِي طَعَام فأسلمها
فللآمر أَن يُطَالب الْمُسلم إِلَيْهِ بِالطَّعَامِ إِذا حل الْأَجَل وَإِن
لم يحضر الْمَأْمُور
(4/78)
1759 - فِي الْوَكِيل يدْفع دَرَاهِم إِلَى
آخر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَأمره أَن يَدْفَعهَا إِلَى
رجل فَقَالَ قد دفعتها فَالْقَوْل قَوْله فِي بَرَاءَة نَفسه وَلَا يصدق
على الآخر
وَقَالَ مَالك إِن لم يقم الرَّسُول الْبَيِّنَة أَنه قد دَفعهَا ضمن وَإِن
كَانَ الرَّسُول شَرط على الْآمِر أَن يكون القَوْل قَوْله وَأَن لَا يشْهد
عَلَيْهِ إِذا دَفعه فَلَا ضَمَان على الرَّسُول إِذا قَالَ قد دفعت
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الْوَكِيل أَمينا كَانَ مُصدقا فِي بَرَاءَة
نَفسه كَمَا هُوَ مُصدق فِي مَتَاعه
فَإِن قيل قَالَ الله عز وَجل {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا
عَلَيْهِم} والأوصياء مؤتمنون وَقد أمروا بِالْإِشْهَادِ
قيل لَهُ فَائِدَة أَمَانَة المؤتمنين عَلَيْهِم لَا يُغير ذَلِك
وَقد وَافَقنَا مَالك على أَنه لَو دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَأمره أَن
يتَصَدَّق بهَا على الْمَسَاكِين أَنه مُصدق فِيهَا بِغَيْر بَيِّنَة
كَذَلِك الْوَكِيل فِي دَفعهَا إِلَى رجل بِعَيْنِه
1760 - فِيمَن يُؤمر بِأَن يقْضِي عَنهُ دَرَاهِم فَيدْفَع إِلَيْهِ
دَنَانِير
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أمره أَن يقْضِي عَنهُ فلَانا عشرَة دَرَاهِم لَهُ
عَلَيْهِ فَبَاعَهُ
(4/79)
الْمَأْمُور بهَا دَنَانِير أَو ثوبا جَازَ
وَكَذَلِكَ لَو دَفعهَا إِلَيْهِ ليقبضها فَأعْطَاهُ دَرَاهِم غَيرهَا من
غَيره أَو بَاعه ثوبا جَازَ وَلم يكن مُتَطَوعا
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لي رجل أَقْرضنِي دَرَاهِم فَأمرت رجلا لي
عَلَيْهِ دَرَاهِم أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ قرضا مني فَأعْطَاهُ مَكَانهَا
دَنَانِير أَو بَاعه بهَا ثوبا فَهُوَ جَائِز وعَلى الْقَابِض الدَّرَاهِم
قرضا للْآمِر
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن أمره رجلا أَن يقْضِي عَنهُ رجلا دِينَارا
فَأعْطَاهُ دَرَاهِم فَهُوَ مُخَيّر عِنْد الْقَضَاء إِن شَاءَ أَخذ مِنْهُ
دِينَارا وَإِن شَاءَ أَخذ مِنْهُ عدد الدَّرَاهِم الَّتِي قضى عَنهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أمره أَن يقْضِي عَنهُ دِينَارا فَرضِي الَّذِي
لَهُ الدِّينَار بِثَوْب مَكَان الدِّينَار أَو طَعَاما أَو دَرَاهِم
فللقاضي على المقضى عَنهُ الْأَقَل من دِينَار أَو قيمَة مَا قضى عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْمَأْمُور غير مُتَطَوّع فِيمَا
دفع فَالْأولى أَن يرجع عَلَيْهِ بِالدّينِ لِأَنَّهُ الْمَأْمُور
بِقَضَائِهِ دون غَيره وَقد وَقع الْقَضَاء وَبرئ مِنْهُ
1761 - فِيمَن يَأْمر غَيره بقسمة مَال فِي سَبِيل الله أَو عتق ثمَّ
يَمُوت
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ اللَّيْث فِي رجل أعْطى رجلا مَالا فِي صِحَّته
ليقسمه فِي سَبِيل الله أَو يعْتق عبدا ثمَّ يَمُوت صَاحب المَال قبل أَن
يفرغ الرجل من ذَلِك أَنه إِن كَانَ أشهد على دفع المَال إِلَيْهِ وأبرزه
فَإِنَّهُ ينفذ فِيهِ مَا قَالَ
(4/80)
وَلَا يدْخل فِي ثلث وَلَا غَيره وَإِن لم
يقم عَلَيْهِ بَيِّنَة فَإِنَّهُ للْوَرَثَة وَلَا ينفذ فِي ذَلِك الْوَجْه
وَهَذَا قَول لم يقل بِهِ أحد من أهل الْعلم غَيره وَهُوَ فَاسد النّظر
أَيْضا لِأَن الْإِشْهَاد لَا يزِيل ملكه عِنْدهم وَإِنَّمَا الْإِشْهَاد
يعلم بِهِ مَا قد فعله
1762 - فِي الْوَكِيل يقر بِقَبض المَال وَيَدعِي الْهَلَاك
قَالَ مَالك إِذا وكلت رجلا بِقَبض مَال من رجل فَقَالَ قد قَبضته وَضاع
مني لم يصدق الْوَكِيل وَالْمَال بَاقٍ على الَّذِي عَلَيْهِ إِلَّا أَن
يُقيم بَيِّنَة بِالْقَبْضِ إِلَّا أَن يكون وَكيلا يَشْتَرِي وَيبِيع
وَيقبض ويفوض إِلَيْهِ فَهُوَ مُصدق وَإِنَّمَا لَا يصدق إِذا كَانَ وَكيلا
بِقَبض مَال على رجل فَقَط
وَلَو قَالَ لَهُ بِعْ عَبدِي فجَاء بِرَجُل فَقَالَ بِعته مِنْهُ وَصدقه
قبل قَوْله وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ ادْفَعْ هَذَا المَال إِلَى فلَان
فَقَالَ قد دَفعته وَصدقه فلَان فَالْقَوْل قَوْله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يُوَافق مَالِكًا أحد على قَوْله إِن الْغَرِيم لَا
يبرا بقول الْوَكِيل قد قبضت
1763 - اخْتِلَاف الْوَكِيل وَالْمُوكل فِي الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الْآمِر أَمرتك بِأَن تشتري بِأَلف فَقَالَ
الْمَأْمُور
(4/81)
بِخَمْسِمِائَة فَالْقَوْل قَول الْآمِر
سَوَاء كَانَت السّلْعَة قَائِمَة أَو فَائِتَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَمرتنِي بِالْبيعِ وَلم تقل شَيْئا وَقَالَ الْآمِر
أَمرتك أَن تبيع بِالنَّقْدِ فَالْقَوْل قَول الْآمِر
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ أَمرتنِي أَن أبيعه بِعشْرَة وَقَالَ الْآمِر
بِاثْنَيْ عشر فَالْقَوْل قَول الْآمِر إِن لم يفت وَإِن فَاتَ فَالْقَوْل
قو الْمَأْمُور
1764 - فِي الْوَكِيل يحبس السّلْعَة بِالثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يحبسها بِالثّمن فَإِذا هَلَكت بعد الْحَبْس
كَانَت كَالرَّهْنِ فِي قَول أبي يُوسُف
وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد كَالْمَبِيعِ
وَقَالَ زفر لَا يحبسها بِالثّمن وَإِن حبس ضمن الْقيمَة كالغصب وَهُوَ
قَول مَالك
1765 - فِي موت الْمُوكل وعزله
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَنْعَزِل الْوَكِيل إِلَّا بعد الْعلم بِالْعَزْلِ
يَنْعَزِل بِالْمَوْتِ وَإِن لم يعلم
(4/82)
وَقَالَ مَالك إِذا وَكله بشرَاء عبد
وَمَات ثمَّ اشْترى الْوَكِيل وَلم يعلم بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ يلْزم
الْوَرَثَة وَإِن علم لم يلْزمهُم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وكل الْوَلِيّ رجلا بِأخذ الْقصاص ثمَّ قَالَ
الْوَلِيّ قد عَفَوْت فَقتله الْمَأْمُور فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمين مَا علم بِالْعَفو وَلَا
شَيْء على الْوَلِيّ أَيْضا
وَالثَّانِي أَنه ضمن الدِّيَة وَيكفر كمن قتل خطأ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوكَالَة لَيست بِحَق الْوَكِيل لَازم للْمُوكل
إِخْرَاجه مَتى شَاءَ وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَجب أَن لَا يعْتَبر علم
الْوَكِيل بعزله وَأَن يَنْعَزِل مَتى عَزله وَإِن لم يعلم وَلم
يَخْتَلِفُوا أَن الْمُوكل لَو بَاعَ العَبْد الْمُوكل بِبيعِهِ خرج
الْوَكِيل من الْوكَالَة كَذَلِك إِذا عَزله وَإِن لم يعلم وَإِذا ثَبت
ذَلِك فِي الْعَزْل فَفِي الْمَوْت أَحْرَى
1766 - فِي وَكيل أحد الْمُتَفَاوضين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وكل المفاوض رجلا بِشَيْء ثمَّ افْتَرقَا ثمَّ فعل
الْوَكِيل ذَلِك وَهُوَ لَا يعلم فَإِن ذَلِك كُله جَائِز عَلَيْهِمَا
وَقَالَ مَالك إِذا افْتَرقَا وَعلم المبضع فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِمَا أضبع
مَعَه
آخر كتاب الْوكَالَة
(4/83)
= كتاب الْإِجَارَات =
1767 - فِي ضَمَان الْأَجِير الْمُشْتَرك
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا ضَمَان على الْأَجِير الْمُشْتَرك إِلَّا فِيمَا
جنت يَدَاهُ
وَقَالَ زفر لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا جنت يَدَاهُ أَيْضا إِلَّا أَن
يُخَالف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَعبيد الله بن الْحسن يضمن إِلَّا مَا لَا
يَسْتَطِيع الِامْتِنَاع مِنْهُ كالحريق وَمَوْت الشَّاة واللصوص الغالبين
وَقَالَ الثَّوْريّ يضمن فِي اللُّصُوص أَيْضا
وَقَالَ مَالك يضمن الْقصار إِلَّا أَن يَأْتِي أَمر من أَمر الله تَعَالَى
مثل الْحَرِيق والسرق والضياع إِذا قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة وَيضمن قرض
الفأر إِذا لم تقم بَيِّنَة وَإِن قَامَت بَيِّنَة أَنه قرض الفأر من غير
تَضْييع لم يضمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يضمن الْقصار من الْحَرِيق والأجير الْمُشْتَرك
ضَامِن إِذا لم يشْتَرط لَهُ أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ
(4/85)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من أَخذ الْأُجْرَة
فَهُوَ ضَامِن تَبرأ أَو لم يتبرأ وَمن أعْطى الْأجر فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَإِن شَرط وَلَا يضمن الْأَجِير الْمُشْتَرك من عَدو حارق أَو موت
وَقَالَ اللَّيْث الصناع كلهم ضامنون لما أفسدوا أَو هلك عِنْدهم
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا يضمن وَالْآخر لَا يضمن إِلَّا مَا جنت
يَده
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَا ضَمَان على الْحجام
والبيطار الْمُشْتَرك وَإِن أَخذ الْأجر كَذَلِك سَائِر الصناع وَكَذَلِكَ
الْأَجِير الْخَاص لَا يضمن عِنْد الْجَمِيع كَذَلِك الْمُشْتَرك
1768 - فِي الرَّاعِي الْمُشْتَرك
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يضمن مَا مَاتَ وَهلك وَإِنَّمَا يضمن مَا عطب من
سِيَاقه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يضمن مَا مَاتَ مِنْهَا بِشُهُود
وَيضمن مَا هلك
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يضمن الرَّاعِي إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا فِيمَا أفسد أَو فرط
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الْمَوْت يضمن
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شَرط عَلَيْهِ رباطها بِاللَّيْلِ فَغَفَلَ عَن
بَعْضهَا فَهَلَك فَهُوَ ضَامِن
(4/86)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا فعل مَا للرعاة
أَن يفعلوه مِمَّا فِيهِ صَلَاح لم يضمن وَإِن فعل خلاف ذَلِك ضمن
1769 - فِيمَن يعْمل
قَالَ مَالك فِي الرجل يدْفع إِلَى الرجل الْخَاتم أَو القلادة يصلحها على
وَجه الْمَعْرُوف فَهُوَ ضَامِن وَإِن لم يَأْخُذ أجرا وَكَذَلِكَ إِذا
ضَاعَ عِنْد الْخياط أَو الصّباغ بغر أجر فَهُوَ ضَامِن
قَالَ عُثْمَان البتي إِذا قَالَ الصَّانِع عملته بغر أجر فَإِنَّمَا
يَدعِي الْبَرَاءَة من ضَمَانه فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة وَالْقَوْل قَول رب
الْمَتَاع
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ القَوْل قَول الْقصار أَنه عمله بِغَيْر أجر وَلَا
خلاف بَين أَصْحَابنَا أَن من عمل شَيْئا على وَجه التَّبَرُّع بِأَمْر
صَاحبه أَنه لَا يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأَجِير الْمُشْتَرك إِنَّمَا يضمن لِأَنَّهُ عمل
لنَفسِهِ لِأَنَّهُ يسْتَحق بِهِ الْأجر والمتبرع عمل لغيره فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ
1770 - فِي الْأَجِير يسْقط مِنْهُ الْحمل
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل يسْتَأْجر بقيراط محملًا من الْفُرَات موقع
مِنْهُ فِي بعض الطَّرِيق فَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته فِي الْمَكَان الَّذِي
انْكَسَرَ وَأَعْطَاهُ الْأجر بِحِسَاب وَإِن شَاءَ ضمنته قِيمَته فِي
الْمَكَان الَّذِي حمله وَلَا أجر لَهُ
حُكيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ قد رَجَعَ أَبُو حنيفَة إِلَى قَوْلنَا
فِي هَذِه
(4/87)
الْمَسْأَلَة حِين ضمنه فِي الْموضع
الَّذِي حمله فِيهِ قبل أَن يُعْطِيهِ لِأَنَّهُ لم يكن جانيا فِي ذَلِك
الْموضع
وَقَالَ زفر لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا لم يُخَالف
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن أَتَى من غَيره لم يضمن وَإِن أَتَى من نَفسه
ضمن
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن عثر الْبَعِير أَو انشقت الراوية
إِلَّا أَن يكون من بعيره فَيضمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من أَخذ أجرا على شَيْء يبلغهُ فَزعم أَنه سرق
فَهُوَ لَهُ ضَامِن وَلَا يضمن الحرق وانكسار الْوِعَاء
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَا يضمن الْأَجِير بِحَال إِلَّا مَا جنت
يَده
1771 - فِي السَّفِينَة تغرق
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن غرقت من يَد الملاح أَو معالجته ضمن وَإِن غرقت من
ريح أَو موج أَو من شَيْء وَقع عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن
كَانَ رب الطَّعَام فِي السَّفِينَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء من
ذَلِك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي المَاء خَاصَّة لِأَنَّهُ
عَدو غَالب وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا غرق وَله
الْأجر بِحِسَاب مَا حمل
(4/88)
وَقَالَ مَالك إِن تعدوا فِي الْمَدّ
ضمنُوا وَإِن لم يتعدوا لم يضمنوا 8
وَذكر الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى أَن الملاح يضمن مَا غرق فِي الْبَحْر
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَا يضمن وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يضمن الملاح إِلَّا من الْغَرق
وَقَالَ اللَّيْث لَا يضمن من الْغَرق وَيضمن مَا نقص من الطَّعَام
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تعدى ضمن وَإِن لم يَتَعَدَّ لم يضمن
1772 - فِي الْإِجَارَة على الْوَقْت وَالْعَمَل
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اسْتَأْجرهُ على أَن يخبز لَهُ هَذِه الْعشْرَة
مخاتيم هَذَا الْيَوْم كُله بدرهم فَهَذَا فَاسد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ جَائِز وَالْإِجَارَة وَاقعَة على
الْعَمَل دون الْمدَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الِاسْتِئْجَار على أَن يعْمل غَدا وَلَا
يجوز إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ أَن يعْمل سَاعَة اسْتَأْجرهُ أَو تكون
الْإِجَارَة على خياطَة هَذَا الثَّوْب وَيبدأ بِالْعَمَلِ سَاعَة تجب
الْإِجَارَة إِن شَرط عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ فِي عمله وسمى الْفَرَاغ إِلَى
أجل يُمكن أَن يعْمل مثله فِي ذَلِك الْأَجَل فَذَلِك أفضل وَإِن لم يسم
فَهُوَ جَائِز وَيعْمل بطاقته حَتَّى يفرغ مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْإِجَارَة إِنَّمَا تصح على الْعَمَل أَو على
الْمدَّة فَإِذا شَرط الْعَمَل فِي الْمدَّة وَلم ندر بِأَيِّهِمَا يسْتَحق
الْأجر فَتبْطل
(4/89)
1773 - فِي اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجرهُ ليحمل لَهُ شَيْئا إِلَى مَوضِع اسْتحق
الْأجر بِقدر الْحمل وَإِن كَانَ عملا بِيَدِهِ كالخياطة والصبغ لم يسْتَحق
شَيْئا من الْأجر حَتَّى يفرغ من الْعَمَل ويدفعه إِلَى صَاحبه وَفِي
كِرَاء الْإِبِل إِلَى مَكَّة واستئجار الدَّار يسْتَحق بِقدر الْمسير
وَقدر السُّكْنَى
وروى مُحَمَّد عَن زفر إِذا اسْتَأْجر دَارا سنة بِأُجْرَة مُسَمَّاة فقد
ملك المؤاجر الْأجر قبل أَن يتقابضا
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَنه لَا يجب عَلَيْهِ أَن يُعْطِيهِ
أُجْرَة شهر حَتَّى يَنْقَضِي الشَّهْر
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا لَيْسَ باخْتلَاف رِوَايَة لِأَن مُحَمَّدًا
ذكر ملك الْأُجْرَة للمؤاجر وَالْحسن ذكر اسْتِحْقَاق قبضهَا
وَقَالَ مَالك فِي كِرَاء مَكَّة وكراء الصَّانِع بِيَدِهِ شهرا إِن كَانَ
كِرَاء النَّاس عِنْدهم بِالنَّقْدِ أجبر على النَّقْد وَإِن كَانَ كِرَاء
النَّاس عِنْدهم لَيْسَ بِالنَّقْدِ لم يصلح هَذَا الْكِرَاء وَلَا هَذِه
الْإِجَارَة إِلَّا أَن يكون الثَّوْب نَقْدا فَإِن لم يكن الثَّوْب نَقْدا
فالكراء بَاطِل كمن اشْترى ثوبا على أَن يُعْطِيهِ بعد شهر
وَقَالَ مَالك فِي كِرَاء الدَّار مِنْهُ إِذا لم يكن بَينهمَا شَرط دفع
إِلَيْهِ بِحِسَاب مَا سكن وَإِن كَانَ كِرَاء الدَّار عِنْدهم نَقْدا أجبر
على النَّقْد
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا اسْتَأْجر دَارا شهرا لم يكن لَهُ من الْأُجْرَة
شَيْء حَتَّى يبلغ رَأس الشَّهْر
(4/90)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي كِرَاء مَكَّة
يعجله قبل أَن يركب لِأَن ذَلِك سنة النَّاس والصباغ والقصار وكراء
الدَّابَّة لَا يَأْخُذ من أجره شَيْئا حَتَّى يعْمل الَّذِي تكارى لَهُ
وَقَالَ إِذا تكارى دَارا سنة بِأَلف دِرْهَم إِذا وَجَبت لَهُ مِائَتَان
وَحَال الْحول وَجَبت الزَّكَاة وَكره شَرط تَعْجِيل الْأجر وَلَا بَأْس
بتعجيله من غير شَرط
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس أَن يُؤَخر الْكِرَاء إِلَى أَن يَنْقَضِي شهره
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا دفع مَا أكرى وَجب لَهُ جَمِيع الْكِرَاء وَقَالَ
فِي الْخياط وَنَحْوه إِذا لم يشْتَرط عمله بِيَدِهِ لَا يجوز أَن يكون
الْأجر مُؤَخرا لِأَنَّهُ دين بدين وَإِن كَانَ شَرط عمله بِيَدِهِ جَازَ
التَّأْخِير لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مَبِيع بِعَيْنِه
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَنه لَو عجل لَهُ الْأجر وَقَبضه
المؤاجر أَنه يملكهُ فَدلَّ على أَنه قد ملكه بِنَفس العقد لِأَن مَا لَا
يكون مَمْلُوكا بِالْعقدِ لَا يملك بِالْقَبْضِ كالمشترى على أَن البَائِع
بِالْخِيَارِ
قَالَ أَبُو بكر لَا يملكهُ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا يملكهُ بالتعجيل وَمعنى
التَّعْجِيل تَعْجِيل الْملك وَلَو عجله لَهُ وَلم يقبضهُ لملكه وَقد يملك
عندنَا أَيْضا بِالْقَبْضِ دون العقد كَالْهِبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْبيع
الْفَاسِد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأما وجوب قبض الْأُجْرَة فَيَنْبَغِي أَن يكون
بِإِزَاءِ قبض الْمَنَافِع كقبض المبيعات بِإِزَاءِ قبض أبدالها وَلَيْسَ
قبض الْمُسْتَأْجر بِإِزَاءِ قبض الْمَبِيع لِأَن الْمَبِيع يصير فِي
ضَمَان المُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالْمَنَافِع لَا تصير فِي ضَمَانه بِقَبض
الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن عمر عَن عبد
الْكَرِيم
(4/91)
ابْن مَالك عَن مُجَاهِد عَن عبد
الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ بَعَثَنِي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الجزار الَّذِي جزر بدنه
فَأمرنِي أَن أقوم على بدنه وَأَن أقسم جلودها وجلالها وَأَن لَا أعطي
الجزار مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ إِنَّا نُعْطِيه من عندنَا وَفِي لفظ آخر
إِنَّا نُعْطِيه من غير ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي مَقْبُول
الرِّوَايَة وَعبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق أَبُو أُميَّة الْبَصْرِيّ
ضَعِيف وَهَذَا يدل على جَوَاز كَون الْأُجْرَة دينا فِي مَنَافِع
مَضْمُونَة لِأَنَّهَا لَو كَانَت إِذا كَانَت مَضْمُونَة لَا تكون أجرهَا
دينا لقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اشْترط عمله بِعَيْنِه وَلما
قَالَ إِنَّا نُعْطِيه من عندنَا لم يقل قبل افتراقك إِيَّاه
1774 - فِي الصَّانِع يمْنَع مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ لقبض الْأُجْرَة
قَالَ أَصْحَابنَا للقصار والصباغ وكل صانع بِيَدِهِ أَن يحبس مَا صنعه
حَتَّى يَسْتَوْفِي الْأجر وَأما الْحمال وملاح فَإِنَّهُ لَا يحبس
وَقَالَ مَالك لَهُم كلهم أَن يحبسوا بِالْأَجْرِ فَإِن هلك فَلَا ضَمَان
عَلَيْهِم إِلَّا أَن يغيبوه ويحوزوه عَن أَصْحَابه فَيكون بِمَنْزِلَة
الرَّهْن وَذَلِكَ فِي الْبَز وَنَحْوه مِمَّا لَا يُؤْكَل وَلَا يشرب وَمن
اُسْتُؤْجِرَ فِي زرع أَو نخل أَو أصل لسقيه فأفلس صَاحبه فَهُوَ أولى بِهِ
من الْغُرَمَاء حَتَّى يَسْتَوْفِي وَإِن مَاتَ صَاحب الأَصْل وَالزَّرْع
فالمساقي فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاء
(4/92)
وراعي الْإِبِل وَالدَّوَاب أُسْوَة
الْغُرَمَاء فِي الْمَوْت والتفليس والصباغ والخياط وَنَحْوه أَحَق بِمَا
بقى من أَيْديهم من سَائِر الْغُرَمَاء فِي الْمَوْت والتفليس وَكَذَلِكَ
من اُسْتُؤْجِرَ على حمل مَتَاع من بلد إِلَى بلد وَقَالَ الثَّوْريّ
للقصار والصباغ حبس الْمَتَاع لقبض الْأُجْرَة وَكَذَلِكَ كل شَيْء لَهُ
فِيهِ شَيْء نَحْو النجار وَالْبناء فَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه أُسْوَة الْغُرَمَاء وَقِيَاس هَذَا أَن
لَا يكون حَبسه بِالْأَجْرِ والصناع أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء
لِأَن لَهُ فِيهِ عَن صنع وَالْقِيَاس أَن يكون لَهُ حَبسه
قَالَ أَبُو جَعْفَر عمل الْقصار والخياط وَنَحْوه قَائِم فِي الثَّوْب
فَلهُ حَبسه وَحمل الْمَتَاع لَيْسَ بِعَمَل قَائِم فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ
حَبسه
1775 - إِذا اسْتهْلك الْخياط وَنَحْوه الثَّوْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتهْلك الْقصار والصباغ وَنَحْوه الثَّوْب
بَعْدَمَا عمله قبل أَن يُسلمهُ فَرب الثَّوْب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه
مَعْمُولا وَأَعْطَاهُ الْأجر وَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته غير مَعْمُول وَلَا
أجر لَهُ وَقَالَ زفر يضمنهُ قيمَة الثَّوْب مَعْمُولا وَعَلِيهِ الْأجر
بِلَا خِيَار
(4/93)
وَقَالَ مَالك يضمنهُ قِيمَته يَوْم دَفعه
إِلَيْهِ وَلَا يضمنهُ مَقْصُورا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا أَرَادَ أجر يَده ضمنه مخيطا وَإِن لم يرد
أُجْرَة يَده ضمنه مقطعا
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي خياط عمل نصف ثوب ثمَّ تلف الثَّوْب أَن
لَهُ بِحِسَاب مَا عمل فِي الثَّوْب من الْأجر
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِذا حَبسه فَهَلَك أَن يضمنهُ قِيمَته مصبوغا
1776 - فِي الِاسْتِئْجَار على الْقصاص
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اسْتَأْجر رجلا ليقتص لَهُ من النَّفس لم تجز
الْإِجَارَة وَلم يكن لَهُ أجر وَإِن اسْتَأْجرهُ ليقتص لَهُ فِيمَا دون
النَّفس جَازَ وَفِي قَول مُحَمَّد هُوَ جَائِز فِي النَّفس وَمَا دونهَا
وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِيمَا يجوز فِيهِ الْإِجَارَة على الاقتصاص أَن
الْأجر على الْمُقْتَص لَهُ لَا على الْمُقْتَص مِنْهُ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ على الْمُقْتَص مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر ابْن أبي عمرَان أَن أَبَا حنيفَة إِنَّمَا لم يجز
الْإِجَارَة على الْقصاص فِي النَّفس لِأَن الْإِجَارَة تقع فِيهِ على
مَجْهُول لَا يدْرِي فِي أَي مَوضِع تقع الضَّرْبَة وَيجوز فِيمَا دون
النَّفس لِأَنَّهُ يفصل من الْمفصل وَهُوَ
(4/94)
مَعْلُوم إِلَّا أَنه أجَاز الْإِجَارَة
على ذبح الشَّاة وَمَوْضِع الذّبْح مَجْهُول لَا يدْرِي أَسْفَل الْعُنُق
أَو أَعْلَاهُ وَأما الْأُجْرَة فَإِنَّمَا تجب على الْمُقْتَص لَهُ من قبل
أَن الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَو كَانَ مِمَّن يحسن الاقتصاص فَأَرَادَ
الْجَانِي أَن يتَوَلَّى ذَلِك من نَفسه كَانَ للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن
يأباه ويتولاه هُوَ لَا خلاف بَين أهل الْعلم فِيهِ فَدلَّ أَن الْقصاص
إِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَا إِلَى الْجَانِي فالأجرة عَلَيْهِ دون
الْجَانِي وَلَيْسَ ذَلِك مثل الْكَيْل وَالْوَزْن أَنه على من عَلَيْهِ
الدّين لِأَن الطَّالِب لَا يصل إِلَى الِانْتِفَاع إِلَّا بتمييزه من حق
الْمَطْلُوب فعلى الْمَطْلُوب أَن يميزه لَهُ ويقطعه عَن مَاله ويعينه
بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن
1777 - فِيمَن قَالَ إِن خاط الْيَوْم فَلهُ دِرْهَم وَإِن خاط غَدا فَنصف
دِرْهَم
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ إِن خطته الْيَوْم فلك دِرْهَم وَإِن خطته
غَدا فلك نصف دِرْهَم أَن الشَّرْط الأول جَائِز وَإِن وفى بِهِ اسْتحق
الدِّرْهَم وَإِن لم يَفِ بِهِ وخاطه غَدا فَلهُ أجر مثله لَا ينقص من نصف
وَلَا يُجَاوز بِهِ درهما
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الشرطان جَمِيعًا جائزان
وَقَالَ زفر الْإِجَارَة فَاسِدَة فَإِن خاطه الْيَوْم فَلهُ الْأَقَل من
أجر مثله وَمن دِرْهَم وَإِن خاطه غَدا فَلهُ الْأَقَل من أجر مثله أَو من
نصف دِرْهَم وَإِن قَالَ إِن خطته خياطَة رُومِية فلك دِرْهَم وَإِن خطته
فارسية فلك نصف دِرْهَم إِن الشرطان جَمِيعًا جائزان فِي قَول أبي حنيفَة
وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَسْأَلَة الأولى مثل قَول زفر إِلَّا
أَنَّهُمَا
(4/95)
يوجبان أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ وَقِيَاس
قَول الشَّافِعِي فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن تكون الْإِجَارَة
فَاسِدَة أَيْضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن الْعَمَل فِي الْوَقْت الأول مُسْتَحقّا
على الْأَجِير دلّ على فَسَاد الْإِجَارَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجوز على
مَا يلْزم الصَّانِع لَا على مَا لَا يلْزمه وَكَذَلِكَ فِي الْخياطَة
الرومية والفارسية لَيْسَ لَهُ أَن يؤاخذه بِوَاحِد من العملين فَوَجَبَ
أَن تكون الْإِجَارَة فَاسِدَة لِأَنَّهَا وَاقعَة على عمل مَجْهُول
وَإِنَّمَا اسْتحْسنَ أَصْحَابنَا فِي إِجَارَة ذَلِك وَشبهه
مُحَمَّد إِن دفع إِلَى رجل ثَوْبَيْنِ على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا بِعَيْنِه
إِن شَاءَ بِعشْرَة وَالْآخر بِخَمْسَة وعَلى أَنه بِالْخِيَارِ فِي ذَلِك
ثَلَاثًا وَهَذَا أَيْضا اسْتِحْسَان من قَوْلهم
1778 - فِي الْإِجَارَة على البيع وَالشِّرَاء
لَا يجوز ذَلِك عِنْد أَصْحَابنَا وَإِن اسْتَأْجر شهرا يَبِيع لَهُ
وَيَشْتَرِي جَازَ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يجوز ذَلِك كُله
(4/96)
وَقَالَ مَالك إِذا سمى لَهُ شَيْئا
يَبِيعهُ بِهِ وسمى لَهُ أَََجَلًا مَعْلُوما جَازَ وَاسْتحق مَا شَرط لَهُ
هَذَا رِوَايَة ابْن وهب
قَالَ وَإِن قَالَ فِي كل دِينَار كذل لم يجز
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا قَالَ بِعْ لي هَذَا الثَّوْب وَلَك
دِرْهَم فَلَا بَأْس بِهِ سَوَاء وَقت لَهُ ثمنا أَو لم يُوَقت وَإِنَّمَا
يجوز ذَلِك فِي الثَّوْب والثوبين وَلَا يجوز فِي الْكثير وَكَذَلِكَ يجوز
أَن يَقُول لَهُ لَك ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي كل دِرْهَم مائَة تشتري لَهُ
بهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الرجل يَشْتَرِي للنَّاس وَله فِي كل مِثْقَال
إِنِّي لَا أحب ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِأَن يَقُول بِعْ هَذَا الثَّوْب وَلَك
من كل دِينَار دِرْهَم أَو يَقُول إِن بِعته فلك كَذَا أَو يَقُول ثمنه
كَذَا وَكَذَا فَمَا ازددت عَلَيْهِ فَهُوَ لَك
قَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يَقُول بِعْهُ بِمَا وجدت وَلَك فِي كل
دِينَار قِيرَاط وَيَقُول بِعْهُ بِكَذَا وَلَك دِينَار وَهَذَا إِنَّمَا
يجوز فِي الْحَضَر فِي الْأَمر الْخَفِيف مثل الثَّوْب وَنَحْوه فَأَما أَن
يخرج مَتَاعه إِلَى مَوضِع سفر على هَذَا فَلَا خير فِيهِ
وَقَالَ اللَّيْث وَلَا بَأْس بِأَن يَقُول للصياد اضْرِب بشبكتك فِي
الْبَحْر ضَرْبَة أَو ضربتين بِكَذَا فَهَذَا جَائِز فَإِن خرج شَيْء
مِنْهُ فَهُوَ لَهُ وَإِن لم يخرج شَيْء لم يكن لَهُ شَيْء
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي من جعل لرجل جعلا على أَن ينكحه وَلَيْسَ
العقد إِلَيْهِ وَلَكِن يسْعَى لَهُ حَتَّى ينكحه فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك
الْجعل وَله أجر مثله
وَرُوِيَ عَنهُ وَقَالَ أَيْضا إِذا قَالَ إِن جئتني بعبدي الْآبِق فلك
دِينَار كَانَ جَائِزا وَله مَا سمى
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأُجْرَة والجعل وَاحِد لَا يُخرجهُ الِاسْم من حكم
الْإِجَارَة
(4/97)
كَالْبيع إِن سمى مقابضة أَو مُبَادلَة
كَانَ بيعا وَالْإِجَارَة لَا تجوز إِلَّا على أُجْرَة مَعْلُومَة وَوقت
مَعْلُوم أَو عمل مَعْلُوم والجعالة لَيست وَاقعَة على مُدَّة مَعْلُومَة
وَلَا عمل مَعْلُوم ففسدت
1779 - فِي اخْتِلَاف الْأَجِير وَالْمُسْتَأْجر
إِذا قَالَ الْخياط أَمرتنِي بقميص وَقَالَ رب المَال أَمرتك بقباء
فَالْقَوْل قَول رب الثَّوْب وَيضمن الْخياط فِي قَول أَصْحَابنَا
وَالثَّوْري
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ القَوْل قَول الْخياط وَكَذَلِكَ
قَالَ مَالك إِلَّا أَن يَأْتِي بِأَمْر لَا يستعملون مثله
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا اسْتَأْجرهُ لهدم بَيت فِي الدَّار فهدم الدَّار
كلهَا فَقَالَ صَاحب الدَّار أَمرتك بهدم بَيت وَاحِد وَقَالَ الآخر
أَمرتنِي بهدم الْجَمِيع فَالْقَوْل قَول الهادم وَكَذَلِكَ إِذا أمره
بِنَزْع ضرسين فَالْقَوْل قَول الْأَجِير إِذا أقرّ الْأَمر أَنه قد أَمر
بِنَزْع ضرس وَاحِد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا أقرّ أَنه أَمر بِقطع الثَّوْب فَالْقَوْل
قَول الْخياط أَنه أمره بقباء وَلَا يصدق الآخر إِلَّا بِبَيِّنَة
وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث
وَقَول عبيد الله بن الْحسن مثل قَوْلنَا
وَالشَّافِعِيّ أَشَارَ إِلَى أَن قَول رب الثَّوْب أشبه بِالْحَقِّ
(4/98)
1780 - فِي الْإِجَارَة على تَعْلِيم
الْقُرْآن وَنَحْوه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز الْإِجَارَة على تَعْلِيم الْقُرْآن
وَالْأَذَان وَالصَّلَاة وَلَا على تَعْلِيم الْفَرَائِض وَالْفِقْه
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن
وَالْأَذَان وَتكره الْإِجَارَة على تَعْلِيم الْفِقْه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ تكره أُجْرَة الْمعلم
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز أخذا الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن
وَالْأَذَان وَالصَّلَاة بهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن أبي السّفر عَن الشّعبِيّ عَن
خَارِجَة بن الصَّلْت عَن عَمه أَنه قَالَ أَقبلنَا من عِنْد رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتينا على حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فَقَالُوا
لنا إِنَّكُم جئْتُمْ من عِنْد الحبر بِخَير فَهَل عنْدكُمْ رقية لمعتوه
عندنَا فَقُلْنَا نعم فَقَرَأت عَلَيْهِ فَاتِحَة الْكتاب ثَلَاثَة أَيَّام
غدْوَة وَعَشِيَّة أجمع بزاقي ثمَّ أتفل وكأنما أنشط من عقال فأعطوني جعلا
فَقلت لَا حَتَّى أسأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته
فَقَالَ كل فلعمري لمن أكل برقية بَاطِل لقد أكلت برقية حق
(4/99)
وهشيم عَن أبي بشر عَن أبي المتَوَكل
النَّاجِي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا فِي غزَاة فَذكر نَحوه فِي ملدوغ فأعطوهم غنما
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذوها واضربوا لي مَعكُمْ
فِيهَا بِسَهْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا ذكر فِي ذَلِك أخذا لجعل على الرّقية والرقية
لَيست بواجبة وَالْأَذَان وَالصَّلَاة وَاجِبَة وَكَذَلِكَ تَعْلِيم
الْقُرْآن وَقد روى يحيى بن أبي كثير عَن زيد بن سَلام عَن أبي سَلام عَن
أبي رَاشد الحبراني عَن عبد الرَّحْمَن بن شبْل الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اقْرَءُوا الْقُرْآن وَلَا تغلوا فِيهِ
وَلَا تجفوا عَنهُ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ
فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأكل بِالْقُرْآنِ
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن سعد بن إِيَاس الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء بن
عبد الله بن الشخير عَن مطرف بن الشخير عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ على
أَذَانه أجرا فَلَو كَانَ أَخذ الْأجر على الْأَذَان جَائِزا لما كره أَن
يتَّخذ من يَأْخُذ عَلَيْهِ أجرا كَمَا أَن العمالة لما كَانَت مُبَاحَة لم
يكره أَن يسْتَعْمل من يَأْخُذ العمالة
كَمَا رُوِيَ عَن عمر أَنه اسْتَعْملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
على الصَّدَقَة فَلَمَّا أديتها إِلَيْهِ
(4/100)
عملني فأبيت أَن آخذه فَقَالَ إِذا أَعطيتك
شَيْئا من غير أَن تسْأَل فَكل وَتصدق
وَقد حثنا أَبُو أُميَّة قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل قَالَ
أخبرنَا الْمُغيرَة بن زِيَاد قَالَ أَخْبرنِي عبَادَة بن نسي عَن الْأسود
بن ثَعْلَبَة عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ كنت أعلم نَاسا من أهل الصّفة
الْقُرْآن فأهدى إِلَيّ رجل مِنْهُم قوسا على أَن أقبلها فِي سَبِيل الله
فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن أردْت أَن
يطوقك الله بهَا طوقا من النَّار فاقبلها
فَإِن قيل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث سهل بن سعد
للرجل قد زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن
قيل لَهُ إِنَّمَا مَعْنَاهُ لأجل الْقُرْآن وَالْمهْر غَيره كَمَا تزوج
أَبُو طَلْحَة أم سليم على إِسْلَامه
1781 - فِي نسج الْغَزل بِبَعْضِه
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ فِي رجل دفع إِلَى
حائك غزلا يحوله ثوبا على النّصْف إِن هَذَا بَاطِل وَله أجر مثله
وَكَذَلِكَ إِذا دفع
(4/101)
إِلَيْهِ ثوبا يَبِيعهُ على أَن مَا كَانَ
من ربح بَينهمَا نِصْفَانِ أَو أعطَاهُ دَارا يواجرها على أَن الْأجر
نِصْفَانِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى هَذَا كُله جَائِز وَالْأَجْر وَالرِّبْح بَينهمَا
نِصْفَانِ بِمَنْزِلَة الْمُزَارعَة والمعاملة وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَاللَّيْث
وَقَالَ اللَّيْث وَيجوز أَن يُعْطِيهِ الرمكة والدجاجة على النّصْف إِذا
جعل لعلفها أَََجَلًا لِأَنَّهُ تَابع لنصف ذَلِك بِمَا شَرط من الْعلف
فَإِذا انْقَضى الْأَجَل كَانَت الدَّجَاجَة والرمكة بَينهمَا نِصْفَيْنِ
فَإِن قيل هلا كَانَ كالمضاربة
قيل لَهُ لِأَن الْمُضَاربَة إِنَّمَا جوزت بِجُزْء من الرِّبْح الطارىء
عَلَيْهَا بِالْعَمَلِ وَلم يجز على جُزْء من رَأس المَال وَكَذَلِكَ
الْمُزَارعَة والمعاملة لَا تشبهان ذَلِك لِأَنَّهَا معقودة على جُزْء من
الْعين الْمَعْقُود عَلَيْهَا
1782 - فِي كِرَاء ضراب الْفَحْل
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
لَا يجوز كِرَاء عسب الْفَحْل
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بكرَاء عسب الْفَحْل إِذا شَرط وقتا مَعْلُوما
وَإِن اسْتَأْجر مِنْهُ ينزيه حَتَّى تعلق مِنْهُ فَذَلِك فَاسد لَا يجوز
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع
ضراب الْفَحْل وَنَافِع عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن عسب الْفَحْل
(4/102)
وَالْأَعْمَش عَن أبي حَازِم عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن الْكَلْب
وعسب التيس وَأَيْضًا فَإِن ضراب الْفَحْل يَقع لنَفسِهِ لَا للْمُسْتَأْجر
1783 - فِي اسْتِئْجَار الظِّئْر والأجير بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَة
قَالَ أَبُو حنيفَة يجوز اسْتِئْجَار الظِّئْر بطعامها وكسوتها الْأَوْسَط
وَلَا يجوز ذَلِك فِي سَائِر الْإِجَارَات
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز شَيْء
من ذَلِك إِلَّا أَن يصفه كَمَا يُوصف فِي الشِّرَاء وَيكون الْإِيجَار
مُؤَجّلا
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يجوز الِاسْتِئْجَار للْأَجِير بطعامه كَمَا
يسْتَأْجر الظِّئْر بذلك لرضاع الصَّبِي
وَقَالَ مَالك يجوز اسْتِئْجَار الدَّابَّة إِلَى مَوضِع بعلفها واستئجار
الْغُلَام بطعامه وَيجوز أَن يكريه إِلَى مَكَّة على أَن عَلَيْهِ طَعَامه
ذَاهِبًا وجائيا وَيجوز اسْتِئْجَار الْأَجِير بكسوة يصفها وبطعام فَقَط
إِذا عجل الْكسْوَة وَهِي بِعَينهَا وسمى لَهَا أَََجَلًا
وَقَالَ الْحسن لَا بَأْس بِأَن يسْتَأْجر الْغُلَام بطعامه وَلَا يستأجره
بكسوته
1784 - فِي أُجْرَة الْقَاسِم
قَالَ أَبُو حنيفَة وَقِيَاس قَول مَالك إِنَّه على عدد الرؤوس وَقَالَ
أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ على قدر الْأَنْصِبَاء
(4/103)
1785 - فِي الِاخْتِلَاف فِي الْأجر
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْأُصُول إِذا فرغ من الْعَمَل وَاخْتلفَا فِي
الْأُجْرَة فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر
وَذكر إِبْرَاهِيم بن الْجراح عَن أبي يُوسُف أقبل قَول الْمُسْتَأْجر إِذا
كَانَ متقاربا وأحلفه وَإِذا تفَاوت لم أقبل قَوْله وَكَانَ لِلْعَامِلِ
أجر مثله وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي ويوسف أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ
وللأجير أجر مثله
وَقَول شبْرمَة وَالثَّوْري كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الصَّانِع إِلَّا أَن يَأْتِي بِشَيْء مستنكر
1786 - فِي الْجمال يدعى عَلَيْهِ قبض الْكِرَاء
قَالَ أَصْحَابنَا القَوْل قَول إِن لم يقبض
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الْجمال مَا دَامَ الْمَتَاع فِي يَده وَإِن
بلغ الْموضع وَسلمهُ إِلَى صَاحبه ثمَّ قَامَ بعد ذَلِك بِيَوْم أَو
يَوْمَيْنِ أَو أَمر قريب فَالْقَوْل قَوْله وَإِن تطاول ذَلِك فَالْقَوْل
قَول المستكري أَنه قد دفع مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ الْخياط والصباغ إِذا
سلمُوا الثِّيَاب يقر على هَذَا
(4/104)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل
عَن غير مَالك
1787 - إِذا ادّعى المكاري أَنه قد حمل
قَالَ مَالك إِذا دفع إِلَى رجل كتابا أَو حمولة يحملهُ إِلَى مَوضِع ذكره
لَهُ ثمَّ قَالَ قد حَملته فَأعْطِنِي الْكِرَاء فَالْقَوْل قَوْله وَله
الْأجر وَلَا يصدق المستكري أَنه لم يحملهُ لِأَنَّهُ قد ائتمنه على حمله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد غير مَالك وَقَوله
إِنَّه أَمِين فَإِنَّمَا هُوَ أَمِين فِي بَرَاءَة نَفسه إِذا قَالَ قد
ضَاعَ فَأَما أَن يسْتَحق بِهِ على غَيره فَلَا
1788 - فِي الصَّانِع يَدعِي أَنه قد رد الْمَصْنُوع
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْخياط والصناع وَنَحْوه إِذا ادّعى أَنه قد رد
الْمَصْنُوع فَالْقَوْل قَوْله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يصدق وَالْقَوْل قَول صَاحب الشَّيْء
مَعَ يَمِينه
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول رب الشَّيْء سَوَاء علمه بِأَجْر أَو بِغَيْر
أجر
1789 - فِي الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمسَافَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلفَا فَقَالَ أكريتني إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة
دَرَاهِم وَقَالَ
(4/105)
الآخر أكريتك إِلَى الْقصر بِعشْرَة وَلم
تركب فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويترادان فَإِن قَامَت بَيِّنَة
فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمُسْتَأْجر إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة
وَقَالَ مَالك إِذا أنقده الْكِرَاء فَالْقَوْل قَول رب الدَّابَّة وَإِن
لم ينقده قسم الْكِرَاء على الْموضع الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ والموضع
الَّذِي ادّعى رب الدَّابَّة الْكِرَاء إِلَيْهِ فَيعْطى المكاري حِصَّته
إِلَى ذَلِك الْمَكَان الَّذِي بلغه
وَقَالَ الشَّافِعِي يَتَحَالَفَانِ فيترادان فَإِن كَانَ قد ركب شَيْئا
فَعَلَيهِ قيمَة مَا ركب
1790 - فِي وَقت الْخدمَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر عبدا لخدمة شهر فَإِنَّهُ يستخدمه من
السحر إِلَى الْعشَاء الْآخِرَة وَإِلَى أَن ينَام كَمَا يخْدم النَّاس
وَقَالَ مَالك مَا عرف النَّاس فِي اسْتِخْدَام العبيد
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي لَا يضر بِهِ الضَّرَر الْبَين وَمَا يعرف
النَّاس أَنه يُطيق المداومة عَلَيْهِ
1791 - فِيمَن شَرط الْآجر من قبل الْبناء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجرهُ لبِنَاء حَائِط مَعْلُوم وَشرط الْآجر
والجص من عِنْد الْبناء لم يجز وَقَالَ مَالك يجوز أَن يستأجره ليبني لَهُ
دَارا على أَن الْآجر والجص من عِنْد الْأَجِير وَإِن لم يضْرب لَهُ
أَََجَلًا
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنه فَاسد
(4/106)
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يفْسد من
وَجْهَيْن أَحدهمَا جهالته وَالْآخر أَنه بيع مَا لَيْسَ عِنْده
فَإِن قيل قد يسْتَأْجر الْخياط والصباغ والخيوط والصبغ من الْأَجِير
قيل لَهُ هَذَا مَخْصُوص من جملَة الْقيَاس بِالْإِجْمَاع
1792 - فِي علاج الْعين بالكحل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر كحالا على أَن يكحل عينه كل شهر بدرهم
فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ الدَّوَاء فِي كل دَاء
وَقَالَ مَالك إِذا اسْتَأْجر كحالا يكحل عينه كل شهر بدرهم فَهَذَا على
الْبُرْء فَإِن برأَ فَلهُ حَقه وَإِلَّا فَلَا شَيْء وَإِذا كَانَ صَحِيح
الْعين فَشرط أَن يكحله شهرا بدرهم بالإثمد جَازَ وَالْإِجَارَة فِيهِ
جَائِزَة قَالَه ابْن الْقَاسِم على قِيَاس قَول مَالك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس أَن يشارط الطَّبِيب على الْبُرْء ويشارط
فِي العَبْد على تَعْلِيمه عملا فَإِن كَانَ ذَلِك فَلهُ الْأجر الْمُسَمّى
وَإِن لم يكن ذَلِك فَلهُ أجر مثله وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّوَاء فِي العلاج بِمَنْزِلَة الخيوط والخياط
(4/107)
1793 - فِي أجر الرَّاعِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجرهُ شهرا لرعي الْغنم فَهُوَ جَائِز وَهُوَ
أجِير خَاص لَا يَأْخُذ غنم غَيره فَإِن نقص الْغنم فَلهُ الْأجر وَإِن
أَرَادَ أَن يزِيد فَلهُ أَن يزِيدهُ بِقدر مَا يُطيق وَإِن كَانَ قد سمى
غنما بِأَعْيَانِهَا وَلَو لم يستأجره شهرا وَلكنه دفع إِلَيْهِ غنما
فَسَماهُ على أَن يرعاها لَهُ كل شهر بدرهم فَهَذَا مُشْتَرك لَا يزِيد
فِيهَا فَإِن هلك بَعْضهَا نقص من الْأجر بِحِسَابِهِ
وَقَالَ مَالك فِيمَن بَاعَ سلْعَة بِثمن على أَن ينجز لَهُ فِي ثمنهَا سنة
وَشرط أَنه إِن تلف المَال أخلفه البَائِع حَتَّى يتم علمه سنة فَهَذَا
جَائِز وَإِن لم يشْتَرط إخلافه لم يجز
كَذَلِك إِذا اسْتَأْجرهُ يرْعَى لَهُ غنمه هَذِه بِأَعْيَانِهَا سنة فَإِن
لم يشْتَرط فِيهَا أَن مَا مَاتَ مِنْهَا فعلى رب الْغنم أَن يخلفه فَلَا
خير فِي هَذِه الْإِجَارَة فَإِن شَرط أَن يخلفها ثمَّ لم يخلفها اسْتحق
الْأجر بِمُضِيِّ السّنة فَإِذا انْفَسَخت الْإِجَارَة بِمَوْت الْغنم لم
يجز وَإِن لم يَنْفَسِخ جَازَ هَذَا أَصله
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا اسْتَأْجر الرَّاعِي يرْعَى غنما فَلَيْسَ
لَهُ أَن يَأْخُذ من غَيره إِلَّا بِإِذْنِهِ وَله أجر مَا رعى للنَّاس قبل
أَن يمنعهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ قَول سَاقِط لِأَنَّهُ لم يشْتَرط مُدَّة
للإجارة فَلَو جَازَت الْإِجَارَة كَانَ أَجِيرا مُشْتَركا
1794 - إِذا ادّعى الْمُسْتَأْجر ارْتِفَاع التَّسْلِيم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا جَاءَ بِالْعَبدِ الْمُسْتَأْجر
للْخدمَة فَقَالَ أبق حِين أَخَذته أَو مرض فَإِن كَانَ مَرِيضا أَو آبقا
فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر وَإِن كَانَ فِي يَده صَحِيحا فَالْقَوْل
قَول المؤاجر
(4/108)
وَقَالَ مَالك إِذا اسْتَأْجر فسطاطا
ذَاهِبًا أَو جائيا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ قد ضَاعَت فِي الْبَريَّة
فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر فِي الضّيَاع وَيلْزمهُ الْكِرَاء كُله
1795 - فِي الصَّبِي الْمُسْتَأْجر يبلغ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أجر الْوَصِيّ الْيَتِيم فَبلغ فِي مُدَّة
الْإِجَارَة كَانَ لَهُ فَسخهَا وَلَو أجر دَاره أَو عَبده ثمَّ بلغ لم يكن
لَهُ فَسخهَا
وَقَالَ مَالك إِن أجر الْوَصِيّ دَاره فِي مُدَّة يظنّ أَن الصَّبِي لَا
يبلغ فِي مثلهَا لم يكن لَهُ أَن يرد مَا صنع وَإِن علم أَن الصَّبِي
يَحْتَلِم قبل ذَلِك لم يجز ذَلِك عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي العَبْد الْمُسْتَأْجر للْخدمَة إِذا أعْتقهُ
المؤاجر جَازَ عتقه ومضي على الْإِجَارَة وَيرجع بهَا على السَّيِّد
فَإِذا كَانَ هَذَا مذْهبه فِي العَبْد فَفِي الْوَصِيّ أَحْرَى أَن لَا
يفْسخ ببلوغ الصَّبِي
1796 - فِي اسْتِئْجَار الدَّابَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة
فَلهُ أَن يذهب بهَا إِلَى أَي نَوَاحِيهَا شَاءَ وَإِن اسْتَأْجر دَابَّة
إِلَى الرّيّ كَانَت الْإِجَارَة فَاسِدَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا اكترى إِلَى الرّيّ فَهُوَ إِلَى مدينتها وَإِذا
اكتراها إِلَى الشَّام أَو إِلَى خُرَاسَان فالكراء فَاسد
(4/109)
قَالَ مَالك لَا يجوز الْكِرَاء إِلَى
الشَّام وَإِن اكترى إِلَى فلسطين نظر إِلَى معارف النَّاس فَإِن كَانَ
عِنْدهم إِلَى الرملة فَهُوَ إِلَى الرملة وَإِذا اكترى إِلَى مصر فَهُوَ
إِلَى الْفسْطَاط
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا اكترى إِلَى الْكُوفَة فَإِنَّهُ يبلغهُ أَهله
وَإِن كَانَ فِي أقْصَى الْكُوفَة
وَعند الشَّافِعِي الْمُتَعَارف
1797 - الِاخْتِلَاف فِي مِقْدَار العصفر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلفَا فِي مِقْدَار العصفر الَّذِي أمره أَن
يصْبغ بِهِ فَالْقَوْل قَول رب الثَّوْب
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الصّباغ إِذا كَانَ مَا فِي العصفر من الثَّوْب
يشبه أَن يكون كَمَا قَالَ الصّباغ لِأَنَّهُ قد ائتمنه على ذَلِك
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن يكون القَوْل قَول رب الثَّوْب
1798 - فِي الظِّئْر لَهَا زوج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أذن لَهَا الزَّوْج فِي أَن تؤاجر نَفسهَا ظِئْرًا
فلأهل الصَّبِي أَن يمنعوه فِي وَطئهَا فِي منزلهم وَلَيْسَ لَهُم أَن
يمنعوه من وَطئهَا فِي منزله
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت الْإِجَارَة بِإِذن زَوجهَا لم يكن للزَّوْج أَن
يَطَأهَا
(4/110)
فِي الظِّئْر تُرِيدُ فسخ الْإِجَارَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم تعرف بِمثل ذَلِك فلهَا أَن لَا ترْضع وَإِن
كَانَت تعرف بِهِ فَهُوَ جَائِز عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَن تتْرك إِلَّا
من عذر
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهَا أَن تفسخ الْإِجَارَة وَإِن كَانَت شريفة غير
مَعْرُوفَة بذلك
1800 - إِذا مَاتَ أَبُو الرَّضِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إذااستأجر ظِئْرًا لِابْنِهِ ثمَّ مَاتَ الْأَب لم
تنْتَقض الْإِجَارَة وَالشَّافِعِيّ يَقُول بِهِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لإخوة الصَّبِي أَن يقبضوه مِنْهَا
1801 - فِي الْإِجَارَة بِمَا فِي الذِّمَّة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز إِلَّا على مَا يجوز مثله فِي البيع وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يكون الْأجر عبدا مُؤَجّلا وثيابا مُؤَجّلَة
كَالْبيع وَلَا يجوز إِذا لم يشْتَرط الْأَجَل فِيهِ
وَعند الشَّافِعِي إِذا كَانَت الْمَنَافِع مَضْمُونَة فسبيل إبدالها أَن
يكون حَالَة كالسلم
1802 - فِي اسْتِئْجَار الشَّرِيك
قَالَ أَصْحَابنَا فِي طَعَام بَين رجلَيْنِ اسْتَأْجر أَحدهمَا صَاحبه على
حمل
(4/111)
يُصِيبهُ مِنْهُ غير مقسوم أَو على طحنه لم
يجز ذَلِك وَإِن فعل فَلَا أجر لَهُ وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجر نصف دَابَّة
بَينهمَا تحمل شَيْئا لَهُ لم يجز
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ غزل بَين رجلَيْنِ اسْتَأْجر أَحدهمَا صَاحبه على
أَن ينسجه بِدَرَاهِم مُسَمَّاة لم يجز لِأَن النسج إِذا لزمَه لَا يقدر
أَن يَبِيع نصِيبه من الْغَزل وَلَو كَانَ بَينهمَا غنم اسْتَأْجرهُ على
أَن يرعاها بِنصْف أجرهَا جَازَ إِذا كَانَ إِن مَاتَت الْغنم أخلف لَهُ
مثل حِصَّته وَإِن كَانَ بَينهمَا حِنْطَة فاستأجره على أَن يطحنها كلهَا
لم يجز وَإِن شَرط طحن حِصَّته جَازَ
وَقِيَاس مَذْهَب اللَّيْث أَن الْإِجَارَة فَاسِدَة إِذا شَرط الْعَمَل
فِي النَّصِيبَيْنِ وللعامل أجر مثله
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا اسْتَأْجرهُ لحمل شَيْء بَينهمَا قد وَقعت
الْإِجَارَة على حمل نصِيبه على أَن يحمل مَعَه نصيب الْأَجِير فقد اشْترط
شرطا يفْسد الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يقدر على حمل مَا اُسْتُؤْجِرَ
عَلَيْهِ إِلَّا بِحمْل مَا لم يدْخل فِي الْإِجَارَة وَلَيْسَ كَذَلِك
إِجَارَة نصف الْبَيْت على قَوْلهمَا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يسْتَحق الْأجر
فِيهِ بِالتَّسْلِيمِ لَا غير وَقد يَصح تَسْلِيم النّصْف مشَاعا
1803 - فِي التَّصَرُّف فِي الْأُجْرَة ثمَّ تنْتَقض الْإِجَارَة
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء فِي رجل اسْتَأْجر رجلا بِدَرَاهِم حَالَة
فَأعْطَاهُ بهَا دَنَانِير أَو عرضا ثمَّ انتقضت الْإِجَارَة رد الْأجر
نَفسه دون الْمَقْبُوض وَالشَّافِعِيّ يَقُول بِهَذَا
وَقَالَ مَالك إِذا أَخذ عَن الدَّنَانِير دَرَاهِم رد الدَّرَاهِم وَإِذا
أَخذ عرضا رد الدَّنَانِير ذكر ذَلِك فِي البيع وَالْإِجَارَة مثله
(4/112)
1804 - فِي الْبِئْر تتهور
إِذا اسْتَأْجرهُ ليحفر لَهُ بِئْرا فِي دَاره فحفرها ثمَّ انهارت قبل أَن
يفرغ مِنْهَا فَلهُ من الْأجر بِحِسَابِهِ وَكَذَلِكَ لَو كَانَت فِي فنائه
وَلَو كَانَت فِي الْجَبانَة فحفرها فانهارت فَلَا أجر لَهُ حَتَّى
يُسَلِّمهَا إِلَى صَاحبهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا اسْتَأْجرهُ يحْفر لَهُ بِئْرا
فحفرها فانهدمت فَإِن كَانَ بعد فَرَاغه مِنْهَا فَلهُ الْأجر وَإِن
انْهَدَمت قبل الْفَرَاغ فَلَا أجر لَهُ
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَيْضا أَنه إِذا اسْتَأْجرهُ يحْفر لَهُ
بِئْرا صفتهَا كَذَا فحفر نصفهَا فانهدمت فَلهُ من الْأجر بِقدر مَا عمل
إِلَّا أَن يكون ذَلِك من وَجه الْجعل وَهُوَ أَن يَجْعَل لَهُ جعلا على
أَن يحْفر لَهُ بِئْرا بِعشْرين درهما فَإِن حفرهَا فانهدمت قبل أَن
يُسَلِّمهَا إِلَى صَاحبهَا فَلَا شَيْء لَهُ
فَذَلِك اخْتِلَاف رِوَايَتَيْنِ وَلم يذكر فِيهَا فرقا بَين حفرهَا فِي
ملكه أَو غير ملكه
1805 - إِذا لم يسم مَا يحمل على الدَّابَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتَصمَا قبل أَن يحمل انتقضت الْإِجَارَة فَإِن
حمل عَلَيْهَا كَمَا يحمل النَّاس فَعَطب فَلَا ضَمَان وَإِن سلم فَلهُ
الْأجر الْمُسَمّى
وَقَالَ زفر لَهُ أجر الْمثل وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ
(4/113)
1806 - فِي بيع الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بَيْعه إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ دين فحبس بِهِ
فَبَاعَهَا فِي دينه فَهَذَا عذر وَالْبيع جَائِز
وَحكى ابْن أبي عمرَان عَن أبي يُوسُف فِي إمْلَائِهِ أَن المُشْتَرِي إِن
علم أَنه مُسْتَأْجر فَالْبيع جَائِز وينتظر انْقِضَاء الْإِجَارَة
بِمَنْزِلَة من اشْترى سلْعَة وَعلم بهَا عَيْبا وَإِن لم يعلم أَنه
مُسْتَأْجر فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ فسخ البيع وَإِن شَاءَ رَضِي
وَلَا يخْتَلف قَوْله فِي الْوَارِث إِذا بَاعَ الدَّار الْمُوصى لرجل
بسكناها إِن ذَلِك لَا يجوز إِلَّا أَن يُخبرهُ الْمُوصى لَهُ بِالسُّكْنَى
وَهُوَ قَول اللَّيْث فِي الْإِجَارَة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يقطع البيع الْإِجَارَة
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز البيع
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يجوز إِلَّا من عذر وَكَذَلِكَ سَائِر
الْأَعْذَار لَهُ أَن يفْسخ بهَا نَحْو أَن يسْتَأْجر غُلَاما لعمل فيبدو
لَهُ فِي ذَلِك الْعَمَل ويتحول عَنهُ وَمثل أَن يُرِيد الْمولى أَن
يُسَافر بالغلام
وَقد قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أجَاز الْمُسْتَأْجر البيع انتقضت الْإِجَارَة
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِن أجَاز الْمُسْتَأْجر البيع فللمشترى
الْملك وَلِهَذَا الْخدمَة وَإِن شَاءَ ردا البيع
وَقَالَ فِيهِ قَول ثَان إِن البيع منتقض لِأَنَّهُ يحول بَينه وَبَينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن المؤاجر لَو أَرَادَ فسخ
الْإِجَارَة من غير بيع لم يكن لَهُ ذَلِك فَلَا يجوز لَهُ فَسخهَا
بِالْبيعِ أَيْضا
(4/114)
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت لمُدَّة قريبَة
فَلَيْسَ للْمُسْتَأْجر فسخ البيع وَإِذا كَانَت بعيدَة فَلهُ فَسخه
وَهَذَا فَاسد لِأَن قَلِيل الْمدَّة وبعيدها لَا يخْتَلف فِيهَا حق
الْمُسْتَأْجر
وَقَالَ مَالك فِي بعيد الْمدَّة إِن البيع بَاطِل وَكَانَ الأولى بِهِ أَن
يقفه لِأَنَّهُ يرى البيع الْمَوْقُوف
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يجوز أيستوفي الْمَنَافِع فِي ملك المُشْتَرِي
إِذا أجَاز الْمُسْتَأْجر البيع لِأَن البَائِع عقد على مَنَافِع طارئة على
ملكه فِي المستأنف غير مَمْلُوكَة بِالْعقدِ بِدلَالَة أَن هَلَاك العَبْد
بعد الْإِجَارَة يبطل العقد فَيصير حِينَئِذٍ الْمَنَافِع كَأَنَّهَا
مُسْتَثْنَاة على المُشْتَرِي فِي ملكه وَذَلِكَ يمْنَع جَوَاز البيع
وَلَيْسَ كالأمة الْمُزَوجَة إِذا بِيعَتْ لِأَن الْبضْع بِمَنْزِلَة
الْمَمْلُوك بِالْعقدِ بِدلَالَة أَن هلاكها بعد العقد لَا يبطل الْمهْر
وَأَن كَونهَا مُزَوّجَة لَا يمْنَع جَوَاز عقد البيع عَلَيْهَا بِغَيْر
إِذن الزَّوْج
1807 - فِي الْأُجْرَة لَهَا حمل ومؤونة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْإِجَارَة إِذا لم يكن لَهُ حمل ومؤونة أوفاها
حَيْثُ مَا أَخذه وَإِن كَانَ لَهُ حمل ومؤونة لم يجز فِي قَول أبي حنيفَة
حَتَّى يشْتَرط الْموضع الَّذِي يوفيها فِيهِ
وَفِي قَوْلهمَا يَدْفَعهُ عِنْد الأَرْض وَالدَّار
وَفِي الحمولة مَا وَجب فِي الْعَمَل بِيَدِهِ حَيْثُ يُوفيه الْعَمَل
وَقَالَ مَالك إِذا اكترى إبِلا إِلَى مَكَّة بِطَعَام مَضْمُون وَلم يذكر
مَوضِع الْإِيفَاء وَلَا ضرب لَهُ أَََجَلًا فَهُوَ فَاسد إِذا لم يكن
للنَّاس عَادَة يحملون عَلَيْهَا
(4/115)
1808 - فِي مُسْتَأْجر الدَّابَّة إِذا حمل
عَلَيْهَا غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة بِعَينهَا ليرْكبَهَا فَحمل
عَلَيْهَا غَيره ضمن وَالْأَجْر عَلَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة
وَالْحسن بن حَيّ فِي انه لَا يركبهَا غَيره
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه لَا يفعل وَالْأُخْرَى إِذا
كَانَ مثله أَو دونه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ذكر الرّبيع عَن
الشَّافِعِي أَنه اعْتبر الجثة وَقَالَ فِي العنف إِن لم يكن كركوب النَّاس
ضمن وَإِن كَانَ كركوب النَّاس لم يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَن اسْتَأْجر دَابَّة ليحمل
عَلَيْهَا حِنْطَة مَعْلُومَة الْمِقْدَار فَحمل عَلَيْهَا شَعِيرًا
بمقدارها أَنه لَا يضمن وَلَو حمل عَلَيْهَا حديدا ضمن كَذَلِك الرِّجَال
متفاوتون فِي الْحمل على الدَّابَّة وَلَا يضْبط الْمُسَاوَاة فِيمَا
بَينهم
1809 - فِي الْمُسْتَأْجر يجوز بالدابة الْموضع الْمَشْرُوط ثمَّ يردهَا
قَالَ فِي الأَصْل فِي الرجل يسْتَأْجر دَابَّة ليرْكبَهَا إِلَى الْحيرَة
فجاوز بهَا الْقَادِسِيَّة ثمَّ ردهَا إِلَى الْحيرَة فعطبت فَهُوَ ضَامِن
فِي قَوْله الثَّانِي الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْعَارِية
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا اسْتَأْجر دَابَّة أَيَّامًا
مَعْلُومَة يركبهَا فِي
(4/116)
الْمصر فَخرج عَلَيْهَا من الْمصر ثمَّ
ردهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى الْمصر فعطبت لم يضمن كَالْوَدِيعَةِ
وَذكر بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا اسْتَأْجر دَابَّة بِأَجْر
مَعْلُوم إِلَى مَوضِع مَعْلُوم فجاوز ذَلِك الْموضع ثمَّ ردهَا فَمَاتَتْ
فِي الْموضع الَّذِي سمي فَهُوَ ضَامِن وَعَلِيهِ الْكِرَاء فِي الْبدَاءَة
إِلَى الْموضع الَّذِي سمي وَيبْطل الْكِرَاء عَنهُ فِيمَا بعد الْخلاف
وَذكر الْحسن بن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف فِي رجل اسْتَأْجر دَابَّة من
بَغْدَاد إِلَى الْكُوفَة فَجَاز بهَا إِلَى الْقَادِسِيَّة فَصَارَ
ضَامِنا غَاصبا ثمَّ أمْسكهَا فَتلفت فِي يَده أَنه بَرِيء من ضَمَانهَا
وَلَو اسْتَأْجرهَا ذَاهِبًا وجائيا فَجَاز ثمَّ رَجَعَ لم يبرأ من
الضَّمَان لِأَن من اسْتَأْجرهَا ذَاهِبًا وجائيا عَلَيْهِ ردهَا إِلَى
صَاحبهَا وَالَّذِي يسْتَأْجر إِلَى الْكُوفَة على المؤاجر أَن يبْعَث
مَعَه من يقبضهَا مِنْهُ فَلَمَّا لم يفعل كَانَ الْمُسْتَأْجر ممسكا لَهَا
لصَاحِبهَا فبرىء بإمساكه لَهَا
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر إِذا اسْتَأْجرهَا من الْكُوفَة إِلَى
الْقَادِسِيَّة ذَاهِبًا وجائيا فَجَاز الْقَادِسِيَّة ثمَّ ركبهَا رَاجعا
إِلَى الْكُوفَة فَعَلَيهِ الْأجر ذَاهِبًا وجائيا وَإِن أَصَابَهَا شَيْء
من حِين جَاوز الْقَادِسِيَّة ضمن وَإِن سلمت إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى
الْقَادِسِيَّة ثمَّ أَصَابَهَا شَيْء إِلَى الْكُوفَة فَلَا ضَمَان
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا جَاوز الْقَادِسِيَّة فَهُوَ ضَامِن حَتَّى
يردهَا إِلَى صَاحبهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ كِرَاء فِي رُجُوعه وَعَلِيهِ نصف
الْكِرَاء فِي الذّهاب
(4/117)
قَالَ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة هَذَا
رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد
وَقَالَ مَالك فِي الْعَارِية إِذا تعدى عَلَيْهَا إِلَى مَوضِع قريب أَو
بعيد فعطبت ضمن وَإِن تعدى فَردهَا وَكَانَ بقرية قريبَة الأميال ونحتوها
فَلَا عَلَيْهِ شَيْء إِذا سلمت وَعَلِيهِ كِرَاء مَا تعدى فِيهِ فَإِن
كَانَ تعدى بَعيدا كَانَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ دَابَّته وكراء مَا
تعدى وَإِن شَاءَ أَخذ قيمتهَا يَوْم تعدى
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ إِذا تعدى فجاوز الْموضع ضمن وَلَا يبرأ
إِلَّا بردهَا إِلَى صَاحبهَا
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الْوَدِيعَة إِذا تعدى ثمَّ نزل عَنْهَا برىء
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يبرأ
1810 - فِي الْإِقَالَة فِي الْإِجَارَة على زِيَادَة الْأجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْإِقَالَة قبل الْقَبْض فسخ عِنْد أَصْحَابنَا وَبعد
الْقَبْض عِنْد أبي حنيفَة كَذَلِك فَلَا تصح إِلَّا على الثّمن الأول
فَأَما الْإِجَارَة فَإِنَّهُ يَصح فِيهَا الْفَسْخ وَلَا يَصح فِيهَا عقد
إِجَارَة بَينه وَبَين المؤاجر
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد لَا يجوز للْمُسْتَأْجر أَن يُؤَاجر مَا
اسْتَأْجرهُ من المؤاجر بعد الْقَبْض وَلَا قبله لِأَنَّهُ لَو جَازَ كَانَ
على كل وَاحِد تَسْلِيم مَنَافِع غَيره وَأَخذه فِي وَقت وَاحِد إِلَى
صَاحبه فَيبْطل
وَقَالَ مَالك إِذا أنقده الْكِرَاء فَإِنَّهُ تجوز إقالته بِزِيَادَة على
رَأس المَال مَا لم يبرحا فَإِن تفَرقا جَازَت الزِّيَادَة من
الْمُسْتَأْجر وَلَا تجوز من المؤاجر
(4/118)
1811 - فِي جِنَايَة الْأَجِير الْمُشْتَرك
قَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ ضَامِن لما جنت يَدَاهُ وَإِن لم يُخَالف والتبزيغ
والحجامة إِذا حدث عَنْهَا الْمَوْت لم يضمن وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر لَا يضمن مَا جنت يَدَاهُ إِلَّا أَن يُخَالف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى يضمن مَا هلك عِنْده من
جِنَايَته
1812 - فِي هَلَاك الدَّابَّة الْمُسْتَأْجرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اكترى دَابَّة بِغَيْر عينهَا يحملهُ إِلَى حلوان
فضعفت عَن حمله فِي الطَّرِيق فَعَلَيهِ أَن يبدلها وَإِن كَانَ اكتراها
بِعَينهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يبدلها وَهُوَ قَول البتي وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يقدر فِيهِ على الْكِرَاء
فَإِنَّهُ يتَحَوَّل على دَابَّة مَكَانهَا إِن رَضِي الْكِرَاء وَإِن
كَانَ الْكِرَاء فِيهِ مَوْجُودا لَا يتَحَوَّل إِلَى غَيرهَا
(4/119)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَجَازَ عُثْمَان
البتي إِجَارَة مسكن لَا بِعَيْنِه وَهَذَا لم نجده عَن أحد من أهل الْعلم
1813 - فِي إِجَارَة الْحلِيّ
لم يكرههُ أحد من الْفُقَهَاء إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ كرهه وَلَا يحرمه
1814 - فِي إِجَارَة الدَّرَاهِم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز إِلَّا أَن يُقَال أستأجره لأزن بِهِ ويوقت
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِجَارَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والفلوس
وَيكون قرضا
1815 - فِي أُجْرَة الْأَرْضين
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز إِجَارَة الْأَرْضين المزروعة بِمَا تجوز بِهِ
سَائِر الْإِجَارَات وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَكره مَالك أَن يستأجرها بثمر أَو حِنْطَة مِمَّا تخرج مِنْهَا أَو من
غَيرهَا وَيجوز أَن يكتريها
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا تكرى الأَرْض بِشَيْء مِمَّا تنْبت
الأَرْض وَإِن كَانَ لَا يُؤْكَل
(4/120)
وَقَالَ مَالك وَلَا يجوز استئجارها بالسمن
وَالْعَسَل والجبن وَاللَّبن كَمَا لَا يجوز بالقمح لِأَنَّهُ يصير كالقمح
بالسمن وَالْعَسَل إِلَى أجل قَالَ وَلَا تكرى بالملح وَلَا بالكتان
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا يخرج من الأَرْض لَيْسَ بِبَدَل عَن الْأُجْرَة
فَيعْتَبر فِيهِ مَا ذكره مَالك فَيجوز بيع اللأرض بِهَذِهِ الْأَشْيَاء
1816 - فِي الْإِجَارَة على عمل مَا لَيْسَ عِنْده
قَالَ فِي الأَصْل إِذا اسْتَأْجرهُ على أَن يقصر لَهُ عشرَة أَثوَاب بدرهم
وَلم يره الثِّيَاب وَلم يكن عِنْده فَهَذَا فَاسد وَلَو سمى لَهُ جِنْسا
من الثِّيَاب لم تجز مَا لم يرهَا إِيَّاه
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا اسْتَأْجرهُ بِعشْرَة دَرَاهِم
على أَن يحلج لَهُ قطنا مَعْلُوما وَسَماهُ مرويا أَو حشنا فَهَذَا جَائِز
إِذا كَانَ الْقطن عِنْده وَلَا يجوز استئجاره على عمل مَا لَيْسَ عِنْده
كَمَا لَا يجوز بيع مَا لَيْسَ عِنْده وَلَو قَالَ تقصر لي مائَة ثوب
مَرْوِيّ بِكَذَا جَازَ إِذا كَانَت الثِّيَاب عِنْده وَهُوَ بِالْخِيَارِ
إِذا رأى الثِّيَاب وَلَا يشبه الْقطن لِأَن قصارة الثِّيَاب تخْتَلف على
حسب دقتها ورقتها وَكَانَ لَهُ الْخِيَار والقطن لَا يخْتَلف فِيهِ
النَّوْع الْوَاحِد مِنْهُ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن يشارط الخباز أَن يخبز لَهُ شَيْئا مُسَمّى
إِلَّا أَنه يَأْتِيهِ الْيَوْم بِمد وَغدا بِصَاع وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعَمَل الْحَاصِل فِي الثَّوْب بِمَنْزِلَة
الْمَبِيع أَلا ترى أَن للصانع حَبسه بِالْأُجْرَةِ كحبس الْمَبِيع فَلم
يجز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ عِنْد
(4/121)
مستأجره لِأَن صِحَة الْعَمَل فِيهِ مضمنة
بِمَا يَقع فِيهِ الْعَمَل وَلَيْسَ كَذَلِك الْأَجِير الْحَاضِر لِأَنَّهُ
يسْتَحق الْأجر بِتَسْلِيم نَفسه لَا بِعَمَل وَاقع فِي عين
1817 - فِي الْمُسْتَأْجر يتَعَدَّى فِي المركوب أَو الدَّار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة إِلَى مَوضِع فجاوز بهَا ذَلِك
الْموضع أَو كَانَ سُكْنى دَار شهرا فسكنها شَهْرَيْن فَعَلَيهِ الْأجر
الْمُسَمّى وَلَا أجر عَلَيْهِ فِيمَا تعدى فِيهِ وَبِه يَقُول الثَّوْريّ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَاللَّيْث عَلَيْهِ الْكِرَاء الْمُسَمّى والكراء
إِلَى حَيْثُ شَاءَ بِحَسب مَا اكترى سَوَاء عطبت أَو سلمت إِلَّا أَنَّهَا
إِذا عطبت ضمنهَا أَيْضا
وَقَالَ مَالك إِن تعدى الْميل والميلين فَلَا قيمَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ
الْكِرَاء إِذا ردهَا على حَالهَا وَإِن اسْتَأْجر ثوبا شهرا فحبسه
فَعَلَيهِ الْكِرَاء بِقدر مَا حَبسه بِغَيْر لبس وَلَا يكون عَلَيْهِ مثل
أجر من لبس
قَالَ مَالك وَإِن غصب حرا فاستخدمه فَعَلَيهِ الْكِرَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تعدى بالدابة إِلَى مَوضِع آخر فَعَلَيهِ الْأجر
الْمُسَمّى وَعَلِيهِ أجر الْمثل فِيمَا تعدى فِيهِ
قَالَ وَلَا يخْتَلف عَنهُ فِيمَن غصب حرا فَاسْتَعْملهُ فِي عمل أَنه لَا
أجر عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَفرق بَين الْحر وَالْعَبْد
1818 - فِي غصب الْغَاصِب هَل يسْقط الْأجر عَن الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصب الدَّار الْمُسْتَأْجرَة غَاصِب حَتَّى
انْقَضتْ الأجارة
(4/122)
فَلَا أجر على الْمُسْتَأْجر وَهُوَ قَول
البتي وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن غصبه سُلْطَان لَا ينتصف مِنْهُ فَلَا أجر عَلَيْهِ
وَإِن غصبه غير سُلْطَان فَعَلَيهِ الْكِرَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر على المؤاجر إدامة تَسْلِيمهَا إِلَى الْمُسْتَأْجر
وَلَا يُبرئهُ التَّسْلِيم الأول من ذَلِك بِدلَالَة السُّلْطَان إِذا غصب
فَوَجَبَ أَن يكون غير السُّلْطَان مثله كَالْبيع إِذا غصبه غَاصِب من يَد
البَائِع لَا يخْتَلف حكمه أَن يكون سُلْطَانا وَغَيره فِي أَن المُشْتَرِي
لَا يلْزمه الثّمن
1819 - فِي الْإِجَارَة بالمنافع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز سُكْنى دَار بسكنى دَار وَكَذَلِكَ سَائِر
الْمَنَافِع لَا يجوز بجنسها
وَقَالَ مَالك لابأس بسكنى دَار بسكنى أُخْرَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف فِي جَوَاز بيع دَار بدار كجوازه بِغَيْر
الدّور إِلَّا أَن ذَلِك أَعْيَان وللمنافع أصل آخر فِي امْتنَاع جَوَاز
الْجِنْس بِالْجِنْسِ مِنْهُ
وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّهْي عَن
الشّغَار وَهُوَ قَول مَالك بضع ببضع والأبضاع مَنَافِع فالعقود عَلَيْهَا
كعقود الْإِجَارَات على الْمَنَافِع
(4/123)
1820 - فِي منع التَّسْلِيم فِي بعض
الْمدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَارا مُسَمَّاة فَمَنعه إِيَّاهَا شهرا
أَو أَكثر ثمَّ أَرَادَ أَن يسلم إِلَيْهِ فِي بَقِيَّة الْمدَّة فَلَيْسَ
للْمُسْتَأْجر أَن يمْتَنع إِلَّا من عذر وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ للْمُسْتَأْجر الْخِيَار إِن شَاءَ أَخذهَا فِي
بَقِيَّة الْمدَّة وَإِن شَاءَ ترك الْإِجَارَة
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم يسْتَحق عَلَيْهِ تَسْلِيمهَا إِلَّا حَالا فحالا
وَقد وجد فِيمَا بَقِي من الْمدَّة كَذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يمْتَنع
وَلَيْسَ ذَلِك مثل أَن يسْتَأْجر دارين فتغرف إِحْدَاهمَا فَيكون لَهُ
بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذهَا فِي بَقِيَّة الْمدَّة وَإِن شَاءَ ترك
الْإِجَارَة وَلَيْسَ ذَلِك مثل الأولى لِأَنَّهُ قد يسْتَحق تَسْلِيمهَا
مَعًا كالمبيعين فِي صَفْقَة وَاحِدَة
1821 - فِي إجَازَة الْمشَاع
قَالَ أَوب حنيفَة لَا تجوز إِجَارَة الْمشَاع إِلَّا من شَرِيكه وَهُوَ
قَول زفر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ تجوز إجَازَة
الْمشَاع
قَالَ وَذكر عَمْرو بن خَالِد فِي اخْتِلَاف زفر وَأبي يُوسُف الَّذِي
رَوَاهُ مَا يُوجب أَن لَا يتجوز إِجَارَة الْمشَاع من الشَّرِيك فِي قَول
أبي حنيفَة وَزفر
(4/124)
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمشَاع لَا يُمكن
الِانْتِفَاع بِهِ إِلَّا بالمهايأة فَيصير كالمشروط فِي عقد الْإِجَارَة
أَن يكون فِي يَد الْمُسْتَأْجر يَوْمًا وَفِي يَد آخر يَوْمًا وَلَا
يسْتَحق الْمُسْتَأْجر بالمهايأة الْبدَاءَة على الآخر فَيصير وَقت
السُّكْنَى مَجْهُولا ففسد
وَإِذا كَانَ ملكا لنَفسِهِ فَذَلِك غير مَوْجُود فَيجوز
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي لَا تجيز إِجَارَتهَا من الشَّرِيك ذهب
فِيهَا إِلَى أَنه يجوز أَن يَبِيع الْمُسْتَأْجر نصِيبه من الدَّار فَتحصل
الْإِجَارَة فِي مشَاع فَيحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمُهَايَأَة فتفسد
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز رهن الْمشَاع من الشَّرِيك وَلَا من غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة فِي دَار بَين رجلَيْنِ
أجراها من رجل ثمَّ نَاقض الْمُسْتَأْجر أَحدهمَا الْإِجَارَة فِي نصِيبه
لم يبطل فِي نصيب الآخر وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ أَحدهمَا
وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة وَزفر أَن الْإِجَارَة تنْتَقض
1822 - فِي اسْتِئْجَار الطَّرِيق
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اسْتَأْجر طَرِيقا ليمر فِيهِ من دَار المؤاجر
إِلَى دَار الْمُسْتَأْجر لم يجز ذَلِك وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك يَنْبَغِي أَن يجوز
(4/125)
قَالَ أَبُو جَعْفَر اسْتِئْجَار الطَّرِيق
لَا يقطع حق المؤاجر من التطرق فِي الْموضع فَصَارَ كاستئجار الْمشَاع
فَلَا يجوز على قَول أبي حنيفَة
وَقِيَاس قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَن يجوز لإجارتهما إِجَارَة الْمشَاع
ثمَّ لَا يَخْلُو ذَلِك الطَّرِيق من أَن يَنْقَسِم أَو لَا يَنْقَسِم
فَإِن انقسم فَهُوَ لَا يدْرِي أَي الْجَانِبَيْنِ يَقع لَهُ أَو مِمَّا
لَا يَنْقَسِم فَيكون فِي يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا يَوْمًا فَيفْسد
لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَي يَوْم يبتدىء فِيهِ التَّسْلِيم
فَإِن قيل هَذَا اشْترى نصف دارة شَائِعا للشَّرِيك فِيهَا حق الْقيمَة وكل
وَاحِد لَا يدْرِي أَي جَانب يصير لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَلم يفْسد البيع فِي
أجل ذَلِك
قيل لَهُ الْفرق بَينهمَا أَن البيع يُوجب لَهُ الْملك الْمَبِيع مشَاعا
فيستلمه على الْهَيْئَة الَّتِي ابتاعها ثمَّ تقع الْقِسْمَة فِي ملكه لَا
يُجِيز البيع لِأَن الْقِسْمَة لَا تصير من حُقُوق البيع وَلَيْسَ كَذَلِك
الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يملك الْمَنَافِع فِي الْحَال وَإِنَّمَا ملكهَا
حَالا فحالا فَلَو جَازَت الْإِجَارَة كَانَت الْقِسْمَة وَاقعَة فِي
تِلْكَ الْمَنَافِع على ملك المؤاجر وَيكون مُسلما لَهَا فِي المستأنف
إِلَى الْمُسْتَأْجر فَتكون الْإِجَارَة وَاقعَة على مَنَافِع مشاعة فِي
وَقت الْإِجَارَة ومقسومة فِي وَقت التَّسْلِيم وَذَلِكَ يُوجب فَسَادهَا
1823 - إِذا آجر مَا اسْتَأْجر بِأَكْثَرَ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز للْمُسْتَأْجر أَن يُؤَاجر مَا اسْتَأْجرهُ قبل
أَن يقبض
(4/126)
وَيجوز بعد الْقَبْض فَإِن آجر بِأَكْثَرَ
يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ إِلَّا أَن يكون أصلح فِيهِ شَيْئا أَو بنى فِيهِ
بِنَاء وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك والبتي وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا بَأْس بِأَن يؤاجره
بِأَكْثَرَ وَلَا يتَصَدَّق بِشَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن الْحسن وَعَطَاء أَنه لَا بَأْس
بِالْفَضْلِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْفضل للمؤاجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول إِبْرَاهِيم مُخَالف لقَوْل سَائِر أهل الْعلم
فَإِن احْتج من يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ بنهيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
ربح مَا لم يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد رُوِيَ أَيْضا عَن ربح مَا لم يقبض وَقد جعل
الْجَمِيع هَذِه الْمَنَافِع فِي حكم الْمَقْبُوض فِي بَاب جَوَاز
الْإِجَارَة عَلَيْهَا بعد الْقَبْض كالأعيان
وَأَيْضًا قد قَالُوا إِنَّه لَا يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ إِذا أعَان بِشَيْء
من جِهَته قل أَو كثر
وَقد خالفهم الْحسن بن حَيّ فِي ذَلِك فَجعله لَا يتَصَدَّق بِحِصَّة مَا
أعَان بِهِ إِذا قسمت الْأُجْرَة على مَنَافِع الدَّار وعَلى مَنَافِع مَا
أعَان بِهِ وَيتَصَدَّق بِمَا يفضل بعد ذَلِك وَلم يَجْعَل الْقَلِيل
كالكثير
فَإِن قيل هَذِه بِمَنْزِلَة من اشْترى خَاتمًا بِدِرْهَمَيْنِ فضَّة
وَفِيه فص بدانق وَدِرْهَم فضَّة
(4/127)
قيل لَهُ هَذَا غير مشبه لذَلِك لأَنا قد
علمنَا الْمُسَاوَاة فِي الْفضة وَلم يُوجب علينا ذَلِك فِي الْأُجْرَة
الثَّانِيَة مَعَ الأولى
1824 - إِذا أجر مُدَّة تتراخى عَن العقد
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي رجل قَالَ قد آجرتك عَبدِي غدي غَدا
بدرهم فَهُوَ جَائِز وَله أَن يَبِيعهُ قبل مَجِيء غَد أيفسخ أَو يَهبهُ
وتنتقض الْإِجَارَة إِن جَاءَ غَد وَلَيْسَ فِي ملكه وَإِن رد عَلَيْهِ
بِعَيْب نقضا أَو رَجَعَ فِي الْهِبَة قبل قد رجعت الْإِجَارَة على حَالهَا
وَإِن رَجَعَ إِلَيْهِ بِملك يسْتَقْبل بِطَلَب الْإِجَارَة وَلم يذكر
خلافًا
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يسْتَأْجر لوقت مُسْتَقْبل نَحْو أَن يَقُول
استأجرته السّنة الْقَابِلَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا تقع الْإِجَارَات إِلَّا على وَقت مُسْتَقْبل
فَلَا فرق بَين أَن يكون ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين العقد أَو يتراخى
عَنهُ وَقد جرت عَادَة النَّاس بالاستئجار لِلْحَجِّ قبل الْخُرُوج لَا
يمْنَع مِنْهُ أحد
1825 - إِذا اسْتَأْجر كل شهر بِكَذَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَارا كل شهر بدرهم وَلكُل وَاحِد
مِنْهُمَا أَن يفْسخ عِنْد رَأس الشَّهْر وَإِن لم يفْسخ رَأس الشَّهْر
حَتَّى مضى من الشَّهْر الثَّانِي يَوْم أَو يَوْمَانِ فَلَيْسَ لوَاحِد
مِنْهُمَا أَن يفْسخ فِي بَقِيَّة الشَّهْر
وَقَالَ إِذا اكترى حانوتا كل شهر بدرهم فللمستأجر أَن يخرج مَتى شَاءَ
إِلَّا أَن يتكارى شهرا بِعَيْنِه وَإِن اسْتَأْجر أَرضًا كل سنة بِمِائَة
دِرْهَم فَلِكُل وَاحِد
(4/128)
مِنْهُمَا فسخ الْإِجَارَة قبل أَن يزرع
فَإِن زرع فَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يفْسخ تِلْكَ السّنة وَلَو ترك
مَا بعْدهَا إِن شَاءَ
وَقَالَ الثَّوْريّ أكره أَن يَقُول استأجرته كل شهر بِكَذَا وَهُوَ
كَقَوْلِه اشْترى مثل هَذَا الجراب كل ثوب بِكَذَا فَلَا يجوز حَتَّى
يُسَمِّي الثِّيَاب
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اسْتَأْجر كل شهر بِكَذَا أجَاز الشَّهْر
الأول وَكَانَا بعده بِالْخِيَارِ كِلَاهُمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ أكريتها كل سنة بِدِينَار وَلم يسم أول
السنين وَآخِرهَا فَهُوَ فَاسد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم توجب إِجَارَة لَازِمَة فِيمَا بعد الشَّهْر
الأول وَكَانَ حكم الشَّهْر الأول حكم مَا بعده لتساوي الشُّهُور فِي
دُخُولهَا تَحت العقد وَجب أَن لَا يلْزم الشَّهْر الأول وَإِذا لم يلْزم
العقد لم يلْزم بِالدُّخُولِ فِيهِ
1826 - فِي موت أَحدهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا أَيهمَا مَاتَ من الْمُسْتَأْجر أَو المؤاجر انتقضت
الْإِجَارَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَاللَّيْث
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تنْتَقض أَيهمَا مَاتَ مثل البيع
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن مَاتَ الْمُسْتَأْجر وَترك مَالا فَلَيْسَ
للْوَرَثَة فَسخهَا ويؤدون الْأُجْرَة من الْمِيرَاث وَإِن لم يتْرك مَالا
فَلهم أَن يفسخوا وَإِن شاؤوا أَدّوا الْأُجْرَة من مَالهم وَكَانُوا أولى
من المؤاجر وَإِن مَاتَ المؤاجر فَالْإِجَارَة بِحَالِهَا كَبيع بَاعه
وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَنَافِع غير مَمْلُوكَة بِالْعقدِ لِأَنَّهَا غير
مَوْجُودَة فَإِذا طرأت
(4/129)
بعد الْمَوْت فِي ملك الْوَارِث فَهِيَ
لَهُم فَلَا يسْتَحق بِعقد الْمَيِّت لِأَن الْمَيِّت لم يملك تِلْكَ
الْمَنَافِع لِأَنَّهَا لم تحدث على ملكه وَإِنَّمَا حدثت على ملك غَيره
هَذَا إِذا مَاتَ المؤاجر فَإِن مَاتَ الْمُسْتَأْجر لم يَصح لوَرثَته ملك
الْمَنَافِع لأَنهم إِنَّمَا يملكُونَ مَا كَانَ الْمَيِّت مَالِكًا لَهُ
وَلَا يرثونها وَلَا يملكونها بِالْعقدِ لأَنهم لم يعاقدوا
1827 - فِي إِجَارَة الْبَيْت لما لَا يحل
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِأَن يُؤَاجر بَيْتا فِي السوَاد مِمَّن
يتَّخذ فِيهِ بَيت نَار أَو كَنِيسَة أَو يَبِيع فِيهِ الْخمر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يَنْبَغِي أَن يكريه لشَيْء من هَذَا
وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس بِأَن يَبِيع الْعصير لمن يَتَّخِذهُ خمرًا
وَكَرِهَهُ الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أَخذه من مُسلم لبيع الْخمر أَو يَجْعَل فِيهِ
حوايى لم يسْتَحق الْكِرَاء وَإِن كَانَ ذِمِّيا رد إِلَى بعض أساقفتهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف فِي جَوَاز عقد الْإِجَارَة مِمَّن يتعاطى
الفسوق وَالْفساد وإتيان الْأَشْيَاء الْمُحرمَة وَإِن تَحْرِيم هَذِه
الْأَشْيَاء لَا يمْنَع جَوَاز الْإِجَارَة فَمن يعلم أَن بَيته لَا
يَخْلُو من مثل ذَلِك فَإِن كَانَ ذَلِك جَائِزا فِي
(4/130)
الْمُسلم الَّذِي لَا يقار على ذَلِك
فجوازه فِي الذِّمِّيّ الَّذِي يقر على ذَلِك أَحْرَى وَذَلِكَ فِي السوَاد
فَإِذا كَانَ غير مَمْنُوع من ذَلِك فِي بَيته الَّذِي يكرههُ أَبُو حنيفَة
وَذَلِكَ لِأَن البَائِع وَالْمُشْتَرِي ممنوعان من ذَلِك للضَّرَر الَّذِي
فِي ذَلِك على الْمُسلمين وَقد يمْنَع الْمُسلم مِمَّا هُوَ أيسر من ذَلِك
وَهُوَ بيع الدَّرَاهِم الرَّديئَة وَلَا يمْنَع الذِّمِّيّ من بيع الْخمر
وَالْخِنْزِير لأَنا قد أعطيناهم الْعَهْد على ذَلِك
1828 - فِي اسْتِئْجَار الدَّار على أَن يتخذها مَسْجِدا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز أَن يسْتَأْجر الْمُسلم من الْمُسلم بَيْتا
يُصَلِّي فِيهِ فرضا وَلَا نفلا وَلَا أُجْرَة لَهُ فِيهِ
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يسْتَأْجر دَارا على أَن يتخذها مَسْجِدا عشر
سِنِين فَإِذا انْقَضتْ السنون الْعشْر رجعت الدَّار إِلَى صَاحبهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد بَينا بطلَان الْإِجَارَة على الصَّلَاة والاستئجار
على ذَلِك غير جَائِز
فَإِن قيل إِنَّمَا يسْتَحق الْأجر فِي هَذَا بِالتَّسْلِيمِ لَا
بِالصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَن يجوز
قيل لَهُ لَيْسَ سُكُوته عَن فعل الصَّلَاة فِيهِ كذكره أَلا ترى أَنه لَو
اسْتَأْجر بَيْتا كَانَ لَهُ سكناهُ كَمَا يسكن النَّاس وَلَا يقْعد فِيهِ
حداد وَلَا قصار وَلَو شَرط ذَلِك ثَبت شَرطه
(4/131)
1829 - من اسْتَأْجر دَارا شهرا وَلم يذكر
شهرا بِعَيْنِه
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ جَائِز وَهُوَ شهر عقيب العقد وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز حَتَّى يَقُول الشَّهْر الَّذِي عقيب عقد
الْإِجَارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي
حجج} وَلم يقل حجَجًا تالية للْعقد وَقَالَ عز وَجل {تمَتَّعُوا فِي داركم
ثَلَاثَة أَيَّام} وَكَانَت تالية لِلْقَوْلِ وَقَالَ {للَّذين يؤلون من
نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} فَكَانَت الْمدَّة من وَقت القَوْل
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اشْترى شَاة مصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ
ثَلَاثًا
1830 - فِي اسْتِئْجَار الْحَائِط لحمل الْخشب عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز اسْتِئْجَار حَائِط يضع عَلَيْهِ جَذَعَة أَو
يبْنى عَلَيْهِ سدة
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بذلك إِذا سمى الْمدَّة وَالْأُجْرَة
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَاز اسْتِئْجَار السَّطْح
للنوم عَلَيْهِ وَإِذا جَازَ ذَلِك جَازَ اسْتِئْجَار الْحَائِط لَو ضع
الْخشب
(4/132)
1831 - فِي الِاسْتِئْجَار على كِتَابَة
الْمُصحف وَنَحْوه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالاستئجار على كِتَابَة الْمُصحف وَالْفِقْه
وَسَائِر الْعُلُوم وَلَو اسْتَأْجرهُ فَكتب لَهُ نَحوا أَو شعرًا لزمَه
ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بالاستئجار على كِتَابَة الْمُصحف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَيْسَ يُعجبنِي الشّعْر والنحو لِأَن مَالِكًا
كره أَن يُبَاع كتب الْفِقْه وَكتب الشّعْر أَحْرَى
وَعند الشَّافِعِي يجوز الِاسْتِئْجَار على ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأُجْرَة إِنَّمَا يَصح أَن يسْتَحق بَدَلا من عمل
من جِهَة الْأَجِير أَو من شَيْء يَفْعَله الْمُسْتَأْجر بِمَا اسْتَأْجر
نَحْو ركُوب الدَّوَابّ وَلبس الثِّيَاب وَالْقِرَاءَة فعل للقارىء لَا فعل
لغيره فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَأمله لما فِي الْكتاب فَهُوَ كمن اسْتَأْجر
النّظر إِلَى دَاره ليتأمل بناءها ليَكُون متعلما لصنعه مثله وَذَلِكَ غير
جَائِز
1832 - فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا سلمهَا إِلَى الْمُسْتَأْجر وَلم يستعملها فَلَا
أجر عَلَيْهِ إِذا كَانَت الْإِجَارَة فَاسِدَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي الْإِجَارَة الصَّحِيحَة يسْتَحق ملك الْمَنَافِع
عِنْد حدوثها فَإِذا طرأت فِي يَده اسْتحق عَلَيْهِ الْأجر وَإِذا سلم
اسْتحق أَيْضا كَالْمَبِيعِ وَأما الْإِجَارَة الْفَاسِدَة فَلم توجب
اسْتِحْقَاق الْمَنَافِع عِنْد حدوثها فَلَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْأجر
بِالتَّسْلِيمِ دون حُصُولهَا لَهُ
(4/133)
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الْإِجَارَة
الْفَاسِدَة إِذا استوفي الْمَنَافِع اسْتحق الْأَقَل من الْمُسَمّى وَمن
أجر الْمثل
وَقَالَ مَالك وَزفر وَالشَّافِعِيّ لَهُ أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ
وَحكى هِشَام عَن مُحَمَّد فِي رجل قَالَ لرجل بِعْ هَذَا الثَّوْب
بِعشْرَة فَمَا زَاد هُوَ بيني وَبَيْنك فَبَاعَهُ بِعشْرَة فَلهُ أجر مثله
لَا يُجَاوز بِهِ درهما فِي قَول أبي يُوسُف وَإِن لم يَبِعْهُ فَلَا أجر
لَهُ
وَقَالَ مُحَمَّد لَهُ أجر مثله بَالغا مَا بلغ بَاعَ أَو لم يبع
1833 - فِي الْعَيْب فِي الشَّيْء الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَصْحَابنَا كل مرمة يضر بِالسُّكْنَى تَركهَا فَهِيَ على رب الدَّار
فَإِن فعله وَالْمُسْتَأْجر لم يمْنَع مِنْهُ وَلَا يحْتَسب من الْأجر
وَقَالَ مَالك مثل قَوْلنَا فِي الدَّار إِذا انْهَدَمت وَلَيْسَ على رب
الدَّار أَن يبنيها وللمستأجر الْخِيَار وَقَالَ فِي الأَرْض يكريها ثَلَاث
سِنِين فزرع فِيهَا مَا غورت عينهَا وأبى رب الأَرْض أَن ينْفق عَلَيْهَا
فللمستأجر أَن يعْمل فِي الْعين بكرى سنة وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْمل فِيهَا
بِأَكْثَرَ من كِرَاء سنة وَاحِدَة
1834 - فِيمَن اسْتَأْجر شَيْئَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يسْتَأْجر دَارا سنة الشَّهْر الأول مِنْهَا
بِمِائَة دِرْهَم وَبَقِيَّة السّنة بِعشْرَة
وَقَالَ مَالك هَذَا فَاسد
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا تكارى الرجل الأَرْض عشر سِنِين لم
يجز حَتَّى يُسَمِّي لكل سنة شَيْئا مَعْلُوما
(4/134)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد اخْتلفُوا فِي
البيع على مثل ذَلِك
فَقَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يَشْتَرِي ثيابنا أَو عبيدا صَفْقَة وَاحِدَة
ويسمي لكل وَاحِد شَيْئا مَعْلُوما من الثّمن فَيكون ذَلِك ثمنه وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك يقسم الثّمن على قيمَة الثِّيَاب وَالْعَبِيد وَلَا يلْتَفت
إِلَى مَا سمي لكل ثوب من الثّمن
وَلَا خلاف أَنه إِذا اشْترى ثيابًا صَفْقَة وَاحِدَة وَلم يسم لكل ثوب
ثمنا أَنه جَائِز إِذا كَانَ الثّمن كُله حَالا وَيلْزم الشَّافِعِي إِذا
جعل تَسْمِيَة الثّمن لكل وَاحِد مِنْهُمَا صفقات مُخْتَلفَة أَن لَا
يُجِيز الْإِجَارَة على هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ لَا يُجِيز عقد
الْإِجَارَة فِي وَقت بَينه وَبَين عقد الْإِجَارَة مُدَّة
1835 - فِي الْإِجَارَة من اثْنَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اكترى اثْنَان حانوتا أَحدهمَا قصار وَالْآخر حداد
فَإِنَّهُمَا يقتسمانه ويعقد كل وَاحِد فِيمَا يَقع لَهُ فَإِن لم يحْتَمل
الْقِسْمَة تهايآ فِيهِ على الْأَيَّام
وَقَالَ مَالك أَي إِن لم يحْتَمل الْقِسْمَة أَكْرِي عَلَيْهِمَا يَعْنِي
يُؤَاجر من غَيرهمَا وَيكون الْأجر بَينهمَا وَكَذَلِكَ يَقُول فِي
المالكين لما لَا يحْتَمل الْقِسْمَة أَنه يُبَاع عَلَيْهِمَا
وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
آخر كتاب الْإِجَارَات
(4/135)
= كتاب الْهِبَة =
1836 - فِي قبض الْهِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَصح إِلَّا مَقْبُوضَة وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة
وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِذا لم يرد بهَا ثَوابًا ثمَّ مَاتَ الْمُعْطى قبل الْقَبْض
فورثته بِمَنْزِلَتِهِ وَإِن مَاتَ الْمُعْطِي قبل الْقَبْض فَلَا شَيْء
للمعطى وَإِن مَاتَ الْمُعْطِي فَادّعى الْمُعْطى الْقَبْض وَأقَام
بَيِّنَة على إِقْرَار الْمُعْطِي بِالْهبةِ وَالْقَبْض لم يجز حَتَّى
يشْهدُوا على مُعَاينَة الْقَبْض
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الْقَبْض بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا إِن كَانَت
امْرَأَة مَقْبُوضَة إِلَى زَوجهَا فَلَا قبض بَينهمَا وَإِن كَانَت محتجبة
لما لَهَا دونه فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِيمَا يُعْطِيهِ صَاحبه الْقَبْض
قَالَ وكل مَا أعطي عنْوَة فَلَا يُسْتَطَاع فِيهِ الْقَبْض فَقَبضهُ
الْإِشْهَاد لَو كَانَ لَهُ على رجل دين فَأشْهد لَهُ أَنه قد أعطَاهُ
إِيَّاه فَهُوَ جَائِز وَإِن كَانَ مَال حَال دونه سُلْطَان فَأشْهد لَهُ
عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز حَتَّى يكون بِمَنْزِلَة من يَسْتَطِيع قَبضه
(4/137)
فيفرط وَإِن كَانَ مَالا غَائِبا عَن
الْمُعْطِي فَأشْهد لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز إِلَّا أَن يكون قدر على
قَبضه ففرط فَيكون بِمَنْزِلَة عَطاء لم يقبض
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن يصدق بِصَدقَة على رجل وَهِي فِي يَده فَإِن
شَاءَ رَجَعَ فِيهَا مَا لم يُخرجهَا من مَاله لَا يجْبرهُ السُّلْطَان على
إمضائها إِلَّا أَنه يَقع عَلَيْهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الَّذِي رَجَعَ فِي صدقته مثل الْكَلْب يرجع فِي قيئه فيأكله وَإِن
تدصق على رجل بِصَدقَة ثمَّ مَاتَ قبل أَن يمضيها كَانَت فِي ثلثه
وَقَالَ فِي الرجل يهدي للرجل فَيَمُوت المهدى لَهُ قبل أَن يصل إِلَيْهِ
قَالَ يرجع إِلَى صَاحبهَا وَإِن مَاتَ الَّذِي أهداها قبل أَن يصل إِلَى
صَاحبهَا فَإِنَّهَا تنفذ لِأَنَّهَا قد خرجت من مَال هَذَا الْمَيِّت
وَقَالَ اللَّيْث إِذا تصدق رجل لعبد لَهُ غَائِب فالإشهاد عَلَيْهِ
حِيَازَة وَإِذا تصدق على ابْنه الْكَبِير لم يجز حَتَّى يجوزه
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة
أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ نحلهَا جدَاد عشْرين وسْقا من مَاله
بِالْغَابَةِ فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ وَالله يَا بنية مَا أحد من
النَّاس أحب إِلَيّ غنى بعدِي مِنْك وَلَا أعز عَليّ فقرا بعدِي مِنْك
وَإِنِّي كنت نحلتك جاد عشْرين وسْقا فَلَو كنت جددتيه واحتزتيه كَانَ لَك
وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم من مَال الْوَارِث وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك
وَأُخْتَاك فاقتسموا على كتاب الله فَدلَّ على أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا
بحوزة مَقْبُوضَة
(4/138)
وروى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عبد
الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا بَال رجال
ينحلون أَبْنَاءَهُم نحلا ثمَّ يمسكونها فَإِن مَاتَ ابْن أحدهم قَالَ
مَالِي بيَدي لم أعْطه أحدا وَإِن مَاتَ هُوَ قَالَ فَهُوَ لِابْني قد كنت
أَعْطيته إِيَّاه من نحل نحلة لم يجزها الَّذِي نحلهَا حَتَّى يكون إِن
مَاتَ لوَرثَته فَهِيَ بَاطِل
1837 - فِي هبة الْمشَاع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز فِيمَا يقسم وجائزة فِيمَا لَا يقسم وَهُوَ
قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تجوز فِي الْوَجْهَيْنِ كَالْبيع
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قَول أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لَو كنت جددتيه
واحتزتيه يُوجب أَن لَا يكون إِلَّا محوزا
1838 - فِي هبة نصِيبه من الدَّار لشَرِيكه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى رِوَايَة وَقد
رُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا جَائِزَة وَقَالَ مَالك هُوَ جَائِزَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا وهبه لشَرِيكه أَو لجَماعَة سردابه جَازَ
وَإِن لم يقسم وَإِن وهب لبَعْضهِم دون بعض لم يجز حَتَّى يقسم
(4/139)
1839 - فِي هبة الْوَاحِد لاثْنَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن شبْرمَة وَزفر إِذا وهب دَارا لِرجلَيْنِ أَو
تصدق بهَا عَلَيْهِمَا غير مقسومة لم تجز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هِيَ جَائِزَة وَهَذَا قَول مَالك وَابْن
أبي ليلى وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْري
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن وَهبهَا لَهما مَعًا لأَحَدهمَا الثُّلُث
وَالْآخر الثُّلُثَانِ لم تجز
وَقَالَ مُحَمَّد هِيَ جَائِزَة وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تصدق على مُحْتَاجين بِعشْرَة دَرَاهِم جَازَت
وَإِن تصدق على غَنِيَّيْنِ لم تجز وَإِن وَهبهَا لمسكين على وَجه
الصَّدَقَة فَهِيَ جَائِزَة
1840 - فِي الْهِبَة لِابْنِهِ الصَّغِير
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب لِابْنِهِ الصَّغِير عبدا جَازَ وَيكون قَابِضا
لَهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَابْن حَيّ وَالشَّافِعِيّ وَكَذَلِكَ كل من
كَانَ الصَّغِير فِي حجره
وَقَالَ مَالك إِذا نحل ابْنه الصَّغِير نحلا يعرف بِعَيْنِه وَأشْهد
عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ وَإِن تصدق على ابْنه بِمَال عين وَهُوَ صَغِير حَاز
لَهُ وَأشْهد عَلَيْهِ فَلَا يجوز وَهُوَ مَرْدُود إِلَّا أَن يتَصَدَّق
عَلَيْهِ بِمَا يشْهد عَلَيْهِ من عبد بِعَيْنِه أَو دَار أَو دَابَّة أَو
بِشَيْء يعرف بِعَيْنِه وَيشْهد عَلَيْهِ فيحوز لَهُ أَبوهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَن
عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ من نحل ولدا لَهُ صَغِيرا لم يبلغ أَن يحوز نحله
فأعلن
(4/140)
ذَلِك لَهُ وَأشْهد عَلَيْهَا فَهِيَ
جَائِزَة وَإِن وَليهَا أَبوهُ
وَقَالَ مَالك إِذا نحله وَهُوَ صَغِير ذَهَبا أَو وَرقا ثمَّ أشهد
عَلَيْهِ ثمَّ هلك الْأَب فَلَيْسَ للِابْن مِنْهَا شَيْء إِلَّا أَن يكون
عزلها لَهُ بِعَينهَا أَو دَفعهَا إِلَى رجل وَضعهَا لِابْنِهِ عِنْد ذَلِك
الرجل فَإِن فعل ذَلِك فَهُوَ جَائِز للِابْن وَإِن كَانَ النَّحْل عبدا
أَو دَارا أَو شَيْئا مَعْلُوما بِعَيْنِه ثمَّ أشهد عَلَيْهِ ثمَّ هلك
الْأَب فَهِيَ يَلِي ابْنه فَإِن ذَلِك جَائِز لِابْنِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يفرق عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بَين الدَّرَاهِم
وَالدَّنَانِير وَبَين سَائِر الْأَشْيَاء
وَفِي الْقيَاس أَن لَا فرق بَينهمَا فِيمَا تصح بِهِ الْهِبَة
1841 - فِي هِبته لِابْنِهِ وَهُوَ مَرِيض ثمَّ يَصح
قَالَ اللَّيْث إِذا وهب لِابْنِهِ فِي مَرضه غُلَاما وَالِابْن صَغِير
ثمَّ صَحَّ من مَرضه فجدد ذكره بإعطائه إِيَّاه ذَلِك العَبْد فقد صَار
لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالشَّهَادَة وَإِن لم يجدد ذَلِك لَهُ فِي الصِّحَّة
بَطل وَصَارَ بَين الْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد ذَلِك عَن أحد غَيره وَسَائِر أهل الْعلم
يَقُولُونَ إِن ذَلِك بِمَنْزِلَة هِبته لَهُ فِي صِحَّته وَلَا
يَخْتَلِفُونَ أَنه من أعتق عَبده فِي مَرضه ثمَّ برأَ إِن ذَلِك من جَمِيع
المَال
1842 - فِي هبة الدّين لمن هُوَ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَبْرَأ الطَّالِب الْكَفِيل من المَال فَأبى أَن
يقبل فَهُوَ
(4/141)
بَرِيء وَلَا يشبه الْهِبَة وَلَو أَبْرَأ
الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل فَأبى أَن يقبل يطْلب هِبته إِيَّاه وَبرئ مَا لم
يرد فَإِذا رد الْبَرَاءَة الْهِبَة عَاد المَال
وَقَالَ زفر فِي رجل تزوج أمْرَأَة على ألف دِرْهَم ثمَّ وهبتها لَهُ ثمَّ
بدا لَهَا أَن ترجع فِيهَا فلهَا ذَلِك مَا لم يقل قد قبلت وَلَا تتمّ
الْهِبَة إِلَّا بِقبُول وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي الْبَرَاءَة جَائِزَة وَلم يذكر قبولا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالُوا جَمِيعًا إِذا رد صَاحب الأَصْل الْهِبَة
والبراءة بطلتا دلّ على أَنَّهُمَا ليستا كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق اللَّذين
لَا يحتاجان إِلَى قبُول وأنهما لَا يصحان إِلَّا بِالْقبُولِ كَمَا قَالَ
زفر
1843 - فِي تَخْصِيص بعض الْوَلَد بِالْهبةِ
ذكر الْمُعَلَّى بن مَنْصُور عَن أبي يُوسُف لَا بَأْس بِأَن يُؤثر الرجل
بعض وَلَده على بعض إِذا لم يرد الْإِضْرَار وَيَنْبَغِي أَن يُسَوِّي
بَينهم إِذا كَانَ يُرِيد الْعدْل فَإِن كَانُوا ذُكُورا وإناثا سوى بَينهم
فِي الْعَطِيَّة لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل ولدك
أَعْطَيْت مثل مَا أَعْطَيْت هَذَا قَالَ مُعلى وَقَالَ مُحَمَّد وَيُعْطِي
الذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
(4/142)
وَقَالَ مَالك إِنَّمَا الحَدِيث جَاءَ
فِيمَن نحل وَلَده مَاله كُله وَقد نحل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
عَائِشَة دون وَلَده
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس أَن يخص الرجل بعض وَلَده بِمَا شَاءَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَهُ أَن يَخُصُّهُ بِالثُّلثِ
وَقَالَ الشَّافِعِي ترك التَّفْضِيل فِيهِ حسن الْأَدَب وَيجوز ذَلِك فِي
الحكم وَله ان يرجع فِيمَا وهبه لِابْنِهِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام أرجعه
وروى سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح قَالَ كَانَ طَاوس إِذا سَأَلَهُ الرجل
أفضل بَين وَلَدي فِي النَّحْل قَرَأَ هَذِه الْآيَة {أَفَحكم
الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ}
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد
بن النُّعْمَان عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ نَحَلَنِي أبي غُلَاما فَأتى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنِّي نحلت ابْني هَذَا غُلَاما
كَانَ لي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل ولدك نحلته مثل
هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرجعه
وَهَذَا يدل على التَّسْوِيَة
وروى دَاوُد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ
نَحَلَنِي أبي نحلا وَانْطَلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ليشهد على ذَلِك قَالَ أكل ولدك نحلته مثل هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ
أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا لَك فِي الْبر كلهم سَوَاء قَالَ نعم قَالَ
فَأشْهد على هَذَا غَيْرِي
(4/143)
فَهَذَا يدل على صِحَة الْهِبَة لِأَنَّهُ
لم يَأْمُرهُ بالارتجاع وَإِنَّمَا أمره بتأكيدها بإشهاد غَيره عَلَيْهَا
وَإِنَّمَا لم يشْهد هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتَقْصِيره عَن أولى
الْأَشْيَاء بِهِ
وَرَوَاهُ حُصَيْن عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان أَنه قَالَ أكل ولدك
أَعْطَيْت مثل هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَاتَّقُوا الله واعدلوا بَين
أَوْلَادكُم فَلم يذكر فِيهِ الارتجاع
رَوَاهُ مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أكل ولدك أَعْطيته قَالَ لَا قَالَ لَا أشهد إِلَّا
على حق
وَهَذَا لَيْسَ بمخالف لرِوَايَة دَاوُد وحصين عَن لشعبي لاحْتِمَاله أَن
يكون أَرَادَ الْحق الَّذِي لَا يقصر فِيهِ عَن أَعلَى مَرَاتِب الْحق
وَإِن كَانَ مَا دونه حَقًا
وروى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن بشير بن سعد
أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن بنت
فلَان سَأَلتنِي أَن انحل ابْني غُلَاما وَقَالَت أشهد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَله إخْوَة قَالَ نعم قَالَ أوكلهم أَعْطيته
قَالَ لَا قَالَ فَإِن هَذَا لَا يصلح فَإِنِّي لَا أشهد إِلَّا على حق
فَفِي حَدِيث جَابر أَنه ذكر ذَلِك لَهُ قبل أَن يهب فَأمره النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأولَى وَحَدِيث جَابر أولى لِأَنَّهُ كَانَ رجلا
وَكَانَ النُّعْمَان صَغِيرا أحفظ وَأثبت
فَثَبت بذلك بطلَان قَول مَالك وَالثَّوْري وَصَحَّ مَذْهَب أبي يُوسُف فِي
التَّسْوِيَة لِأَنَّهُ قَالَ أَلَك ولد غَيره وَلم يذكر فرقا بَين الذّكر
وَالْأُنْثَى وَقَالَ أكل ولدك أَعْطَيْت مثله وَقَالَ اتَّقوا الله وسووا
بَين أَوْلَادكُم وَقَوله أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا لَك فِي الْبر سَوَاء
يدل على التَّسْوِيَة أَيْضا
(4/144)
وَقد روى الْمغرَة عَن الشّعبِيّ قَالَ
سَمِعت النُّعْمَان يَقُول على منبري هَذَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اعدلوا بَين أَوْلَادكُم كَمَا تحبون أَن يعدلُوا
بَيْنكُم فِي الْبر
وروى أَبُو حَيَّان عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أكلهم وهبت لَهُ مثل الَّذِي وهبت لابنك هَذَا قَالَ
لَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تشهدني قَالَ
فَإِنِّي لَا أشهد على جور
وَإِنَّمَا الْمَعْنى ترك الْحق الَّذِي هُوَ أولى الْأَشْيَاء كَمَا
يُعْطي الْأَجْنَبِيّ دون ذَوي الْأَرْحَام فَيكون تَارِكًا للأفضل وَيجوز
عطيته فَإِن قيل قد أعْطى أَبُو بكر رَضِيا لله عَنهُ عَائِشَة دون سَائِر
وَلَده
قيل لَهُ يجوز أَن يكون بِطيب من أنفسهم وَهَذَا يجوز عندنَا
فَإِن قيل ذَا بطن بنت خَارِجَة لم تكن مِمَّا يَصح مِنْهَا
قيل لَهُ يجوز أَن تكون الْهِبَة قبل أَن يعلم أَنَّهَا حَامِل
1844 - فِي هبة الْمِيرَاث فِي مرض الْمَوْرُوث
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا سَأَلَ الرجل امْرَأَته أَن تهب مِيرَاثهَا لبَعض
ورثته فِي مَرضه فَقَالَت نعم قد فعلت ثمَّ مَاتَ على ذَلِك فَهُوَ جَائِز
لِابْنِهِ وَلها أَن ترجع فِيهِ قبل موت زَوجهَا
وَلَو قَالَ الزَّوْج أعْطه فَإِنَّهُ إِذا أَعْطيته من شِئْت فَلم تحدث
شَيْئا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يرجع إِلَيْهَا
وَقَالَ مَالك إِذا سَأَلَ رجل فِي مَرضه بعض ورثته أَن يهب لَهُ مِيرَاثه
(4/145)
فَفعل ثمَّ لم يقبض الْمَيِّت فِيهِ شَيْئا
فَإِنَّهُ رد على الَّذِي وهبه وَإِن أنفذ من ذَلِك بعضه وَبَقِي بعضه
فَمَا بَقِي فَهُوَ رد على الَّذِي وهب
1845 - فِي الْعُمْرَى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ دَاري هَذِه لَك عمري حياتك فاقبضها فقبضها
فَهَذِهِ هبة فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة
وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان حَيَاته فَإِذا
مَاتَ فَهُوَ رد عَليّ فشرطه جَائِز
وَقَالَ مَالك من أعمر رجلا حَيَاته ثمَّ مَاتَ المعمر رجعت إِلَى الَّذِي
اعمرها وَالنَّاس عِنْد شروطهم
قَالَ مَالك والعمرى والسكني شَيْء وَاحِد وَهُوَ قَول اللَّيْث وللمعمر
أَن يَبِيعهُ من الَّذِي أعْمرهُ وَلَا يَبِيعهُ من غَيره
وَقَالَ إِذا أسْكنهُ حَيَاته ثمَّ أَرَادَ أَن يكريها وينقد الْكِرَاء
فَإِنَّهُ يكريها قَلِيلا قَلِيلا
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ السُّكْنَى
عَارِية والعمري هبة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي
سَلمَة
(4/146)
ابْن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر قَالَ
إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أجَاز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هِيَ لَك ولعقبك فَإِذا قَالَ هِيَ لَك مَا عِشْت فَإِنَّهَا ترجع إِلَى
صَاحبهَا وَكَانَ الزُّهْرِيّ يُفْتِي بذلك
قَالَ أَبُو جَعْفَر تفرد عبد الرَّزَّاق بِهَذَا الحَدِيث على هَذَا
اللَّفْظ
وَقد رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن
جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى أَنه من أعمر رجلا عمرى
فَهِيَ للَّذي أعمرها ولورثته من بعده
وَابْن الْمُبَارك أثبت وأحفظ بِحَدِيث معمر وَيحْتَمل أَن تكون
الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق من كَلَام الزُّهْرِيّ
وَقد روى قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعُمْرَى جَائِزَة
فَقَالَ الزُّهْرِيّ لعبادة بِحَضْرَة سُلَيْمَان بن هِشَام بن عبد الْملك
أَنَّهَا لَا تكون عمرى حَتَّى تجْعَل لَهُ ولعقبه فَقَالَ لعطاء مَا تَقول
فَقَالَ حَدثنِي جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
الْعُمْرَى جَائِزَة
وَلم يحاجه الزُّهْرِيّ بِمَا فِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن جَابر فَدلَّ
أَنه من كَلَام الزُّهْرِيّ
(4/147)
وَقد روى هِشَام الدستوَائي عَن أبي الزبير
عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعمر عمرى
حَيَاته فَهِيَ لَهُ فِي حَيَاته ولورثته من بعد مَوته
وروى سُفْيَان عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَمْسكُوا عَلَيْكُم أَمْوَالكُم لَا تعمروها أحدا فَمن أعمر شَيْئا
فَهُوَ لَهُ
وَابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ من أعمر شَيْئا فَهُوَ لَهُ حَيَاته ومماته
وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن يسَار عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ الْعُمْرَى لمن وهبت لَهُ
فَإِن قيل روى مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إيما رجل أعمر عمرى لَهُ ولعقبه
فَإِنَّهَا للَّذي يعطاها لَا ترجع إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ
أعْطى عَطاء وَقعت فِيهِ الْمَوَارِيث
قيل لَهُ هَذَا الزِّيَادَة من كَلَام أبي سَلمَة عَن جَابر عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قضى فِيمَن أعمر عمرى فَهِيَ لَهُ ولعقبه بته
لَا يجوز للمعطي فِيهَا شَرط وَلَا ثنيا
(4/148)
قَالَ أَبُو سَلمَة لِأَنَّهُ أعْطى عَطاء
وَقعت فِيهِ الْمَوَارِيث فَقطعت الْمَوَارِيث شَرطه
وَقد رَوَاهُ اللَّيْث أَيْضا عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة عَن جَابر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعمر رجلا عمرى لَهُ ولعقبه فقد قطع
قَوْله حَقه فِيهَا وَهِي لمن أعمرها ولعقبه
وعَلى أَنه لَو صَحَّ حَدِيث مَالك وَاللَّيْث مَنعه من أَن يعود شَرط لَو
فِيمَا يُوجب رُجُوعهَا إِلَيْهِ فَدلَّ أَن لَا شَرط لَا يعْمل فِيهَا
إِذا لم يذكر فِيهَا الْعقب كَمَا لَا يعْمل إِذا ذكر فِيهَا الْعقب
وَقد روى طَاوس عَن حجر المدري عَن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قضى الْعُمْرَى للْوَارِث
وَقد روى مُحَمَّد بن عمر عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا عمرى فَمن أعمر شَيْئا فَهُوَ لَهُ
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن مُحَمَّد
بن الْحَنَفِيَّة قَالَ قَالَ لي مُعَاوِيَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أعمر عمرى فَهِيَ لَهُ يَرِثهَا من عقبه من
يَرِثهُ
فَإِن احْتَجُّوا بِمَا روى عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن كثير بن زيد
عَن الْوَلِيد بن رَبَاح عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم
(4/149)
قيل لَهُ الشُّرُوط الْمُبَاحَة كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ
بَاطِل فَمَا أَبَاحَهُ الرَّسُول فَهُوَ من كتاب الله قَالَ الله تَعَالَى
{وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} وَأما الْعُمْرَى فِي الْمَنَافِع
فَهِيَ عَارِية فَلهُ أَن يرجع فِيهَا مَتى شَاءَ
فَإِن قيل فَلَو أوصى بِخِدْمَة عَبده لرجل أَو بسكنى دَار صَحَّ لَهُ
ذَلِك بعد الْمَوْت
قيل لَهُ لِأَن سَائِر التمليكات الَّتِي لَا إِبْدَال فِيهَا لَا يَقع
الْملك فِيهَا إِلَّا بِالْقَبْضِ وَالْوَصِيَّة تصح بِغَيْر قبض
1846 - فِي الرقبى
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لَك رقبى فاقبضها
فقبضها على ذَلِك فَهِيَ عَارِية
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هِيَ بِمَنْزِلَة الْعُمْرَى
وَذكر الْحسن عَن زفر فِيمَن قَالَ قد أرقبتك دَاري هَذِه وَقَبضهَا على
ذَلِك فَهِيَ هبة
وَقَالَ مَالك لَا أعرف الرقبى فَسئلَ عَن الرجلَيْن بَينهمَا عبد فيحبسانه
(4/150)
على أَيهمَا مَاتَ فنصيب الْمَيِّت للحي
حبس عَلَيْهِ إِلَى موت صَاحبه فَقَالَ لَا خير فِي هَذَا
وَقَالَ الثَّوْريّ الرقبى أَن يَقُول هِيَ لَك فَإِذا مت فَهِيَ لي
وَقَالَ الشَّافِعِي الرقبى مثل الْعُمْرَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَكَانَ معنى الرقبى عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد أَن
التَّمْلِيك مُتَعَلق بِالْمَوْتِ ان مَاتَ المرقب صَارَت للمرقب وان مَاتَ
المرقب فَهِيَ على ملك المرقب فَصَارَ مخاطره
وَهِي عِنْد ابي يُوسُف وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ أَن التَّمْلِيك وَقع
فِي الْحَال وَفِيه شَرط الرُّجُوع اليه إِن مَاتَ قبله فِي الْحَال وَفِيه
شَرط الرُّجُوع إِلَيْهِ إِن مَاتَ قبله
وَقد روى ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تعمروا وَلَا ترقبوا فَمن أعمر
شَيْئا أَو أرقبه فَهُوَ للْوَارِث إِذا مَاتَ
وروى وَكِيع عَن يزِيد بن زِيَاد بن أبي الْجَعْد عَن حبيب بن أبي ثَابت
عَن ابْن عمر نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرقبى وَقَالَ
من أرقب شَيْئا فَهُوَ لَهُ
وروى دَاوُد عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْعُمْرَى جَائِزَة لأَهْلهَا والرقبى جَائِزَة لأَهْلهَا
(4/151)
فَدلَّ على أَن الرقبى مَا دلّ عَلَيْهِ
مَذْهَب الثَّوْريّ وَأبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ
1847 - فِي الرُّجُوع فِي الْهِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب لذِي رحم محرم لم يرجع وَإِن وهب لامْرَأَته لم
يرجع وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة لزَوجهَا وَإِن وهب لأَجْنَبِيّ رَجَعَ إِن
شَاءَ مَا لم يثب مِنْهَا أَو يُرِيد فِي نَفسه
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة إِذا علم الْمَوْهُوب لَهُ
الْمَمْلُوك الْقُرْآن أَو الْحر فَلهُ أَن يرجع فِيهِ
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يرجع قَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ لَو كَانَ كَافِرًا
فَأسلم أَو كَانَ عَلَيْهِ دين فَأدى الْمَوْهُوب لَهُ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا علمهَا الْمَوْهُوب لَهُ الْقُرْآن أَو
الْكِتَابَة أَو الْمشْط فحذقت فِي ذَلِك فَلهُ أَن يرجع فِيهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يرجع
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الرجل يُعْطي الرجل الْعَطِيَّة لَا يبين لَهُ
أَنَّهَا عَطِيَّة جَائِزَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا
وَقَالَ مَالك من نحل ولدا لَهُ نحلا أَو أعطَاهُ عَطاء لَيْسَ بِصَدقَة
فَلهُ أَن يقبضهَا إِن شَاءَ مَا لم يستحدث الْوَارِث دينا من أجل الْعَطاء
فَإِذا صَار عَلَيْهِ الدُّيُون لم يكن لِأَبِيهِ أَن يقبض من ذَلِك شَيْئا
وَكَذَلِكَ إِذا زوج الفتاة بذلك أَو كَانَت جَارِيَة فزوجت لذَلِك
فَلَيْسَ للْأَب أَن يقبض من ذَلِك شَيْئا
(4/152)
قَالَ مَالك الْأَمر الْمجمع عَلَيْهِ فِي
بلدنا أَن الْهِبَة إِذا تَغَيَّرت عِنْد الْمَوْهُوب لَهُ بالثواب
بِزِيَادَة أَو نُقْصَان فَإِن على الْمَوْهُوب لَهُ أَن يُعْطي الْوَاهِب
قيمتهَا يَوْم قبضهَا
وَقَالَ مَالك فِي الْوَاهِب يكون لوَرثَته مثل مَا كَانَ لَهُ من
الثَّوَاب إِن اتَّبعُوهُ
وروى الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى قَالَ للْوَاهِب أَن يرجع فِي هِبته دون
القَاضِي
وَعند أَصْحَابنَا لَا يرجع إِلَّا بِقَضَاء وَيرد الْمَوْهُوب لَهُ
وَقَول الثَّوْريّ كَقَوْل أَصْحَابنَا فِي جَمِيع ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يرجع فِيمَا وهب لمولى وَلَا تَابع لَهُ وَلَا
لذِي رحم وَلَا امْرَأَة وَلَا لسلطان لمن دونه وَيرجع فِيمَا سوى ذَلِك
فَإِن كَانَت الْهِبَة قد تمت فزادت عِنْد صَاحبهَا فقيمتها يَوْم وَهبهَا
وَترجع الْمَرْأَة فِيمَا وهبت لزَوجهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا لم يرد بِالْهبةِ ثَوَاب الدُّنْيَا لم يرجع
إِذا قبض وَلَا يرجع فِيمَا وهب لذِي رحم محرم وَإِن وهب لغير ذِي رحم محرم
يُرِيد بهَا ثَوَاب الدُّنْيَا فَلهُ أَن يرجع
وَقَالَ اللَّيْث إِذا وهبه للْوَارِث رَجَعَ فِيهَا مثل قَول مَالك وَلَا
ترجع الْمَرْأَة فِيمَا وهبت لزَوجهَا إِلَّا أَن يكون سَأَلَهَا أَن تهب
لَهُ ثمَّ طَلقهَا مَكَانَهُ أَو بعد ذَلِك بِيَوْم أَو نَحوه فَإِنَّهُ
يردهَا لِأَن ذَلِك مِنْهُ خدعة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يرجع فِي الْهِبَة إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يهب
لوَلَده
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَائِد فِي هِبته
كالعائد فِي قيئه
وروى ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يقيء ثمَّ يعود
فِيهِ
(4/153)
وروى ابْن الْمُبَارك عَن خَالِد عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَيْسَ لنا الْمثل السوء الرَّاجِع فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه
وروى عَوْف عَن خلاس بن عَمْرو عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مثل الَّذِي عيود فِي عطائه كَمثل الْكَلْب أكل
حَتَّى إِذا شبع قاء ثمَّ عَاد فِي قيئه فَأَكله
فَثَبت أَن المُرَاد بِالْحَدِيثِ الأول الْكَلْب وَلَيْسَ ذَلِك من طَرِيق
التَّحْرِيم
وَقد روى عمر بن شُعَيْب عَن طَاوس عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُم قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لواهب
أَن يرجع فِي هِبته إِلَّا الْوَالِد لوَلَده
وروى ابْن جريج عَن الْحسن بن مُسلم عَن طَاوس أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل لأحد أَن يهب هبة يعود فِيهَا إِلَّا
الْوَالِد فَجعله الْحسن بن مُسلم مُرْسلا
وَقد روى حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن سَالم عَن ابْن عمر أَن عمر رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا حَتَّى يُثَاب مِنْهَا
بِمَا يرضى
وَلَو كَانَ عِنْد ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم فِي
هَذَا الحَدِيث لما استجاز
(4/154)
الرِّوَايَة عَن عمر بِخِلَافِهِ ولأخبر
بِمَا عِنْده ليرْجع إِلَيْهِ كَمَا رَجَعَ إِلَى مَا حَدثهُ بِهِ
الضَّحَّاك بن سُفْيَان فِي تَوْرِيث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا
وَأما حَدِيث النُّعْمَان بن بشير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لِأَبِيهِ أرجعه فقد بَينا وَجهه فِيمَا تقدم وَأَنه لم يكن
مُعْتَرضًا
وَقَالَ عَليّ وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وفضالة بن عبيد الْوَاهِب أَحَق
بهبته مَا لم يثبت مِنْهَا إِلَّا فِي ذِي رحم محرم
وروى مُعَاوِيَة بن صَالح عَن رَاشد بن سعد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ
الْمَوَاهِب ثَلَاثَة رجل وهب من غير أَن يستوهب فَهِيَ كسبيل الصَّدَقَة
فَلَا يرجع فِي صدقته وَرجل استوهب فوهب فَلهُ الثَّوَاب فَإِن قبل على
موهبته ثَوابًا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِك وَله أَن يرجع فِي هِبته مَا لم
يثبت وَرجل وهب وَاشْترط الثَّوَاب فَهُوَ دين على صَاحبهَا فِي حَيَاته
وَبعد مَوته
فَفرق أَبُو الدَّرْدَاء بَين الْوَاهِب على مَا ذكرنَا وَلم يفرق عَليّ
وَعمر وفضالة رَضِي الله عَنْهُم بَين شَيْء من ذَلِك إِلَّا فِي الثَّوَاب
وَقَول أبي الدراء فِي شَرط الثَّوَاب أَنه دين يدل على قَول زفر إِن
الْهِبَة على عوض كَالْبيع
آخر كتاب الْهِبَة
(4/155)
= كتاب الصَّدَقَة =
1848 - الْمَوْقُوفَة فِي الْوَقْت
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر لَا يخرج عَن ملكه بوقفه إِيَّاه وَهُوَ مِيرَاث
بعد الْمَوْت إِلَّا فِي الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَعبيد الله بن
الْحسن وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ يَصح وَاخْتلفُوا فِي شُرُوطه
فَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَمُحَمّد وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي
ليلى إِن أخرجهَا من يَده صَحَّ الْوَقْف وَإِلَّا لم يَصح
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح وَإِن لم يُخرجهَا عَن يَده وَهُوَ قَول
اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
قَالَ مَالك إِن أوقفها فِي الصِّحَّة لم يَصح حَتَّى يُخرجهَا عَن يَده
وَإِن أوقفها فِي الْمَرَض صَحَّ من الثُّلُث إِن لم يُخرجهَا عَن يَده
لِأَنَّهَا وَصِيَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو عَاصِم عَن ابْن عون عَن نَافِع عَن ابْن
عمر رَضِي الله عَنهُ أَن عمر أصَاب أَرضًا بِخَيْبَر فَقَالَ للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أصبت
(4/157)
أَرضًا لم أصب مَالا قطّ أحسن مِنْهُ فَكيف
تَأْمُرنِي قَالَ إِن شِئْت حبست أَصْلهَا لَا يُبَاع وَلَا يُوهب
قَالَ أَبُو عَاصِم أرَاهُ قَالَ لَا تورث
وروى ابْن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن عمر
ملك مائَة سهم من خَيْبَر اشْتَرَاهَا فاستجمعها فَقَالَ يَا رَسُول الله
إِنِّي أصبت مَالا لم أصب مثله قطّ وَقد أردْت أَن أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى
الله تَعَالَى فَقَالَ لَهُ احْبِسْ الأَصْل وسبل الثَّمر
قَالَ أَبُو جَعْفَر حكى عِيسَى بن أبان أَن أَبَا يُوسُف لما قدم بَغْدَاد
فَحدث بِحَدِيث ابْن عون عَن نَافِع الَّذِي ذكرنَا فَلم يعرفهُ وَقَالَ
كَيفَ لنا بِمن يحدثنا بِهَذَا عَن ابْن عون فحدثه إِسْمَاعِيل بن
إِبْرَاهِيم بن علية فَقَالَ هَذَا لَا يسع أحد خِلَافه وَلَو تناهى هَذَا
إِلَى أبي حنيفَة لقَالَ بِهِ وَلما خَالفه
فَمنع حِينَئِذٍ من بيعهَا وَتَابعه النَّاس على ذَلِك حَتَّى صَار كَمَا
لَا مُخَالف لَهُ فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول شُرَيْح جَاءَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام بِمَنْع الْحَبْس يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا حبس
الْجَاهِلِيَّة من السائبة والوصيلة وَالْآخر مَا سمى لقوم يجوز انقراضهم
وَلَا يَجْعَل آخِره للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
(4/158)
وَالْوَجْه الثَّانِي تَأَوَّلَه مُحَمَّد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلما لم يذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر
إخْرَاجهَا عَن يَده دلّ على جَوَازه غير مَقْبُوض
1849 - فِي وقف الْمشَاع
قَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز وقف الْمشَاع
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ ملك مائَة سهم من
خَيْبَر ثمَّ أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحبسها
فَإِن قيل يجوز أَن يكون كَانَت مقسومة
قيل لَهُ كَانَت سِهَام الصَّحَابَة كلهَا مشاعة وَإِنَّمَا جعل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل سهم مائَة رجل فِي نَاحيَة وَقسم النّصْف على
ثَمَانِيَة عشر سَهْما فَكَانَت السِّهَام مشاعة ثمَّ قسمهَا عمر رَضِي
الله عَنهُ بعد ذَلِك فِي خِلَافَته حَتَّى حصل لكل وَاحِد جُزْء مقسوم
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى خَيْبَر يهودا على أَن لَهُم
الشّطْر من نخل وَزرع مَا بدا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
عبد الله بن رَوَاحه يَأْتِيهم فِي كل عَام فيخرصها عَلَيْهَا ثمَّ يضمنهم
الشّطْر فَلَمَّا كَانَ زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ غالوا فِي الْمُسلمين
وغشوهم ورموا ابْن عمر من فَوق بَيت ففدعوا يَدَيْهِ فَقَالَ عمر رَضِي
الله عَنهُ من كَانَ لَهُ سهم من خَيْبَر فليحضر حَتَّى نقسمها بَينهم
فَقَالَ رَئِيس الْيَهُود لَا تخرجنا وَدعنَا
(4/159)
نَكُون فِيهَا كَمَا أقرنا مُحَمَّد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ
عمر رَضِي الله عَنهُ أتراه سقط عني قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَيفَ بك إِذا رقصت بك راحلتك نَحْو الشَّام يَوْمًا ثمَّ يَوْمًا
وَقسمهَا عمر رَضِي الله عَنهُ بَين من كَانَ شهد خَيْبَر من أهل
الْحُدَيْبِيَة
1850 - فِي الْوَقْف على من يجوز انْقِطَاعه
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي إمْلَائِهِ فِي رَجَب سنة تسع
وَسبعين كل وقف لَا يَنْقَطِع على الْأَبَد فَهُوَ جَائِز
وكل وقف يَنْقَطِع فَلَا يجوز وَإِن وَقفهَا على موَالِيه ونسلهم فَإِن
انقرضوا جَازَ لِأَنَّهُ على قوم يعرف أعيانهم وَإِن لم يقل ونسلهم لم يجز
لِأَنَّهُ سمى قوما بأعيانهم فَإِن قَالَ ونسلهم فَإِن انقرضوا فَهِيَ
للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَهُوَ أَجود
وأملى عَلَيْهِم مفي سنة ثَمَانِينَ إِذا جعلهَا وَقفا على وَلَده فَهُوَ
جَائِز مَا داموا أَحيَاء ينْفق عَلَيْهِم من غَلَّتهَا فَإِذا انقرضوا
رجعت إِلَى رب الْوَقْف إِن كَانَ حَيا وَإِن كَانَ مَيتا فَإلَى ورثته
وَإِن قَالَ هِيَ صَدَقَة مَوْقُوفَة ينْفق مِنْهَا على فلَان فقد أوجبهَا
للْمَسَاكِين بعد موت فلَان مُؤَبّدَة
وَإِذا قَالَ صَدَقَة على فلَان فَلم يَجْعَلهَا صَدَقَة على غَيره
(4/160)
وَقَالَ مُحَمَّد يَنْقَطِع فترجع إِلَى
صَاحبه أَو إِلَى الْوَقْف فَذَلِك الْحَبْس الْمنْهِي عَنهُ فَلَا يجوز
وَقَالَ مَالك إِذا أوقفهُ على وَلَده فانقرضوا رجعت على أولى النَّاس
بالواقف
وَقَالَ اللَّيْث ترجع إِلَى الْوَاقِف إِن كَانَ حَيا وَإِن كَانَ مَيتا
فَإلَى ورثته يَوْم مَاتَ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ تَصَدَّقت بداري هَذِه على قوم أَو على رجل
مَعْرُوف حَيّ يَوْم تصدق أَو قَالَ صَدَقَة مُحرمَة أَو قَالَ مَوْقُوفَة
أَو مسبلة فقد خرجت عَن ملكه وَلَا تعود مِيرَاثا أبدا وَلَا يجوز أَن
يُخرجهَا من ملكه إِلَّا إِلَى مَالك مَنْفَعَة يَوْم يُخرجهَا إِلَيْهِ
وَإِن لم يسبلها على من بعدهمْ كَانَت مُحرمَة أبدا فَإِذا انقرض
الْمُتَصَدّق بهَا عَلَيْهِ كَانَت بِحَالِهَا ورددناها على أقرب النَّاس
بِالَّذِي تصدق بهَا يَوْم ترجع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم تصح الصَّدَقَة على من لم يُوجد فِيمَا يجوز
انقراضه علمنَا أَن شَرطهَا أَن يكون بَاقِيَة لَازِمَة فَإِذا لم يشْتَرط
بقاءها لمن لَا ينقرض وَجب أَن تبطل فَلَا يجوز أَن ترجع إِلَى أقرب
النَّاس من الْوَاقِف لِأَنَّهُ لَو جَازَ ذَلِك لَكَانَ رُجُوعه إِلَى
الْوَاقِف أولى
1851 - فِي وقف الْعقار
قَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز وقف الْحَيَوَان وَلَا الرَّقِيق وَلَا
الْعرُوض مَا خلا الكراع وَالسِّلَاح الْمَحْبُوس للصدقة وَمَا خلا
الرَّقِيق وَالْبَقر والآلة فِي الأَرْض الْمَوْقُوفَة للْعَمَل فِيهَا
فَإِن ذَلِك يصير وَقفا مَعهَا
(4/161)
وروى عَنهُ أَيْضا أَن مَا كَانَ لَهُ
غلَّة فَجَائِز أَن يقفه وَيجْعَل غَلَّته للْفُقَرَاء
وَقَالَ مُحَمَّد لَا بَأْس بِحَبْس الْفرس وَالسِّلَاح فِي سَبِيل الله
تَعَالَى فَيَقُول هُوَ حبس على من يَغْزُو ويدفعه إِلَى من يقوم بِهِ
وَيجوز وقف الْمُصحف يقْرَأ فِيهِ أَو دَار يسكنهَا الْغُزَاة ويؤاجر
فَيكون أجرهَا فِي سَبِيل الله إِذا أخرجهَا من يَده
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس أَن يحبس الثِّيَاب والسروج وَإِن حبس دَنَانِير
على إِنْسَان يتجر فِيهَا فَهِيَ قرض وَلَيْسَ للحابس أَن يرجع فِيهَا
إِلَّا أَن لَا يقبلهَا الَّذِي حبست عَلَيْهِ
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِحَبْس الْفرس فِي سَبِيل الله تَعَالَى
وَيجوز أَن يحبس جَارِيَة على إِنْسَان فَإِن هلك ذَلِك الْإِنْسَان فَهِيَ
حرَّة عتقت من جَمِيع المَال إِذا قَالَه فِي الصِّحَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز الْحَبْس فِي الرَّقِيق والماشية إِذا كَانَت
بِعَينهَا يعرفهَا الشُّهُود وَلَا يجوز وقف الدَّنَانِير لِأَنَّهَا لَا
ينْتَفع بهَا إِلَّا باستهلاك عينهَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ يجوز وقف الرَّقِيق
وَالدَّوَاب على آل فلَان فيستعمل وَينْفق عَلَيْهَا فَمَا فضل فَهُوَ لآل
فلَان وَإِن ولدت الدَّابَّة أَو الْجَارِيَة بيع وَصرف ثمنه إِلَى
الْفُقَرَاء من آلا فلَان فَإِن لم يكن فِي آل فلَان فُقَرَاء صرف فِي
مَوَاضِع الْبر وَيجوز وقف الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَيدْفَع مُضَارَبَة
وَيتَصَدَّق بفضلها فِي الْوُجُوه الَّتِي وقفت عَلَيْهَا وَيجوز وقف
الأكسية يلبسهَا الْفُقَرَاء لبسهَا ثمَّ ترد إِلَى وَالِي الصَّدَقَة كلما
اسْتغنى عَنْهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الْمُخْتَار بن فلفل عَن طلق بن حبيب عَن أبي طليق
أَنه كَانَ لَهُ جمل وناقة يحجّ على النَّاقة ويغزو على الْجمل
(4/162)
فَسَأَلته امْرَأَته أَن يُعْطِيهَا الْجمل
لتحج عَلَيْهِ فَقَالَ ألم تعلمي أَنِّي حَبسته فِي سَبِيل الله تَعَالَى
فَقَالَت إِن الْحَج من سَبِيل الله وَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ الْحَج فِي سَبِيل الله والغزو فِي سَبِيل الله
وروى الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ فَقيل منع ابْن جميل وخَالِد بن الْوَلِيد
وعباس بن عبد الْمطلب فَقَالَ أما خَالِد فَإِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا فقد
احْتبسَ أدراعه وأعتده فِي سَبِيل الله تَعَالَى
وَفِي حَدِيث أم معقل الأشجعية أَن زَوجهَا جعل ناضحة فِي سَبِيل الله
تَعَالَى فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْحَج
وَالْعمْرَة فِي سَبِيل الله
وَفِي حَدِيث أبي طليق دلَالَة على صِحَة الْحَبْس فِي الدَّوَابّ وَإِن لم
تخرج عَن يَد حابسها
وَأما الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَلَا يَصح وَقفهَا لِأَنَّهَا تستهلك
عينهَا فَتخرج عَن أَن تكون مَوْقُوفَة
وَأَجَازَ مَالك وقف الدَّنَانِير وَجعلهَا مَعَ ذَلِك قرضا على من أوقفت
عَلَيْهِ فَلَا معنى لَهُ لِأَنَّهَا إِذا جعلت كَذَلِك فَهِيَ مَمْلُوكَة
لمن أوقفت عَلَيْهِ والأوقاف لَا تكون مَمْلُوكَة
1852 - فِي وقف الرجل على نَفسه
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف وَلَو اسْتثْنى أَن ينْفق مِنْهَا على نَفسه من
الصَّدَقَة الْمَوْقُوفَة حَيَاته وَهِي لِلْأَبَد فَإِن ذَلِك جَائِز
(4/163)
وَقَالَ مَالك من حبس دَارا فَإِنَّهَا لَا
ترجع إِلَيْهِ أبدا فَإِذا انقرض من حَبسهَا عَلَيْهِ رجعت حبسا على أقرب
النَّاس وَإِن شَرط أَنَّهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ بعد انْقِرَاض من حَبسهَا
عَلَيْهِ رجعت مِيرَاثا بَين وَرَثَة الحابس يَوْم مَاتَ
وَقَالَ الْأنْصَارِيّ يجوز أَن يَسْتَثْنِي نَفَقَة على نَفسه لقَوْل عمر
رَضِي الله عَنهُ فِي وَقفه لَا جنَاح على من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا
بِالْمَعْرُوفِ غير مُتَمَوّل
وَقد كَانَ هُوَ وَليهَا لم يُخرجهَا عَن يَده
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز إيقافه على أم وَلَده وَلَا مدبره لِأَن ذَلِك
يكون للْمولى الْوَاقِف
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ دَاري حبيس على وَلَدي ثمَّ مرجعها إِلَى
إِذا انقرضوا فالحبس بَاطِل وَقد قيل هُوَ جَائِز وَيرجع على أقرب النَّاس
بالمحبس لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبطل الشَّرْط فِي
الْعُمْرَى وأجازها
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا يَصح الْوَقْف فِي مَنَافِع الْأَشْيَاء
الَّتِي يملكهَا الْوَاقِف فيجعلها لغيره فَلَا يجوز شَرطهَا لنَفسِهِ
لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يملك نَفسه مَا هُوَ مَالِكه
وَأما عمر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّمَا شَرط ذَلِك لمن يَلِيهِ من غَيره
وَالدَّلِيل على أَن مَنَافِع الْوَقْف إِنَّمَا ملكهَا الْمَوْقُوف
عَلَيْهِ من جِهَة الْموقف مَا روى إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن الْعَلَاء
بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاثَة
من صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ
(4/164)
فَدلَّ أَنَّهَا مَمْلُوكَة من قبله
لَوْلَا ذَلِك لما اسْتحق ثَوَابهَا
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَا يدل على أَنَّهَا مَمْلُوكَة من قبله لِأَنَّهُ
قد اسْتحق الثَّوَاب لأجل أَنه سَببه وأوصل إِلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّال على الْخَيْر كفاعله وكما قَالَ من سنّ
سنة حَسَنَة لَهُ اجرها وَأجر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
1853 - فِي وقف الْمَرِيض على الْوَارِث
قَالَ مَالك إِذا حبس دَاره فِي مَرضه على وَلَده وَولد وَلَده وَالثلث
يحملهَا فَإِنَّهَا تقسم على عدد الْوَلَد وَولد الْوَلَد فَمَا صَار
للْوَلَد الْأَعْيَان دخل مَعَهم بَقِيَّة الْوَرَثَة فَيكون بَينهم على
فَرَائض الله تَعَالَى حَتَّى إِذا انقرض ولد الْأَعْيَان رجعت الدَّار
كلهَا حبسا على ولد الْوَلَد وَإِن انقرض وَاحِد من ولد الْأَعْيَان قسم
نصِيبه على من بَقِي من ولد الْأَعْيَان وعَلى ولد الْوَلَد ثمَّ تدخل
الزَّوْجَة وَالأُم وورثة الْمَيِّت مَعَ ولد الْأَعْيَان فَمَا أصَاب ولد
الْأَعْيَان من ذَلِك على فَرَائض الله عز وَجل فَإِن هلك بَقِيَّة
الْوَرَثَة من غير الْوَلَد كَانَ نصِيبهم دخل ويرثهم فِي حظوظهم مَا دَامَ
أحد من ولد الْأَعْيَان حَيا
(4/165)
وَذكر الْحسن عَن أبي يُوسُف إِذا وقف
دَاره فِي مَرضه على وَلَده وَولد وَلَده أبدا ثمَّ مَاتَ جَازَ ذَلِك من
الثُّلُث لمن لَا يَرِثهُ وَمن كَانَ مِنْهُم يَرِثهُ بطلت حِصَّته من
ذَلِك
وَقَالَ الْأنْصَارِيّ هِيَ صَدَقَة مَوْقُوفَة وتقسم حِصَّة الْوَارِث
بَين أهل الْمِيرَاث على كتاب الله تَعَالَى وَينفذ لمن لم يكن وَارِثا
حِصَّته من ذَلِك فَإِن مَاتَ الْوَارِث رجعت حِصَّته على أهل الْوَقْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك والأنصاري لَا معنى لَهُ لِأَن حِصَّة
الْوَارِث إِذا لم يجز فِيهِ الْوَقْف فَهُوَ موروث لَا يعود بعد ذَلِك
وَقفا أبدا
1854 - فِي اشْتِرَاط بيع الْوَقْف
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي سنة تسع وَسبعين إِن جعل الْوَاقِف نَفسه
بِالْخِيَارِ فِي بيع الْوَقْف أَن يَجْعَل ذَلِك فِي وقف أفضل مِنْهُ
فَهُوَ جَائِز وَإِن مَاتَ قبل أَن يخْتَار إِبْطَاله مضى الْوَقْف على مَا
نَص عَلَيْهِ
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف بعد ذَلِك لَا يجوز الِاسْتِثْنَاء فِي
إبِْطَال الْوَقْف وَالْوَقْف نَافِذ جَائِز
قَالَ أَبُو بكر لم نجد جَوَاز الْخِيَار فِي بيع الْوَقْف إِلَّا عَن أبي
يُوسُف وَهُوَ فَاسد لِأَن الْوَقْف كَالْعِتْقِ وَشرط الْخِيَار فِي
الْعتْق بَاطِل
1855 - فِي وقف الرجل على وَلَده الصغار
قَالَ مَالك من حبس دورا لَهُ على ولد لَهُ صغَار فسكن مِنْهَا دَارا فَإِن
كَانَت عظم ذَلِك لم يجز وَإِن كَانَت بيعا جَازَ حبس تِلْكَ الدّور كلهَا
بِمَنْزِلَة الَّذِي سكن الْبَيْت من الدَّار
(4/166)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَفِي قَول أبي يُوسُف
وَالشَّافِعِيّ قد جَازَ بالْقَوْل
وَقِيَاس قَول مُحَمَّد إِنَّهَا جَائِزَة وَإِن لم يُخرجهَا من يَده وَإِن
كَانَ فيهم كَبِير لم يجز بِحَال إِذا وقفت وَهِي فِي يَد الْأَب كَمَا
قَالَ فِي الصَّدَقَة الْمَمْلُوكَة فَإِن ابْن سَمَّاعَة حُكيَ عَنهُ
فِيمَن تصدق على اثْنَيْنِ بدار لَهُ أَحدهمَا صَغِير وَالْآخر كَبِير
فَإِن لم يقبض الْكَبِير لم يجز لوَاحِد مِنْهُمَا وَإِن قبض الْكَبِير
جَازَت لَهما
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا فَاسد على أَصله لِأَن من أَصله من تصدق على
رجلَيْنِ صَدَقَة وَاحِدَة لم يجز حَتَّى يقبضاها مِنْهُ قبضا وَاحِدًا
وَإِن قبضهَا قبضين مُخْتَلفين لم يجز
وَحكى أَبُو خازم عَن عَليّ الرَّازِيّ فِي تَحْدِيد قَول مُحَمَّد نَحْو
ذَلِك قَالَ فَقَالَ لي عَليّ الرَّازِيّ هَل فِي حِيلَة تجوز مَعهَا صدقته
على اثْنَيْنِ لَهُ أَحدهمَا كَبِير وَالْآخر صَغِير فَقلت نعم يسلم
الدَّار إِلَى ابْنه الْكَبِير ثمَّ يَقُول لَهُ ابْنه الْكَبِير تصدق
بدارك هَذِه عَليّ وعَلى ابْنك الصَّغِير فَيَقُول قد فعلت فَيجوز لَهما
1856 - فِي الْأَلْفَاظ الَّتِي يَصح بهَا الْوَقْف
الَّذِي وجدنَا عَن مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث ذكر الْحَبْس وَذكر
هِلَال الرَّأْي عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا قَالَ أرضي هَذِه
صَدَقَة أَنه يَنْبَغِي أَن يتَصَدَّق بأصلها على الْمَسَاكِين أَو بيعهَا
فَيتَصَدَّق بِثمنِهَا وَلَا فرق بَين قَوْله صَدَقَة وَبَين قَوْله
صَدَقَة على الْمَسَاكِين
(4/167)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو قَالَ أرضي هَذِه
مَوْقُوفَة وَلم يزدْ على ذَلِك لم تكن صَدَقَة وَلَا وَقفا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَعُثْمَان البتي تكون وَقفا
وَإِن قَالَ أرضي هَذِه وقف أَو قَالَ هِيَ مُحرمَة أَو قَالَ حبس مُحرمَة
لم يجز لِأَنَّهُ ذكر حبس الأَصْل وَلم يسم لمن الْغلَّة
وَإِن قَالَ مَوْقُوفَة لله تَعَالَى جَازَ وَهِي كَقَوْلِه صَدَقَة
مَوْقُوفَة
وَإِن قَالَ مَوْقُوفَة لله أبدا على نسلي أَو قَرَابَتي فَهَذَا جَائِز
وَالْغلَّة لَهُم حياتهم فَإِذا انقرضوا صَارَت للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
قَالَ هِلَال وَقد قَالَ ثَلَاثُونَ من الْفُقَهَاء لَا يجوز الْوَقْف
حَتَّى يَجْعَل آخِره للْمَسَاكِين
وَذكر الْخصاف عَن مَعَاني أبي يُوسُف أَنه إِذا قَالَ هِيَ صَدَقَة
مَوْقُوفَة على فلَان أبدا أَو قَالَ صَدَقَة مَوْقُوفَة مَا كَانَ حَيا
فَإِذا مَاتَ صَارَت الْغلَّة للْمَسَاكِين قَالَ إِذا قَالَ أبدا فقد
أوجبهَا للْمَسَاكِين أَلا ترى أَنه لَو قَالَ أرضي هَذِه مَوْقُوفَة لله
أبدا فَإِنَّمَا قصد بغلتها إِلَى الْمَسَاكِين فَإِن لم يقل أبدا فقد
قَالَ بعض الْفُقَهَاء إِنَّهَا تكون مَوْقُوفَة للْمَسَاكِين
وَقد قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء مَا كَانَ من حبس جَارِيا على
الْأَبَد فَهُوَ صَدَقَة مَوْقُوفَة لَا يرجع إِلَى الْمِيرَاث وَلَا إِلَى
صَاحبه أبدا إِذا دَفعه إِلَى قيم يقوم بِهِ
(4/168)
وَقَالَ الشَّافِعِي تتمّ الصَّدقَات
الْمُحرمَات أَن يتَصَدَّق بهَا مَالِكهَا على قوم معروفين بأعيانهم
وأنسابهم وصفاتهم ويجتمع فِي ذَلِك أَن يَقُول صَدَقَة لَا تبَاع وَلَا
توهب وَلَا تورث أَو يَقُول صَدَقَة مُحرمَة أَو مُؤَبّدَة فَإِذا كَانَ
وَاحِدًا من هَذَا فقد صحت فَلَا تعود مِيرَاثا أبدا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر احْبِسْ
الأَصْل وسبل الثَّمَرَة فَدلَّ على أَنه إِذا ذكر الْحَبْس وتسبيل
الثَّمَرَة صحت الصَّدَقَة وَإِن لم يقل صَدَقَة مَوْقُوفَة فَأَما جعله
لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يحْتَمل صَدَقَة مَمْلُوكَة وَيحْتَمل مَوْقُوفَة
وَيدل على الِاحْتِمَال حَدِيث أنس فِي خبر أبي طَلْحَة لما جَاءَ إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنِّي جعلت أرضي لله
تَعَالَى فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلْهَا فِي
فُقَرَاء قرابتك فَجَعلهَا لحسان وَأبي وَفِي بعض الفاظه أَنه قَالَ قد
جعلهَا لله وَلِرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد
قبلناه مِنْك ورددناه عَلَيْك فاجعله من الْأَقْرَبين فَتصدق بِهِ على ذَوي
رَحمَه مِنْهُم أَبى وَحسان فَبَاعَ حسان نصِيبه من مُعَاوِيَة
فَلم يَجْعَلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة مَوْقُوفَة
بقوله هِيَ لله وَلِرَسُولِهِ
1857 - بَاب شَرط بيع الْوَقْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْحسن
الْمَدِينِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو عبيد الله المَخْزُومِي سعيد بن عبد
الرَّحْمَن قَالَ حَدثنَا الْحسن بن زيد عَن عمر بن عَليّ بن حُسَيْن عَن
أَبِيه عَليّ بن حُسَيْن عَن حُسَيْن بن عَليّ أَن
(4/169)
عليا رَضِي الله عَنهُ تصدق بأمواله حِين
توجه إِلَى صفّين جعلهَا حبسا ثلثهَا الْحسن ثمَّ الْحُسَيْن ثمَّ وسع
عَلَيْهِمَا إِن نأت بهما دَار عَن دَار الصَّدَقَة أَن يبيعا الأَصْل
باعاه ثمَّ قسماه أَثلَاثًا فثلث فِي السَّبِيل الَّتِي سبل فِي الرّقاب
وَثلث فِي آل أبي طَالب وَثلث فِي بني هَاشم وَبني الْمطلب وَلم يَجْعَل
ذَلِك بعدهمَا لأحد من وَلَده وَلَا لأولادهما وَإِنَّمَا وسع عَلَيْهِمَا
تقربا إِلَى الله تَعَالَى وَحُرْمَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وتعظيما وتشريفا لمكانهما
قيل لَهُ قد روى أَبُو يُوسُف قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر
بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ بن أبي طَالب ذكر فِي وَقفه بينبع
وَأَنَّهَا لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث
فَهَذَا الْأَشْبَه بأصول الصَّدقَات
1858 - فِي حبس سُكْنى دَار هَل يجوز بيعهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ مَالك وَاللَّيْث فِي رجل حبس دَاره على رجل
ليسكنها أبدا فَإِن للْوَاقِف أَن يَشْتَرِي سكناهَا مِنْهُ وَلَا يجوز
ذَلِك لغيره وعَلى هَذَا أَصلهمَا فِي تجوزيهما الْوَقْف غير مؤبد
وَأَجَازَ أصحابهما الْوَصِيَّة بسكنى دَار لرجل إِذا خرجت من الثُّلُث
فَإِن صَالحه الْوَارِث على أَن يتْرك السُّكْنَى على دَرَاهِم جَازَ وَإِن
صَالحه غَيره على دِرْهَم على أَن يكون السُّكْنَى لَهُ لم يجز
آخر كتاب الصَّدَقَة الْمَوْقُوفَة
(4/170)
= كتاب الْغَصْب =
1859 - فِي الْمَغْصُوب يقدر على مثل مَاله هَل يَأْخُذهُ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِذا كَانَ لرجل على رجل مَال فَوجدَ
مثله فَلهُ أَخذه بِغَيْر إِذْنه وَلَا يَأْخُذ من غير جنسه وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ رِوَايَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كَانَ لرجل على آخر مَال وَله عَلَيْهِ مثله
فَإِنَّهُ لَا يكون قصاصا إِلَّا أَن يتراضيا بِهِ
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا جحد وَدِيعَة عِنْده ثمَّ استودع الجاحد الْمُودع لم
يكن لَهُ أَن يجحده
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي رِوَايَة الْمعَافى لَا يصير قصاصا حَتَّى يتقاضى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ الْغَاصِب أثمن الْمَغْصُوب على مَال
دَفعه إِلَيْهِ فَعَلَيهِ أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَإِن وجده لَهُ وَلم
يثمنه فَلَا بَأْس بِأَن يَأْخُذهُ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حق فَلهُ أَخذه بِغَيْر
إِذْنه وَلكُل من علم ذَلِك أَن يَأْخُذهُ من مَال عَلَيْهِ فيعطيه
وَقَالَ إِذا اشْترى لَهُ شَيْئا بأَمْره ثمَّ يجحده الْآمِر فَلهُ أَن
يَبِيعهُ ويستوفي حَقه الَّذِي أذن فِي ثمنه وَيُوقف الْفضل وَإِن صدقه
يَوْمًا أَخذه
(4/171)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا باعت الْمَرْأَة
خَادِم زَوجهَا فِي النَّفَقَة جَازَ بيعهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ عَلَيْهِ حق فَمَنعه إِيَّاه فَلهُ أَن
يَأْخُذ من مَاله حَيْثُ وجده بوزنه أَو كَيْله فَإِن لم يجد لَهُ بَاعَ
عروضه وَاسْتوْفى من ثمنه حَقه
قَالَ أَبُو جَعْفَر فروى بكر بن خلف قَالَ حَدثنَا بشر بن الْمفضل قَالَ
حَدثنَا حميد عَن يُوسُف الْمَكِّيّ قَالَ كنت أكتب لفُلَان نَفَقَة
أَيْتَام كَانَ وليهم فغالطوه بِأَلف دِرْهَم فأداها إِلَيْهِم فأدركت لَهُ
مثلهَا من مَالهم فَقلت أَقبض الْألف الَّذِي ذَهَبُوا بهَا مِنْك فَقَالَ
حَدثنِي أبي أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أد
الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ حَدِيث مُضْطَرب لِأَن بشر بن الْمفضل رَوَاهُ
عَن حميد عَن يُوسُف الْمَكِّيّ وَرَوَاهُ مُعْتَمر عَن حميد عَن بكر بن
عبد الله وَإِنَّمَا ذكر فِي حَدِيث بشر إِنِّي كنت أكتب لفُلَان وَلم يسمه
وَفِي حَدِيث مُعْتَمر عَن بكر بن عبد الله قَالَ كَانَ هَذَا بكر بن عبد
الله الْمُزنِيّ وَهُوَ خَلِيل وَلَيْسَ يعرف لَهُ سَماع عَن أَبِيه
لِأَنَّهُ يُقَال إِنَّه توفّي وَابْنه بكر صَغِير
وَقد روى الْمُبَارك بن فاضلة عَن بكر بن عبد الله قَالَ قَالَ لي
عَلْقَمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ غسل أَبَاك وَأَنا صَغِير أَرْبَعَة من
أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهم بَايع تَحت الشَّجَرَة
فَمَا زادوا على أَن حسروا عَن سواعدهم وَجعلُوا عصيهم فِي حجرهم ثمَّ
غسلوا وَلم يزِيدُوا على الْوضُوء
(4/172)
وَلَو صَحَّ الحَدِيث احْتمل أَن يكون
مَعْنَاهُ أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك بِأَن تَأْخُذ
زِيَادَة على مَالك بِغَيْر حق كَمَا أَخذهم فِي الِابْتِدَاء بِغَيْر حق
وَقد روى هَذَا الحَدِيث من وُجُوه آخر يُنكره أَصْحَاب الحَدِيث وَهُوَ
مَا رَوَاهُ أَبُو كريب قَالَ حَدثنَا طلق بن غَنَّام عَن شريك وَقيس عَن
أبي حُصَيْن عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك
وَهَذَا يحْتَج بِهِ
وروى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن هندا قَالَت للنَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح لَا يعطيني مَا
يَكْفِينِي وَيَكْفِي بني إِلَّا أَن آخذه وَهُوَ لَا يعلم فَهَل عَليّ
جنَاح فِي ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذي مَا
يَكْفِيك وَيَكْفِي بنيك بِالْمَعْرُوفِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأما قَول من أجَاز بيع الْعرُوض فَهُوَ فَاسد لِأَن
حَقه فِي ذمَّته لَا فِي الْعين أَلا ترى أَنه إِنَّمَا يُطَالِبهُ عِنْد
الْحَاكِم بأَدَاء دينه لَا بِبيع عروضه
فَإِن قيل فقد يَبِيع القَاضِي عَلَيْهِ الْعرُوض كَذَلِك الْغَرِيم
قيل لَهُ هَذَا غلط لِأَن القَاضِي إِنَّمَا يَأْمُرهُ أَولا بِبيع عروضه
فَإِن لم يفعل حِينَئِذٍ بَاعه الْحَاكِم وَالْقَاضِي قد يَلِي على النَّاس
ويتصرف عَلَيْهِم فِي وُجُوه
(4/173)
لَا يجوز مثلهَا لغيره وَإِذا كَانَ
القَاضِي لَا يَبِيع عَلَيْهِ حَتَّى يمْتَنع هُوَ كَذَلِك الْغَرِيم
1860 - فِي ولد الْمَغْصُوبَة
قَالَ أَصْحَابنَا غير مَضْمُون وَكَذَلِكَ زِيَادَة الْبدن وَهُوَ قَول
مَالك وَالثَّوْري
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ ولد الْمَرْهُونَة إِذا هلك سقط من الدّين
بِحِصَّتِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن الزِّيَادَة وَالْولد جَمِيعًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الزِّيَادَة حدثت فِي يَده بِغَيْر فعله كشاة دخلت
دَار رجل أَو ثوب ألقته الرّيح فِيهَا وَالْفرق بَينه وَبَين ولد الصَّيْد
أَن ضَمَان الصَّيْد قد يَقع بِالسَّبَبِ لَا يضمن بِهِ الْأَمْوَال كمن
نصب شركا فِي دَاره وَهُوَ محرم للصَّيْد فَيضمن وَلَا يضمن بِمثلِهِ
الْأَمْوَال
1861 - فِي استهلاكه بعد الزِّيَادَة
قَالَ فِي الأَصْل إِذا غصب جَارِيَة قيمتهَا ألف فزادت حَتَّى صَارَت
تَسَاوِي أَلفَيْنِ فَبَاعَهَا الْغَاصِب وَسلمهَا فَهَلَكت فللمغصوب أَن
يضمنهُ قيمتهَا يَوْم سلمهَا وَإِن شَاءَ ضمن المُشْتَرِي
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة لَا يضمن الْغَاصِب
الْألف الدِّرْهَم
وَقَالَ مَالك للْمَغْصُوب أَن يضمن الْغَاصِب قيمتهَا يَوْم الْغَصْب
وَلَا يضمن المُشْتَرِي شَيْئا وَإِن شَاءَ أجَاز البيع وَأخذ الثّمن
(4/174)
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن الْغَاصِب
قيمتهَا زَائِدَة
1862 - فِي نُقْصَان الْحَيَوَان فِي يَد الْغَاصِب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصبه عبدا فَذَهَبت عينه فِي يَد الْغَاصِب
فللمغصوب أَن يضمنهُ أرش الْعين وَيَأْخُذ العَبْد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو زَاد فِي يَد الْغَاصِب ثمَّ نقص كَانَ لَهُ أَن
يضمنهُ النُّقْصَان الَّذِي ذهب بِهِ الزِّيَادَة
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للْمَغْصُوب أَن يضمن الْغَاصِب أرش الْعين وَلَكِن
يَأْخُذ العَبْد نَاقِصا إِن شَاءَ وَلَا يضمنهُ شَيْئا وَإِن شَاءَ ضمنه
الْقيمَة وَيسلم العَبْد للْغَاصِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الْحَيَوَان مَضْمُونا فِي يَده بِقِيمَتِه
ضمن أجزاءه وَلَيْسَ كَالْمَبِيعِ لِأَن العقد يَقْتَضِي تَسْلِيم
الْمَبِيع صَحِيحا فَإِذا لم يجده كَذَلِك كَانَ لَهُ الْخِيَار من غير
ضَمَان كَمَا لَو وجد عَيْبا كَانَ بِهِ قبل البيع وَقد اتَّفقُوا فِي
الثَّوْب الْمَغْصُوب إِذا حدث بِهِ خرق وَفِي الدَّار إِذا حدث بهَا هدم
أَن الْغَاصِب يضمن النُّقْصَان كَذَلِك الْحَيَوَان
1863 - فِي تخريق الثَّوْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ خرقا يَسِيرا أَخذ الثَّوْب وَضمن الْغَاصِب
النُّقْصَان وَإِن كَانَ خرقا قد أفْسدهُ فَصَاحب الثَّوْب بِالْخِيَارِ
إِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب قِيمَته كُله وَكَانَ الثَّوْب للْغَاصِب وَإِن
شَاءَ أَخذ الثَّوْب وَضَمنَهُ النُّقْصَان
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يضمن نُقْصَان الْخرق
(4/175)
وَقَالَ مَالك إِن أفْسدهُ الْخرق غرم
قِيمَته وَكَانَ الثَّوْب للْغَاصِب وَإِن لم يكن الْخرق فَاحِشا رقاه
الَّذِي خرقه ثمَّ يقوم بعد الَّذِي رقاه فَمَا نقص ذَلِك غرمه
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن النُّقْصَان فِي الْخرق الْيَسِير وَالْكَبِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخرق الْكَبِير الْمُفْسد يبطل عَلَيْهِ مَنَافِعه
واليسير لَا يُبْطِلهَا فَلهُ تصمينه فِي الْكَبِير إِلَّا أَنهم قد
قَالُوا لَو قطع يَدي عبد لم يضمن جَمِيع الْقيمَة مَعَ بطلَان عَامَّة
مَنَافِعه فَبَطل الِاعْتِبَار الَّذِي ذكرنَا
1864 - فِي غصب الْعقار
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا يضمن بِالْغَصْبِ إِلَّا أَن ينهدم
من فعله
وَقَالَ مُحَمَّد يضمن بِالْغَصْبِ وَإِن انْهَدم من غير عمله وَهُوَ قَول
مَالك قَالَ مَالك وَلَا يضمن الْأُجْرَة
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن مَا انْهَدم والكراء جَمِيعًا
1865 - فِي أُجْرَة الْغَصْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصب دَابَّة وأجرها فالأجرة للْغَاصِب يتَصَدَّق
بهَا وَلَا أجر للْمَغْصُوب
وَقَالَ ابْن شبْرمَة على الْغَاصِب أُجْرَة الدَّار وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي قَالَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخراج
بِالضَّمَانِ
(4/176)
يُوجب أَن يكون للْغَاصِب
1866 - فِيمَا انْقَطع فِي أَيدي النَّاس
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا غصبه شَيْئا مِمَّا يُكَال أَو يُوزن فَانْقَطع من
أَيدي النَّاس فَعَلَيهِ قِيمَته يَوْم يختصمون
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَوْم غصبه
وَقَالَ زفر وَمُحَمّد آخر مَا انْقَطع من أَيدي النَّاس
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أقرضت رجلا شَيْئا من الثِّمَار فِي حِينه
فَأَخَذته بَعْدَمَا ذهب حِينه فَلَيْسَ لَك أَن تَأْخُذهُ حَتَّى يَجِيء
حِينه إِذا لم يقدر على مثله فِي ذَلِك الْموضع
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد فِي رجل قد غصب جَارِيَة بِالريِّ وَحملهَا
إِلَى بَغْدَاد فَلَقِيَهُ بَغْدَاد أَن الْمَغْصُوب بِالْخِيَارِ إِن
شَاءَ أَخذ قيمتهَا بِالريِّ وَإِن شَاءَ أَخذ الْجَارِيَة بِمَدِينَة
السَّلَام
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه إِذا غصبه كِرَاء بِبَغْدَاد ثمَّ
لقِيه بِالْبَصْرَةِ هُوَ أغْلى مِنْهُ بِبَغْدَاد فَلَيْسَ للْمَغْصُوب
أَن يُطَالِبهُ بكرَاء مثله وَلكنه إِن شَاءَ أَخذ قِيمَته بِبَغْدَاد
يَوْم يختصمون وَإِن شَاءَ أَخّرهُ حَتَّى يَأْخُذ مِنْهُ بِبَغْدَاد
كِرَاء مثله إِن كَانَ بِالْبَصْرَةِ أرخص فَلَيْسَ للْغَاصِب أَن
يُعْطِيهِ كِرَاء مثله إِلَّا أَن يَشَاء الْمَغْصُوب وللمغصوب أَن يضمنهُ
قِيمَته بِبَغْدَاد أَو يُؤَخِّرهُ حَتَّى يَأْخُذ مثله بِبَغْدَاد
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن زفر فِيمَن حكيت عَنهُ فِيمَن اسْتقْرض
دَرَاهِم ثمَّ لقِيه بِبَلَد آخر قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول
يَأْخُذهُ بهَا حَيْثُ لقِيه وَكَانَ يستحسن
(4/177)
فِي الطَّعَام أَن يَأْخُذهُ حَيْثُ
أقْرضهُ فَلَو أقْرضهُ بِالْكُوفَةِ فَلَقِيَهُ بِمصْر فَقَالَ خُذ طَعَامك
هَاهُنَا كَانَ قبيحا وَإِن غصبه إِيَّاه أَخذه حَيْثُ لقِيه
وَقَالَ مَالك إِذا غصبه طَعَاما فاستهلكه ثمَّ لقِيه فِي مَوضِع غَيره
فَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا لَا طَعَاما وَلَا قيمَة
وَإِنَّمَا يَأْخُذ بِالطَّعَامِ فِي الْموضع الَّذِي غصبه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أقْرضهُ بِالْكُوفَةِ فَلَقِيَهُ بِمَكَّة أَخذه
بطعامه حَيْثُمَا كَانَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس مَا قَالَ الثَّوْريّ لِأَن الزِّيَادَة
وَالنُّقْصَان فِي غر بَلَده بِمَنْزِلَة تغير السّعر فِي مَوْضِعه
1867 - فِيمَن غصب خَشَبَة فَأدْخلهَا فِي بنائِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا عَلَيْهِ قيمتهَا وَلَيْسَ لصَاحِبهَا أَن يَأْخُذهَا
وَعَن زفر فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي عمرَان أَنه يَأْخُذهَا وَيرْفَع
الْبناء
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمُزنِيّ يَأْخُذ الْخَشَبَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو كَانَ خيطا خاط بِهِ جرح إِنْسَان أَو حَيَوَان
ضمن الْخَيط وَلم ينْزع
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُحْتَاج إِلَى خيط يخيط بِهِ بَطْنه كَانَ لَهُ
أَن يَأْخُذ خيط غَيره بِغَيْر إِذْنه إِذا خَافَ على نَفسه وَلَو خَافَ
سُقُوط جِدَاره لم يكن لَهُ أَخذ خَشَبَة غَيره لإصلاحه
(4/178)
1868 - إِذا خلط دَرَاهِمه بِدَرَاهِم
غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلط دَرَاهِم الْوَدِيعَة بدراهمه ضمنهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا سَبِيل لَهُ على الْغَيْر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يشركهُ الْمُودع إِن شَاءَ
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ دَرَاهِم مثلهَا وَلَا يكون شَرِيكا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا خلط زَيْت غَيره بِزَيْت لَهُ مثله أَو خير
مِنْهُ فَإِن شَاءَ أعطَاهُ من هَذَا مكيلته وَإِن شَاءَ أعطَاهُ مثل زيته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما ضمنهَا بالخلط وَجب أَن يسْقط حَقه من الْعين
لِاسْتِحَالَة أَن يملكهَا وبدلها مَعًا
1869 - فِيمَن قضى بِقِيمَة مَا غصب ثمَّ قدر عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ضمنه الْقيمَة بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ ظهر العَبْد
فَلَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهِ وَإِن ضمنهَا بقول الْغَاصِب ثمَّ ظهر العَبْد
فالمغصوب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رد الْقيمَة وَأخذ العَبْد وَإِن شَاءَ
كَانَت لَهُ الْقيمَة وَسلم العَبْد للْغَاصِب
وَقَالَ مَالك إِذا غرم قيمَة الدَّابَّة ثمَّ ظَهرت فَلَا سَبِيل
لصَاحِبهَا عَلَيْهَا إِلَّا أَن تكون قيمتهَا أَكثر مِمَّا أَخذ
وَقَالَ الشَّافِعِي مَتى ظهر أَخذ العَبْد ورد الْقيمَة
1870 - فِيمَن غصب ثوبا فصبغه أَحْمَر
قَالَ أَصْحَابنَا الْمَغْصُوب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه وَضمن
زِيَادَة الصَّبْغ
(4/179)
للْغَاصِب وَإِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب
قِيمَته أَبيض وَسلم الثَّوْب لَهُ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن
بن حَيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا غصبه ثوبا فصبغه وَزَاد فِي قِيمَته قيل
للْغَاصِب إِن شِئْت استخرجت الصَّبْغ على أَنَّك ضَامِن لما نقص وَإِن
شِئْت فَأَنت شريك بِمَا زَاد الصَّبْغ فَإِن تمحق الصَّبْغ فَلم تكن لَهُ
قيمَة قيل لَهُ لَيْسَ لَك هَاهُنَا مَال يزِيد وَإِن شِئْت فاستخرجه
وَأَنت ضَامِن لنُقْصَان الثَّوْب وَإِن شِئْت فَدَعْهُ فَإِن كَانَ ينقص
ضمن النُّقْصَان وَله أَن يخرج الصَّبْغ على أَن يضمن النُّقْصَان وَإِن
شَاءَ ترك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا معنى لإباحة الْغَاصِب اسْتِخْرَاج الصَّبْغ مَعَ
نُقْصَان الَّذِي يلْحق الثَّوْب لِأَنَّهُ إِن كَانَ من حق الْغَاصِب أَخذ
صبغه فَمن حق الْمَغْصُوب أَن لَا ينقص ثَوْبه وَيَنْبَغِي أَن لَا يكون
عَلَيْهِ ضَمَان النُّقْصَان لِأَن ذَلِك من حُقُوقه وَلما أوجب
النُّقْصَان بالاستخراج دلّ على أَنه لَيْسَ من حُقُوقه وَأَنه مَمْنُوع
مِنْهُ فَلَمَّا بَطل هَذَا صَحَّ أَن للْمَغْصُوب احتباس الثَّوْب لِأَن
الصَّبْغ مستهلك فِي الثَّوْب وَلَيْسَ الثَّوْب مُسْتَهْلكا فِي الصَّبْغ
1871 - فِي الْغَاصِب يهب لغيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصب ثوبا فوهبه لغيره فخرقه ثمَّ جَاءَ الْمَغْصُوب
فَإِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب وَإِن شَاءَ ضمن الْمَوْهُوب لَهُ فَأَيّهمَا
ضمن لم يرجع على الآخر
وَقَالَ مَالك لَا يضمن الْمَوْهُوب لَهُ إِلَّا أَن يكون الْغَاصِب عديما
فَإِن ضمنه لم يرجع على الْغَاصِب
(4/180)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن غصب طَعَاما
فأطعمه غَيره فَإِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب وَإِن شَاءَ الْمَوْهُوب لَهُ
وَإِن ضمن الْغَاصِب لم يرجع على الْمَوْهُوب لَهُ وَإِن ضمنه الْمَوْهُوب
لَهُ فقد قيل لَهُ أَن يرجع على الْوَاهِب وَقيل لَا يرجع بِهِ
قَالَ الْمُزنِيّ الْأَشْبَه أَن لَا يرجع على الْغَاصِب وَأَن الْغَاصِب
يرجع عَلَيْهِ لِأَن الْهِبَة لم تصح
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْغرَر إِنَّمَا يُوجب الرُّجُوع بِالْبَدَلِ الَّذِي
هُوَ الثّمن وَلَا يُوجب الرُّجُوع بِالْقيمَةِ
1872 - فِي تَغْيِير الْمَغْصُوب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصبه غزلا فنسجه أَو قطنا فغزله أَو حِنْطَة فطحنها
فَلَا سَبِيل للْمَغْصُوب عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الضَّمَان وَكَذَلِكَ قَول
مَالك فِي الْغَزل إِذا نسج والقطن إِذا غزل
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْخُذهُ الْمَغْصُوب وَلَا حق فِيهِ للْغَاصِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة قَالَ حَدثنَا عَاصِم بن
كُلَيْب عَن أَبِيه عَن رجل من الْأَنْصَار فِي قصَّة الشَّاة
الْمَغْصُوبَة المشوية وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن
تطعم الْأُسَارَى
وَقد رَوَاهُ أَيْضا أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَغَيرهمَا وَهُوَ حَدِيث
صَحِيح السَّنَد وَلم يرو شَيْء يُخَالِفهُ فَصَارَ أصلا فِي ذَلِك
وَذكر مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ أَن الْمَغْصُوب أَحَق بِهَذَا اللَّحْم فِي
حَيَاة الْغَاصِب وَبعد مَوته حَتَّى شَاءَ لَهُ فيستوفي ثمنه دون سَائِر
الْغُرَمَاء
(4/181)
قَالَ مُحَمَّد وَلَو كَانَ لَهُ احتباس
الشَّاة لما أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يطعم الأسرى
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَن لَهُ أَخذ الشَّاة المشوية
وَلَا يَأْخُذ اللَّحْم إِذا طبخ بالخل والتوابل
وَلَا فرق عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد بَينهمَا فِي أَنه لَيْسَ
للْمَغْصُوب أَخذه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَجه مَنعهم أكلهَا وإطعامها الأسرى أَنه لَا يطيب
للْغَاصِب أكلهَا حَتَّى يقوم لصَاحِبهَا بِقِيمَتِهَا
1873 - فِي الْمَغْصُوب يُجِيز بيع الْغَاصِب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ الْغَاصِب الْجَارِيَة وَقبض الثّمن فَهَلَك
فِي يَده ثمَّ أجَاز الْمَغْصُوب البيع جَازَ وَالثمن هَالك من ملك
الْمَغْصُوب
وَقَالَ مَالك يضمن الْغَاصِب الثّمن للْمَغْصُوب
وَعند الشَّافِعِي لَا يقف البيع وَلَا يبرأ الْغَاصِب من الضَّمَان
بِالْإِجَازَةِ وَهَذَا كَلَام فِي بيع الْمَوْقُوف
وَقد رُوِيَ عَن عمر عَليّ وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس
وَعبد الله بن عَمْرو وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم فِي الْمُلْتَقط
يتَصَدَّق باللقطة بعد التَّعْرِيف حولا ثمَّ يَجِيء صَاحبهَا أَنه
بِالْخِيَارِ فِي إجَازَة الصَّدَقَة فَيجوز عَنهُ وَيكون لَهُ أجرهَا
وَفِي تضمين الْمُلْتَقط
فَثَبت بذلك وقُوف الْعُقُود على من يملك إجازتها
(4/182)
1874 - فِي الْغَاصِب يَبِيع ثمَّ
يَشْتَرِي من الْمَغْصُوب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ الْغَاصِب الْجَارِيَة ثمَّ اشْترى من
الْمَغْصُوب ينْقض بيع الْغَاصِب
وَقَالَ مَالك لَا ينْتَقض بَيْعه وَينفذ
1875 - فِي رجلَيْنِ يغصبان شَيْئا وَاحِدًا
قَالَ مَالك فِي رجلَيْنِ يغصبان شَيْئا وَاحِدًا فللمغصوب أَن يضمن كل
وَاحِد مِنْهُمَا الْجَمِيع
وَلم يقل أحد من أهل الْعلم بذلك سواهُ وَهُوَ فَاسد فِي الْقيَاس أَيْضا
لِأَن كل وَاحِد غَاصِب لِلنِّصْفِ كَمَا لَو اشتريا عبدا كَانَ كل وَاحِد
مُشْتَريا لِلنِّصْفِ يلْزمه ثمن النّصْف دون الْكل زِيَادَة
قَالَ رُوِيَ فِي الْإِمْلَاء عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا أَخذ الْقيمَة بقول
الْغَاصِب ثمَّ ظهر العَبْد وَقِيمَته كَمَا قَالَ الْغَاصِب فَلَا سَبِيل
للْمَغْصُوب عَلَيْهِ وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر فللمغصوب أَخذه ورد
الْقيمَة وَلم يشرط ذَلِك فِي الأَصْل بل قَالَ أَخذ الْقيمَة بقول
الْغَاصِب ثمَّ ظهر العَبْد أَخذه إِن شَاءَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد تزيد الْقيمَة وتنقص فَلَا اعْتِبَار بِقِيمَتِه
يَوْم ظهر إِذْ لَيْسَ يمْتَنع أَن يكون أَكثر يَوْم الضَّمَان ثمَّ ينقص
آخر الْغَصْب
(4/183)
= كتاب الْعَارِية =
1876 - فِي ضَمَان الْعَارِية
قَالَ أَصْحَابنَا الْعَارِية غير مَضْمُونَة وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة
وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي الْمُسْتَعِير ضَامِن بِمَا استعاره إِلَّا
الْحَيَوَان وَالْعَبْد فَإِن اشْترط عَلَيْهِ فِي الْحَيَوَان فِي
الْعَارِية وَيضمن الْحلِيّ وَالثيَاب وَنَحْوهَا
وَقَالَ اللَّيْث لَا ضَمَان فِي الْعَارِية وَلَكِن أَبَا الْعَبَّاس
أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كتب بِأَن يضمنهَا وَالْقَضَاء الْيَوْم على
الضَّمَان
وَقَالَ الشَّافِعِي كل عَارِية مَضْمُونَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا أَن لَا
ضَمَان فِي
(4/185)
الْعَارِية وَعَن ابْن عَبَّاس وَأبي
هُرَيْرَة أَنَّهَا مَضْمُونَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى شريك عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي
مليكَة عَن أُمِّيّه بن صَفْوَان بن أُميَّة عَن أَبِيه قَالَ اسْتعَار
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَفْوَان بن أُميَّة أدراعا من حَدِيد
يَوْم خَيْبَر فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّد مَضْمُونَة قَالَ مَضْمُونَة
فَضَاعَ بَعْضهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شِئْت
غرمناها لَك قَالَ لَا أَنا أَرغب فِي الْإِسْلَام من ذَلِك يَا رَسُول
الله
إِسْرَائِيل عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة عَن صَفْوَان
بن أُميَّة قَالَ اسْتعَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
صَفْوَان بن أُميَّة أدراعا فَضَاعَ بَعْضهَا وَقَالَ إِن شِئْت غرمناها
لَك قَالَ لَا يَا رَسُول الله
فوصله شريك وَذكر فِيهِ الضَّمَان وقطعه إِسْرَائِيل وَلم يذكر الضَّمَان
وَرَوَاهُ مُسَدّد وَقَالَ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن عبد الْعَزِيز بن
رفيع عَن نَاس من آل صَفْوَان بن أُميَّة قَالُوا اسْتعَار رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من صَفْوَان بن أُميَّة سِلَاحا فَقَالَ لَهُ صَفْوَان
أعارية أم غصب فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل
عَارِية ففقد أدراعا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِصَفْوَان إِن شِئْت غرمناها لَك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فِي قلبِي
الْيَوْم من الْإِيمَان مَا لم يكن يَوْمئِذٍ
وَرَوَاهُ مُسَدّد مرّة أُخْرَى قَالَ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن عبد
الْعَزِيز بن رفيع عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن صَفْوَان بن أُميَّة وَذكر
لنا حَدِيثا من غير ذكر ضَمَان
(4/186)
وروى قَتَادَة عَن عَطاء أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعَار من صَفْوَان بن أُميَّة دروعا يَوْم خَيْبَر
فَقَالَ لَهُ أمؤداة يَا رَسُول الله للعارية قَالَ نعم
وروى جرير عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أنَاس من آل عبد الله بن صَفْوَان
قَالَ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَغْزُو جَيْشًا
وَذكر الحَدِيث من غير ذكر ضَمَان وَلَيْسَ فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث
أحفظ وَلَا أتقن وَلَا أثبت من جرير بن عبد الحميد وَلَو تكافأت الروَاة
فِيهِ حصل مضطربا
وَقد رُوِيَ فِي أَخْبَار أخر من طَرِيق أبي أُمَامَة وَغَيره عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَارِية مُؤَدَّاة
والمؤداة أَمَانَة لَيست فِي الذِّمَّة قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله
يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا}
وَمن جِهَة الْقيَاس أَن الْمَقْبُوض على وَجه الْإِجَارَة لِاسْتِيفَاء
الْمَنَافِع غير مَضْمُون كَذَلِك الْعَارِية بل هِيَ أَحْرَى أَن لَا تكون
مَضْمُونَة مَعَ عدم الْبَدَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد ذكر لنا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَن مُحَمَّدًا
تَأَول فِي ذَلِك أَن صَفْوَان كَانَ مُشْركًا يَوْمئِذٍ فَشرط الضَّمَان
وَقد يجوز ذَلِك بَين الْمُسلمين وَأهل الْحَرْب
1877 - فِي اسْتِعَارَة الأَرْض ليبني فِيهَا مُدَّة أَو غير مُدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَعَارَهُ أَرضًا ليبني فِيهَا فَبنِي وَلم يشرط
لَهُ مُدَّة فَلهُ أَن يُخرجهُ مَتى شَاءَ ويقلع بِنَاء وَلَا يضمن شَيْئا
إِن شَرط لَهُ مُدَّة فَلهُ أَن
(4/187)
يُخرجهُ قبل مضيها فَإِن أخرجه ضمن قيمَة
الْبناء
وَذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن ابْن أبي ليلى أَنه يضمن قيمَة
الْبناء للباني وَإِن لم يشرط لَهُ مُدَّة
وَقَالَ أَصْحَابنَا جَمِيعًا الْغَرْس مثل الْبناء وَأما الزَّرْع
فَإِنَّهُ يتْرك حَتَّى يستحصد فيحصد
وَقَالَ زفر لَهُ أَن يُخرجهُ قبل الْمدَّة وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي
الْبناء
وَقَالَ مَالك إِذا ضرب أَََجَلًا للعارية لم يكن لَهُ أَن يرجع فِيهَا
وَإِن لم يبن وَإِن لم يضْرب أَََجَلًا فَلهُ أَن يرجع وَإِن لم يؤقت وَإِن
أذن لَهُ فِي الْبناء وَأَرَادَ أَن يُخرجهُ بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ لم
يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يدْفع إِلَيْهِ مَا أنْفق وَإِلَّا لم يكن لَهُ
ذَلِك حَتَّى يسكن مَا يرى النَّاس أَنه يسكن مثله فِي قدر مَا عمر ثمَّ
إِذا أَرَادَ أَن يُخرجهُ أعطَاهُ قيمَة نقضه إِن أحب وَإِن شَاءَ أمره
بقلعه
وَقَالَ اللَّيْث من أعَار إِلَى أجل لم يَأْخُذ مِنْهُ قبل الْأَجَل
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أَعَارَهُ نَفعه فَبنى فِيهَا لم يكن أَن يُخرجهُ
حَتَّى يُعْطِيهِ قيمَة بنائِهِ قَائِما يَوْم يُخرجهُ وَإِن وَقت وقتا أَو
أذن لَهُ مُطلقًا فَهُوَ سَوَاء وَلَكِن لَو قَالَ إِذا انْقَضى الْوَقْت
كَانَ عَلَيْك أَن تنقض بناءك كَانَ ذَلِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يغره
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَن الْعَارِية إِذا لم يُوَقت لَهَا فَلهُ
الرُّجُوع فِيهَا وَإِذا وَقت اخْتلفُوا فَلَمَّا صحت الْعَارِية بِغَيْر
مُدَّة دلّ على أَنَّهَا لَيست كَالْإِجَارَةِ فَالْقِيَاس أَن يرجع فِيهَا
وَإِن كَانَت مُؤَقَّتَة
آخر كتاب الْعَارِية
(4/188)
= كتاب الْوَدِيعَة =
1878 - فِي الْمُسْتَوْدع يخلط الْوَدِيعَة بِمَالِه
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا خلط الْوَدِيعَة
بِمَالِه حَتَّى لم يتَمَيَّز ضمن
وروى ابْن وهب عَن مَالك مثل ذَلِك
وروى عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَنه إِن كَانَ مثله لم يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يَخْتَلِفُوا أَنه يضمن إِذا لم يكن مثله وَلم
يتَمَيَّز كَذَلِك إِذا كَانَ من جنسه وَمثله
1879 - إِذا استهلكت الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتهْلك الْوَدِيعَة ثمَّ وضع مَكَانهَا مثلهَا لم
يبرا من الضَّمَان وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
(4/189)
فَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا رد
مَكَانهَا مثلهَا وَكَانَت دَرَاهِم أَو حِنْطَة أَو نَحْوهَا فَلَا شَيْء
عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْكَيْل وَالْوَزْن كُله إِن اسْتهْلك بَعْضهَا ثمَّ
رد مثل مَا اسْتهْلك
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أَخذ بَعْضهَا فاستهلكه ثمَّ رد مثله
فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا فِيمَا أَخذ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اسْتَهْلكهُ صَار دينا فَلَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا
بِمَا يبرأ من سَائِر الدُّيُون
1880 - فِي الْمُودع هَل يودع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يودع وَإِن أودع ضمن إِلَّا أَن يكون فِي عِيَاله
فَإِن هلك ضمن الأول دون الثَّانِي عِنْد أبي حنيفَة
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَهُ أَن يضمن أَيهمَا شَاءَ وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن أَرَادَ سفرا وَكَانَ بَيته مُفردا وَمَا أشبهه من
الْعذر لم يضمن وَإِن لم يكن لَهُ عذر ضمن وَإِن أودعهُ فِي السّفر فَدفعهُ
إِلَى غَيره ضمن وَلَيْسَ مثل الْحَاضِر
وَقَالَ اللَّيْث إِن خرج غازيا فِي الْبَحْر أوحاجا أَو خَافَ عَلَيْهَا
بعده فَإِن استودعها أَمينا لم يضمن وَمن حول شَيْئا من مَوْضِعه ضمن وَإِن
كَانَ لَهُ عذر لم يضمن وَإِن أودع أَهله لم يضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أودع الْمُودع غَيره وصاحبها حَاضر ضمن وَإِن لم
يكن حَاضرا فأودعها أَمينا وَهُوَ يُرِيد سفرا لم يضمن
(4/190)
1881 - إِذا ادّعى أَنه أذن لَهُ فِي
إِيدَاع غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع الْمُودع الْوَدِيعَة إِلَى غَيره وَادّعى إِذن
صَاحبهَا ضمن وَلم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة وَهُوَ قَول مَالك
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى القَوْل قَول الْمُسْتَوْدع وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَعَلِيهِ الْيَمين
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أمره أَن يَدْفَعهَا إِلَى آخر وَزعم أَنه
دَفعهَا وَالْآخر يجْحَد فَإِن جَاءَ بِبَيِّنَة أَنه دَفعهَا وَإِلَّا ضمن
1882 - فِي الْمُودع هَل يسْتَعْمل الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بعث العَبْد الْوَدِيعَة فِي حَاجَة لَهُ فَهَلَك
ضمن
وَقَالَ اللَّيْث إِن بَعثه فِي سفر أَو أَمر بِعَيْنِه فَعَطب فِي مثله
فَهُوَ ضَامِن وَإِن قَالَ اذْهَبْ إِلَى بَاب الدَّار اشْتَرِ بقلا أَو
نَحوه لم يضمن لِأَن العَبْد لَو خرج فِي مثل هَذَا لم يمْنَع مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بعث الدَّابَّة إِلَى غير دَاره لتسقى وَهُوَ
يسقى فِي دَاره ضمن
1883 - فِي النَّفَقَة على الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أنْفق عَلَيْهَا الْمُودع بِغَيْر إِذن صَاحبهَا
فَهُوَ مُتَطَوّع إِلَّا أَن يكون بِأَمْر حَاكم
وَقَالَ مَالك يرجح بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ إِذْ قَامَت الْبَيِّنَة أَنه
كَانَ وَدِيعَة عِنْده
(4/191)
وَقَالَ الشَّافِعِي يَنْبَغِي أَن يَأْتِي
الْحَاكِم حَتَّى يُوكل من يقبض مِنْهُ النَّفَقَة عَلَيْهَا وَيكون دينا
على رَبهَا فَإِن حَبسهَا مُدَّة إِذا أَتَت على مثلهَا لم تَأْكُل وَلم
تشرب هَلَكت ضمن وَإِن لم تكن كَذَلِك فَتلفت لم يضمن
1884 - إِذا قَالَ الْمُودع أودعينها أَحَدكُمَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادَّعَاهَا رجلَانِ فَقَالَ مَا أَدْرِي لأيكما
هِيَ فَإِنَّهُ يسْتَحْلف لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن أَبى أَن يحلف لَهما
دَفعهَا إِلَيْهِمَا وَغرم قيمتهَا بَينهمَا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ الشَّافِعِي أَحْلف الْمُودع بِاللَّه مَا يدْرِي لأيهما هُوَ ووقف
ذَلِك لَهما جَمِيعًا حَتَّى يصطلحا فِيهِ أَو يُقيم أَحدهمَا بَيِّنَة
لَهُ وَأيهمَا حلف مَعَ نُكُول صَاحبه كَانَ لَهُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لكل وَاحِد من المدعيين أَن يستحلفه وَإِذا كَانَ
لَهما استحلافه لم يكن أَحدهمَا أولى بالتبدئة بِالْيَمِينِ لَهُ من الآخر
لِأَنَّهُمَا حِين تَسَاويا فِي الدَّعْوَى وَجب أَن يتساويا فِي
الِاسْتِحْلَاف عَلَيْهَا وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يَصح استحلافه لَهما على
نفي ملكهمَا مَعَ إِقْرَاره لأَحَدهمَا
وَقد ذكر مُحَمَّد أَن يستحلفه لَهما يَمِينا وَاحِدَة بِاللَّه مَا هِيَ
لوَاحِد مِنْهُمَا وَذكره عَنهُ ابْن سَمَّاعَة
(4/192)
وَلَا يجوز ذَلِك لما وَصفنَا من
الِاسْتِحْلَاف على نفي مَا أقرّ بِهِ وَقَول الشَّافِعِي أَيْضا فَاسد
لِأَنَّهُ استحلفه مَا يدْرِي لأيهما هِيَ وَلَو نكل عَن الْيَمين لم يكن
لنكوله حكم وَهُوَ سَاقِط وَإِذا بَطل ذَلِك وَجب أَن يسْتَحْلف لَهما
يمينين يبْدَأ القَاضِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ أَو يقرع بَينهمَا
1885 - فِي مدعي الْوكَالَة بِقَبض الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى رجل أَن الْمُودع وَكله بِقَبض الْوَدِيعَة
فَهُوَ على أَرْبَعَة أوجه
إِن كذبه وَدفعهَا ثمَّ جَاءَ الْمُودع وَأنكر التَّوْكِيل ضمن الْمُودع
وَرجع بِهِ على الْوَكِيل
وَكَذَلِكَ إِن لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ
وَكَذَلِكَ إِن صدقه وَضَمنَهُ وَإِن صدقه وَلم يضمنهُ لم يرجع بِهِ على
مدعي الْوكَالَة
وَكَذَلِكَ مدعي الْوكَالَة بِقَبض الدّين
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى الْوكَالَة بِقَبض الدّين وَصدقه الْغَرِيم
فَإِنَّهُ يجْبرهُ على تَسْلِيمه إِلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا أجْبرهُ على دفع الدّين حَتَّى
يُقيم الْبَيِّنَة وَأَقُول لَهُ إِن شِئْت فاعطه وَإِن شِئْت فَاتْرُكْهُ
وَقَالَ مَالك إِذا صدقه فِي الْوكَالَة بِقَبض الْوَدِيعَة وَدفعهَا ثمَّ
جَاءَ صَاحبهَا فَلهُ أَن يضمنهُ وَيرجع الْمُودع على الْقَابِض
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو ادّعى أَن أَبَاهُ مَاتَ
وَترك هَذِه الْوَدِيعَة
(4/193)
مِيرَاثا لَهُ لاوارث لَهُ غَيره فَصدقهُ
أَنه يَوْم دَفعهَا إِلَيْهِ كَذَلِك الْوكَالَة
1886 - فِي السفاتج
قَالَ أَصْحَابنَا تكره السفاتج إِذا كَانَت على شَرط وَلَا بَأْس بهَا على
غير شَرط
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يشْتَرط وَقيل إِلَى من أدفَع
وَقَالَ مَالك أكره السفاتج لِأَنَّهُ قرض جر مَنْفَعَة
وكرهها الشَّافِعِي أَيْضا على شَرط وكرهها مَالك على غير شَرط إِذا كَانَت
الْعَادة عِنْده بِمَنْزِلَة الشَّرْط
آخر كتاب الْوَدِيعَة
(4/194)
= كتاب الصُّلْح =
1887 - فِي الصُّلْح على الْإِنْكَار
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ الصُّلْح على
الْإِنْكَار جَائِز
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز على الْإِنْكَار وَيجوز على السُّكُوت من
غير إِنْكَار وَلَا إِقْرَار
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز إِلَّا على الْإِقْرَار كَالْبيع لَا يجوز
إِلَّا أَن يصادقا على الْعِوَض والمعوض
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد حكم للصح بِخِلَاف حكم البيع وَذَلِكَ لأَنهم
أَجَازُوا للرجل أَن يُصَالح غَيره بِغَيْر أمره وَعرض فِي يَده يَدعِيهِ
لنَفسِهِ وينكر مايدعي عَلَيْهِ فِيهِ وَلم يقبلُوا بعد ذَلِك بَيِّنَة
الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَو كَانَ ابتاعه من الْمُدَّعِي وَلم يصالحه قبلت
بَينته على صِحَة الْملك
(4/195)
1888 - فِي الِاسْتِحْقَاق فِي الصُّلْح
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى جَارِيَة فِي يَده فَصَالحه مِنْهَا على عبد
فَاسْتحقَّ فَإِن كَانَ على إِقْرَار أَخذ الْجَارِيَة وَإِن كَانَ على
إِنْكَار رَجَعَ فِي الدَّعْوَى
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ عَن إِقْرَار رَجَعَ بِالَّذِي أقرّ لَهُ بِهِ
وَإِن كَانَ على إِنْكَار رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَة مَا دفع
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا ادّعى حَقًا فِي دَار فَأقر لَهُ
أَجْنَبِي على الْمُدعى عَلَيْهِ وَصَالح على عبد بِعَيْنِه فَهُوَ جَائِز
وَإِن وجد عَيْبا فَرده أَو اسْتحق لم يكن لَهُ على الْأَجْنَبِيّ شَيْء
وَرجع على دَعْوَاهُ
1889 - فِي الْإِقْرَار بعد الصُّلْح على الْإِنْكَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جَحده حَتَّى صَالحه ثمَّ أقرّ بِهِ فَالصُّلْح
مَاض وَكَذَلِكَ لَو أَبرَأَهُ وَهُوَ جَاحد ثمَّ أقرّ فالبراءة مَاضِيَة
وَقَالَ مَالك فِي الرجل يَدعِي قبل الرجل دينا فجحده ثمَّ صَالحه
لِأَنَّهُ جَحده فَلهُ أَن يرجع عَلَيْهِ بِبَقِيَّة حَقه إِذا وجد
بَيِّنَة فَإِن قَالَ لي بَيِّنَة غَائِبَة وَخَافَ أَن تَمُوت شُهُوده أَو
يَمُوت الْمُدعى عَلَيْهِ أَو يطعن فَصَالحه لم يقبل بعد ذَلِك بَينته
لِأَنَّهُ لَو شَاءَ لم يعجل
(4/196)
1890 - فِي الصُّلْح عَن العَبْد
الْمَغْصُوب الْآبِق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا صَالحه وَالْعَبْد آبق على دَرَاهِم أَو دَنَانِير
حَالَة أَو مُؤَجّلَة جَازَ وَإِن صَالحه على شَيْء من الْكَيْل أَو
الْمَوْزُون مُؤَجّلا لم يجز ذَلِك إِن كَانَ مُؤَجّلا بِغَيْر عينه لِأَن
الْقيمَة دين عَلَيْهِ رَوَاهُ أَسد بن الْفُرَات عَن مُحَمَّد
وَقَالَ مَالك مَا كَانَ يحكم بِهِ دَنَانِير فَصَالحه على دَنَانِير
مُؤَجّلَة جَازَ وعَلى غَيره لَا يجوز إِلَّا أَن يتعجله لِأَنَّهُ يصير
دينا بدين
وَقَالَ الشَّافِعِي مَا جَازَ فِي البيع جَازَ فِي الصُّلْح وَمَا لم يجز
فِي البيع لم يجز فِي الصُّلْح
قَالَ أَبُو جَعْفَر للْقَاضِي أَن يحكم إِن شَاءَ بِالدَّنَانِيرِ وَإِن
شَاءَ بِالدَّرَاهِمِ فمهما صَالح عَلَيْهِ من ذَلِك فَهُوَ الْوَاجِب
1891 - فِي الصُّلْح من الْعَيْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عبدا ثمَّ صَالحه من كل عيب بِهِ على
دَرَاهِم فَهُوَ جَائِز وَهُوَ بَرِيء من كل عيب وَلَو قَالَ اشْترى مثل
الْعُيُوب بِدَرَاهِم لم يجز
وَقَالَ مَالك إِن ذكر عَيْبا بِعَيْنِه مثل المشش فِي يَد الدَّابَّة
وَنَحْوهَا وَقَالَ أشتريه مِنْك بِكَذَا جَازَ
1892 - فِي صلح بعض الْوَرَثَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ترك ابْنا وَامْرَأَة فصالحها من نصِيبهَا على
دَرَاهِم مَعْلُومَة
(4/197)
وَفِي الْمِيرَاث غير ذَلِك فَإِن كَانَت
الدَّرَاهِم أَكثر من نصِيبهَا جَازَ وَإِلَّا لم يجز وَإِن أَدخل الدّين
فِي الصُّلْح لم يجز بِحَال
وَقَالَ مَالك إِن صالحها على مائَة دِرْهَم من دَرَاهِم الْمَيِّت وَهِي
مثل مِيرَاثهَا أَو أقل جَازَ وَإِن كَانَت أَكثر لم يجز لِأَنَّهَا باعت
عرُوضا حَاضِرَة وغائبة وذهبا بِدَرَاهِم تعجلتها فَإِن صالحوها على مائَة
دِرْهَم من أَمْوَالهم على أَن تسلم لَهُم جَمِيع المَال الَّذِي تَركه
الْمَيِّت لم يجز وَإِن اشْتَروا ذَلِك مِنْهَا بالعروض جَازَ إِذا عرف مَا
ترك الْمَيِّت من عرُوض أَو قرض أَو دين حَاضر إِن كَانَ للْمَيت دين على 2
النَّاس من بيع أَو سلف فاشتروا حظها مِنْهَا لم يجز وَإِن كَانَ قرضا
جَازَ إِذا حضر الَّذِي عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ كَالْبيع فَمَا جَازَ فِي البيع جَازَ فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّلِيل على جَوَاز الصُّلْح من الْمَجْهُول مَا
رَوَاهُ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه
أَن جَابر بن عبد الله قتل أَبوهُ يَوْم أحد شَهِيدا وَعَلِيهِ دين
فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاء فِي حُقُوقهم وَقَالَ جَابر فَأتيت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فكلمته فَسَأَلَهُمْ أَن يقبلُوا ثَمَر حائطي ويحللوا
أبي فَأَبَوا فَلم يعطهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حائطي وَلم
يكسرهُ لَهُم فَطَافَ فِي النّخل ودعا فِي ثَمَرهَا بِالْبركَةِ فجذذتها
فقضيتهم حُقُوقهم وَبَقِي لنا من ثَمَرهَا بَقِيَّة
(4/198)
وَرَوَاهُ يزِيد بن زُرَيْع عَن روح بن
الْقَاسِم عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر أَنه كَانَ على أَبِيه
أوسق من تمر فَقُلْنَا للرجل خُذ من نخلنا بِمَا عَلَيْهِ فَأبى فَأَتَاهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عمر فَدَعَا لنا بِالْبركَةِ
فِيهَا فذذناها فأعطينا الرجل كل شَيْء كَانَ لَهُ وَبَقِي خرص نخلنا كَمَا
هُوَ فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ أخبر
بذلك عمر فَأخْبرهُ فَقَالَ قد علمت أَنه يُبَارك فِيهَا حِين دَعَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأجَاز عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصُّلْح من غير علم بِمِقْدَار
مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبِغير علم مِقْدَار مَا سَأَلُوا أَخذه عمالهم فَدلَّ
على أَن جَهله بِمِقْدَار الْمصَالح عَنهُ وجهله بِمِقْدَار مَا وَقع
الصُّلْح عَلَيْهِ عَمَّا صولح عَنهُ لَا يمْنَع صِحَّته
1893 - فِيمَن قَالَ قد صالحتك على كَذَا على أَن تَدْفَعهُ إِلَى
أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد أَرَادَ إِذا كَانَ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم حَاله
فَقَالَ لَهُ ادْفَعْ إِلَيّ مِنْهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم غَدا على أَنَّك
بَرِيء من الْفضل فَهُوَ بَرِيء من الْفضل إِن دفع إِلَيْهِ وَإِن لم يدْفع
إِلَيْهِ الْخَمْسمِائَةِ غَدا عَادَتْ عَلَيْهِ فِي قَول أبي حنيفَة
وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يعود عَلَيْهِ وَإِن اشْترط عَلَيْهِ إِن لم
يوافه الْيَوْم بالخمسمائة فَعَلَيهِ الْألف بِمُضِيِّ الْيَوْم قبل أَن
يُعْطِيهِ فَإِن عَلَيْهِ ألفا فِي قَوْلهم جَمِيعًا
(4/199)
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ اشْهَدُوا أَنه
إِن أَعْطَانِي مائَة دِرْهَم عِنْد رَأس الشَّهْر فالتسعمائة لَهُ وَإِن
لم يُعْطِنِي فالألف كُله عَلَيْهِ فَلَا بَأْس بذلك وَهُوَ كَمَا قَالَ
وَعند الشَّافِعِي الصُّلْح كَالْبيع وَهَذَا مخاطرة فَلَا يجوز
1894 - فِي الصُّلْح عَن الْغَيْر
إِذا صَالح عَن الْغَيْر فِيمَا يدعى عَلَيْهِ وَالْمَطْلُوب مقرّ ومنكر
وَإِن ضمن لزمَه وَإِن لم يضمن فَهُوَ مَوْقُوف على الْمَطْلُوب إِن أجَاز
جَازَ وَلَزِمَه وَكَذَلِكَ لَو صولح عَنهُ بأَمْره لم يلْزم الْمصَالح
وَلزِمَ الْمَطْلُوب
وَذكر أَبُو جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس عَن عَليّ عَن مُحَمَّد
لَو قَالَ أصالحك على مائَة من مَالِي كَانَ ضَامِنا لما صَالح عَلَيْهِ
قَالَ وَهُوَ قَوْلهم جَمِيعًا
وَذكر عِيسَى بن أبان عَن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد وَعَن مُحَمَّد بن الْحسن
أَنه لَو صَالحه على هَذِه الْمِائَة دِرْهَم وَهِي قَائِمَة فِي يَده
كَانَ لصلحه على مائَة من مَاله أَو على مائَة هُوَ لَهَا ضَامِن
وَقَالَ مَالك إِذا صَالحه من حَقه الَّذِي لَهُ على فلَان على كَذَا وَلم
يقل أَنا ضَامِن فَهُوَ ضَامِن سَوَاء قَالَ هُوَ ضَامِن أَو لم يقل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا صَالح رجل عَن رجل بِشَيْء جَازَ
عَنهُ
(4/200)
الصُّلْح وَلَيْسَ للَّذي أعْطى عَنهُ أَن
يرجع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تطوع بِهِ وَذكر الرّبيع عَنهُ أَنه إِذا صَالحه
على عبد بِعَيْنِه ثمَّ اسْتحق لم يكن لَهُ على الْمصَالح الْأَجْنَبِيّ
شَيْء
1895 - فِي الصُّلْح عَن الْوَصِيَّة بالغلة وَنَحْوهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لَهُ بِخِدْمَة عبد أَو سُكْنى دَار أَو غلَّة
عَبده أَو بِمَا فِي بطن أمته فَصَالحه الْوَرَثَة على دَرَاهِم مُسَمَّاة
فِي ذَلِك فَهُوَ جَائِز وَلَو بَاعَ ذَلِك مِنْهُم مَعًا لم يجز
وَقَالَ مَالك يجوز صلحهم على ذَلِك على الْغلَّة وَالسُّكْنَى والخدمة
وغلة النّخل وَلَا يجوز عَمَّا فِي الْبَطن لِأَن مرجع النّخل وَالدَّار
وَالْعَبْد إِلَى الْوَرَثَة وَفِي الْحمل لَا يرجع إِلَى الْوَرَثَة
مِنْهُ شَيْء
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنه لَا يجوز شَيْء من ذَلِك لِأَن الصُّلْح
كَالْبيع وَمَعَ ذَلِك لَا يجوز
1896 - فِي الصُّلْح من دم الْعمد
قَالَ أَصْحَابنَا فِي دم عمد بَين رجلَيْنِ صَالح أَحدهمَا من نصِيبه على
دَرَاهِم فَهُوَ جَائِز وَلَيْسَ لِأَخِيهِ فِيهَا شَيْء
وَقِيَاس قَول مَالك وَقَول الشَّافِعِي أَنه يُشَارِكهُ
(4/201)
1897 - فِي الصُّلْح وَقتل الْخَطَأ
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صَالحه من دم الْخَطَأ على مائَة بعير أَو ألف
دِينَار فَهُوَ جَائِز
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يجوز أَيْضا على ألفي شَاة أَو مِائَتي بقرة
أَو مِائَتي حلَّة وَإِن صَالح على أَكثر مِمَّا قدر فِي الدِّيَة من ذَلِك
لم يجز فَإِن قضى القَاضِي بِالْإِبِلِ ثمَّ صَالحه على دَرَاهِم مثل
قيمتهَا أَو أَكثر مِمَّا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ فَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ
لَو جَاءَ بِقِيمَتِهَا قبلت مِنْهُ وَإِن صَالحه على أَكثر من قيمَة بِمَا
لَا يتَغَابَن فِيهِ لم يجز وَإِن صَالحه من الْإِبِل على بقر أَو غنم
فَإِن كَانَت بِعَينهَا جَازَ وَإِلَّا لم يجز
وَقَالَ مَالك إِن جنى رجل من أهل الْإِبِل فَصَالح عَاقِلَته أَوْلِيَاء
الْجِنَايَة على أَكثر من ألف دِينَار جَازَ وَإِن عجلها
1898 - فِي الْحَط عَن المتغيب
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف إِذا تغيب الْمَطْلُوب حَتَّى حط بعض المَال ثمَّ
ظهر بعد فالحط جَائِز فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَهُ أَن يرجع فِيمَا حط عَنهُ لِأَنَّهُ تغيب عَنهُ
قَالَ أَبُو يُوسُف وَبِه نَأْخُذ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذِه الرِّوَايَة عَن أبي يُوسُف إِلَّا فِي
هَذَا
(4/202)
الْموضع وَقَول الْمَشْهُور أَنه جَائِز
كَقَوْل أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك إِذا تغيب شُهُود الطَّالِب وجحده الْمَطْلُوب فَصَالحه على
بعض الدّين وَأشْهد فِي السَّرَايَة صَالحه لِأَنَّهُ جَحده فالحط جَائِز
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تغيب الْمَطْلُوب فحط بعض دينه وَأخذ الْبَاقِي
ثمَّ قَالَ إِنَّمَا حططت المتغيب فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِيمَا حط لِأَن
هَذَا لَيْسَ فِي معنى الْإِكْرَاه
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَنه لَو ماطله فَصَالحه لأجل المطل كَانَ
الْحَط جَائِزا كَذَلِك التغيب
1899 - فِي التَّحْكِيم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حكما رجلَانِ بَينهمَا رجلا لكل وَاحِد مِنْهُمَا
أَن يرجع فِي ذَلِك مالم يمض الْحُكُومَة فَإِذا أمضاها بَينهمَا فَلَيْسَ
لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يرجع فِيهَا وَيَنْبَغِي للْقَاضِي حِين يرفع ذَلِك
إِلَيْهِ إِن كَانَ يُوَافق الْحق عِنْده أَن يمضيه وَإِن كَانَ لَا
يُوَافق رَأْيه وَرَأى الْحق غَيره رده وحملهما على رَأْيه دون رَأْي الحكم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى حكم الحكم جَائِز عَلَيْهِمَا
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا حكم الحكم بَينهمَا فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا
أَن يُبطلهُ مَا لم يرضيا بعد الحكم
وَقَالَ مَالك إِذا حكما بَينهمَا رجلا جَازَ حكمه عَلَيْهِمَا فَإِن رفع
إِلَى قَاض لم يُبطلهُ إِلَّا أَن يكون خطأ بَينا وَإِن حكماه وَأقَام
الْبَيِّنَة عِنْده ثمَّ بدا لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يحكم فَقَالَ لَا يحكم
شَيْئا فَإِنِّي أرى أَن يقْضِي بَينهمَا وَيجوز حكمه
(4/203)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا جعلا بَينهمَا
حكما وَأقر أَن مَا قضى بِهِ فَهُوَ جَائِز عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ لَهما أَن
يرجعا فِي حكمه هُوَ بِمَنْزِلَة القَاضِي
وَقَالَ اللَّيْث إِذا حكم بَينهمَا لم يرد حكمه إِلَّا الإِمَام
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حكم بَينهمَا ثمَّ ارتفعا إِلَى قَاض فَرَأى خلاف
حكمه فَلَا يجوز فِي ذَلِك إِلَّا بِوَاحِد من قَوْلَيْنِ إِمَّا أَن يكون
فِي معنى القَاضِي فَلَا يفْسخ مِنْهُ إِلَّا مَا يفْسخ على قَاض غَيره أَو
أَن يكون حكمه كالفتيا فَلَا يلْزم وَاحِد مِنْهُمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن
يرجع بعد إِمْضَاء الحكم دون القَاضِي فَدلَّ أَن الحكم قد لزمهما فالحاكم
عَلَيْهِ أَن يمْضِي عَلَيْهِمَا مَا كَانَ لَازِما لَهما قبل ذَلِك فَدلَّ
على أَنه لَا يفسخه بِوَجْه كقضاء القَاضِي
1900 - فِي تحكيم الْمَرْأَة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز تحكيم الْمَرْأَة وَقَالُوا لَو استقضت جَازَ
قَضَاؤُهَا فِيمَا يجوز فِيهِ شهادتها
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه لَا يجوز تحكيم من لَا تجوز
شَهَادَته كَالْعَبْدِ والمحدود فِي الْقَذْف وَالصَّبِيّ وَالذِّمِّيّ
وَالْمَرْأَة
وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن سَمَّاعَة عَنهُ أَنه لَا يجوز تحكيم الْمَرْأَة
وَقَالَ مَالك يجوز تحكيم الْمَرْأَة وَينفذ حكمهَا مَا لم تأت جورا أَو
خطأ قَالَ مَالك وَكَانَت الشِّفَاء أم سُلَيْمَان بن حتمة على السُّوق فِي
زمن
(4/204)
عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ ولاها إِيَّاه
وَصَاحب السُّوق فَلَا بُد أَن يقْضِي بَين النَّاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يؤم
أَمِير فِي إمارته فَدلَّ على أَن الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة للولاة دون
غَيرهم فَلَمَّا لم تكن الْمَرْأَة إِمَامًا للرِّجَال دلّ على خُرُوجهَا
مِمَّن يصلح أَن تكون أَمِيرا فَلَا يجوز أَن تكون قَاضِيا وَمن لم يصلح
أَن يكون قَاضِيا لم يَصح أَن يكون حكما
آخر كتاب الصُّلْح
(4/205)
= كتاب الْإِقْرَار =
1901 - فِي الْمَجْهُول يقر بِالرّقِّ
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز إِقْرَاره بِالرّقِّ وَيكون عبدا لمن أقرّ بِهِ
لَهُ فِي سَائِر أَحْكَامه فَقَالُوا إِذا تزوجت الْمَرْأَة المجهولة رجلا
ثمَّ أقرَّت بِالرّقِّ صدقت على نَفسهَا وَلَا تصدق على أَوْلَادهَا
الَّذين ولدتهم قبل ذَلِك فِي أَن يجعلهم رَقِيقا فهم أَحْرَار وَمَا
تحملهم بعد ذَلِك فهم رَقِيق فِي قَول أبي يُوسُف وَفِي قَول مُحَمَّد
أَحْرَار
وَقَالَ مَالك لَو أقرّ اللَّقِيط بِالرّقِّ لم يصدق وَكَذَلِكَ فِي ظَاهره
ظَاهر الْحُرِّيَّة وَلَو قذفه رجل حد قَاذفه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا أقرّ الْحر لرجل يملك جعل عَبده وَمَاله
للَّذي أقرّ لَهُ وَجعل فِي مَال العَبْد بِمَنْزِلَة الْمَمْلُوك وَفِيمَا
عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْحر إِن قذفه جلد ثَمَانِينَ وَإِن قذفه رجل لم يحد
ويقتص مِنْهُ فِيمَا دون النَّفس وَلَا يقْتَصّ لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بلغ اللَّقِيط وَاشْترى وَبَاعَ ونكح وأصدق ثمَّ
أقرّ أَنه عبد لرجل ألزمته مِمَّا لزمَه قبل إِقْرَاره وَفِي إِقْرَاره
بِالرّقِّ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يلْزمه فِي نَفسه وَلَا يصدق فِي حق
غَيره
(4/207)
وَمن قَالَ أصدقه لِأَنَّهُ مَجْهُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول الْحسن بن حَيّ فَاسد لِأَنَّهُ بعد إِقْرَاره
بِالرّقِّ لَا يَخْلُو من أَن يكون فِي حكم العبيد أَو الْأَحْرَار فَإِن
عمل إِقْرَاره فَهُوَ عبد فِي أَحْكَامه كلهَا وَإِن لم يعْمل إِقْرَاره فه
حر فِي أَحْكَامه
1902 - إِذا أقرّ بِولد مَجْهُول هَل يصير أمه زَوْجَة لَهُ
إِذا قَالَ لغلام هَذَا ابْني ثمَّ مَاتَ الرجل فَجَاءَت أم الْغُلَام
وَهِي حرَّة تَدعِي الزَّوْجِيَّة فَإِن لَهَا الْمِيرَاث مِنْهُ
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنَّهَا إِذا كَانَت مَجْهُولَة لم يكن
لَهَا مِيرَاث إِذا لم تعرف بِالْحُرِّيَّةِ وَالْولد وَلَده مِنْهَا وَإِن
كَانَت مَعْرُوفَة الأَصْل فَالْقِيَاس أَن لَا يكون
وَوجه الِاسْتِحْسَان أَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّه وَطئهَا بشبه وَلَكِنِّي
أستحسن إِذا كَانَت مَعْرُوفَة أَنَّهَا حرَّة أَن أجعلها أمْرَأَته
1903 - فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بدين
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِذا أقرّ وَارِث بدين وَجحد
الْبَاقُونَ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي كُله من نصِيبه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يدْخل عَلَيْهِ من الدّين بِقدر نصِيبه من
الْمِيرَاث وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَالْأَوْزَاعِيّ قَالَه الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي
وَفِي الْبُوَيْطِيّ مثل قَوْلنَا وَقَول الشّعبِيّ مثل قَول أَصَابَنَا
وَقَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم مثل قَول ابْن أبي ليلى
(4/208)
1904 - شَهَادَة بعض الْوَرَثَة بدين على
الْمَيِّت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهد رجلَانِ من الْوَرَثَة بدين على الْمَيِّت
جَازَ وَلم يلْزمه الْحَاكِم من نصِيبه خَاصَّة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ شَهَادَتهمَا جَائِزَة على أَنفسهمَا وَيُؤْخَذ من
حصتهما
وَقَالَ الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ شَهَادَتهمَا جَائِزَة على جَمِيع
الْوَرَثَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَانَت شَهَادَتهمَا تحيط بِالْمَالِ جَازَت
وَإِذا بَقِي من المَال شَيْء لم يجز لِأَنَّهُمَا يجران إِلَى أَنفسهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي تجوز شَهَادَتهمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر تجوز شَهَادَة الوراث على الْوَارِث كَمَا تجوز على
غَيره فَإِذا ألزمهما القَاضِي بإقرارهما لم ينفذ بعد ذَلِك فِي إِسْقَاط
مَا لزمهما قَالَ وَنَظِيره رجل شهد على رجل بِالزِّنَا فَإِن قضى عَلَيْهِ
بِالْحَدِّ ثمَّ جَاءَ بِثَلَاثَة يشْهدُونَ مَعَه لم يجز وَلَو لم يقْض
عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ بِثَلَاثَة يشْهدُونَ مَعَه جَازَ
قَالَ أَبُو بكر لَا يعْتَبر أَصْحَابنَا ذَلِك وَإِنَّمَا يعتبرون مجيئهم
وَلَعَلَّ ذَلِك قَول الْمُخَالف فألزمهم إِيَّاه
(4/209)
1905 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض وَعَلِيهِ
دين فِي الصِّحَّة
قَالَ أَصْحَابنَا يبْدَأ بدين الصِّحَّة ثمَّ يقْضِي دين الْمَرَض
وَقَالَ مَالك إِن أقرّ بِهِ لوَارث أَو ذِي قرَابَة أَو صديق ملاطف لم
يقبل إِقْرَاره إِلَّا بِبَيِّنَة وَإِن اقر لغَيرهم فَإِنَّهُ يحاص
غُرَمَاء الصِّحَّة وَإِنَّمَا يرد مَا أَمر بِهِ فِي الْمَرَض للتُّهمَةِ
فَإِذا لم تقع التُّهْمَة جَازَ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أقرّ بدين فِي الْمَرَض وَله ولد صدق فِي جَمِيع
مَاله وَإِن كَانَ إِنَّمَا يُورث كَلَالَة أَو لَهُ عصبَة يرثونه قَالَ
ذَلِك فِيمَا يتهم عَلَيْهِ النَّاس فَيثبت فِيهِ فَرُبمَا أَرَادَ أَن
يحرم عصبته بالتوليج إِلَى غَيرهم
وَقَالَ الشَّافِعِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض سَوَاء يتحاصون
فِيهِ
1906 - إِقْرَار الْمَرِيض للْوَارِث
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز إِذا مَاتَ فِي مَرضه إِلَّا أَن يصدقهُ
بَقِيَّتهمْ وَهُوَ قَول مَالك
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجوز وَالْآخر أَنه لَا يجوز
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن ابْن عمر أَن الرجل إِذا توفّي وَعَلِيهِ
صدَاق لامْرَأَته فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء وَإِن كَانَ فِي بَيته قَمح
اَوْ زَيْت أَو غَيره فَهُوَ للْوَرَثَة إِلَّا أَن يكون سَمَّاهُ للَّتِي
دخل بهَا وَهُوَ صَحِيح رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن أُسَامَة بن زيد عَن
نَافِع عَن ابْن عمر
(4/210)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يحْتَمل أَن
يُرِيد أَن يكون ملكهَا وَلَا يُرِيد الْإِقْرَار
1907 - فِي الْإِقْرَار لوَارث ولأجنبي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا يَصح بِحَال
وَقَالَ مُحَمَّد إِن جحد الْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث الشّركَة جَازَ
للْأَجْنَبِيّ
وَقَالَ مَالك يتحاص الابْن وَالْأَجْنَبِيّ فِي حِصَّة الْأَجْنَبِيّ ثمَّ
مَا يُصِيب الابْن يكون بَينه وَبَين الْوَرَثَة مِيرَاثا
1908 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض بِاسْتِيفَاء الدّين
قَالَ أَصْحَابنَا يصدق فِي اسْتِيفَاء دين الصِّحَّة وَلَا يصدق فِي
اسْتِيفَاء مَا أدانه فِي الْمَرَض إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَو كَاتب عَبده
فِي الصِّحَّة ثمَّ أقرّ فِي الْمَرَض باستيفائها صدق وَعتق وَلَو كَاتبه
فِي الْمَرَض لم يصدق إِلَّا من الثُّلُث
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة إِذا بَاعَ دَاره فِي الْمَرَض
وَأقر بِقَبض الثّمن صدق
وَذكر الْحسن بن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه يصدق من
الثُّلُث وَإِن كَانَ البيع فِي الصِّحَّة صدق فِي جَمِيع المَال
وَقَالَ مَالك إِذا أقرّ فِي الْمَرَض بِقَبض دينه الَّذِي على فلَان فَإِن
كَانَ وَارِثا مِمَّن يتهم لم يقبل قَوْله وَإِن كَانَ أَجْنَبِيّا لَا
يتهم جَازَ
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز إِقْرَاره
(4/211)
1909 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض بدين ثمَّ
بوديعة
قَالَ أَصْحَابنَا 4 إِذا أقرّ الْمَرِيض بدين ثمَّ بوديعة بِعَينهَا أَو
بِغَيْر عينهَا تحاصا وَلَو بَدَأَ بالوديعة بِعَينهَا ثمَّ أقرّ بدين
كَانَ صَاحب الْوَدِيعَة أولى
وَقَالَ مَالك كل شَيْء أقربه من ذَلِك بِعَيْنِه فصاحبه أولى بِهِ سَوَاء
كَانَ أقرّ بِهِ قبل إِقْرَاره بِالدّينِ أَو بعده وَمَا أقرّ بِهِ بِغَيْر
عينه فَهُوَ وَالدّين سَوَاء
1910 - فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بِعِتْق عبد من الْمِيرَاث
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ بعض الْوَرَثَة أَن الْمَيِّت كَانَ أعتق
عَبده هَذَا فِي صِحَّته وَكذبه الْبَاقُونَ فَإِنَّهُ يعْتق نصيب الْمقر
وَيسْعَى للْمُنكر فِي حِصَّته وَلَو قَالَ أعْتقهُ فِي مَرضه وَلم يتْرك
مَالا غَيره وهما ابْنَانِ فَإِنَّهُ يسْعَى للْمُنكر فِي نصف قِيمَته
وللمقر فِي سدس قِيمَته
وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم لَا يجوز إِقْرَاره وَلَا يعْتق
نصِيبه وَفِي رِوَايَة ابْن وهب يجوز على الْمقر مَا اقر بِهِ فِي نصِيبه
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز على الْمقر فِي نصِيبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَن رجلا إِذا اشْترى مَمْلُوكا ثمَّ أقرّ
أَن البَائِع أعْتقهُ قبل البيع وَأنكر البَائِع أَنه أعْتقهُ أَنه يعْتق
على الْمقر كَذَلِك الْوَارِث
1911 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض بِعَبْد فِي يَده أَنه ابْنه
إِذا قَالَ فِي مَرضه لجارية لَهَا ولد هَذَا ابْني فَإِن كَانَ ولد فِي
ملكه فَهُوَ حر بِلَا سِعَايَة وتعتق الْأُم من جَمِيع المَال وَإِن لم
يُولد فِي ملكه سعى الْغُلَام
(4/212)
فِي ثُلثي قِيمَته إِن لم يكن لَهُ مَال
غَيرهمَا وَلَا يَرث فِي قَول أبي حنيفَة وَفِي قَوْلهمَا إِن لم يكن لَهُ
ولد غَيره فَهُوَ حر وَلَا سَبِيل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَهُ ابْن غَيره
فعلى الْمُدَّعِي نصف قِيمَته لِأَخِيهِ وَذَلِكَ إِذا ملكهمَا فِي مَرضه
ثَبت النّسَب وعتقا وَلَا سِعَايَة على وَاحِد مِنْهُمَا فِي قَوْلهم
جَمِيعًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أقرّ رجل فِي مَرضه أَن هَذَا
حملهَا مِنْهُ وَأقر بِولد أمة أُخْرَى فَقَالَ وَلَدهَا مني وَقَالَ فِي
أمة أُخْرَى قد وطئتها وَلم يذكر الِاسْتِبْرَاء بعد الْوَطْء فَإِنَّهُ
يلْزمه ولد هَؤُلَاءِ كُلهنَّ وَهن أُمَّهَات أَوْلَاد لَهُ يعتقن من
جَمِيع المَال
وَقَالَ عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَيْضا إِذا قَالَ عِنْد مَوته لجارية
أَنَّهَا ولدت مِنْهُ وَلَا يعلم إِلَّا بقوله أَنه كَانَ يَرِثهُ كَلَالَة
وَإِنَّمَا هم عصبَة لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة تثبت على مَال فَإِن
كَانَ لَهُ ولد رَأَيْت أَن يعْتق من جَمِيع المَال وَفِي الَّذِي وَرثهُ
كَلَالَة لَا يعْتق وَهِي أمة وَتلك إِذا لم يكن مَعهَا ولد يَدعِيهِ
السَّيِّد جَازَ قَوْله فِي ذَلِك وَكَانَت أم ولد لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أقرّ أَن ابْن هَذِه الْأمة وَلَده مِنْهَا وَلَا
مَال لَهُ غَيرهَا ثمَّ مَاتَ فَهُوَ ابْنه وهما حران بِمَوْتِهِ لَا يبطل
ذَلِك لحق الْغُرَمَاء
1912 - فِي الْإِقْرَار بِمَال فِي موطنين
قَالَ فِي الأَصْل عَن أبي حنيفَة إِن أقرّ بِأَلف فِي موطن وبألف فِي موطن
فهما أَلفَانِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هما ألف وَاحِد وَكَذَلِكَ إِن كَانَ
أَحدهمَا أَكثر لزم المالان فِي قَوْله وَفِي قَوْلهمَا الْأَكْثَر
وروى بشر عَن أبي يُوسُف إِذا أقرّ عِنْد القَاضِي بِأَلف فأثبتها فِي
ديوانه
(4/213)
وَادّعى عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فِي يَوْم
آخر فَأقر بهَا فَهِيَ ألف وَاحِد فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَالْإِقْرَار عِنْد الشُّهُود كَالْإِقْرَارِ عِنْد القَاضِي وَلَو شهد
على نَفسه فِي صك بِأَلف دِرْهَم وأشهدهم أَو غَيرهم على نَفسه فِي موطن
آخر بِأَلف دِرْهَم فَإِن الْمَالَيْنِ يلزمانه وَإِن جَاءَ بِشَاهِدين على
ألف لَا يعلم فِي موطن أَو موطنين فَهُوَ مالان إِلَّا أَن يعرف أَنه فِي
موطن فَيكون مَالا وَاحِدًا
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا أقرّ بِأَلف فِي موطنين فهما ألف وَاحِد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هِيَ أَلفَانِ وَإِن كَانَ فِي موطن وَاحِد فَهُوَ
ألف وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَسَوَاء شهد على جَمِيع ذَلِك شَاهِدَانِ أَو
شهد شَاهِدَانِ غير الْأَوليين
وَقَالَ ابْن شبْرمَة هِيَ ألف وَاحِد وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ
وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه لَو شهد عَلَيْهِ
شَاهد أَنه أقرّ بِأَلف يَوْم الْجُمُعَة وَشهد آخر أَنه أقرّ لَهُ يَوْم
الْخَمِيس أَن القَاضِي يقْضِي عَلَيْهِ بِأَلف وَلَو كَانَ ذَلِك مالين
لما ثَبت كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِشَاهِدين
1913 - فِي الِاسْتِثْنَاء من الْإِقْرَار
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يَصح اسْتثِْنَاء مَا يُكَال أَو يُوزن
أَو يعد من الْإِقْرَار من جنسه وَغير جنسه
وَإِن اسْتثْنى غير ذَلِك لم يَصح
(4/214)
وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر لَا يَصح
الِاسْتِثْنَاء من غير جنسه وَمَالك يُجِيز البيع بِدِينَار إِلَّا دِرْهَم
فالإقرار على أَصله أجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف إِلَّا كرّ حِنْطَة قيل
لَهُ أقرّ بِمَا شِئْت من ألف وَالْكر يسْتَثْنى بعد أَن يبْقى بعد
الِاسْتِثْنَاء شَيْء قل أَو كثر
1914 - فِي الْإِقْرَار بدرهم فَوق دِرْهَم
قَالَ ابْن أبي عمرَان مَذْهَب أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ عَليّ دِرْهَم
فَوق دِرْهَم أَن عَلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ وَلَو قَالَ عَليّ دِرْهَم تَحت
دِرْهَم قضى لَهُ بدرهم وَاحِد
وَقَالَ الشَّافِعِي فيهمَا جَمِيعًا دِرْهَم وَاحِد أَنه يجوز أَن يَقُول
فَوْقه فِي الْجَوْدَة أَو تَحْتَهُ فِي الرداءة رِوَايَة الْمُزنِيّ
وَقَالَ الرّبيع عَنهُ عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ
1915 - فِي إِقْرَار العبيد بِجِنَايَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ العَبْد الماذون لَهُ أَو الْمَحْجُور
عَلَيْهِ بقتل رجل خطأ أَو بِجِنَايَة دون النَّفس وَكذبه مَوْلَاهُ لم
يصدق وَإِن عتق بعد ذَلِك لم يلْزمه وَلَو أقرّ بِغَصب أَو نَحوه وَهُوَ
مَأْذُون جَازَ وَإِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ لم يلْزمه إِلَّا بعد
الْعتْق فَإِن أقرّ بِوَطْء بِشُبْهَة لم يلْزمه مهر
(4/215)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا
أقرّ العَبْد أَنه جَامع هَذِه الْمَرْأَة غصبهَا نَفسهَا لم يصدق إِلَّا
أَن يُؤْتى وَهِي مستغيثة أَو مُتَعَلقَة بِهِ وَهِي تدمى إِن كَانَت بكرا
فَإِنَّهُ يصدق وَإِن زعم أَنه اغتصبها وَكَذَلِكَ إِذا أقرّ أَنه وطئ
صَبيا فَقطع إصبعه وَهِي تدمى وَالصَّبِيّ مُتَعَلق بِهِ فَإِنَّهُ يصدق
إِذا أدْرك بحدثان مَا قطع إصبعه وَهُوَ مُتَعَلق بِهِ وَفِي غير هَذَا
الْوَجْه لَا يصدق
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز إِقْرَاره وَإِن عتق لزمَه وَيجوز إِقْرَاره
بِالْقصاصِ وَالْحَد
1916 - فِي إِقْرَار الْمكَاتب بِالْجِنَايَةِ
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا أقرّ الْمكَاتب بِجِنَايَة خطأ
لَزِمته فِي الْكِتَابَة يسْعَى فِيهَا فَإِن عجز بطلت سَوَاء حكم قضى بهَا
وَلم يقْض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن لم يقْض بهَا بطلت وَإِن قضى بهَا
لَزِمته بعد الْعَجز
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِقْرَاره بِجِنَايَة الْخَطَأ إِلَّا بعد
الْأَدَاء فَإِن عجز ثمَّ عتق لم تلْزمهُ الْجِنَايَة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا إِن إِقْرَاره مَوْقُوف إِن
أدّى الْكِتَابَة لزمَه وَإِن عجز بَطل حَتَّى يعْتق وَالْقَوْل الثَّانِي
إِن ذَلِك لَازم للْمكَاتب لِأَنَّهُ يلْزمه فِي مَاله وَإِن عجز بيع فِيهِ
إِن لم يؤده الْمولى
(4/216)
1917 - فِي الْمَمْلُوك يستغله مَوْلَاهُ
ثمَّ يبين عتقه
قَالَ مَالك فِي الْمَمْلُوك يستغله سَيّده وَتقوم الْبَيِّنَة على عتقه
إِيَّاه قبل ذَلِك أَن الْغلَّة للسَّيِّد وَلَو كَانَت أمة فَوَطِئَهَا
أَو جرحها فَقَامَتْ بَيِّنَة على عتقه إِيَّاهَا قبل ذَلِك وَهُوَ جَاحد
لِلْعِتْقِ فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا أرش فِي جراحته وَلَا حد فِي قذفه قبل
ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد ذَلِك عَن أحد من أهل الْعلم غَيره وَهُوَ
فَاسد أَيْضا لِأَن الْعتْق إِذا ثَبت قبل ذَلِك فَإِنَّمَا أَخذ مَال حر
ووطئ حرَّة وقذفها
1918 - إِذا دعى أَن مَا اقْتَضَاهُ زيوف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فَقَالَ قضيتها
ثمَّ ادّعى أَنَّهَا كَانَت زُيُوفًا فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا أَن يقر
بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يصدق أَنَّهَا كَانَت زُيُوفًا
وَقَالَ مَالك الْحسن بن حَيّ القَوْل قَول الدَّافِع أَنه قَضَاهُ
الْجِيَاد وَإِن هَذَا لَيْسَ من دَرَاهِمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَقع العقد على دَرَاهِم بِعَينهَا فَيكون
إِقْرَاره باقتضائها إِقْرَارا بِقَبض الْجَوْدَة فَالْقَوْل قَوْله حى يقر
بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ هَذَا كَعبد اشْتَرَاهُ ثمَّ جَاءَ يردهُ
بِعَيْب فَقَالَ البَائِع لم أبعك هَذَا فَيكون القَوْل قَوْله لِأَنَّهُ
معترف بِقَبض مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِه فَهُوَ على السَّلامَة حَتَّى يعلم
غَيرهَا
(4/217)
1919 - فِي رَاكب الدَّابَّة يَدعِي
الْعَارِية
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ رَاكب الدَّابَّة أعرتني وَقَالَ صَاحبهَا
آجرتك فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَعِير وَهُوَ قَول الشَّافِعِي ثمَّ رَجَعَ
فَقَالَ القَوْل قَول رب الدَّابَّة
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول رب الدَّابَّة إِلَّا أَن يكون مثل هَؤُلَاءِ
الْمَمْلُوك مِمَّن لَا يكون يُؤَاجر فَيكون القَوْل قَول الْمُسْتَعِير
1920 - فِي اخْتِلَاف الصّباغ وَرب الثَّوْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ صبغته بِأَمْرك أَو باستئجارك إيَّايَ وَرب
الثَّوْب يَقُول صبغته بِغَيْر أَمْرِي فَالْقَوْل قَول رب الثَّوْب فَيكون
كمن صبغ ثوب رجل بِغَيْر أمره
وعَلى مَذْهَب مَالك يَتَحَالَفَانِ ثمَّ يُقَال لصَاحب الثَّوْب إِن
أَحْبَبْت فادفع إِلَيْهِ أجر عمله وَخذ ثَوْبك فَإِن أَبى كَانَا
شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْب هَذَا بِقِيمَة عمله وَهَذَا بِقِيمَة مَتَاعه
غير مَعْمُول
وَقَالَ الشَّافِعِي يَتَحَالَفَانِ وعل الصابغ مَا نقص الثَّوْب وَلَا أجب
لَهُ وَإِن زَاد الصَّبْغ فِيهِ كَانَ شَرِيكا بِمَا زَاد الصَّبْغ وَإِن
نقصت قِيمَته فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا أجر لَهُ
1921 - فِيمَن يقر بِمَال من ثمن بيع لم يقبض
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم من ثمن
بيع لم أقبضهُ مِنْك وَقَالَ البَائِع قد قضته فَالْقَوْل قَول البَائِع
وصل أَو قطع
(4/218)
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن وصل
فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يمنه وَإِن قطع فَقَالَ لَهُ عَليّ ألف
دِرْهَم ثمَّ قَالَ بَعْدَمَا سكت هِيَ من ثمن عبد لم أقبضهُ مِنْك سُئِلَ
البَائِع أَهِي لَك عَلَيْهِ من ثمن عبد فَإِن قَالَ نعم إِلَّا أَنِّي قد
دَفعته فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي وَإِن قَالَ هِيَ من دين أَو غصب
فَالْقَوْل قَوْله
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَزفر إِذا قَالَ لَك عَليّ ألف
دِرْهَم ثمن مَتَاع أشتريته مِنْك ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لم أَقبض الْمَتَاع
وَقَالَ الْمقر لَهُ قبضت فَالْقَوْل قَول الْمقر وَقَالَ أَبُو يُوسُف
القَوْل قَول الْمقر
وَذكر بشر عَن أبي يُوسُف إِذا أقرّ بِمَال فِي ذكر حق من بيع ثمَّ قَالَ
بعد ذَلِك لم أَقبض الْمَبِيع لم يصدق
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يلْزمه شَيْء حَتَّى يبين الطَّالِب أَنه قبض
الْمَتَاع وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَفِي غير رِوَايَة بشر فِي الْإِمْلَاء
عَن أبي يُوسُف أسأَل الْمقر لَهُ أبعت هَذَا الْمَتَاع فَإِن قَالَ نعم
قُلْنَا أقِم الْبَيِّنَة إِنَّك أوفيته الْمَتَاع وَإِن قَالَ الطَّالِب
لم أبعه شَيْئا لزمَه المَال
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أقرّ لَهُ بِذكر الْحق من بيع ثمَّ قَالَ لم
أَقبض أحلفته مَا قبض وَلَا يلْزمه الثّمن إِلَّا بِالْقَبْضِ
1922 - فِي الْإِقْرَار للْحَمْل
إِذا أقرّ لما فِي بطن فُلَانَة بِأَلف دِرْهَم لم يَصح فِي قَول أبي
يُوسُف وَالشَّافِعِيّ
(4/219)
وَقَالَ مُحَمَّد يَصح فَإِن كَانَ
اثْنَيْنِ فَهُوَ لَهما نِصْفَانِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما توقف صِحَة الْإِقْرَار على الْولادَة صَار معقودا
على المخاطرة وَالْإِقْرَار على الْخطر لَا يَصح وَلَيْسَ كَذَلِك
الْوَصَايَا
1923 - فِيمَن قَالَ عَليّ كَذَا لَا بل كَذَا
إِذا قَالَ عَليّ ألف لَا بل أَلفَانِ فَعَلَيهِ أَلفَانِ وَالْقِيَاس
ثَلَاثَة آلَاف وَلَو قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم لَا بل مائَة دِينَار
فَعَلَيهِ المالان وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم
1924 - فِيمَن قَالَ لَهُ عَليّ مَال عَظِيم أَو نَحوه
إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال عَظِيم كَانَ مِائَتي دِرْهَم فِي قَول أبي
يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ مَال فَالْقَوْل فِيهِ قَوْله وَإِذا قَالَ
دَرَاهِم كَثِيرَة فَهِيَ عشرَة دَرَاهِم فِي قَول أبي حنيفَة وَفِي
يقولهما مِائَتَا دِرْهَم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال قيل لَهُ أقرّ بِمَا شِئْت
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ مَال عَظِيم أَو كثير وإ قَالَ عَليّ دَرَاهِم
كَثِيرَة أَو عَظِيمَة فَعَلَيهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم
(4/220)
1925 - فِيمَن قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا
وَكَذَا درهما
إِذا قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا كَذَا فَعَلَيهِ أحد عشر درهما
وَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما فَعَلَيهِ أحد وَعِشْرُونَ درهما
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان قَالَ زفر إِذا قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا وَكَذَا
درهما فَعَلَيهِ أحد وَعِشْرُونَ درهما وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ أحد عشر درهما
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا وَكَذَا
درهما فَعَلَيهِ عشرُون درهما وَلَو قَالَ عَليّ كَذَا درهما لزمَه مائَة
دِرْهَم
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ كَذَا كَذَا أقرّ بِمَا
شَاءَ اثْنَيْنِ وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا أعطَاهُ دِرْهَمَيْنِ ثمَّ
قَالَ فِي مَوضِع آخر فِي كَذَا وَكَذَا اعطه درهما أَو أَكثر
وَقَالَ عَنهُ الرّبيع إِذا قَالَ كَذَا كَذَا أقرّ بِمَا شَاءَ وَإِن
قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ دِرْهَمَانِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله كَذَا درهما يَقْتَضِي عددا مَا فَإِذا قَالَ
كَذَا كَذَا درهما فهما عددان يتناولهما هَذَا الِاسْم وَأقله أحد عشر
وَأَكْثَره تِسْعَة
(4/221)
عشر فألزمناه الْأَقَل وَإِن قَالَ كَذَا
وَكَذَا فقد أَدخل بَين الْكَلِمَتَيْنِ وَاو الْعَطف فَيكون أقل أحد
وَعشْرين
1926 - فِي إخلافه إِيَّاه فِي الْجِهَة
إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم قرض فَقَالَ الْمقر لَهُ مَالِي عَلَيْك
قرض وَإِنَّمَا هِيَ من ثمن بيع قد قضبته فَالْمَال لَازم
وَقَالَ زفر لَا يلْزمه
آخر كتاب الْإِقْرَار
(4/222)
= كتاب الدَّعْوَى =
1927 - فِي الشَّيْء يَدعِيهِ رجلَانِ
قَالَ أَصْحَابنَا فِي دَار فِي يَدي رجل ادَّعَاهَا رجلَانِ وَأَقَامَا
الْبَيِّنَة فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ مَالك لَا يقْضى بهَا لوَاحِد مِنْهُمَا وَتُؤْخَذ الدَّار من يَد
من هِيَ فِي يَدَيْهِ وَيُقَال لَهما احضرا بَيِّنَة أعدل من بينتكما فَإِن
قَالَا اقسمها بَيْننَا قسمتهَا بَينهمَا
وَللشَّافِعِيّ أقاويل فِي هَذِه مِنْهَا الْقرعَة وَمِنْهَا بطلَان
الْبَيِّنَتَيْنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى اللَّيْث بن سعد عَن بكير بن عبد الله الْأَشَج
عَن سعيد بن الْمسيب اخْتصم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رجلَانِ فِي أَمر فجَاء كل وَاحِد مِنْهُمَا بشهداء عدُول على عدَّة
وَاحِدَة فَأَسْهم بَينهمَا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْت تقضي بَينهمَا
وَهَذَا منطقع
(4/223)
وَقد روى سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن
طرفَة أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا فِي بعير فَأتى هَذَا بِبَيِّنَة أَنه بعيره
وَهَذَا أَنه بعيره فَقَسمهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا
وَهَذَا أَيْضا منطقع
وروى عَن زيد بن أَرقم أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام اسْتعْمل الْقرعَة فِي
دَعْوَة الْوَلَد بَين جمَاعَة وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لما بلغه ضحك وَلم يُنكره
ثمَّ روى سماك عَن حَنش بن الْمُعْتَمِر أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قضى فِي
بغله أَقَامَ أحد الْخَصْمَيْنِ خَمْسَة شُهَدَاء أَنَّهَا لَهُ نتجت
عِنْده وَأقَام الآخر شَاهِدين فَقَسمهَا بَينهمَا على عدد الشُّهُود
فَلم يسْتَعْمل الْقرعَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَن أَبَا
الدَّرْدَاء قضى فِي رجلَيْنِ أَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة على
فرس أَنه نتجه أَنه بَينهمَا وَقَالَ مَا أحوجنا إِلَى سلسلة بني
إِسْرَائِيل كَانَت تنزل فتأخذ بعنق الظَّالِم
وَزعم الشَّافِعِي أَنه لَو قضى بَينهمَا لَكَانَ قد قضى بِخِلَاف
الْبَيِّنَتَيْنِ وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ
اسْتِعْمَال القَوْل حكما بِخِلَاف التَّسْمِيَة الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب
وَقد روى همام عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن
(4/224)
أبي مُوسَى أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا فِي
بعير فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين فَقضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بالبعير بَينهمَا
وروى سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ لم يكن
لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة
وَقد روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة أَن
رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين فَقضى
بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا نِصْفَيْنِ قَالَ
فَأخْبرت بذلك أَبَا بردة فَكتب بِهِ إِلَى الْحجَّاج فَكتب أَن أقضى بِهِ
فَدلَّ على أَنه أَخذه عَن تَمِيم لَا عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى لِأَنَّهُ
لَو كَانَ عِنْده عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى لما احْتَاجَ إِلَى أَخذه عَن
سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة
1928 - فِي بَيِّنَة الْخَارِج وَالَّذِي فِي يَده
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَقَامَ الرجل وَالَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَة
فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْخَارِج إِلَّا فِي النِّتَاج وَمَا فِي
مَعْنَاهُ
وَقَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ بَيِّنَة الَّذِي فِي
يَده أولى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَيِّنَة
على الْمُدَّعِي
(4/225)
أوجب بذلك أَنه يسْتَحق بهَا وَلما كَانَ
الْمُدَّعِي هُوَ المسؤول الْبَيِّنَة على الْمُدعى عَلَيْهِ دلّ على أَن
بَينته هِيَ المقبولة دون الْمُدعى عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه لَو لم يكن
للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنا أقيم الْبَيِّنَة
أَنه لي لأسقط الْيَمين عَن نَفسِي لم يلْتَفت إِلَيْهِ واستحلف وَالْفرق
بَينه وَبَين النِّتَاج أَن النِّتَاج لَا يكون إِلَّا مرّة وَاحِدَة فثبتت
بَيِّنَة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِي كذب بَيِّنَة الْمُدَّعِي
1929 - إِذا دعى كل وَاحِد من الَّذِي فِي يَده وَالْخَارِج الشِّرَاء من
صَاحبه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف تتهاتر الْبَيِّنَتَانِ وَيتْرك فِي يَد
من هُوَ فِي يَده
وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يقْضى بِهِ للَّذي فِي
يَدَيْهِ
1930 - فِي بَيِّنَة الْملك هَل يَحْتَاجُونَ أَن يَقُولُوا لَا نعلمهُ خرج
من ملكه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَهدا بِالْملكِ لم يحتاجا أَن يَقُولَا لَا نعلمهُ
خرج من ملكه وَلَا يسْتَحْلف الْمُدَّعِي أَيْضا على ذَلِك
وروى بشر عَن أبي يُوسُف أَن القَاضِي يسْتَحْلف المُشْتَرِي فِي الْعَيْب
مَا بَاعه وَلَا عرضه على بيع وَلَا رَضِي ذَلِك الْعَيْب مُنْذُ رَآهُ
وَإِن لم يسْأَله البَائِع اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ مَالك على الْمُدَّعِي إِن أَتَى بَيِّنَة تشهد أَنه لَهُ لَا
يعلمُونَ أَنه بَاعَ وَلَا وهب وَيحلف الْمُدَّعِي مَا بَاعَ وَلَا وهب
وَلَا أخرجه عَن يَده بِوَجْه
(4/226)
من الْوُجُوه وَإِن شهِدت الْبَيِّنَة
بِالْملكِ ول يَقُولُوا لَا نعلمهُ بَاعَ وَلَا وهب استحلفه الْمُدَّعِي
بِاللَّه مَا بَاعَ وَلَا وهب على مَا وَصفنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَلَا أعطي الْمَشْهُود لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ من
مِيرَاث الزَّوْج إِلَّا بِأَن يشْهدُوا بِأَن زَوجهَا قد مَاتَ وَهِي لَهُ
زَوْجَة لَا يَعْمَلُونَهُ فَارقهَا وَهَذَا يدل من قَوْله على أَن شُهُود
الْملك يشْهدُونَ لَهُ أَنهم لَا يعلمُونَ أَنه بَاعَ وَلَا وهب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما جَازَ للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِملك علموه مَعَ
جَوَاز زَوَاله وَلم يكلفوا علم الْغَيْب وَجب على الْحَاكِم قبُول
شَهَادَتهم بِالْملكِ وَإِن لم يشْهدُوا أَنهم لَا يعلمونه بَاعَ وَلَا وهب
1931 - فِي اخْتِلَاف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثّمن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر إِذا اخْتلف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي
فِي الثّمن فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي فِيهِ وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة
فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الشَّفِيع
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْبَيِّنَة بَيِّنَة المُشْتَرِي وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول المُشْتَرِي إِلَّا أَن يَأْتِي بِمَا لَا يشبه
فَلَا يصدق إِلَّا أَن يكون مثل هَؤُلَاءِ الْمُلُوك يزِيد فِي الثّمن
لرغبته فِي دَار لصيقة وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة سقطتا وَصَارَ كم لَا
بَيِّنَة لَهما فَيكون القَوْل قَول المُشْتَرِي
1932 - فِي دَعْوَى الْأَجَل فِي الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى المُشْتَرِي أَََجَلًا فِي الثّمن وَأنْكرهُ
البَائِع فَالْقَوْل
(4/227)
قَول البَائِع وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَك
عَليّ ألف إِلَى شهر وَقَالَ الآخر حَال فَالْقَوْل قَول الْمقر لَهُ
وَلَو قَالَ ضمنت لَك ألفا إِلَى شهر فَالْقَوْل قَول الْمقر وَهُوَ قَول
زفر
وروى ابْن سَمَّاعَة وَالْحسن عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يصدق على الْأَجَل
فِي الْكفَالَة أَيْضا
وَقَالَ مَالك إِذا ادّعى المُشْتَرِي أَََجَلًا قَرِيبا لَا يتهم فِي مثله
فَالْقَوْل قَوْله وَإِلَّا فَالْقَوْل قَول البَائِع أَنه حَال إِلَّا أَن
يكون الْمَعْرُوف فِي تِلْكَ السّلْعَة مَا قَالَ المُشْتَرِي وَفِي
الْقَرْض القَوْل قَول الْمقْرض
1933 - فِي دَعْوَى الْغُلَام أَنه عَبده
قَالَ أَصْحَابنَا فِي صبي لَا يعبر عَن نَفسه فِي يَدي رجل ادّعى الرجل
أَنه عَبده فشب الْغُلَام وَقَالَ أَنا حر فَالْقَوْل قَول الَّذِي فِي
يَده وَإِن كَانَ يعبر عَن نَفسه فَقَالَ أَنا حر فَالْقَوْل قَول الصَّبِي
وعَلى قَول مَالك القَوْل قَول الرجل فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَا يقبل قَول
الصَّبِي إِذا علم أَنه فِي يَدَيْهِ يَخْدمه وَإِذا كَانَ مُتَعَلقا بِهِ
لَا يعلم أَنه يَخْدمه فَالْقَوْل قَول الصَّبِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ لَا يتَكَلَّم فَالْقَوْل قَول الرجل
بِمَنْزِلَة الدَّابَّة
1934 - فِي دَعْوَة اللَّقِيط
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى لَقِيط نَفسه أَو لَقِيط غَيره فَهُوَ مُصدق
(4/228)
وَقَالَ مَالك فِي اللَّقِيط يَدعِيهِ رجل
أَنه لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَة إِلَّا أَن يكون قد عرف أَنه لَا
يعِيش لَهُ ولد وَيَزْعُم أَنه فعله وَلذَلِك فَيقبل قَوْله وَالَّذِي
التقطه وَغَيره سَوَاء وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَإِن بلغ اللَّقِيط فاقر
بِالرّقِّ لرجل لم يصدق لِأَنَّهُ حر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ادَّعَاهُ الَّذِي وجده صدق وَإِن ادَّعَاهُ آخر
أرى الْقَافة
1935 - فِي الْبَيِّنَة على النّسَب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى أَنه أَبوهُ أَو هَذِه أمه قبلت بِبَيِّنَة
وَإِن لم يدع حَقًا وَإِن ادّعى أَنه أَخُوهُ أَو جده لم تقبل إِلَّا أَن
يَدعِي حَقًا
وَقَالَ مَالك تقبل بَينته إِذا ادّعى أَنه ابْنه أَو أَبوهُ أَو أَخُوهُ
أَو أمه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَت ولدت هَذَا الْوَلَد من أَخِيك
الْمُتَوفَّى قبلت بينتها وَلم يذكر دَعْوَى حق
1936 - فِي الْمَرْأَة تَدعِي ولدا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل دَعْوَاهَا إِلَّا أَن تشهد امْرَأَة على
الْولادَة
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري لَا يقبل قَوْلهَا إِلَّا بِبَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل ذَلِك
(4/229)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ بعض
الْبَصرِيين تقبل دَعْوَة الْمَرْأَة بِغَيْر بَيِّنَة كدعوة الرجل
1937 - فِي اخْتِلَاف الِابْنَيْنِ فِي دين الْأَب الْمَيِّت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ الابنان أَن أباهما ترك هَذِه الدَّار
مِيرَاثا فَقَالَ الْمُسلم مَاتَ أبي مُسلما وَقَالَ الْكَافِر مَاتَ أبي
كَافِرًا فَالْقَوْل قَول الْمُسلم وَإِن أَقَامَا الْبَيِّنَة
فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمُسلم أَيْضا
وَقَالَ مَالك الدَّار بَينهمَا نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ إِن أَقَامَا
الْبَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يقم الْبَيِّنَة وقف الْأَمر حَتَّى يصطلحا
أَو يعلم وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْقرعَة
وَالْآخر الْوَقْف
1938 - فِيمَن قَالَ لعبدين لَهُ أَحدهمَا ابْني
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لعبدين لَهُ أَحدهمَا ابْني ثمَّ مَاتَ لم
يثبت نسب وَاحِد مِنْهُمَا وَعتق من كل وَاحِد نصفه وَيسْعَى فِي نصف
قِيمَته وَكَذَلِكَ أمهاتهما
(4/230)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يثبت نسب أَحدهمَا
ويرثان مِيرَاث ابْن وَيسْعَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي نصف قِيمَته
وَقَالَ عُثْمَان البتي يُوقف المَال حَتَّى تثبت أنسابهما
وَقَالَ سوار يقسم المَال بَينهمَا وَأنْفق عَلَيْهِمَا حَتَّى يثبتا
وَقَالَ مَالك لَا يثبت النّسَب وَتثبت حريَّة أَحدهمَا بقوله أَحَدكُمَا
حر وَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي الصِّحَّة وَيعتق بِالسَّهْمِ
قَالَ الشَّافِعِي يرى الْقَافة وَإِن لم تكن قافة أَقرع بَينهمَا
فَأَيّهمَا خرج سَهْمه عتق وَأمه
1939 - إِذا ولدت فِي ملكه ثَلَاثَة أَوْلَاد فِي بطُون مُخْتَلفَة فَادّعى
أكبرهم
قَالَ زفر يثبت نسبهم جَمِيعًا
وَقَالَ سَائِر أَصْحَابنَا يثبت نسب الْأَكْبَر دون الآخرين وَالأُم أم
ولد والآخران بمنزلتها
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ فِي ذَلِك أحد هَؤُلَاءِ وَلَدي أَقرع
بَينهم
وَقَالَ الْمُزنِيّ إِن أَرَادَ الْأَكْبَر فَهُوَ حر والآخران بِمَنْزِلَة
أم الْوَلَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى سُلَيْمَان عَن أَبِيه فِي إملاء مُحَمَّد قَالَ
مُحَمَّد إِذا قَالَ لجاريته إِن ولدت غُلَاما أول مَا تلدين فَأَنت حرَّة
فَولدت غُلَاما وَجَارِيَة لَا يدْرِي أَيهمَا أول أَنه لَا يعْتق مِنْهُ
أحد وَترك
(4/231)
وَقَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَإِن
الْجَارِيَة وابنتها تعْتق من كل وَاحِدَة نصفهَا وَيسْعَى فينصف قيمتهَا
والغلام مَمْلُوك
قَالَ ابْن أبي عمرَان وَهُوَ الْقيَاس لأَنا لَا نعلم وُقُوع الْعتْق
وَإِنَّمَا نستعمل الْأَحْوَال فِي عتق قد تَيَقّن وُقُوعه وَجَهل
مُسْتَحقّه
1940 - فِي دَعْوَى الرّجْعَة بعد الْعدة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهَا بعد انْقِضَاء الْعدة قد كنت رَاجَعتك
فصدقته ثبتَتْ الرّجْعَة وَلَو قَالَ لَهَا رَاجَعتك فَقَالَت مجيبة لَهُ
قد انْقَضتْ عدتي لم تثبت الرّجْعَة فِي قَول أبي حنيفَة وَتثبت فِي
قَوْلهمَا
وَقَول مَالك فِي هَذَا كَقَوْل أبي حنيفَة
قَالَ مَالك إِذا قَالَ بعد انْقِضَاء الْعدة قد كنت راجعتها لم يصدق
إِلَّا أَن يعلم أَنه قد كَانَ يدْخل عَلَيْهَا وَيخرج فِي الْعدة
1941 - فِي رجلَيْنِ تنَازعا امْرَأَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَقَامَا الْبَيِّنَة وَكَانَت فِي يَد أَحدهمَا
فَهُوَ أولى كَذَلِك إِن دخل بهَا وَكَذَلِكَ إِن أقرَّت بِهِ لأَحَدهمَا
(4/232)
وَقِيَاس قَول مَالك على مَا قَالَ ابْن
الْقَاسِم إِن إِقْرَارهَا وإنكارها سَوَاء فَإِذا عدلت الْبَيِّنَتَانِ
فسخت النِّكَاح بَينهَا وَبَينهمَا وَكَانَت فرقتهما تَطْلِيقَة
وَقَالَ الشَّافِعِي يرجع إِلَى قَوْلهَا فِي ذَلِك فَإِن جحدت لم يلْزمهَا
نِكَاح وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا يلْتَفت إِلَى الدُّخُول فِي شَيْء من ذَلِك
قَالَ وَإِن أقرَّت لأَحَدهمَا ألزمته النِّكَاح بعد أَن أحلفها للثَّانِي
فَإِن أَبَت أَن تحلف ردَّتْ الْيَمين على الآخر فَإِن حلف أبطلت نِكَاحه
وَنِكَاح الآخر لِأَنَّهَا أقرَّت لأَحَدهمَا ونكلت عَن الْيَمين للْآخر
فَإِن أَبى أَن يحلف كَانَ النِّكَاح للْأولِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا لم تقر لأَحَدهمَا بَطل النكاحان جَمِيعًا إِذْ
لَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر وَلَا يجوز أَن يثبتا فَإِذا أقرَّت بِهِ
لأَحَدهمَا صَار كإقرارها بِهِ لَو لم يكن لَهما بَيِّنَة فَيقبل
إِقْرَارهَا
وَقَول الشَّافِعِي إِنَّهَا تستحلف للثَّانِي بعد إِقْرَارهَا للْأولِ
فَاسد لِأَنَّهَا لَو أقرَّت بِهِ للثَّانِي لم تصدق فَكيف تستحلف
1942 - فِيمَن خلا بامرأته وَهِي حَائِض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلا بهَا وَهِي حَائِض أَو مُحرمَة أَو نَحْو ذَلِك
أَو الرجل محرم أَو صَائِم فِي رَمَضَان ثمَّ طَلقهَا فَعَلَيهِ نصف
الْمهْر
وَقَالَ مَالك إِذا خلا بهَا وَهِي حَائِض وَادعت الْجِمَاع وَقد طَلقهَا
فلهَا جَمِيع الْمهْر وَالْقَوْل قَوْلهَا
قَالَ وَكَذَلِكَ الرجل يغتصب الْمَرْأَة نَفسهَا ويدخلها بَيْتا
وَالشُّهُود
(4/233)
ينظرُونَ ثمَّ خرجت فَقَالَت قد وطئني
فَعَلَيهِ الصَدَاق وَلَا حد عَلَيْهِ
وَالشَّافِعِيّ لَا يعْتَبر الْخلْوَة فِي ذَلِك وَلَا يُوجب كَمَال
الصَدَاق إِلَّا بِالدُّخُولِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخلْوَة على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا لَا تبيح
الْوَطْء فوجودها كعدمها
1943 - فِي الْخلْوَة الصَّحِيحَة الْمُوجبَة للمهر هَل توجب الرّجْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلا بهَا وَقَالَ لم أجامعها فَلَا رَجْعَة
وَعَلِيهِ الْمهْر
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ قد جامعتها فَلَا رَجْعَة لَهُ وَعَلَيْهَا
الْعدة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أَتَاهَا فِيمَا دون الْفرج فلهَا الصَدَاق وَله
الرّجْعَة إِذا علم أَنه كَانَ يَأْتِيهَا فِي أَهلهَا
1944 - فِيمَن بَاعَ حُبْلَى وَادّعى وَلَدهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حبلت الْجَارِيَة فِي ملكه فَبَاعَهَا وَولدت عِنْد
المُشْتَرِي وَادّعى البَائِع وَلَدهَا صدق وَفسخ البيع وَإِن كَانَ
اشْتَرَاهَا وَهِي حُبْلَى فَولدت ثمَّ بَاعَ الْأُم أَو بَاعهَا وَهِي
حُبْلَى فَولدت عِنْد المُشْتَرِي
(4/234)
الثَّانِي ثمَّ ادّعى المُشْتَرِي الأول
الْوَلَد لم صدق إِذا كَانَ قد بَاعَ الْوَلَد وَإِن بَاعَ الْأُم وَحدهَا
صدق فِي الْوَلَد وَلم يفْسخ البيع فِي الْأُم
ثمَّ قَالَ زفر إِذا اشْترى جَارِيَة وَوَلدهَا ثمَّ بَاعَ الْجَارِيَة
ثمَّ ادّعى الْوَلَد وَهُوَ فِي ملكه وَقد ولد فِي غير ملكه فَهُوَ مُصدق
وَترد الْأُم إِلَيْهِ وَتَكون أم ولد لَهُ
وَقَالَ مَالك إِذا بَاعَ صَبيا صَغِيرا ثمَّ ادَّعَاهُ فَهُوَ مُصدق
سَوَاء ولد عِنْده أَو لم يود إِلَّا أَن يَأْتِي بِأَمْر يسْتَدلّ بِهِ
على كذبه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا ولد عِنْده ثمَّ بَاعه صدق ورد عَلَيْهِ إِلَّا
أَن يكون المُشْتَرِي أعْتقهُ
وروى الثَّوْريّ عَن ربيعَة عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه إِذا بَاعَ ثمَّ
ادّعى أَنه ابْنه ثَبت نسبه وَلَا يرد عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن بَاعَ جَارِيَة وَمَعَهَا ابْن لَهَا
فاستولدها المُشْتَرِي ثمَّ ادّعى الَّذِي بَاعهَا أَن وَلَدهَا كَانَ
مِنْهُ فَإِنَّهُ يحلف أَنه وَلَده ثمَّ ألحق بِهِ وَأمه وَيلْحق بالمشتري
وَلَده مِنْهَا وَيرد البَائِع الثّمن على المُشْتَرِي وَلَو بَاعَ عبدا
ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ أعْتقهُ وَقد كَانَ المُشْتَرِي أعْتقهُ أَو لم يكن
أعْتقهُ فَإِنَّهُ حر وَيرد ثمنه إِلَى المُشْتَرِي
وَلم يقل بذلك أحد غير الْأَوْزَاعِيّ فِي الْعتْق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا بَاعَ أمة ثمَّ قَالَ قد كَانَت ولد مني فسخ
البيع فِيهَا وَكَانَت أم ولد لَهُ سَوَاء كَانَ لَهَا ولد أَو لم يكن وَلم
يقل بذلك غَيره أحد
وَقَالَ اللَّيْث إِذا بَاعَ غُلَاما وَلدته جَارِيَة لَهُ ثمَّ قَالَ هُوَ
ابْني فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ وَيفْسخ البيع
(4/235)
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي
الْبُوَيْطِيّ إِذا ادّعى البَائِع أَن الْحمل مِنْهُ وَقد كَانَ أقرّ
بِوَطْئِهَا قبل بيعهَا ولمي طَأْهَا المُشْتَرِي صدق وَفسخ البيع إِذا
أمكن أَن يكون الْحمل مِنْهُ وَإِن كَانَ لَا يُمكن أَن يكون مِنْهُ لم
يصدق
وَإِن ادّعى الِاسْتِبْرَاء بعد الْوَطْء فَجَاءَت بِولد عِنْد الْمُبْتَاع
لأَقل من سِتَّة أشهر لحق بِهِ لِأَن الحبلى تحيض وَإِن كَانَت لأكْثر من
سِتَّة أشهر لم أفسخ البيع وألحقت بِهِ الْوَلَد إِن ادَّعَاهُ وَجَعَلته
ابْنه عبدا للْآخر
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَنهُ لَو رَهنه جَارِيَة فَوَطِئَهَا
قبل الْقَبْض وَظهر بهَا حمل فأقرت بِهِ كَانَت خَارِجَة من الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَارِيَة بَين رجلَيْنِ جَاءَت
بِولد فَادَّعَاهُ أَحدهمَا أَنه يثبت نسبه وَعَلِيهِ نصف قيمَة
الْجَارِيَة وَنصف الْعقر وَأَنه لَيْسَ عَلَيْهِ من قيمَة الْوَلَد شَيْء
فَلَمَّا كَانَ الْعلُوق فِي ملكه استندت الدعْوَة إِلَى حَال الْعلُوق
فَكَانَ مُصدقا كَذَلِك الحبلى إِذا بِيعَتْ
1945 - إِذا ادّعى الْوَلَد بعد الْعتْق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ أمة حَامِلا فَولدت عِنْد المُشْتَرِي
فَأعْتقهَا ثمَّ ادّعى البَائِع الْوَلَد صدق وَكَانَ الْوَلَد حرا يرد
إِلَيْهِ بِحِصَّتِهِ من الثّمن وَلَا يصدق على الْأُم
وَعَن مَالك نَحْو ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ يَأْخُذ البَائِع الْوَلَد
بِالْقيمَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يعلم وَطئه لَهَا قبل بَيْعه لم تقبل دَعوته
وَإِن لم يعْتق
(4/236)
1946 - إِذا قَالَ مَا كَانَ لَك عَليّ
شَيْء قطّ ثمَّ يُقيم الْبَيِّنَة أَنه قَضَاهُ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى على رجل مَالا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ مَا
كَانَ لَك عَليّ شَيْء قطّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة بِأَلف
وَأقَام الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه قَضَاهَا فَإِنَّهُ تقبل
مِنْهُ
وَلَو كَانَ قَالَ ماكان لَك عَليّ شَيْء قطّ وَلَا أعرفك لم تقبل بَينته
على الْقَضَاء
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا قَالَ مَا كَانَ لَك عَليّ شَيْء قطّ وَأقَام
على الْإِنْكَار لم تقبل بَينته على الْقَضَاء وَإِذا قَالَ مَا لَهُ عَليّ
شَيْء قبلت بعد ذَلِك بَينته على الْقَضَاء
وَفرق بَين هَذَا وَبَين قَوْله مَا كَانَ لَهُ عَليّ شَيْء قطّ أَو مَا
أَقْرضنِي أَو مَا غصبني إِذا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ مَا كَانَ لَهُ عَليّ شَيْء قطّ لم أقبل
بعد ذَلِك دَعْوَاهُ للمخرج وَلَا أسأَل الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ وَلَو
أقرّ ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ أدّى سَأَلَ خَصمه فَإِن أقرّ ألزمهُ وَإِن
أنكر استحلفه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا أنكر الْخصم الدَّعْوَى ثمَّ جَاءَ بِشَهَادَة
شُهُود على الْمخْرج مِنْهُمَا لم أقبل مِنْهُ بعد الْإِنْكَار وَذَلِكَ
أَن يَقُول مَا لَهُ قلبِي شَيْء فيقيم الطَّالِب الْبَيِّنَة على مَاله
وَيُقِيم الآخر بَينته أَنه قد أوفاه إِيَّاه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِن ادّعى قبل رجل دَعْوَى فَقَالَ الْمُدعى
عَلَيْهِ عِنْدِي مِنْهَا الْمخْرج إِن هَذَا إِقْرَار مِنْهُ بهَا فَإِن
جَاءَ بمخرج وَإِلَّا ألزم الدَّعْوَى
(4/237)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ هَذَا
بِإِقْرَار مِنْهُ لما ادّعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد يكون عِنْده أبراه من
الْحق وَمن الْبَاطِل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ مَا لَهُ عَليّ شَيْء قبلت مِنْهُ
الْبَيِّنَة على الْمخْرج
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله مَا كَانَ لَهُ عَليّ شَيْء قطّ لَا يَنْفِي
بَينته على الْقَضَاء لِأَن المقضى يصير قصاصا بِمَا حكم بِهِ عَلَيْهِ
فبينته مَقْبُولَة
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان الْقيَاس أَن تقبل بَينته وَإِن قَالَ مَا أعرفك
إِذا جَازَ أَن يكون وَجب عَلَيْهِ بمراسلة بَينه وَبَينه من غير رُؤْيَة
ثمَّ قَضَاهُ بِمثل ذَلِك
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان وَقد كَانَ غير وَاحِد من أهل النّظر من متأخري
أَصْحَابنَا يذهبون إِلَى هَذَا
آخر كتاب الدَّعْوَى
(4/238)
= كتاب الشُّفْعَة =
1947 - فِي الشُّفْعَة بالجوار
قَالَ أَصْحَابنَا الشَّرِيك فِي الْمَبِيع أَحَق من الشَّرِيك فِي
الطَّرِيق ثمَّ الشَّرِيك فِي الطَّرِيق ثمَّ الْجَار الملاصق وَهُوَ 4
قَول ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا شُفْعَة إِلَّا فِي مشَاع وَلَا شُفْعَة
فِي بِئْر لَا بَيَاض لَهَا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة
وروى أَبُو عَاصِم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد وَأبي سَلمَة عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة
فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَن مَالك عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَاجشون
(4/239)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا أَصله عَن
ابْن الْمسيب بِغَيْر ذكر لأبي هُرَيْرَة كَذَلِك هُوَ فِي الْمُوَطَّأ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنهُ الْأَثْبَات القعْنبِي وَابْن وهب
وَقد روى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر قَالَ قضى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم فَإِذا
وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة
فَشرط صرف الطّرق وَنفى الشُّفْعَة
1948 - إِذن الشَّفِيع فِي البيع هَل يبطل الشُّفْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَابْن شبْرمَة
وَالشَّافِعِيّ إِذا أذن لَهُ الشَّفِيع فِي البيع فَبَاعَهُ فَلهُ
الشُّفْعَة وَإِن قَالَ لَا حَاجَة لي فِي الشُّفْعَة
وَعَن الثَّوْريّ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا لَهُ الشُّفْعَة وَالْأُخْرَى
لَا شُفْعَة
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا شُفْعَة لَهُ
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الشُّفْعَة فِي كل شرك بِأَرْض أَو ربع أَو حَائِط لَا يصلح أَن يَبِيع
حَتَّى يعرض على شَرِيكه فَيَأْخُذ أَو يدع
فَإِن قَالَ قَائِل هَذَا يدل على ثُبُوت حق الشَّفِيع قبل البيع فَإِذا
سلمه جَازَ تَسْلِيمه
(4/240)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا دلَالَة فِيهِ على
مَا ذكر لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ تَخْفيف المؤونة فِي اسْتِئْنَاف أَخذ
الشَّفِيع بعد بَيْعه من المُشْتَرِي
1949 - فِي الشَّفِيع يعلم بِالْبيعِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِن لم يطْلب مَكَانَهُ بطلت شفعته
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد إِذا أشهد أَنه على شفعته وَلم يقم بهَا فِيمَا
بَينه وَبَين أَن يصل إِلَى القَاضِي فقد أبطل شفعته
وَقَالَ الْحسن وَأما أَبُو حنيفَة فَقَالَ ثَلَاثَة أَيَّام
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه على شفعته أبدا
وَقَالَ مُحَمَّد إِنَّه إِذا تَركهَا بعد الطّلب شهرا بطلت
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا أمكنه أَن يطْلب عِنْد القَاضِي وَيَأْخُذهُ
فَلم يفعل بطلت
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا علم بِالْبيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا
قَالَ الشّعبِيّ يَوْمًا
وَقَالَ عُثْمَان البتي ثَلَاثًا
وَقَالَ مَالك إِذا علم بِالشِّرَاءِ فَلم يطْلب حَتَّى طَال بطلت وَالسّنة
لَيست بِكَثِير وَله أَن يَأْخُذ وَهَذَا فِي الْحَاضِر فَأَما الْغَائِب
فَلَا تبطل شفعته
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا لم يطْلبهَا أَيَّامًا بطلت شفعته وَذكر الْمعَافى
عَنهُ ثَلَاثَة أَيَّام
(4/241)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَاللَّيْث وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ إِذا لم يطْلب حِين علم
بطلت
وَقَالَ شريك إِذا علم فَلم يطْلب فَهُوَ على شفعته أَو سكت حَتَّى يطْلب
أَو يَقُول قد تركت
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول شريك خَارج من أقاويل الْفُقَهَاء وَقَالَ
الشّعبِيّ من بِيعَتْ شفعته وَهُوَ شَاهد لَا يُنكر فَلَا شُفْعَة لَهُ
وَكَانَ قَول شريك شاذا وَثَبت قَول الآخرين فَيَنْبَغِي أَن يَسْتَوِي
قَلِيل الْوَقْت وَكَثِيره فِي بطلَان الشُّفْعَة بِهِ إِذا ترك الطّلب
فِيهِ
1950 - فِي عُهْدَة الشَّفِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَخذ الدَّار من البَائِع فعهدته عَلَيْهِ وَإِن
أَخذهَا من المُشْتَرِي فعهدته على المُشْتَرِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي عهدته على البَائِع لِأَن
الشُّفْعَة وَجَبت يَوْم اشْترى الشَّفِيع
وَقَالَ مَالك عدته على المُشْتَرِي قبض أَو لم يقبض فِي رِوَايَة أَسد
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَنهُ وعهدته على الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ عدته على المُشْتَرِي وَهُوَ قَول اللَّيْث
(4/242)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ عهدته على من أَخذ
مِنْهُ الدَّار
وَقَالَ الشَّافِعِي عهدته المُشْتَرِي على البَائِع وعهدة الشَّفِيع على
المُشْتَرِي
1951 - فِي الصَّفْقَة تجمع مَا فِيهِ شُفْعَة وَمَا لَا شُفْعَة فِيهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى بَيْتا ورحى ومتاعا فَإِن الشَّفِيع يَأْخُذ
الْبَيْت وَمَا فِي الْبناء وَلَا يَأْخُذ مَا لم يكن فِي الْبناء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة قَول شَاذ إِن الشُّفْعَة
وَاجِبَة فِي جَمِيع مَا ضمته الصَّفْقَة سَوَاء كَانَ مِمَّا لَو أفرد
وَجَبت فِيهِ الشُّفْعَة أَو لم تجب إِذا كَانَ فِي الصَّفْقَة مَا تجب
فِيهِ الشُّفْعَة وَذكر رِوَايَة عَنهُ أَنه رَجَعَ عَن ذَلِك القَوْل
الأول الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ سوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن فِيمَن بَاعَ دارين
صَفْقَة ثمَّ جَاءَ شَفِيع إِحْدَاهمَا فَإِن شَاءَ أخذهما جَمِيعًا
1952 - فِي الْأَجَل يثبت للشَّفِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دَارا بِثمن مُؤَجل فَإِن شَاءَ الشَّفِيع
صَبر حَتَّى يحل الْأَجَل ثمَّ يَأْخُذ وَإِن شَاءَ أَخذهَا بِالثّمن حَالا
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك والبتي إِذا كَانَ مليئا أَخذهَا بِالثّمن إِلَى أَجله وَإِن
كَانَ مخوفا فَإِن جَاءَ على ثِقَة مثل الَّذِي اشْترى مِنْهُ فَذَلِك لَهُ
(4/243)
1953 - فِي بيع الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ خِيَار الشَّرْط للْبَائِع فَلَا شُفْعَة
وَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي فَفِيهِ الشُّفْعَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك فِي خِيَار المُشْتَرِي لَا شُفْعَة حَتَّى يتم البيع
1954 - فِي التَّزْوِيج وَالْخلْع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا شُفْعَة فِي الْمهْر والجعل فِي الْخلْع وَالصُّلْح
من دم الْعمد وَالْإِجَارَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَمَالك إِذا تزَوجهَا على نصف
الدَّار أَخذهَا الشَّفِيع بِقِيمَة الشّقص
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْخُذهَا بِمهْر مثلهَا
1955 - فِي شُفْعَة الصَّبِي
قَالَ سَائِر الْفُقَهَاء للصَّبِيّ الشُّفْعَة يَأْخُذهَا وليه وَقَالَ
ابْن أبي ليلى لَا شُفْعَة للصَّغِير
1956 - فِي الشُّفْعَة لِلنَّصْرَانِيِّ
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ الْمُسلم
وَالذِّمِّيّ فِي الشُّفْعَة سَوَاء
(4/244)
وَقَالَ الْحسن بن صَالح لَا شُفْعَة لَهُم
فِي أَمْصَار الْمُسلمين الَّتِي ابتدأها الْمُسلمُونَ لأَنهم لَا يجوز
لَهُم سكناهَا وَلَا ملكهَا وَلَهُم الشُّفْعَة فِي الْقرى
1957 - فِي الشُّفْعَة فِي الْهِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب لَهُ دَارا على غير شَرط عوض ثمَّ عوضه لم يجب
فِيهَا شُفْعَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِيهَا الشُّفْعَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا وَهبهَا رَجَاء الثَّوَاب ثمَّ عوضه
فَللشَّفِيع الشُّفْعَة وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَذكر ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك أَنه إِن وهبه لصلة رحم أَو
صَدَقَة فَلَا شُفْعَة فِيهِ وَإِن أثابه الْمَوْهُوب لَهُ
1958 - فِي الْهِبَة على شَرط الْعِوَض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب على شَرط عوض فَلَا شُفْعَة حَتَّى يتقابضا
فَإِذا تقابضا كَانَ بِمَنْزِلَة البيع
وَقَالَ زفر هُوَ بيع تقابضا أَو لم يتقابضا وَفِيه الشُّفْعَة وَهُوَ قَول
مَالك وَالشَّافِعِيّ
1959 - فِي الشَّرِيك الْأَدْنَى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ورث جمَاعَة دَارا بَينهم ثمَّ مَاتَ بَعضهم وَترك
وَرَثَة فَبَاعَ بَعضهم نصِيبه فالشركاء فِي الدرا إسوة فِي الشُّفْعَة
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك الشُّرَكَاء فِي مِيرَاث الْمَيِّت الآخر أَحَق بِالشُّفْعَة
(4/245)
1960 - فِي الصَّفْقَة تضم الدَّاريْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دارين صَفْقَة وَاحِدَة لَهما شَفِيع فَإِن
شَاءَ أخذهما جَمِيعًا وَإِن شَاءَ ترك
وَذكر ابْن سَمَّاعَة أَيْضا عَن مُحَمَّد قَالَ وَهُوَ قَوْلهم وَقَول
مَالك
وَقَالَ زفر للشَّفِيع أَن يَأْخُذ إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى إِن شَاءَ
1961 - فِي الْجَمَاعَة يشْتَرونَ الدَّار
قَالَ أَصْحَابنَا للشَّفِيع أَن يَأْخُذ نصيب أحدهم دون الآخر ين وَلَو
كَانَ البَائِع اثْنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا لم يكن لَهُ أَن يَأْخُذ
نصيب أَحدهمَا دون الآخر
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للشَّفِيع أَن يَأْخُذ نصيب أَحدهمَا دون الآخر فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ أَن يَأْخُذ نصيب أَحدهمَا دون الآخر فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
1962 - فِي الشُّفْعَة بِالدَّار الَّتِي فِيهَا الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دَارا على أَنه بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فبيعت
دَار إِلَى جنبها فَأَخذهَا بِالشُّفْعَة كَانَ رضَا بِالْبيعِ وَلَو كَانَ
الْخِيَار للْبَائِع فَأَخذهَا بِالشُّفْعَة كَانَ نقضا للْبيع
(4/246)
وَقَالَ مَالك الشُّفْعَة لمن يصير لَهُ
الشّقص الَّذِي فِيهِ الْخِيَار وَإِن نقض البيع للْبَائِع وَإِن تمّ
فَلِلْمُشْتَرِي
1963 - فِي المُشْتَرِي يَبْنِي أَو يغْرس
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بنى المُشْتَرِي أَو غرس فَللشَّفِيع أَن يَأْمُرهُ
بقلع ذَلِك وَيَأْخُذهُ بالزرع يَدعه حَتَّى يستحصد ثمَّ يَأْخُذ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِن شَاءَ الشَّفِيع أَخذهَا بِالثّمن وَقِيمَة
الْبناء وَالْغَرْس وَإِن شَاءَ ترك لَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وَهُوَ قَول
مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك وَالزَّرْع للزارع
وَقَول الْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ
كَقَوْل ابْن أبي ليلى
1964 - فِي إِحْضَار الشَّفِيع الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْأُصُول لَيْسَ للشَّفِيع أَن يَأْخُذ الدَّار
حَتَّى ينقده الثّمن فَإِن قضى لَهُ بِالشُّفْعَة ثمَّ مَاتَ كَانَ
للْمُشْتَرِي حَبسهَا بِالثّمن فَهَذَا يدل على أَن القَاضِي يقْضِي
بِالشُّفْعَة قبل إِحْضَار الثّمن
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد إِن المُشْتَرِي إِذا قَالَ أحضر المَال وَخذ
شفعتك فَإِن القَاضِي يؤجله يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَإِن أحضر مَاله
وَإِلَّا بطلت شفعته
وَذكر هِشَام أَيْضا عَن مُحَمَّد أَن القَاضِي يَأْمُرهُ بإحضار المَال
قبل أَن يقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَة وَلَا يقْضِي لَهُ بهَا حَتَّى يحضر
المَال وَكَذَلِكَ روى ابْن سَمَّاعَة عَنهُ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا اسْتحق الشُّفْعَة أحل فِي ثمنهَا ثَلَاثَة
أَيَّام فَإِن جَاءَ
(4/247)
بِالثّمن وَإِلَّا فَلَا شُفْعَة لَهُ
وَنَحْوه عَن عُثْمَان البتي وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ وَقَالَ اللَّيْث
لَا يُؤَخر سَاعَة إِن جَاءَ بِالثّمن فَلهُ الشُّفْعَة وَإِن لم يَأْتِ
بِهِ حِين يَأْخُذ الشُّفْعَة فَلَا شُفْعَة لَهُ
وَكَانَ بكار بن قُتَيْبَة لَا يسمع بَيِّنَة على مُطَالبَة بشفعة إِلَّا
أَن يحضر مَعَه مِقْدَار الثّمن وَحكى ذَلِك عَن جمَاعَة من الْبَصرِيين
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَنْبَغِي أَن لَا يقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَة إِلَّا
بعد إِحْضَار الثّمن لِأَنَّهُ إِن لم يكن كَذَلِك يحصل الثّمن دينا وَقد
ملك هُوَ الْعين فَلَا يجوز لِأَن المُشْتَرِي لم يرض بِذِمَّتِهِ
1965 - فِي الشُّفْعَة على عدد الرؤوس
قَالَ أَصْحَابنَا الشُّفْعَة على عدد الرؤوس وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَشريك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن وسوار على قدر الْأَنْصِبَاء
وروى الْحسن وَعَطَاء على الْأَنْصِبَاء
وَعَن الشّعبِيّ على عدد الرؤوس
1966 - فِي الشُّفْعَة تورث
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا مَاتَ الشَّفِيع بطلت الشُّفْعَة وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَعبيد الله بن الْحسن
(4/248)
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ
وَالشَّافِعِيّ تورث
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الشُّفْعَة رَأْي فِي الْأَخْذ فَلَا تورث كَمَا لَا
تدخل فِي الْوَصِيَّة
قَالَ أَبُو بكر وَأَيْضًا أَنَّهَا حق يملك بِهِ كَخِيَار الْقبُول
1967 - فِي ثَمَر النّخل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى أَرضًا فِيهَا نخل وفيهَا ثَمَر وَاشْترى
جَمِيع ذَلِك فَفِي ذَلِك كُله الشفع فَإِن جذها المُشْتَرِي أَخذ الأَرْض
وَالنَّخْل بحصتها دون الثَّمَرَة
وَقَالَ مَالك يَأْخُذ الثَّمَرَة بعد الْجذاذ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَأْخُذ الثَّمَرَة قبل الْجذاذ وَيَأْخُذ الأَرْض
وَالنَّخْل بحصتهما من الثّمن
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا شُفْعَة للشَّفِيع فِيهَا كَمَا لَا
شُفْعَة فِيهَا لَو كَانَت مصرومة وروى عَنهُ أَنه يَأْخُذ الْجَمِيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يَأْخُذ الثَّمَرَة لِأَنَّهَا لَا
تدخل فِي البيع إِلَّا بِالشّرطِ وَيلْزم عَلَيْهِ الطَّرِيق وَالشرب
إِلَّا أَن الطَّرِيق قد يجوز بَيْعه على الِانْفِرَاد وَتجب فِيهِ
الشُّفْعَة وَالشرب والمسيل لَا حِصَّة لَهما من الثّمن إِن استحقا
فيخالفان الثَّمَرَة
1968 - فِي الْعَيْب يحدث بِالدَّار بعد الْقَضَاء بِالشُّفْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قضى للشَّفِيع بِالشُّفْعَة فَهِيَ لَازِمَة لَهُ
وَإِن حدث عيب قبل الْقَبْض فَلهُ أَن يَدعهَا
(4/249)
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهُ أَن يَدعهَا
وَكَذَلِكَ يَقُول مَالك فِي الشِّرَاء إِن مَا حدث من عيب قبل الْقَبْض
فَهُوَ من مَال المُشْتَرِي
1969 - فِي قسْمَة المُشْتَرِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى نصف دَار مشَاع ثمَّ قَاسم البَائِع فَإِن
الشَّفِيع يَأْخُذ النّصْف الَّذِي صَار للْمُشْتَرِي وَلَا يفْسخ
الْقِسْمَة سَوَاء قسمهَا بِقَضَاء أَو بِغَيْر قَضَاء وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك يفْسخ الْقِسْمَة كَمَا لَو بَاعه فسخ البيع
1970 - فِي تصرف المُشْتَرِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وَهبهَا المُشْتَرِي أَو تزوج عَلَيْهَا
فَللشَّفِيع أَن يبطل ذَلِك وَالثمن للْمُشْتَرِي
وَقَالَ مَالك الثّمن للْمَوْهُوب لَهُ
1971 - فِي غيبَة الشَّفِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الشَّفِيع غَائِبا فَعلم بِالشِّرَاءِ فَلهُ
من الْأَجَل بعد أَن علم قدر الْمسير وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يشْهد فِي
الْموضع الَّذِي فِيهِ المُشْتَرِي فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يشْهد فِي
مَوضِع الدَّار وعَلى المُشْتَرِي أَو البَائِع
وَقَالَ مَالك لَا تقطع الشُّفْعَة عَن غَائِب لغيبته وَإِن طَالَتْ لَيْسَ
لذَلِك عندنَا حد تقطع إِلَيْهِ الشُّفْعَة
(4/250)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ترك الطّلب لعذر
لم تبطل وَإِن ترك لغير عذر بطلت وَلَا تقطعها طول الْغَيْبَة
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ والْحَارث العكلي لَا شُفْعَة لغَائِب
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أَن لَهُ الشُّفْعَة
وَقَالَ الْحسن وَعَطَاء للْغَائِب الشُّفْعَة وَهُوَ قَول عمر بن عبد
الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْجَار أَحَق بشفعة جَاره ينْتَظر بهَا وَإِن كَانَ غَائِبا إِذا كَانَ
طريقهما وَاحِدًا
1972 - فِي هدم المُشْتَرِي الْبناء أَو أكل الثَّمَرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا انْهَدَمت أَو احترقت الثَّمَرَة من غير فعلة أخد
الشَّفِيع بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن كَانَ من فعلة أَخذهَا بحصتها من الثّمن
وَقَالَ مَالك يَأْخُذهَا الشَّفِيع بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن هدم
المُشْتَرِي
وَأما الثَّمَرَة فَإِن كَانَت مشتراة مَعَ النّخل فَأكلهَا المُشْتَرِي
سقط عَن الشَّفِيع حصَّتهَا
وَقَول الْحسن بن حَيّ وَالثَّوْري مثل قَول أَصْحَابنَا
1973 - فِي إِقْرَار المُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ رجل فِي يَده دَار أَنه اشْتَرَاهَا
فَللشَّفِيع أَخذهَا مَعَ
(4/251)
غيبَة البَائِع وَإِن حضر البَائِع فَجحد
البيع أَخذهَا وَبَطلَت الشُّفْعَة إِذا لم تكن بَيِّنَة وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَول مَالك إِنَّه لَا يَأْخُذهَا من المُشْتَرِي حَتَّى يحضر البَائِع
فَيقر
1974 - فِي شِرَاء أحد الشفيعين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دَارا هُوَ شفيعها وَلها شَفِيع آخر
فَإِنَّهُ يَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ قَول مَالك
وَذكر الزَّعْفَرَانِي عَن الشَّافِعِي أَن الشَّفِيع الَّذِي لم يشترها
يَأْخُذ الْجَمِيع وَغَيره يذكر عَنهُ أَنه يَأْخُذ النّصْف
آخر كتاب الشُّفْعَة
(4/252)
= كتاب الْحِوَالَة وَالْكَفَالَة =
1975 - فِي الْكفَالَة بِالنَّفسِ
قَالَ أَصْحَابنَا الْكفَالَة بِالنَّفسِ جَائِزَة وَإِن مَاتَ الْمَطْلُوب
برىء الْكَفِيل وَلم يلْزمه الْحق الَّذِي على الْمَطْلُوب
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا كفل بِنَفس رجل قبله قصاص فِي نفس أَو مَا
دونهَا ففات أَن يَجِيء بِهِ فَعَلَيهِ أرش تِلْكَ الْجراحَة أَو النَّفس
وَهِي للْكَفِيل فِي مَالك الْجَانِي وَلَا قصاص على الْكَفِيل
وَقَالَ مَالك إِذا كفل بِنَفسِهِ إِلَى أجل وَعَلِيهِ مَال أَنه إِن لم
يَأْتِ بِهِ غرم المَال وَيرجع بِهِ على الْمَطْلُوب فَإِن اشْترط ضَمَان
نَفسه وَقَالَ لَا أضمن المَال فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من
المَال
(4/253)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث مثل
قَول مَالك
وَضعف الشَّافِعِي الْكفَالَة بِالْوَجْهِ فِي مَوضِع وأجازها فِي مَوضِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد قَالَ حَدثنِي
أبي عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه أَن عمر
بَعثه مُصدقا على سعد بن هزيم فَأتى حَمْزَة بِمَال ليصدقه فَإِذا رجل
يَقُول لَا مرأته أُدي صَدَقَة مَوْلَاك وَإِذا الْمَرْأَة تَقول بل أَنْت
أد صَدَقَة مَال ابْنك فَسَأَلَ حَمْزَة عَن أَمرهمَا وقولهما فَأخْبر أَن
ذَلِك الرجل زوج تِلْكَ الْمَرْأَة وَأَنه وَقع على جَارِيَة لَهَا فَولدت
ولدا فأعتقته امْرَأَته قَالُوا فَهَذَا المَال لِابْنِهِ من جاريتها
فَقَالَ حَمْزَة لأرجمنك بأحجارك فَقيل لَهُ أصلحك الله إِن أمره قد رفع
إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فجلده عمر مائَة وَلم ير عَلَيْهِ
الرَّجْم فَأخذ حَمْزَة بِالرجلِ كَفِيلا حَتَّى قدم على عمر فَسَأَلَهُ
عَمَّا ذكر من جلد عمر إِيَّاه وَلم ير عَلَيْهِ رجما فَصَدَّقَهُمْ عمر
بذلك من قَوْلهم وَقَالَ إِنَّمَا دَرأ عَنهُ الرَّجْم أَنه عذره بالجهالة
وروى يحيى بن آدم عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن حَارِثَة بن مضرب
قَالَ صليت الْغَدَاة مَعَ عبد الله بن مَسْعُود فِي الْمَسْجِد فَلَمَّا
سلم قَامَ رجل فَقَالَ وَالله لقد بت اللَّيْلَة وَمَا فِي نَفسِي على أحد
من النَّاس أحنة وَإِنِّي كنت قد استطرقت رجلا من بني حنيفَة بفرسي
فَأمرنِي أَن آتيه بِغَلَس وَإِنِّي أَتَيْته فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى
مَسْجِد بني حنيفَة مَسْجِد عبد الله بن النواحة سَمِعت مؤذنهم يُؤذن يشْهد
أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مسليمة رَسُول الله فاتهمت سَمْعِي وكففت
الْفرس حَتَّى سَمِعت أهل الْمَسْجِد توطؤا على ذَلِك فَمَا كذبه عبد الله
وَقَالَ من هَاهُنَا فَقَامَ رجل فَقَالَ عَليّ بِعَبْد الله بن النواحة
(4/254)
وَأَصْحَابه قَالَ حَارِثَة فجيء بهم
وَأَنا جَالس فَقَالَ عبد الله بن النواحة وَيلك أَيْن مَا كنت تقرا من
الْقُرْآن قَالَ كنت أتقيكم بِهِ قَالَ لَهُ تب فَأبى فَأمر بِهِ عبد الله
قرظة بن كَعْب الْأنْصَارِيّ فَأخْرجهُ إِلَى السُّوق فحز رَأسه قَالَ
حَارِثَة سَمِعت عبد الله يَقُول من سره أَن ينظر إِلَى عبد الله بن
النواحة قَتِيلا بِالسوقِ فَليخْرجْ فَلْينْظر إِلَيْهِ قَالَ حَارِثَة
فَكنت فِيمَن خرج ينظر إِلَيْهِ ثمَّ إِن عبد الله اسْتَشَارَ أَصْحَاب
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَقِيَّة النَّفر فَقَامَ عدي بن
حَاتِم الطَّائِي فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأُنْثَى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما
بعد فثؤول الْكفْر اطلع رَأسه فاحسمه فَلَا يكون بعده شَيْء وَقَامَ
الْأَشْعَث بن قيس وَجَرِير بن عبد الله فَقَالَا بل استتبهم وكفلهم
عَشَائِرهمْ فاستتابهم فتابوا وكفلهم عَشَائِرهمْ ونفاهم إِلَى الشَّام
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَثَبت عَن ابْن مَسْعُود وَحَمْزَة بن عَمْرو
وَجَرِير بن عبد الله والأشعث إِثْبَات الْكفَالَة بِالنَّفسِ وَذَلِكَ
بِمحضر من قرظة بن كَعْب وعدي بن حَاتِم وَغَيرهمَا من الصحابه فَلم
يخالفوهم فَلَا يسمع أحد الْخُرُوج عَنهُ إِلَى غَيره إِذا لم يروه عَن
غَيرهم من الصَّحَابَة خِلَافه وَأما ضَمَان الْأَمْوَال بِمَوْت
الْمَكْفُول عَنهُ فَلَا معنى لَهُ إِذا لم يشرطه لِأَنَّهُ إِنَّمَا كفل
بِالنَّفسِ وَقد فَاتَت وَلَا قيمَة لَهَا يرجع إِلَيْهَا بعد عدمهَا
1976 - فِي الْكفَالَة بِالْمَالِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا كفل عَن رجل
بِمَال فللطالب أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ من الْمَطْلُوب وَمن الْكَفِيل
قَالَ أَبُو يُوسُف وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ الَّذِي
عَلَيْهِ الأَصْل
(4/255)
وَحَيْثُ قبل مِنْهُ الْكَفِيل فقد
أَبرَأَهُ من المَال إِلَّا أَن يتوى المَال قبل الْكَفِيل فَيرجع على
الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن
صَاحبه كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ
قَالَ أَبُو يُوسُف وَابْن شبْرمَة فِي الْكفَالَة إِن اشْترط أَن كل
وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل عَن صَاحبه فَأَيّهمَا اخْتَار أبرأت الآخر إِلَّا
أَن يشْتَرط أَن يأخذهما إِن شَاءَ جَمِيعًا وَإِن شَاءَ شَتَّى
وروى شُعَيْب بن صَفْوَان عَن ابْن شبْرمَة فِيمَن ضمن عَن رجل مَالا أَنه
يبرأ الْمَضْمُون عَنهُ وَالْمَال على الْكَفِيل
وَقَالَ فِي رجل أقْرض رجلَيْنِ ألف دِرْهَم على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا
كَفِيل عَن صَاحبه فلس لَهُ أَن يَأْخُذ أَحدهمَا بِجَمِيعِ المَال
إِنَّمَا لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِمَا كفل بِهِ عَن صَاحبه وَهَذَا خلاف
رِوَايَة أبي يُوسُف
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ الْمَطْلُوب مليئا بِالْحَقِّ لم يَأْخُذ الكفل
الَّذِي كفل بِهِ عَنهُ وَلكنه يَأْخُذ حَقه من الْمَطْلُوب فَإِن نقص
شَيْء من حَقه أَخذه من مَال الْحميل إِلَّا أَن يكون للَّذي عَلَيْهِ
الدّين قد تأبى فيخاف صَاحب الْحق أَن يحاصه الْغُرَمَاء أَو كَانَ غَائِبا
فَلهُ أَن يَأْخُذ الْحميل ويدعه
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقد كَانَ مَالك يَقُول لَهُ أَن يَأْخُذ أَيهمَا
شَاءَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا القَوْل
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كفل بِالْمَالِ وَعرف مبلغه جَازَ وَأخذ بِهِ وَإِن
قَالَ كفلت لَك بحقك وَلم يعرف الْحق لم يجز لِأَنَّهُ مَجْهُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هَارُون بن رِئَاب عَن
كنَانَة بن نعيم عَن قبيصَة بن الْمخَارِق أَنه تحمل حمالَة فَأتى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فِيهَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نخرجها عَنْك من إبل الصَّدَقَة يَا قبيصَة إِن الْمَسْأَلَة حرمت
إِلَّا فِي ثَلَاث رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى
يُؤَدِّيهَا ثمَّ يمسك وَرجل
(4/256)
أَصَابَته جَائِحَة فاجتاحت مَاله فَحلت
لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش أَو سدادا من عَيْش وَذكر
الحَدِيث
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَكَانَ فِي إحلاله الْمَسْأَلَة لمن تحمل عَن قوم
بِمَا ذكر دَلِيل على فَسَاد قَول من قَالَ إِن الْمَكْفُول لَهُ لَيْسَ
لَهُ مُطَالبَة الْكَفِيل إِذا قدر على مُطَالبَة الْمَكْفُول عَنهُ
لِأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الْمَسْأَلَة بِنَفس الْحمالَة وَلم يعْتَبر حَال
الْمُحْتَمل عَنهُ من كَونه مليئا أَو غير مَلِيء
قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا الْخَبَر يدل على جَوَاز الْكفَالَة بِمَال
مَجْهُول لِأَنَّهُ أطلق القَوْل فِيمَن تحمل حمالَة بِإِبَاحَة
الْمَسْأَلَة وَلم يفرق بَين الْمَجْهُول مِنْهَا والمعلوم وَيدل أَيْضا
على أَن الدّين يمْنَع الزَّكَاة بِقَدرِهِ لَوْلَا ذَلِك لما حلت لَهُ
الصَّدَقَة لِأَنَّهُ لم يفرق بَين من تحمل حمالَة وَله مَال أَو لَا مَال
لَهُ
وَأما قَول من قَالَ إِن الْمَطْلُوب يبرأ بِنَفس الْحمالَة فالدليل على
فَسَاده مَا رَوَاهُ شريك عَن عبد الله من مُحَمَّد بن عقيل عَن جَابر بن
عبد الله أَن رجلا مَاتَ وَعَلِيهِ دين فَلم يصل عَلَيْهِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَالَ أَبُو الْبشر أَو غَيره هُوَ عَليّ فصلى
عَلَيْهِ فجَاء من الْغَد يتقاضاه فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك أمس ثمَّ
أَتَاهُ من بعد الْغَد فَأعْطَاهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْآن بردت عَلَيْهِ جلده
(4/257)
فَدلَّ ذَلِك على أَن الْمَطْلُوب لَا يبرأ
بكفالة الْكَفِيل عَنهُ وَإِن للطَّالِب أَن يَأْخُذ بِهِ بعد الْكفَالَة
أَيهمَا شَاءَ
قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا يدل على أَن الْكَفِيل لَا يرجع
على الْمَكْفُول عَنهُ إِذا كَانَت لكفالة بِغَيْر أَمر لِأَنَّهُ لَو
كَانَ لَهُ الرُّجُوع لقام الْكَفِيل فِيهِ مقَام الطَّالِب فَلم يكن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليُصَلِّي عَلَيْهِ
فَإِن قيل فقد روى عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه قَالَ مَاتَ رجل
منا فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ
هَل ترك عَلَيْهِ دينا فَقَالُوا نعم ثَمَانِيَة وَعشْرين درهما قَالَ هَل
ترك وفآء قَالُوا لَا وَالله مَا ترك من شَيْء قَالَ فصلوا أَنْتُم
عَلَيْهِ قَالَ فَقَالَ أَبُو قَتَادَة يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن قضيت
عَنهُ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ نعم إِن قضيت عَنهُ بِالْوَفَاءِ قَالَ
فَانْطَلق أَبُو قَتَادَة فَقضى عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله قد قضينا عَنهُ
فَدَعَا لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصلى عَلَيْهِ
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه إِنَّمَا صلى عَلَيْهِ وَبعد الْقَضَاء عَنهُ
قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْمَيِّت غير الَّذِي فِي الحَدِيث الأول
وَكَانَ لَهُ أَن لَا يُصَلِّي حَتَّى يقْضِي وَكَانَ لَهُ أَن يُصَلِّي
بِنَفس الضَّمَان لِأَنَّهُ يصير بِمَنْزِلَة من ترك وَفَاء
وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا توفّي الْمُؤمن
وَعَلِيهِ دين يسْأَل مَا ترك لدينِهِ من قَضَاء فَإِن قَالُوا نعم صلى
عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن قَالُوا لَا قَالَ
صلوا على صَاحبكُم فَلَمَّا فتح الله تَعَالَى على رَسُوله الْفتُوح قَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من
(4/258)
أنفسهم فَمن توفّي وَعَلِيهِ دين فعلي
قَضَاؤُهُ وَمن ترك مَالا فَهُوَ لوَرثَته
وعَلى أَن حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه لَيْسَ بِسَمَاع
مِنْهُ لِأَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج روى عَن عبد الله بن أبي
قَتَادَة قَالَ سَمِعت من أَهلِي من لَا أتهم أَن رجلا توفّي على عهد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي دِينَارَانِ فَأبى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ حَتَّى تحمل بهَا أَو
قَتَادَة
فَحَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل أحسن مِنْهُ وَإِن كَانَ إِنَّمَا
يَدُور عَلَيْهِ فقد احْتج بِهِ غَيرنَا علينا فِي مِفْتَاح الصَّلَاة
وتحليلها
وَفِي حَدِيثه عَن عمرَان بن طَلْحَة فِي الْحيض
فَحَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد مَقْبُول فِي ذَلِك كَمَا قبله غَيرنَا
فِيمَا وَصفنَا
1977 - فِي الْكفَالَة من غير قبُول الطَّالِب
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصح الْكفَالَة بِغَيْر قبُول الطَّالِب إِلَّا فِي
خصْلَة وَاحِد أَن يَقُول الْمَرِيض لبَعض ورثته اضمن عني ديني فَيضمنهُ
والغرماء غيب فَيجوز وَإِن لم يسم الدّين وَلَو كَانَ هَذَا فِي الصِّحَّة
لم يلْزم الْكَفِيل شَيْء
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْكفَالَة جَائِزَة كَانَ لَهُ
مُخَاطب أَو لم يكن
قَالَ أَبُو جَعْفَر وى بعض الروَاة هَذَا الْخلاف عَن أبي يُوسُف وَحده
قَالَ أَبُو بكر الصَّحِيح أَن مُحَمَّدًا مَعَ أبي حنيفَة وَأَبُو يُوسُف
وَحده
وَابْن الْقَاسِم لم يحفظ عَن مَالك شَيْئا فِي ذَلِك قَالَ وَأرَاهُ
لَازِما
(4/259)
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَن
الضَّمَان إِنَّمَا يلْزم الضَّامِن لما قد عرفه وَأما مَا لم يعرفهُ
فَهُوَ من المخاطرة أَي فَلَا يلْزمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَنَّهَا كَانَت تلْزم عِنْده بِغَيْر
قبُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد أجَاز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَمَان
من ضمن عَن الْمَيِّت من غير قبُول الْمَضْمُون لَهُ فَدلَّ على صِحَة قَول
أبي يُوسُف
1978 - فِي الْكفَالَة بِالْمَالِ عَن الْمَيِّت
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا مَاتَ الرجل وَعَلِيهِ دين وَلم يتْرك شَيْئا وكفل
ابْنه للْغَرِيم بِمَا لَهُ على الْمَيِّت فَإِن ذَلِك لَا يجوز وَإِن ترك
الْمَيِّت شَيْئا جَازَت الْكفَالَة بِقدر مَا ترك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ الْكفَالَة
جَائِزَة عَنهُ وَإِن لم يتْرك الْمَيِّت شَيْئا
وَقَالَ مَالك إِذا ضمن عَن ميته لزمَه وَرجع بِهِ من مَال الْمَيِّت فَإِن
لم يكن الْمَيِّت لَهُ مَال قَالَ فالكفالة جَائِزَة وَلَا يرجع فِي مَال
الْمَيِّت إِن بَان للْمَيت مَال بعد ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أجَاز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّمَان
عَن الْمَيِّت الَّذِي لم يتْرك شَيْئا
(4/260)
1979 - فِيمَن ضمن عَن رجل مَالا بِغَيْر
أمره هَل يرجع بِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن حَيّ لَا يرجع بِهِ عَلَيْهِ
إِذا أَدَّاهُ
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَو أدّى عَن رجل مَالا بِغَيْر أمره فَلهُ
أَن يرجع بذلك على الْمَطْلُوب
قَالَ وَسُئِلَ مَالك عَن رجل ابْتَاعَ دينا على رجل وَقد كَانَ بَين
المُشْتَرِي وَبَين الَّذِي عَلَيْهِ الدّين عَدَاوَة قَالَ إِن علم أَنه
إِنَّمَا أَرَادَ بذلك ضَرَره وتعنته فِي ذَلِك فَلَا أرى أَن يُمكن من
ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر بني مَالك مذْهبه فِي ذَلِك على تَجْوِيز ابتياع
الدُّيُون الَّتِي فِي ذمَّة الْغَيْر بالعروض فَإِن أجَاز ابتياع
الدُّيُون بديون مثلهَا فَفِي ذَلِك ابتياع ذهب بِذَهَب أَو فضَّة بِفِضَّة
آجله وَهَذَا غير جَائِز
فَإِن قيل فقد قَالَ أَصْحَابنَا فِي العَبْد الْمَغْصُوب إِذا ضمنه رجل
لمَوْلَاهُ بِغَيْر أَمر الْغَاصِب فَأدى قِيمَته إِلَى مَوْلَاهُ أَن
العَبْد الْمَغْصُوب يكون للضامن فجعلوه مَالِكًا للْعَبد بأَدَاء ضَمَان
قيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ الدّين الَّذِي يضمنهُ عَن غَيره
قيل لَهُ الْفرق بَينهمَا أَن مؤدي الدّين هُوَ مود لنَفس مَا على
الْمَطْلُوب فَسقط عَنهُ وَلم يكن أَدَاؤُهُ بَدَلا عَنهُ فَيملك الْمُبدل
مِنْهُ وَالْعَبْد غير مَا أَدَّاهُ الضَّامِن فَملك العَبْد بَدَلا مِمَّا
أدّى لِاسْتِحَالَة بَقَاء العَبْد وبدله فِي ملكه
1980 - فِيمَن كفل بِنَفس رجل ثمَّ كفل بِهِ كَفِيل آخر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كفل رجل بِنَفس رجل ثمَّ كفل آخر بِنَفسِهِ فهما
جَمِيعًا كفيلان وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
(4/261)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى قد برىء الْكَفِيل
الأول حِين أَخذ الثَّانِي
1981 - فِي موت الْكَفِيل وَالْمَال مُؤَجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ المَال مُؤَجّلا على الْكَفِيل وعَلى صَاحب
الأَصْل فَمَاتَ الْكَفِيل قبل حُلُول الْأَجَل أَخذ من مَاله حَالا وَلَا
يرجع ورثته على الْمَكْفُول عَنهُ إِلَّا بعد حُلُول الْأَجَل وَهُوَ قَول
مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر يرجع ورثته على الْمَكْفُول عَنهُ حَالا لِأَنَّهُ أدخلهُ
فِيهِ وَقد علم أَنه يحل عَلَيْهِ المَال بِمَوْتِهِ
1982 - فِي رُجُوع الْكَفِيل بِالْمَالِ قبل الْأَدَاء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَخذ الطَّالِب الْكَفِيل كَانَ للْكَفِيل أَن
يَأْخُذ الْمَكْفُول عَنهُ وَيلْزمهُ ويحبسه حَتَّى يخلصه مِمَّا أدخلهُ
فِيهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك
قَالَ مَالك وَلَكِن يتبعهُ الْكَفِيل حَتَّى يُؤَدِّيه إِلَى الطَّالِب
وَيبرأ من حمالته
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للْكَفِيل أَن يَأْخُذ الْحق وَإِن لم يتْرك شَيْئا
فَلَيْسَ لصَاحبه أَن يَأْخُذهُ من الْمَطْلُوب
1983 - فِي ضَمَان تَسْلِيم الْمَبِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَخذ مِنْهُ كَفِيلا بِالْعَبدِ الْمَبِيع حَتَّى
يَدْفَعهُ إِلَيْهِ فَالضَّمَان جَائِز فَإِن مَاتَ العَبْد فِي يَد
البَائِع فَلَا ضَمَان على الْكَفِيل
وَقَالَ مَالك لَا يَصح ضَمَان الْمَبِيع لِأَنَّهُ بِعَيْنِه وَلَو هلك لم
يضمن البَائِع شَيْئا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ضمن عُهْدَة الدَّار أَو خلاصها فاستحقت الدَّار
رَجَعَ المُشْتَرِي على الضَّامِن إِن شَاءَ
(4/262)
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا ضمن الْمَبِيع
أَن يكون عَلَيْهِ من ضَمَانه على البَائِع وَيحل فِيهِ مَحَله
1984 - فِي تَأْخِير الْكَفِيل أَو الْمَكْفُول عَنهُ
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز تَأْخِير الْمَطْلُوب بالديون من غير قرض ويكن
تَأْخِيرا على الْكَفِيل وَإِن أخر الْكَفِيل لم يكن تَأْخِيرا عَن
الْمَكْفُول عَنهُ
وَقَالَ مَالك تَأْخِير الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل تَأْخِير عَن الْكَفِيل
فَإِن قَالَ الْكَفِيل لَا أرْضى لِأَنِّي أَخَاف أَن يفلس وَيذْهب مَاله
كَانَ ذَلِك لَهُ وَيكون صَاحب الْحق بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَن يُبرئ
الْحميل فَذَلِك لَهُ إِلَّا أَن يرضى الْحميل وَإِن سكت الْحميل وَقد علم
بذلك فالحمالة لَازِمَة وَإِن أخر الْكَفِيل فَإِنِّي أرَاهُ تَأْخِيرا عَن
الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل إِلَّا أَن يحلف صَاحب الْحق بِاللَّه مَا كَانَ
ذَلِك مني تَأْخِيرا للحق عَن صَاحبه وَلَا كَانَ ذَلِك مني إِلَّا للحميل
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز تَأْخِير الدّين بِحَال
1985 - فِي الرجل يكفل بِمَا بَايع بِهِ فلَانا أَو قضى بِهِ لَهُ عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ للرجل مَا بَايَعت بِهِ فلَانا أَو مَا قضى
بِهِ لَك على فلَان فَهُوَ عَليّ فَهَذَا جَائِز وَإِن لم يؤقت لذَلِك وقتا
وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَمَالك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا يَصح ذَلِك لِأَنَّهُ مَجْهُول
ومخاطرة
(4/263)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد لله بن
جَعْفَر وَأَبُو قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث جَيش
الْأُمَرَاء وَأمر عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة وَقَالَ إِن أُصِيب زيد
فأميركم جَعْفَر فَإِن أُصِيب فعبد الله بن رَوَاحَة فَهَذَا يُوجب ثُبُوت
الولايات بالمخاطرات فَدلَّ على جَوَاز الوكالات بالمخاطرات لِأَنَّهَا ضرب
من الْولَايَة وَفِي تثبيت الْوكَالَة على هَذَا الْوَجْه إِلْزَام
الْمُوكل ضَمَان مَا يبتاعه أَو يستأجره وتخليصهم مِمَّا أدخلولهم فِيهِ
1986 - فِيمَن كفل بِنَفس رجل على أَنه إِن لم يواف بِهِ غَدا فَعَلَيهِ
المَال الَّذِي يَدعِيهِ
قَالَ أَصْحَابنَا هَذَا جَائِز على شَرط وَإِن لم يقل المَال الَّذِي
يَدعِيهِ وَلَو قَالَ إِن لم أوافك بِهِ غَدا فَعَلَيهِ مائَة دِينَار
جَازَ أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يلْزمه شَيْء إِن لم يواف بِهِ غَدا
وَقَالَ عُثْمَان البتي يُقَال للطَّالِب أقِم الْبَيِّنَة على المَال
فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة لزم الْكَفِيل إِذا لم يواف بِهِ
وَذكر ابْن الْقَاسِم مثل ذَلِك وَلم يحفظ عَن مَالك
وَعند الشَّافِعِي لَا تصح الْكفَالَة على الْخطر
(4/264)
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يواف بِهِ
غَدا ألزمهُ المَال وَلم يَنْفَعهُ أَن يوافي بِهِ بعد ذَلِك
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا جَاءَ بِهِ ذَلِك لم يلْزمه المَال إِذا لم
يكن قد تغير بإعدام أَو انْقِطَاع وَجه وَإِن تَغَيَّرت حَاله فِي الْأَجَل
فَلَا سَبِيل على الْكَفِيل إِلَّا نَفسه وَإِن تَغَيَّرت حَاله بعد
انْقِضَاء الْأَجَل وَقد دَعَاهُ بِهِ فَهُوَ ضَامِن للدراهم
وَذكر ابْن الْقَاسِم أَنه إِن وافاه بعد ذَلِك بِهِ قبل أَن يحكم
السُّلْطَان عَلَيْهِ فَذَلِك جَائِز لَهُ وَيبرأ من المَال وَلَا غرم
عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا رَأْي لم أحفظه عَن مَالك
وعَلى قَول الشَّافِعِي إِن الْكفَالَة لَا تجوز على الأخطار
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو هَذَا الشريطة من أَن تكون جَائِزَة
فَيلْزم حكمهَا أَو غير جَائِزَة فَيكون كلا كَفَالَة فَلَمَّا جعلوها
جائزه غير الشَّافِعِي وألزموا بهَا المَال فِي حَال مَا وَجب أَن يكون
لَازِما فِي حَال مَا اشْترط فِيهِ لُزُوم المَال وَلَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا
بِمثل مَا يبرأ بِهِ من سَائِر الدُّيُون
1987 - فِي كَفَالَة رجلَيْنِ عَن رجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كفل رجلَانِ عَن رجل بِمَال وَلم يقل كل وَاحِد
مِنْهُمَا كَفِيل عَن صَاحبه فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُؤَدِّي النّصْف
وَلَا يرجع على صَاحبه بِشَيْء فَإِن كَانَا كفلا بِهِ ثمَّ قَالَا
للطَّالِب أَيّنَا شِئْت أخذت بِهَذَا المَال أَو كل وَاحِد منا كَفِيل
ضَامِن لَهَا فَهُوَ جَائِز وَيَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ بِالْمَالِ كُله
وَأيهمَا أدّى المَال رَجَعَ على الْكَفِيل مَعَه بِالنِّصْفِ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا شَرط أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ أَو قَالَا كل
وَاحِد منا
(4/265)
كَفِيل عَن صَاحبه ثمَّ أدّى أَحدهمَا
جَمِيع المَال لم يرجع على الْكَفِيل الآخر بِشَيْء لِأَن أصل الْحق كَانَ
على غَيرهمَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا كفل ثَلَاثَة عَن رجل بِمَال فأعدم
الرجل لم يَأْخُذ مِمَّن قدر عَلَيْهِ مِنْهُم إِلَّا الثُّلُث
قَالَ وَلَو قَالَ حن تكفلوا بِهِ بَعْضكُم كَفِيل عَن بعض أَخذ من قدر
عَلَيْهِ مِنْهُم بِجَمِيعِ المَال فَإِن لَقِي الَّذِي أدّى أحد الكفيلين
رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ
قَالَ وَلَو أَنهم حِين تكفلوا لَهُ شَرط عَلَيْهِم أَيهمْ شِئْت أخذت بحقي
أَخَذته وَلم يجعلهم كفلاء بَعضهم عَن بعض فَأخذ من وَاحِد مِنْهُم لم يكن
لمن أَخذ مِنْهُ أَن يرجع على صَاحبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا شَرط أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل ضَامِن عَن
صَاحبه فقد صَار ضَامِنا عَن صَاحبه مَا عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يرجع
بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ النّصْف فَبَطل قَول عُثْمَان البتي وَأما خلاف مَالك
فَهُوَ أَيهمَا لَو كفلا بِالْمَالِ على أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ أَن كل
وَاحِد مِنْهُمَا إِذا أدّى لَا يرجع على صَاحبه بِشَيْء وَإِنَّمَا يرجع
بِهِ على صَاحب الأَصْل لِأَنَّهُ لم يكفل عَن صَاحبه بِشَيْء
فَأَما إِذا كفلا بِالْمَالِ عَن صَاحب الأَصْل فَكل وَاحِد مِنْهُمَا
ضَامِن لِلنِّصْفِ فَإِذا قَالَا بعد ذَلِك على أَن لَك أَن تَأْخُذ
أَيّنَا شِئْت بِجَمِيعِ المَال فقد صَار كل وَاحِد كَفِيلا عَن صَاحبه
بِالنِّصْفِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَيرجع بِهِ عَلَيْهِ
(4/266)
1988 - فِي صلح الْكَفِيل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا صَالح الْكَفِيل الطَّالِب من الْألف دِرْهَم على
مائَة دِرْهَم على أَن يبرأ فِيهِ وَالْمَطْلُوب فَهُوَ جَائِز وَيرجع
الْكَفِيل على الْمَطْلُوب بِالْمِائَةِ إِذا كَانَت الْكفَالَة بأَمْره
وَلَو شَرط بَرَاءَة الكفل خَاصَّة فَمَا بَقِي عَلَيْهِ كَانَ للطَّالِب
أَن يرجع على الْمَطْلُوب بتسعمائة وَلَو صَالح الطَّالِب على عشرَة
دَنَانِير من الْألف رَجَعَ على الْمَطْلُوب بِأَلف تَامّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا تكفل بِأَلف دِينَار هاشمية فَرضِي
صَاحب الْألف بِأَلف دمشقية فَإِنَّهُ يرجع على الْمَطْلُوب بِأَلف دمشقية
قَالَ وَلَو تكفلت عَن رجل بِأَلف دِرْهَم فأعطيته بِالْألف عرُوضا
فَالَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل بِالْخِيَارِ إِن أحب أَن يدْفع قيمَة مَا دفع
عَنهُ الْكَفِيل إِلَيْهِ إِن كَانَ عرُوضا أَو حَيَوَانا وَإِن كَانَ
طَعَاما فمكيلته وَإِن أحب الْألف الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فَإِن هُوَ دفع
الذَّهَب من الْوَرق الَّذِي تحمل بهَا فَلَا يحل ذَلِك وَلَا يجوز وَيفْسخ
ذَلِك وَيرجع الكفل إِلَى صَاحب الدّين فَيَأْخُذ مِنْهُ ذهبه وَيكون
الْوَرق على الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل وعَلى الْحميل كَمَا هِيَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك فِي أَنه إِذا أدّى الدمشقية عَن الهاشمية
أَنه يرجع بِمَا أدّى يدل على أَنه لَو أدّى الزُّيُوف عَن الْجِيَاد
رَجَعَ بالزيوف وأصحابنا يَقُولُونَ يرجع بالجياد وَأما الَّذِي أدّى
عرُوضا أَو ذَهَبا عَن الْوَرق
(4/267)
فَإِنَّهُ يرجع بِالدّينِ لِأَنَّهُ قد ملك
مَا عَلَيْهِ بإعطائه الْبَدَل عَنهُ فَهُوَ كأدائه المَال بِعَيْنِه
وَيجوز أَدَاء الذَّهَب عَن الْوَرق كأداء غَيره من الْأَشْيَاء لِأَن
ذَلِك دين عَلَيْهِ يجوز التَّصَرُّف فِيهِ قبل الْقَبْض
قَالَ وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا أبهم الصُّلْح فَقَالَ صالحتك عَن الْألف
على مائَة برءا جَمِيعًا من الْفضل إِلَّا أَن يشْتَرط بَرَاءَة الْكَفِيل
خَاصَّة
1989 - فِي الرجل يَقُول أَحْلف وَأَنا ضَامِن لَك الْحق
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل قَالَ لرجل أَحْلف وَأَنا ضَامِن
للحق الَّذِي تدعيه على أخي ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لَا تحلف فَإِنِّي لَا
أضمن قَالَ مَالك لَا يَنْفَعهُ وَهَذَا حق قد لزمَه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غير
مَالك وَلَا معنى لَهُ فِي الْقيَاس لِأَن حلف الْمُدَّعِي لَا يسْتَحق
بِهِ شَيْء فَكَذَلِك لَا يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ على غَيره
1990 - فِي أَخذ الْكفَالَة بِالدَّعْوَى
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ادّعى الْمُدَّعِي بَيِّنَة حَاضِرَة أَخذ من
الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كَفِيلا بِنَفسِهِ ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن قَالَ
بينتي غيب لم يَأْخُذ مِنْهُ كفلا بِنَفسِهِ
وَقَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ قَالَ أَبُو يُوسُف نَأْخُذ لَهُ مِنْهُ
كَفِيلا بِنَفسِهِ إِلَى أول مجْلِس يجلسه القَاضِي إِذا ادّعى بَيِّنَة
حَاضِرَة وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَإِن ادّعى
بَيِّنَة لِأَنِّي أَقْْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِب وَإِن أَقَامَ شَاهدا
وَطلب مِنْهُ كَفِيلا فَذَلِك لَهُ إِلَّا أَن يكون الْمُدَّعِي يَدعِي
بَيِّنَة حَاضِرَة يرفعها من السُّوق أَو بعض الْقَبَائِل فَأرى
(4/268)
للسُّلْطَان أَن يقف الْمَطْلُوب عِنْده
وَيَقُول للطَّالِب مَكَانك اذْهَبْ ائْتِ بينتك فَإِن أَتَى بهَا وَإِلَّا
خلى سَبيله
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ادّعى قبله سلْعَة طلب إِلَى القَاضِي أَن يحول
تِلْكَ السّلْعَة وَيضْرب لَهُ أَََجَلًا إِلَى أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة
فَإِن كَانَ مِمَّن يتهم بالجحود أَخذ عَلَيْهِ حميلا وَإِن كَانَ مِمَّن
لَا يتهم بالجحود وَهُوَ مِمَّن يرضى حَاله لم ير ذَلِك عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ وَاجِبا على الْمُدعى عَلَيْهِ الْحُضُور
مَعَ الْمُدَّعِي وَجب عَلَيْهِ أَن يُعْطي كَفِيلا بِنَفسِهِ بذلك ليخرج
إِلَيْهِ من الْحُضُور الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ إِلَى القَاضِي كَمَا يجب
عَلَيْهِ الْخُرُوج إِلَيْهِ من الدّين وَيُعْطِيه كَفِيلا إِن شَاءَ ذَلِك
1991 - فِي أَخذ الْكَفِيل من الْوَارِث والغريم
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي مِيرَاث رجل قسم بَين غُرَمَائه أَو ورثته لَا آخذ
من أَحْمد مِنْهُم كَفِيلا هَذَا شَيْء احتاطت بِهِ الْقُضَاة وَهُوَ ظلم
وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ قَالَ كَانَ ابْن أبي ليلى لَا يقْضِي
الدّين وَلَا يُعْطي الْمَوَارِيث إِلَّا بكفيل وَلَا يقبض لأحد إِلَّا
بكفيل إِن مَاتَ لزم الْكَفِيل بِالذِّمةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْوَارِث لَو كَانَ ابْنا أَو
أَبَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة وَلم يشْهدُوا أَنهم لَا يعلمُونَ لَهُ
وَارِثا غَيره أَنه يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَكَذَلِكَ إِذا
(4/269)
قَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره لِأَن
قَوْلهم لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره لَيْسَ بِشَهَادَة وَلَا هُوَ
مَحْكُومًا بِهِ فَوَجَبَ أَن يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَكَذَلِكَ الْغَرِيم
وَالْمُوصى لَهُ لجَوَاز أَن يكون هُنَاكَ دين أَو وَصِيَّة أُخْرَى
1992 - فِيمَن شَرط كَفَالَة الكفيلين أَن مليئهم على معدمهم
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كفل ثَلَاثَة عَن رجل بِمَال فعلى كل وَاحِد
مِنْهُم الثُّلُث وَإِن قَالَ ملئهم على معدمهم أَو حيهم على ميتهم فَإِن
هَذَا لَيْسَ بِشَيْء
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن ابْن جريج
قَالَ قلت لعطاء فِي رجل كبت على رجلَيْنِ فِي بيع أَن حيكما على ميتكما
ومليئكما على معدمكما قَالَ يجوز وَقَالَهَا عَمْرو بن دِينَار وَسليمَان
بن مُوسَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَإِن كَانَ الشَّافِعِي قد وافقهم فَهَذَا ترك
لقَوْله إِن الْكفَالَة لَا تصح على المخاطرة وَالْقِيَاس أَن يجوز ذَلِك
كَمَا يجوز عِنْد أَصْحَابنَا إِن قَالَ إِن مَاتَ فلَان فَأَنا ضَامِن لما
عَلَيْهِ وَقد كَانَ المتقدمون يَكْتُبُونَ فِي شروطهم فِي التَّضْمِين عَن
الباعة حيهم عَن ميتهم ومليئهم عَن معدمهم فَهَذَا هُوَ الْقيَاس فِي
مَسْأَلَتنَا
1993 - فِي أَحْكَام الْحِوَالَة
قَالَ أَصْحَابنَا يبرا الْمُحِيل بالحوالة وَلَا يرجع عَلَيْهِ إِلَّا بعد
التوى
(4/270)
والتوى عِنْد أبي حنيفَة أَن يكون الْمحَال
عَلَيْهِ مُفلسًا أَو يحلف مَاله عَلَيْهِ من شَيْء وَلم يكن للمحال
عَلَيْهِ بَيِّنَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هَذَا توى وإفلاس الْمحَال عَلَيْهِ أَيْضا
توى
قَالَ عُثْمَان البتي الْحِوَالَة لَا يُبرئ الْمُحِيل إِلَّا أَن يشْتَرط
برائته فَإِن اشْترط الْبَرَاءَة برِئ الْمُحِيل إِذا أَحَالهُ على مَلِيء
وَإِن أَحَالهُ على مُفلس وَلم يعلم أَنه مُفلس فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ
وَإِن أَبرَأَهُ وَإِن أعلمهُ أَنه مُفلس وأبرأه لم يرجع على الْمُحِيل
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أُحِيل بدين عَلَيْهِ فقد برِئ الْحميل
وَلَا يرع عَلَيْهِ بإفلاس وَلَا موت
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن أَحَالهُ وَلم يغره من فلس عمله من
غَرِيمه فَلَا يرجع عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين وَإِن غره أَو
لم يكن لَهُ عَلَيْهِ شَيْء فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ إِذا أَحَالهُ وَهَذِه
حمالَة
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ إِذا أحالة على رجل فأفلس فَلَيْسَ
لَهُ أَن يرجع على الآخر إِلَّا بمحضرهما وَإِن مَاتَ وَله وَرَثَة وَلم
يتْرك شَيْئا رَجَعَ حَضَرُوا أَو لم يحضروا
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا كفل عَنهُ رجل بِمَال وأبرأه برِئ
وَلَا يرجع إِلَّا أَن يفلس الْكَفِيل أَو يَمُوت فَيرجع حِينَئِذٍ على
صَاحبه
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْحِوَالَة لَا يرجع إِذا أفلس الْمُحْتَال عَلَيْهِ
وَقَالَ زفر وَالقَاسِم بن معن فِي الْحِوَالَة لَهُ أَن يَأْخُذ كل وَاحِد
مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة الْكفَالَة
(4/271)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يبرأ صَاحب الأَصْل
بالحوالة
وَقَالَ الشَّافِعِي يبرأ الْمُحِيل بالحوالة وَلَا يرجع عَلَيْهِ بِمَوْت
وَلَا إفلاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يُونُس بن عبيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أحلّت
على مَلِيء فَاتبعهُ
وروى مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا اتبع
أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ وَهَذَا مَعْنَاهُ معنى الْحِوَالَة لِأَنَّهُ
قد بَينه فِي الْخَبَر الأول وَهَذَا يدل على بَرَاءَة الْمُحِيل لَوْلَا
ذَلِك لَكَانَ المليء والمعدوم سَوَاء وَهَذَا يدل أَيْضا على جَوَاز
الْحِوَالَة على من لَا دين لَهُ عَلَيْهِ للْمُحِيل لِأَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لم يفرق بَين من عَلَيْهِ دين وَبَين من لَا دين
عَلَيْهِ للْمُحِيل وَكَانَ معنى ذَلِك اتِّبَاع ذمَّة بِذِمَّة كابتياع
عبد بِعَبْد فَإِذا مَاتَ العَبْد قبل الْقَبْض بَطل البيع كَذَلِك موت
الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا وإفلاس الْمحَال عَلَيْهِ مثل إباق العَبْد من
يَد البَائِع فَيكون للْمُشْتَرِي الْخِيَار فِي فسخ البيع وَإِن كَانَ قد
يُرْجَى رُجُوعه وتسليمه كَذَلِك إفلاس الْمحَال عَلَيْهِ
وَأَيْضًا لما شَرط الْمَلأ فِي الْحِوَالَة دلّ على زَوَال ذَلِك فَوَجَبَ
عود المَال إِلَيْهِ كَذَلِك إفلاس الْمحَال عَلَيْهِ وَهَذَا يدل أَيْضا
على أَنه إِذا غره مِنْهُ الْمُحِيل فَزعم أَنه ملئ ثمَّ علم أَنه غير ملئ
أَن لَهُ أَن يرجع
(4/272)
1994 - فِي تَأْجِيل الدّين الْحَال
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز تَأْجِيل الْقَرْض وَيجوز فِي الغصوب وَسَائِر
الدُّيُون
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا اسْتهْلك لَهُ شَيْئا مِمَّا
يُكَال أَو يُوزن ثمَّ أَخّرهُ بِهِ فَلهُ أَن يرجع فِي التَّأْخِير وَهُوَ
بِمَنْزِلَة الْقَرْض وَلَو اسْتهْلك لَهُ ثوبا أَو شَاة فضمن قِيمَته
جَازَ تَأْخِيره فِيهِ
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر لَا يَصح التَّأْجِيل فِي الْقَرْض وَلَا
فِي الْغَصْب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح فِي الْغَصْب وَلَا يَصح فِي الْقَرْض
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا بَأْس بِأَن يسلفه دَنَانِير بِبَلَد
على أَن يُعْطِيهِ إِيَّاهَا بِبَلَد آخر إِذا كَانَ على وَجه الْمَعْرُوف
وَالرِّبْح وَلم يكن على أَن يضمنهَا للمقترض مِنْهُ كَمَا يفعل أهل
الْعرَاق بالسفاتج فَلَا أرى بِهِ بَأْسا إِذا ضرب لذَلِك أَََجَلًا وَإِذا
حل الْأَجَل أَخذه مِنْهُ حَيْثُمَا لقِيه
وَإِن قَالَ أقرضتك إِيَّاهَا على أَن تُعْطِينِي بأفريقية وَلم يضْرب لَهُ
أَََجَلًا لم يُعجبنِي ذَلِك وَإِن اسْتقْرض مِنْهُ طَعَاما وَضرب لَهُ
أَََجَلًا على أَن يُعْطِيهِ بإفريقية فَهُوَ فَاسد وَإِن ضرب لَهُ
أَََجَلًا لِأَن لَهُ حملانا وَأُجْرَة ومؤونة وَالدَّنَانِير لَا حمل
لَهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ عشرُون دِينَارا حَالَة
فاستعدى عَلَيْهِ فَلم يجد لَهُ شَيْئا فنجمها عَلَيْهِ فَلَمَّا حل أول
نجم قَالَ أُعْطِيك نصفهَا وتضع عني النّصْف الآخر وَلَا بَأْس بذلك لِأَن
أصل الْحق كَانَ حَالا فَإِن أيسر بَعْدَمَا نجمت عَلَيْهِ أَخذه بجميعها
(4/273)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ إِلَيّ أجل لم
يكن لَهُ أَن يتقاضاه قبل الْأَجَل
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا أسلفه دَرَاهِم ثمَّ أَجله فِيهَا ثمَّ
طلبَهَا قبل الْأَجَل فَإِن تيسرت من وَجه أَدَّاهَا إِلَيْهِ وَإِن لم
يَتَيَسَّر إِلَّا أَن يُبَاع لَهُ فِيهِ شَيْء من مَاله لم يبع وَقَالَ
فِي ثمن الْمَبِيع إِذا أَجله وَكَانَ حَالا فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِهِ قيل
الْأَجَل
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أَخّرهُ بدين حَال فَلهُ أَن يرجع مَتى شَاءَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَأْجِيل المَال الْحَال بِمَنْزِلَة الزِّيَادَة فِي
ثمن الْمَبِيع وَقد ثَبت عندنَا ذَلِك فَوَجَبَ أَن يكون التَّأْجِيل مثله
كَأَنَّهُ كَانَ من أصل العقد وَلَا يجوز أَن يَصح التَّأْجِيل فِي
الْقَرْض لِأَنَّهُ فِي الِابْتِدَاء لَا يَصح
وَأما قيم المستهلكات فَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح التَّأْجِيل فِيهَا
لِأَنَّهَا لَيْسَ بِمَنْزِلَة الزِّيَادَة فِي العقد إِلَّا أَنه قد روى
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَقْتَضِي جَوَاز تَأْخِيرهَا
وَهُوَ مَا روى عبد الْوَارِث بن سعيد عَن مُحَمَّد بن جحادة عَن سلميان بن
بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
أنظر مُعسرا كَانَ لَهُ بِكُل يَوْم صَدَقَة ثمَّ قلت الْآن فَلهُ كل يَوْم
مثله صَدَقَة قَالَ فَقَالَ بِكُل يَوْم صَدَقَة مَا لم يحل الدّين فَإِن
أنظرهُ بعد الْحل فَلهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على جَوَاز الْأَجَل فِي الْقَرْض
لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الثَّوَاب على تَأْجِيل ثمن الْمَبِيع لِأَن بإزائه
بَدَلا
(4/274)
قَالَ أَبُو بكر يسْتَحق الثَّوَاب
بِتَأْخِير ثمن الْمَبِيع كَمَا يسْتَحقّهُ بإبرائه وَلَيْسَ الثّمن
بِإِزَاءِ الْأَجَل وَلَا حِصَّة لَهُ مِنْهُ وَقد دلّ قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على جَوَاز تَأْخِير الدّين الْحَال
1995 - فِي الدّين الْمُؤَجل هَل يحل بِالْمَوْتِ أم لَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَالشَّافِعِيّ من كَانَ عَلَيْهِ ين إِلَى أجل فَمَاتَ حل عَلَيْهِ الدّين
وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ
وَقَالَ الْحسن وَإِبْرَاهِيم إِذا مَاتَ أَو أفلس حل عَلَيْهِ الدّين
وَقَالَ طَاوُوس وَابْن سِيرِين إِذا مَاتَ فدينه إِلَى أَجله وَهُوَ قَول
عمر بن عبد الْعَزِيز وَأَبَان بن عُثْمَان وَسعد بن إِبْرَاهِيم وَأبي بكر
مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن حزم وَأَبِيهِ
وروى خَالِد بن الْحَارِث عَن عبيد الله بن الْحسن أَن الدّين إِلَى أَجله
إِذا ترك عينا أَو أَرضًا تغل
وروى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَنه إِن ترك عينا حل دينه وَإِن ترك
أَرضًا لم يحل وَهُوَ إِلَى أَجله
وروى عَنهُ خَالِد بن الْحَارِث فِي مَوضِع آخر إِنَّه وَإِن ترك عينا
وَاحِدَة حل دينه وَإِن ترك أَرضًا وعينا لم يحل إِلَّا أَن تكون الْعين
وَحدهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الْمِيرَاث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من أَن
يعطاه الْوَرَثَة أَو يمنعوه أَو يُوقف مِنْهُ بِمِقْدَار الدّين ويعطون
الْبَاقِي فَإِن أعطيناه الْوَرَثَة مَعَ
(4/275)
الدّين كَانَ خلاف الْآيَة لقَوْله
تَعَالَى {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وَإِن وقفناه أوقفنا مِنْهُ
بِمِقْدَار الدّين لم يكن فِيمَا وقف نفع لأحد لَا للْوَرَثَة وَلَا
للغرباء وَإِنَّمَا يَصح معنى الْأَجَل فِيمَا ينْتَفع بِهِ لأجل
التَّأْجِيل فَلَمَّا لم يكن فِي التَّأْجِيل حق لأحد بَطل وَجل الدّين
1996 - فِي صلح الْوَارِث الْغَرِيم
قَالَ أَصْحَابنَا وَسَائِر الْفُقَهَاء يجوز للْوَارِث أَنِّي صَالح
الْغُرَمَاء على بعض الدّين وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يَسعهُ ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غير
الْأَوْزَاعِيّ
وَقد روى جرير بن عبد الحميد عَن مُغيرَة عَن الشّعبِيّ عَن جَابر بن عبد
الله قَالَ اسْتشْهد أبي يَوْم أحد وَعَلِيهِ دين فاستعنت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على غُرَمَائه أَن يضعوا من دينه فَطلب إِلَيْهِم فَلم
يَفْعَلُوا فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ وصنف
تمرك أصنافا الْعَجْوَة على حِدة وغدق ابْن زيد على حِدة ثمَّ أرسل إِلَيّ
فَفعلت ذَلِك ثمَّ أرْسلت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء
فَجَلَسَ على أَعْلَاهُ أَو فِي وَسطه ثمَّ قَالَ كل للْقَوْم قَالَ فكلت
للْقَوْم حَتَّى أوفيتهم الَّذِي لَهُم ثمَّ بَقِي تمري كَأَنَّهُ لم ينقص
مِنْهُ شَيْء
فَدلَّ هَذَا على فَسَاد قَول الْأَوْزَاعِيّ
1997 - فِيمَن عَلَيْهِ دين فَدفع خلاف جنسه
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل بَاعَ رجلا سلما بِنصْف دِينَار
فَأَتَاهُ بِنصْف دِينَار دَرَاهِم أَن البَائِع يجْبر على أَخذهَا
(4/276)
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالْقَرْض عِنْدِي
كَذَلِك
وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غير مَالك وأصحابنا وَغَيرهم
على خِلَافه
وَأخذ الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ بيع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي جَوَابه لِابْنِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا حِين سَأَلَهُ عَن أَخذ
الدَّرَاهِم عَن الدَّنَانِير لَا بَأْس بِهِ مَا لم تفترقا وبينكما شَيْء
والتبايع لَا يكون إِلَّا عَن ترَاض
1198 - فِي أكل هَدِيَّة الْغَرِيم
قَالَ أَصْحَابنَا كل قرض جر مَنْفَعَة فَلَا خير فِيهِ وروى مثله عَن
إِبْرَاهِيم
وَهَذَا عِنْدهم إِذا كَانَت الْمَنْفَعَة مَشْرُوطَة فِيهِ فَأَما إِذا
أهْدى إِلَيْهِ من غير شَرط أَو أكل عِنْده فَلَا بَأْس بِهِ عِنْدهم
وَقَالَ مَالك لَا يصلح لَهُ أَن يقبل هديته إِلَّا أَن يكون ذَلِك
بَينهمَا مَعْرُوفا وَهُوَ يعلم أَن لَيْسَ هديته إِلَيْهِ لمَكَان دينه
وَقَالَ الثَّوْريّ مثل ذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث أكره لَهُ أَن يقبل هديته أَو يَأْكُل عِنْده
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا بَأْس بِأَن يَأْكُل الرجل عِنْد غَرِيمه
(4/277)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بَأْس بِأَن
يَقْضِيه أَجود من دينه أَو دونه إِذا تَرَاضيا بذلك
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى نَافِع أَنه كَانَ لعبد الله بن عمر صديق يسلفه
وَكَانَ عبد الله بن عمر يهدي لَهُ
وروى شُعْبَة عَن يحيى بن سعيد عَن أنس قَالَ إِذا أقرضت رجلا قرضا فَلَا
تركب دَابَّته وَلَا تَأْكُل هديته إِلَّا أَن يكون قد جرت بَيْنك وَبَينه
قبل ذَلِك مُخَالطَة
وروى سُفْيَان عَن عمار الدهني عَن سَالم بن أبي الْجَعْد أَن رجلا أقْرض
سماكا عشْرين درهما فأهدى إِلَيْهِ بِثَلَاثَة عشر درهما فَسَأَلَ ابْن
عَبَّاس فَقَالَ خُذ مِنْهُ سَبْعَة
وروى كَرَاهَة قبُول الْهِدَايَة من الْغَرِيم عَن أبي بن كَعْب وَعبد الله
بن سَلام
وَقد روى فِي حَدِيث أبي رَافع وَأبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قضى الَّذِي كَانَ استسلف مِنْهُ فَوق حَقه
(4/278)
فَدلَّ على إِبَاحَة مثل ذَلِك الْمَعْنى
وَقد روى أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا عبد الله بن نمير قَالَ
حَدثنَا يزِيد بن زِيَاد بن أبي الْجَعْد قَالَ حَدثنَا أَبُو صَخْرَة
جَامع بن شَدَّاد عَن طَارق الْمحَاربي قَالَ لما ظهر الْإِسْلَام خرجنَا
فِي ركب ومعنا ظَعِينَة لنا حَتَّى نزلنَا قَرِيبا من الْمَدِينَة فَبينا
نَحن قعُود إِذْ أَتَانَا رجل عَلَيْهِ ثَوْبَان أبيضان فَسلم ثمَّ قَالَ
من أَيْن أقبل الْقَوْم فَقُلْنَا من الربده ومعنا جمل أَحْمَر فَقَالَ
أتبيعوني الْجمل قَالَ قُلْنَا نعم قَالَ بكم قَالَ قُلْنَا بِكَذَا
وَكَذَا صَاعا من تمر قَالَ فَأَخذه وَلم يستنقصنا شَيْئا قَالَ قد أَخَذته
فَأخذ براس الْجمل حَتَّى توارى بحيطان الْمَدِينَة قَالَ فتلاومنا فِيمَا
بَيْننَا قُلْنَا أعطيتم جملكم رجلا لَا تعرفونه فَقَالَ الظعينة لَا
تلوموا لقد رَأَيْت وَجه رجل مَا كَانَ ليخفركم مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه
بالقمر لَيْلَة الْبَدْر من وَجه رجل مَا كَانَ الْعشي أَتَانَا رجل
فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أَنا رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ يَأْمُركُمْ أَن تَأْكُلُوا حَتَّى تشبعوا وَإِن تكتالوا
حَتَّى تستوفوا فأكلنا حَتَّى شبعنا واكتلنا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا
فَكَانَ فِي هَذَا إِبَاحَة من لَهُ دين أكل طَعَام من عَلَيْهِ ذَلِك
الدّين مَعَ مَا فِي حَدِيث أبي رَافع وَأبي هُرَيْرَة فَدلَّ على أَن
ذَلِك لَيْسَ من الرِّبَا وَالْعَادَة وَغير الْعَادة فِي ذَلِك سَوَاء
لِأَن الْأَحْكَام إِنَّمَا تتبع الْحَقَائِق لَا الظنون
1999 - فِيمَن عَلَيْهِ دين مُؤَجل فَأَرَادَ سفرا
قَالَ هِشَام عَن مُحَمَّد فِي رجل ضمن عَن رجل مَالا بأَمْره فَأَرَادَ
الْمَضْمُون عَنهُ أَن يخرج وَقَالَ الْكَفِيل لَا تخرج حَتَّى تصحح لي
(4/279)
وَقَالَ مُحَمَّد إِن كَانَ ضَمَان النَّفس
وَالْمَال إِلَى أجل فَلَا سَبِيل للْكَفِيل عَلَيْهِ وَإِن لم يكن إِلَى
أجل فَلهُ أَن يَأْخُذ حَتَّى يخلصه مِنْهُ إِمَّا بأَدَاء المَال وَإِمَّا
بِبَرَاءَة مِنْهُ وَأما فِي كَفَالَة النَّفس فَيرد النَّفس وَلم يحك
خلافًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن عَلَيْهِ دين مُؤَجل فَأَرَادَ
سفرا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يَأْتِي بجميل أوثقة من حَقه إِلَّا
أَن يكون سفرا قَرِيبا يَأْتِي فِي مثله إِلَى ذَلِك الْأَجَل فَأرى لَهُ
أَن يخرج
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَقِي من الْأَجَل ثَلَاثَة أَيَّام فَأَرَادَ أَن
يُسَافر مسيرَة سنة أَو نَحْو ذَلِك قَالَ يركب مَعَه وَإِذا حل حَقه
فليلزمه
وَقَالَ اللَّيْث لَا يتْركهُ يخرج حَتَّى يُعْطِيهِ ثِقَة حَقه حميلا أَو
غير ذَلِك وَإِن كَانَ قد بقى من حُلُول الْأَجَل شَيْء كثير وَكَانَ
مَأْمُونا فِي رجعته وَكَانَ قدومه عِنْد حُلُول الْأَجَل خلى بَينه وَبَين
الْخُرُوج وَإِن كَانَ مِمَّا يخَاف طول الْغَيْبَة بعد الْأَجَل لم يتْرك
أَن يخرج حَتَّى يُقيم حميلا أَو ثِقَة من حق الرجل إِن لم يقدم بحلول
الْأَجَل
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدّين
إِلَى أجل السّفر وَأَرَادَ غَرِيمه مَنعه لبعد سَفَره وَقرب أَجله أَو
يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِهِ منع مِنْهُ وَقيل لَهُ حَقك حَيْثُ وَضعته
ورضيته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لَهُ مُطَالبَته بِالدّينِ الْحَال ولزومه
وحبسه وَلم يكن لَهُ ذَلِك فِي الدّين الْمُؤَجل وَجب أَن لَا يمنعهُ فِي
السّفر إِذْ لَا مُطَالبَة لَهُ فِي الْحَال
(4/280)
2000 - فِي لُزُوم الْمُفلس
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل يفلسه القَاضِي فيخرجه من السجْن أَنه لَا
يحول بَينه وَبَين ملازمته وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وسوار بن عبد الله
وَعبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ سوار وَعبيد الله للْغُرَمَاء أَن يَدْفَعُوهُ فِي ضَيْعَة فَيكون
لغرمائه فضل كَسبه عَن نَفَقَته
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي يمْنَع غرماؤه من لُزُومه
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي وَلَو كَانَت لَهُ حِرْفَة تفضل عَن
نَفَقَة بدنه شَيْء أَخذ فِي دينه وَلَا ينْفق على أَهله وَلَا وَلَده
وَالدّين أولى وَإِذا أَرَادَ الْغُرَمَاء أَخذ المَال حبس لصَاحب المَال
قوت عِيَاله الْيَوْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله تَعَالَى {فنظرة إِلَى ميسرَة} يُوجب تَأْخِيره
فَصَارَ كَالدّين الْمُؤَجل فَيمْنَع لُزُومه
وَقد روى عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لي الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته فَكَانَت الْعقُوبَة على
الْوَاجِد فَدلَّ على أَنه إِذا كَانَ غير وَاجِد فَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِ
وَلَا يحل عرضه وَقد روى أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه قَالَ مطل الْغَنِيّ ظلم وَرَوَاهُ أَيْضا يُونُس بن عبيد عَن نَافِع
عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا كَانَ مطل
الْغَنِيّ ظلما
(4/281)
فمطل الَّذِي لَيْسَ بغني لَيْسَ بظُلْم
وَلَا مُطَالبَة عَلَيْهِ إِذا وَإِذا سَقَطت الْمُطَالبَة زَالَت
الْمُلَازمَة
2001 - فِي حبس الْأَب بدين الابْن
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز للْأَب أَن يتَصَرَّف فِي مَال الابْن الْكَبِير
الْعَاقِل من غير عذر وَلَا حَاجَة وَإِن اسْتهْلك شَيْئا من مَاله
فَعَلَيهِ ضَمَانه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَهْلكهُ الْأَب من
مَال الابْن وَيجوز بَيْعه لمَال ابْنه الْكَبِير
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يحبس الْأَب لوَلَده بدين عَلَيْهِ إِلَّا أَن
أَبَا يُوسُف قَالَ إِن أَلد وتمرد حَبسته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يحلف الْأَب للِابْن
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقِيَاس قَوْله لَا يحبس لَهُ فِي الدّين
وَقَالَ اللَّيْث يقْضِي بينهماكما يقْضِي بَين الأجنبيين فِي الْأَمْوَال
إِلَّا أَنه يُؤمر الابْن بِحسن الصيانة لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اسْتهْلك مَالا لِابْنِهِ من غير حَاجَة رَجَعَ
عَلَيْهِ الابْن كَمَا يرجع على الْأَجْنَبِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون
إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} فأباح للِابْن ملك يَمِينه
فَدلَّ على أَن أَبَاهُ لَا يملكهَا وَأَنَّهَا مُحرمَة
(4/282)
وَلما أخرج للْأَب سِهَام الْمَوَارِيث فِي
مَال الابْن الْمَيِّت مَعَ سَائِر ذَوي السِّهَام بقول {ولأبويه لكل
وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} فَدلَّ على أَنه لَا يملك مَال ابْنه لِأَنَّهُ
لَو كَانَ يملك لما دخل مَعَه غَيره بعد الْمَوْت
وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} فاستحال
أَن يقْضِي دين من مَال الْأَب وَكَذَلِكَ وَصَايَاهُ إِنَّمَا ينفذ فِي
مَاله لِأَن أَبَاهُ لَا يملكهُ وَإِن ملكه مَا صحت وَصِيَّة الابْن فِيهِ
فَإِن قيل روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رجل يَا
رَسُول الله إِن لي مَالا ولي وَالِد يُرِيد أَن يجتاح مَالِي فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك إِن
أَوْلَادكُم من أطيب كسبكم وكلوا من كسب أَوْلَادكُم
وروى عِيسَى بن يُونُس قَالَ حَدثنَا يُوسُف بن إِسْحَاق عَن ابْن
الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبدا لله أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن لي مَالا وعيالا وَإِن لأبي مَالا وعيالا
وَإنَّهُ يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي إِلَى مَاله فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك
قيل لَهُ معنى إِنَّه فِي مَال ابْنه كَهُوَ فِي الابْن نَفسه فَلَمَّا لم
يكن إِضَافَة الابْن إِلَيْهِ مُوجبَة لملكه للِابْن كَذَلِك إِضَافَة
مَاله إِلَيْهِ لَا على وَجه الْملك وَلكنه
(4/283)
أَنه لَا يَنْبَغِي لِابْنِهِ أَن يُخَالف
أَبَاهُ فِيمَا يَأْمُرهُ بِهِ فِي نَفسه وَمَاله مِمَّا أَبَاحَهُ الله
تَعَالَى لَهُ
وَذَلِكَ نَحْو مَا روى الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نَفَعَنِي مَال قطّ مَا
نَفَعَنِي مَال أبي بكر فَقَالَ أَبُو بكر إِنَّمَا أَنا وَمَالِي لَك يَا
رَسُول الله فَلم يرد بذلك الْملك وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أمره مُطلق
فيهمَا كانطلاقة فِي مَال نَفسه كَذَلِك مَا وَصفنَا
2002 - فِيمَن أَرَادَ قَضَاء دينه وَأبي الَّذِي لَهُ قبُوله
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم
فَأَنت حر فجَاء بِأَلف أجبر الْمولى على قبُولهَا
قَالَ مُحَمَّد وَقَالَ بعض فقهائنا لَا يجْبر على قبُوله
قَالَ مُحَمَّد وَأَنا أرى أَنه إِذا وَضعهَا فِي مَوضِع يُمكن الْمولى
أَخذهَا عتق
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين مُؤَجل من عين فَجَاءَهُ بِهِ قبل
الْأَجَل أجبر على قبُوله وَإِن كَانَ الدّين من عرض أَو قرض أَو طَعَام
أَو حَيَوَان أجبر على أَخذه قبل الْأَجَل وَإِن كَانَ من بيع ابتاعه هُوَ
أَو عرض أَو طَعَام أَو حَيَوَان لم يجْبر الَّذِي لَهُ الدّين أَن
يَأْخُذهُ قبل مَجِيء الْأَجَل رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَنهُ
(4/284)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ الدّين عينا
من ذهب أَو ورق فجَاء بِهِ قبل مَحل الْأَجَل أجبر على قبُوله وَلَا يجْبر
على قبُول الْعرُوض وَالْحَيَوَان قبل الْأَجَل
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِن كَانَ نُحَاسا أَو تبرا أَو عرضا
خير مَأْكُول وَلَا مشروب وَلَا ذِي روح أجبر على أَخذه قبل مَحَله وَإِن
كَانَ مَأْكُولا أَو مشروبا أَو حَيَوَانا لم يجْبر على أَخذه قبل مَحَله
لِأَنَّهُ قد يُرِيد أكله وشربه جَدِيدا وَيلْزمهُ فِي الْحَيَوَان مؤونة
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَخْبرنِي سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه
قَالَ اشترتني امْرَأَة بسوق ذِي الْمجَاز بسبعمائة دِرْهَم ثمَّ قدمت
الْمَدِينَة وكاتبتني على أَرْبَعِينَ ألفا فأديت إِلَيْهَا عَامَّة المَال
ثمَّ حملت مَا بقى إِلَيْهَا فَقلت هَذَا مَالك أقبضيه قَالَت لَا وَالله
حَتَّى آخذه مِنْك شهرا بِشَهْر وَسنة بِسنة قَالَ فرحت بِهِ إِلَى عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ عمر ادفعه إِلَى بَيت
المَال ثمَّ بعث إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا هَذَا مَالك فِي بَيت المَال وَقد
عتق أَبُو سعيد فَإِن شِئْت فَخذيهِ شهرا بِشَهْر وَسنة بِسنة وَإِن شِئْت
فَخذيهِ
فَدلَّ ذَلِك أَنه قد برِئ مِنْهَا بإحضاره إِيَّاه ثمَّ رأى الإِمَام
قَبضه ليحفظه عَلَيْهَا
وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن نَبهَان مولى أم سَلمَة قَالَت قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ لإحداكن مكَاتب وَكَانَ عِنْده مَا
يُؤَدِّي فلتحتجب مِنْهُ فَأمرهَا بالاحتجاب إِذا كَانَ عِنْده مَا
يُؤَدِّي وَكَانَ مُخَالفا لحاله قبل ذَلِك
(4/285)
كَذَلِك إِذا قدر الْمولى على قبض
الْكِتَابَة يَجعله فِي حكم الْقَابِض فَدلَّ على أَنه لَا معنى لإجبار
الَّذِي لَهُ الدّين على قَبضه أَنه مَتى خلى بَينه وَبَينه برِئ مِنْهُ
آخر الْكفَالَة وَالْحوالَة
(4/286)
= كتاب الرَّهْن =
2003 - فِي رهن الْمشَاع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز رهن الْمشَاع لَا فِيمَا يقسم
وَلَا فِيمَا لَا يقسم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يجوز الرَّهْن غير مقسوم إِذا قَبضه
صَاحبه وحازه مَعَ من لَهُ فِيهِ شرك
قَالَ وَلَو رَهنه سدس دَار أَو سدس حمام أَو نصف ثوب فَقَبضهُ أَن يحوزه
دون صَاحبه وَلَو رَهنه نصف دَابَّة فَإِنَّهُ يقبض جَمِيعهَا وَلَو كَانَت
بَين الرَّاهِن وَبَين آخر قبض حِصَّة الرَّاهِن فَإِن شَاءَ جعلهَا على
يَدي شريك الرَّاهِن فَذَلِك جَائِز وَإِن ارْتهن نصف هَذَا الطَّعَام
وَهُوَ بَينه وَبَين غَيره قَالَ إِذا ارتهنه
(4/287)
فحزته فَهُوَ جَائِز يقاسم الشَّرِيك
الرَّاهِن إِن كَانَ حَاضرا فَيكون نصفه فِي يَد الْمُرْتَهن وَإِن لم يكن
الرَّاهِن حَاضرا قاسمه السُّلْطَان أَو يَأْمُرهُ بذلك
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ فِي الرجل يرتهن الرَّهْن
فَيسْتَحق بعضه قَالَ يخرج من الرَّهْن وَلَكِن لَهُ أَن يجْبر الرَّاهِن
على أَن يَجعله رهنا فَإِن مَاتَ قبل أَن يَجعله رهنا كَانَ بَينه وَبَين
الْغُرَمَاء
وروى حميد عَن الْحسن بن حَيّ أَنه كَانَ يرى الرَّهْن فِيمَا يقسم جَائِز
حَتَّى يقسم
وروى الْمُخْتَار عَنهُ قَالَ وَمَا كَانَ من نصيب لَا يُسْتَطَاع أَن يقسم
نَحْو الْحمام والسفينة فَهُوَ يكون رهنا وَمَا يقسم لَا يكون النَّصِيب
مِنْهُ رهنا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز رهن الْمشَاع فِيمَا يقسم وَمَا لَا يقسم
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن الرَّهْن فِي الْمَقْسُوم لَا
يَصح بِنَفس العقد حَتَّى يكون مَعَه تَسْلِيم من الرَّاهِن وَقبض من
الْمُرْتَهن وَيكون الْمُرْتَهن بعد الْمَوْت أَحَق بِهِ من سَائِر
الْغُرَمَاء بِثُبُوت حَقه فِي جنسه
فَدلَّ على أَنه يحْتَاج إِلَى دوَام الْقَبْض والمشاع يسْتَحق فِيهِ
الْيَد بالمهايأة وَذَلِكَ معنى مَوْجُود مَعَ العقد وَفِي ارْتِفَاع
الْيَد ارْتِفَاع الرَّهْن وفساده فَدلَّ أَنه لَا يَصح
(4/288)
2004 - فِي الرَّهْن يوضع على يَدي عدل
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري يَصح الرَّهْن إِذا جعلاه على يَدي عدل
وَيكون مَضْمُونا على الْمُرْتَهن
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز حَتَّى
يقبضهُ الْمُرْتَهن
وَقَالَ مَالك إِذا جعلاه على يَدي عدل فضياعه من الرَّاهِن
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي رهن شقص السَّيْف إِن قَبضه أَن يحول حَتَّى
يَضَعهُ الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن على يَدي عدل أَو على يَدي الشَّرِيك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يَصح الرَّهْن بِوَضْعِهِ على يَدي
عدل لِأَن يَد الْعدْل بِمَنْزِلَة يَد هما جَمِيعًا وَلَو كَانَ شرطا أَن
يكون فِي أَيْدِيهِمَا لم يَصح كَذَلِك إِذا جعلاه على يَدي عدل لِأَنَّهُ
لَيْسَ أَحدهمَا بِهَذِهِ الْيَد أولى من الآخر بهَا وكما لَو تراضى
الْمُتَبَايعَانِ على جعل الْمَبِيع على يَدي عدل لم يكن ذَلِك قبضا
للْمُشْتَرِي وَلَو هلك هلك من مَال البَائِع كَذَلِك الرَّهْن
2005 - فِي رهن الدّين
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي قِيَاس قَوْله إِذا كَانَ لرجل عَليّ
دين فَبِعْته بيعا وارتهنت مِنْهُ الدّين الَّذِي لَهُ عَليّ فَهُوَ جَائِز
وَهُوَ أقوى من أَن يرتهن دينا على غَيره لِأَنَّهُ جَائِز لما عَلَيْهِ
(4/289)
وَيجوز فِي قَول مَالك أَن يرتهن الرجل
الدّين يكون لَهُ على رجل فيبتاع من رجل بيعا فيرهن مِنْهُ الدّين الَّذِي
لَهُ على ذَلِك الرجل وَيقبض ذَلِك الْحق وَيشْهد لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نعلم أحدا من أهل الْعلم أجَاز أَن يكون الدّين
رهنا بدين سواهُ غير مَالك وَهُوَ فِي الْقيَاس أَيْضا فَاسد لِأَن من
كَانَ فِي يَده شَيْء فارتهنه فَلَيْسَ يَخْلُو من أَن يكون مَضْمُونا
بِنَفسِهِ فَينْتَقل ضَمَانه إِلَى ضَمَان الرَّهْن وَيكون أَمَانَة فتنتقل
الْأَمَانَة إِلَى الضَّمَان وَالدّين بَاقٍ بعد الرَّهْن وَقَبله على مَا
كَانَ عَلَيْهِ إِلَى الضَّمَان فَلم يَصح رهنا بِبَقَائِهِ على حكمه قبل
أَن يرْهن
2006 - فِي ولد الْمَرْهُونَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وأصحابنا إِذا ولدت الْمَرْهُونَة بعد الرَّهْن دخل
وَلَدهَا فِي الرَّهْن وَكَذَلِكَ اللَّبن وَالصُّوف وثمر النّخل وَالشَّجر
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك مَا حدث من ولد فَهُوَ رهن وَلَيْسَت الثَّمَرَة الْحَادِثَة
بِهِ رهنا مَعَ الأَصْل
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ الدّين حَالا دخلت الثَّمَرَة فِي الرَّهْن
وَإِن كَانَ إِلَى أجل فالثمرة لصَاحب الأَصْل
وروى عَنهُ أَنَّهَا لَا تدخل فِيهِ إِلَّا أَن تكون مَوْجُودَة يَوْم
الرَّهْن
(4/290)
قَالَ الشَّافِعِي لَا يدْخل الْوَلَد
وَلَا الثَّمَرَة الْحَادِثَة فِي الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدّين حق ثَابت فِي رَقَبَة الرَّهْن بِدلَالَة أَن
الْمُرْتَهن بعد الْمَوْت أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء حَتَّى
يسْتَوْفى دينه وَكَانَ كحق الْكِتَابَة فِي رَقَبَة الْأُم فَيُوجب دُخُول
الْوَلَد فِيهَا وَلَا فرق بَين الثَّمَرَة وَبَين الْوَلَد لِأَن ذَلِك
نَمَاء حَادث من الأَصْل وَقد أجَاز مَالك أَن يشْتَرط الثَّمَرَة
الْحَادِثَة فِي الْمُسْتَقْبل فِي الرَّهْن فَتكون دَاخِلَة فِيهِ وَقد
جعل الشَّافِعِي ولد الْمَغْصُوبَة مَضْمُونا مَعَ الأَصْل فالرهن بذلك
أولى
2007 - فِي رهن الثَّمَرَة الْقَائِمَة فِي رُؤُوس النّخل
قَالَ أَو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز رهن الثَّمَرَة الْقَائِمَة فِي
رُؤُوس النّخل دون النّخل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يجوز إِذا أجَازه وَقَبضه وَكَانَ هُوَ
يسْقِيه أَو جعله على يَدي رجل بِإِذن الرَّاهِن يسْقِيه ويليه وَكَذَلِكَ
الزَّرْع الَّذِي لم يبد صَلَاحه وَإِذا ارْتهن ثَمَرَة قبل أَن يَبْدُو
صَلَاحهَا فَإِنَّهُ يحْتَاج أَن يقبض النّخل مَعهَا لِأَنَّهُ لَا يقدر
على قبض الثَّمَرَة إِلَّا بِقَبض النّخل وَالنَّخْل مَعَ ذَلِك لَيْسَ
برهن مَعهَا وَكَذَلِكَ لَا يَصح قبض الزَّرْع إِلَّا بِقَبض الأَرْض وَإِن
لم تكن الأَرْض رهنا مَعَه وَإِذا أفلس وَقد حازها الْمُرْتَهن فالثمرة
لَهُ دون الْغُرَمَاء وَالنَّخْل للْغُرَمَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح رهن الثَّمَرَة دون النّخل طلعا مؤبرا أَو
قبل بَدو
(4/291)
صَلَاحهَا إِلَّا أَن يتشارطا أَن
للْمُرْتَهن إِذا حل حَقه قطعهَا وَبَيْعهَا فَيجوز الرَّهْن لِأَن
الْمَعْرُوف من الثَّمر أَنه يتْرك إِلَى أَن يصلح
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف فِي جَوَاز بيع الثَّمَرَة الْقَائِمَة وَقد
روى عَن أبي بكر فِي بطلَان هَذِه الثَّمَرَة الْقَائِمَة حَتَّى يحوزها
بقوله لعَائِشَة إِنَّك لم تَكُونِي حُزْتِيهِ وَلَا قبضتيه وَإِنَّمَا
هُوَ مَال الْوَارِث
وَالرَّهْن بِمَنْزِلَة الْهِبَة لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا لَا يصحان إِلَّا
بِالْقَبْضِ وَالْبيع يَصح بِغَيْر قبض وتملك
2008 - فِي رهن الموزونات
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يَصح رهن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
وَسَائِر الموزونات وَغَيرهَا إِذا قبضت وَلَا يشترطون فِيهَا الْخَتْم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِنَّمَا لم يَصح الرَّهْن فِي
الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والفلوس وَالطَّعَام إِذا طبع عَلَيْهَا والحلي
يَصح رَهنه من غير طبع وَكَذَلِكَ الثِّيَاب
وروى أَشهب عَن مَالك أَنه لَا يطبع فِي الرَّهْن إِلَّا الدَّرَاهِم
وَالدَّنَانِير خَاصَّة
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ لَا يَصح الرَّهْن
إِلَّا مَقْبُوضا والقبوض من وَجْهَيْن مَا يُكَال أَو يُوزن أَو ينْقل
فسبيله الْكَيْل وَالْوَزْن وَالنَّقْل وَمَا لاينقل فالتخلية
(4/292)
فَدلَّ ذَلِك من قَوْله أَنه لَا يعْتَبر
الْخَتْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الرَّهْن من أَن يكون مَضْمُونا أَو
أَمَانَة فَإِن كَانَ مَضْمُونا فَالْقَوْل فِي الْأَشْيَاء المضونة قَول
ضامنها فَلَا معنى للختم فِيهَا وَإِن كَانَ أَمَانَة فَالْقَوْل قَول
الْأمين أَيْضا فَلَا وَجه للختم وَقد اعتبروا فِي الثِّيَاب أَيْضا
أَنَّهَا لَا تعْتَبر فِيهَا الْخَتْم وَكَذَلِكَ مَا سواهَا وَكَذَلِكَ
روى عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم توفى وَدِرْعه مَرْهُونَة عِنْد يَهُودِيّ بِطَعَام أَخذه لأَهله
وَلم يذكر فِيهِ الْخَتْم
2009 - فِي الرَّهْن بِمَا يحدث
قَالَ أَبُو حنيفَة الرَّهْن بالدرك بَاطِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَنه لَا يجوز الرَّهْن بدين غير
ثَابت فِي الْحَال وَأَنه لَا يجوز بِمَا يجوز أَن يكون وَيجوز أَن لَا
يكون
قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِذا دفعت إِلَى رجل رهنا
فَقلت هَذَا لَك رهن بِكُل مَا أقرضت فلَانا من شَيْء فَهَذَا جَائِز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو قَالَ أرهنك دَاري على أَن تداينني
فداينه لم يكن رهنا حَتَّى يعْقد الرَّهْن مَعَ الْحق أَو بعده
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّهْن إِنَّمَا يكون مَحْبُوسًا بِالدّينِ فَإِذا
لم يكن دين لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يكون مَحْبُوسًا بِشَيْء
(4/293)
2010 - فِي زِيَادَة الدّين فِي الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا تجوز زِيَادَة الدّين فِي الرَّهْن
وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تجوز الزِّيَادَة فِي الدّين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الرَّهْن مَشْغُولًا بِالدّينِ الأول لم يجز
أَن يصير شَيْئا مِنْهُ رهنا بِالدّينِ الثَّانِي لِأَن الرَّهْن إِنَّمَا
يَصح فِي الفارغ دون المشغول
فَإِن قيل قد أجزت الزِّيَادَة فِي الرَّهْن
قيل لَهُ لِأَن هَذِه الزِّيَادَة غير مَشْغُولَة فصح رَهنه
2011 - فِي ارتهان الرجلَيْن
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ارْتهن رجلَانِ بدين لَهما على رجل هما فِيهِ
شريكان اَوْ غير شَرِيكَيْنِ فَهُوَ جَائِز إِن أقبضاه وَلَا يَأْخُذ
شَيْئا مِنْهُ حَتَّى يؤفيهما جَمِيع الدّين
وَقَالَ مَالك مثل ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ إِذا لم يَكُونَا شَرِيكَيْنِ
فَإِنَّهُ إِذا قضى أَحدهمَا قبض حِصَّته وَإِن كَانَ شَرِيكَيْنِ لم يَصح
قَضَاء أَحدهمَا دون الآخر
وَقَالَ الشَّافِعِي يَصح الرَّهْن وَلكُل وَاحِد نصف رهن بِنصْف حَقه
وَإِذا قضى أَحدهمَا نصِيبه أَخذ نصِيبه من الرَّهْن
2012 - فِي رهن الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يجوز رهن الْمكَاتب وارتهانه وَكَذَلِكَ
الْمَأْذُون لَهُ فِي التجاره
(4/294)
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكر عَنهُ ابْن
الْقَاسِم يجوز ذَلِك لَهما إِذا أصابا وَجه الرَّهْن لِأَنَّهُ جَائِز
البيع وَالشِّرَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز رهن الْمكَاتب وَالْعَبْد وَلَا وَالِي
الطِّفْل لِأَن الدّين لَازم وَالرَّهْن أَمَانَة فالرهن نقص عَلَيْهِم
فَلَا يجوز أَن يرهنوا إِلَّا حَيْثُ يجوز أَن يودعوا أَمْوَالهم من
الضَّرُورَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن يكون الرَّهْن بِمَنْزِلَة البيع فَيجوز
على مَا يجوز عَلَيْهِ البيع فَإِذا بَاعَ الْمكَاتب أَو الْمَأْذُون
بِأَقَلّ من الْقيمَة جَازَ فِي قَول أبي حنيفَة
فَقِيَاس قَوْله فِي الرَّهْن أَن يجوز بِالْقَلِيلِ وَالْكثير
وَقِيَاس قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يَنْبَغِي أَن لَا يجوز إِلَّا بِمثل
الْقيمَة وَلَا يجوز أَن يرْهن مَا يُسَاوِي ألفا بِمِائَة كَمَا لَا يجوز
البيع وَلَا يكون الْفضل الَّذِي هُوَ أَمِين فِيهِ بِمَنْزِلَة
الْوَدِيعَة لِأَنَّهُ قد أثبت فِيهِ حَقًا لَا يُمكنهُ مَعَه أَخذه إِلَّا
بعد قَضَاء الدّين
وعَلى قَول الشَّافِعِي إِن الرَّهْن أَمَانَة فَهُوَ مُسْتَمر على أَصله
لِأَنَّهُ أوجب للْمُرْتَهن حَقًا وَلَا يَقع للرَّاهِن فِيهِ إِلَّا أَنه
أجَازه فِي الْموضع الَّذِي يجوز أَن يودع وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن
الْمُودع يَأْخُذ الْوَدِيعَة مَتى شَاءَ والراهن لَا يُمكنهُ أَخذه إِلَّا
بعد قَضَاء الدّين فَيحصل أَمَانَة يُوجب فِيهِ حَقًا لمرتهن فَلَا يَقع
للرَّاهِن فِيهِ وَأما مَالك فَإِنَّهُ يَجْعَل الرَّهْن مَضْمُونا
بِالْقيمَةِ فِيمَا يعاب عَلَيْهِ إِلَّا أَنه قد أجَازه فِي سَائِر
الْأَحْوَال وَهُوَ لَا يَجعله مَضْمُونا إِذا كَانَ مِمَّا لَا يعاب
عَلَيْهِ
(4/295)
2013 - فِي الرَّهْن على يَدي عَدْلَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وضع الرَّهْن على يَدي عَدْلَيْنِ وَهُوَ فِيمَا
يقسم اقتسماه فَكَانَ عِنْد كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه وَإِن كَانَ مِمَّا
لَا يقسم فوضعاه عِنْد أَحدهمَا ضمن الَّذِي وضع حِصَّته عِنْد صَاحبه
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يضمنَانِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن رَأْيه وَقِيَاس قَول مَالك إِن رَضِي
الرَّاهِن مَعَهُمَا أَن يكون على يَد أَحدهمَا جَازَ وَلَيْسَ على الَّذِي
لَيْسَ فِي يَده شَيْء من الضّيَاع فِي حِصَّته فَإِن ارتهنا الثَّوْب وَلم
يَجْعَل الرَّاهِن على يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُمَا يجعلانه بِحَيْثُ شَاءَ
أَو ضمناه لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكره الرّبيع عَنهُ لَا يكون الرَّهْن
مَقْبُوضا إِلَّا أَن يقبضهُ الْمُرْتَهن أَو أحد غير الرَّاهِن بِأَمْر
الْمُرْتَهن فَيكون وَكيله فِي قَبضه وَأما رهن اللؤلؤة وَنَحْوهَا بِأَن
يَضَعهَا الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن على يَدي عدل أَو على يَد الشَّرِيك
فِيهَا الَّذِي لَيْسَ براهن أَو يَدي الْمُرْتَهن
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَدلَّ ذَلِك من قَوْله على أَنه إِنَّمَا يَصح قَبضه
بِإِذن الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن إِذا جعلاه برضاهما على يَدي الْعدْل
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَحْمد بن حَمَّاد التجِيبِي قَالَ حَدثنَا
يحيى بن عبد الله بن بكير قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن
الزُّهْرِيّ عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد أَن امْرَأَة جَاءَت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله جِئْت لأهب لَك
نَفسِي فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَعدَ
النّظر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثمَّ طأطأ رَأسه فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَة
أَنه لم يقْض فِيهَا شَيْئا جَلَست فَقَامَ رجل من أَصْحَابه فَقَالَ إِن
لم يكن لَك بهَا حَاجَة فزوجنيها فَقَالَ هَل عنْدك من شَيْء فَقَالَ لَا
وَالله قَالَ اذْهَبْ إِلَى أهلك فَانْظُر هَل تَجِد شَيْئا فَذهب ثمَّ
رَجَعَ فَقَالَ مَا
(4/296)
وجدت شَيْئا قَالَ انْظُر وَلَو خَاتمًا من
حَدِيد فَقَالَ وَلَا خَاتم من حَدِيد وَلَكِن هَذَا إزَارِي فلهَا نصفه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يصنع بإزارك إِن لبسته لم
يكن عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْء وَإِن لبسته لم يكن عَلَيْك مِنْهُ شَيْء
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مَعَك من الْقُرْآن قَالَ
معي سُورَة كَذَا وَكَذَا عَددهَا قَالَ أَتَقْرَأُ عَن ظهر قَلْبك قَالَ
نعم قَالَ فَاذْهَبْ فقد ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن
فَدلَّ ذَلِك على أَن حكم الْإِزَار إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ أَن يلْبسهُ
كل وَاحِد مِنْهُمَا مُدَّة وَلَوْلَا ذَلِك مَا خاطبه النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَإِذا كَانَا يستحقان ذَلِك لحق الْملك كَذَلِك
المرتهنان يستحقانه بِحَق الْيَد
فَإِن قيل لَا يجوز إِخْرَاجه عَن يَد أَحدهمَا إِلَى الآخر بِغَيْر إِذن
الرَّاهِن
قيل لَهُ إِن الرَّاهِن قد أوجب ذَلِك لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِحَق الْيَد
الَّذِي أوجبتهما كَمَا يجب ذَلِك بِحَق الْملك
2014 - فِي إِجَارَة الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أجر الْمُرْتَهن الرَّهْن بِإِذن
الرَّاهِن أَو أجره الرَّاهِن بِإِذن الْمُرْتَهن فقد خرج من الرَّهْن
وَلَا يعود
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا أجره الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن فَهُوَ رهن
على حَاله وَالْغلَّة للْمُرْتَهن قَضَاء من حَقه
(4/297)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا خلى
الْمُرْتَهن بَين الرَّاهِن وَبَين الرَّهْن يكريه أَو يسكنهُ أَو يعيره لم
يكن رهنا وَإِذا أجره الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن لم يخرج من الرَّهْن
وَكَذَلِكَ إِذا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن فَهُوَ رهن على
حَاله وَإِذا أجره الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن فالأجر لرب المَال وَلَا
يكون الْكِرَاء رهنا بِحقِّهِ إِلَّا أَن يَشْتَرِطه الْمُرْتَهن فَإِن
اشْترط فِي البيع أَن يرتهن وَيَأْخُذ حَقه من الْكِرَاء فَإِن مَالِكًا
كره ذَلِك وَلم يشْتَرط ذَلِك فِي البيع وَإِن تبرع بِهِ الرَّاهِن بعد
البيع فَلَا بَأْس بذلك وَإِن كَانَ البيع وَقع بِهَذَا الشَّرْط إِلَى أجل
مَعْلُوم وَاشْترط فِيهِ البَائِع بِبيعِهِ الرَّهْن ليأخذها من حَقه فَإِن
ذَلِك جَائِز عِنْد مَالك فِي الدّور وَالْأَرضين وَكَرِهَهُ فِي
الْحَيَوَان
وَقَالَ الْمعَافى كره الثَّوْريّ أَن ينْتَفع من الرَّهْن بِشَيْء وَلَا
يقْرَأ فِي الْمُصحف الْمَرْهُون
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ غلَّة الرَّهْن لصَاحبه ينْفق عَلَيْهِ مِنْهَا
وَالْفضل لَهُ فَإِن لم تكن لَهُ غلَّة وَكَانَ يستخدمه فطعامه بخدمته
وَإِن لم يكن يستخدمه فنفقته على صَاحبه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يستغل الرَّهْن وَلَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا أَن
يكون دَارا يخَاف خرابها فيسكنها الْمُرْتَهن لَا يُرِيد الِانْتِفَاع بهَا
وَإِنَّمَا يُرِيد إصلاحها
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا لبس الْمُرْتَهن الْخَاتم للتجمل بِهِ ضمن
وَإِن لبسه ليحرزه فَلَا شَيْء
قَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يسْتَعْمل العَبْد الرَّهْن بطعامه إِذا
كَانَت النَّفَقَة بِقدر الْعَمَل فَإِن كَانَ الْعَمَل أَكثر أَخذ فضل
ذَلِك من الْمُرْتَهن
(4/298)
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِيمَا
روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّهْن محلوب ومركوب إِن من
رهن ذَات ظهر ودر لم يمْنَع الرَّاهِن فِي ظهرهَا ودرها وللراهن أَن يستخدم
العَبْد ويركب الدَّابَّة ويحلب الدّرّ ويجز الصُّوف وتأوي بِاللَّيْلِ
إِلَى الْمُرْتَهن أَو إِلَى يَدي الْمَوْضُوعَة على يَدَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يزِيد بن هَارُون أخبرنَا ابْن أبي زَائِدَة عَن
الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
الظّهْر يركب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا وَلبن الدّرّ يشرب
بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّفَقَة
تجب لركوب ظَهره وَشرب لبنه وَمَعْلُوم أَن الرَّاهِن إِنَّمَا تلْزمهُ
نَفَقَته لملكه لَا لِمَعْنى سواهُ أَلا ترى أَنه لَو لم يكن لَهُ در وَلَا
ظهر يركب لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَته فَهَذَا يدل على أَنه جعل اللَّبن
وَالظّهْر للْمُرْتَهن بِالنَّفَقَةِ الَّتِي ينفقها وَقد بَين ذَلِك
حَدِيث آخر وَهُوَ مَا رَوَاهُ هشيم عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن
الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
إِذا كَانَ الدَّابَّة مَرْهُونَة فعلى الْمُرْتَهن عَلفهَا وَلبن الدّرّ
يشرب وعَلى الَّذِي يشرب نَفَقَتهَا ويركب
(4/299)
وَالشَّافِعِيّ يَقُول إِن نَفَقَته على
الرَّاهِن لَا على الْمُرْتَهن وَهَذَا الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ لَا لَهُ
وَقد روى الْحسن بن حَيّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ
قَالَ لَا ينْتَفع من الرَّهْن بِشَيْء
فقد ترك الشّعبِيّ ذَلِك وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي هُرَيْرَة فَدلَّ ذَلِك
على أَنه قد علم نسخه وَإِنَّمَا صَار مَنْسُوخا عندنَا لتَحْرِيم الرِّبَا
لما ردَّتْ الْأَشْيَاء إِلَى مقاديرها لِأَنَّهُ جعل عِلّة النَّفَقَة
بَدَلا من اللَّبن قل أَو كثر لما لم يَصح الرَّهْن بدءا وَهُوَ فِي يَد
الرَّهْن كَذَلِك إِذا اسْتحق الرَّهْن الْمُرْتَهن بالركوب والحلب يُوجب
ذَلِك بطلَان الرَّهْن فَدلَّ على أَنه لَا يسْتَحقّهُ وَقد اتَّفقُوا
أَيْضا أَن الرَّاهِن لَا يطَأ الْأمة الْمَرْهُونَة لِأَن الْمُرْتَهن
يسْتَحق ثُبُوت يَده عَلَيْهَا كَذَلِك الِاسْتِخْدَام
2015 - فِي الرَّاهِن يعْتق العَبْد الرَّهْن
قَالَ ابو حنيفه وَأَصْحَابه عتق الرَّاهِن للْعَبد الرَّهْن جَائِز
مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا أَلا أَنه إِن كَانَ مُوسِرًا ضمن قيمَة وَلَا
سَبِيل على العَبْد وَإِن كَانَ مُعسرا سعى العَبْد فِي قِيمَته إِن كَانَ
أقل من الدّين وَيرجع بِهِ على الرَّهْن وَإِن دبره جَازَ تَدْبيره وَضمن
القيمه إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن كَانَ مُعسرا سعى الْمُدبر فِي جَمِيع
الدّين وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
(4/300)
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يجوز عتق
الرَّاهِن فِيهِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا كَانَت أمة فَأعْتقهَا أَو اسْتَوْلدهَا
فَعَلَيهِ مَا ذهبت بِهِ وَلَا تسْتَرق فَإِن أَدَّاهُ كُله خلى سَبِيلهَا
وَإِن مَاتَ قبل أَن يُؤَدِّيه سعت فِيمَا بقى للْمُرْتَهن
وَقَالَ مَالك إِن أعْتقهُ وَهُوَ مُوسر جَازَ عتقه وَأدّى المَال فَإِن
كَانَ المَال مُؤَجّلا عتقت وَحل عَلَيْهِ وَإِن دبره كَانَ رهنا بِحَالهِ
لِأَن رهن الْمُدبر جَائِز عِنْد مَالك وَإِن أعْتقهُ وَهُوَ مُعسر
فَالْعَبْد رهن بِحَالهِ وَالْمَال إِلَى أَجله فَإِن ورث مَالا أَخذ
مِنْهُ الدّين وَيصير العَبْد حرا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا رهن جَارِيَة ثمَّ أعْتقهَا جَازَ عتقه وَيتبع
بِحقِّهِ عَلَيْهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا رهن عبدا ثمَّ أعْتقهُ الْمولى فَعَلَيهِ
الْقيمَة رهنا مَكَانَهُ
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يسْعَى الْمَمْلُوك للْمُرْتَهن
وَقَالَ الشَّافِعِي يبطل عتقه إِذا كَانَ مُعسرا
قَالَ أَبُو جَعْفَر حق الْمُرْتَهن لَا يمْنَع عتق الرَّاهِن وَبطلَان
الرَّهْن بِهِ كَمَا أَن الزَّوْج لَا يمْنَع عتق الْأمة وَإِيجَاب
الْخِيَار لَهَا فِي إبِْطَال النِّكَاح قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف
حكم الْمُوسر والمعسر وَإِلَّا تجب عَلَيْهِ السّعَايَة فِي
(4/301)
الْحَالين وَأما الْكِتَابَة فللمرتهن
إِبْطَالهَا لِأَنَّهَا يلْحقهَا الْفَسْخ أَلا ترى أَن عبدا بَين رجلَيْنِ
لَو كَاتبه أَحدهمَا كَانَ للْآخر أَن يُبْطِلهَا وَلَو أعْتقهُ لم يكن
للشَّرِيك إِبْطَاله وَالتَّدْبِير كَالْعِتْقِ على قَول من يُجِيز بيع
الْمُدبر
2016 - فِي الرَّاهِن يَدعِي ولد الْأمة الْمَرْهُونَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن ادّعى وَلَدهَا قبل أَن
تَلد ضمن قيمتهَا وَإِن كَانَ مُعسرا سعت فِي الدّين وَلَا يسْعَى الْوَلَد
فِي شَيْء وَلَو ادّعى بعد الْولادَة فَإِن كَانَ مُوسِرًا فَلَا سِعَايَة
عَلَيْهَا وَيضمن هُوَ الدّين وَإِن كَانَ مُعسرا قسم الدّين على قيمتهَا
وَقِيمَة الْوَلَد فَمَا أصَاب الْوَلَد سعى فِي الْأَقَل من قِيمَته
وَمِمَّا أَصَابَهُ بِالْحِصَّةِ وسعت الْأُم فِي جَمِيع الْحصَّة
وَقَالَ مَالك إِذا وطئ الْأمة الرَّهْن بِإِذن الْمُرْتَهن فَهِيَ أم ولد
للرَّاهِن وَلَا رهن للْمُرْتَهن فِيهَا وَإِن وَطئهَا بِغَيْر إِذْنه
فَإِن كَانَ لَهُ مَال أَخذ مِنْهُ المَال فَدفع إِلَى الْمُرْتَهن
وَكَانَت الْجَارِيَة أم ولد للرَّاهِن وَإِن لم يكن لَهُ مَال بِيعَتْ
الْجَارِيَة بعد أَن تضع وَلم يبع وَلَدهَا وَلَا شَيْء على الْوَلَد
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا وَطئهَا الرَّاهِن فحمت فَإِن شَاءَ الْمُرْتَهن
استسعاها فِي جَمِيع الدّين وَإِن شَاءَ اتبع الرَّاهِن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ على الرَّاهِن قيمتهَا وَقِيمَة وَلَدهَا وَقد خرجت
من الرَّهْن هِيَ وَوَلدهَا
وَقَالَ اللَّيْث تبَاع حِين تحمل وَيكون الْوَلَد للرَّاهِن لِأَنَّهُ لَا
يسترق ولد الْحر من جَارِيَته وَلكنهَا تبَاع فَإِذا وضعت مَا فِي بَطنهَا
ألحق نسبه بِأَبِيهِ وَإِن وَطئهَا بِإِذن الْمُرْتَهن فقد خرجت من
الرَّهْن وَكَانَ فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاء إِن لم
(4/302)
تحمل وَإِن حملت لم يكن فِيهَا شَيْء
وَكَانَ أُسْوَة الْغُرَمَاء فِيمَا بَقِي من مَاله وَلَا تبَاع وَهِي
حَامِل مِنْهُ حَتَّى تضع
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اسْتَوْلدهَا وَلم يكن لَهُ مَال غَيرهَا لم تبع
مَا كَانَت حَامِلا فَإِذا ولدت بِيعَتْ دون وَلَدهَا
2017 - فِي بيع الرَّهْن
قَالَ مُحَمَّد وَلم يحك خلافًا إِذا بَاعَ الرَّاهِن لم يجز إِلَّا أَن
يُجِيزهُ الْمُرْتَهن فَإِن أجَازه كَانَ الثّمن رهنا
وروى بشر عَن أبي يُوسُف أَن الثّمن لَا يكون رهنا إِذا أجَاز إِلَّا أَن
يكون أمره بِالْبيعِ على أَن يكون الثّمن رهنا فَيكون رهنا كَمَا يكون رهنا
إِذا شَرط فِي أصل الرَّهْن أَن يَبِيع وَيكون الثّمن رهنا وَقَالَ مَالك
لَا يجوز بيع الرَّاهِن للرَّهْن إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُرْتَهن فَإِن
أجَازه جَازَ ووقف الثّمن وَلَا يعجل الْمُرْتَهن حَقه إِذا كَانَ الدّين
إِلَى أجل حَتَّى يَأْتِي الرَّاهِن بِبَقِيَّة من حَقه مَأْمُونا فَيدْفَع
الثّمن إِلَى الرَّاهِن البَائِع وَيجْعَل ذَلِك الرَّهْن مَكَان العَبْد
الرَّهْن وَلَيْسَ للرَّاهِن إِذا بَاعَ الرَّهْن بِغَيْر إِذن المترهن أَن
يَقُول أَنا أُعْطِيك رهنا مَكَانَهُ وَلَا أعجل لَك حَقك وَلَكِن يعجل
الثّمن للْمُرْتَهن إِذا أجَاز البيع
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَانَ الدّين إِلَى أجل فَأذن
الْمُرْتَهن للرَّاهِن فِي بيع الرَّهْن فَبَاعَهُ جَازَ وَلَا يَأْخُذ
الْمُرْتَهن من ثمنه شَيْئا وَلَا مَكَانَهُ رهنا وَلَو أذن لَهُ أَن
يَبِيعهُ على أَن يُعْطِيهِ ثمنه لم يكن لَهُ بَيْعه لِأَنَّهُ لم يَأْذَن
لَهُ إِلَّا على أَن يعجل لَهُ حَقه قبل مَحَله وَالْبيع مَنْسُوخ
(4/303)
قَالَ الْمُزنِيّ أشبه بقول الشَّافِعِي
هَذَا أَن لَا يفسح الشَّرْط للْبيع أَلا ترى أَن من قَوْله إِنِّي لَو
أمرت رجلا بِبيع ثوبي على أَن لَهُ عشر ثمنه فَبَاعَهُ أَن البيع جَائِز
لَا يفسخه فَسَاد الشَّرْط فِي الثّمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه إِذا بَاعه بِإِذن الْمُرْتَهن
وَالدّين حَال أَنه جَائِز وَأَن الثّمن يكون للْمُرْتَهن قَضَاء من دينه
إِلَّا أَن يكون فِيهِ فضل عَن دينه فَيكون ذَلِك الْفضل للرَّاهِن فَدلَّ
على أَن بيع الرَّاهِن الرَّهْن إِنَّمَا هُوَ للْمُرْتَهن لَا لنَفسِهِ
فَوَجَبَ أَن يكون فِي الدّين الْمُؤَجل مثله فَيكون الثّمن رهنا مَكَانَهُ
2018 - فِي تَزْوِيج الْأمة الرَّهْن
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَن الرَّاهِن إِذا
زوج الْأمة الرَّهْن بِغَيْر رضَا الْمُرْتَهن جَازَ وللمرتهن أَن يمْنَع
الزَّوْج من وَطئهَا فَإِن فعل فغشيها فالمهر يكون رهنا مَعهَا وَإِن لم
يغشها لم يكن الْمهْر رهنا مَعهَا وَلم يحك خلافًا بَينه وَبَين أبي حنيفَة
وَحكى ابْن أبي عمرَان أَن لأبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء قولا آخر أَن
للمترهن أَن يفْسخ تَزْوِيج الرَّاهِن الْأمة الرَّهْن
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز للرَّاهِن أَن يُزَوّج الْأمة
لِأَنَّهُ عيب يلْحقهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يجوز التَّزْوِيج لِأَنَّهُ عيب
وَلما قَالَ من يُجِيز أَن الْمهْر لَا يسْتَحقّهُ الْمُرْتَهن بِالْعقدِ
دلّ على أَنه لَا يجوز التَّزْوِيج لِأَن التَّزْوِيج للرَّاهِن لَا
للْمُرْتَهن
وَأما قَول أبي يُوسُف فِي أَنه إِذا دخل بهَا فالمهر رهن وَإِن لم يدْخل
(4/304)
بهَا فَلَيْسَ برهن فمحال لِأَن الْمهْر
مُسْتَحقّ بِالْعقدِ لَا بِالدُّخُولِ وَإِن لم يصر رهنا بِالْعقدِ وَكَانَ
للرَّاهِن لم يتَحَوَّل وُجُوبه إِلَى الْمُرْتَهن
2019 - فِي رهن الْغَرِيم بعض غُرَمَائه دون بعض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين فرهن بعض الْغُرَمَاء فِي
الصِّحَّة فَهُوَ جَائِز وَهُوَ أولى بِالرَّهْنِ من سَائِر الْغُرَمَاء
قَالَ ابْن الْقَاسِم هُوَ جَائِز مَا لم يفلس وَالْمُرْتَهن أَحَق بِهِ من
سَائِر الْغُرَمَاء كَمَا لَو قَضَاهُ جَازَ مَا لم يفلس
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقد كَانَ يروي مرّة عَن مَالك أَنهم يدْخلُونَ
وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز رَهنه وَالْمُرْتَهن أَحَق بِهِ من سَائِر
الْغُرَمَاء
2020 - فِيمَن شَرط الرَّهْن للْمُرْتَهن عِنْد حُلُول الْأَجَل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ إِن جئْتُك بِالْمَالِ إِلَى شهر وَإِلَّا
فَهُوَ بيع فالرهن جَائِز وَالشّرط بَاطِل
وَقَالَ مَالك الرَّهْن فَاسد وَينْقص فَإِن لم ينقص حَتَّى حل الْأَجَل
فَإِنَّهُ لَا يكون للْمُرْتَهن بذلك الشَّرْط وللمرتهن أَن يحْبسهُ
بِحقِّهِ وَهُوَ أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء فَإِن تغير فِي يَده لم
يرد وَلَزِمتهُ الْقيمَة فِي ذَلِك يَوْم حل الْأَجَل وَهَذَا فِي السّلع
وَالْحَيَوَان فَأَما فِي الدّور وَالْأَرضين فَإِنَّهُ يردهَا إِلَى
الرَّاهِن وَإِن تطاول إِلَّا أَن تنهدم الدَّار أَو يَبْنِي فِيهَا أَو
يغْرس فِي الأَرْض فَهَذَا فَوت وَيغرم 4 القيمه مثل البيع الْفَاسِد
(4/305)
وَقَالَ الْمعَافي عَن الثَّوْريّ فِي
الرجل يرْهن صَاحبه الْمَتَاع وَيَقُول إِن لم آتِك فَهُوَ لَك قَالَ لَا
يغلق ذَلِك الرَّهْن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَيْسَ هَذَا بِشَيْء
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَو رَهنه وَشرط لَهُ إِن لم يَأْته
بِالْحَقِّ إِلَى كَذَا فالرهن بيع فالرهن فَاسد وَهُوَ للَّذي رَهنه
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَا يملكهُ الْمُرْتَهن
بِهَذَا الشَّرْط وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي جَوَاز الرَّهْن وفساده
وَالرَّهْن مشبه للهبة من حَيْثُ كَانَ من شَرط صِحَة كل وَاحِد مِنْهُمَا
الْقَبْض فَلَمَّا لم يفْسد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعمريّ
بِالشّرطِ وأجازها وأبطل الشَّرْط كَذَلِك الرَّهْن إِذْ من شَرط صِحَّته
الْقَبْض
2021 - فِي إِقْرَار متعاقدي الرَّهْن بِالْقَبْضِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على إِقْرَار الرَّاهِن
بِالْقَبْضِ وَالْمُرْتَهن يَدعِيهِ جَازَت الشَّهَادَة وَحكم بِصِحَّة
الرَّهْن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك فِي الشَّهَادَة على إِقْرَار الْمُصدق بِالْقَبْضِ أَنه لَا
يجوز حَتَّى يشْهدُوا على مُعَاينَة بِالْقَبْضِ فَقِيَاس قَوْله فِي
الرَّهْن أَن يكون كَذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَمَا جَازَ الْإِقْرَار بِالْبيعِ وَنَحْوه من
الْعُقُود جَازَ بِقَبض الرَّاهِن
(4/306)
2022 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي مِقْدَار
الدّين
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا هلك الرَّهْن وَاخْتلف الرَّاهِن
وَالْمُرْتَهن فِي مِقْدَار الدّين فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن فِي الدّين
مَعَ يَمِينه
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا اخْتلفَا فِي الدّين وَالرَّهْن قَائِم
فَإِن كَانَ الرَّهْن قدر حق الْمُرْتَهن أَخذه الْمُرْتَهن بِحقِّهِ
وَهُوَ أولى بِهِ وَيحلف إِلَّا أَن يَشَاء رب الرَّهْن أَن يُعْطِيهِ حَقه
الَّذِي حلف عَلَيْهِ وَيَأْخُذ رَهنه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك القَوْل قَول الْمُرْتَهن فِيمَا بَينه
وَبَين قيمَة الرَّهْن وَلَا يصدق على أَكثر من ذَلِك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ مثل قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُرْتَهن مدعي والراهن مدعى عَلَيْهِ فَالْقَوْل
قَوْله وَالْبَيِّنَة على الْمُرْتَهن
2023 - فِي النَّفَقَة على الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد نَفَقَة الرَّهْن على
الرَّاهِن وَكَذَلِكَ سقِِي النّخل وَالشَّجر فَإِن أنْفق عَلَيْهِ
الْمُرْتَهن فَهُوَ مُتَطَوّع إِلَّا أَن يكون بِأَمْر القَاضِي
وَقَالَ زفر مثل ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ إِذا أنْفق بِأَمْر القَاضِي
كَانَ الرَّهْن مَحْبُوسًا بِالنَّفَقَةِ فَإِن ضَاعَ الرَّهْن بطلت
النَّفَقَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف النَّفَقَة دين على الرَّاهِن ضَاعَ الرَّهْن أَو لم
يضع وَلَا يحبس الرَّهْن بِالنَّفَقَةِ
(4/307)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك نَفَقَة
الرَّهْن على الرَّاهِن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ
إِن أنْفق الْمُرْتَهن كَانَ دينا على الرَّاهِن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ نَفَقَة الرَّهْن وعلفه وَكسوته على الْمُرْتَهن
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الظّهْر يركب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا
وَلبن الدّرّ يشرب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا فَفِي هَذَا الحَدِيث
جعل النَّفَقَة على الْمُرْتَهن بَدَلا من مَنَافِعه الَّتِي ينْتَفع بهَا
وَقد بَينا أَن ذَلِك مَنْسُوخ فِيمَا تقدم وَالْحسن بن صَالح لَا يخالفهم
فِي أَن الْمُرْتَهن لَا يجوز لَهُ الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ فَلَمَّا
زَالَ الِانْتِفَاع وَجب أَن تَزُول النَّفَقَة عَن الْمُرْتَهن إِذْ كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل النَّفَقَة بَدَلا من
الْمَنَافِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر أما مَا جعل مَالك مَا أنْفق الْمُرْتَهن دينا على
الرَّاهِن فَإِنَّهُ بناه على أَصله فِي أَن من قضى دين غَيره بِغَيْر أمره
أَنه غير مُتَطَوّع وَيرجع بِهِ وَهَذَا تبطله سنة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي إبرائه الْمَيِّت بِقَضَاء هَذَا المتطوع الَّذِي كَانَ
قد أَبى الصَّلَاة عَلَيْهِ ثمَّ لما أدّى قَالَ لَهُ الْآن بردت عَلَيْهِ
جلدته فَلَو كَانَ لَهُ أَن يرجع كَانَ قَائِما مقَام الأول وَكَانَ حَاله
بعد أَدَائِهِ كَهُوَ قبله
وَيدل عَلَيْهِ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمَرْأَة الَّتِي
استأذنته فِي الْحَج عَن أَبِيهَا أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين
فقضيتيه أَكَانَ يقبل قد أَفَادَ هَذَا وُقُوع الْبَرَاءَة بِأَدَائِهِ
لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ بعد الْأَدَاء كَهُوَ قبله أَلا ترى أَنه قد أَفَادَ
سُقُوط الْحَج عَن
(4/308)
أَبِيهَا بِفِعْلِهَا كَذَلِك لما شبهه
بِالدّينِ دلّ على سُقُوط الدّين وَبَرَاءَة الْمُؤَدى عَنهُ
وَأما قَول زفر إِنَّه إِذا أنْفق بِأَمْر القَاضِي يصير دينا وَيكون
الرَّهْن مَحْبُوسًا فَإِنَّهُ خلاف مَا يُوجِبهُ الْقيَاس لِأَن الرَّهْن
عقد لَا يَصح إِلَّا بِالتَّرَاضِي وَلم يكن مِنْهُمَا ترَاض بذلك وكما لَا
يكون العَبْد رهنا بِالدّينِ الَّذِي يثبت فِي ذمَّته بِإِذن الْمولى
2024 - فِي ضَمَان الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَالْحسن بن
حَيّ الرَّهْن مَضْمُون بِأَقَلّ من قِيمَته وَمن الدّين
وَقَالَ الثَّقَفِيّ عَن عُثْمَان البتي مَا كَانَ من رهن ذَهَبا أَو فضَّة
أَو ثيابًا فَهُوَ مَضْمُون يترادان الْفضل وَإِن كَانَ عقده أَو حَيَوَانا
فَهَلَك فَهُوَ من مَال الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن على حَقه إِلَّا أَن يكون
الرَّاهِن اشْترط الضَّمَان فَهُوَ على شَرطه
وَقَالَ مَالك إِن علم هَلَاكه فَهُوَ من مَال الرَّاهِن وَلَا ينقص من حق
الْمُرْتَهن شَيْئا وَإِن لم يعلم هَلَاكه فَهُوَ من مَال الْمُرْتَهن
وَهُوَ ضَامِن لقيمته يُقَال لَهُ صفة فَإِذا وَصفه حلف على صفته
وَتَسْمِيَة مَاله ثمَّ يقومه أهل الْبَصَر بذلك فَإِن كَانَ فِيهِ فضل
عَمَّا سمى فِيهِ أَخذه الرَّاهِن وَإِن كَانَ أقل مِمَّا سمى الرَّاهِن
حلف على مَا سمى وَبَطل عَنهُ الْفضل فَإِن أَبى الرَّاهِن أَن يحلف أعْطى
الْمُرْتَهن مَا فضل بعد قيمَة الرَّهْن هَذِه رِوَايَة ابْن وهب عَن مَالك
(4/309)
وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثل ذَلِك
وَقَالَ فِيهِ إِن اشْترط أَن الْمُرْتَهن مُصدق فِي ضيَاعه وَأَن لَا
ضَمَان عَلَيْهِ فشرطه بَاطِل وَهُوَ ضَامِن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا مَاتَ العَبْد فدينه بَاقٍ فَإِن الرَّهْن لَا
يغلق
قَالَ وَمعنى قَوْله لَا يغلق الرَّهْن أَنه لَا يكون بِمَا فِيهِ إِذا علم
وَلَكِن يترادان الْفضل إِذا لم يعلم هَلَاكه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي قَوْله لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه فَأَما غنمه
فَإِن كَانَ فِيهِ فضل رد إِلَيْهِ وَأما غرمه فَإِن كَانَ فِيهِ نُقْصَان
وفاه إِيَّاه
وَقَالَ اللَّيْث الرَّهْن بِمَا فِيهِ إِذا هلك وَلم تقم بَيِّنَة على مَا
فِيهِ إِذا اخْتلفَا فِي ثمنه فَإِن قَامَت بَيِّنَة على مَا فِيهِ ترادا
الْفضل
قَالَ اللَّيْث وَبَلغنِي ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ادّعى الْمُرْتَهن إباق العَبْد أَو انفلات
الدَّابَّة فَإِن أعلمهُ صَاحبه عِنْدَمَا أبق أَو انفلتت الدَّابَّة فَلَا
ضَمَان عَلَيْهِ وَيحلف بِاللَّه تَعَالَى أَنه لصَادِق فِيمَا قَالَ فَإِن
حلف فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الرَّاهِن غَائِبا فَإِنَّهُ يعلم
ذَلِك السُّلْطَان أَو يشْهد عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك بَرَاءَة لَهُ وَإِن
ادعِي موتا من العَبْد أَو الدَّابَّة لم تقم الْبَيِّنَة فَهُوَ ضَامِن
لِأَن الْمَوْت يكون ظَاهرا مَعْلُوما
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ أَمَانَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ بِحَال إِذا
هلك سَوَاء كَانَ هَلَاكه ظَاهرا أَو خفِيا وَاحْتج بِحَدِيث ابْن أبي
ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يغلق الرَّهْن من صَاحبه الَّذِي رَهنه لَهُ غنمه
وَعَلِيهِ غرمه
(4/310)
قَالَ الشَّافِعِي وَوَصله ابْن الْمسيب
عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله أَو مثل
مَعْنَاهُ من حَدِيث ابْن أبي أنيسَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن أعجب الْعجب ذكره لِابْنِ أبي أنيسَة وَهُوَ يحيى
لَا زيد لِأَن يحيى لَيْسَ مِمَّن يلْتَفت إِلَى حَدِيثه وَلَا يحْتَج
بِمثلِهِ
وَمن مذْهبه أَنه لَا يقبل زِيَادَة غير حَافظ على حَافظ فقد قيل زِيَادَة
يحيى بن أبي أنيسَة على جمَاعَة حفاظ مِنْهُم مَالك بن أنس وَغَيره من
أَصْحَاب الزُّهْرِيّ الَّذين تقوم بهم الْحجَّة عِنْده ثمَّ أضَاف جَمِيع
مَا ذكره فِي هَذَا الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِنَّمَا هُوَ لَا يغلق الرَّهْن دون مَا سواهُ مِمَّا فِيهِ وبقيته من
كَلَام سعيد بن الْمسيب بِغَيْر حِكَايَة مِنْهُ إِيَّاه عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَمَا حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا ابْن وهب أَنه سمع مَالِكًا وَيُونُس
وَابْن أبي مليكَة وَابْن أبي ذِئْب يحدثُونَ عَن ابْن شهَاب عَن ابْن
الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يغلق الرَّهْن
وَقَالَ يُونُس بن يزِيد
قَالَ ابْن شهَاب وَكَانَ ابْن الْمسيب يَقُول الرَّهْن مِمَّن رَهنه لَهُ
غنمه وَعَلِيهِ غرمه وَقد روى عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه
عَن سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَأبي بكر بن عبد
الرَّحْمَن وخارجة بن
(4/311)
زيد وَعبيد الله بن عبد الله وَغَيرهم
أَنهم قَالُوا الرَّهْن بِمَا فِيهِ إِذا هلك وعميت قِيمَته وَيرْفَع ذَلِك
مِنْهُم الثِّقَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا
الْمَذْهَب عَن ابْن الْمسيب خلاف مَا تَأَوَّلَه الشَّافِعِي فِي هَذَا
الحَدِيث وَدلّ على أَن قَوْله لَا يغلق الرَّهْن هُوَ خلاف ضيَاعه
وَقد روى أَيْضا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ قَالُوا قَالَ
سعيد بن الْمسيب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يغلق
الرَّهْن فبذلك يمْنَع صَاحب الرَّهْن أَن يبتاعه من الَّذِي رَهنه عِنْده
حَتَّى يُبَاع من غَيره وَقَوله فبذلك يمْنَع صَاحب الرَّهْن أَن يبتاعه من
الَّذِي رَهنه إِنَّمَا هُوَ من كَلَام سعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ وتأوله
على أَنه لَيْسَ هُوَ فِي حَال ضيَاعه وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَال سَلَامَته
وَمن مَذْهَب الشَّافِعِي أَن من روى حَدِيثا فَهُوَ أعلم بتأويله فَجعل
قَول عَمْرو بن دِينَار دِينَار فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين أَنه فِي
الْأَمْوَال حجَّة فِي أَن لَا يقْضِي بِهِ فِي غير الْأَمْوَال فَلَزِمَهُ
مثله فِيمَا وصفناه
وَقد روى عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَطَاوُس أَنهم كَانُوا يرهنون
وَيَقُولُونَ إِن جئْتُك بِالْمَالِ إِلَى وَقت كَذَا وَإِلَّا فَهُوَ لَك
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يغلق الرَّهْن وتأوله على
ذَلِك أَيْضا مَالك وسُفْيَان
وَقَالَ أَبُو عبيد لَا يجوز فِي كَلَام الْعَرَب أَن يُقَال الرَّهْن إِذا
ضَاعَ قد غلق إِنَّمَا يُقَال غلق إِذا اسْتَحَقَّه الْمُرْتَهن فَذهب بِهِ
وَكَانَ هَذَا من فعل
(4/312)
الْجَاهِلِيَّة فأبطله النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بقوله لَا يغلق الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه جعله مَضْمُونا
بِأَقَلّ من قِيمَته وَمن الدّين
وروى عبد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَن عليا
رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا رهن رهنا فَقَالَ الْمُعْطِي لَا أقبله إِلَّا
بِأَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيك فَضَاعَ رد عَلَيْهِ الْفضل وَإِن رَهنه وَهُوَ
أَكثر مِمَّا أعطَاهُ بِطيب نفس من الرَّاهِن فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ
وروى قَتَادَة عَن خلاس عَن عَليّ قَالَ إِذا كَانَ فِي الرَّهْن فضل
فأصابته جَائِحَة فَهُوَ بِمَا فِيهِ وَإِن لم تصبه جَائِحَة واتهم
فَإِنَّهُ يرد الْفضل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَن الغلق الَّذِي نَفَاهُ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ على الضّيَاع
وَأَيْضًا قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا فليؤد الَّذِي
اؤتمن أَمَانَته} بعد قَوْله {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا
فرهان مَقْبُوضَة} فَدلَّ على أَن الرَّهْن لَيْسَ بأمانة لِأَنَّهُ لَو
كَانَ أَمَانَة لما كَانَ لَهُ منع الرَّهْن مِنْهُ بقوله {فليؤد الَّذِي
اؤتمن أَمَانَته} وَإِذا ثَبت أَنه مَضْمُون لم يجز أَن يضمن بِالدّينِ
إِذا كَانَ الرَّهْن أقل مِنْهُ كالغصب لما كَانَ مَضْمُونا مَعَ
التَّعَدِّي لم يضمن بِأَكْثَرَ من الْقيمَة فالرهن بذلك أولى
(4/313)
2025 - فِي جِنَايَة العَبْد الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا قتل العَبْد الرَّهْن رجلا خطأ
وَقِيمَة العَبْد أَلفَانِ وَالَّذِي خُوطِبَ الْمولى وَالْمُرْتَهن
جَمِيعًا فِيهِ بِالدفع أَو الْفِدَاء رد ألف فَإِن دفعا بَطل الدّين وَإِن
فديا فالفداء عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ رهن على حَاله وَإِن كَانَت
قيمَة الرَّهْن مثل الدّين فالفداء على الْمُرْتَهن خَاصَّة فَإِن قَالَ
لَا أفدي فدَاه الرَّاهِن وَبَطل الدّين
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْفِدَاء على الرَّاهِن فَإِن أبي أَن
يفْدِيه فدَاه الْمُرْتَهن وَرجع على الرَّاهِن بِمَا فدَاه بِهِ وَلم
يَأْخُذ الرَّهْن حَتَّى يدْفع إِلَيْهِ الْفِدَاء وَالدّين جَمِيعًا فَإِن
أَبى سَيّده أَن يَأْخُذهُ بيع فبدىء بِمَا افتداه بِهِ الْمُرْتَهن من
الْجِنَايَة وَلَا يُبَاع حَتَّى يحل أجل الدّين فَإِن اجْتمعَا على دفع
العَبْد بِالْجِنَايَةِ كَانَ دين الْمُرْتَهن بَاقِيا بِحَالهِ
قَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي يُقَال للْمولى إِن فديته بِالْجِنَايَةِ
فَأَنت مُتَطَوّع وَهُوَ رهن فَإِن لم يفعل بيع فِي جِنَايَته وَإِن تطوع
بهَا الْمُرْتَهن لم يرجع بهَا على الْمولى وَإِن فدَاه بأَمْره على أَن
يكون رهنا مَعَ الْحق الأول فَجَائِز
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد بَينا أَن الرَّهْن مَضْمُون فَيلْزم الْمُرْتَهن
بِمِقْدَار الْمَضْمُون مِنْهُ وَيلْزم الرَّاهِن بِحِصَّة الْأَمَانَة
(4/314)
2026 - فِي رهن الْعَارِية
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتعَار عبدا ليرهنه فِي دينه فرهنه ضمن
بِمِقْدَار مَا سقط من دينه عِنْد الْهَلَاك وَهُوَ بِمَنْزِلَة من قضى دين
غَيره بأَمْره فَيرجع بِهِ عَلَيْهِ
قَالَ وَإِن شَرط أَن يرهنه بِشَيْء فرهنه بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ أَو
بِغَيْر جنس مَا سمى ضمن قِيمَته كلهَا لِأَنَّهُ مُخَالف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا هلك الرَّهْن ضمن فِي الْموضع
الَّذِي يسْقط بِهِ الدّين وَلَا يضمن للْمُعِير شَيْئا إِذا لم يسْقط
شَيْئا من دينه بِأَن يكون هَلَاكه ظَاهرا وَإِن رَهنه بِغَيْر مَا سمى ضمن
وَقَول الثَّوْريّ مثل قَوْلنَا أَيْضا
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكر عَنهُ الرّبيع قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَن الْمُسْتَعِير يضمن للْمُعِير كَمَا يضمن الْعَارِية
وَالْآخر أَنه لَا يضمن لِأَن خدمته لسَيِّده وَالرَّهْن فِي عُنُقه كضمان
سَيّده عَن الرَّاهِن
2027 - فِي عَارِية الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أعَار الْمُرْتَهن الرَّاهِن العَبْد فَقَبضهُ
الرَّاهِن واستخدمه فَلهُ أَن يردهُ إِلَى يَده
(4/315)
وَقَالَ مَالك فِيمَا حَكَاهُ ابْن
الْقَاسِم إِذا أَعَارَهُ الرَّاهِن خرج من الرَّهْن وَلم يكن لَهُ أَن
يردهُ إِلَى يَده بعد ذَلِك وَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء فِيهِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَو أكرى الرَّهْن من صَاحبه أَو
أَعَارَهُ لم يَنْفَسِخ الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم خلافًا أَنه لَو أودعهُ الرَّاهِن كَانَ لَهُ
أَن يردهُ إِلَى يَده كَذَلِك الْعَارِية لِأَن ذَلِك لَا يثبت لَهُ حَقًا
فِيهِ وَأما الْإِجَارَة فَفِيهَا إِثْبَات حق للْمُسْتَأْجر لَا يُمكن
المؤاجر وإبطاله فَيبْطل الرَّهْن بِالْإِجَارَة بأذن الرَّاهِن
2028 - فِيمَن عَلَيْهِ دينان فَقضى أَحدهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن عَلَيْهِ دينان من جنس وَاحِد وبأحدهما رهن
وَلَيْسَ بِالْآخرِ رهن أَو بِكُل وَاحِد رهن أَو كَفَالَة فَقضى بعض
المَال وَهُوَ من هَذَا فَالْقَوْل قَوْله فِيمَا قضى وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يكون مِنْهُمَا جَمِيعًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لنا أَن نقضي أَيهمَا شِئْنَا رَجَعَ إِلَى
قَوْله دون قَول الْمقْضِي وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك حَال الْقَضَاء وَبعده
2029 - فِي الْعدْل هَل يَبِيع دون السُّلْطَان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رهن الرجل رهنا وَوَضعه على يَدي عدل فَهُوَ جَائِز
وَإِن سلطه على بَيْعه فبيعه جَائِز وَعَلِيهِ الْعهْدَة وَإِن أبي أَن
يَبِيع وَقد شَرط ذَلِك فِي أصل الرَّهْن أجْبرهُ القَاضِي على البيع
(4/316)
وَقَالَ مَالك إِذا شَرط عَلَيْهِ البيع لم
يَبِعْهُ دون السُّلْطَان سَوَاء كَانَ على يَد الْعدْل أَو الْمُرْتَهن
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَبَلغنِي عَن مَالك أَنه قَالَ وَإِن بيع نفذ البيع
وَلم يرد
قَالَ مَالك وَإِن لم يشْتَرط أَنه يَبِيعهُ إِذا حل الْأَجَل فَإِنَّهُ
إِذا حل الْأَجَل رَفعه إِلَى السُّلْطَان فَإِن وفاه حَقه وَإِلَّا بَاعَ
لَهُ الرَّهْن فأوفاه حَقه
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شَرط بيع الْعدْل عَلَيْهِ جَازَ بَيْعه دون
السُّلْطَان وَإِن كَانَ الرَّهْن على يَدي الْمُرْتَهن لَا أرى لَهُ
بَيْعه دون السُّلْطَان حَتَّى يكون السُّلْطَان الَّذِي يَبِيعهُ فِي حَقه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يُعجبنِي أَن يكون الَّذِي يَبِيع الرَّهْن غير
الْمُرْتَهن فَإِن عجل الْمُرْتَهن فَبَاعَ جَازَ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو شَرط للْمُرْتَهن إِذا حل الْحق
أَن يَبِيع لم يجز أَن يَبِيعهُ لنَفسِهِ إِلَّا بِأَن يحضرهُ رب الْحق
فَإِن امْتنع أَمر الْحَاكِم بِبيعِهِ وَلَو كَانَ الشَّرْط للعدل جَازَ
بَيْعه مَا لم يفسخا أَو أَحدهمَا وكَالَته
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا معنى لاعْتِبَار السُّلْطَان كَسَائِر الوكالات
بِالْبيعِ وكالوصايا
2030 - فِي ضيَاع الثّمن من يَد الْعدْل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا بَاعَ الْعدْل الرَّهْن وَقبض الثّمن
وَقَالَ قد ضَاعَ فقد بَطل الدّين
(4/317)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا دفع
الْمُرْتَهن الرَّهْن إِلَى السُّلْطَان أَقَامَ السُّلْطَان رجلا يَبِيع
ذَلِك الرَّهْن فَبَاعَهُ وَضاع الثّمن فِي يَده فَلَا ضَمَان على
الْمَأْمُور
وَقد قَالَ مَالك فِي الْمُفلس إِذا بَاعَ السُّلْطَان مَاله للْغُرَمَاء
فَضَاعَ الثّمن أَن الضّيَاع من الْغُرَمَاء فَكَذَلِك هَذِه الْمَسْأَلَة
إِذا ضَاعَ الثّمن فَهُوَ من الْمُرْتَهن إِن ضَاعَ قبل أَن يقبضهُ
وَقَالَ أَشهب الضّيَاع من مَال الْغَرِيم
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي ضيَاع الثّمن من الرَّاهِن دون
الْمُرْتَهن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الثّمن بِمَنْزِلَة الرَّهْن فضياعه على الْمُرْتَهن
كضياع الرَّهْن نَفسه فِي يَد الْعدْل
2031 - فِي قَول الْعدْل دفعت الثّمن إِلَى الْمُرْتَهن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الْعدْل قد دفعت الثّمن إِلَى الْمُرْتَهن
فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن أمره السُّلْطَان بِبيع الرَّهْن
وَأَن يدْفع إِلَى الْمُرْتَهن حَقه فَقَالَ قد دفعت إِلَى الْمُرْتَهن
حَقه فَالْقَوْل قَول الْمُرْتَهن
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ الْعدْل دفعت الثّمن إِلَى
الْمُرْتَهن لم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا مَبْنِيّ على أصلهم فِي كَونه مَضْمُونا أَو
أَمَانَة فَيكون بِمَنْزِلَة ضيَاعه فِي يَده
(4/318)
2032 - فِي اخْتلَافهمْ فِي الثّمن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا تصادقوا على البيع فَقَالَ الْعدْل
بِعْت بِمِائَة وأعطيتك وَهُوَ مائَة وَالدّين مائَة
وَقَالَ الْمُرْتَهن بِعته بِخَمْسِينَ وأعطيتنيها فَالْقَوْل قَول
الْمُرْتَهن مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ لَو توى الثّمن على المُشْتَرِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك القَوْل قَول الْمُرْتَهن أَنه قبض خمسين
وَالْعدْل ضَامِن بِخَمْسِينَ كَرجل دفع إِلَى رجل مائَة دِرْهَم ليدفعها
إِلَى رجل من حق لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ دفعتها إِلَيْهِ وَقَالَ الَّذِي
أَمر بِأَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ لم تدفع إِلَّا خمسين أَنه ضَامِن للخمسين
وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّاهِن يَدعِي قَضَاء الدّين فَالْقَوْل قَول
الْمُرْتَهن فِيمَا اقْتَضَاهُ
أخر الرَّهْن
(4/319)
= كتاب الْقِسْمَة =
2033 - فِي القَاضِي هَل يقسم بِظُهُور الْيَد دون ثُبُوت الْملك عِنْده
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي أَرض أَو عقار فِي يَدي رجلَيْنِ أَرَادَا من
القَاضِي قسمتهَا بَينهمَا لم يقسمها حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا
لَهما وكل شَيْء كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا سوى الْعقار إِذا ادّعَيَا أَنه
لَهما فأرادا قسمته وَذكر ذَلِك فِي الْجَامِع الصَّغِير وَلم يذكر خلافًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا هُوَ قَول أبي حنيفَة خَاصَّة وَإِنَّمَا يَقُول
ذَلِك فِي الْمِيرَاث فَأَما إِذا ادّعَيَا ملك ذَلِك من غير جِهَة
الْمِيرَاث فَإِنَّهُ يقسمهُ بَينهمَا وَإِن لم يُقِيمَا بَيِّنَة على
الْملك قد بَينه فِي كتاب الْقِسْمَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يقسم ذَلِك كُله بَينهمَا الْمِيرَاث
وَغَيره بقولهمَا دون الْبَيِّنَة وَقَول زفر فِي ذَلِك كَقَوْل أبي حنيفَة
(4/321)
وَقَالَ مَالك فِي الشِّرَاء وَالْمِيرَاث
يقسم ذَلِك كُله بَينهم ويعزل نصيب غَائِب إِن كَانَ فيهم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يقسم شَيْء مِمَّا يقسم بقولهمَا إِلَّا
بِبَيِّنَة لِأَن ذَلِك حكم مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَنْبَغِي أَن لَا يخْتَلف حكم الْمِيرَاث وَغير
الْمِيرَاث وَأَن يقسم جَمِيع ذَلِك بَينهم بإقرارهم فَيكون قَضَاء على
الْحَاضِرين دون غَيرهم
2034 - فِي أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَانَ بَيت صَغِير بَين رجلَيْنِ لَو
قسم انْتفع أَحدهمَا بِنَصِيبِهِ وَلم ينْتَفع الآخر وَطلب صَاحب النَّصِيب
الْكثير الْقِسْمَة قسمته وَكَذَلِكَ إِن طلبَهَا الآخر وَإِن كَانَ
وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا ينْتَفع بِنَصِيبِهِ لم أقسمه حَتَّى يجتمعا وَمَا
كَانَ فِي قسمته ضَرَر نَحْو الثَّوْب وَالْحمام والحائط لم أقسمه حَتَّى
يجتمعا فَإِذا اجْتمعَا قسمته وَإِن اقْتَسمَا ثوبا فشقاه نفذه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْحسن بن حَيّ إِذا كَانَ أَحدهمَا لَا ينْتَفع
بِنَصِيبِهِ لم أقسمه وَإِن كَانَ الآخر ينْتَفع بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَا لَا يَنْقَسِم لَا يجْبر وَاحِد
مِنْهُمَا على البيع
(4/322)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي
الْعَرَصَة وَالْقلب المزرع يقسم إِذا طلب أحدهم الْقِسْمَة وَإِن لم
ينْتَفع بِهِ وَاحِد مِنْهُم
وَقَالَ فِيمَا لَا يَنْقَسِم من الدَّوَابّ وَالرَّقِيق فَإِنَّهُ إِذا
طلب أَحدهمَا البيع بيع عَلَيْهِم إِن أَحبُّوا أَو كَرهُوا إِلَّا أَن
يُرِيد الَّذين كَرهُوا البيع أَن يَأْخُذُوا ذَلِك بِمَا يُعْطون بِهِ
فَيكون لَهُم ذَلِك
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَكَذَلِكَ فِيمَا لَا يَنْقَسِم من الْمنَازل والدور
والحمامات وَغير ذَلِك مِمَّا يكون فِي قسمته ضَرَر وَلَا ينْتَفع بِمَا
يقسم مِنْهُ فَإِنَّهُ يُبَاع وَيقسم ثمنه قَالَ وَقَالَ مَالك فِي الْحمام
بَين الشُّرَكَاء أَنه يقسم
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَأرى الْحَائِط يقسم قَالَ وَقَالَ مَالك لَا يقسم
الْحَائِط وَالطَّرِيق إِلَّا إِن يتراضى الْوَرَثَة على قسمته وَأما
الْحمام فَهُوَ عَرصَة كالبيت الصَّغِير
وَقَالَ اللَّيْث مَا كَانَ يَنْقَسِم فَإِنَّهُ يَنْقَسِم ولايباع وَمَا
كَانَ من دَار لَا يقسم وَالْحمام والحانوت فانه يُبَاع فَيقسم الثّمن
إِلَّا إِن يَشْتَرِيهِ بعض الشُّرَكَاء بأغلى مَا يُوجد من الثّمن فَيكون
أولى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ وَاحِد مِنْهُم وَاحِد مِنْهُم ينْتَفع
بِنَصِيبِهِ قسمته وَإِن لم ينْتَفع الْبَاقُونَ بِمَا يصير لَهُم إِلَّا
أَن يَكُونُوا إِن اجْتمع الْبَاقُونَ انتفعوا الْجَمِيع فيجتمع
(4/323)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن
الثَّوْب لَا يقسم حَتَّى يجتمعوا جَمِيعًا على قسمته وَإِن كَانَ
لأَحَدهمَا نصيب ينْتَفع بقسمته إِذا كَانَ فِيهِ ضَرَر على الآخر كَذَلِك
الْقيَاس فِي كل شَيْء فِي قسمته ضَرَر على أحدهم يَنْبَغِي أَن لَا يقسم
إِلَّا بِالتَّرَاضِي وَأما قَول مَالك فِي البيع عَلَيْهِم ففاسد لقَوْل
الله تَعَالَى {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم}
2035 - فِي قسْمَة الدّور بَعْضهَا فِي بعض
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر يقسم كل دَار وضيعة على حِدة وَلَا يقسم بَعْضهَا
فِي بعض وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن كَانَ الْأَفْضَل قسْمَة كل شَيْء على
حِدة فعل وَإِن رأى أَن يجمع نصيب كل وَاحِد فعل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الدّور والقرى المتباعدة أَنه يقسم
كل شَيْء على حِدة وَإِن كَانَت قرى مُتَقَارِبَة جمعت الدّور أَو الْقرى
فَيقسم بَعْضهَا فِي بعض
مَالك يجمع الْعَالِيَة والسافلة والبعل مَعَ الْعُيُون إِذا تسامت وَلَا
يجمع البعل مَعَ النَّضْح إِذا كَانَت الْقرى مُتَقَارِبَة وَفِي رَغْبَة
النَّاس سَوَاء جمعت وَإِن كَانَ بَينهمَا الْيَوْم واليومان لم أجمع وَإِن
كَانَت الرَّغْبَة وَاحِدَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الثِّيَاب لَا تقسم مَعَ الدّور
كَذَلِك الدّور لَا تقسم بَعْضهَا فِي بعض وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن دَارا
بَين رجلَيْنِ لَو طلب أَحدهمَا قسْمَة نَاحيَة مِنْهَا دون الْبَقِيَّة من
الدَّار أَنَّهَا لَا تقسم فَدلَّ أَن كل واحده من
(4/324)
الدّور مُعْتَبرَة بِنَفسِهَا دون غَيرهَا
أَلا ترى أَن كل وَاحِدَة مِنْهَا قد يتَعَلَّق بهَا حق الشُّفْعَة دون
الْأُخْرَى
2036 - فِي قسْمَة الْأَنْصِبَاء الْمُخْتَلفَة
قَالَ مُحَمَّد إِذا ورث ابْنَانِ وابنتان دَارا وَأَرَادُوا الْقِسْمَة
فَإِن جعلهَا الْقَاسِم سِتَّة أَجزَاء اثْنَيْنِ لكل جُزْء فَإِذا خرج سهم
أحدهم أَخذه من مقدم الدَّار ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى جَانِبه ثمَّ
الَّذِي يَلِيهِ إِلَى جَانب الآخر حَتَّى تخرج السِّهَام وَإِن لم
يَجْعَلهَا سِتَّة أجراء وَلكنه يذرعها ويقومها فَإِذا خرج سهم رجل ذرع
لَهُ من مقدم الدَّار حَتَّى يَسْتَوْفِي نصِيبه ثمَّ إِذا خرج سهم آخر ذرع
لَهُ مِمَّا يَلِيهِ بِقدر مَا نصِيبه من الذرع وَالْقيمَة حَتَّى
يَسْتَوْفِي ثمَّ كَذَلِك من بعده جَازَ ذَلِك أَيْضا قَالَ وأفضلهما
عِنْدِي أَن يفردوا كل سهم
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف قَالَ تصور الدَّار فِي صُورَة وَيعرف مَا
حولهَا وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الطَّرِيق أَو إِلَى دَار أَو شرب أَو
مسيل وَيقوم السهْم الأول فِي مَوضِع كَذَا ثمَّ ينظر إِلَى أَكثر
السِّهَام إِن وَقع هُنَالك كَيفَ يكون مَوْضِعه وَمَا على صَاحبه وكس
حَتَّى يفضل ذَلِك من الدَّار وَينظر إِلَى أقل السِّهَام إِن وَقعت فِيهِ
هَل لصَاحبه فِيهِ مسكن أَو هَل ينْتَفع بِهِ فَإِن استقام
(4/325)
أَقرع وَإِن رأى خللا لَا يَسْتَقِيم مَعَ
الْقِسْمَة أدارها على وَجه آخر حَتَّى يَسْتَقِيم وَلَا يَجْعَل لبَعْضهِم
على بعض طَرِيق وَلَا سَبِيل إِن قلدنا
وَسمعت أَبَا خازم قَالَ قَالَ هِلَال بن يحيى سَأَلت أَبَا يُوسُف عَن
أَرض بَين رجلَيْنِ تكون عشرَة أجربة مِنْهَا لأَحَدهمَا تِسْعَة أجربة
وَللْآخر جريب وَاحِد فَكَانَت إِن قسم كل جريب مِنْهَا على حياله كَانَت
قيمَة كل جريب مِنْهَا عشر قيمَة الأَرْض فَإِذا ضم شَيْء من الأجربة إِلَى
شَيْء زَادَت قِيمَته بِالضَّمِّ فَيصير لصَاحب التِّسْعَة الأجربة
حِينَئِذٍ أَكثر من تِسْعَة أعشار قيمَة الضَّيْعَة كَيفَ تقسم قَالَ لَا
يقسمها كَذَلِك وَلَكِن يقسم لصَاحب الجريب بِحقِّهِ قِطْعَة من هَذِه
الأَرْض قيمتهَا تسع قيمَة التِّسْعَة الأعشار الْبَاقِيَة مِنْهَا
قَالَ أَبُو خازم وَهَذَا قَول صَحِيح
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن الْقَاسِم تقسم الدَّار على سهم
أقلهم نَصِيبا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي تقسم على أقلهم نَصِيبا ويقرع على
السِّهَام فَيقسم لمن خرج سَهْمه أَولا السهْم الأول ثمَّ الثَّانِي ثمَّ
الثَّالِث
قَالَ أَبُو جَعْفَر أولى ذَلِك مَا ذكره هِلَال عَن أبي يُوسُف ليستوفي كل
وَاحِد نصِيبه بِلَا نقص وَلَا زِيَادَة
(4/326)
2037 - فِي أُجْرَة الْقَاسِم
روى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَزفر أَن أحد الشُّرَكَاء إِذا طلب
الْقِسْمَة وأبى الْآخرُونَ أَن القَاضِي يَأْمُرهُ بِالْقِسْمَةِ وَتَكون
أُجْرَة الْقَاسِم على الَّذِي طلبَهَا دون من لم يطْلبهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِم جَمِيعًا من أرادها وَمن لم يردهَا على عدد
رؤوسهم وَهُوَ قَول الْحسن وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما أجبروا عَلَيْهَا كَانَت الْقِسْمَة وَاقعَة لَهُم
جَمِيعًا لحقوق بعض على بعض فَتكون الْأُجْرَة عَلَيْهِم جَمِيعًا
2038 - فِي قسْمَة السّفل والعلو
قَالَ أَبُو حنيفَة يحْسب فِي الْقِسْمَة السّفل ذِرَاع بذراعين من
الْعُلُوّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحْسب الْعُلُوّ بِالنِّصْفِ من السّفل بِالنِّصْفِ
فَينْظر كم جملَة ذرع كل وَاحِد مِنْهُمَا فيطرح من ذَلِك النّصْف
وَقَالَ مُحَمَّد تقسم الْقيمَة على حسب الْمَوَاضِع
(4/327)
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يقتسموا على أَن
يَأْخُذ أَحدهمَا السّفل وَيَأْخُذ الآخر الْعُلُوّ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يَجْعَل فِي الْقِسْمَة
لأَحَدهمَا سفلا وَللْآخر علوه إِلَّا أَن يكون علوه وسفله لوَاحِد
وَحكى عَنهُ الْمُزنِيّ أَيْضا لَو اشْترى علو بَيت على أَن يَبْنِي على
جدرانه ويسكن على سطحه أجزت ذَلِك إِذا سمى مُنْتَهى الْبُنيان لِأَنَّهُ
لَيْسَ كالأرض فِي احْتِمَاله مَا يَبْنِي عَلَيْهِ
قَالَ الْمُزنِيّ وَهَذَا غير مَا ذكره فِي الْقِسْمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد يكون بَينهمَا سفل بِلَا علو وعلو بِلَا سفل فَتجب
الْقِسْمَة إِذا لم يكن فِيهِ ضَرَر وَكَذَلِكَ السّفل الَّذِي لَهُ علو
تجوز الْقِسْمَة عَلَيْهِ على أَن يكون السّفل لأَحَدهمَا والعلو للْآخر
بِالْقيمَةِ
2039 - فِي الرَّد فِي الْقيمَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك تجوز الْقِسْمَة فِي دَار أَو أَرض
بَينهم على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا طَائِفَة بِعَينهَا وَيرد فضل دَرَاهِم
أَو عرُوض على مَا يجوز عَلَيْهِ الْبياعَات
وروى عَن أبي يُوسُف أَنه كره رد الدَّرَاهِم وَلِأَنَّهُ يجوز أَن يَمُوت
قبل
(4/328)
إِن يُؤَدِّي الدَّرَاهِم فَيصير غريما من
الْغُرَمَاء فَإِن كَانُوا كبارًا أَو رَضوا بذلك جَازَ وَلَا يقبض الَّذِي
رد الدَّرَاهِم نصِيبه حَتَّى يبعد
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِذا كَانَ فِي الْقِسْمَة رد لم يجز
حَتَّى يعلم كل وَاحِد مِنْهُم مَوضِع سَهْمه وَمَا يلْزمه وَيسْقط عَنهُ
فَإِذا علمه كَمَا يعلم الْبيُوع الَّتِي تجوز أجزته لَا بِالْقُرْعَةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر يجوز الرَّد فِي الْقِسْمَة على السَّبِيل الَّتِي
يجوز فِيهَا البيع إِذا جمعت الصَّفْقَة أَشْيَاء مُخْتَلفَة أَلا ترى أَنه
لَو اشْترى شِقْصا من دَار وعبدا بِأَلف دِرْهَم جَازَ وَأخذ الشَّفِيع
الشّقص بِحِصَّتِهِ دون العَبْد وكما يتَزَوَّج الْمَرْأَة على دِرْهَم
وعَلى أَن ترد عَلَيْهِ عبدا فَيكون العَبْد مَبِيعًا كَذَلِك الْقِسْمَة
إِذا وَقع فِيهَا الرَّد
2040 - فِي بيع أحد الشَّرِيكَيْنِ لموْضِع مَعْلُوم
قَالَ مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة إِذا كَانَت الدَّار بَين رجلَيْنِ فَبَاعَ
أَحدهمَا نصف بَيت مِنْهَا مَعْلُوم لم يجز بَيْعه لِأَن فِي هَذَا ضَرَرا
على صَاحبه وَلم يذكر خلافًا بَينهم
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف البيع جَائِز لَا تنقض الْقِسْمَة وَقد يكون
وَقد لَا يكون وَإِذا أَو صى الشَّرِيك بِبَيْت مِنْهَا بِعَيْنِه لرجل
ثمَّ مَاتَ قسمت الدَّار فَإِن وَقع الْبَيْت فِي نصيب الْمُوصى كَانَ
لصَاحب الْوَصِيَّة وَإِن وَقع فِي نصيب الآخر كَانَ لصَاحب الْوَصِيَّة
مثل ذرع الْبَيْت كُله فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
(4/329)
وَقَالَ مُحَمَّد لَهُ نصف الْبَيْت إِن
وَقع فِي نصيب الْمُوصي وَإِن وَقع فِي نصيب الآخر كَانَ لَهُ مثل نصف ذرعه
وَلَو أقرّ أَحدهمَا بِبَيْت مِنْهَا بِعَيْنِه لرجل إِذا قسمت الدَّار
فَإِن وَقع الْبَيْت فِي نصيب الْمقر سلمه إِلَيْهِ وَإِن وَقع فِي نصيب
الآخر ضرب فِي نصيب الْمقر بِمثل ذرع الْبَيْت وَضرب للْمقر بِنصْف مَا
بَقِي من الدَّار بعد الْبَيْت وَلَا يجوز إِقْرَاره على شَرِيكه وَهُوَ
قَول مُحَمَّد أَيْضا وَلم يذكر خلافًا وَكَذَلِكَ روى الْحسن عَن أبي
يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِلَّا أَنه قَالَ فِي الْإِقْرَار إِذا لم يَقع
الْبَيْت فِي حِصَّة الْمقر يضْرب للْمقر لَهُ بِنصْف قيمَة الْبَيْت قَالَ
وَلَو كَانَ عدل نظر بَين رجلَيْنِ فَأقر أَحدهمَا بِثَوْب مِنْهُ لرجل
جَازَ وَلَا يشبه هَذَا الدَّار الْوَاحِدَة لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِيهِ على
الْمُنكر وَكَذَلِكَ الرَّقِيق وَالْحَيَوَان
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف يَنْبَغِي فِي قَوْله أَن تكون
الدَّار وَالْحَيَوَان وَالْعرُوض سَوَاء أَلا ترى أَنه لَو بَاعَ نصف كل
شَاة على حِدة لم يسْتَطع شَرِيكه أَن يجمع لَهُ نصِيبه فِي جَمِيع الْغنم
فَهَذَا فِي الْغنم أَكثر ضَرَرا على الشَّرِيك من الدَّار فَكيف
يَخْتَلِفَانِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي دَار بَين رجلَيْنِ بَاعَ أَحدهمَا
نصفا مِنْهَا بِعَيْنِه أَن شَرِيكه إِن أحب أَن يَأْخُذ مَا بَاعَ
وَيدْفَع إِلَى المُشْتَرِي نصف الثّمن الَّذِي
(4/330)
اشْترى بِهِ المُشْتَرِي فَذَلِك لَهُ
وَهَذَا النّصْف الثّمن الَّذِي يدْفع إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ من حِصَّة
شريكة لِأَن البيع إِنَّمَا يجوز فِي حِصَّة شَرِيكه وَلَا يجوز فِي
حِصَّته إِلَّا أَن يُجِيزهُ فَإِن لم يجزه فِي نصِيبه رَجَعَ المُشْتَرِي
على البَائِع بِنصْف الثّمن
وَقَالَ اللَّيْث فِي بعض الشُّرَكَاء إِذا أعتق رَقِيقا بَينهم أَنه يقسم
الرَّقِيق فَمَا صَار لَهُ عتق عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي جَوَاز بيع نصِيبه من بَيت من الدَّار ضَرَر على
شَرِيكه لِأَنَّهُ يتفرق نصِيبه عِنْد الْقِسْمَة لِأَنَّهُ يحْتَاج أَن
يقاسم المُشْتَرِي الْبَيْت على حِدة ويقاسم الشَّرِيك على بَقِيَّة
الدَّار
وَلَو أَرَادَ أحد الشَّرِيكَيْنِ قبل البيع الْقِسْمَة على هَذَا الْوَجْه
لم يكن لَهُ ذَلِك وَمن أجل ذَلِك لم يجز إِقْرَاره ووصيته فِي نصِيبه من
بَيت من الدَّار وَالْقِيَاس فِي الثِّيَاب أَن يكون مثله لِأَنَّهُ قد
اسْتحق الْقِسْمَة فَلَو جَازَ بيع نصِيبه من ثوب لجَاز أَن يَبِيع نصِيبه
من كل ثوب من إِنْسَان على حِدة فَيبْطل حق الشَّرِيك وأساء وَقد اتَّفقُوا
أَن للشَّفِيع أَن يبطل بيع المُشْتَرِي لأجل حَقه كَذَلِك يبطل بيع
الشَّرِيك لموْضِع بِعَيْنِه لأجل حَقه فِي الْقِسْمَة فَالْقِيَاس أَن لَا
يجوز بَيْعه لنصيبه من ثوب بِعَيْنِه وَأَبُو حنيفَة لَا يرى قسْمَة
الرَّقِيق على الِانْفِرَاد وَإِن كَانَ مَعَهم غَيرهم قسموا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يقسمون وَإِن انفردوا فَأَما عتق الشَّرِيك
للعبيد الَّذين بَينهم فنافذ فِي نصِيبه لِأَن الْعتْق قد يَقع من أحد
الشَّرِيكَيْنِ لما فِيهِ
(4/331)
من الضَّرَر وَقد حكم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِعِتْق الشَّرِيك وألزمه ضَمَان نصيب شَرِيكه إِذا كَانَ
مُوسِرًا فَعلمنَا أَن الْعتْق مُخَالف للْبيع لَا يلْحقهُ الْفَسْخ بعد
وُقُوعه وَالْبيع يفْسخ
2041 - فِي الْمُهَايَأَة
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَت دَار بَين
رجلَيْنِ فَلم يريدا قسمتهَا وأرادا الْمُهَايَأَة على أَن يسكن كل وَاحِد
مِنْهُمَا منزلا ويؤاجر كل حِصَّة منزلَة جَازَ ذَلِك وَيَنْبَغِي
للْقَاضِي أَن يهائى بَينهمَا فَإِن أبي ذَلِك أَحدهمَا وَطَلَبه الآخر
أجبر الَّذِي أبي على الْمُهَايَأَة وَمَتى أَرَادَ الْقِسْمَة قسمت
بَينهمَا وانتقضت الْمُهَايَأَة وَلَو تهايئا على أَن يسْتَعْمل جَمِيعهَا
هَذَا شهرا وَهَذَا شهرا لم تجز الْمُهَايَأَة وَهَذَا قَوْلهم جَمِيعًا
قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجوز الْمُهَايَأَة فِي خدمَة عَبْدَيْنِ على
أَن يخْدم هَذَا شهرا ويستخدم الآخر العَبْد الآخر ذَلِك الشَّهْر وَلَو
تهايئا على استعمالهما
(4/332)
على هَذَا الْوَجْه لم يجز فِي قَول أبي
حنيفَة وَجَاز فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَا تجوز الْمُهَايَأَة فِي
استغلال العبيد بِحَال وَعِنْدَهُمَا تجوز كالدور
قَالَ وَلَو تهايأ فِي دَابَّة على الرّكُوب شهرا أَو فِي دابتين لم يجز
ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة ثمَّ شكّ أَبُو يُوسُف فِي هَذِه الرِّوَايَة
وَهُوَ جَائِز عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَا تجوز الْمُهَايَأَة عِنْدهم جَمِيعًا فِي غلَّة النّخل وَالشَّجر
وَلَا فِي ألبان الْغنم وَالْبَقر وَالْإِبِل وَإِنَّمَا تجوز فِي
السُّكْنَى وزراعة الأَرْض وَمَا لَا قيمَة لَهُ
وَلَو تهايئا فِي جاريتين على أَن ترْضع كل وَاحِدَة ابْن أَحدهمَا شهرا
أَو سنة جَازَ لِأَن ألبان بني آدم لَا قيمَة لَهَا بِمَنْزِلَة
الْمَنَافِع وألبان الْغنم وَسَائِر الْحَيَوَانَات المأكولة لَهَا قيمَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِن الْمُهَايَأَة جَائِزَة
فِي الدّور وَالْأَرضين على أَن يسكن كل وَاحِد طَائِفَة شهرا وَلَيْسَ
لأَحَدهمَا فَسخهَا قبل مُضِيّ الْأَجَل وَكَذَلِكَ زراعة الأَرْض
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد للشَّافِعِيّ قولا فِي الْمُهَايَأَة
وَأَصْحَابه يَقُولُونَ إِن مَعَانِيه تدل على أَن لَا معنى لَهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَن أبي
حَازِم عَن سهل بن سعد وَذكر قصَّة الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت يَا رَسُول
الله إِنِّي وهبت نَفسِي لَك فَلَمَّا خطبهَا الرجل وَقَالَ أعطيها نصف
إزَارِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تصنع
(4/333)
بإزارك إِن لبست لم يكن عَلَيْهَا مِنْهُ
شَيْء وَإِن لبسته لم يكن عَلَيْك مِنْهُ شَيْء فَكَانَ فِي ذَلِك إجَازَة
الْمُهَايَأَة فِيهِ وَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق لبسه فِي حَال دون
صَاحبه
وَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن كل وَاحِد مِنْهَا مُسْتَحقّ ذَلِك بِحَق ملكه
وَذَلِكَ هُوَ الْمُهَايَأَة الَّتِي ذكرنَا ثمَّ نَظرنَا فِي جَوَاز
فَسخهَا لأَحَدهمَا إِذا أَرَادَ الْقِسْمَة فَكَانَ قَول أَصْحَابنَا أصح
لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِإِجَارَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ أجارة لما أجبر
عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قسة الْمَنَافِع
آخر الْقِسْمَة
(4/334)
= كتاب اللّقطَة والإباق =
2042 - فِي لقطَة مَا سوى الْحَيَوَان
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي اللّقطَة يعرفهَا حولا فَإِن جَاءَ
صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق بهَا إِن شَاءَ فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا كَانَ
مُخَيّر ابين الْأجر وَالضَّمان وَلَا يَأْكُل مِنْهَا إِلَّا أَن يكون
فَقِيرا وَحكى هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة فِي اللّقطَة مَا كَانَ
يُسَاوِي عشرَة دَرَاهِم عرفهَا حولا وَإِن كَانَ يُسَاوِي أقل من ذَلِك
عرفهَا على قدر مَا يرى ثمَّ تصدق بهَا وَإِن شَاءَ أكلهَا إِن كَانَ
فَقِيرا
قَالَ مَالك يعرفهَا حولا ثمَّ يأكلها أَو يتَصَدَّق بهَا إِلَّا أَن تكون
تافها يَسِيرا فَيجوز لَهُ أَن يتَصَدَّق بهَا قبل السّنة وَمَتى جَاءَ
صَاحبهَا كَانَ مُخَيّرا بَين الْأجر وَالضَّمان إِذا أكلهَا أَو تصدق بهَا
وَقَالَ الْمعَافي عَن الثَّوْريّ ينشد الضآلة فَإِن وجد صَاحبهَا وَإِلَّا
يصدق بهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا خير
(4/335)
وَقَالَ أَبُو نعيم عَن الثَّوْريّ فِي
الرجل يجد الدِّرْهَم يعرفهُ أَرْبعا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي اللّقطَة يعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا
وَإِلَّا تصدق بهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا خير بَين الْأجر وَالضَّمان فَإِن
كَانَ مَالا عَظِيما جعله فِي بَيت مَال الْمُسلمين
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يعرفهَا حولا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق
بهَا فَإِن كَانَ فَقير أكلهَا فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا خير بَين الْأجر
وَالضَّمان
قَالَ الْحسن وَالْعشرَة يعرفهَا سنة وَمَا دونهَا يعرفهَا ثَلَاثَة
أَيَّام
وَقَالَ اللَّيْث يعرف اللّقطَة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ سنة ويكتم الَّذِي
أَخذهَا صفتهَا لِئَلَّا يجيىء أهل الْكَذِب فيدعونها فَإِن مرت سنة وَلم
يجد لَهَا بَاغِيا كَانَ أولى بهَا قَالَ وَإِن كَانَ مَا الْتقط شَيْئا
كثيرا فَأحب إِلَيّ أَن يستنفقها ويتجر فِيهَا بعد أَن يعرفهَا سنة فَإِن
جَاءَ صَاحبهَا أَدَّاهَا إِلَيْهِ وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا فليتصدق
بِهِ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَهُوَ مُخَيّر بَين الْأجر وَالضَّمان
وَقَالَ الشَّافِعِي وَيَأْكُل اللّقطَة الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَلَا أحب
لأحد ترك لقطَة وجدهَا إِذا كَانَ أَمينا عَلَيْهَا فيعرفها سنة على
أَبْوَاب الْمَسَاجِد والأسواق ومواضع الْعَامَّة وَيشْهد عَلَيْهَا فَإِن
جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ بعد سنة على أَنه مَتى جَاءَ صَاحبهَا
فِي حَيَاته أَو بعد وَفَاته فَهُوَ غَرِيم وقليلها وكثيرها سَوَاء فَإِن
كَانَت
(4/336)
طَعَاما لَا يبْقى فَلهُ أَن يَأْكُلهُ
ويغرمه لرَبه قَالَ الْمُزنِيّ وَمِمَّا وجد بِخَطِّهِ أحب إِلَيّ أَن
يَبِيعهُ وَيُقِيم على تَعْرِيفه
قَالَ الْمُزنِيّ وَهَذَا أولى لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم
يقل للملتقط فشأنك بهَا إِلَّا بعد سنة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الثَّوْريّ عَن سَلمَة بن كهيل عَن سُوَيْد بن
غَفلَة عَن أبي بن كَعْب أَنه وجد صرة فِيهَا مائَة دِينَار قَالَ
فَأَخذهَا وَذكرهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عرفهَا
حولا فَإِن وجدت من يعرفهَا فادفعها إِلَيْهِ وَإِلَّا فاستنفع بهَا
وروى مُحَمَّد بن جحادة عَن سَلمَة بن كهيل بِإِسْنَادِهِ نَحوه وَقَالَ
فِيهِ عرفهَا سنة ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ عرفهَا سنة ثمَّ أَتَاهُ
فَقَالَ لَهُ عرفهَا سنة فَقَالَ عرفهَا ثَلَاث سِنِين ثمَّ قَالَ اعْلَم
عَددهَا ووكاءها ثمَّ استمتع بهَا
وروى شُعْبَة عَن سَلمَة بِإِسْنَادِهِ مثله وَذكر فِيهِ التَّعْرِيف
ثَلَاثَة أَحْوَال قَالَ شُعْبَة ثمَّ إِن سَلمَة شكّ لَا يدْرِي أثلاثة
أَعْوَام أَو عَاما وَاحِدًا
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَيَا
بِالِانْتِفَاعِ بهَا بعد التَّعْرِيف وَاحْتج الشَّافِعِي بذلك وَزعم أَن
أَبَيَا كَانَ من أيسر أهل الْمَدِينَة
وَقد روى أَبُو يُوسُف عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن سَلمَة بن
كهيل
(4/337)
أَن أَبَيَا وجد مائَة دِينَار فَقَالَ
لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرفهَا حولا أَو سنة فَإِن وجدت
صَاحبهَا وَإِلَّا فَاعْلَم مَا وعاؤها وَمَا وكاؤها وَمَا عدتهَا ثمَّ
كلهَا فَإنَّك إِلَيْهَا ذُو حَاجَة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فأعطها إِيَّاه
وَإِلَّا فَهِيَ لَك
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن أَبَيَا كَانَ من أهل الْحَاجة
فَإِن قيل إِن هَذَا حَدِيث مَقْطُوع
قيل لَهُ هُوَ مَرْدُود إِلَى سَلمَة بن كهيل وَقد وَصله شُعْبَة
وَالثَّوْري وَمُحَمّد نن جحادة وَيلْزم على أصل الشَّافِعِي أَن يقبل
هَذِه الزِّيَادَة كَمَا قبل قَول عَمْرو بن دِينَار فِي الشَّاهِد
وَالْيَمِين انه فِي الْأَمْوَال
وَقد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله
بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنِي أبي عَن ثُمَامَة قَالَ قَالَ أنس
كَانَ لأبي طَلْحَة أَرض فَجَعلهَا لله تَعَالَى فَأتي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء قرابتك فَجَعلهَا لحسان
وَأبي قَالَ أنس وَكَانَا أقرب إِلَيْهِ مني
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن أَبَيَا كَانَ من الْفُقَرَاء
قَالَ وَاحْتج الشَّافِعِي أَيْضا بِحَدِيث عَليّ بن أبي طَالب فِي
الدِّينَار الَّذِي التقطه فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِأَكْلِهِ وَلم تكن الصَّدَقَة تحل لَهُ لِأَنَّهُ من بني هَاشم
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدِيث عَليّ مُنْقَطع يرويهِ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر
عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن عَطاء بن يسَار قَالَ وجد عَليّ بن
أبي طَالب دِينَارا فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ وجدت هَذَا فَقَالَ عرفه فَذهب فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ قَالَ
عَرفته فَلم أجد أحدا يعرفهُ قَالَ فشأنك بِهِ قَالَ فَذهب فرهنه فِي
ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي طَعَام وودك فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذا جَاءَ
(4/338)
صَاحبه فَعرفهُ فجَاء عَليّ إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا صَاحب الدِّينَار فَقَالَ اده
بَعْدَمَا أكلُوا مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا هُوَ أصل الحَدِيث لَا نعلمهُ روى من وَجه سوى
هَذَا الْوَجْه وَهُوَ لَا يحْتَج بِهِ لَا نقطاع سَنَده وَضعف شريك بن عبد
الله بن أبي نمر
وَيدل على فَسَاده مَا روى شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن
عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ أَنه قَالَ فِي اللّقطَة يتَصَدَّق بهَا فَإِن
جَاءَ صَاحبهَا كَانَ مُخَيّرا بَين الْأجر وَالضَّمان
وروى الثَّوْريّ وَمَالك وَعَمْرو بن الْحَارِث عَن ربيعَة بن أبي عبد
الرَّحْمَن عَن يزِيد مولى المنبعث عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنه
قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه
فَسَأَلَهُ عَن اللّقطَة فَقَالَ أعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا سنة
فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فشأنك بهَا قَالَ فضَالة الْغنم قَالَ لَك
أَو لأخيك أَو للذئب قَالَ فضَالة الْإِبِل قَالَ مَعهَا حذاؤها وسقاؤها
ترد المَاء وتأكل الشّجر حَتَّى يلقاها رَبهَا وَرَوَاهُ القعْنبِي عَن
سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة بِإِسْنَاد مثله وَقَالَ فِيهِ عرفهَا سنة
فَإِن لم تعرف فاستنفع بهَا ولتكن وَدِيعَة عنْدك فَإِن جَاءَ صَاحبهَا
يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ
وَرَوَاهُ أَيْضا القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة عَن يزِيد
مولى
(4/339)
المنبعث عَن زيد بن خَالِد عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله سَوَاء وَرَوَاهُ أَبُو عَامر الْعَقدي عَن
سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة عَن يزِيد مولى المنبعث عَن زيد بن خَالِد
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله غير أَنه لم يقل فَلْيَكُن
وَدِيعَة عنْدك
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله فشأنك بهَا يحْتَمل أَن يُرِيد بشأنك بهَا
حَتَّى ينفذ أَحْكَام اللّقطَة فِيهَا من الصَّدَقَة بهَا أَو من حفظهَا
أَو من أكلهَا إِن كنت ذَا حَاجَة إِلَيْهَا
وروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن عَمْرو وَعَاصِم ابْني سُفْيَان بن عبد الله بن
ربيعَة أَن سُفْيَان بن عبد الله وجد عَيْبَة فَأتى بهَا عمر فَقَالَ
عرفهَا سنة فَإِن عرفت فَذَاك وَإِلَّا فَهِيَ لَك قَالَ فعرفها سنة فَلم
يعرفهَا أحد فَأخْبر عمر بذلك فَقَالَ هِيَ لَك وَقَالَ إِن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا بذلك
فَأبى سُفْيَان أَن يَأْخُذهَا فَأَخذهَا مِنْهُ عمر فَجَعلهَا فِي بَيت
مَال الْمُسلمين
قَالَ وَيحْتَمل قَول عمر لِسُفْيَان هِيَ لَك على أَن أمرهَا إِلَيْك تفعل
فِيهَا مَا يجب أَن تفعل فِي اللّقطَة وأضافها بذلك إِلَيْهِ لَا على أَنه
كَانَ يملكهَا
(4/340)
ليَكُون مُوَافقا على مَا فِي حَدِيث زيد
بن خَالِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَوْله ولتكن وَدِيعَة
عنْدك فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ
وَيدل على ذَلِك أَيْضا مَا روى سُوَيْد بن غَفلَة عَن عمر قَالَ فِي
اللّقطَة يعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق بهَا ثمَّ يكون
صَاحبهَا مُخَيّرا بَين الْأجر وَالضَّمان
وروى الْأسود بن شَيبَان عَن أبي نَوْفَل العريجي عَن أَبِيه عَن عمر مثله
وروى أَبُو وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فِي اللّقطَة مثل ذَلِك
وروى ابْن أبي ذِئْب عَن الْمُنْذر بن أبي الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس مثله
وَعَن ابْن عمر مثله وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا مثله
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رَأَوْا فِي
اللّقطَة مَا وَصفنَا فَلَا يجوز خلافهم إِذْ لم يرو عَن أحد مِنْهُم أَن
للغني أكلهَا
فَإِن قيل فقد روى عَن ابْن عمر أَنه أَبَاحَ للملتقط أكلهَا حِين سَأَلَهُ
قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهَا
وَأما تَعْرِيف اللّقطَة الْيَسِيرَة أقل من حول فَإِن ذَلِك تَقْلِيد
مِمَّن قَالَه
(4/341)
لحَدِيث روى فِيهِ وَإِن كَانَ أَصْحَاب
الْإِسْنَاد لَا يعتنون بِمثلِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ إِسْرَائِيل بن يُونُس
عَن عمر بن عبد الله بن يعلى عَن جدته حكيمة عَن أَبِيهَا قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْتقط لقطَة يسيرَة درهما أَو
حبلا أَو شبه ذَلِك فليعرفه ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن إِن فَوق ذَلِك فليعرفه
سِتَّة أَيَّام
وَقد روى شريك عَن أبي يَعْفُور الْعَبْدي عَن أبي شيخ الْعَبْدي عَن زيد
بن صوحان قَالَ وجدت قلادة فِي طَرِيق مَكَّة فَأتيت بهَا عمر فَذكرت ذَلِك
لَهُ فَقَالَ عرفهَا أَرْبَعَة أشهر فَإِن وجدت صَاحبهَا وَإِلَّا فضعها
فِي بَيت مَال الْمُسلمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام لَا يحل أَخذ
الضوال وَلَا أكلهَا لملتقطها وَلَا لغيره وَيَقُول هِيَ خلاف اللّقطَة
لِأَن الضوال مَا ضل بِنَفسِهِ واللقطة مَا كَانَ بِخِلَاف ذَلِك ويحتج فِي
الضوال بِمَا روى يزِيد بن عبد الله بن الشخير عَن أبي مُسلم الجذمي عَن
الْجَارُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَالَّة
الْمُسلم حرق النَّار وروى الْحسن عَن مطرف بن الشخير عَن
(4/342)
أَبِيه قَالَ قدمنَا على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أحملكم قُلْنَا نَحن نجد فِي الطَّرِيق
هوامي الْإِبِل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَالَّة
الْمُؤمن حرق النَّار
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا فرق بَينهمَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سُئِلَ فِي حَدِيث زيد بن خَالِد عَن ضآلة الْغنم مستخبرا عَنْهَا
فِي الِالْتِقَاط فَأَجَابَهُ بِمَا أجَاب بِهِ فِيهَا ثمَّ قَالَ فضَالة
الْإِبِل فَأَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ وعنى بِهِ أَنَّهَا مستغنية عَنْك
لَا تحْتَاج إِلَى حفظك لَهَا حَتَّى يَأْتِيهَا صَاحبهَا
وَأما قَوْله ضَالَّة الْمُسلم حرق النَّار فلأنهم أرادوها للرُّكُوب
وَالِانْتِفَاع لَا للْحِفْظ على صَاحبهَا فَنهى عَن ذَلِك فِيهَا
قَالَ وَأما قَول أبي عبيد من أَن الضال مَا ضل بِنَفسِهِ فغلط لِأَنَّهُ
قد روى فِي حَدِيث الْإِفْك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله
فِي الْمُسلمين إِن أمكُم ضلت قلادتها فَأطلق ذَلِك على القلادة
2043 - فِي اللّقطَة هَل يسْتَحق بالعلامة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ مدعي اللّقطَة لَا يسْتَحق
بالعلامة حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة وَلَا يجْبر الْمُلْتَقط على دَفعهَا
إِلَيْهِ بالعلامة ويسعه أَن يَدْفَعهَا وَإِن لم يجْبر عَلَيْهِ فِي
الْقَضَاء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك يَسْتَحِقهَا بالعلامة
وَيجْبر على
(4/343)
دَفعهَا إِلَيْهِ فَإِن جَاءَ مُسْتَحقّ
فاستحقه بِبَيِّنَتِهِ لم يضمن للملتقط شَيْئا
قَالَ مَالك وَكَذَلِكَ اللُّصُوص إِذا وجد أَمْتعَة فجَاء قوم فادعوها
وَلَيْسَت لَهُم بَيِّنَة إِن للسُّلْطَان أَن يتلوم فِي ذَلِك فَإِن جَاءَ
غَيرهم وَإِلَّا دَفعهَا إِلَيْهِم وَكَذَلِكَ الْآبِق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يَدْفَعهَا إِلَيْهِ بعلامة
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِمَعْرِِفَة العفاص والوكاء يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ لِئَلَّا يخْتَلط
بِمَالِه ولتعلم أَنَّهَا لقطَة وَقد يكون ليستدل بِهِ على صدق الْمُدَّعِي
فيسعه دَفعه إِلَيْهِ وَإِن لم يلْزم فِي الحكم
2044 - فِي ضَمَان اللّقطَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر إِن أشهد حِين أَخذهَا أَنه يَأْخُذهَا ليردها لم
يضمنهَا إِن هَلَكت فِي يَده وَإِن لم يشْهد ضمنهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ لَا
يضمنهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يزِيد بن الشخير عَن مطرف بن الشخير عَن عِيَاض بن
حمَار الْمُجَاشِعِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من الْتقط
لقطَة فليشهد عَلَيْهَا ذَوي عدل وَلَا يكتم وَلَا يغيب فَإِن جَاءَ
صَاحبهَا فَهُوَ أَحَق بهَا وَإِلَّا فَمَال الله يؤتيه من يَشَاء
(4/344)
فَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده فِي
الشَّهَادَة ظُهُور الْأَمَانَة من الْمُلْتَقط وارتفاع الظنة عَنهُ كَمَا
روى عَن الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم
فأشهدوا عَلَيْهِم} أَنه أُرِيد بِهِ ظُهُور أَمَانَة الْوُلَاة على
الْأَيْتَام
وَلما لم يضمنهَا إِذا أشهد وَجب مثله إِذا لم يشْهد أَلا ترى أَن مَا
كَانَ مَضْمُونا من الغصوب وَنَحْوهَا لَا يُبرئهُ الْإِشْهَاد من ضَمَانه
وكما أَنه لَو كتم بعد الْإِشْهَاد من غير جحود لم يضمن كَذَلِك إِذا ترك
الْإِشْهَاد لم يضمنهُ
2045 - فِي اللّقطَة من الْإِبِل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يجوز أَن يَأْخُذ بَعِيرًا ضَالًّا
ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه فَإِن أنْفق عَلَيْهِ بِغَيْر أَمر قَاض فَهُوَ
مُتَطَوّع وَإِن أنْفق عَلَيْهِ بِأَمْر قَاض ثمَّ هلك الْبَعِير
بِالنَّفَقَةِ صَاحبه عِنْد أبي يُوسُف
وَقَالَ زفر لَا يرجع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا وجد لقطَة فَأَخذه
ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه ثمَّ رده إِلَى مَوْضِعه الَّذِي وجده فِيهِ فَلَا
ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن أَخذه وَهُوَ لَا يُرِيد رده ثمَّ بداله فَرده إِلَى
مَوْضِعه ثمَّ سرق من ذَلِك الْموضع فَالْأول ضَامِن وَقَالَ زفر لَا
ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك فِي ضَالَّة الْغنم مَا قرب من الْقرى فَلَا يأكلها ويضمنها
إِلَى أقرب الْقرى إِلَيْهَا يعرفهَا فِيهَا وَمَا كَانَ فِي الفلوات
والمهامه فَإِنَّهُ يأكلها وَلَا يعرفهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَلَيْسَ
لَهُ عَلَيْهِ من ثمنهَا شَيْء لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ
(4/345)
هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب قَالَ
وَالْبَقر بِمَنْزِلَة الْغنم إِذا خيف عَلَيْهَا وَإِذا لم يخف عَلَيْهَا
السبَاع فبمنزلة الْإِبِل
وَقَالَ فِي الْإِبِل إِذا وجدهَا فِي فلاة فَلَا يعرض لَهَا فَإِن أَخذهَا
فعرفها فَلم يجد صَاحبهَا خَلاهَا فِي الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ
وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لَا تُؤْكَل فليعرفها ثمَّ يتَصَدَّق
بهَا
وَقَالَ مَالك لَا تبَاع ضوال الْإِبِل وَلَكِن ترد إِلَى موَاضعهَا
الَّتِي أُصِيبَت فِيهَا وَكَذَلِكَ فعل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وروى عَن عُثْمَان أَنَّهَا تبَاع وَيحبس الإِمَام أثمانها لأربابها
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الشَّاة إِن أكلهَا وَأَخذهَا ضمنهَا
لصَاحِبهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْخُذ الشَّاة ويعرفها فَإِن لم يجد صَاحبهَا أكلهَا
ثمَّ ضمنهَا إِن جَاءَ صَاحبهَا وَقَالَ لَا تعرض لِلْإِبِلِ وَالْبَقر
فَإِن أَخذ الْإِبِل وَالْبَقر ثمَّ أرسلها ضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما أجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْغنم حِين سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب للتخوف
عَلَيْهَا كَانَت الْإِبِل بمنزلتها إِذا خيف عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ سَائِر
الْأَشْيَاء
وَقَوله فِي الْإِبِل مَعهَا سقاؤها وحذاؤها إِخْبَار عَن حَال فِي
الْمَوَاضِع الْمَأْمُون عَلَيْهَا فِيهَا التّلف وأباح تَركهَا وندبه
إِلَى أَخذه الْغنم يحفظها على صَاحبهَا لخوف التّلف عَلَيْهَا
(4/346)
وَأما قَول مَالك إِن لَهُ أَن يَأْكُل
الشَّاة وَلَا يضمنهَا
واحتجاجه فِي ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ لَك أَو لأخيك أَو
للذئب فَلَا معنى لَهُ لِأَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هِيَ
لَك لَيْسَ هُوَ عَليّ معنى التَّمْلِيك
لقَوْله أَو للذئب وَلم يرد بِهِ التَّمْلِيك لِأَن الذِّئْب يأكلها على
ملك صَاحبهَا كَذَلِك الْوَاجِد إِن أكلهَا أكلهَا على ملك صَاحبهَا
فيضمنها وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن
بِلَال عَن ربيعَة وَيحيى بن سعيد فاستنفع بهَا ولتكن وَدِيعَة عنْدك
دلَالَة على وجوب ضَمَانهَا إِذا أتلفهَا وَأَخذهَا
وَأما رد اللّقطَة بعد أَخذهَا إِلَى الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ فقد روى
يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن ثَابت بن الضَّحَّاك وجد
بَعِيرًا فَقَالَ لَهُ عمر عرفه فَعرفهُ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ جَاءَ إِلَى
عمر فَقَالَ قد شغلني عَن ضيعتي فَقَالَ لَهُ عمر انْزعْ خطامه ثمَّ
أرْسلهُ حَيْثُ وجدته
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا فِي الْبَعِير إِذْ هُوَ غير مخوف عَلَيْهِ
التّلف فَجعل لَهُ عمر رده إِلَى مَوْضِعه كَمَا كَانَ مُخَيّرا بدءا بَين
أَخذه وَتَركه وَالْقِيَاس فِيمَا يخَاف عَلَيْهِ أَن لَا يردهُ إِلَى
مَوْضِعه فيضيعه
2046 - فِي الْأَفْضَل من أَخذ اللّقطَة أَو تَركهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الْأَفْضَل فِي الْبَعِير الضال وَغَيره
أَخذه ورده إِلَى صَاحبه وَكَذَلِكَ العَبْد الْآبِق وَإِن تَركه فَهُوَ
فِي سَعَة مِنْهُ
(4/347)
وَقَالَ مَالك فِيمَن وجد آبقا إِن كَانَ
لِجَار أَو لأخ رَأَيْت لَهُ أَن يَأْخُذهُ وَإِن كَانَ لمن لَا يعرف فَلَا
يَأْخُذهُ وَهُوَ فِي سَعَة من ترك مَا لجاره أَو لِأَخِيهِ
وَقَالَ اللَّيْث فِي اللّقطَة إِن كَانَت فِي شَيْء لَهُ بَال فالأحب
إِلَيّ أَن يَأْخُذهُ ويعرفه وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا فَإِن شَاءَ تَركه
وَقَالَ فِي ضآلة الْإِبِل فِي الْقرى من وجدهَا يعرفهَا وَإِن وجدهَا فِي
الصَّحَارِي فَلَا يقربهَا ولآ يَأْخُذهَا وَأما ضَالَّة الْغنم فَلَا أحب
أَن يقربهَا إِلَّا أَن يحوزها لصَاحِبهَا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا أحب لأحد ترك لقطَة وجدهَا إِذا
كَانَ أَمينا عَلَيْهَا فيعرفها وَسَوَاء قَلِيل اللّقطَة وكثيرها
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي ضَالَّة الْغنم هِيَ لَك أَو لأخيك أَو
للذئب يدل على إِبَاحَته لأخذها وَأَن الْأَفْضَل حوطها على صَاحبهَا
فَإِن قيل روى أَبُو حَيَّان عَن الضَّحَّاك بن الْمُنْذر عَن الْمُنْذر
قَالَ كنت بالبوازيج فراحت الْبَقر فَرَأى فِيهَا جرير بقرة أنكرها فَقَالَ
لِلرَّاعِي مَا هَذِه الْبَقَرَة فَقَالَ هَذِه بقرة لحقت الْبَقر لَا
أَدْرِي لمن هِيَ فَأمر بهَا جرير فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ ثمَّ قَالَ
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يأوي الضَّالة إِلَّا
ضال
(4/348)
قيل لَهُ هَذَا مَحْمُول على أَن
يَأْوِيهَا لنَفسِهِ لَا لصَاحِبهَا لما روى يحيى بن أَيُّوب عَن عَمْرو بن
الْحَارِث عَن بكر بن سوَادَة عَن أبي سَالم الجيشاني عَن زيد بن خَالِد
الْجُهَنِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آوى
ضَالَّة فَهُوَ ضال مَا لم يعرفهَا وعَلى هَذَا يحمل معنى حَدِيث جرير بن
عبد الله
2047 - فِي الْإِنْفَاق على اللّقطَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أنْفق على اللّقطَة والآبق بِغَيْر
أَمر القَاضِي فَهُوَ مُتَطَوّع وَإِن أنْفق بِأَمْر القَاضِي فَذَلِك دين
على صَاحبهَا إِذا جَاءَ وَله أَن يحبسها بِالنَّفَقَةِ إِذا حضر صَاحبهَا
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا أنْفق على العَبْد الْآبِق رَجَعَ على صَاحبه
إِلَّا أَن يكون انْتفع بِهِ وخدمه فَتكون النَّفَقَة بمنفعته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن أنْفق الْمُلْتَقط على الدَّوَابّ
وَالْإِبِل وَغَيرهَا فَلهُ أَن يرجع على صَاحبهَا بِالنَّفَقَةِ وَإِن
أنفقها بِغَيْر أَمر السُّلْطَان فَلهُ أَن يحبس ذَلِك بِالنَّفَقَةِ فَإِن
سلمه المَال فَلَا شَيْء لَهُ وَيرجع أَيْضا عَلَيْهِ بكرَاء حمل اللّقطَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يرجع من نَفَقَته بِشَيْء فِي الحكم ويعجبني
فِي الْوَرع والأخلاق أَن ترد عَلَيْهِ نَفَقَته
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ إِذا أنْفق على الضوال
من من أَخذهَا
(4/349)
فَهُوَ مُتَطَوّع فَإِن أَرَادَ أَن يرجع
على صَاحبهَا فليذهب إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يفْرض لَهَا النَّفَقَة ووكل
غَيره بِأَن يقبض تِلْكَ النَّفَقَة مِنْهُ وَينْفق عَلَيْهَا وَلَا يكوهن
للسُّلْطَان أَن يَأْذَن لَهُ أَن ينْفق عَلَيْهَا إِلَّا الْيَوْم
واليومين فَإِذا جَاوز ذَلِك أَمر بِبَيْعِهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو أَن رجلا أطْعم جائعا يخَاف الْمَوْت أَو سقَاهُ
كَانَ مُتَطَوعا فِي ذَلِك كُله كَذَلِك مَا أنْفق على اللّقطَة فِي
الْقيَاس
2048 - فِي النَّفَقَة على اللَّقِيط
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه مَا أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط
فَهُوَ مُتَطَوّع بِهِ إِلَّا أَن تكون بِأَمْر الْحَاكِم وَكَذَلِكَ من
وجد ضآلة من إبل أَو بقر ويأمره القَاضِي بِالنَّفَقَةِ على الدَّوَابّ
يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَإِن لم يَجِيء صَاحبهَا أمره
بِبَيْعِهَا وَكَانَ مَا أنْفق دينا فِي ثمنهَا والغلام وَالدَّابَّة وَمَا
كَانَ لَهُ غلَّة يؤاجرهما وَينْفق عَلَيْهِمَا من غلتهما
وَقَالَ مَالك إِن أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط ثمَّ أَقَامَ رجل
الْبَيِّنَة أَنه ابْنه فَإِن الْمُلْتَقط يرجع على الْأَب إِن كَانَ طَرحه
مُتَعَمدا أَو كَانَ مُوسِرًا وَإِن لم يكن طَرحه أَو ضل مِنْهُ فَلَا
شَيْء على الْأَب والملتقط مُتَطَوّع بِالنَّفَقَةِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِن أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط احتسابا لم يرجع
عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لغير ذَلِك أَعْطيته نَفَقَته إِلَّا أَن يكون استخدم
الْغُلَام فَتكون نَفَقَته بمنفعته
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ إِن أنْفق بِأَمْر الْأَمِير
كَانَت دينا عَلَيْهِ
(4/350)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي أَخَوَيْنِ
أنْفق الْكَبِير على الصفير فَلَا شَيْء لَهُ إِن كَانَ أَخُوهُ معدما
وَإِن كَانَ مُوسِرًا أَخذ من مَاله مَا أنْفق عَلَيْهِ وَيكون ذَلِك دينا
فِي مَاله إِذا كَانَ مَا أنْفق عَلَيْهِ غير وَاجِب عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ
مَا أنفقهُ الْمُلْتَقط يكون دينا عَلَيْهِ إِن كَانَ ذَلِك غير وَاجِب
عَلَيْهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط ثمَّ ادَّعَاهُ رجل
رَجَعَ الْمُلْتَقط بِنَفَقَتِهِ على أَبِيه
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا أمره الْحَاكِم بِالنَّفَقَةِ
عَلَيْهِ كَانَ دينا وَمَا ادّعى قبل مِنْهُ إِذا كَانَ مثله قصدا
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا تقبل دَعْوَاهُ وَلَيْسَ كالأمين يَقُول فَيبرأ
قد قَالَ فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا لَا يُوكله الْحَاكِم
بِالنَّفَقَةِ وَإِنَّمَا يُقيم من يقبض مِنْهُ فينفق
2049 - فِي جعل الْآبِق
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجب الْجعل فِي شَيْء إِلَّا فِي
العَبْد الْآبِق وَالْأمة وَالْقِيَاس أَن لَا جعل فيهمَا وَلكنه ترك
الْقيَاس للأثر فَإِن جَاءَ بِهِ من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام كَانَ لَهُ
أَرْبَعُونَ درهما وَإِن جَاءَ بِهِ من أقل من مسيرَة ثَلَاث رضخ لَهُ
بِشَيْء وَلم يبلغ أَرْبَعِينَ درهما فَإِن جَاءَ بِهِ من مسيرَة ثَلَاثَة
وَهُوَ لَا يُسَاوِي أَرْبَعِينَ درهما نقص من قِيمَته درهما فِي قَول أبي
حنيفَة
(4/351)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ جعل
أَرْبَعِينَ درهما
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن كَانَ الَّذِي جَاءَ بالآبق من
شَأْنه وَعَمله طلب الْإِبَاق وردهم فَإِنِّي أرى أَن يَجْعَل لَهُ شَيْئا
على حسب بعد الْموضع وقربه وَلم يقدر للجعل شَيْئا وَإِن لم يكن ذَلِك
شَأْنه وَعَمله فَلَا جعل لَهُ وَيُعْطِي مَا أنْفق عَلَيْهِ
قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِن كَانَ رجل يطْلب
الدَّوَابّ والضوال ليردها أَو كَانَ ذَلِك شَأْنه كَانَ لَهُ جعل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا جعل لمن جَاءَ بالآبق وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الله بن
مَسْعُود فِي الْآبِق إِذا وجد فِي الْمصر عشرَة دَرَاهِم وَإِذا وجد خَارج
الْمصر فأربعون درهما وَلم يرو عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه وَمثله لَا
يُقَال بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا طَرِيقه التَّوْقِيف وَالْقِيَاس أَن لَا
شَيْء لَهُ
2050 - فِي الْآبِق كم يحْبسهُ الإِمَام
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا وجد عبدا آبقا فَلم يقدر على صَاحبه
يرفعهُ إِلَى القَاضِي فَإِن القَاضِي يقبضهُ مِنْهُ ويتلوم ويحبسه فَإِن
جَاءَ وَإِلَّا بَاعه وَإِذا جَاءَ صَاحبه دفع الثّمن إِلَيْهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يحبس السُّلْطَان الْآبِق سنة فَإِن لم
يَجِيء
(4/352)
صَاحبه بَاعه وَكَانَ لَهُ الثّمن إِذا
جَاءَ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة الْإِبِل أَنَّهَا تسْتَعْمل والآبق إِن خلى
عَنهُ أبق ثَانِيَة
وَقَالَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن لَا تَوْقِيت فِيهِ ويبيعه القَاضِي
ويحفظ ثمنه على مَوْلَاهُ
2051 - فِي بيع الْآبِق إِذا جَاءَ مَوْلَاهُ وَادّعى عتقا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِن الْحَاكِم
إِذا بَاعَ الآبقة ثمَّ جَاءَ صَاحبهَا فَقَالَ قد كنت أعتقتها أَو هِيَ أم
وَلَدي أَنه لَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك لَا يصدق فِي الْعتْق إِلَّا
بِبَيِّنَة وَيصدق فِي دَعْوَى الِاسْتِيلَاء إِذا كَانَ مِمَّن لَا يتهم
عَلَيْهَا وَترد إِلَيْهِ
قَالَ وَقَالَ مَالك فِيمَن بَاعَ أمة وَوَلدهَا ثمَّ ادّعى الْوَلَد رد
إِلَيْهِ الْأمة وَالْولد إِذا كَانَ مِمَّن لَا يتهم على مثلهَا
وَقَالَ فِي الْعتْق لَا يصدق وَإِن لم يكن لَهَا ولد وَادّعى أَنَّهَا أم
وَلَده ردَّتْ إِلَيْهِ إِذا كَانَ لَا يتهم على مثلهَا
آخر اللّقطَة والإباق
(4/353)
= كتاب الطَّعَام وَالشرَاب واللباس =
2052 - فِي الْقدر يَقع فِيهَا الطير فَيَمُوت فِيهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر سَمِعت أَبَا خازم القَاضِي يحدث عَن سُوَيْد بن سعيد
عَن عَليّ بن مسْهر قَالَ كنت عِنْد أبي حنيفَة فَأَتَاهُ ابْن الْمُبَارك
بهيئة خراساني فَسَأَلَهُ عَن رجل جعل قدرا لَهُ فِيهَا لحم على النَّار
فَمر طير فَوَقع فِيهَا فَمَاتَ فَقَالَ أَبُو حنيفَة لأَصْحَابه مَاذَا
ترَوْنَ فِيهَا فَذكرُوا لَهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن اللَّحْم يُؤْكَل بعد
مَا يغسل ويهراق المرق فَقَالَ أَبُو حنيفَة بِهَذَا نقُول وَلكنه عندنَا
على شريطة إِن كَانَ وَقع فِيهَا من حَال سكونها فَكَمَا فِي هَذِه
الرِّوَايَة وَإِن كَانَ وَقع فِيهَا فِي حَال غليانها لم يُؤْكَل اللَّحْم
وَلَا المرق فَقَالَ ابْن الْمُبَارك وَلم ذَلِك فَقَالَ لِأَنَّهُ إِذا
سقط فِيهَا فِي حَال غليانها فَمَاتَ فقد داخلت الْميتَة اللَّحْم وَإِذا
وَقع فِيهَا من حَال سكونها فَمَاتَ فَإِنَّمَا وسخت الْميتَة اللَّحْم
فَقَالَ ابْن الْمُبَارك وَعقد بِيَدِهِ ثَلَاثِينَ هَذَا زرين
بِالْفَارِسِيَّةِ يَعْنِي الْمَذْهَب
قَالَ وَلَا يعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خلاف ذَلِك وَقَالَ ابْن وهب عَن
(4/355)
مَالك فِي الدَّجَاجَة تقع فِي قدر
اللَّحْم وَهِي تطبخ فتموت فِيهَا قَالَ لَا أرى إِن تُؤْكَل تِلْكَ الْقدر
لِأَن الْميتَة قد اخْتلطت بِمَا مَا كَانَ فِي الْقدر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يغسل اللَّحْم ويؤكل وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون المنقع
إِذا مَاتَت فِيهِ فَأْرَة غسل وَأكل
قَالَ اللَّيْث لَا يُؤْكَل ذَلِك اللَّحْم حَتَّى يغسل مرَارًا ويغلى على
النَّار حَتَّى يذهب كل مَا كَانَ فِيهَا وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون إِذا
وَقعت فِيهِ فَأْرَة فَمَاتَتْ
قَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ الْكَلْب قد أكل من شَيْء رطب يُمكن أَن يجرى
بعضه فِي بعض نجسه وَلَا يجوز أَن يَقُول بِغَيْر هَذَا القَوْل حَتَّى
يكون أكلا والحياة فِيهِ وَالدَّم بِالروحِ تَدور
فَأَما إِذا أكل بعد الْمَوْت فَلَا تَدور فِيهِ دم وَإِنَّمَا ينجس
حِينَئِذٍ مَوضِع أكله مِنْهُ وَمَا قاربه رَوَاهُ عَنهُ الرّبيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن الْمُبَارك عَن عُثْمَان بن عبد الله
الْبَاهِلِيّ قَالَ حَدثنِي عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي طير وَقع فِي
قدر فَمَاتَ قَالَ يهراق المرق ويؤكل اللَّحْم وَلم يذكر فِيهِ حَال
الغليان
وَقد روى مُحَمَّد بن ثَوْبَان عَن السَّائِب بن خباب أَنه كَانَ لَهُ قدر
على النَّار فَسَقَطت فِيهَا دجَاجَة ونضجت مَعَ اللَّحْم فاستفتيت عبد
الله بن عَبَّاس فَقَالَ اطرَح الْميتَة إهرق المرق وكل اللَّحْم فَإِن
كرهته فَأرْسل إِلَيّ مِنْهُ بعضو أَو عضوين
فَفِي هَذَا الحَدِيث إِبَاحَة أكلهَا بعد الغليان
(4/356)
وَقد روى ابْن الْمُبَارك عَن عباد بن
رَاشد عَن الْحسن مثل جَوَاب أبي حنيفَة فِي الْمَعْنى
وَالْقِيَاس مَا قَالَ أَبُو حنيفَة لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذكرهَا وَلكنه لَا
يعلم لِابْنِ عَبَّاس مُخَالف من الصَّحَابَة
2053 - فِي إنفحة الْميتَة
قَالَ أَبُو حنيفَة لبن الْميتَة وأنفحتها طاهران لَا يلحقهما حكم الْمَوْت
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّوْري يكره اللَّبن لِأَنَّهُ فِي
وعَاء نجس وَكَذَلِكَ الإنفحة إِذا كَانَت مائعة فَإِن كَانَت جامدة فَلَا
بَأْس وَقَالُوا جَمِيعًا فِي الْبَيْضَة إِذا كَانَت من دجَاجَة ميتَة
فَلَا بَأْس بهَا
وَقَالَ مَالك لَا يحل اللَّبن فِي ضروع الْميتَة
وَقَالَ الثَّوْريّ اللَّبن لَا يَمُوت وَيكرهُ لأجل أَن وعائه ميتَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا تُؤْكَل الْبَيْضَة الَّتِي تخرج من دجَاجَة ميتَة
وَقَالَ عبد الله بن الْحسن اللَّبن الَّذِي يكون فِي ضرع الشَّاة الْميتَة
حرَام
(4/357)
وَأما بَيْضَة الدَّجَاجَة الْميتَة
فَإِنِّي أكره أَن أرخص فِيهَا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو رضع صبي من امْرَأَة بعد مَوتهَا
لم يحرم لِأَنَّهُ لَا يحل لبن الْميتَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على أَنه قد حلّه حكم الْمَوْت عِنْده
وَخرج بِهِ من جنس الألبان وَأَنه لم يحرمه لنجاسته لِأَن لَبَنًا لَو
وَقعت فِيهِ نَجَاسَة ثمَّ أرضع بِهِ صبي كَانَ رضَاعًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ اللَّبن مِمَّا يحيا بحياة الشَّاة وَلَا
يَمُوت بموتها إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يكون نجسا لمجاورته بضرع نجس وَقد
روى أَبُو الصبهاء الْبكْرِيّ قَالَ قَامَ ابْن الْكواء إِلَى عَليّ بن أبي
طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ إِنِّي وطِئت على
دجَاجَة ميتَة فَخرجت مِنْهَا ببيضة آكلها فَقَالَ عَليّ لَا قَالَ فَإِن
استحضنتها تَحت دجَاجَة فَخرج مِنْهَا فرخ أكله قَالَ نعم قَالَ فَكيف
قَالَ لِأَنَّهُ حَيّ خرج من ميت
وروى عَن عَطاء بن السَّائِب عَن كثير بن جمْهَان عَن ابْن عمر فِي دجَاجَة
ميتَة خرجت مِنْهَا بَيْضَة أَنه لَا يأكلها وَلَا يعلم عَن غَيرهمَا من
الصَّحَابَة خلاف ذَلِك وَالْقِيَاس أَن يُؤْكَل
2054 - فِي مِقْدَار مَا يَأْكُل الْمُضْطَر من الْميتَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ
عَنهُ لَا يَأْكُل المضطرب من الْميتَة إِلَّا مِقْدَار مَا يمسك النَّفس
(4/358)
وروى ابْن وهب عَن مَالك يَأْكُل مِنْهَا
حَتَّى يشْبع ويزود مِنْهَا فَإِن وجد عَنْهَا طرحها
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن المضطرب يَأْكُل من الْميتَة مَا يسد بِهِ
جوعه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ لأحد أَن يَأْكُل من الْميتَة فِي حَال
الشِّبَع وَلَا مَا يُقَارِبه حَتَّى يخَاف فَإِذا أكل مِنْهَا مَا يزِيل
الْخَوْف فقد زَالَت الضَّرُورَة وَلَا يحل الْأكل
2055 - فِي تَخْلِيل الْخمر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي كتاب الْأَشْرِبَة لَا بَأْس بتخليل
الْخمر وَلَا بَأْس بِأَن يطْرَح فِيهَا السّمك وَالْملح فَيصير مربى إِذا
تحولت عَن حَال الْخمر فَصَارَت خلا أَو مربى
وروى أَصْحَاب الْإِمْلَاء عَن أبي يُوسُف فِي نوادره لَو أَن رجلا اتخذ
مربى من خمر وسمك وملح فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ إِذا صَار مربى فَلَا
بَأْس للأثر الَّذِي جَاءَ عَن أبي الدَّرْدَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مثل ذَلِك إِلَّا فِي خصْلَة إِذا كَانَ السّمك هُوَ
الْغَالِب للخمر فَلَا يُؤْكَل هَذَا كالعجين الَّذِي عجن بِالْخمرِ وَإِن
كَانَت الْخمر الْغَالِبَة للسمك فتحولت عَن طباعها إِلَى المربى فَلَا
بَأْس بذلك
وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي أَمَالِيهِ مثل قَول أبي يُوسُف هَذَا قَالَ
مُحَمَّد وَلَو
(4/359)
أَن خمرًا صب فِي مربى جعل من الْخمر أَو
من غير الْخمر فغلب المربى عَلَيْهَا لم تُؤْكَل وَلَو صب خمر فِي خل أَي
خل كَانَ لم يكن بِهِ بَأْس إِذا غلب عَلَيْهَا الْخلّ حَتَّى لَا يُوجد
لَهَا طعم وَلَا رَائِحَة وَلَا يشبه اختلاطها بالخل اختلاطها بالمربى
لِأَن الْخمر قد يتَحَوَّل خلا بِغَيْر حدث يحدث فِيهَا وَلَا يصير مربى
إِلَّا بِعَمَل يعْمل فِيهَا
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يحل للْمُسلمِ أَن يخلل
الْخمر وَلَكِن يهريقها فَإِن صَارَت خلا بِغَيْر علاج فَهُوَ حَلَال لَا
بَأْس بِهِ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يلقِي الْعصير على الدردبي ليصير خلا
فَلَا بَأْس بِهِ إِذا كَانَ إِنَّمَا يُريدهُ للخل
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه إِن خللها جَازَ أكله وَبيعه وَبئسَ
مَا صنع كَانَ يَنْبَغِي أَن يهريقها
وروى أَشهب عَن مَالك إِذا خلل النَّصْرَانِي خمرًا لَهُ فَلَا بَأْس
بِأَكْلِهِ وَكَذَلِكَ إِن خللها مُسلم واستغفر الله تَعَالَى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْخمر يخلل أَو يَجْعَل مربى لَا بَأْس
بِأَكْلِهِ إِذا علم أَنَّهَا قد انقلبت
وَالثَّوْري لَا يرى بَأْسا بتخليل الْخمر وَكَذَلِكَ قَول اللَّيْث وكرهها
عبيد الله بن الْحسن
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنَّهَا إِذا صَارَت خلا بِفعل آدَمِيّ لم
تُؤْكَل وَإِن كَانَت بِغَيْر فعل آدَمِيّ أكل
(4/360)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان
الثَّوْريّ عَن السّديّ عَن أبي هُبَيْرَة عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي حجره يتم وَكَانَ عِنْده خمر حِين
حرمت الْخمر فَقَالَ يَا رَسُول الله نصنعها خلا قَالَ لَا فَصَبَّهُ
حَتَّى سَالَ فِي الْوَادي
وروى مجَالد عَن أبي الوداك عَن أبي سعيد قَالَ كَانَ عِنْدِي خمر لأيتام
فَلَمَّا نزلت تَحْرِيم الْخمر أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن نهريقها
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتمل نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَن
يَجْعَل خلا وَأمره بالإراقة مَعْنيانِ أَحدهمَا أَن يكون مَنْهِيّا عَن
التَّمَلُّك وَلَا دلَالَة فِيهِ بعد ذَلِك على حظر الْخلّ لمجعول مِنْهَا
فَاحْتمل أَن يكون مُرَاده تَحْرِيم ذَلِك الْخلّ وَيحْتَمل أَيْضا أَن
يُرِيد قطع الْعَادة لقرب عَهدهم بِشرب الْخمر على وَجه التَّغْلِيظ وَإِن
من كَانَ مَأْمُونا مِنْهُ ذَلِك فَغير مَنْهِيّ عَنهُ كَمَا روى ابْن أبي
ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ كَانَ يَغْدُو فَينْظر إِلَى الْأَسْوَاق فَإِذا رأى اللَّبن أمرنَا
بالأسقية ففتحت فَإِن وجد فِيهَا شَيْئا مغشوشا قد جعل فِيهِ وغش بِهِ
أهراقها وَمَعْلُوم أَنه لم يكن محرما الْأكل وَلَكِن لقطع الْعَادة
والتغليظ على فَاعله
وَقد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن ابْن
أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن أسلم مولى عمر بن
الْخطاب عَن عمر قَالَ لَا تَأْكُل من خمر أفسدت خلا حَتَّى يكون الله
تَعَالَى بَدَأَ إفسادها
(4/361)
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا حَدِيث قد
أَخطَأ أَبُو عَاصِم فِي اختصاره وَجعل هَذَا الْكَلَام من قَول عمر
وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام ابْن شهَاب
روى ابْن وهب عَن ابْن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
عَن أسلم أَن عمر أَمر بالطلاء حِين نزل بالجابية وَهُوَ يَوْمئِذٍ يطْبخ
كعقيد الرب فَقَالَ إِن هَذَا لشراب مَا انْتهى إِلَيْهِ وَفِيه وَلَا يشرب
رجل من خمر أفسدت حَتَّى يبْدَأ الله بفسادها فَعِنْدَ ذَلِك يطيب
وَالَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث من كَلَام عمر هُوَ وصف الطلاء
وَقد رَوَاهُ يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن أسلم
أَن عمر أُتِي بالطلاء فَقَالَ إِن فِي هَذَا الشَّرَاب مَا انْتهى
إِلَيْهِ
فَهَذَا هُوَ أصل الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي فِيهِ من كَلَام عمر وَقد كَانَ
ابْن شهَاب كثير مَا يروي الحَدِيث فيدرج قَوْله فِيهِ فيظن بعض السامعين
أَنه من الحَدِيث
وَقد روى الْحسن عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَن تَاجِرًا اشْترى خمرًا
فَأمره أَن يصبهَا فِي دجلة فَقَالُوا أَلا تَأمره أَن يَجْعَلهَا خلا
فَنَهَاهُ عَن ذَلِك
وَهَذَا يحْتَمل مَا ذَكرْنَاهُ من وَجه التَّغْلِيظ وَقطع الْعَادة فِي
إِِمْسَاكهَا
وَقد روى أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ أَن أَبَا الدَّرْدَاء كَانَ
يَأْكُل المربى الَّذِي جعل فِيهِ الْخمر وَيَقُول ذكته الشَّمْس وَالْملح
(4/362)
وكما لَا يخْتَلف حكم جلد الْميتَة فِي
دبغه بعلاج آدَمِيّ أَو غَيره كَذَلِك اسْتِحَالَة الْخمر خلا
2056 - فِيمَن اضْطر إِلَى شرب الْخمر
قَالَ أَبُو حنيفَة يشرب مِنْهَا مِقْدَار مَا يمسك رمقه إِذا كَانَ يرد
عطشه
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يفعل لِأَنَّهَا لَا تزيده إِلَّا عطشا
وجوعا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَلِأَنَّهَا تذْهب بِالْعقلِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَت تمسك الرمق فالضرورة إِلَيْهَا دافعة
كالميتة وَإِذا لم ترْتَفع بهَا الضَّرُورَة وَلَا ينْتَفع بشربها فِي
إمْسَاك الرمق فَلَيْسَ إِذا بمضطر إِلَيْهَا وَلَا إِبَاحَة فِيهَا
فيستحيل حِينَئِذٍ جَوَاب من أجَاب حِين يسْأَل عَمَّن اضْطر إِلَى شرب
الْخمر فَإِنَّهَا لَا تحل وَإِنَّمَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن يُجيب بِأَن
يَقُول لَا يضْطَر إِلَيْهَا فيحيل مَسْأَلَة السَّائِل وَأما مَا ذكره
الشَّافِعِي من ذهَاب الْعقل بشربها فَلَيْسَ هُوَ مِمَّا نَحن فِيهِ من
شَيْء لِأَنَّهُ يسْأَل عَن الْمِقْدَار الَّذِي لَا يذهب الْعقل إِذا
اضْطر إِلَيْهِ
2057 - فِي الشّرْب فِي الْقدح المفضض
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا بَأْس بِأَن يشرب الرجل فِي الْقدح
المفضض إِذا لم يَجْعَل فَاه على الْفضة كالشرب بِيَدِهِ وفيهَا الْخَاتم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا أحب أَن يدهن فِي مدهن الْوَرق وَلَا
يستجمر فِي مجامر الْوَرق
(4/363)
وَسُئِلَ مَالك عَن ثلمة الْقدح وَمَا
يَلِي الْأذن فَقَالَ مَالك قد سَمِعت سَمَاعا كَأَنَّهُ يُضعفهُ وَمَا
علمت فِيهِ بنهي
وَقَالَ ابْن وهب سَمِعت اللَّيْث يكره أَن يشرب أَو يُؤْكَل فِي الْقدح
والصحفة الَّتِي فِيهَا تضبيب بالورق مثل قَول مَالك بن أنس
فَفِي هَذِه الرِّوَايَة عَن مَالك كَرَاهَته
وَقَالَ الشَّافِعِي وأكره المضبب بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يكون شاربا على
الْفضة
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه لم يشرب فِي الْقدح المفضض
لما سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَهْيه عَن الشّرْب فِي
آنِية الْفضة وَالذَّهَب رَوَاهُ مُوسَى بن أعين عَن خصيف عَن نَافِع عَن
ابْن عمر
فَاحْتمل ذَلِك أَن يكون مِنْهُ على التورع لَا على النَّهْي كَمَا روى
عِيسَى بن يُونُس عَن الْمُغيرَة بن زِيَاد عَن أبي عَمْرو مولى أَسمَاء
قَالَ رَأَيْت ابْن عمر اشْترى جُبَّة فِيهَا خيط أَحْمَر فَردهَا فَأتيت
أَسمَاء فَذكرت ذَلِك لَهَا فَقَالَت بؤسا لِابْنِ عمر يَا جَارِيَة
ناوليني جُبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخرجت إِلَيْنَا
جُبَّة مَكْفُوفَة الجيب والكمين والفرج بالديباج وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ لَا
على وَجه التَّحْرِيم وَإِنَّمَا على وَجه الْمُبَالغَة فِي ترك الْحَرِير
المنهى عَنهُ كنضحه المَاء فِي عَيْنَيْهِ لفسل الْجَنَابَة لَا لوُجُوب
ذَلِك عَلَيْهِ
(4/364)
وَقد روى ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
عَن بنت أبي عَمْرو مولى عَائِشَة قَالَت أَبَت عَائِشَة أَن ترخص لنا فِي
تفضيض الْآنِية
وروى أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا شريك عَن حميد قَالَ رَأَيْت عِنْد أنس قدح
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ فضَّة أَو قد شدّ بِفِضَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَلَا يَخْلُو من أَن ذَلِك قد كَانَ فِي زمَان
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أحدثه فِيهِ أنس بعده وَأي ذَلِك
كَانَ فقد ثَبت عَن أنس إِبَاحَته لِأَنَّهُ كَانَ يسْقِي النَّاس فِيهِ
تبركا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقد رُوِيَ عَن قَتَادَة قَالَ كَانَ عمرَان بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك
يشربان فِي الْإِنَاء المفضض
وَعَن طَاوس وَمُحَمّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَالْحكم بن عُيَيْنَة
وَإِبْرَاهِيم وَحَمَّاد وَالْحسن عَن أبي الْعَالِيَة أَنهم كَانُوا
يشربون فِي الْإِنَاء المفضض
2058 - فِي حكم عصير الْعِنَب بعد الطَّبْخ
قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْعصير إِذا غلنى فَهُوَ خمرة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِهِ مَا لم يقذف بالزبد فَإِن طبخ حَتَّى
يذهب ثُلُثَاهُ
(4/365)
وَيبقى الثُّلُث ثمَّ غلنى بعد ذَلِك فَلَا
بَأْس بِهِ وَهَذَا قد خرج عَن حَال الْمَكْرُوه الْحَرَام إِلَى حَال
الْحَلَال فَلَا بَأْس بِهِ غلن أَو لم يغل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يعْتَبر الغليان أحده إِذا أسكر
وَلَا أحده إِذا لم يسكر وَلَا ألتفت إِلَى الغليان وَلَا إِلَى ذهَاب
الثُّلثَيْنِ بالطبخ
وَقَالَ الثَّوْريّ أشْرب الْعصير مَا لم يغل وغليانه أَن يقذف بالزبد
فَإِذا غلنى فَهُوَ خمر
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِشرب الْعصير إِذا طبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ
وَيبقى ثلثه وَقَالَ لَا بَأْس بِشرب الْعصير حَتَّى يغلي
وَقَالَ الشَّافِعِي كل شراب أسكر كَثِيره فقليله حرَام وَفِيه الْحَد
قِيَاسا على الْخمر وَلَا يحد إِلَّا بِأَن يَقُول شربت الْخمر أَو يشْهد
عَلَيْهِ بِهِ أَو يَقُول شربت مَا يسكر أَو يشرب من إِنَاء هُوَ وَنَفر
فيسكر بَعضهم فَيدل على أَن الشَّرَاب مُسكر
وَاحْتج بِأَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا أُوتى بِأحد
شرب خمرًا أَو نبيذا مُسكرا إِلَّا جلدته الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الشّعبِيّ عَن حَيَّان بن حُصَيْن الْأَسدي أَن
عمارا أرَاهُ كتاب عمر بن الْخطاب إِلَيْهِ بِأَن يَأْمر الْمُسلمين بِشرب
الْعصير الَّذِي قد طبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ وَيبقى ثلثه وَأَن عمارا
شربه وَأمر بِهِ النَّاس قَالَ هَذَا شراب لم نَكُنْ نشربه حَتَّى أمرنَا
بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ
(4/366)
دَاوُد بن أبي هِنْد قلت لسَعِيد بن
الْمسيب الطلاء الَّذِي أحله عمر للنَّاس مَا هُوَ قَالَ مَا ذهب ثُلُثَاهُ
وَبَقِي ثلثه
فَإِن قيل إِنَّمَا أَبَاحَ ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ بعض أهل الأَرْض
إِنَّه لَا يسكر
قيل لَهُ قد أَمر النَّاس بشربه وَلم يسْتَثْن لَهُم مَا لَا يسكر مِمَّا
يسكر وَتَابعه عَلَيْهِ الصَّحَابَة من غير نَكِير
2059 - فِي الانتباذ فِي الْأَوَانِي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا بَأْس بالانتباذ فِي جَمِيع
الْأَوَانِي
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه كره الانتباذ فِي الدُّبَّاء والمزفت
وَلَا يكره غير ذَلِك
وَكره الثَّوْريّ الانتباذ فِي الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا أكره من الأنبذة إِذا لم يكن الشَّرَاب يسكر
شَيْئا إِلَّا شَيْئا مُسَمّى بِعَيْنِه بَعْدَمَا سمى فِي الْآثَار من
الحنتم والنقير والدباء والمزفت
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن
الدُّبَّاء والمزفت
وروى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى وَفد عبد
الْقَيْس عَن الدُّبَّاء والحنتم والمزفت
(4/367)
وروى ابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم نَبِيذ الْجَرّ
قَالَ ابْن عَبَّاس والجر كل شَيْء من الْمدر
وَقَالَت عَائِشَة نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينتبذ فِي
الدُّبَّاء والحنتم والمزفت
فَهَذِهِ آثَار قد رويت فِي النَّهْي عَن الأوعية
وروى سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر قَالَ لما
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الأعية قَالَت الْأَنْصَار
إِنَّا لَا بُد لنا مِنْهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَا إِذا
وَقد روى شريك عَن زِيَاد بن فياض عَن أبي عِيَاض عَن عبد الله بن عَمْرو
قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الأوعية فَقَالَ لَا
تنبذوا فِي الدُّبَّاء والحنتم والنقير فَقَالَ أَعْرَابِي لَا ظروف لنا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشربوا مَا حل لكم وَاجْتَنبُوا
كل مُسكر
وروى يَعْقُوب بن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله عَن
أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي كنت
نَهَيْتُكُمْ أَن تنبذوا فِي الدُّبَّاء والحنتم والمزفت فانتبذوا وَلَا
أحل مُسكرا
وروى وَاسع بن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مثله
(4/368)
وروى سماك بن حَرْب عَن الْقَاسِم بن عبد
الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه عَن أبي بردة بن نيار قَالَ
قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ
عَن الشّرْب فِي الأوعية فَاشْرَبُوا فِيمَا بدا لكم وَلَا تسكروا وروى
سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن أبي بُرَيْدَة عَن أَبِيه
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى أَبُو الْعَالِيَة وَغَيره عَن عبد الله بن الْمُغَفَّل قَالَ شهِدت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نهى عَن نَبِيذ الْجَرّ وشهدته
حِين أَمر بشربه فَقَالَ اجتنبوا الْمُسكر
وروى خَالِد الْحذاء عَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لما وَفد
عبد الْقَيْس قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل امرىء حسيب نَفسه
لينتبذ كل قوم فِيمَا بدا لَهُم
فَهَذِهِ الْآثَار ناسخة للأولى وَقد ورى أنس أَنه كَانَ ينتبذ لَهُ فِي
جرة خضراء وَهُوَ أحد من روى النَّهْي عَن نَبِيذ الْجَرّ
2060 - فِي الخليطين من الْأَشْرِبَة
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِشرب الخليطين من الْبُسْر وَالتَّمْر أَو
الزَّبِيب وَالتَّمْر كَمَا لَو طبخ على الِانْفِرَاد حل كَذَلِك إِذا طبخ
مَعَ غَيره
(4/369)
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر وَإِبْرَاهِيم
وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الآخر
وَقَالَ مُحَمَّد أكره الْمُعْتق من التَّمْر وَالزَّبِيب
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يجمع بَين شرابين وَإِن لم يسكر وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَنهُ
وَلما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن ينْبذ
الْبُسْر وَالتَّمْر جَمِيعًا وَأَن ينْبذ الزهور وَالرّطب أَيْضا جَمِيعًا
وروى الْمعَافى عَن الثَّوْريّ أَنه كره من النَّبِيذ الخليطين والسلافة
وَالْمُعتق
وَقَالَ اللَّيْث لَا أرى بَأْسا بِأَن يخلط نَبِيذ التَّمْر ونبيذ
الزَّبِيب ثمَّ يشربان جَمِيعًا وَإِنَّمَا جَاءَ الحَدِيث فِي
الْكَرَاهِيَة أَن ينبذا جَمِيعًا ثمَّ يشربان لِأَن أَحدهمَا يشْتَد بِهِ
صَاحبه
وَقَالَ الشَّافِعِي نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الخليطين
ثمَّ لم يذكر مُخَالفَة مِنْهُ لذَلِك
وروى ابْن عَبَّاس وَأَبُو قَتَادَة وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو سعيد
وَأنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن ينْبذ التَّمْر
وَالزَّبِيب والزهور وَالرّطب
وروى معبد بن كَعْب عَن أمه وَكَانَت قد صلت الْقبْلَتَيْنِ أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الخليطين
(4/370)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَاحْتمل أَن يكون
النَّهْي على وَجه التَّحْرِيم وَاحْتمل أَن يكون لضيف الْعَيْش كَرَاهَة
السَّرف كَمَا روى عَن جبلة بن سحيم قَالَ أصابتنا سنة فرآنا ابْن عمر
وَنحن نَأْكُل التَّمْر فَقَالَ لنا لَا تقارنوا فَإِن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْقرَان قَالَ ابْن عمر إِلَّا أَن يسْتَأْذن
الرجل مِنْكُم أَخَاهُ
وَالنَّهْي عَن الخليطين هَذَا مَعْنَاهُ لِأَن كل وَاحِد على حياله يجوز
شربه كَمَا يجوز أكل كل تَمْرَة على حيالها
2061 - فِي شرب النَّبِيذ الشَّديد
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف قَالَ أَبُو حنيفَة الْخمر حرَام قليلها وكثيرها
وَالسكر حرَام وَلَيْسَ كتحريم الْخمر ونقيع الزَّبِيب إِذا غلن حرَام
وَلَيْسَ كتحريم الْخمر والنبيذ الْمُعْتق الْمَطْبُوخ لَا بَأْس بِهِ من
أَي شَيْء كَانَ وَإِنَّمَا يحرم مِنْهُ الْقدح الَّذِي يسكر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف من قعد يطْلب السكر فَالْأول عَلَيْهِ حرَام والمقعد
عَلَيْهِ حرَام وَالْمَشْي إِلَى المقعد عَلَيْهِ حرَام كَمَا أَن الزِّنَا
عَلَيْهِ حرَام وَكَذَلِكَ الْمَشْي فِي طلبه وَإِن قعد وَهُوَ لَا يُرِيد
السكر فَلَا بَأْس
قَالَ أَبُو يُوسُف وَلَا بَأْس بالنقيع من كل شَيْء وَإِن غلن مَا خلا
الزَّبِيب وَالتَّمْر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّد من
غير خلاف
(4/371)
وروى هِشَام عَن مُحَمَّد مَا أسكر كَثِيره
فالأحب إِلَيّ أَن لَا يشربه وَلَا أحرمهُ
وروى ابْن وهب عَن مَالك قَالَ السّنة عندنَا أَن من شرب شرابًا يسكر
فَسَكِرَ أَو لم يسكر فَعَلَيهِ الْحَد
قَالَ الْمعَافى وَقَالَ الثَّوْريّ أكره نَقِيع التَّمْر ونقيع الزَّبِيب
إِذا غلى وَهُوَ السكر
قَالَ الْمعَافى وَسُئِلَ الثَّوْريّ عَن نَقِيع الْعَسَل فَقَالَ لَا
بَأْس بِهِ
وروى أَحْمد بن يُونُس عَن الْمعَافى عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ أشْرب
من النَّبِيذ كَمَا تشرب من المَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ كل مُسكر وكل مخدر فَهُوَ حرَام
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخمر مُحرمَة بِنَصّ الْكتاب قَالَ الله تَعَالَى
{يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع}
وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر
مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم} فَحصل من مَجْمُوع الْآيَتَيْنِ تَحْرِيم
الْخمْرَة وَالْخمر هِيَ الَّتِي تعتصر من الْعِنَب لقَوْله تَعَالَى حاكيا
عَن صَاحب يُوسُف {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} فَدلَّ على أَن الْخمر
معتصرة وَأَنَّهَا خلاف الْأَشْيَاء الَّتِي ينتبذ فِي الأوعية
(4/372)
ثمَّ رُوِيَ عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عمر
عَن عمر أَنه قَالَ إِن الْخمر حرمت وَهِي من خَمْسَة أَشْيَاء من الْعِنَب
وَالتَّمْر وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة وَالشعِير وَالْخمر مَا خامر الْعقل
وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزل تَحْرِيم الْخمر وَهِي الفضيخ
فَأخْبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْخمر هُوَ الفضيخ
وروى مَالك بن مغول عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ لقد حرمت الْخمر وَمَا
بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْء
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن الفضيخ وَمَا يخرج من النّخل لَيْسَ بِخَمْر
لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَة من ذَلِك فَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ عَن عمر
أَن الْخمر من خَمْسَة أَشْيَاء
وروى حميد الطَّوِيل عَن أنس قَالَ كنت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَة وَأبي بن
كَعْب وَسُهيْل بن بَيْضَاء فِي نفر فِي بَيت أبي طَلْحَة فَمر بِنَا رجل
فَقَالَ إِن الْخمر قد حرمت فوَاللَّه مَا قَالُوا حَتَّى نتبين حَتَّى
قَالُوا أهرق مَا فِي إنائك يَا أنس ثمَّ مَا عَادوا فِيهَا حَتَّى لقوا
الله تَعَالَى وَأَنه من الْبُسْر وَالتَّمْر وَهُوَ خمرنا يَوْمئِذٍ
فَأخْبر أنس أَن الْخمر يَوْمئِذٍ التَّمْر والبسر فَانْتفى بذلك أَن يكون
غَيرهمَا خمرًا عِنْده
وروى قَتَادَة عَن أنس هَذَا الحَدِيث وَقَالَ إِنَّمَا نعدها يَوْمئِذٍ
خمرًا
(4/373)
وروى ثَابت عَن أنس قَالَ حرمت علينا
الْخمر يَوْم حرمت وَمَا اتخذ خمور الأعناب إِلَّا الْقَلِيل وَعَامة
خمورنا الْبُسْر وَالتَّمْر
وروى الْمُخْتَار بن فلفل قَالَ سَأَلت أنس بن مَالك عَن الْأَشْرِبَة
فَقَالَ حرمت الْخمر وَهِي من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة
وَالشعِير والذرة وَمَا حرمت من ذَلِك فَهُوَ خمر
فَهَذَا مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة فِي الْخمر
وَرُوِيَ يحيى بن أبي كثير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْخمر من هَاتين الشجرتين النَّخْلَة والعنبة فَأخْبر
أَن الْخمر مِنْهُمَا وَفِي ذَلِك نفى أَن يكون من سواهُمَا فاتفقت الْأمة
أَن عصير الْعِنَب الَّذِي اشْتَدَّ وغلى وَقذف بالزبد فَهُوَ خمر وَإِن
مستحله كَافِر فَهَذَا يدل على أَن حَدِيث ابْن أبي كثير أَن الْخمر من
هَاتين الشجرتين غير مَعْمُول بِهِ عِنْدهم لأَنهم لَو قبلوه لأكفروا مستحل
نَقِيع التَّمْر فَثَبت أَنه لم يدْخل فِي الْخمر الْمُحرمَة غير عصير
الْعِنَب النيء المشتد الَّذِي قد بلغ أَن يسكر ثمَّ لَا يَخْلُو الْخمر من
أَن يكون التَّحْرِيم مُتَعَلقا بهَا غير مقيس عَلَيْهَا غَيرهَا أَو يجب
الْقيَاس عَلَيْهَا فوجدناهم جَمِيعًا قد قاسوا عَلَيْهَا نَقِيع التَّمْر
إِذا غلى وأسكر كَثِيره وَكَذَلِكَ نَقِيع الزَّبِيب فَوَجَبَ قِيَاسا على
ذَلِك أَن يحرم كل مَا أسكر كَثِيره
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كل مُسكر
حرَام وَاسْتغْنى عَن ذكر
(4/374)
سَنَده لقَوْل الْجَمِيع لَهُ وَإِنَّمَا
الْخلاف بَينهم فِي تَأْوِيله فَقَالَ بَعضهم أَرَادَ بِهِ مَا يَقع السكر
عِنْده كَمَا لَا يُسمى قَاتلا إِلَّا مَعَ وجود الْقَتْل وَقَالَ آخَرُونَ
أَرَادَ بِهِ جنس مَا يسكر
وَقد روى أَبُو عون الثَّقَفِيّ عَن عبد الله بن شَدَّاد عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ حرمت الْخمْرَة بِعَينهَا الْقَلِيل مِنْهَا وَالْكثير وَالسكر من كل
شراب فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن غير المخمر لم يحرم عينه كَمَا حرمت
الْخمْرَة بِعَينهَا
2062 - فِي لبس الْخَزّ الَّذِي بعضه حَرِير
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِلبْس مَا كَانَ سداه حَرِير وَلحمَته غير
ذَلِك وأكره مَا كَانَ سداه بحرير وَلحمَته حَرِير
وروى إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ لَا نرى بِلبْس
الْحَرِير بَأْسا مَا لم تكن فِيهِ شهرة فَإِذا كَانَت فِيهِ شهرة فَلَا
خير فِيهِ
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك أكره لبس الْخَزّ لِأَن سداه
حَرِير
وأباح الشَّافِعِي لبس قبَاء محشو بقز لِأَن القز بَاطِن
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أَجمعُوا على نهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن لِبَاس الْحَرِير
(4/375)
وروت أَسمَاء بنت أبي بكر أَن جُبَّة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مَكْفُوفَة الجيب والكمين
والفرج بالديباج
فَاحْتمل أَن يكون كَانَ يلبسهَا فِي الْحَرْب للْحَاجة إِلَيْهَا وَلَا
دلَالَة فِيهِ على جَوَاز لبسهَا فِي غير الْحَرْب
وروى الشّعبِيّ عَن سُوَيْد بن غَفلَة أَن عمر بن الْخطاب قَالَ نهى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس الْحَرِير إِلَّا مَوضِع
إِصْبَعَيْنِ
وروى خصيف عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا نهى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الثَّوْب المصمت فَأَما السدى وَالْعلم فَلَا
يَعْنِي من الْحَرِير
قَالَ الشّعبِيّ رَأَيْت على الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام
جُبَّة خَز
وَقَالَ بشر بن سعيد قَالَ رَأَيْت على سعد بن أبي وَقاص جُبَّة شامية
قِيَامهَا خَز وَرَأَيْت على زيد بن ثَابت خمائص معلمة
قَالَ وهب بن كيسَان رَأَيْت سعد بن أبي وَقاص وَجَابِر بن عبد الله وَأَبا
هُرَيْرَة وَأنس بن مَالك يلبسُونَ الْخَزّ
وَقَالَ عُرْوَة كست عَائِشَة عبد الله بن الزبير مطرف خَز
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد لبسوا الْخَزّ
فَإِن قيل إِن هَذَا كَانَ خَزًّا لَا حَرِير فِيهِ
قيل لَهُ قد روى صَفْوَان بن عبد الله أَن سَعْدا اسْتَأْذن على ابْن عَامر
وَتَحْته مرافق من حَرِير فَأمر بهَا فَرفعت فَدخل سعد وَعَلِيهِ مطرف شطره
حَرِير فَقَالَ
(4/376)
لَهُ ابْن عَامر يَا أَبَا إِسْحَاق
اسْتَأْذَنت عَليّ وتحتي مرافق حَرِير فَأمرت بهَا فَرفعت فَقَالَ نعم
الرجل أَنْت يَا ابْن عَامر إِن لم تكن من الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى
{أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ
بهَا} لِأَن أضطجع على جمر الغضا أحب إِلَيّ من أَن أضطجع على مرافق حَرِير
فَقَالَ لَهُ فَهَذَا عَلَيْك مطرف شطره خَز وشطره حَرِير قَالَ إِنَّمَا
يَلِي جلدي مِنْهُ الْخَزّ
وروى عمار بن أبي عمار أَن مَرْوَان قدمت عَلَيْهِ مطارف خَز فكساها
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَأَنِّي أنظر إِلَى أبي
هُرَيْرَة عَلَيْهِ مِنْهَا مطرف أغبر فَكَأَنِّي أنظر إِلَى طرائق
إلإبريسيم فِيهِ
فَدلَّ على أَن الْخَزّ الَّذِي لبسوه هُوَ الَّذِي فِيهِ الْحَرِير
(4/377)
= كتاب الْكَرَاهَة =
2063 - فِي الْمَكْرُوه من التصاوير
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يكره التصاوير فِي الْبيُوت بتمثال وَلَا
يكره ذَلِك فِي الْبسَاط وَلم يذكر خلافًا
قَالَ وَقَوْلهمْ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَن التصاوير فِي الستور
الْمُعَلقَة مَكْرُوه وَكَذَلِكَ مَا كَانَ خرطا أَو نقشا فِي الْبناء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم كَانَ مَالك يكره التماثيل فِي الأسرة والقباب
وَأما الْبسَاط والوسائد وَالثيَاب فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ يمتهن وَكره
أَن يُصَلِّي إِلَى قبَّة فِيهَا تماثيل
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس بالصور فِي الوسائد لِأَنَّهَا تُوطأ وتجلس
عَلَيْهَا
وَكره الْحسن بن حَيّ أَن يدْخل بَيْتا فِيهِ تِمْثَال أَو تماثيل كَنِيسَة
أَو غير ذَلِك وَكَانَ لَا يرى بَأْسا بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَة
والبيعة
وَكره اللَّيْث التماثيل الَّتِي تكون فِي الْبيُوت والأسرة والقباب
والطساس والمنارات إِلَّا مَا كَانَ رقما فِي ثوب
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِن دعِي رجل إِلَى عرس فَرَأى صورا
ذَات أَرْوَاح لم يدْخل إِن كَانَت مَنْصُوبَة وَإِن كَانَت تُوطأ فَلَا
بَأْس وَإِن كَانَ صور الشّجر فَلَا بَأْس
(4/379)
روى عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأُسَامَة بن
زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَلَائِكَة لَا
تدخل بَيْتا فِيهِ صُورَة
وروى الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مستترة بقرام فِيهِ صور فهتكه ثمَّ قَالَ
إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يشبهون بِخلق الله
تَعَالَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر عُمُومه يَقْتَضِي الرقم والنحت وَغَيره
وروى عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أمه أَسمَاء بنت عبد الرَّحْمَن عَن
عَائِشَة قَالَت قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سفر وَعِنْدِي
نمط فِيهِ صُورَة فَوَضَعته على سهوتي فَأَخذه رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فاجتبذه وَقَالَ لَا تستري الْجِدَار قَالَت فصنعته وسادتين
فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرتفق عَلَيْهِمَا
وروى الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة نَحْو ذَلِك
فَدلَّ على كَرَاهَة التماثيل مَا كَانَ مِنْهَا رقما أَو نحتا وعَلى انه
لَا يكره فِي الوسائد والبسط
وروى عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ اشْتَكَى أَبُو طَلْحَة بن
سهل فَقَالَ لي عُثْمَان بن حنيف هَل لَك فِي أبي طَلْحَة نعوده فَقلت نعم
فجئناه
(4/380)
فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَتَحْته نمط فِيهِ
صُورَة فَقَالَ ابعدوا هَذَا النمط عني فَقَالَ لَهُ عُثْمَان بن حنيف أَو
مَا سَمِعت يَا أَبَا طَلْحَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين
نهى عَن الصُّورَة فَقَالَ إِلَّا رقما فِي ثوب أَو ثوبا فِيهِ رقم قَالَ
بلَى وَلكنه أطيب لنَفْسي فأميطوه عَنى
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَيحمل هَذَا الحَدِيث على أَنه رقم فِي ثوب يُوطأ
ويمتهن كالوسائد والبسط
2064 - فِي شعر الْخِنْزِير للخرازين
قَالَ أَصْحَابنَا لَا ينْتَفع من الْخِنْزِير بِشَيْء وَلَا يجوز بيع
شَيْء مِنْهُ وَيجوز للخرازين أَن ينتفعوا بشعرة وبشعرتين للخرز وَكره
أَبُو يُوسُف الخرز بِهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِأَن يخاط بِشعر الْخِنْزِير وَيجوز
للخراز أَن يَشْتَرِيهِ وَلَا يَبِيعهُ
وَقَالَ الْمُزنِيّ خَالف الشَّافِعِي الْمَدَنِيين والكوفيين فِي
الِانْتِفَاع بِشعر الْخِنْزِير فَقَالَ لَا ينْتَفع بِشَيْء مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخِنْزِير محرم الْعين لَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ
فِي حَيَاته وَلَا بعد مَوته أَلا ترى أَنه لَا ينْتَفع بجلده وَإِن دبغ
وَكَذَلِكَ شعره
(4/381)
2065 - فِي إحفاف الشَّارِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر أما أَبُو حنيفَة وَزفر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
فَكَانَ مَذْهَبهم فِي شعر الرَّأْس والشارب أَن الإحفاء أفضل من
التَّقْصِير عَنهُ وَإِن كَانَ مَعَه حلق بعض الشّعْر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ إحفاء الشَّارِب عِنْدِي مثلَة
قَالَ مَالك وَتَفْسِير حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إحفاف
الشَّارِب الإطار وَكَانَ يكره أَن يُؤْخَذ من أَعْلَاهُ وَإِنَّمَا كَانَ
يُوسع ذَا الإطار مِنْهُ فَقَط وَذكر عَنهُ أَشهب قَالَ سَأَلت مَالِكًا
عَمَّن أحفى شَاربه فَقَالَ أرى أَن يوجع ضربا لَيْسَ حَدِيث النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الإحفاء كَانَ يُبْدِي حُرُوف الشفتين الإطار ثمَّ
قَالَ لمن يحلق شَاربه هَذِه بدع فَظهر فِي النَّاس كَانَ عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ إِذا أكربه أَمر نفخ فَجعل رجل يراده وَهُوَ يفتل شَاربه
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن الرجل يحلق رَأسه فَقَالَ أما فِي الْحَضَر
فَلَا يعرف إِلَّا يَوْم النَّحْر وَهُوَ فِي الْغَزْو وَكَانَ عِنْده ابْن
أبي لبَابَة فَذكر فِيهِ فضلا عَظِيما
وَقَالَ اللَّيْث لَا أحب أَن يحلق شَاربه جدا حَتَّى يبلغ الْجلد وأكرهه
وَلَكِن يقص 2 الَّذِي على طرف الشَّارِب وأكره أَن يكون طَوِيل الشاربين
وَقَالَ إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل سَأَلت عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز
بن أبي رواد عَن حلق الرَّأْس فَقَالَ أما بِمَكَّة فَلَا بَأْس بِهِ
لِأَنَّهُ بلد الْحلق وَأما فِي غَيره فِي الْبلدَانِ فَلَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد عَن الشَّافِعِي فِي ذَلِك شَيْئا مَنْصُوصا
وَأَصْحَابه
(4/382)
الَّذين رأيناهم الْمُزنِيّ وَالربيع يحفان
شواربهما فَدلَّ على أَنَّهُمَا أخذا ذَلِك عَن الشَّافِعِي
وَقد رَوَت عَائِشَة وَأَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه قَالَ الْفطْرَة عشر مِنْهَا قصّ الشَّارِب
وروى الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ
من شَاربه على سواك وَذَلِكَ مِمَّا لَا يكون مَعَه إحفاء وَهَذَا يحْتَمل
أَن يكون إِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَنَّهُ لم يقدر بِمَا كَانَ مَعَه مِمَّا
يَأْخُذ بِهِ غير مَا فعل فَترك حلقه لعدم الْآلَة الَّتِي يكون بهَا
الْحلق فِي الْوَقْت
وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يجز شَاربه وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون على الجز الَّذِي
مَعَه الإحفاء
وروى عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جزوا الشَّوَارِب وارخوا اللحى هَذَا يحْتَمل الإحفاء
أَيْضا
وروى الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جزوا الشَّوَارِب وأرخوا اللحى
وَهَذَا يحْتَمل أَيْضا
وروى عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اُحْفُوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى
فَدلَّ بِهِ على المُرَاد بالجز
(4/383)
وَقد رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
وَأبي أسيد وَرَافِع بن خديج وَسَهل بن سعد وَعبد الله بن عمر وَجَابِر بن
عبد الله وَأبي هُرَيْرَة أَنهم كَانُوا يحفونَ شواربهم
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حَاطِب رَأَيْت ابْن عمر يحفي شَاربه
كَأَنَّهُ ينتفه وَقَالَ بَعضهم حَتَّى يرى بَيَاض الْجلد
وَلما كَانَ التَّقْصِير مسنونا فِي الشَّارِب عِنْد الْجَمِيع كَانَ
الْحلق أفضل كالرأس وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحم الله
المحلقين ثَلَاثًا فَجعل حلق الرَّأْس أفضل من تَقْصِيره
وَمَا احْتج بِهِ مَالك أَن عمر كَانَ يفتل شَاربه إِذا غضب فَجَائِز أَن
يكون كَانَ يتْركهُ حَتَّى يُمكن فتله ثمَّ يحلقه كَمَا يرى كثيرا من
النَّاس يَفْعَله
2066 - فِي تهنئة الْعِيد
عبد الله بن يُوسُف قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَن قَول النَّاس فِي الْفطر
والأضحى قبل الله منا ومنكم قَالَ ذَلِك من فعل الْأَعَاجِم وَكَرِهَهُ
وَقَالَ عمر سُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن تلاقي النَّاس فِي الْعِيدَيْنِ
بالتحية وَالدُّعَاء فَقَالَ التَّحِيَّة بِالسَّلَامِ حسن وتلاقيهم
بِالدُّعَاءِ مُحدث
وَقَالَ عَمْرو بن خَالِد كُنَّا نأتي اللَّيْث بن سعد فِي الْفطر والأضحى
فَتَقول قبل الله مِنْك وَمنا يَا أَبَا الْحَارِث فَيَقُول ومنكم ومنكم
وَذكر ابْن وهب عَن اللَّيْث أَنه لَا بَأْس بذلك
(4/384)
وَقَالَ يحيى بن عُثْمَان سَأَلت الْحَارِث
بن مِسْكين عَن ذَلِك فَقَالَ لم تزل الْأَشْيَاخ يمصر يَقُول ذَلِك
وَلَكِن هَؤُلَاءِ الَّذين يَقُولُونَ سِنِين كَثِيرَة لَا يُرِيدُونَ أَن
يموتوا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا يحيى بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا نعيم قَالَ
حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي قَالَ
كُنَّا نأتي أَبَا أُمَامَة وواثلة بن الْأَسْقَع فِي الْفطر والأضحى ونقول
لَهما قبل الله منا ومنكم فَيَقُولَانِ ومنكم ومنكم لَا يعلم عَن أحد من
الصَّحَابَة فِي ذَلِك كَرَاهَة وَلَا إِبَاحَة غير مَا رُوِيَ عَن أبي
أُمَامَة وواثلة
وروى أَبُو عوَانَة عَن ابْن عون قَالَ قلت لِلْحسنِ فِي قَول النَّاس فِي
المعيدين تقبل الله منا ومنكم فَقَالَ مُحدث
وَذكر عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَن هَذَا من كَلَام ابْن عون
وَقد روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب قَالَ كُنَّا نأتي مُحَمَّد بن
سِيرِين وَالْحسن فِي الْفطر والأضحى فَنَقُول لَهما قبل الله منا ومنكم
فَيَقُولَانِ ومنكم وَلما اتَّفقُوا على أَنه جَائِز لمن يُرِيد ذبح
الْأُضْحِية أَن يَقُول اللَّهُمَّ تقبل مني جَازَ لغيره أَن يَدْعُو لَهُ
بذلك وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه جَائِز أَن يَقُول للقادم من
الْحَج قبل الله حجك فَجَاز مثله فِي الْعِيدَيْنِ
وَقد كَانَ بكار بن قُتَيْبَة والمزني وَأَبُو جَعْفَر بن أبي عمرَان
وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى يهنئون بالعيد فيردون مثله على الدَّاعِي لَهُم
(4/385)
2067 - فِي الصَّلَاة فِي السبخة
أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَاللَّيْث لَا يجوزون الصَّلَاة فِي
السبخة
وَذكر اللَّيْث أَن بعض النَّاس يكرهها
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا
وَطهُورًا وَيُشبه أَن يكون من كرهها إِنَّمَا كرهها لِأَن الْمُصَلِّي لَا
يتَمَكَّن من السُّجُود عَلَيْهَا للتهاون بِمَا لم يُوجد فكره ذَلِك كَمَا
نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل
للخوف من جنايتها
2068 - فِي الصَّلَاة بَين أشفاع الْقُنُوت فِي رَمَضَان
قَالَ مَالك لَا بَأْس بذلك وَمَا علمت أَن أحدا كرهه وَعَن الشَّافِعِي
مثل ذَلِك
وَكره قوم من أهل الحَدِيث ذَلِك مِنْهُم ابْن حَنْبَل ذكره عَنهُ
الْأَثْرَم أَن أَحْمد بن حن 4 بل كره الصَّلَاة بَين التَّرَاوِيح فَذكر
لَهُ فِي ذَلِك رخصَة عَن بعض الصَّحَابَة قَالَ هَذَا بَاطِل إِنَّمَا
فِيهِ رخصَة عَن الْحسن وَسَعِيد بن جببير وَإِبْرَاهِيم قَالَ وَفِيه عَن
ثَلَاثَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَرَاهَة عبَادَة
بن الصَّامِت وَعقبَة بن عَامر وَأبي الدَّرْدَاء
(4/386)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن عَامر بن
عبد الله بن الزبير وَأبي بكر بن حزم وَيحيى بن سعيد أَنهم كَانُوا يصلونَ
بَين الأشفاع وَالْأولَى أَن لايزاد فِي التَّرَاوِيح شَيْء فِي حَال مَا
يُصَلِّي كَمَا لَا ينقص مِنْهُ لِئَلَّا يخْتَلط بهَا كَمَا كره النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر بَعْدَمَا أُقِيمَت
الصَّلَاة لِئَلَّا يخْتَلط التَّطَوُّع بِالْفَرْضِ
2069 - فِي الصَّلَاة بَين أَذَان الْمغرب وإقامته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَين فُقَهَاء المصار أَنه لَا يصلى
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب أَحَادِيث
جِيَاد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن شَاءَ صلى بَين
الْأَذَان وَالْإِقَامَة
قَالَ وَإِن صلى إِذا غربت الشَّمْس وحلت الصَّلَاة فَهُوَ جَائِز
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى كهمس بن الْحسن والجريري عَن عبد الله بن
بُرَيْدَة قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ قَالَ قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين كل أذانين صَلَاة بَين كل أذانين صَلَاة
بَين كل أذانين صَلَاة لمن شَاءَ
وروى حُسَيْن الْمعلم عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عبد الله بن
الْمُغَفَّل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلوا قبل
صَلَاة الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ صلوا قبل صَلَاة
(4/387)
الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ عِنْد
الثَّالِثَة لمن شَاءَ كَرَاهَة أَن يحسبها النَّاس سنة
فَاخْتلف كهمس والجريري وحسين الْمعلم فِي متن الحَدِيث فَإِن حمل على أَن
رِوَايَة الِاثْنَيْنِ كَانَ أولى من رِوَايَة الْوَاحِد سقط لفظ حَدِيث
حُسَيْن الْمعلم وَإِن تكافيا لم يكن أَحدهمَا أولى من الآخر وَلم تثبت
الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث حُسَيْن الْمعلم إِذْ كَانَت رِوَايَة
غَيره تخالفها
وَقد رُوِيَ عَن أنس قَالَ رآنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصلي
قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا
وروى شُعْبَة عَن عَمْرو بن عَامر الْأنْصَارِيّ قَالَ سَمِعت أنسا يَقُول
كَانَ إِذا نوى إِلَى الْمغرب قَالَ كُنَّا نرى أَصْحَاب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يبتدرون السَّوَارِي يصلونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ
وَقد روى عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن زر عَن أبي بن كَعْب وَعبد الرَّحْمَن بن
عَوْف أَنَّهُمَا كَانَا يصليان رَكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب
وروى شُعْبَة عَن قَتَادَة قَالَ قلت لسَعِيد بن الْمسيب إِن أَبَا سعيد
الْخُدْرِيّ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب فَقَالَ كَانَ
ينْهَى عَنْهُمَا وَلم أدْرك أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُصليهَا غير سعد بن مَالك
(4/388)
وروى الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم الركعتان
قبل الْمغرب بِدعَة
2070 - فِي رد العطاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر الَّذين شاهدناهم من أَصْحَاب أبي حنيفَة كَانَ إِذا
عطس أحدهم فَقَالَ لَهُ يَرْحَمكُمْ الله وَيَقُول هُوَ يغْفر الله لكم
وَمن خالفهم يَقُول يهديكم الله وَيصْلح بالكم
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يهديكم الله وَيصْلح بالكم عِنْد العطاس
شَيْء قالته الْخَوَارِج لأَنهم لَا يَسْتَغْفِرُونَ للنَّاس
وروى أَبُو بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه أَن الْيَهُود كَانُوا يتعاطسون
عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَاء أَن يَقُول يَرْحَمكُمْ
الله فَكَانَ يَقُول يهديكم الله وَيصْلح بالكم
وروى سَالم بن عبيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا عطس
أحدكُم فَلْيقل الْحَمد لله رب الْعَالمين أَو على كل حَال وليردوا
عَلَيْهِ يغْفر الله لكم
وروى عبد الله بن دِينَار عَن أبي صَالح السمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عطس أحدكُم فَلْيقل
الْحَمد لله وَليقل لَهُ أَخُوهُ أَو صَاحبه يَرْحَمكُمْ الله وَليقل
يهديكم الله وَيصْلح بالكم
(4/389)
وروت عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت عكس رجل
عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَاذَا أَقُول يَا
رَسُول الله قَالَ الْحَمد لله قَالَ الْقَوْم مَا نقُول لَهُ يَا رَسُول
الله قَالَ قُولُوا يَرْحَمك الله قَالَ مَاذَا أَقُول لَهُم قَالَ قل
يهديكم الله وَيصْلح بالكم
وروى عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عطس أحدكُم فَلْيقل
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَليقل لَهُ أَخُوهُ أَو صَاحبه يَرْحَمكُمْ
الله وَليقل يهديكم الله وَيصْلح بالكم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة
فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا} فَإِذا قَالَ جَوَاب قَوْله
يَرْحَمكُمْ الله يغْفر الله لكم فقد رد عَلَيْهِ مثل مَا حَيَّاهُ وَإِذا
قَالَ يهديكم الله وَيصْلح بالكم حَيَّاهُ بِأَحْسَن مِمَّا حَيَّاهُ
فَكَانَ متجاوزا لَهُ فِي الْفضل لِأَن الْمَغْفِرَة إِنَّمَا هِيَ ستر
الذُّنُوب وَالرَّحْمَة ترك الْعقَاب عَلَيْهَا وَمن حصلت لَهُ الْهِدَايَة
وَكَانَ مهديا كَانَ بَعيدا من الذُّنُوب وَمن أصلح باله فحاله فَوق حَال
المغفور لَهُ فَكَانَ ذَلِك أولى
2071 - فِي نقش الْمَسَاجِد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا بَأْس بِأَن ينقش الْمَسْجِد بالجص
والساج وَمَاء الذَّهَب
وَكره ذَلِك مَالك وَقَالَ قد كره النَّاس ذَلِك فِي مَسْجِد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ يشغل الْمُصَلِّي وَقد بَلغنِي أَن عمر بن
عبد الْعَزِيز أَرَادَ نَزعه فَقيل لَهُ لَا يخرج مِنْهُ كَبِير شَيْء من
الذَّهَب فَتَركه
(4/390)
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب سَأَلت
الثَّوْريّ أتكره النقش فِي الْمَسْجِد فَقَالَ نعم قلت السّقف وكل شَيْء
قَالَ نعم إِنَّمَا زين الْمَسْجِد وعمارته ذكر الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي إِبَاحَة تخليق الْمَسَاجِد
وَإِن كَانَ الرجل مَنْهِيّا عَن تخليق بدنه كَمَا هُوَ مَنْهِيّ عَن لبس
الذَّهَب كَذَلِك يجوز نقش الْمَسْجِد بِالذَّهَب وَإِن حرم على الرجل لبسه
إِلَّا أَنه يكره مَا يلهي الْمُصَلِّي كَمَا يكره من الخلوق مَا يلهي
وَأما عمر بن عبد الْعَزِيز فَإِنَّهُ ظن أَن الذَّهَب الَّذِي فِيهِ إِذا
أَخذ صرف فِي مَنَافِع الْمُسلمين فَقيل لَهُ لَا يخرج مِنْهُ شَيْء
فَتَركه
2072 - فِي قطع السدر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا بَأْس بِقطع السدر وَكَرِهَهُ قوم
ونهوا عَنهُ إِلَّا مَا كَانَ فِي زرع مُفسد لَهُ فَإِنَّهُم أباحوه
وروى ابْن جريج عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن سعيد بن مُحَمَّد بن
جُبَير بن مطعم عَن عبد الله بن حبشِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من قطع سِدْرَة صوب الله رَأسه فِي النَّار
وَسَعِيد بن مُحَمَّد هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُور فِي الْعلم وَلَا يدرى هَل
لَقِي عبد الله بن حبشِي أَو لم يلقه فَلم يثبت بِهَذَا الْإِسْنَاد حجَّة
وَقد روى مُحَمَّد بن شريك عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَمْرو بن أَوْس عَن
عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذين يقطعون السدر
(4/391)
يصبون فِي النَّار على رؤوسهم صبا فَهَذَا
الْإِسْنَاد أحسن من الأول إِلَّا أَن أَبَا أُسَامَة رَوَاهُ عَن ابْن
جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عُرْوَة من قَوْله غير مَرْفُوع
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن يزِيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَمْرو بن أَوْس
قَالَ أدْركْت شَيخا من ثَقِيف قد أفسد السدر زرعه فَقلت أَلا تقطعه فَإِن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِلَّا من زرع قَالَ أَنا
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَلا من قطع السدر
إِلَّا من زرع صب الله عَلَيْهِ الْعَذَاب صبا وَأَنا أكره أَن أقطعه من
الزَّرْع وَمن غَيره
وروى مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن رجل من
ثَقِيف سمع ابْن الزبير يَقُول من قطع السدر صب الله عَلَيْهِ الْعَذَاب
صبا فَهَذَا الِاضْطِرَاب فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث يسْقطهُ وَقد روى
هِشَام عَن عروه عَن أَبِيه أَنه كَانَ يقطع السدر يَجعله أبوابا
وَقد قَالَ الله تَعَالَى {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} فأباح قطع النّخل
وروى أنس أَن مَوضِع مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
قُبُور الْمُشْركين وَكَانَ فِيهِ حرث ونخل فَأمر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بقبور الْمُشْركين فنبشت وبالحرث فسويت وَأمر بِالنَّخْلِ
فَقطع
فَإِذا جَازَ قطع النّخل مَعَ مَا فِيهِ من الْمَنَافِع فِي ثَمَرَته
فالسدر أولى بذلك
آخر كتاب الْكَرَاهَة
(4/392)
= كتاب الزِّيَادَات =
2073 - فِي تَارِك الصَّلَاة عَامِدًا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه من ترك من الْمُسلمين الصَّلَاة على غير
جحودها لم يكن بذلك مُرْتَدا وَكَانَ مأخوذا بهَا حَتَّى يُصليهَا
وَقَالَ بعض حفاظ قَول مَالك إِن من مَذْهَب مَالك أَن من ترك صَلَاة
مُتَعَمدا لغير عذر حَتَّى خرج وَقتهَا فَهُوَ مُرْتَد وَيقتل إِلَّا أَن
يُصليهَا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
روى الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بَين العَبْد وَبَين الْكفْر أَو الشّرك ترك الصَّلَاة
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وَهَذَا يحْتَمل تَركهَا على وَجه الْجُحُود
وروى عِيسَى بن هِلَال الصَّدَفِي عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حَافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات
الْمَكْتُوبَة كَانَت لَهُ نورا وبرهانا وَنَجَاة من النَّار وَمن لم يحافظ
عَلَيْهِنَّ لم تكن لَهُ نورا وَلَا برهانا وَلَا نجاة وَكَانَ يَوْم
(4/393)
الْقِيَامَة مَعَ فِرْعَوْن وهامان
وَقَارُون وَأبي صَاحب الْعِظَام
وَهَذَا أَيْضا يحْتَمل تَركهَا على وَجه الْجُحُود لِأَن فِرْعَوْن وَمن
ذكر كَانُوا يتركونها على وَجه الْجُحُود
وَقد روى مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن ابْن
محيريز عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خمس صلوَات كتبهن الله على الْعباد فَمن جَاءَ بِهن
لم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد
أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد
إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة
فَدلَّ على أَنه لَيْسَ بِكَافِر لِأَن الْكَافِر لَا يدْخل الْجنَّة
بِحَال
وَلم يَخْتَلِفُوا أَن تَارِك صَوْم رَمَضَان من غير عذر لَيْسَ بِكَافِر
كَذَلِك تَارِك الصَّلَاة وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ أَن تَارِك
الصَّلَاة مَأْمُور بِفِعْلِهَا وَالْمُرْتَدّ لَا يُؤمر بِفعل الصَّلَاة
إِنَّمَا يُؤمر بِالْإِسْلَامِ ثمَّ بِالصَّلَاةِ
2074 - فِي سُجُود السَّهْو لما ترك عمدا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجب بترك شَيْء من الصَّلَاة عمدا
سُجُود السَّهْو
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي جَامعه قَالَ وَأرى أَن كل مَا لَو
فعله سَاهِيا وَجب عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو فَإِذا فعل عَامِدًا سجد فِيهِ
(4/394)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا
القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم سواهُ
وَقَالَ مَالك فِيمَن ترك الْقعُود الأول من صلَاته مُتَعَمدا فَسدتْ
عَلَيْهِ صلَاته
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا لَا تفْسد الصَّلَاة بِتَرْكِهِ سَاهِيا
وَكَذَلِكَ عَامِدًا كَسَائِر أَفعَال الصَّلَاة
وَأما سُجُود السَّهْو فِي الْعمد فروى زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن
ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا شكّ أحدكُم
فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَليقمْ فَليصل رَكْعَة
ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم فَإِن كَانَت
الرَّكْعَة الَّتِي صلى خَامِسَة شفعها بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ وَإِن
كَانَ رَابِعَة فالسجدتان ترغيم للشَّيْطَان
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
فَلَمَّا جعل السَّجْدَتَيْنِ ترغيما للشَّيْطَان لأجل النسْيَان الَّذِي
لحقه من أَجله والعمد لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنى إِذا لم يكن
للشَّيْطَان سَبَب فِي تَركه لم تجب فِيهِ سُجُود
2075 - فِي الْبكاء فِي الصَّلَاة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِن كَانَ من خوف الله لم يقطعهَا وَإِن
كَانَ من وجع قطعهَا
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا اشْتَدَّ كَأَنَّهُ قد عمل فِي غير
الصَّلَاة وَلما كَانَ قَلِيله إِذا كَانَ من خوف الله لَا يقطع كَذَلِك
كَثِيره
(4/395)
2076 - فِي سَماع الْخطْبَة
قَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا خطب يَوْم الْجُمُعَة فَلم يسْمعهَا أحد من
الْحَاضِرين لم تصح الْجُمُعَة وَإِن سَمعهَا بَعضهم صحت
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
لأَنهم يَقُولُونَ إِن الصَّلَاة جَائِزَة سَمِعت أَو لم تسمع وَقد أَسَاءَ
حِين لم يجْهر بهَا
2077 - فِي التسليمة الأولى فِي الصَّلَاة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ يخرج بالتسليمة الأولى من
الصَّلَاة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يخرج حَتَّى يسلم تسليمتين قَالَ وَلَو سلم
الْمُسَافِر تَسْلِيمَة ثمَّ نوى الْإِقَامَة قَامَ فأتمها وَلَو سلمهما
ثمَّ نوى الْإِقَامَة لم يتم
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن مُحَمَّد
بن الحنيفية عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وإحرامها
التَّكْبِير وإحلالها التَّسْلِيم
وَقد وجد التَّسْلِيم يخرج بِهِ
(4/396)
2078 - فِي رد السَّلَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن أبي يُوسُف أَنه
يُنكر الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ أَنه إِذا رد السَّلَام بعض الْقَوْم
أَجْزَأَ عَن الْجَمِيع
وَقَالَ لَا يجزىء إِلَّا أَن يردوا جَمِيعًا وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ مَالك إِذا سلم الرجل على الْجَمَاعَة فَرد عَلَيْهِ وَاحِد
مِنْهُم أَجْزَأَ عَنْهُم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن وهب عَن مَالك عَن زيد بن أسلم أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يسلم الرَّاكِب على الْمَاشِي وَإِذا
سلم من الْقَوْم وَاحِد أَجْزَأَ عَنْهُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نعلم فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا رُوِيَ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير هَذَا الحَدِيث وَغير شَيْء رُوِيَ
فِيهِ عَن أبي النَّضر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل هذَيْن
الْوَجْهَيْنِ لَا يحْتَج بِهِ
وَمَا روى من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِذا سلم من
الْقَوْم وَاحِد أَجْزَأَ عَنْهُم فَإِن السَّلَام خلاف رد السَّلَام لِأَن
السَّلَام الْمُبْتَدَأ تطوع ورده فَرِيضَة
وَقد وجدنَا من الْفُرُوض مَا هُوَ على الْكِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ بَعضهم
سقط عَن البَاقِينَ كَصَلَاة الْجَمَاعَة فِي الْمَسَاجِد وَغسل الْمَوْتَى
ودفنهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم وَلَيْسَ رد السَّلَام من هَذَا الْبَاب
لِأَنَّهُ لَو رد غير الْمُسلم عَلَيْهِم لم يسْقط ذَلِك عَنْهُم فرض
الرَّد وَمَا كَانَ فرضا على الْكِفَايَة من قَامَ بِهِ من النَّاس سقط عَن
البَاقِينَ
فَدلَّ ذَلِك على أَن رد السَّلَام من الْفُرُوض الَّتِي يلْزم كل إِنْسَان
بِنَفسِهِ
(4/397)
2079 - فِيمَن حج أَعْرَابِيًا ثمَّ هَاجر
قَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا حج الْمَمْلُوك أَو الصَّبِي أَو الْأَعرَابِي
ثمَّ عتق الْمَمْلُوك وَأدْركَ الصَّبِي وَهَاجَر الْأَعرَابِي فَعَلَيْهِم
الْحَج إِذا اسْتَطَاعُوا إِلَيْهِ السَّبِيل
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله فِي الْأَعرَابِي لم نجده عَن أحد من أهل
الْعلم سواهُ وَقَول الله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قد دخل فِيهِ الْأَعرَابِي وَغَيره
وروى فِي أَن حج الْأَعرَابِي لَا يجزىء حرَام بن عُثْمَان حَدِيثا
وَحرَام بن عُثْمَان لَيْسَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه وَسمعت الرّبيع يَقُول
سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول الحَدِيث عَن حرَام بن عُثْمَان حرَام
وَمَعَ ذَلِك فقد روى مُجَاهِد عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الْفَتْح إِنَّه لَا هِجْرَة وَلَكِن
جِهَاد وَنِيَّة وَإِذا سافرتم فانفروا
وَقَالَت عَائِشَة إِنَّمَا كَانَت الْهِجْرَة قبل فتح مَكَّة وَالنَّبِيّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ يفر الرجل بِدِينِهِ إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِن قيل فقد روى أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن عبد الله بن وقدان
الْقرشِي وَكَانَ مسترضعا فِي بني سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار
وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الله بن محيريز عَن عبد الله السَّعْدِيّ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
(4/398)
قيل لَهُ الْهِجْرَة الْمَذْكُورَة فِي
هَذِه الْآثَار خلاف الْهِجْرَة الْمَذْكُورَة فِي الْآثَار الأولى لِأَن
الْهِجْرَة فِي الْآثَار الأولى إِنَّمَا هِيَ الْهِجْرَة الَّتِي يحرم
بهَا على أَهلهَا الرُّجُوع إِلَى الدَّار الَّتِي هَاجرُوا مِنْهَا كَمَا
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد حِين مرض بِمَكَّة فَقَالَ
أَتَخَلَّف عَن هجرتي فَقَالَ لَا لَكِن البائس سعد بن خَوْلَة يرثي لَهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مَاتَ بِمَكَّة
وكما روى عَن الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْمقَام بِمَكَّة بعد بعد الصَّدْر لِلْمُهَاجِرِ أَنه ثَلَاث
وَهُنَاكَ هِجْرَة أُخْرَى وَهُوَ مَا روى مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة حَتَّى تَنْقَطِع
التَّوْبَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا
فَهَذِهِ الْهِجْرَة هِجْرَة العَاصِي غير الهجرتين الْأَوليين كَمَا روى
الزُّهْرِيّ عَن صَالح بن بشر بن فديك قَالَ خرج فديك الى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنه من
لم يُهَاجر هلك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقِم
الصَّلَاة وَآت الزَّكَاة واهجر السوء واسكن من أَرض قَوْمك حَيْثُ شِئْت
تكون مُهَاجرا
2080 - فِي الرجل يعْتق عَبده على مَال فَيردهُ
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أعتق على مائَة دِينَار إِن ذَلِك
لَازم للْعَبد وَإِن كره العَبْد ذَلِك
(4/399)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل
عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
وَقَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم لَا يعْتق حَتَّى يقبل وَأَجَازَ الله
تَعَالَى الْكِتَابَة بِرِضا العَبْد وابتغائه بقوله تَعَالَى {وَالَّذين
يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم فكاتبوهم} فَإِذا لم تصح
الْكِتَابَة عَلَيْهِ إِلَّا بقبوله لأجل المَال كَذَلِك الْعتْق
فَإِن قيل فقد يؤاجره بِغَيْر رِضَاهُ
قيل لَهُ لِأَن العَبْد لَا يملك بهَا نَفسه كَالْبيع وَأما الْعتْق فَيملك
العَبْد بِهِ نَفسه فاستحال أَن يلْزمه المَال بعد الْعتْق بِغَيْر قبُوله
2081 - فِيمَن قَالَ إِذا مت وَفُلَان فَأَنت حر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يكون هَذَا العَبْد مُدبرا حَتَّى
يَمُوت فلَان قبل الْمولى فَيكون مُدبرا حِينَئِذٍ وَإِن مَاتَ الْمولى
وَلم يمت فلَان فَهُوَ عبد للْوَرَثَة لَهُم أَن يبيعوه وَهُوَ قِيَاس قَول
الشَّافِعِي إِلَّا أَن الشَّافِعِي يُجِيز بيع الْمُدبر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَيهمَا مَاتَ أَولا فَإِنَّهُ من
الثُّلُث إِن مَاتَ الْمولى أَولا عتق من الثُّلُث
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت الدَّار بعد موتِي
فَأَنت حر كَانَ هَذَا بَاطِلا كَذَلِك إِذا مَاتَ الْمولى أَولا كَانَ
فِيهِ بِمَنْزِلَة من قَالَ إِذا مَاتَ فلَان بعد موتِي فَأَنت حر فَلَا
يعْتق
وَقد قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِيمَا لم يحك فِيهِ خلافًا أَن رجلا لَو
قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي بِشَهْر إِن ذَلِك بَاطِل
(4/400)
2082 - فِي وطىء الْجَارِيَة الْمُزَوجَة
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يُزَوّج عَبده أمته ثمَّ يُخَالِفهُ
إِيَّاهَا فيطأها فتحبل على ذَلِك ثمَّ ادّعى وَلَدهَا قَالَ لاشيء لَهُ
وَلَا يلْحق بِهِ الْوَلَد وَالْولد للْعَبد وَإِن علم بِهِ جلد مائَة
وعتقت
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم يقل أحد أَن الْجَارِيَة تعْتق بِهَذَا الْفِعْل
غير اللَّيْث وَكَيف تعْتق وَهُوَ لَو لحق بِهِ نسب وَلَدهَا لم تعْتق فِي
الْحَال وَإِنَّمَا كَانَت تصير أم ولد
2083 - فِيمَن قَالَ لعَبْدِهِ اخدمني وَأَنت حر
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل قَالَ لعَبْدِهِ اخدمني وَأَنت حر
وَلم يؤقت قَالَ أرى أَنه إِذا لم يؤقت وقتا أَنه يعْتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَعْنِي أَنه يعْتق عقيب ذَلِك القَوْل من الْمولى
بِغَيْر خدمَة يكون مِنْهُ وَهُوَ قَائِما على شَرطه بِالْخدمَةِ فَكيف
يعْتق قبلهَا أَلا ترى أَنه لَو قَالَ إِن ضربتك فَأَنت حر لم يعْتق حَتَّى
يضْربهُ كَذَلِك الْخدمَة
2084 - فِي التَّأْجِيل فِي التَّمْلِيك
قَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يضْرب لامْرَأَته أَََجَلًا إِن هُوَ
أَتَى إِلَيْهِ وَإِلَّا أمرهَا بِيَدِهَا فيمضي ذَلِك الْأَجَل فَلَا
يقْضِي شَيْء ثمَّ تُرِيدُ أَن تخْتَار نَفسهَا قَالَ إِن كَانَت تربصت
أَيَّامًا بعد مُضِيّ الْأَجَل رَجَاء أَن يقدم رَأَيْت ذَلِك لَهَا
(4/401)
2085 - فِي عدَّة أم الْوَلَد
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ عدَّة أم الْوَلَد حَيْضَة وَلَا تحل للأزواج
حَتَّى ترى الطُّهْر مِنْهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر يدل على أَن الْإِقْرَار هِيَ الْحيض فَيَنْبَغِي أَن
تكون عدَّة الْحرَّة ثَلَاث حيض
2086 - فِي النِّكَاح الْفَاسِد
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا أَو أُخْته
فِي الرضَاعَة فَلم يبن بهَا حَتَّى علم ذَلِك فَفرق بَينهمَا قَالَ لَا
يصلح لِابْنِهِ وَلَا لِأَبِيهِ أَن ينْكِحهَا
وَقد روى هَذَا القَوْل عَن مَالك بن أنس أَيْضا
وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يحرمونها على ابْنه وَأَبِيهِ
2087 - فِيمَن لَهُ على رجل دين فَابْتَاعَ مِنْهُ شَيْئا بِجِنْس الدّين
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل سَأَلَ رجلا الدينارين اللَّذين
عَلَيْهِ فمطله بهما ثمَّ يجده يَبِيع طَعَاما إِلَى أجل فيشتري مِنْهُ
بدينارين طَعَاما إِلَى أجل ثمَّ يتقاضاه الدينارين فِي مَجْلِسه فيدفعهما
إِلَيْهِ قَالَ لَا أرى هَذَا يصلح لِأَنَّهُ كَانَ أَخذه
بِالدِّينَارَيْنِ وأضعف لَهُ وَلَا يعرف ذَلِك عَن أحد من أهل الْعلم غير
اللَّيْث
وروى أَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة فِي قصَّة تمر خَيْبَر فَقَالَ إِنَّا
نَأْخُذ الصَّاع بالصاعين فَقَالَ لَا تفعل وَلَكِن بِعْ تَمرا بدرهم ثمَّ
ابتع بِالدَّرَاهِمِ هَذَا
(4/402)
وَقَالَ ابْن عمر للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أبيع الْإِبِل بِالبَقِيعِ فآخذ بِالدَّرَاهِمِ
الدَّنَانِير وبالدنانير الدَّرَاهِم فَقَالَ إِذا كَانَ ذَلِك من صرف
يومكما وافترقتما وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء فَلَا بَأْس
2088 - فِي بيع الْمَرِيض من وَارثه
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز بَيْعه فِي مَرضه من وَارثه بِمثل الْقيمَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز
2089 - فِي قرض الْحلِيّ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز قرض الْحلِيّ
كالأواني وَنَحْوهَا
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت لَهُ صناعَة مَعْرُوفَة جَازَ قرضه فَإِذا
أَعَارَهُ غَيره كَانَت عاريته قرضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن على مستهلك الْحلِيّ قِيمَته
دون مثله فَوَجَبَ أَن لَا يجوز قرضه فَإِذا أعراه كَانَ بِمَنْزِلَة
عَارِية الدَّوَابّ وَالثيَاب
2090 - فِي جِنَايَة الْمكَاتب
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ جِنَايَة أم الْوَلَد وَالْمُدبر وَالْمكَاتب
على السَّيِّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه على الْمكَاتب الْأَقَل من قِيمَته وَمن
أرش الْجِنَايَة وَلَا يُجَاوز بِهِ الدِّيَة
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكر عَنهُ ابْن الْقَاسِم يقْضِي عَلَيْهِ
بِالْجِنَايَةِ كلهَا كَمَا يُقَال
(4/403)
للْمولى لَو كَانَ عبدا إِمَّا أَن
تَدْفَعهُ أَو تُؤدِّي الْجِنَايَة كلهَا كَذَلِك الْمكَاتب إماأن يُؤَدِّي
جَمِيع الْجِنَايَة وَإِلَّا عجز وَخير سَيّده فِي الدّفع أَو الْفِدَاء
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ جِنَايَة الْمكَاتب فِي رقبته
وَقَالَ الشَّافِعِي على الْمكَاتب الْأَقَل من أرش الْجِنَايَة وَمن
قِيمَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه يسْتَحق أرش الْجِنَايَة
وَكَذَلِكَ يلْزمه جِنَايَته فَالْقِيَاس على ذَلِك أَن تلْزمهُ الدِّيَة
إِذا قتل كَالْحرِّ إِلَّا أَنه لما كَانَ رَقِيقا فَلَا يلْزم الْمولى
بِجِنَايَة العَبْد أَكثر من دَفعه كَذَلِك الْمكَاتب إِذْ أدّى قِيمَته
لتعذر دفع الرَّقَبَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكثر من ذَلِك
2091 - فِي الْمَقْبُوض على وَجه السّوم
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي رجل يساوم رجلا بِثَوْب فَقَالَ البَائِع
هُوَ لَك بِعشْرين وَقَالَ المُشْتَرِي لَا بل لَك بِعشْرَة فَذهب بِهِ
فَهَذَا إِن لم يَقع بَينهمَا بيع غير أَن المُشْتَرِي إِن اسْتَهْلكهُ
فَعَلَيهِ عشرُون وَله أَن يرد مَا لم يستهلكه
وَالْقِيَاس أَن يكون عَلَيْهِ قِيمَته قَالَ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي
يُوسُف
قَالَ وَلَو قَالَ البَائِع قد نقضت البيع ثمَّ اسْتَهْلكهُ المُشْتَرِي
فَعَلَيهِ قِيمَته وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ البَائِع ثمَّ اسْتَهْلكهُ
المُشْتَرِي فَعَلَيهِ قِيمَته وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ المُشْتَرِي فاستهلكه
وَارثه فَعَلَيهِ قِيمَته
(4/404)
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف
إِذا قَالَ المُشْتَرِي قد أَخَذتهَا بِأَلف فَقَالَ صَاحبهَا مَا أنقصك من
أَلفَيْنِ فَذهب بهَا على ذَلِك فَمَاتَتْ عِنْده فَعَلَيهِ ألفا دِرْهَم
مَا قَالَ البَائِع
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ الْقيمَة وَإِن لم تمت وردهَا برِئ فِي قَوْلهم
جَمِيعًا
وَحكى ابْن أبي عمرَان أَن قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي
هَذَا إِن الثَّوْب إِذا كَانَ فِي يَد البَائِع فقا أبيعكه بِعشْرَة
وَقَالَ الآخر لَا بِخَمْسَة فَدفعهُ رب الثَّوْب إِلَيْهِ فَهُوَ
بِخَمْسَة وَإِن كَانَ الثَّوْب فِي يَد المُشْتَرِي فَقَالَ لَهُ صَاحبه
أبيعكه بِعشْرَة وَقَالَ الآخر لَا بِخَمْسَة فَذهب بِهِ فَهُوَ بِعشْرَة
وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا اشْترى بيعا على أَن البَائِع بِالْخِيَارِ
يَوْمًا وَقَبضه المُشْتَرِي فَهَلَك فِي يَده فَهُوَ أَمِين وَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ
فَإِذا لم يضمن فِي بيع الْخِيَار فَفِي سوم البيع أَحْرَى أَن لَا يضمن
عِنْده
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك مَا قَبضه على وَجه السّوم فَركب
الدَّابَّة لينْظر إِلَى سَيرهَا أَو نزع بِالْقَوْسِ فَانْكَسَرت فَلَا
ضَمَان عَلَيْهِ إِذا لم يُخَالف وَلم يَأْخُذهَا بِغَيْر أَمر صَاحبهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي رجل أَخذ دَابَّة فَقَالَ اركبها فَإِن رضيتها
أَخَذتهَا فَضَاعَت الدَّابَّة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي مَا يدل على أَنه اخْتَار ضَمَان الْمَقْبُوض
على وَجه السّوم
وَقد روى الشّعبِيّ أَن عمر أَخذ فرسا من رجل على سوم فَحمل عَلَيْهِ رجلا
فَعَطب فخاصمه فَجعلَا بَينهمَا شريحا فَقَالَ شُرَيْح يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ أَخَذته مِنْهُ صَحِيحا سليما فَأَنت لَهُ ضَامِن حَتَّى ترده
صَحِيحا
(4/405)
سليما فأعجب عمر فَبَعثه قَاضِيا على
الْعرَاق
2092 - فِي تَأْخِير الدّين على شَرط الضَّمَان
قَالَ أبوحنيفة وَأَصْحَابه فِي رجل لَهُ على رجل دين حَال من ثمن مَبِيع
فَأَخَّرَهُ على أَن يضمنهُ فلَان عَنهُ فَإِن كَانَ فلَان حَاضرا فضمن
صَحَّ التَّأْجِيل وَإِن لم يقبل الضَّمَان بَطل التَّأْجِيل وَالرَّهْن
مثله
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم إِن كَانَ الدّين حَالا فَأَجله
فِيهِ على شَرط الرَّهْن أَو الْكَفِيل جَازَ إِذا رهن وَضمن الْحميل وَإِن
كَانَ الدّين إِلَى أجل فَشرط فِي تَأْجِيله الرَّهْن أَو الْكَفِيل لم يجز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا فرق بَين أَن يكون الدّين حَالا أَو مُؤَجّلا فِي
جَوَاز التَّأْجِيل على شَرط الْكفَالَة وَالرَّهْن
2093 - فِي الرُّجُوع فِي الْعَارِية
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قد أسلفت
فلَانا عشرَة دَنَانِير أَو أعرت فلَانا دَابَّتي إِلَى كَذَا أَو أعمرته
دَاري كَذَا وَكَذَا ثمَّ يُرِيد بعد ذَلِك أَن لَا يفعل شَيْئا من ذَلِك
قَالَ إِذا أشهد لَهُ على ذَلِك فَإِن ذَلِك يلْزمه وَيَقْضِي بِهِ
عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَن ينْزع
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد أحدا يفرق فِي الْعَارِية بَين الْإِشْهَاد
عَلَيْهَا وَبَين أَن لَا يشْهد غير اللَّيْث وَوجدنَا سَائِر عُقُود
التمليكات لَا يخْتَلف حكمهَا بَين الْإِشْهَاد وَغَيره
(4/406)
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل
يخْدم الرجل عَبده عشر سِنِين ثمَّ هوحر فيخدمه أَيَّامًا ثمَّ يَقُول لَهُ
الْخدمَة الَّتِي قبلك قد وَضَعتهَا عَنْك اذْهَبْ فَأَنت حر قَالَ
اللَّيْث لَا يعْتق حَتَّى يمْضِي الْعشْر السنون
وَقَالَ مَالك يكون حرا مَكَانَهُ
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يدبر الْجَارِيَة بعد مَوته عَن
أمة أَنه لَا يجوزله أَن يَطَأهَا وَكَذَلِكَ إِن دبرهَا عَن أمة بعد
مَوتهَا فَإِنَّهَا لَا تخرج من الثُّلُث وَلَا يلْحقهَا دين فَإِن أشهد
على ذَلِك لم يصلح لَهُ أَن يَطَأهَا
وَقَالَ اللَّيْث من أخدم جَارِيَته رجلا سِتَّة أشهر وأياما فَلَا بَأْس
أَن يَطَأهَا سَيِّدهَا إِلَّا أَن يخدمها إِيَّاه حَيَاته فَلَيْسَ لَهُ
أَن يَطَأهَا حَتَّى يَمُوت الَّذِي تخدمه وَترجع إِلَيْهِ
2094 - فِي الْوَصِيَّة بِخِدْمَة العَبْد وَنَحْوهَا
قَالَ مُحَمَّد فِي الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى لرجل بِخِدْمَة
عَبده وَلآخر بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ يخرج من الثُّلُث فَالْعَبْد لصَاحب
الرَّقَبَة والخدمة لصَاحب الْخدمَة وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّة بالأمة لوَاحِد
وَبِوَلَدِهَا الَّذِي فِي بَطنهَا لآخر وَكَذَلِكَ الْخَاتم والفص وَلم
يذكر خلافًا
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا أوصى لرجل بِخَاتمِهِ وَلآخر بفصه
فَإِن كَانَ فِي كَلَام وَاحِد فالفضة للْمُوصى لَهُ بالخاتم والفص
للْمُوصى لَهُ بالفص وَإِن كَانَ فِي كلامين مُخْتَلفين فالفصة للْمُوصى
لَهُ بالخاتم والفص بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلم يحك خلافًا وَذكر مُحَمَّد
فِي الزِّيَادَات مثل رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة فِي الفص والخاتم وَالْبناء
وَالدَّار وَالثَّمَرَة والقوصرة
(4/407)
وَقَالَ فِي الْوَصِيَّة بِالْخدمَةِ
وَالْعَبْد والبستان وَالْغلَّة والدر وسكناها فهوكما قَالَ وصل أَو قطع
لكل وَاحِد مَا أوصى لَهُ بِهِ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ الآخر
وروى بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِي الْإِمْلَاء إِن هَذَا كُله
سَوَاء الدَّار وسكناها وَالْعَبْد وخدمته والفص والخاتم وَالشَّاة
وَالصُّوف كل هَذَا وَاحِد وَلكُل وَاحِد مَا أوصى لَهُ بِهِ لَا
يُشَارِكهُ الآخر فِيهِ
قَالَ وَلَو أوصى بِهَذَا الْخَاتم وَبَعضه لفُلَان ثمَّ قَالَ قد أوصيت
بفصه لفُلَان فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي القص إِذا سمى الفص مَعَ
الْخَاتم لصَاحب الْخَاتم وَكَذَلِكَ الشّجر وَالنَّخْل
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ خَاتمِي هَذَا لفُلَان وفصه
لفُلَان كَانَ الْخَاتم للْمُوصى لَهُ بالخاتم والفص للْمُوصى لَهُ بالفص
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُف لِأَن الفص لَو
أزيل من الْخَاتم قبل موت الْمُوصى لَهُ بالخاتم بطلت وَصيته بالفص هَذَا
إِذا لم يكن موصى لَهُ غَيره كَذَلِك إِذا أوصى بِهِ لغيره وَلَا وَصِيَّة
لصَاحب الْخَاتم فِيهِ وَكَذَلِكَ بِنَاء الدَّار فَهَذَا إِنَّمَا
نَأْخُذهُ الْبناء على وَجه التبع فَإِذا أوصى بِهِ لغيره بطلت الْوَصِيَّة
فِي الفص لصَاحب الْخَاتم كَمَا لَو زايل الأَصْل
وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي هَذَا أَن يَقُول ذَلِك فِي كلامين
موصولين اَوْ مقطوعين
2095 - فِيمَن أقرّ بدار إِلَّا بناءها
قَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ من رِوَايَة أبي سُلَيْمَان وَإِذا قَالَ
لرجل هَذَا دَارك إِلَّا بناءها فَإِنَّهُ لي فَالْقَوْل قَول الْمقر لَهُ
ويأخذها وبناءها إِلَّا أَن يُقيم الْمقر الْبَيِّنَة أَنه أحدث هَذَا
الْبناء فِيهَا فَتقبل بَينته وَكَذَلِكَ الْخَاتم والفص والجبة والبطانة
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
(4/408)
وروى ابْن عبد الحكم أَن القَوْل قَول
الْمقر فِي قِيَاس قَول مَالك
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ هَذَا الْخَاتم لفُلَان وفصه لي
أَو لفُلَان فَهُوَ مثل قَوْله هَذَا الْخَاتم إِلَّا فصه لفُلَان أَو لي
فالخاتم لفُلَان والفص لَهُ أَو لفُلَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَنْبَغِي أَن يَصح اسْتثِْنَاء الْبناء والفص كمتاع
مَوْضُوع فِي الدَّار لَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان وَالْمَتَاع الَّذِي
فيهالي كَانَ القَوْل قَوْله
2096 - فِي بييع فضَّة بنوعين من الْفضة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا بَاعَ ألف دِرْهَم بِخَمْسِمِائَة بيض
وَخَمْسمِائة سود جَازَ وَكَذَلِكَ لَو بَاعهَا بِخَمْسِمِائَة وثوب
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بيع ألف بيض بِأَلف سود وبيض إِذا كَانَت الْبيض
خيرا من السود وَلَو كَانَت كلهَا سُودًا ببيض جَازَ وَكَذَلِكَ قَالَ
اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذَّهَب
بِالذَّهَب مثلا بِمثل وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مثلا بِمثل تبرها وعينها
سَوَاء
فَدلَّ على أَن لَا اعْتِبَار فِيهِ بِنُقْصَان إِنَّمَا يعْتَبر الْوَزْن
آخر كتاب الزِّيَادَات
(4/409)
= كتاب الْمكَاتب =
2097 - فِي الْكِتَابَة الْحَالة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه تجوز الْكِتَابَة الْحَالة فَإِن أَدَّاهَا
حِين طلبَهَا الْمولى مِنْهُ وَإِلَّا رد فِي الرّقّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل قَالَ كاتبوا عَبدِي على ألف
دِرْهَم وَلم يضْرب لَهَا أَََجَلًا أَنَّهَا تنجم على الْمكَاتب على قدر
مَا يرى فِي كِتَابَته مثله وَقدر قوته قَالَ وَالْكِتَابَة عِنْد النَّاس
منجمة وَلَا تكون حَالَة إِن أدّى ذَلِك إِلَى السَّيِّد
وَقَالَ اللَّيْث إِنَّمَا جعل التنجيم على الْمكَاتب رفقا بالمكاتب وَلم
يَجْعَل ذَلِك رفقا بالسيد
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا تجوز الْكِتَابَة على أقل من نجمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْكِتَابَة يتَضَمَّن تمْلِيك الْمكَاتب كَسبه
ومنافعه بِالْبَدَلِ الَّذِي عقد عَلَيْهِ فَتجوز حَالَة كَالْبيع
وَالْإِجَارَة وَنَحْوهَا
وَأَيْضًا لما جَازَت آجلة فَهِيَ عاجلة أجوز لأَنا قد وجدنَا من الْعُقُود
مَا يجوز عَاجلا وَلَا يجوز آجلا كالصرف وَرَأس مَال السّلم
(4/411)
2098 - فِي عقد الْكِتَابَة من غير ذكر
حُرِّيَّته
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك إِذا كَاتبه على ألف دِرْهَم وَلم
يقل إِذا أدّيت فَأَنت حر فَهُوَ جَائِز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَاتبه على مائَة دِينَار إِلَى
عشر سِنِين كَذَا كَذَا نجما فَهُوَ جَائِز وَلَا يعْتق حَتَّى يَقُول فِي
الْكِتَابَة إِذا أدّيت هَذَا فَأَنت حر أَو يَقُول بعد ذَلِك إِن قولي قد
كاتبتك فَكَانَ معقودا على أَنَّك إِن أدّيت فَأن حر
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْكِتَابَة اسْم تَتَضَمَّن الْحُرِّيَّة
بِالْأَدَاءِ كالخلع وَالْإِجَارَة يتَضَمَّن مَا تَحْتَهُ من تمْلِيك
الْبضْع أَو الْمَنَافِع فَلَا يحْتَاج أَن يشْتَرط الْحُرِّيَّة
2099 - فِي وضع الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَيْسَ على الْمولى أَن يضع عَن عَبده
شَيْئا من كِتَابَته وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي
آتَاكُم} هُوَ أَن يضع من كِتَابَته شَيْئا وَلم يؤقت
وَقَالَ الشَّافِعِي يجْبر السَّيِّد على أَن يضع من كِتَابَته شَيْئا
وَإِن مَاتَ السَّيِّد بعد قبض جَمِيع الْكِتَابَة حَاص للْمكَاتب
بِالَّذِي لَهُ الدّين والوصايا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي
آتَاكُم} يحْتَمل الْإِيجَاب وَيحْتَمل النّدب وَلم يَخْتَلِفُوا أَن
قَوْله فكاتبوهم على النّدب فَهُوَ مُحكم فَوَجَبَ أَن يعْطف عَلَيْهِ
الْمُتَشَابه وَيدل عَلَيْهِ من جِهَة السّنة حَدِيث الزُّهْرِيّ وَهِشَام
بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن بَرِيرَة جَاءَت
(4/412)
تستعينها فِي كتَابَتهَا وَلم تكن قَضَت من
كتَابَتهَا شَيْئا فَقَالَت عَائِشَة إِن أَحبُّوا أَن أعدهَا لَك عدَّة
وَاحِدَة وَفِي لفظ الزُّهْرِيّ أَن أَقْْضِي عَنْك كتابتك وَيكون وولاؤك
لي فَذكرت ذَلِك بَرِيرَة لأَهْلهَا فَأَبَوا وَقَالُوا إِن شَاءَت أَن
تحتسب فلتفعل وَيكون ولاؤك لنا فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ خديها فَإِن الْوَلَاء لمن أعتق
فَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْلهَا إِن شِئْت عددتها
عدَّة وَاحِدَة وَلَو كَانَ الإيتاء وَاجِبا لأخبر بِسُقُوط بَعْضهَا
2100 - فِي كِتَابَة العبيد على مَال وَاحِد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِيمَا روى مُحَمَّد إِذا
كَاتب عَبْدَيْنِ مُكَاتبَة وَاحِدَة وَجعل نجومها وَاحِدَة إِن عَجزا ردا
وَإِن أديا عتقا فَهُوَ جَائِز وَلَا يعتقان إِلَّا جَمِيعًا وَلَا يردان
إِلَّا جَمِيعًا وكل وَاحِد كَفِيل ضَامِن عَن صَاحبه وَرُوِيَ ذَلِك عَن
إِبْرَاهِيم
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِذا لم يقل كل وَاحِد كَفِيل
ضَامِن عَن صَاحبه فَكل وَاحِد مكَاتب بِحِصَّتِهِ إِن أدّى حِصَّته
مِنْهَا عتق مِنْهُ وَلم يعْتق الآخر
وَقَالَ زفر إِن قَالَ كل وَاحِد كَفِيل عَن صَاحبه لم يعْتق وَاحِد
مِنْهُمَا إِلَّا بأَدَاء الْجَمِيع
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي رجل كَاتب مملوكين لَهُ على ألف دِرْهَم فأديا
خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا أَن على الْبَاقِي مِائَتَيْنِ
وَخمسين
(4/413)
وَقَالَ مَالك إِذا كاتبها كِتَابَة
وَاحِدَة كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن صَاحبه يعتقان مَعًا
ويرقان مَعًا فَإِن أعتق الْمولى أَحدهمَا لم يجز عتقه إِلَّا أَن يكون
زَمنا فَيجوز عتق الزَّمن وَلَا يجوز عتق الصَّحِيح إِلَّا برضى الآخر
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَو بَاعَ عبدا من جمَاعَة صَفْقَة وَاحِدَة لم يكن
لأَحَدهمَا أَن يقبض حِصَّته حَتَّى يقبض البَائِع جَمِيع الثّمن كَذَلِك
الْقيَاس فِي الْكِتَابَة أَن لَا يسْتَحق وَاحِد من الْعَبْدَيْنِ رقبته
بِالْعِتْقِ إِلَّا بِقَبض الْمولى جَمِيع الْكِتَابَة
2101 - فِي رجلَيْنِ كَاتبا مملوكين لَهما
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَو أَن لِرجلَيْنِ لكل وَاحِد عبد على
حِدة كاتبهما جَمِيعًا مُكَاتبَة وَاحِدَة على ألف دِرْهَم وَجعلا نجومهما
وَاحِدَة إِن أديا عتقا وَإِن عَجزا ردا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا مكَاتب على
حِدة بِقدر قِيمَته يعْتق بِأَدَائِهِ دون الآخر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِذا كاتباهما كِتَابَة وَاحِدَة وكل وَاحِد حميل مِمَّا على
صَاحبه لم تصلح هَذِه الْكِتَابَة لِأَنَّهُ غرر
قَالَ أَبُو جَعْفَر يجوز هَذَا كَمَا لَو تزوج امْرَأتَيْنِ على ألف
دِرْهَم كَانَ لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا حصَّتهَا من الْألف بِقدر مهر الْمثل
وَأما مَذْهَب مَالك فِي شَرطه الْحمالَة فَإِن عِنْد مَالك أَن ضَمَان
الْكِتَابَة لمَوْلَاهُ لَا يجوز
2102 - فِي الْمكَاتب هَل يُسَافر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي الْمكَاتب يشْتَرط عَلَيْهِ مَوْلَاهُ
بِأَن لَا يخرج من الْكُوفَة إِلَّا بِإِذْنِهِ فَالشَّرْط بَاطِل
وَالْكِتَابَة جَائِزَة وَله أَن يخرج
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للْمكَاتب أَن يخرج من أَرض سَيّده إِلَّا بِإِذْنِهِ
اشْترط ذَلِك عَلَيْهِ أَو لم يشْتَرط وَذَلِكَ بيد سَيّده إِن شَاءَ أذن
لَهُ وَإِن شَاءَ مَنعه
وَقَالَ عُثْمَان البتي وكل شَرط على الْمكَاتب عِنْد كِتَابَته فَهُوَ
جَائِز وَإِن اشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يخرج من أرضه الَّتِي هُوَ فِيهَا
(4/414)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا اشْترط على
الْمكَاتب أَن لَا يخرج فَلَيْسَ لَهُ أَن يخرج
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَاتب عَبده فَلَيْسَ لَهُ أَن يمنعهُ أَن
يخرج حَيْثُ شَاءَ وَلَا يستأمر مَوْلَاهُ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَالْمكَاتب لَا يمْنَع من السّفر
والاكتساب قَالَ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَيْسَ للْمكَاتب أَن يُسَافر
بِغَيْر إِذن سَيّده قَالَ الْمُزنِيّ الأول أَقيس على أَصله
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي إمْلَائِهِ وللمكاتب أَن يُسَافر
بِالتِّجَارَة وَلَيْسَ للْمولى أَن يمنعهُ
2103 - فِي الْخِيَار فِي الْمُكَاتبَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب أمته على أَنه بِالْخِيَارِ
ثَلَاثًا فَولدت فِي الثَّلَاثَة أَو اكْتسبت مَالا ثمَّ أجَاز الْمولى
الْكِتَابَة فولدها دَاخل فِي الْكِتَابَة وَالْكَسْب لَهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك أَن الْوَلَد يدْخل فِي
كتَابَتهَا إِذا أجَاز الْمولى الْكِتَابَة
2104 - فِي كِتَابَة الْأَب وَالْوَصِيّ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه للْأَب ووصي الْأَب أَن يُكَاتب عبد
الصَّغِير وَلَيْسَ لَهما أَن يعتقاه على مَال
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا تجوز كِتَابَة الْوَصِيّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك للْأَب وَالْوَصِيّ أَن يكاتبا عبد
الصَّغِير وَلَيْسَ
(4/415)
للْوَصِيّ أَن يعتقهُ على مَال إِذا كَانَ
إِنَّمَا يَأْخُذ المَال من العَبْد فَإِن أعطَاهُ رجل مَالا على أَن
يعتقهُ فَفعل ذَلِك نظر للْيَتِيم فَهُوَ جَائِز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَيْسَ لوَلِيّ الْيَتِيم أَن
يُكَاتب عَبده بِحَال لِأَنَّهُ لَا نظر لَهُ فِي ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن للمأذون أَن يُكَاتب كَمَا لَا يعْتق على
مَال كَذَلِك الْأَب وَالْوَصِيّ وَفَارَقت الْكِتَابَة للْبيع لِأَن
للمأذون أَن يَبِيع وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يعْتق بأَدَاء مَال هُوَ
كَسبه يسْتَحقّهُ الصَّبِي لَو لم يُكَاتب فَهُوَ كَالْعِتْقِ على مَال
2105 - فِي كِتَابَة الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه للْمكَاتب أَن يُكَاتب فَإِن أدّى
الثَّانِي قبل الأول فَالْولَاء للْمولى وَإِن أدّى الأول قبل الثَّانِي
فولاء الثَّانِي للْأولِ
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن وهب ينظر فِي كِتَابَة الْمكَاتب
فَإِن أَرَادَ بذلك الْمُحَابَاة للْعَبد وَعرف ذَلِك بِالتَّخْفِيفِ عَنهُ
لم يجز ذَلِك وَإِن كَانَ إِنَّمَا كَاتبه على وَجه الرَّغْبَة وَطلب
المَال والعون على كِتَابَته فَهُوَ جَائِز وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن
مَالك فِي الْمكَاتب إِذا كَاتب عَبده على وَجه النّظر بذلك لنَفسِهِ أَنه
جَائِز فَإِن أدّى الْمكَاتب الْأَسْفَل قبل الْأَعْلَى وَأدّى الْمكَاتب
الْأَعْلَى بعد ذَلِك رَجَعَ إِلَيْهِ وَلَاء الْمكَاتب الْأَسْفَل
وَقَالَ الثَّوْريّ تجوز كِتَابَة الْمكَاتب فَإِن أدّى الثَّانِي وَعجز
الأول فَالْولَاء للْمولى وَإِن أديا جَمِيعًا كَانَ الْوَلَاء لَهُ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا كَاتب الْمكَاتب عبدا لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَة
البيع وَالشِّرَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز كِتَابَة الْمكَاتب إِلَّا بِإِذن الْمولى
وَإِن كَاتبه بِإِذن
(4/416)
مَوْلَاهُ فَأدى عتق ورق سَيّده إِن عجز
فَإِن كَاتبه بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ فَأدى فَلَا عتق لَهُ حَتَّى يُؤَدِّي
الْمكَاتب الأول كِتَابَته فَإِذا أَدَّاهَا عتق هُوَ ومكاتبه الَّذِي
كَاتبه فِي كِتَابَته
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَاتب الْمكَاتب فَفِيهَا
قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجوز لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق وَالثَّانِي أَنه
يجوز وَفِي الْوَلَاء قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْوَلَاء مَوْقُوف فَإِن عتق
الأول كَانَ لَهُ الْوَلَاء وَإِن لم يعْتق حَتَّى يَمُوت فَالْولَاء لمولى
الْمكَاتب
وَالثَّانِي إِن الْوَلَاء لسَيِّد الْمكَاتب بِكُل حَال لِأَنَّهُ عتق فِي
حَال لَا يكون لَهُ أَن يعتقهُ مَوْلَاهُ
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَو كَاتب الْمكَاتب عَبده فَأدى لم يعْتق كَمَا
لَو أعْتقهُ لم يعْتق قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا عِنْدِي أشبه
2106 - فِي الْمكَاتب يعْتق عَبده على مَال
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز عتق الْمكَاتب عَبده على مَال
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن أعْتقهُ على مَال يَدْفَعهُ إِلَيْهِ
من غير مَال هُوَ للْعَبد فَذَلِك جَائِز إِذا كَانَ على وَجه النّظر
لنَفسِهِ وَإِن كَانَ إِنَّمَا أعْتقهُ على مَال للْعَبد فَأَخذه مِنْهُ
فَإِنَّهُ لَا يجوز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِن أعتق الْمكَاتب عَبده على مَال
أَو كَاتبه بِإِذن سَيّده فَأدى كِتَابَته فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا
يجوز لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق وَالثَّانِي إِنَّه يجوز
(4/417)
2107 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا اخْتلف الْمولى
وَالْعَبْد فِي مِقْدَار مَال الْكِتَابَة فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يَتَحَالَفَانِ ويترادان
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس التخالف كَالْبيع أَلا ترى أَنه لَو شهد
للْمكَاتب شَاهِدَانِ أَحدهمَا بِأَلف وَالْآخر بِأَلف وَخَمْسمِائة أَن
الشَّهَادَة بَاطِلَة كَالْبيع لَو شهد بِهِ كَذَلِك وَلم يكن كمن لَهُ ألف
وَخَمْسمِائة فَشهد لَهُ شَاهد بِأَلف وَالْآخر بِأَلف وَخَمْسمِائة فَتجوز
الشَّهَادَة على الْألف
2108 - فِي الْمولى يشْتَرط على مُكَاتبَته وَطْؤُهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه هَذِه كِتَابَة فَاسِدَة فَإِن أدَّت عتقت
وَعَلَيْهَا فضل الْقيمَة إِن كَانَت أَكثر من الْكِتَابَة وَإِن كَانَت
الْقيمَة أقل من الْكِتَابَة عتقت بأَدَاء الْقيمَة وَلَا شَيْء عَلَيْهَا
غير ذَلِك
وَقَالَ زفر إِذا أدَّت الْقيمَة عتقت سَوَاء كَانَت أقل من الْقيمَة أَو
أَكثر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِن الْكِتَابَة جَائِزَة
وَالشّرط بَاطِل وَلَا يشبه البيع لِأَن البيع لَا يجوز فِيهِ الْغرَر
وَالْكِتَابَة على الْوَصْف جَائِزَة
وَقَول الثَّوْريّ يدل على أَن مذْهبه أَن الْكِتَابَة جَائِزَة وَالشّرط
بَاطِل وَمذهب الشَّافِعِي يدل على أَن هَذَا الشَّرْط يفْسد الْكِتَابَة
(4/418)
2109 - فِي ضَمَان الْأَجْنَبِيّ لمَال
الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز ضَمَان الْأَجْنَبِيّ لمَال
الْكِتَابَة إِلَّا أَن يكون للْمكَاتب على الضَّامِن مَال فَيضمنهُ
لمَوْلَاهُ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يجوز ضَمَان الْأَجْنَبِيّ لمَال الْكِتَابَة
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لأحد أَن يحمل للسَّيِّد كِتَابَة عَبده وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي
2110 - فِي تَزْوِيج الْمكَاتب وعتقه وضمانه وهبته
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز تَزْوِيج الْمكَاتب إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهُ
وَأما هِبته وعتقه وكفالته عَن رجل فَإِنَّهُ لَا يجوز شَيْء من ذَلِك
وَإِن أذن لَهُ الْمولى
وَقَالَ ابْن أبي ليلى للْمكَاتب أَن يتَزَوَّج إِلَّا أَن يكون الْمولى
اشْترط عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَة أَن لَا يتَزَوَّج إِلَّا بِإِذْنِهِ
فَيكون ذَلِك كَمَا شَرط قَالَ وكفالته أَيْضا جَائِزَة قَالَ فَأَما عتقه
وهبته فموقوفان فَإِن أعتق أمضى ذَلِك وَإِن عجز بَطل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب عَن مَالك لَا يتَزَوَّج الْمكَاتب
إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهُ وَإِن أعتق الْمكَاتب عبدا أَو وهب بعض مَاله ثمَّ
عتق بعد ذَلِك عَلَيْهِ وَإِن علم السَّيِّد قبل أَن يعْتق فَرده بَاطِل
فَإِن عتق بعد ذَلِك لم ينفذ مَا فعل
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن اشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يتَزَوَّج لم يتَزَوَّج
وعتقه وصدقته
(4/419)
موقوفان فَإِن أدّى نفذ ذَلِك وَإِن عجز
بَطل وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي فِي الْعتْق وَالصَّدَََقَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يهب الْمكَاتب مَاله إِلَّا بِإِذن
سَيّده فَإِن أعتق عبدا بِإِذن سَيّده فَفِي الْوَلَاء قَولَانِ أَحدهمَا
أَنه مَوْقُوف فَإِن عتق الْمكَاتب كَانَ لَهُ وَإِن لم يعْتق حَتَّى
يَمُوت فَالْولَاء لسَيِّد الْمكَاتب وَالثَّانِي أَن الْوَلَاء للسَّيِّد
على كل حَال
2111 - فِي الْمكَاتب يدبره الْمولى
قَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا دبر الرجل عَبده
ثمَّ كَاتبه بعد ذَلِك فِي صِحَّته ثمَّ مَاتَ الْمولى وَله مَال يخرج
العَبْد ومكاتبته من ثلثه أَو تخرج الْمُكَاتبَة وَحدهَا من ثلثه
فَالْعَبْد حر لَا سَبِيل عَلَيْهِ وَقد بطلت الْمُكَاتبَة
وَإِن كَانَ العَبْد يخرج من ثلثه وَالْمُكَاتبَة لَا تخرج من ثلثه فَفِي
قِيَاس قَوْله أَن يسْعَى فِي الْكِتَابَة إِلَّا أَن يعجز عَنْهَا فَيعتق
وَلَا تكون عَلَيْهِ سِعَايَة وَلَكِن هَذَا فسخ لِأَن العَبْد إِذا عجز
عَن الْمُكَاتبَة وَخرج من الثُّلُث كَانَ حرا وَتبطل الْكِتَابَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن خرجت الرَّقَبَة من ثلث المَال أَو
الْمُكَاتبَة أَيهمَا خرج فَالْعَبْد حر فَإِن مَاتَ الْمولى وَلَا مَال
لَهُ غير العَبْد فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ يسْعَى فِي جَمِيع الْكِتَابَة
إِلَّا أَن يعجز فيسعى فِي ثُلثي قِيمَته
(4/420)
وَفِي قَول أبي يُوسُف يسْعَى فِي الْأَقَل
فِيمَا بَقِي عَلَيْهِ من جَمِيع الْكِتَابَة وثلثي الْقيمَة
وَقَالَ مُحَمَّد يسْعَى فِي الْأَقَل من ثُلثي جَمِيع مَا بَقِي عَلَيْهِ
من الْكِتَابَة وثلثي الْقيمَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا دبر عَبده ثمَّ كَاتبه ثمَّ مَاتَ
فَالْعَبْد يخرج من ثلثه وانتقضت الْكِتَابَة وَيعتق بِالتَّدْبِيرِ فَإِن
لم يحملهُ الثُّلُث عتق مِنْهُ الثُّلُث وَيسْعَى فِيمَا بَقِي من
الْكِتَابَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَاتب عَبده فَقبض بعض الْكِتَابَة ثمَّ مَاتَ
الْمولى فَقَامَتْ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ دبره قبل أَن يكاتبه فللمولى مَا
أَخذه فِي حَيَاته وَمَا أَخذ مِنْهُ الْوَرَثَة بعد الْمَوْت يردونه
عَلَيْهِ وَهُوَ حر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا دبره ثمَّ كَاتبه ثمَّ مَاتَ عتق بِالتَّدْبِيرِ
إِن حمله الثُّلُث وَبَطلَت الْكِتَابَة فَإِن لم يحملهُ الثُّلُث عتق مَا
حمل الثُّلُث وَبَطل عَنهُ من الْكِتَابَة بِقَدرِهِ وَكَانَ مَا بَقِي على
الْكِتَابَة إِلَّا أَن يعجز فيرق
2112 - فِيمَن كُوتِبَ على نَفسه وعَلى عبد غَائِب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب عبدا لَهُ على نَفسه وعَلى عبد
لَهُ غَائِب فالكتابة جَائِزَة فَإِذا أدّى الْحَاضِر عتقا وَلَيْسَ على
الْغَائِب مِنْهَا شَيْء
(4/421)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول
مَالك إِن الْكِتَابَة جَائِزَة وَيكون الْغَائِب مكَاتبا مَعَه أحب أَو
كره فَإِن أدّى الْحَاضِر جَمِيع الْكِتَابَة رَجَعَ على الْغَائِب
بِحِصَّتِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ قِيَاس قَول الشَّافِعِي إِن
الْكِتَابَة لَا تجوز على الْغَائِب
2113 - فِي الْمكَاتب يملك ذَا رحم محرم مِنْهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة للْمكَاتب أَن يَبِيع كل من يَشْتَرِي من ذَوي أرحامه
إِلَّا الْوَالِدين وَالْولد وَأم الْوَلَد إِذا كَانَ مَعهَا وَلَدهَا
فاجتمعا فِي ملكه فَإِنَّهُ لَا يَبِيع هَؤُلَاءِ وَيبِيع جَمِيع ذَوي
أرحامه غَيرهم وَيبِيع أم الْوَلَد إِذا لم يكن مَعهَا وَلَدهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد كل مَا لم يكن للْحرّ أَن يَبِيعهُ إِذا
اشْتَرَاهُ فَكَذَلِك الْمكَاتب لَا يَبِيعهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَيْسَ الْمكَاتب أَن يَشْتَرِي ابْنه
إِلَّا بِإِذن السَّيِّد فَإِن أذن لَهُ جَازَ وَدخل فِي الْكِتَابَة قَالَ
وَإِن اشْترى أَبَوَيْهِ لم يبعهما وَلم يدخلا مَعَه فِي الْكِتَابَة وَإِن
خَافَ الْعَجز جَازَ لَهُ أَن يبيعهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للْمكَاتب أَن يَبِيع أَبَاهُ وأخاه إِذا خَافَ
الْعَجز عَن أَدَاء الْكِتَابَة وَيبِيع أم وَلَده أَيْضا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَيْسَ للْمكَاتب أَن يَشْتَرِي من
يعْتق عَلَيْهِ لَو كَانَ حرا وَله أَن يقيلهم لَو أوصى لَهُ بهم ويكسبون
على أنفسهم وَيَأْخُذ فضل كسبهم وَإِن استولد جَارِيَة لَهُ ألحقته بِهِ
ومنعته من الْوَطْء وفيهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا يَبِيعهَا بِحَال
وَالْآخر أَن يَبِيعهَا خَافَ الْعَجز أَو لم يخف
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذكرنَا فِيمَا تقدم أَن الْقيَاس أَنه لَا يجوز
كِتَابَة الْمكَاتب
(4/422)
كَمَا لَا يجوز عتقه فَكل من دخل فِي
كِتَابَته بِالشِّرَاءِ فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز شِرَاؤُهُ لَهُ إِلَّا
بِإِذن السَّيِّد
2114 - فِي كِتَابَة أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا
يجوز لأحد الشَّرِيكَيْنِ مُكَاتبَة نصِيبه بِغَيْر إِذن شَرِيكه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعبيد الله بن الْحسن وَعُثْمَان البتي
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ تجوز كِتَابَة أَحدهمَا بِغَيْر إِذن
شَرِيكه
2115 - فِي كِتَابَة أحد الشَّرِيكَيْنِ بِإِذن الآخر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَاتب نصِيبه بِإِذن شَرِيكه فالكتابة جَائِزَة
فِي نصِيبه وَنصِيب الآخر عبد وإذنه فِي الْكِتَابَة إِذن فِي قبض
الْمكَاتب من جَمِيع كَسبه مَا لم يَنْهَهُ وَلَا يرجع على الَّذِي كَاتب
بِشَيْء فِيمَا قَبضه من مَال الْكِتَابَة إِلَّا أَن يكون نَهَاهُ عَن قبض
الْكِتَابَة من كسب نصِيبه وَإِن أدّى عتق وَلم يكن لَهُ أَن يضمن
الشَّرِيك وَلكنه يستسعي إِن شَاءَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ مكَاتب لَهما جَمِيعًا وَمَا أَدَّاهُ
فَهُوَ بَينهمَا وَالْكِتَابَة لَا تتبعض عِنْدهمَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا تجوز كِتَابَة أَحدهمَا بِإِذن
شَرِيكه وَيفْسخ وَإِن أدّى إِلَى الَّذِي كَاتبه لم يعْتق
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يُكَاتب بعض عبد إِلَّا
أَن يكون بَاقِيه حرا وَلَا بعض عبد بَينه وَبَين شَرِيكه وَإِن كَانَ
بِإِذْنِهِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء
(4/423)
الْكِتَابَة جَائِزَة وللذي لم يُكَاتب أَن
يستخدمه يَوْمًا ويخليه يَوْمًا للكسب وَإِن أَبرَأَهُ مِمَّا عَلَيْهِ
كَانَ نصِيبه حرا وَقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي وَعتق إِن كَانَ مُوسِرًا ورق
إِن كَانَ مُعسرا
2116 - فِي مكَاتب لِرجلَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا
قَالَ مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِي مكَاتب بَين رجلَيْنِ
أعْتقهُ أَحدهمَا عتق نصِيبه مِنْهُ وَنصِيب الآخر مكَاتب وَإِذا أدّى
إِلَيْهِ عتق وَكَانَ وَلَاؤُه بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف قد صَار حرا كُله وَيضمن الْمُعْتق لشَرِيكه نصف
قيمَة العَبْد إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن كَانَ مُعسرا سعى العَبْد للَّذي
لم يعْتق فِي نصف قِيمَته وَإِن لم يبْق من مَال الْكِتَابَة إِلَّا
دِرْهَم وَاحِد
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا أعْتقهُ وَهُوَ مُوسر عتق كُله وَضمن الْمُعْتق
الْأَقَل من نصف قيمَة العَبْد وَمن نصف مَا بَقِي من الْكِتَابَة
لِأَنَّهُ لم يستهلك لشَرِيكه من المَال إِلَّا الْأَقَل وَإِن كَانَ
مُعسرا سعى العَبْد لذِي لم يعْتق فِي الْأَقَل من نصف قِيمَته وَمن نصف
مَا بَقِي من الْكِتَابَة
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن الْقَاسِم فِي رجل أعتق بعض مكَاتبه
وَهُوَ صَحِيح قَالَ لَا يعْتق مِنْهُ شَيْء وَإِنَّمَا الْعتْق هَاهُنَا
وضع مَال عِنْد مَالك فَينْظر إِلَى مَا عتق وَيُوضَع عَنهُ من الْكِتَابَة
بِقدر ذَلِك ثمَّ يسْعَى فِيمَا بَقِي فَإِن أَدَّاهُ عتق وَإِن عجز رق
كُله
وَقَالَ مَالك إِلَّا أَن يكون أعتق ذَلِك الشّقص مِنْهُ فِي وَصِيَّة
فَإِن ذَلِك عتق للْمكَاتب إِن عجزوحمل ذَلِك الثُّلُث
قَالَ مَالك وَلَو أَن مكَاتبا بَين رجلَيْنِ أعتق أَحدهمَا نصِيبه ثمَّ
عجز عَن
(4/424)
نصيب صَاحبه لم يقوم على الَّذِي أعْتقهُ
وَيكون رَقِيقا بَينهمَا وروى الْأَوْزَاعِيّ مَا يدل على أَن مذْهبه فِي
ذَلِك كمذهب مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ فِي مكَاتب بَين
رجلَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا قوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن كَانَ مُوسِرًا
وَعتق كُله وَإِلَّا كَانَ الْبَاقِي مكَاتبا وَكَذَلِكَ لَو أَبرَأَهُ
فَهُوَ كعتقه وَلَو مَاتَ سيد الْمكَاتب فَأَبْرَأهُ بعض الوراثة من
حِصَّته عتق نصِيبه عجز أَو لم يعجز وَوَلَاؤُهُ للَّذي كَاتبه وَلَا أقومه
عَلَيْهِ وَالْوَلَاء لغيره
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا هَذَا وَالْآخر يقوم
عَلَيْهِ إِذا عجز وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُه كُله لِأَن الْكِتَابَة الأولى
بطلت وَأعْتق هَذَا ملكه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتّفق الْجَمِيع على أَن الْمكَاتب إِذا أدّى
الْكِتَابَة عتق وَصَارَ وَلَاؤُه لمَوْلَاهُ دلّ ذَلِك على بَقَاء ملكه
فِيهِ بعد الْكِتَابَة لَوْلَا ذَلِك لما اسْتحق عَلَيْهِ وَلَاؤُه
بِالْعِتْقِ وَإِذا كَانَ مَالِكًا جَازَ عتقه وَيَنْبَغِي أَن يَرث ورثته
رقبته فَيجوز عتق بَعضهم نصِيبه
2117 - فِي قبض أحد الشَّرِيكَيْنِ حِصَّته
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب رجلَانِ عبدا لَهما مُكَاتبَة
وَاحِدَة فَأدى إِلَى أَحدهمَا حِصَّته لم يعْتق حَتَّى يُؤَدِّي جَمِيع
الْكِتَابَة إِلَيْهِمَا سَوَاء قبض بِإِذن شَرِيكه أَو بِغَيْر إِذْنه
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك إِنَّه لَا يعْتق بِقَبض أَحدهمَا حِصَّته
وَقَالَ الشَّافِعِي أصح مَا فِيهِ أَن لَا يعْتق بِقَبض أَحدهمَا حِصَّته
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله أصح مَا فِيهِ دَلِيل على أَن فِيهِ غير ذَلِك
القَوْل قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلما كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيمَا قبض لم يعْتق
لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة لَو دفع إِلَيْهِ
(4/425)
بعض حِصَّته وَلَا يشبه هَذَا عبد بَين
رجلَيْنِ باعاه صَفْقَة وَاحِدَة بِثمن وَاحِد فَدفع الْمُبْتَاع إِلَى
أَحدهمَا حِصَّته من الثّمن فَيكون لَهُ أَن يقبض نصِيبه من العَبْد
لِأَنَّهُ يجوز لَهُ بيع نصِيبه على حِدة وَلَا يجوز لأَحَدهمَا مُكَاتبَة
نصِيبه على حِدة وَله أَن يفسخه إِن كَاتب نصِيبه
2118 - فِي الْكِتَابَة يشْتَرط فِيهَا شرطا بعد أَدَاء المَال
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب عَبده على ألف دِرْهَم على أَنه
إِذا عتق فَعَلَيهِ ألف آخر أَو على أَن يَخْدمه بعد ذَلِك شهرا جَازَ
ذَلِك على مَا شَرط وَلَو قَالَ على أَن يَخْدمه وَلم يؤقت لم تجز
الْكِتَابَة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا كَاتب عَبده بِذَهَب أَو ورق وَاشْترط
عَلَيْهِ فِي كِتَابَته سفرا أَو خدمَة أَو أضْحِية أَو كسْوَة فَإِنَّهُ
ينظر إِلَى مَا شَرط عَلَيْهِ من خدمَة وَمن سفر وَمَا سوى ذَلِك مِمَّا
يعالجه بِنَفسِهِ فَيكون ذَلِك مَوْضُوعا لَا شَيْء عَلَيْهِ مِنْهُ
لسَيِّده وَمَا كَانَ من أضْحِية أَو كسْوَة أَو شَيْء يُؤَدِّيه فَهُوَ
بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ فِي جَامعه وَلَو كَاتبه
على أَن يَخْدمه شهرا يَأْخُذ فِيهِ حِين كَاتبه وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ بعد
الشَّهْر مَالا جَازَ وَلَو شَرط تَعْجِيل المَال وَتَأْخِير الْعَمَل لم
يجز وَإِن وصف الْأُضْحِية فَقَالَ مَا عز ثنية من شَاة بدل كَذَا أومن
شَاة بني فلَان يَدْفَعهَا إِلَيْهِ يَوْم كَذَا من سنة كَذَا جَازَ وَإِن
قَالَ أضْحِية وَلم يصفها لم يجز كَمَا لَا يجوز فِي البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن تكون الْكِتَابَة فَاسِدَة إِذا شَرط
عَلَيْهِ بعد الْعتاق شَيْئا كَالْبيع لِأَنَّهُ يلْحقهَا الْفَسْخ
(4/426)
2119 - فِي كِتَابَة النَّصْرَانِي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي نَصْرَانِيّ كَاتب عبدا نَصْرَانِيّا
ثمَّ أسلم العَبْد فَهُوَ على كِتَابَته وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَو اشْترى نَصْرَانِيّ عبدا مُسلما
وكاتبه جَازَت كِتَابَته
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا أسلم مكَاتب
النَّصْرَانِي بِيعَتْ كِتَابَته من مُسلم فَإِن أَدَّاهَا فَعتق فولاؤه
لِلنَّصْرَانِيِّ الَّذِي كَاتبه إِذا أسلم يَوْمًا مَا وَإِن عجز كَانَ
رَقِيقا لمن اشْتَرَاهُ
قَالَ مَالك وَيجوز شِرَاء النَّصْرَانِي للْعَبد الْمُسلم وَيجْبر على
بَيْعه فَإِن كَاتبه على أَن يُبَاع عَلَيْهِ أجبر النَّصْرَانِي على بيع
كِتَابَته وَإِن عتق كَانَ وَلَاؤُه لجَمِيع الْمُسلمين وَإِن أسلم
مَوْلَاهُ بعد ذَلِك لم ترجع وَلَاؤُه إِلَيْهِ
قَالَ وَلَو كَاتبه وَهُوَ نَصْرَانِيّ ثمَّ أسلم فَبيع عَلَيْهِ كِتَابَته
ثمَّ أدّى فَعتق فَإِن أسلم مَوْلَاهُ الَّذِي كَاتبه رَجَعَ إِلَيْهِ
وَلَاؤُه وَلَا يشبه هَذَا أَن يعْقد الْكِتَابَة وَالْعَبْد مُسلم
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أسلم مكَاتب النَّصْرَانِي أَو مدبره بيعا جَمِيعًا
مِمَّن يعتقهما
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا أعتق على النَّصْرَانِي فولاؤه لَهُ لِأَن
الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب كَمَا يلْحق بِهِ النّسَب كَذَلِك
الْوَلَاء
2120 - فِي بيع الْمكَاتب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَسد بن الفران عَن مُحَمَّد وَأبي يُوسُف عَن
(4/427)
أبي حنيفَة إِذا بَاعَ مكَاتبا فَأعْتقهُ
المُشْتَرِي فعتقه بَاطِل وَبيعه بَاطِل وَهُوَ مكَاتب كَمَا كَانَ فَإِن
قَالَ الْمكَاتب قد عجزت وَكسرت الْكِتَابَة فَبَاعَهُ الْمولى فبيعه
جَائِز وَلم يحك خلافًا
وَسمعت أبن أبي عمرَان يَحْكِي عَن أبي يُوسُف فِي أَمَالِيهِ أَن
الْمكَاتب إِذا بيع بِرِضَاهُ بذلك قبل عَجزه عَن الْكِتَابَة أَن بَيْعه
جَائِز وَإِن بيع بِغَيْر رِضَاهُ لم يجز بَيْعه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يُبَاع رَقَبَة الْمكَاتب وَإِن
رَضِي الْمكَاتب لِأَن الْوَلَاء قد ثَبت للَّذي عقد الْكِتَابَة فَإِن
فَاتَ ذَلِك حَتَّى يعْتق لم أرده وَلَا وَلَاؤُه للَّذي اشْتَرَاهُ
وَأعْتقهُ لِأَن ذَلِك عِنْدِي رضى من العَبْد بِفَسْخ الْكِتَابَة وَقد
دخله عتق
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا يُبَاع الْمكَاتب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن بَرِيرَة
كَانَت مُكَاتبَة جَاءَت تستعينها فِي كتَابَتهَا فَقَالَت لَهَا عَائِشَة
ارجعي إِلَى أهلك فَإِن أَحبُّوا أَن أعطيهم ذَلِك جمعا وَيكون ولاؤك لي
فعلت فَذَهَبت إِلَى أَهلهَا فعرضت ذَلِك عَلَيْهِم فَأَبَوا وَقَالُوا إِن
شَاءَت أَن تحتسب فلتفعل وَيكون ولاؤك لنا فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا يمنعك ذَلِك مِنْهَا ابتاعي وأعتقي
فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا
بشرائها وعتقها وَذَلِكَ كَانَ برضى بَرِيرَة وَهَذَا يدل على مَا
ذَكرْنَاهُ عَن أبي يُوسُف فِي جَوَاز شِرَاء الْمكَاتب بِرِضَاهُ وعَلى
أَنه لم يقل اشتريها وَهِي مُكَاتبَة وَهَذَا مَحْمُول على الْحَال الَّتِي
يجوز فِيهَا بيعهَا
(4/428)
2121 - فِي ابتياع كِتَابَة الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز بيع كِتَابَة
الْمكَاتب
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك يجوز بيع كِتَابَة الْمكَاتب وَإِن هلك
الْمكَاتب وَرثهُ الَّذِي اشْترى كِتَابَته جَمِيع مَاله وَإِن عجز فَلهُ
رقبته وَإِن أدّى كِتَابَته إِلَى المُشْتَرِي عتق وَوَلَاؤُهُ للَّذي عقد
كِتَابَته وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي من ولائه شَيْء
وَقَالَ اللَّيْث يجوز بيع كِتَابَة الْمكَاتب فَإِن مَاتَ الْمكَاتب قبل
أَن يُؤَدِّي كَانَ للْمُشْتَرِي من مَاله قدر الثّمن وَالْفضل للَّذي
كَاتب وَإِن عجز كَانَ عبدا للَّذي اشْترى كِتَابَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا عقد البيع على مَال الْكِتَابَة فَغير جَائِز
دُخُول الرَّقَبَة فِيهِ ثمَّ قَالَ الَّذين أجازوه إِن مَاتَ الْمكَاتب
اسْتحق المُشْتَرِي كَسبه وَذَلِكَ معنى لم يتَنَاوَلهُ عقد البيع وَلَو
اقْتَضَاهُ عقد البيع لفسد العقد لِأَنَّهُ قد يَقع على الْمَوْجُود
والمستفاد أَيْضا فقد قَالُوا إِنَّه لَو أدّى الْكِتَابَة لم يكن
للْمُشْتَرِي أَكثر من الْكِتَابَة الَّتِي ابتاعها وَكَانَ حرا على ملك
الَّذِي كَاتب فَدلَّ ذَلِك على أَن عقده على الْكِتَابَة لَا يَقْتَضِي
دُخُول كَسبه ورقبته فِيهِ
2122 - فِي الْمكَاتب يسبى بعد الرِّدَّة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا ارْتَدَّ الْمكَاتب وَلحق بدار
الْحَرْب فسبي عرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَإِن أسلم وَإِلَّا قتل وَأدّى
كِتَابَته وَمَا بَقِي فميراث لوَرثَته
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يملك العَبْد الْمكَاتب وَلَا مَاله
(4/429)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أبقت الْمُكَاتبَة
إِلَى دَار الْحَرْب فقد نقضت كتَابَتهَا فَإِذا سبت ردَّتْ إِلَى
مَوْلَاهَا وَإِن أبقت إِلَى غير دَار الْحَرْب فَهِيَ على كتَابَتهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر من يَجْعَل أهل الْحَرْب يملكُونَ بالغلبة فَإِنَّمَا
يَجْعَل ذَلِك فِيمَا تحصل أَيْديهم عَلَيْهِ وَمَال الْمكَاتب لم تزل يَده
عَنهُ لِأَن الْمكَاتب لَا يملك رقبته وَكَانَت رقبته وَمَاله باقيتين على
حَاله
2123 - فِي الْمكَاتب يَمُوت وَيتْرك ولدا أَو والدا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمكَاتب يَمُوت وَلم يدع
مَالا ويدع ولدا أَو والدا أَو أُمَّهَات أَوْلَاد أَو ذَوي أَرْحَام فِي
ملكه فَإِنَّهُم يباعون فِي الْكِتَابَة وَاسْتحْسن فِي الْوَلَد
الْمُشْتَرى أَنه إِنَّه قَالَ أودى الْكِتَابَة حَالَة قبلت مِنْهُ وَلَا
يقبل ذَلِك من وَالِد وَلَا غَيره وَأما الْوَلَد الْمَوْلُود فِي
الْكِتَابَة فَإِنَّهُ يسْعَى على النُّجُوم وَفِي قَول أبي يُوسُف
وَمُحَمّد كل من لَا يجوز لَهُ بَيْعه من ذَوي أرحامه وَمن أُمَّهَات
أَوْلَاده فَإِنَّهُ يسْعَى على النُّجُوم
وَقَالَ مَالك كل من دخل فِي كِتَابَة الْمكَاتب من غير أَن يعْقد عَلَيْهِ
فَإِنَّهُ يسْعَى على النُّجُوم بعد موت الْمكَاتب
2124 - فِي الْمكَاتب يُؤْتِي شَيْئا من الصَّدَقَة ثمَّ يعجز
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ إِذا عجز الْمكَاتب وَقد
أدّى إِلَى الْمولى بعض الْكِتَابَة من الصَّدَقَة فَإِنَّهُ طيب للْمولى
وَكَذَلِكَ لَو أعتق وَقد بَقِي فِي يَده شَيْء مِمَّا تصدق بِهِ عَلَيْهِ
فَهُوَ لَهُ طيب
(4/430)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن دفع
إِلَيْهِ الصَّدَقَة لَا على وَجه فكاك رقبته فَهِيَ طيبَة للْمولى بعد
الْعَجز وَإِن دَفعهَا لفكاك رقبته فَدَفعهَا إِلَى الْمولى ثمَّ عجز أَو
أدّى فَعتق ففضل فِي يَده شَيْء مِنْهَا فَإِنِّي أرى لَهُ أَن يستحلهم أَو
يردهُ عَلَيْهِم
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا سَأَلَ الْمكَاتب النَّاس وَأَعْطوهُ ثمَّ عجز
فليجعل مَا أَخذ مِنْهُ فِي المكاتبين وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَينهم أَن الصَّدَقَة على الْمكَاتب
جَائِزَة وَأَنه مُبَاح لمَوْلَاهُ أَخذ ذَلِك من كِتَابَته وَإِن كَانَ
مِمَّن لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة فَلَا يجوز أَن يرحم ذَلِك عَلَيْهِ لعجز
الْمكَاتب كَمَا أَن فَقِيرا لَو تصدق عَلَيْهِ ثمَّ اسْتغنى لم تحرم
عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّدَقَة وَكَذَلِكَ إِذا عتق ففضل فِي يَده شَيْء
2125 - فِي الْمكَاتب يَمُوت وَيتْرك وَفَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَعُثْمَان
البتي وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ إِذا مَاتَ الْمكَاتب وَترك وَفَاء
أدّيت كِتَابَته وَعتق وَمَا بَقِي فَهُوَ مِيرَاث لوَرثَته فَإِن لم يتْرك
وَفَاء وَترك ولدا ولد فِي كِتَابَته يسعوا فِيهَا على النُّجُوم
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِن ترك ولدا قد دخلُوا فِي كِتَابَته يسعوا
فِيهَا على النُّجُوم وَعتق الْمكَاتب وَولده وَإِن لم يتْرك من دخل فِي
كِتَابَته فقد مَاتَ عبدا لَا تُؤَدّى كِتَابَته من مَاله وَجَمِيع مَاله
للْمولى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا مَاتَ وَقد بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم فقد مَاتَ
عبدا لَا يلْحقهُ عتاق بعد ذَلِك
(4/431)
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ
وَزيد بن ثَابت وَابْن الزبير تُؤدِّي كِتَابَته بعد مَوته وَيعتق
وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي أَن جَمِيع مَاله لسَيِّده وَلَا تُؤَدّى مِنْهُ
كِتَابَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه إِذا علق عتقه بِشَرْط ثمَّ
مَاتَ العَبْد قبل وجود الشَّرْط أَنه يبطل وَلَا يلْحقهُ عتقاق بعد مَوته
كَذَلِك الْمكَاتب عتقه مُعَلّق بأَدَاء المَال فَإِذا مَاتَ قبل الْأَجَل
بطلت الْكِتَابَة وَالْعِتْق إِلَّا أَنهم قد اتَّفقُوا على أَنه لَو علق
عتقه بِفعل للْمولى وَجعله شرطا فِيهِ ثمَّ مَاتَ الْمولى بَطل ذَلِك وَلم
يعْتق بِهِ ابدا وَاتَّفَقُوا على أَن موت الْمولى لَا يبطل الْأَدَاء من
جِهَة العَبْد وَلَا تبطل الْكِتَابَة كَذَلِك لَا يُبطلهُ موت العَبْد
وَصَارَ بِمَنْزِلَة البيع وَفَارق الْأَيْمَان فِي بُطْلَانهَا بِمَوْت
أَحدهمَا
فَإِن قيل كَيفَ يعْتق بعد الْمَوْت
قُلْنَا لَهُ إِذا أدّى حكم بِعِتْقِهِ قبل الْمَوْت بِلَا فصل كَمَا لَو
مَاتَ رجل وَترك ابْنَيْنِ وَألف دِرْهَم وَعَلِيهِ دين ألف دِرْهَم
أَنَّهُمَا لَا يرثانه فَإِن مَاتَ أحد الِابْنَيْنِ ثمَّ برأَ الْغَرِيم
من الدّين أَخذ ابْن الْمَيِّت مِنْهُمَا حِصَّته مِيرَاثا عَن أَبِيه
وَإِن لم يكن مَالِكًا لَهُ يَوْم الْمَوْت وَلكنه جعل فِي حكم من كَانَ
مَالِكًا لتقدم سَببه كَذَلِك الْمكَاتب يعْتق بِالْأَدَاءِ قبل الْمَوْت
بِلَا فصل
2126 - فِي الْمكَاتب مَتى يعْتق
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَعُثْمَان
البتي وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث الْمكَاتب عبد
مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم لَا يعْتق إِلَّا بأَدَاء جَمِيع الْكِتَابَة
(4/432)
وروى الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ قَالَ
إِذا أدّى الْمكَاتب النّصْف أَو الثُّلُث من كِتَابَته فالأحب إِلَيّ أَن
لَا يرد إِلَى الرّقّ لما جَاءَ فِيهِ
وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَ عبد الله وَشُرَيْح يَقُولَانِ فِي
الْمكَاتب إِذا أدّى الثُّلُث فَهُوَ غَرِيم
وروى الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ قَالَ عبد الله إِذا أدّى الْمكَاتب
قيمَة رقبته فَهُوَ غَرِيم
وروى جَابر بن سَمُرَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا أدّى الْمكَاتب
النّصْف فَهُوَ غَرِيم
وَقَالَت عَائِشَة وَأم سَلمَة وَزيد بن ثَابت الْمكَاتب عبد مَا بَقِي
عَلَيْهِ دِرْهَم
وروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ من كِتَابَته
دِرْهَم
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُؤَدِّي الْمكَاتب بِحِصَّة مَا
أدّى دِيَة حر وَمَا يبْقى دِيَة عبد
وروى حجاج الصَّوَاب عَن يحيى بن أبي كثير عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مثله وَلم يذكر ابْن عَبَّاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا أَنه لَا يعْتق بِنَفس الْكِتَابَة أشبه
البيع
(4/433)
أَو الرَّهْن لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق
الْقَبْض إِلَّا بعد أَدَاء جَمِيع الثّمن أَو الدّين
2127 - فِي وَطْء الْمولى مُكَاتبَته
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا وطئ
الْمولى مُكَاتبَته طَائِعَة أَو مستكرهة فَلَا حد عَلَيْهِ وَعَلِيهِ
الْمهْر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا شَيْء عَلَيْهِ من الْمهْر وَيُعَزر
إِن كَانَ عَالما سَوَاء كَانَت طَائِعَة أَو مستكرهة
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا اغتصبها فَعَلَيهِ مَا نَقصهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَت مستكرهة ضرب الْحَد وَلها صدَاق مثلهَا
وتمضي على كتَابَتهَا وَإِن كَانَت طاوعته ضربت خمسين جلدَة وَلَا صدَاق
لَهَا وتمضي على كتَابَتهَا
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِن كَانَت طاوعته فَذَلِك فسخ لكتابتها
وَإِن أكرهها فَإِنَّهُ يُعَاقب عُقُوبَة موجعة وتعتق مَكَانهَا
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا حد عَلَيْهِ لِأَن لَهُ فِيهَا رقا وَيجب
عَلَيْهِ الْمهْر كَمَا يجب على غَرِيب لَو وَطئهَا بِشُبْهَة لِأَنَّهَا
أَحَق بكسبها وَأرش جراحتها وَلَا تعْتق لِأَن الْوَطْء لَيْسَ بِعِتْق
وَلَيْسَ بعجز لِأَنَّهَا لم تعجز
2128 - فِي الصُّلْح من الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا كَاتبه على ألف دِرْهَم إِلَى سنة ثمَّ
صَالحه على خَمْسمِائَة حَالَة أَنه جَائِز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء لَا يجوز
(4/434)
وَقَالُوا جَمِيعًا فِي الدّين على غير
مُكَاتبَة إِنَّه لَا يجوز على هَذَا الْوَجْه وَقَالَ زفر فِي
الْأَجْنَبِيّ أَيْضا
وَقَالَ مَالك مثل قَول أبي حنيفَة فِي الْمُكَاتبَة وَفِي دين
الْأَجْنَبِيّ وَوَافَقَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ الثَّوْريّ وَعُثْمَان البتي لَا يجوز أَن يَقُول لغريمه عجل لي
وأضع عَنْك وَكَذَلِكَ قَالَ البتي فِي الْكِتَابَة وَكَذَلِكَ قَالَ
الشَّافِعِي وَقَالَ الْمُزنِيّ قَالَ فِي هَذَا الْموضع وتعجل لَا يجوز
وَأَجَازَهُ فِي الدّين
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا
أَن يَقُول عجل لي وأضع عَنْك وَكَرِهَهُ ابْن عمر وَزيد بن ثَابت
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ رَبًّا الْجَاهِلِيَّة الَّذِي ورد الْقُرْآن
بِتَحْرِيمِهِ تَأْخِير الدّين الْحَال بِزِيَادَة المَال فحظر عَلَيْهِم
ابتياع الْآجَال بالأموال وَالْقِيَاس على ذَلِك إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين
مُؤَجل أَن لَا يجوز صلحه على بعضه حَالا لِأَن فِيهِ ابتياع الْأَجَل
بِالْمَالِ الَّذِي حطه وَالْقِيَاس أَن لَا فرق بَين سَائِر الدُّيُون
وَبَين الْكِتَابَة
2129 - فِي عجز الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي الْمكَاتب يعجز فَيَقُول أخروني وَقد أجل
بِنَجْم قَالَ إِن كَانَ لَهُ مَال حَاضر أَو مَال غَائِب يَرْجُو قدومه
أَخّرهُ يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة لَا يزِيدهُ على ذَلِك شَيْئا وَإِلَّا رد
فِي الرّقّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أرده حَتَّى يتوالى عَلَيْهِ نجمان
وَقَالُوا جَمِيعًا لَو رده فِي الرّقّ بِرِضَاهُ جَازَ
(4/435)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا أرده فِي الرّقّ
حَتَّى يتوالى عَلَيْهِ نجمان وَلَا يكون عَجزه إِلَّا عِنْد القَاضِي
وَقَالَ مَالك إِذا كَاتبه على نُجُوم إِلَى آجال سَمَّاهَا وَإِلَّا فَلَا
كِتَابَة لَهُ فَلَيْسَ محو كِتَابَة العَبْد بيد السَّيِّد بِمَا شَرط
ويتلوم للْمكَاتب إِن جَاءَ الْأَجَل فَإِن أعطَاهُ كَانَ على كِتَابَته
وَلَا يكون عَاجِزا إِلَّا عِنْد السُّلْطَان وَالشّرط أَنه يكون عَاجِزا
دون السُّلْطَان بَاطِل
قَالَ وَإِذا كَانَ للْمكَاتب مَال ظَاهر فَلَيْسَ لَهُ أَن يعجز نَفسه
قَالَ وَيكون عجز الْمكَاتب دون السُّلْطَان عَجزا إِذا لم يكن لَهُ مَال
مَعْرُوف وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يكون عَجزه إِلَّا عِنْد السُّلْطَان هُوَ
الَّذِي تحل نجومه وَيَقُول أَنا أودي وَلَا يعجز نَفسه فيريده سَيّده أَن
يعجزه فَهَذَا يتلوم لَهُ السُّلْطَان فَإِن رأى وَجه أَدَاء تَركه على
نجومه وَإِن لم ير لَهُ وَجه أَدَاء عَجزه
وَقَالَ الثَّوْريّ قَالَ بَعضهم يعجز إِذا أخل بِنَجْم وَمِنْهُم من
يَقُول إِذا أخل بنجمين وَالِاسْتِثْنَاء فِيهِ أحب إِلَيّ
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا عجز الْمكَاتب فَقَالَ قد عجزت صَار
عبدا ويعجبني أَن يكون الْعَجز عِنْد السُّلْطَان فَإِن كَانَ دونه
فَجَائِز
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن الْمكَاتب يعجز كم يُؤَجل حَتَّى يرد إِلَى
الرّقّ قَالَ ذَلِك إِلَى رَأْي الإِمَام
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الْمكَاتب إِذا كُوتِبَ وَاشْترط سَيّده عَجزه
فسيده على شَرطه فِيهِ
(4/436)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا توالى
عَلَيْهِ نجمان فَلم يؤدهما رد فِي الرّقّ وَلَا يرد حَتَّى يتوالى
عَلَيْهِ نجمان وَإِن تراضى السَّيِّد وَالْمكَاتب أَن يرجع فِي الرّقّ
رَجَعَ فِي الرّقّ دون السُّلْطَان وَإِن لم يعجز
وَقَالَ اللَّيْث إِذا دخل عَلَيْهِ بعض نجومه فَلم يَأْتِ بِهِ لم يعجل
عَلَيْهِ وينتظره السُّلْطَان فَإِن رَأْي لَهُ وَجه مكسب أَخّرهُ لذَلِك
وَإِن لم ير لَهُ حِرْفَة وَلَا وَجه مكسب يكون قَرِيبا رده فِي الرّقّ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَيْسَ للسَّيِّد أَن يفْسخ كِتَابَته
حَتَّى يعجز عَن أَدَاء نجم فَيكون لَهُ فَسخهَا بِحَضْرَتِهِ إِن كَانَ
بِبَلَدِهِ فَإِذا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي مَال فَأشْهد أَنه قد عَجزه بطلت
كَانَ عِنْد السُّلْطَان أَو غَيره وَلَا ينظره السُّلْطَان وَإِن شَاءَ
ذَلِك إِلَّا يحضرهُ مَاله يَبِيعهُ مَكَانَهُ فينظره قدر بَيْعه فَإِن حل
عَلَيْهِ نجم فِي غيبته فَأشْهد سَيّده أَن قد عَجزه أَو فسخ مُكَاتبَته
فَهُوَ عَاجز وَلَا يعجزه السُّلْطَان إِلَّا أَن يثبت عِنْده حُلُول نجم
من نجومه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما جَازَت الْكِتَابَة بدءا عِنْد غير سُلْطَان جَازَ
الْعَجز عَنْهَا كَذَلِك وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر وَجَابِر بن عبد الله
ويعلى بن أُميَّة جَوَاز الْعَجز دون السُّلْطَان وَلم يرو عَن غَيرهم من
الصَّحَابَة خِلَافه
وكما جَازَت الْإِقَالَة فِي البيع عِنْد غير السُّلْطَان كَذَلِك
الْكِتَابَة إِذا حل عَلَيْهِ
(4/437)
نجم فَلم يُمكنهُ أَدَاؤُهُ صَار كمن
عَلَيْهِ ثمن بيع فيبيعه السُّلْطَان عَلَيْهِ أَو يحْبسهُ حَتَّى يَبِيعهُ
أَو يفْسخ البيع وَلَا ينْتَظر بِهِ معنى آخر كَذَلِك الْكِتَابَة إِذا حلت
وَتعذر عَلَيْهِ الْأَدَاء وَجب فَسخهَا
آخر كتاب الْمكَاتب
(4/438)
= كتاب الْفَرَائِض =
2130 - فِي الْحجب بِمن لَا يَرث
قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَزيد بن ثَابت من لَا يَرث لَا
يحجب وَذَلِكَ نَحْو الْإِخْوَة الْكفَّار مَعَ الْأُم وَالِابْن الْكَافِر
مَعهَا وَمَعَ الْمَرْأَة أَو الزَّوْج أَنهم لَا يحجبون وَلَا يَرِثُونَ
وَقَالَ عبيد الله يحجبون وَإِن لم يرثوا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
الْمَمْلُوك والمشرك وَالْقَاتِل لَا يَرِثُونَ وَلَا يحجبون
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ الْمَمْلُوك وَالْكَافِر لَا
يرثان وَلَا يحجبان وَالْقَاتِل لَا يَرث ويحجب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الْأَب الْكَافِر لَا يحجب
ابْنه الْمُسلم من مِيرَاث ابْنه الْمُسلم وَأَنه بِمَنْزِلَة الْمَيِّت
كَذَلِك من ذكرنَا
(4/439)
2131 - فِي مِيرَاث الْمُرْتَد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري مَا اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة فَهُوَ
لوَرثَته من الْمُسلمين وَمَا اكْتَسبهُ بعد الرِّدَّة فَهُوَ فَيْء
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالْأَوْزَاعِيّ فِي
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة وَبعدهَا فَهُوَ
لوَرثَته من الْمُسلمين وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ جَمِيع مَاله فَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وبلغنا عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن
مَسْعُود وَزيد بن ثَابت أم قَالُوا مِيرَاث الْمُرْتَد لوَرثَته
الْمُسلمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان وَيُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن
حُسَيْن عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَرث الْكَافِر الْمُسلم وَلَا
يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَذكره مَالك عَن الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ من
قَول أُسَامَة غير مَرْفُوع
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَاحْتج من مَاله فَيْئا بِهَذَا لحَدِيث وَقَالَ
الْآخرُونَ المُرَاد بِهَذَا الْكَافِر الَّذِي يقر على كفره وَيَرِث مثله
فَأَما المرتدون فَلم يدخلُوا فِيهِ لأَنهم غير مقرين على كفرهم وَلَا يَرث
بَعضهم بَعْضًا كَمَا يتوارث سَائِر الْكفَّار بَعضهم من بعض
(4/440)
وَيدل على ذَلِك مَا روى هشيم عَن
الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنَا عَليّ بن حُسَيْن عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن
أُسَامَة بن زيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
يتوارث أهل ملتين لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا يَرث الْكَافِر
الْمُسلم
وَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث هَذِه الزِّيَادَة فَدلَّ على أَن المُرَاد
بِالْحَدِيثِ الأول الْكَافِر الَّذِي لَهُ مِلَّة يقر عَلَيْهَا
وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قتل الْمُسْتَوْرد وَكَانَ
مُرْتَدا وَجعل مَاله لوَرثَته من الْمُسلمين
وروى الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ مَال
الْمُرْتَد لوَرثَته
وَرُوِيَ عَن الْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب مثل ذَلِك
فَإِن قيل كَمَا لَا يرثنا الْمُرْتَد لَا نرثه
قيل لَهُ إِنَّمَا لم يرثنا عُقُوبَة لَهُ كَمَا يقتل عُقُوبَة وَقد لَا
يَرث الْقَاتِل من الْمَقْتُول وَيَرِث لَو مَاتَ الْقَتْل قبله بعد جراحته
وَأَيْضًا قد اتَّفقُوا على أَن مستهلك مَال الْمُرْتَد فِي جِنَايَة
يضمنهُ وَأَنه لَيْسَ بِمَنْزِلَة مَال الْحَرْبِيّ فَدلَّ ذَلِك على
بَقَاء حكم مَاله على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبله الرِّدَّة فَيَنْبَغِي أَن
يسْتَحقّهُ بعد مَوته من كَانَ يسْتَحقّهُ لَو مَاتَ قبل الرِّدَّة
(4/441)
فَإِن قيل روى الْبَراء بن عَازِب قَالَ مر
بِي خَالِي أَبُو بردة وَمَعَهُ الرَّايَة فَقلت إِلَى أَي تذْهب فَقَالَ
أَرْسلنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رجل نكح امْرَأَة
أَبِيه أَن أَقتلهُ وآخذ مَاله فَهَذَا يدل على أَن مِيرَاث الْمُرْتَد
فَيْء
قيل لَهُ إِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَن الرجل كَانَ مُحَاربًا مَعَ استحلاله
لذَلِك حَرْبِيّا فَكَانَ مَاله مغنوما لِأَن الرَّايَات إِنَّمَا تعقد
للمحاربة
وَقد روى مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بعث جد مُعَاوِيَة إِلَى رجل عرس بِامْرَأَة أَبِيه أَن يضْرب عُنُقه
ويخمس مَاله فَهَذَا يدل على أَن مَال ذَلِك الرجل كَانَ مغنوما بالمحاربة
وَلذَلِك أَخذ مِنْهُ الْخمس
2132 - فِي مِيرَاث الْقَاتِل
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَرث قَاتل عمد وَلَا خطأ إِلَّا أَن يكون صَبيا
أَو مَجْنُونا فَلَا يحرم الْمِيرَاث
وَقَالَ ابْن هَب عَن مَالك لَا يَرث الْقَاتِل من دِيَة من قتل شَيْئا
وَلَا من مَاله وَإِن قَتله خطأ لم يَرث من دِيَته وَيَرِث من سَائِر مَاله
وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي قَاتل الْخَطَأ يَرث وَلَا يَرث قَاتل الْعمد
وَقَالَ ابْن شرمة لَا يَرث قَاتل الْخَطَأ
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يَرث الْقَاتِل من مَال الْمَقْتُول وَلَا من
دِيَته
وَذكر الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه إِذا قتل الْبَاغِي الْعَادِل أَو
الْعَادِل الْبَاغِي لَا يتوارثان لِأَنَّهُمَا قاتلان
(4/442)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَفْص بن ميسرَة
قَالَ حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة عَن عدي الجذامي قَالَ قلت يَا
رَسُول الله كَانَت لي امْرَأَتَانِ فاستبتا فرميت إِحْدَاهمَا فَمَاتَتْ
فَقَالَ اعقلها وَلَا ترثها وَرَوَاهُ وهيب بن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة
بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ فرميت إِحْدَاهمَا بِحجر وَذكر مثله
وروى خلاس أَن رجلا رمى رجلا بِحجر فَأصَاب أمه فَقَتلهَا فغرمه عَليّ
عَلَيْهِ السَّلَام الدِّيَة ونفاه من الْمِيرَاث وَقَالَ إِنَّمَا حظك من
مِيرَاثهَا الْحجر
وروى قَتَادَة عَن أبي الْمليح أَن عرْفجَة حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فَأصَاب
رجله فتله فغرمه عمر الدِّيَة مُغَلّظَة ونفاه من مِيرَاثه وَجعل مِيرَاثه
لأمه وأخيه
وروى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَاتل الْخَطَأ أَنه لَا مِيرَاث لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر فاتفق عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم
أَن الْقَاتِل لَا يَرث من الْمَقْتُول دِيَة وَلَا غَيرهَا
2133 - فِي الْبَاغِي يقتل الْعَادِل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا قتل الْبَاغِي الْعَادِل وَقَالَ كنت
على حق فِي رأئي حِين قتلته لم أورثه مِنْهُ وَإِن قَالَ كنت على حق فِي
رأئي حِين قتلته
(4/443)
وَأَنا الْآن على حق ورثته وأقدت الْبَاغِي
فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أورث الْبَاغِي فِي
الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَأما الْعَادِل فَإِنَّهُ يَرث الْبَاغِي فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي أَيهمَا قتل صَاحبه لم يَرِثهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم خلافًا أَن الْقَاتِل على وَجه الْقود
الْوَاجِب لَهُ يَرث من الْمَقْتُول وَكَذَلِكَ المرجوم فِي الزِّنَا
يَرِثهُ من رجمه لِأَنَّهُ قَتله بِحَق كَذَلِك الْعَادِل إِذا قتل
الْبَاغِي وَإِذا ثَبت ذَلِك ورث الْبَاغِي الْعَادِل الْمَقْتُول أَيْضا
لِأَنَّهُ فِي حكم الْقَتْل الْمُسْتَحق فِي بَاب أَنه لَا يجب بِهِ قَود
وَلَا دِيَة فَكَانَ بِمَنْزِلَة من قَتله بِحَق
2134 - فِي وَلَاء الْمُوَالَاة
قَالَ أَصْحَابنَا من أسلم على يَدي رجل ووالاه وعاقده ثمَّ مَاتَ وَلَا
وَارِث لَهُ غَيره فميراثه لَهُ
وَقَالَ مَالك وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
مِيرَاثه للْمُسلمين
وَقَالَ يحيى بن سعيد إِذا جَاءَ من أَرض الْعَدو فَأسلم على يَده فَإِن
ولاءه لمن وَالَاهُ وَمن أسلم من أهل الذِّمَّة على يَدي رجل مُسلم فولاؤه
للْمُسلمين عَامَّة
وَقَالَ اللَّيْث من أسلم على يَدي رجل فقد وَالَاهُ وميراثه للَّذي أسلم
على يَده إِذا لم يدع وَارِثا غَيره
(4/444)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الْعَزِيز بن
عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب عَن
تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
الرجل يسلم على يَدي الرجل قَالَ هُوَ أولى النَّاس بِهِ بمحياه ومماته
قَالَ عبد الْعَزِيز شهِدت عمر بن عبد الْعَزِيز قضى بذلك فِي رجل أسلم على
يَدي رجل مُسلم فَمَاتَ وَترك مَالا وبنتا فَأعْطى الْبِنْت النّصْف
وَالَّذِي أسلم على يَدَيْهِ النّصْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو عَاصِم النَّبِيل عَن ابْن جريج عَن أبي
الزبير عَن جَابر قَالَ كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل بطن
عقوله وَقَالَ لَا يتَوَلَّى مولى قوما إِلَّا بإذنهم قَالَ وَوجدت فِي
صَحِيفَته لعن من فعل ذَلِك فأباح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُوَالَاتهمْ بإذنهم
وروى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ من أسلم على يَد قوم ضمنُوا
جرائره وَحل لَهُم مِيرَاثه
وروى معمر عَن الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن رجل أسلم فوالنى رجلا هَل بذلك
(4/445)
بَأْس قَالَ لَا بَأْس بِهِ قد أجَاز ذَلِك
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن إِذا أسلم كَافِر على يَدي رجل مُسلم
بِأَرْض الْعَدو أَو بِأَرْض الْمُسلمين فيمراثه للَّذي أسلم على يَدَيْهِ
2135 - فِي مِيرَاث الْمولى الْأَسْفَل من الْأَعْلَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر حكى الْحسن بن زِيَاد عَن أَصْحَابه أَنهم لَا يورثون
الْمولى الْأَسْفَل من الْأَعْلَى وَإِنَّهُم يعْقلُونَ عَنْهُم وَإِن لم
يرثوهم
قَالَ الْحسن وَقلت أَنا يعْقلُونَ ويرثون بِالْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ورث الْمولى من أَسْفَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَمُحَمّد بن الْحسن
وَالشَّافِعِيّ وَسَائِر أهل الْعلم مثل قَول أبي حنيفَة فِي الْمِيرَاث
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد ووهيب بن
خَالِد وَمُحَمّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن
عَوْسَجَة مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا أعتق عبدا لَهُ
فَمَاتَ الْمُعْتق وَلم يتْرك إِلَّا الْمُعْتق فَجعل رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مِيرَاثه للغلام الْمُعْتق
(4/446)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ هَذَا
الحَدِيث بمعارض وَلما وجدنَا الْأَسْبَاب الَّتِي تجب بهَا الْمِيرَاث
هِيَ الْوَلَاء وَالنّسب وَالنِّكَاح ثمَّ كَانَ ذَوُو الْأَسْبَاب
يتوارثون وَكَذَلِكَ الزَّوْجَات وَجب أَن يكون الْوَلَاء من حَيْثُ أوجب
الْمِيرَاث للأعلى من الْأَسْفَل أَن يُوجِبهُ للأسفل من الْأَعْلَى
2136 - فِي اللَّقِيط
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك اللَّقِيط وَلَاؤُه لجَماعَة الْمُسلمين يرثونه
ويعقلون عَنهُ وَهُوَ حر
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا وَلَاء لَهُ وميراثه لجَماعَة الْمُسلمين
وَقَالَ اللَّيْث وَلَاء المنبوذ للَّذي يجده وَبِذَلِك قضى عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن سُلَيْمَان بن أبي
سُلَيْمَان عَن عمر بن روبة
وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ عَن مُحَمَّد بن حَرْب الأبرش عَن عمر
بن روبة عَن عبد الْوَاحِد بن عبد الله النصري عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع
قَالَ قَالَ
(4/447)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْمَرْأَة تحرز ثَلَاث مَوَارِيث عتيقها ولقيطها وَوَلدهَا الَّذِي تلاعن
عَلَيْهِ فَهَذَا حجَّة اللَّيْث بن سعد فِي وجوب وَلَاء اللَّقِيط للملتقط
لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق مِيرَاثه إِلَّا بِثُبُوت ولائه مِنْهُ غير أَن
هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يَدُور على عمر بن روبة وَلَيْسَ هُوَ بالمشهور
وَلَا يثبت مثله
وروى الزُّهْرِيّ عَن سِنِين أبي جميلَة أَن عمر قَالَ لَهُ فِي المنبوذ
الَّذِي وجده هُوَ حر وَلَك وَلَاؤُه وعلينا نَفَقَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَأَول مُحَمَّد بن الْحسن هَذَا الحَدِيث على أَن عمر
عقد لَهُ ولاءه كَمَا كَانَ يعقده اللَّقِيط على نَفسه لَو كَانَ بَالغا
وَهَذَا جَائِز للْإِمَام أَن يعقده عَلَيْهِ
2137 - فِي مَوَارِيث الْمَجُوس
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ عَليّ وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا يورثان
الْمَجُوس بالسببين جَمِيعًا نَحْو أَن يكون أما وأختا ورثتهما مِيرَاث
الْأُم وَالْأُخْت
(4/448)
جَمِيعًا وَكَذَلِكَ جَمِيع الْمَوَارِيث
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يَرث بالسببين وَلكنه يُورث بآكدهما
نَحْو أَن يكون أما وأختا لأَب فتورث بِأَنَّهَا أم لِأَنَّهَا لَا تسْقط
بِحَال وَلَا تورث بأنهاأخت لِأَنَّهَا قد تسْقط فِي حَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ يحرم السَّبَب الَّذِي بِهِ ثَبت النّسَب من
الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرناهما فِي الْمَجُوس لم يمْنَع ثُبُوت النّسَب
من الْوَجْهَيْنِ مَعَ حظر السَّبَب لم يحل بعد ذَلِك من أحد الْوَجْهَيْنِ
إِمَّا أَن يَجْعَل ثُبُوت النّسَب من الْوَجْهَيْنِ مُوجبا لَهُ حكما
بالاجتماع ذَلِك مُخَالفا لحكمه لَو انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُمَا كأخت لأَب
وَأم قد اخْتصّت بِحكم دون الْأُخْت من الْأُم وَالْأُخْت من الْأَب وَلم
ععط مِيرَاث الْأُخْت للْأُم على حياله فَلَمَّا اتَّفقُوا على أَن لَا
يثبت إِذا كَانَت أُخْتا لم تخْتَص بميراث خلاف مِيرَاثهَا لَو انْفَرَدت
بِكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثَبت أَنَّهَا تورث بالسببين جَمِيعًا وَتصير
كَأَنَّهُ ترك أُخْتا على حِدة وبنتا على حِدة وَقد اتّفق فُقَهَاء
الْأَمْصَار فِي ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم لِأَن للْأَخ من الْأُم
السُّدس وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ وهوقول عَليّ وَزيد بن ثَابت
وَإِن كَانَ قد خَالف فِيهِ عمر وَعبد الله وَجعل الْأَخ من الْأُم أولى
فَكَذَلِك مَا وَصفنَا
2138 - فِي مَوَارِيث الْكفَّار بَعضهم من بعض
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ
فِي جَامِعَة يتوارثون مَعَ اخْتِلَاف ملتهم وَالْكفْر كُله مِلَّة
وَاحِدَة
(4/449)
قَالَ ابْن الْقَاسِم لَا أحفظه عَن مَالك
وَلَكِن لَا يتوارث أهل مِلَّة من مِلَّة أُخْرَى غَيرهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَرث
الْمُسلم الْكفَّار دلّ على أَن الْكَافِر يَرث الْكفَّار وَيدل عَلَيْهِ
مَا رُوِيَ عَنهُ لَا يتوارث أهل ملتين فَدلَّ أَن الْكفْر كُله مِلَّة
وَاحِدَة
2139 - فِي الْوَلَد يَدعِيهِ رجلَانِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد عَن أبي
يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ لَو أَن صَبيا ادَّعَاهُ نَصْرَانِيّ ويهودي
ومجوسي وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة قضيت بِهِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ
والمجوسي وَجَعَلته على دين أهل الْكتاب
وَفِي قَول أبي يُوسُف يلْحقهُ بِثُلثِهِ وَيَقُول ألحق بِأَيِّهِمْ شِئْت
وروى عَليّ بن معبد عَن مُحَمَّد قَالَ لَو أَن جَارِيَة بَين أَرْبَعَة
جَاءَت بِولد فَادعوهُ جَمِيعًا فَهُوَ بَينهم على قِيَاس قَول عمر رَضِي
الله عَنهُ
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر فِي أَخَوَيْنِ بَينهمَا جَارِيَة
فَجَاءَت بابنة وادعياها مَعًا أَنَّهَا ابنتهما فَإِن مَاتَا جَمِيعًا
ثمَّ مَاتَ أَبوهُمَا وَترك هَذِه الِابْنَة
(4/450)
وعصبة أَنه يكون لهَذِهِ الِابْنَة من
تركته الثُّلُثَانِ وَيكون مَا بَقِي مِنْهَا مِيرَاث للْعصبَةِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكون لَهَا النّصْف وَمَا بَقِي فللعصبة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا القَوْل الَّذِي حكيناه عَن أبي يُوسُف فَهُوَ
قَول مُحَمَّد بن الْحسن رَوَاهُ عَن أبي حنيفَة وَعَن أبي يُوسُف فِي كتاب
الْفَرَائِض وَقَول الثَّوْريّ فِي ذَلِك مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي جَارِيَة بَين رجلَيْنِ وطئاها فِي
طهر وَاحِد وادعيا وَلَدهَا ادّعى لولدها الْقَافة وَكَذَلِكَ لَو وَطئهَا
الْمولى ثمَّ بَاعهَا فَوَطِئَهَا المُشْتَرِي فِي ذَلِك الطُّهْر ثمَّ
ادّعَيَا الْوَلَد دعِي لَهُ الْقَافة وَلَا فرق عِنْده بَين أَن يَكُونَا
مُسلمين أَو أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر كَافِر
قَالَ مَالك إِنَّمَا الْقَافة فِي أَوْلَاد الْإِمَاء وَلَا يرى الْقَافة
فِي الْحَرَائِر وَلَو طلق رجل امْرَأَته فَتزوّجت قبل أَن تحيض فَولدت
فَالْوَلَد للْأولِ وَإِن تزَوجهَا بعد حَيْضَة من عدتهَا فَالْوَلَد
للْآخر وَإِن ولدت لسِتَّة أشهر مُنْذُ دخل بهَا الْأَخير وَإِن ولدت لأَقل
من ذَلِك فَهُوَ للْأولِ وَلَا يرى الْقَافة فِي ذَلِك وَمَا اسْتعْمل
فِيهِ قَول الْقَافة فَقَالُوا قد اشْتَركَا فِيهِ قيل هَل وَال أَيهمَا
شِئْت
وَقَول اللَّيْث فِي ذَلِك كَقَوْل مَالك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة غلبها رجل على نَفسهَا وَلها زوج
اجْتمعَا عَلَيْهَا فِي طهر وَاحِد فَحَملته فَإِنَّهَا إِذا وضعت دعِي
لولدها الْقَافة فالحقوه بِالَّذِي هُوَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الموليان إِذا
وطئا جَارِيَة فِي طهر وَاحِد فَجَاءَت بِولد فَإِنَّهُ يرى الْقَافة إِذا
ادعياه وَإِن نفياه جَمِيعًا وأنكرا أَن يَكُونَا وطئاها لم يلْحق بهما
وَضربت الْأمة خمسين جلدَة
(4/451)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا حَكَاهُ
الْمُزنِيّ عَنهُ إِذا ادَّعَاهُ حر وَعبد مُسلم مولودا التقطوه فَلَا فرق
بَين وَاحِد مِنْهُم فأريته الْقَافة فَإِن ألحقوه بِوَاحِد مِنْهُم فَهُوَ
ابْنه وَإِن ألحقوه بِأَكْثَرَ لم يكن ابْن وَاحِد مِنْهُم حَتَّى يبلغ
فينتسب إِلَى أَيهمْ شَاءَ فَيكون ابْنه وَيَنْقَطِع عَنهُ دَعْوَى غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر من اسْتعْمل قَول الْقَائِف ذهب فِيهِ إِلَى حَدِيث
الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَبْرق أسارير وَجهه فَقَالَ ألم ترى أَن مجززا نظر آنِفا إِلَى زيد
بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد فَقَالَ إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من
بعض
وَفِي لفظ آخر أَنَّهُمَا قد غطيا رؤوسهما وَعَلَيْهِمَا قطيفة وَقد بَدَت
أقدامهما
قَالُوا فَلَمَّا ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النكير على مجزز
دلّ ذَلِك على صِحَة قَول الْقَائِف لَوْلَا ذَلِك لنهاه النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن نسب أُسَامَة بن
زيد قد كَانَ ثَابتا قبل ذَلِك فصادف ذَلِك القَوْل مِنْهُ حَقِيقَة الحكم
وَإِنَّمَا أعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصوابه كَمَا يظنّ الرجل
الشَّيْء الَّذِي لَا يحرم عَلَيْهِ فِي دينه أَن يَظُنّهُ فَيُصِيب
حَقِيقَته فيعجب من فهمه
قَالَ أَبُو بكر وَنَظِيره مَا رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ فِي
مَرضه لعَائِشَة إِنِّي كنت نحلتك جدَاد عشْرين وسْقا وَإنَّك لم تَكُونِي
حُزْتِيهِ وَلَا قبضتيه وَإِنَّمَا هُوَ مَال الْوَارِث وَإِنَّمَا هما
أَخَوَاك وَأُخْتَاك قَالَت فَقلت إِنَّمَا هِيَ أُخْتِي أَسمَاء فَقَالَ
أَظن ذَا بطن بنت خَارِجَة جَارِيَة فَكَانَ كَذَلِك
(4/452)
وَلم يحرم عَلَيْهِ هَذَا الظَّن وَلم
يُوجب مَعَ ذَلِك حكما كَذَلِك قَول مجزز وظنه لم يكن مُنْكرا إِذا صَادف
حَقِيقَة الْأَمر
وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا روى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن يحيى بن
حَاطِب عَن أَبِيه قَالَ أَتَى رجلَانِ إِلَى عمر بن الْخطاب يختصمان فِي
غُلَام من ولادَة الْجَاهِلِيَّة يَقُول هَذَا ابْني وَيَقُول هَذَا هُوَ
ابْني فَدَعَا لَهما عمر قائفا من بني المصطلق فَسَأَلَهُ فَنظر فَقَالَ قد
اشْتَركَا فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَضَربهُ بِالدرةِ حَتَّى اضْطجع
ثمَّ قَالَ للغلام اتبع أَيهمَا شِئْت وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ
لِأَنَّهُ لَو قبل قَول الْقَائِف لألحقه بِالرجلَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ
هُوَ مِنْهُمَا
قَالَ أَبُو بكر فَإِن قيل فعلى قَوْلكُم كَانَ يَنْبَغِي أَن يلْحقهُ بهما
قيل لَهُ يجوز أَن يكون الْغُلَام بَالغا فَلَا يثبت دعواهما إِلَّا
بتصديقه فَلم يصدقهما عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَد نَفسه وَهُوَ حر
وَلذَلِك قَالَ لَهُ اتبع أَيهمَا شِئْت وَإِن لم يكن الْغُلَام بَالغا
وَكَانَ لَا محَالة مِمَّن يعبر عَن نَفسه فَلم يصدقهما عَلَيْهِ إِلَّا
بتصديقه وَهُوَ أَيْضا قَوْلنَا
وَقد روى شُعْبَة عَن تَوْبَة الْعَنْبَري عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عمر أَن
رجلَيْنِ اشْتَركَا فِي طهر امْرَأَة فَولدت فَدَعَا عمر الْقَافة
فَقَالُوا نجد الشّبَه مِنْهُمَا قَالَ فَجعله بَينهمَا
قَالَ وروى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر مثله وروى عَوْف بن أبي
جميلَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قضى فِي رجل
ادَّعَاهُ رجلَانِ كِلَاهُمَا يزْعم أَنه ابْنه وَذَلِكَ فِي
الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا أم الْغُلَام فَسَأَلَهَا
(4/453)
فَقَالَت لَا أَدْرِي لمن هُوَ أَتَانِي
هَذَا أول اللَّيْل وَهَذَا آخِره فَدَعَا عمر أَرْبَعَة من الْقَافة ودعا
بِتُرَاب فَأمر المدعيين فوطىء كل وَاحِد مِنْهُم بقدم وَأمر الْغُلَام
فوطىء بقدم ثمَّ دَعَا بالقافة وَاحِدًا وَاحِدًا وَفرق بَينهم فتتابعوا
أربعتهم أَنه من هذَيْن الرجلَيْن فَقَالَ عمر عجبا لما يَقُول هَؤُلَاءِ
قد كنت أعلم أَن الكلبة تلقح بالكلاب ذَوَات الْعدَد وَلم أشعر النِّسَاء
يفعلن ذَلِك قبل هَذَا إِنِّي لَا أرى مَا يرَوْنَ اذْهَبْ فهما أَبَوَاك
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب كَانَ عمر قائفا وَإِنَّمَا سَأَلَ الْقَافة هَل
يكون الْوَلَد من رجلَيْنِ وَإِنَّمَا ألحقهُ بهما بالدعوة لَا بقول
الْقَافة وَقد أوجب الله تَعَالَى اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ إِذا قَذفهَا
ولاعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يعْتَبر قَول الْقَائِف
وَلَو كَانَ قَول الْقَائِف يُؤَدِّي إِلَى حَقِيقَة لعمل عَلَيْهِ وَلما
وَافَقنَا مَالك على ترك اعْتِبَار قَول الْقَائِف فِي الْحَرَائِر وَجب
مثله فِي الْإِمَاء
وَأَيْضًا اتَّفقُوا فِي الْأمة تدعى أَن وَلَدهَا من الْمولى أَنه لَا
يرجع إِلَى قَول الْقَافة لِأَن النَّاس على قَوْلَيْنِ
فَقَالَ عمر وَابْن عمر إِذا أقرّ بِوَطْئِهَا لزمَه
وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت لَا يلْزمه إِلَّا أَن يقر بِالنّسَبِ
وَلم يعْتَبر أحد مِنْهُم قَول الْقَافة فِي كَونه مِنْهُ أَو من غَيره
2140 - فِي مِيرَاث الغرقى
قَالَ أَبُو حنيفَة رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق وَزيد بن ثَابت وَعمر بن
(4/454)
عبد الْعَزِيز فِي الغرقى يموتون وَلَا
يعلم أَيهمْ مَاتَ أَولا أَنه يُورث الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات وَلَا
يُورث الْأَمْوَات بَعضهم من بعض وَهُوَ قَول أَصْحَاب أبي حنيفَة وَابْن
شبْرمَة وَالثَّوْري وَمَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَسمعت ابْن أبي عمرَان يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة
يذهب فِي الغرقى إِلَى تَوْرِيث بَعضهم من بعض وَكَانَ يَقُول فِي نَفسِي
مِنْهُ شَيْء وَلَا أجد من ألجأ إِلَيْهِ بِمَا فِي نَفسِي من الْأَئِمَّة
لِأَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود يورثون بَعضهم من بعض حَتَّى حج فلقي
أَبَا الزِّنَاد فَذكر ذَلِك لَهُ فحدثه أَبُو الزِّنَاد عَن خَارِجَة بن
زيد عَن أَبِيه أَنه كَانَ لَا يُورث بَعضهم من بعض وَيُورث الْأَحْيَاء من
الْأَمْوَات فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَة أفتى بذلك وَترك مَا كَانَ
عَلَيْهِ قبل ذَلِك لحَدِيث أبي الزِّنَاد
وَرُوِيَ عَن الثَّوْريّ أَنه ورث بَعضهم من بعض رَوَاهُ عَنهُ الْمعَافى
وروى عَنهُ الْأَشْجَعِيّ أَنه لَا يُورث بَعضهم من بعض
وَقَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ كَقَوْل أبي حنيفَة
وَأَصْحَابه
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود تَوْرِيث
بَعضهم من بعض من تلاد أَمْوَالهم وَلَا يُورث بَعضهم من بعض مِمَّا وَرثهُ
صَاحبه
وَرُوِيَ عَن إِيَاس بن عبد الله وَكَانَ من الصَّحَابَة مثله
(4/455)
وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنه لَا يُورث
بَعضهم من بعض وَلَا يحجبون وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
وروى أَبُو الزِّنَاد أَن مِيرَاث أهل الْحرَّة قسم بَين الْأَحْيَاء وَلم
يُورث الْأَمْوَات بَعضهم من بعض وَذَلِكَ بِرَأْي أَصْحَاب رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ
قَالَ ابو جَعْفَر لَا يجوز ان يورثوا بِالشَّكِّ كَمَا لَا يُورث السقط
بِالشَّكِّ إِذا وَقع مَيتا مَعَ جَوَاز أَن يكون قد كَانَ حَيا قبل
الولاده ثمَّ مَاتَ أَبوهُ
2141 - فِي مِيرَاث الْخُنْثَى
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن بَال من حَيْثُ يَبُول الْغُلَام فَهُوَ غُلَام
وَإِن بَال من حَيْثُ تبول الْجَارِيَة فَهُوَ جَارِيَة وَإِن بَال
مِنْهُمَا فَمن أسبقهما فَإِن لم يسْبق وَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ مُشكل
عِنْد أبي حنيفَة
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد من أكثرهما بولا يُورث
وَإِن كَانَ مُشكلا فَإِن أَبَا حنيفَة يُعْطِيهِ بأخس أَحْوَاله فَإِن
كَانَ أخس أَحْوَاله أَن يكون ذكرا أعطَاهُ ذَلِك وَإِن كَانَ أخس
أَحْوَاله أَن يكون أُنْثَى أعطَاهُ ذَلِك روى ذَلِك أَيُّوب بن سُلَيْمَان
الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن آدم وَذكر أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة
(4/456)
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه أُنْثَى
حَتَّى يثبت انه ذكر وَلم يذكر أخس أَحْوَاله 2
وَذكر أَبُو سُلَيْمَان الْجوزجَاني فِي نوادره عَن مُحَمَّد فِي رجل ترك
ابْنا وَخُنْثَى أَن المَال بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي
قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف الأول وَمُحَمّد وَأما فِي قِيَاس قَول
الشّعبِيّ فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ يقسم المَال بَينهمَا على سَبْعَة
للِابْن أَرْبَعَة وللخنثى ثَلَاثَة جعل الْخُنْثَى ثَلَاثَة أَربَاع ابْن
وَقَالَ مُحَمَّد على قِيَاس قَول الشّعبِيّ للخنثى خَمْسَة من اثْنَي عشر
وللابن سَبْعَة لِأَن الْخُنْثَى إِن كَانَ بِنْتا فلهَا أَرْبَعَة وَإِن
كَانَ ابْنا فَلهُ سِتَّة فَلهُ نصف مِيرَاث ابْن وَنصف مِيرَاث بنت
وَذَلِكَ خَمْسَة وَأما الابْن فَإِن كَانَ الْخُنْثَى بِنْتا فَلهُ
ثَمَانِيَة وَإِن كَانَ ابْنا فَلهُ سِتَّة فَجعلنَا لَهُ نصف ذَلِك ثمَّ
رَجَعَ أَبُو يُوسُف إِلَى هَذَا القَوْل
قَالَ أَيُّوب بن سُلَيْمَان وَأما الشّعبِيّ وَابْن أبي ليلى وَأهل
الْبَصْرَة وَأهل الْمَدِينَة وَأَصْحَاب الْفَرَائِض فَإِنَّهُم
يَقُولُونَ فِي الْخُنْثَى لَهُ نصف مِيرَاث الذّكر وَنصف مِيرَاث
الْأُنْثَى وَذَلِكَ ثَلَاثَة أَربَاع المَال ويختلفون فِي تَنْزِيل ذَلِك
فَأَما أهل الْمَدِينَة فَيَقُولُونَ إِن كَانَ ذكرا فَلهُ المَال فيجعلون
لَهُ نصف المَال وَإِن كَانَ أُنْثَى فلهَا النّصْف فيجعلون لَهُ نصف ذَلِك
وَهُوَ الرّبع فَذَلِك ثَلَاثَة أَربَاع وَقَالَ البصريون لَهُ النّصْف لَا
شكّ فِيهِ وَالشَّكّ فِي النّصْف الآخر هَل هُوَ لَهُ أَو للْعصبَةِ
فيجعلون لَهُ نصفه فَصَارَ لَهُ ثَلَاثَة أَربَاع المَال
(4/457)
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ وَالْحسن
اللؤْلُؤِي لَا بل لَهَا ثَلَاثَة أَربَاع مِيرَاث للذّكر فيجعلونه فِي كل
مَوضِع مُنْفَردا بِثَلَاثَة أَربَاع مِيرَاث الذّكر
قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة انْظُر إِلَى أخس أَحْوَاله فَأعْطِيه إِيَّاه
وأجعله فِيمَا فضل مُدعيًا أَخْبرنِي بذلك يحيى بن آدم
قَالَ أَيُّوب وَقَول مُحَمَّد بن الْحسن خلاف قَول أبي حنيفَة وَلم يذكر
أَيُّوب كَيفَ قَول مُحَمَّد وَقد بَينه مُحَمَّد بن سَمَّاعَة
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي ابْن وَخُنْثَى قَالَ قَول أبي
يُوسُف أَنه يضْرب لَهُ ثَلَاثَة أَربَاع نصيب ابْن يَقُول إِن كَانَ
غُلَاما فَلهُ أَرْبَعَة وَإِن كَانَ جَارِيَة فلهَا سَهْمَان وللغلام
أَرْبَعَة وَأَجْعَل لَهُ ثَلَاثَة يضْرب بهَا مَعَ الْغُلَام وَيضْرب
الْغُلَام لنَفسِهِ بأَرْبعَة فَيكون المَال بَينهمَا على سَبْعَة يضْرب
بِثَلَاثَة أَربَاع نصيب الْغُلَام وَهَذَا على قِيَاس قَول الشّعبِيّ
وَقَالَ مُحَمَّد وَلَكِنِّي أضْرب لَهُ بِثَلَاثَة أَربَاع نصيب الْغُلَام
فأورثه نصف مِيرَاث الْغُلَام وَنصف مِيرَاث الِابْنَة قِيَاس قَول
الشّعبِيّ وأضرب لَهُ بذلك فَهُوَ من اثْنَي عشر سَهْما للِابْن سَبْعَة
وَله خَمْسَة من قبل أَنه أقل مَا يكون للخنثى أَرْبَعَة إِن كَانَ
جَارِيَة وَأكْثر مَا يكون لَهُ سِتَّة إِن كَانَ غُلَاما فَلهُ
الْأَرْبَعَة على كل حَال وَنصف الَّذِي يكون لَهُ فِي حَال وَلَا يكون
لَهُ فِي حَال فَلهُ خَمْسَة وَأما الْغُلَام فَأَقل مَا يكون لَهُ سِتَّة
إِن كَانَ الْخُنْثَى غُلَاما وَأكْثر مَا يكون لَهُ ثَمَانِيَة إِن كَانَ
الْخُنْثَى جَارِيَة لَهُ نصف الِاثْنَيْنِ وَاحِد وَله سَبْعَة
(4/458)
وَقَالَ مُحَمَّد قَول أبي يُوسُف فِي
الْخُنْثَى إِذا كَانَت مَعَه جَارِيَة قِيَاس قولي هَذَا وَفِي ذَلِك ترك
لقَوْله الأول فِي الْخُنْثَى مَعَ الْغُلَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يحفظ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْخُنْثَى مَعَ
شَيْئا لَا فِي الْمِيرَاث وَلَا فِي الشَّهَادَة وَلَا فِي غَيرهَا
قَالَ وَلَكِنِّي أرى أَن يعْتَبر أمره بمثاله
وَذكر بعض حفاظ قَول مَالك أَنه يُورث نصف مِيرَاث الذّكر وَنصف مِيرَاث
الْأُنْثَى وَقد روى أَيُّوب عَن أهل المدينه مَا قدمنَا وَفِيهِمْ مَالك
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَال مِنْهُمَا فشهادته وميراثه مِيرَاث النِّسَاء
وَإِذا صلى قَامَ مَعَ الرِّجَال فَإِذا مَاتَ غسله الرِّجَال رَوَاهُ
الْأَشْجَعِيّ عَنهُ وَلم يذكر غير هَذَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي الْخُنْثَى الْمُشكل يُصَلِّي بَين
صُفُوف الرِّجَال وَبَين صُفُوف النِّسَاء وَلَا يغسلهُ الرِّجَال بعد
الْمَوْت وَلَا النِّسَاء وَلكنه ييمم
وروى أَيُّوب عَن الثَّوْريّ مَا قدمنَا فِي الْمِيرَاث
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ يُعْطي الْخُنْثَى مِيرَاث امْرَأَة
إِذا أشكل وَتوقف بَقِيَّة المَال حَتَّى يبين أمره
وَذكر الْمُزنِيّ فِي كتاب الْجَنَائِز فِي الْخُنْثَى الْمُشكل أَنه ييمم
بعد الْمَوْت
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يسْتَحق إِلَّا الْأَقَل لِأَن مَا
زَاد مَشْكُوك فِيهِ فَلَا نملكه إِيَّاه إِذا لم يكن مَالِكه فِي الأَصْل
(4/459)
2142 - فِي المشركة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي مَسْأَلَة المشركة وَهِي امْرَأَة
مَاتَت وخلفت زوجا وَأما وأخوين لأم وإخوة أَو إخْوَة وأخوات لأَب وَأم أَن
للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللأخوين من الْأُم الثُّلُث وَلَا
شَيْء للَّذين من قبل الْأَب وَالأُم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ الثُّلُث بَين جَمِيع الْإِخْوَة
وَالْأَخَوَات بِالسَّوِيَّةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى معمر عَن سماك بن الْفضل عَن وهب بن مُنَبّه عَن
الحكم بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قَالَ شهِدت عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ أشرك الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم مَعَ الْإِخْوَة من الْأُم فِي
الثُّلُث فَقَالَ لَهُ رجل قد قضيت عَام أول بِغَيْر هَذَا قَالَ كَيفَ
قضيت قَالَ جعلته للإخوة للْأُم وَلم تعط الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم
شَيْئا قَالَ تِلْكَ على مَا قضينا وَهَذَا على مَا قضينا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا اخْتِلَاف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا
يُشْرك الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم مَعَ الْإِخْوَة من الْأُم فِي
الثُّلُث وَأَن الثُّلُث للإخوة من الْأُم خَاصَّة
وروى أَبُو قيس عَن هزيل بن شُرَحْبِيل عَن عبد الله مثل قَول عَليّ رَضِي
الله عَنهُ
وروى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله مثل قَول عمر رَضِي الله
عَنهُ فِي السوال وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زيد بن ثَابت
(4/460)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَاحْتج الشَّافِعِي
بِأَنَّهُم قد اشْتَركُوا فِي قرَابَة الْأُم فَوَجَبَ أَن يستحقوا
الثُّلُث كلهم وَهَذَا فَاسد لأَنهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي زوج وَأُخْت
لأَب وَأم وَأَخ وَأُخْت لأَب إِن للزَّوْج النّصْف وَللْأُخْت للْأَب
وَالأُم النّصْف وَلَا شَيْء للْأَخ وَالْأُخْت من الْأَب لِأَنَّهُمَا
عصبَة فَلَا يدْخلُونَ مَعَ ذَوي السِّهَام وَلم يَجْعَل الْأَخ من الْأَب
بِمَنْزِلَة من لم يكن حَتَّى تسْتَحقّ الْأُخْت من الْأَب السُّدس الَّذِي
كَانَت تستحقه لَو لم يكن أَخ كَذَلِك يجب أَن لَا يدْخل الْإِخْوَة
وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم مَعَ الْإِخْوَة فِي الثُّلُث الْمُسَمّى
لَهُم إِذا كَانُوا عصبَة لِأَن ميراثهم فِيمَا سوى الثُّلُث لَا فِي
الثُّلُث وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا فضل فَإِذا لم يفضل شَيْء فَلَا شَيْء
لَهُم كَمَا قُلْنَا فِي الْأَخ وَالْأُخْت من الْأَب مَعَ الزَّوْج
وَالْأُخْت من الْأَب وَالأُم
2143 - فِي مِيرَاث الْجد مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات
قَالَ أَبُو حنيفَة وَعُثْمَان البتي الْجد بِمَنْزِلَة الْأَب يَرث مَا
يَرث الْأَب ويحجب مَا يحجب الْأَب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ بقول زيد بن ثَابت
فِي الْجد فَإِن كَانَ مَعَ الْجد إخْوَة وأخوات لأَب فَإِنَّهُ يقاسم بهم
الْجد مَا دَامَت الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ من الثُّلُث فَإِذا كَانَ
الثُّلُث خيرا لَهُ من الْمُقَاسَمَة أعطَاهُ الثُّلُث ويقاسم بالإخوة
وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب مَعَ
الْجد ثمَّ يرد الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب على الْإِخْوَة
وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم فَإِن كَانَت أُخْتا وَاحِدَة لأَب وَأم
وأخوات لأَب مَعَ الْجد قاسمت الْأُخْت من الْأَب وَالأُم وَالْأَخَوَات من
الْأَب الْجد فَمَا أصابهن رد الْأَخَوَات
(4/461)
من الْأَب على الْأُخْت من الْأَب وَالأُم
حَتَّى يستكمل النّصْف وَمَا بَقِي فللأخوات من الْأَب وَلَا يَرث
الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأُم مَعَ الْجد شَيْئا على حَال وَلَا يَرث
بَنو الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم وَلَا من الْأَب وَلَا من الْأُم مَعَ
الْجد شَيْئا على حَال
وَإِذا كَانَ مَعَ الْجد وَالإِخْوَة وَالْأَخَوَات أحد لَهُ فَرِيضَة
امْرَأَة أَو أم أَو زوج أَو بنت أَو بنت ابْن أعطي أَصْحَاب الْفَرَائِض
فرائضهم ثمَّ نظر إِلَى مَا بَقِي فَأعْطى الْجد خير الثَّلَاثَة من
الْمُقَاسَمَة وَمن ثلث مَا بَقِي وَمن السُّدس وَلَا ينقص الْجد من
السُّدس شَيْئا على حَال إِذا ورث إِلَّا فِي الأكدرية وَهِي زوج وَأم
وَأُخْت لأَب وَأم وجد فَإِنَّهُ يكون للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث
وللجد السُّدس وَللْأُخْت النّصْف ثمَّ يُؤْخَذ مَا فِي يَد الْأُخْت وَمَا
بَقِي فِي يَد الْجد فَيقسم بَين الْجد وَالْأُخْت على ثَلَاثَة أسْهم
للْجدّ سَهْمَان وَللْأُخْت سهم
وروى هِشَام عَن مُحَمَّد أَنه وقف بعد ذَلِك فِي الْجد لينْظر فِيهِ
قَالَ أَبُو يُوسُف وَكَانَ أبن أبي ليلى يَأْخُذ فِي الْجد بقول عَليّ
رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي ذَلِك مَا روى
مُحَمَّد بن الْحسن عَن السّري بن إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ أَنه قضى فِي فَرَائض الْجد أَنه جعله أَخا إِلَى سِتَّة
أسْهم فقاسمهم مَا كَانَت الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ من السُّدس فَإِن نقص
حَظه من السُّدس إِذا قاسمهم أعْطى السُّدس كَامِلا وَإِن كَانَت فَرِيضَة
من الْبَنَات أَو الْأُم أَو الْمَرْأَة أَو الزَّوْج أَو مَا سوى ذَلِك من
الْوَرَثَة أعْطى أهل الْفَرَائِض فرائضهم وَقسم مَا بَقِي بَين الْجد
وَالإِخْوَة الْجد كَأحد الذُّكُور من الْإِخْوَة مَا بلغ حَظه السُّدس
فَمَا فَوْقه
(4/462)
وَلَا ينقص من السُّدس شَيْئا وَكَانَ مَا
بَقِي بَين الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَإِن استوفى أهل الْفَرَائِض فرائضهم وَلم يبْق إِلَّا السُّدس فَهُوَ
للْجدّ من قبل أَن الْجد لَا ينقص من السُّدس شَيْئا وَلَا يَرث الْإِخْوَة
من الْأُم وَلَا بَنو الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم مَعَ الْجد شَيْئا وَلَا
يعْتد بِأَخ من أَب مَعَ أَخ من أَب وَأم فَإِن كَانَ أَخ لأَب وَأم
وَأُخْت لأَب وجد أعطي الْجد النّصْف وللأخ للْأَب وَالأُم النّصْف
وَلَيْسَ لِأَخِيهِ من الْأَب شَيْء وَلَا يعْطى الْجد مَعَ الْوَلَد
إِلَّا السُّدس ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِلَّا أَن يكون هُوَ الْعصبَة
فَيعْطى مَا بَقِي
فَإِن كَانَت ابْنة الصلب أَو ابْنة ابْن أَو أَكثر من ذَلِك من الْبَنَات
ومعهن أُخْت أَو أَكثر من ذَلِك من الْأَخَوَات للْأَب وَالْجد فللبنات
فرائضهن وللجد سدس المَال وللأخوات مَا بَقِي وَبَنَات الابْن بِمَنْزِلَة
الْبَنَات إِذا لم تكن بَنَات لصلبه وَالْأَخَوَات من الْأَب بِمَنْزِلَة
الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم إِذا لم تكن أَخَوَات من الْأَب وَالأُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ
حدثت أَن عليا رَضِي الله عَنهُ كَانَ ينزل بني الْأَخ مَعَ الْجد منَازِل
آبَائِهِم وَلم يكن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَفْعَله غَيره
(4/463)
وَقد روينَا عَنهُ خِلَافه فِي رِوَايَة
السّري بن إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ وَهَذَا أولى لموافقته أقاويل
الصَّحَابَة
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود فِي فَرَائض الْجد إِنَّه إِذا وَافق إخْوَة
ذُكُورا وإناثا أَنه كَأحد الذُّكُور مَا أَصَابَهُ الثُّلُث فَإِن نقص
حَظه من الثُّلُث أعطي الثُّلُث كَامِلا وَقسم مَا بَقِي بَين الْإِخْوَة
وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن كَانَت مَعَه فَرَائض
أعطي أهل الْفَرَائِض فرائضهم وَقسم مَا بَقِي بَينه وَبَين الْإِخْوَة
الْجد كَأحد الْإِخْوَة إِلَّا أَن ينقص حَظه من السُّدس فَإِن نقص حَظه من
السُّدس أكمل لَهُ سدس المَال وَقسم مَا بَقِي بَين الْإِخْوَة
وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِن كَانَ جد وأخوات
لَيْسَ مَعَهُنَّ أَخ فللأخوات الثُّلُثَانِ وللجد مَا بَقِي وَإِن كَانَت
أُخْتا وَاحِدَة فلهَا النّصْف وللجد مَا بَقِي وَإِن كَانَ جد وأخوات
ومعهن فَرَائض سوى الْبَنَات أعطي أَصْحَاب الْفَرَائِض فرائضهم وَأعْطى
الْأَخَوَات وَالْأُخْت فرائضهن وَأعْطِي الْجد مَا بَقِي فَإِن كَانَ
الَّذِي بَقِي أقل من السُّدس ألحق لَهُم سَهْما من الْحساب السُّدس فَإِن
كَانَت الْفَرِيضَة من الْبَنَات وَاحِدَة أَو أَكثر مِنْهَا وَكَانَت
فَرَائض سوى ذَلِك أَو لم يكن أعطي من كَانَ فِيهَا من فريضته وَلكُل
وَارِث مَا سمي لَهُ وَيقسم مَا بَقِي بَين الْجد وَبَين من كَانَ مَعَه من
الْأَخَوَات هُوَ كأخ إِلَّا أَن يكون مَا يُصِيبهُ أقل من سدس المَال
فيكمل لَهُ سدس المَال
وَإِن كَانَت أم وجد وَمَعَهَا فَرَائض فَإِن الْأُم لَا تُعْطى ثلث المَال
كَامِلا إِلَّا أَن يكون الَّذِي يُصِيب الْجد الثُّلُث مِنْهُ وَكره أَن
يفضلها على الْجد وَكَانَ لَا يعْتد بالإخوة من الْأَب مَعَ الْإِخْوَة من
الْأَب وَالأُم مَعَ الْجد وَلَا يَحْجُبهُ بهم
(4/464)
وَإِن كَانَت أُخْت لأَب وَأم وإخوة لأَب
وجد فَإِن للْأُخْت من الْأَب وَالأُم النّصْف وللجد النّصْف وَلَا يَرث
الْإِخْوَة من الْأَب شَيْئا إِلَّا أَن يكون مَعَ الْأُخْت للْأَب ولأم
أُخْت لأَب أَو أَكثر مِنْهَا من الْأَخَوَات للْأَب لَا أَخ مَعَهُنَّ
فَإِن للْأُخْت للْأَب وَالأُم النّصْف وللأخوات للْأَب سهم تَكْمِلَة
الثُّلثَيْنِ وللجد مَا بَقِي
وَلَا يَرث مَعَ الْجد أَخ لأم وَلَا بَنو أَخ وَالْأَخَوَات من الْأَب
بِمَنْزِلَة الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم إِذا لم تكن أَخَوَات لأَب وَأم
فِي جَمِيع مَا ذكرنَا
وَرُوِيَ عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم أَن عمر وَابْن مَسْعُود كَانَا
يكرهان أَن يفضلا أما على جد
وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَن مَسْرُوق إِن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول فِي
ابْنة وَأُخْت وجد من أَرْبَعَة أسْهم للابنة النّصْف وَللْأُخْت سهم وللجد
سهم وَإِن كَانَت أُخْتَيْنِ وَابْنَة وجد كَانَت من ثَمَانِيَة للابنة
النّصْف أَرْبَعَة وللجد سَهْمَان وللأختين سَهْمَان وَإِن كن ثَلَاث
أَخَوَات كَانَت من عشرَة للابنة النّصْف خَمْسَة وللجد سَهْمَان وَلكُل
وَاحِدَة سهم سهم فِي قَول عبد الله إِذا كَانَت فَرَائض فَإِن كَانَت
الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ أعطَاهُ وَإِن كَانَ ثلث مَا يفضل بعد الْفَرِيضَة
خيرا لَهُ أعطَاهُ وَإِن كَانَ السُّدس خيرا لَهُ من هَذَا أعطَاهُ السُّدس
(4/465)
وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب فِي ذَلِك مثل
قَول زيد بن ثَابت
وَعَن أبي بكر الصّديق وَعبد الله بن عَبَّاس أَن الْجد بِمَنْزِلَة الْأَب
قَالَ ابْن عَبَّاس مَا ذكر الله تَعَالَى جدا وَلَا جدة إِلَّا أَنهم
آبَاء {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب}
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْإِخْوَة من الْأُم لَا
يَرِثُونَ مَعَ الْجد كَمَا لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَب وَكَانَ الْجد
كَالْأَبِ فِي حجبهم كَذَلِك فِي حجب الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب
وَالأُم
وَأَيْضًا اتَّفقُوا أَن بني الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم
لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجد وَكَذَلِكَ آباؤهم كَمَا لم يرثوا مَعَ الْأَب
أَلا ترى أَن الْأَخ للْأَب أولى بِالْمِيرَاثِ من الْعم وَكَذَلِكَ ابْن
الْأَخ أولى من الْعم فَلَو كَانَ الْأَخ يسْتَحق الْمِيرَاث مَعَ الْجد
لَكَانَ ابْنه بِمَنْزِلَتِهِ إِذا لم يكن أَخ
فَإِن قيل فالأخ من الْأَب وَالأُم أولى بِالْمِيرَاثِ من الْأَخ للْأَب
ثمَّ لم يكن ابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم أولى بِهِ من الْأَخ للْأَب
قيل لَهُ الْأَخ من الْأَب وَالأُم وَالْأَخ من الْأَب هما جَمِيعًا
إخْوَان للْمَيت وَإِنَّمَا صَار الْأَخ من الْأَب وَالأُم أولى بِهِ لِأَن
مَعَه زِيَادَة أم فَإِذا لم يكن أَخ لأَب وَأم كَانَ الْأَخ من الْأَب
أولى لِأَنَّهُ أَخ وَأما الْعم فَلَيْسَ بِأَخ وَكَانَ ابْن الْأَخ أولى
وَكَذَلِكَ الْجد لَيْسَ بِأَخ وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقوم ابْن الْأَخ
مقَام أَبِيه مَعَ الْجد فَلَمَّا لم يكن كَذَلِك علمنَا أَن الْأَخ لَا
مِيرَاث لَهُ مَعَ الْجد
فَإِن قيل لَو كَانَ الْجد أَبَا لَا يسْتَحق الثُّلُث كَامِلا إِذا تركت
الْميتَة زوجا
(4/466)
وَأما وجدا وكما لَو تركت زوجا وأبوين
فَلَمَّا قَالُوا إِن للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وَمَا بَقِي
فللجد دلّ على أَنه لَيْسَ بأب
قيل لَهُ لَا يلْزم ابْن عَبَّاس هَذَا لِأَنَّهُ لَا يفرق بَينه وَبَين
الْأَب وَالأُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَأما الْآخرُونَ فَلَا يلْزمهُم أَيْضا لِأَن الْأَب وَالأُم جَمِيعًا فِي
دَرَجَة وَاحِدَة فِي الْقرب من الْمَيِّت فَجَاز أَن يتَحَوَّل فرض الْأُم
إِلَى السُّدس وَلما كَانَت الْجدّة مَعَ الْأُم فِي دَرَجَتَيْنِ مختلفتين
أَعْطَيْت الثُّلُث كَامِلا أَلا ترى أَن بنت الصلب لَهَا النّصْف فَإِن
كَانَ مَعهَا ابْن نقلهَا عَن مِيرَاثهَا إِلَى الثُّلُث عَن منزلتها وَلَو
كَانَ مَعهَا ابْن ابْن لم ينقلها عَن فَرضهَا فَكَذَلِك الْأُم ينقلها
الْأَب عَن فَرضهَا فِي مَسْأَلَة الزَّوْج والأبوين وَلَا ينقلها الْجد
فَإِن قَالَ قَائِل قد رَأينَا فرض الْأُم الثُّلُث إِذا لم يكن مَعهَا
إخْوَة ثمَّ كَانَ للجدة السُّدس إِذا لم تكن أم وَلم تعط الْجدّة سهم
الْأُم وَلم تكن بمنزلتها كَذَلِك الْجد لَا يكون بِمَنْزِلَة الْأَب
قيل لَهُ إِن الْجدّة لم تجْعَل كالأم فِي الْمِيرَاث وَلم يحكم لَهَا
بحكمها فِيهِ بل جعل لَهَا مِيرَاث باين من ذَلِك مفارق لَهُ مِقْدَاره أقل
من مِقْدَاره وَجعلت الْجدّة من قبل الْأَب شريكة لَهَا فِيهِ فَدلَّ على
أَنهم لم يقيموها مقَام الْأُم وَلَيْسَ كَذَلِك الْجد لأَنا وَجَدْنَاهُ
مَعَ الابْن يقوم مقَام الْأَب فِي مِقْدَار مِيرَاثه ووجدناه قد حكم لَهُ
بِحكم الْأَب فِي حجب الْإِخْوَة من الْأُم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو كَانَ الْأَمر إِلَى الْقيَاس لَكَانَ الْإِخْوَة
أَكثر مِيرَاثا من أخيهم من الْجد لِأَن قرَابَة الْجد وقرابتهم إِنَّمَا
هِيَ بِالْأَبِ وَالْأَب لَو مَاتَ
(4/467)
وَخلف أَبَاهُ هُوَ الْجد وبنيه وهم إخْوَة
الْمُتَوفَّى لَكَانَ بنوه أَكثر حظا فِي الْمِيرَاث من الْأَب فَكَذَلِك
كَانَ يجب أَن يَكُونُوا أَكثر حظا فِي ميراثهم بِهِ من أخيهم من الْجد
فَيُقَال لَهُ قد أجمع الْعلمَاء على خلاف الْوَاجِب بِهَذِهِ الْعلَّة
الَّتِي ذكرتها وأجروا الْأَمر على مَا أجروه عَلَيْهِ مِمَّا يُخَالف
مُوجبهَا وَفِي إِجْمَاعهم على ترك اسْتِعْمَال مَا ذكرت دَلِيل على بطلَان
هَذِه الْعلَّة
2144 - فِي الْجدّة هَل تَرث مَعَ ابْنهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا
تَرث الْجدّة مَعَ ابْنهَا
وَقَالَ أبوب بن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ النَّاس كلهم لَا يورثون الْجدّة
وَابْنهَا حَيّ مَا خلا الْبَصرِيين فَإِنَّهُم يورثونها
قَالَ أَبُو جَعْفَر وفقهاء الْبَصرِيين سوار بن عبد الله وَعبيد الله بن
الْحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ وَزيد وَعُثْمَان أَنهم كَانُوا لَا
يورثونها وَابْنهَا حَيّ
وَرُوِيَ عَن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأبي
الطُّفَيْل أَنهم ورثوها مَعَ ابْنهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن الْأُم لَا تحجب الْجدَّات كُلهنَّ
وَأَن
(4/468)
الْأَب لَا يحجب الْجدّة من قبل الْأُم
فَوَجَبَ أَن لَا تحجب الْجدّة من قبله أَيْضا
2145 - فِي الْجدَّات إِذا كَانَ بَعضهنَّ أقرب
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مِنْهُنَّ أولى
بِالْمِيرَاثِ من الْأَبْعَد من قبل الْأُم كن أَو من قبل الْأَب وَالأُم
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِن كَانَت الَّتِي من قبل الْأُم أقرب فَهِيَ
أولى بِالْمِيرَاثِ وَهُوَ السُّدس وَإِن كَانَت الَّتِي من قبل الْأَب
أقرب شاركتها الَّتِي من قبل الْأُم وَإِن كَانَت أبعد قَالَ مَالك وَلَا
مِيرَاث إِلَّا لجدتين فَإِن كَانَتَا سَوَاء فِي الْقرب فالسدس بَينهمَا
وَإِن كَانَت الَّتِي من قبل الْأَب أبعد فالسدس الَّتِي من قبل الْأُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ وَزيد أَنَّهُمَا قَالَا أقربهما
أولى
وَرُوِيَ عَن زيد أَن الْأَقْرَب إِن كَانَت من قبل الْأَب اشتركتا وَإِن
كَانَت الَّتِي من قبل الْأُم أقرب فَهِيَ أولى وَإِن استويتا اشتركتا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على أَن الْأَقْرَب من قبل الْأُم أولى
وَجب مثله فِي الَّتِي من قبل الْأَب
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحكى أَيُّوب بن سُلَيْمَان أَن مَالك بن أنس خَالف
النَّاس
(4/469)
جَمِيعًا فِي قَوْله إِنَّه لَا يَرث من
الْجدَّات أَكثر من جدتين وَأَن الْجدّة أم أَب الْأَب لَا تَرث وَلَو لم
تكن غَيرهَا وَالنَّاس على خلاف قَوْله ثمَّ جَاءَ فِي كِتَابه بِمَا يدل
على أَن الجدتين عِنْده اللَّتَيْنِ ورثهما مَالك إِنَّمَا هما أم الْأُم
وَأم الْأَب دينه
وَبَقِي بذلك أتكون من فَوْقهمَا من الْجدَّات تَرث الْمُتَوفَّى على حَال
وَهَذَا غلط مِنْهُ على مَالك لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا ذكر لم تكن
لإحداهما من الْقرب إِلَّا مَا لِلْأُخْرَى وَلم تكن فيهمَا قربى وبعدى
كَمَا ذكرهمَا مَالك فِيمَا رَوَاهُ ابْن وهب عَنهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ
مَالك بالجدتين جدة كل وَاحِدَة من الْأَب وَمن الْأُم من قبل أمه وَإِن
بَعدت لِأَن سواهُمَا من قبل أَب الْأَب
فَأَما أَبُو حنيفَة وَسَائِر أهل الْعلم سوى مَالك فَإِنَّهُم يورثون أم
أَب الْأَب مَعَ من يحاذيها من جدات الْمُتَوفَّى من قبل أَبِيه وَمن قبل
أمه غير الْجدّة أم أَب الْأُم فَإِنَّهَا لَا تَرث
وَاحْتج من ذهب إِلَى قَول مَالك بِأَن أم أَب الْأُم لما لم تَرث كَانَ
كَذَلِك أم أَب الْأَب وَهَذَا لَيْسَ بِحجَّة لَهُ لِأَن هَذِه الْجدّة
لَا تَرث ابْنهَا لَو كَانَ بَاقِيا فأمه أَحْرَى أَن لَا تَرث وَأب الْأَب
لَا يَرث إِذا لم يكن أَب وَأمه تَرث أَيْضا
وروى الشّعبِيّ أَن عبد الله بن مَسْعُود كَانَ يُشْرك بَين أقربهن وأبعدهن
فِي السُّدس وَإِن كن بمَكَان شَتَّى
وَحكى عَنهُ أَيُّوب أَنه كَانَ يُورث أم أَب ألأم مَعَ من لَهُ سهم من
ذَوي الْأَرْحَام الَّذين يَرِثُونَ بأرحامهم
(4/470)
قَالَ وروى بَعضهم لَا يُورثهَا وَلَا
اخْتِلَاف عَنهُ أَنه كَانَ لَا يُورث جدة مَعَ جدة هِيَ أمهَا
وروى إِبْرَاهِيم أَن عبد الله كَانَ يُورث من الْجدَّات ثَلَاثًا جدتي
الْأَب وَأم الْأُم
وروى لَيْث عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا يَرث مَعَ الْجدَّات
الْأَرْبَع
وَرُوِيَ نَحوه عَن جَابر بن زيد وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن
سِيرِين
قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين ثَبت أَن أول جدة أطعمت السُّدس أم أَب وَكَانَ
يَقُول إِذا اجْتَمعْنَ الْجدَّات الْأَرْبَع فالسدس بَينهُنَّ لِأَن ذَلِك
طعمة وأيتهن كَانَت أقرب فَهِيَ أولى
وَعَن مَسْرُوق أَنه جَاءَتْهُ أَربع جدات فَألْقى أم أَب الْأُم وَورث
سائرهن
وَعَن إِبْرَاهِيم مثله وَقَالَ إِبْرَاهِيم أطعن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر ثَلَاث جدات السُّدس
قَالَ إِبْرَاهِيم وهما جدتا أَبِيه أم أمه وَأم أَبِيه وجدته أم أم أمه
(4/471)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْحجّة فِي أَن
الْقُرْبَى مِنْهُنَّ أولى أَن الْعَصَبَات وَالْأَوْلَاد الْأَقْرَب
فَالْأَقْرَب مِنْهُنَّ أولى فَكَذَلِك الْجدَّات
2146 - فِي الرَّد وتوريث ذَوي الْأَرْحَام
كَانَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَشريك يَقُولُونَ
بِالرَّدِّ وتوريث ذَوي الْأَرْحَام مِمَّن لَيْسَ لَهُ سهم مَذْكُور وَلَا
هُوَ عصبَة إِذا لم يكن غَيرهم
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يردان وَلَا يورثان ذَوي الْأَرْحَام ويجعلان
مَا فضل من ذَوي السِّهَام لبيت المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى
بِبَعْض فِي كتاب الله} ذكره فِي موضِعين أَحدهمَا بعد ذكره الْولَايَة
لِلْهِجْرَةِ بقوله {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من
شَيْء}
وَالْآخر بقوله {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم
وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله من الْمُؤمنِينَ
والمهاجرين} فنسخ بِهِ التَّوَارُث بِالْحلف
وَرُوِيَ عَن ابْن الزبير مثل ذَلِك فِي سَبَب نزُول الْآيَة وَذكر
أَنَّهَا نزلت فِي الْعَصَبَات
وروى زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
دعِي إِلَى جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ترك قَالُوا ترك عمته وخالته فَقَالَ
(4/472)
اللَّهُمَّ رجل ترك عمته وخالته فَلم ينزل
عَلَيْهِ شَيْء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أجد لَهما
شَيْئا
وَهَذَا حَدِيث مُنْقَطع لَا يحْتَج بِمثلِهِ
وَقَول ابْن الزبير إِنَّهَا نزلت فِي الْعَصَبَات لَيْسَ بِحجَّة وَقد
خَالفه فِي ذَلِك جمَاعَة من الصَّحَابَة
وروى أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله وَرَسُوله مولى من لَا مولى لَهُ وَالْخَال
وَارِث من لَا وَارِث لَهُ
وروى ابْن جريج عَن عَمْرو بن مُسلم عَن طَاوس عَن عَائِشَة عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْخَال وَارِث من لَا وَارِث
لَهُ
وروى شُعْبَة عَن بديل بن ميسرَة الْعقيلِيّ عَن رَاشد بن سعد عَن أبي
عَامر الْهَوْزَنِي عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ترك كلا فَإِلَيَّ وَمن ترك مَالا فلورثته وَأَنا
وَارِث من لَا وَارِث لَهُ أَعقل عَنهُ وَأَرِثهُ وَالْخَال وَارِث من لَا
وَارِث لَهُ يعقل عَنهُ ويرثه
وَهَذِه آثَار مُتَّصِلَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أولى
فَإِن قيل لما ذكر الْعقل دلّ على أَنه أَرَادَ الْخَال الَّذِي يكون من
الْعصبَة وَهُوَ أَن يكون من بني أعمام الْمَيِّت
(4/473)
قيل لَهُ أما عقل الْجِنَايَة فَلم يذكرهُ
إِلَّا شُعْبَة وَقد رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن بديل بن ميسرَة عَن عَليّ
بن أبي طَلْحَة عَن رَاشد بن سعد عَن أبي عَامر الْهَوْزَنِي عَن
الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنا مولى من لَا مولى لَهُ أرث مَاله وأفك عانيه وَالْخَال وَارِث من لَا
وَارِث لَهُ ويفك عانيه
وَحدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الْمرَادِي قَالَ حَدثنَا أَسد بن مُوسَى
قَالَ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن صَالح قَالَ أَخْبرنِي رَاشد بن سعد أَنه سمع
الْمِقْدَام بن معدي كرب يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الله وَرَسُوله مولى من لَا مولى لَهُ يَرث مَاله ويفك عنوه
وَالْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ يَرث مَاله ويفك عنوه
فَثَبت أَنه إِنَّمَا أَرَادَ حمل الثّقل عَنهُ بالرحم الَّذِي بَينه
وَبَينه لَا عقل الْجِنَايَات الَّتِي يُؤْخَذ بهَا
كَمَا روى عِكْرِمَة عَن عَائِشَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي
عَن ابْن عَمَّتي ابْن جدعَان كَانَ ينْحَر الكوماء وَكَانَ يحلب على
المَاء وَكَانَ يكرم الْجَار ويقري الضَّيْف وَيصدق الحَدِيث ويصل الرَّحِم
ويفي بِالذِّمةِ ويفك العاني وَيطْعم الطَّعَام وَيُؤَدِّي الْأَمَانَة
قَالَ هَل قَالَ يَوْمًا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من نَار جَهَنَّم
قَالَت قلت لَا مَا كَانَ يدْرِي مَا نَار جَهَنَّم قَالَ فَلَا إِذا
فَدلَّ على أَنه أَرَادَ مَا يحملهُ اخْتِيَارا لَا مَا يلْزم
بِالْجِنَايَةِ
فَإِن قيل روى مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عبد
الرَّحْمَن بن حنظله الزرقي أَنه أخبرهُ عَن مولى القريش يُقَال لَهُ ابْن
مُوسَى
(4/474)
قَالَ كنت جَالِسا عِنْد عمر فَلَمَّا صلى
الظّهْر قَالَ يَا يرفأ هَلُمَّ ذَلِك الْكتاب لكتاب كَانَ كتب فِي شَأْن
الْعمة يسْأَل عَنْهَا ويستخير فِيهَا فَأتى بِهِ يرفأ فَدَعَا بقدح فِيهِ
مَاء فمحا ذَلِك الْكتاب فِيهِ ثمَّ قَالَ لَو رضيك الله لأمرك لَو رضيك
الله لأقرك قَالُوا فَهَذَا يدل على رفع عمر مِيرَاث الْعمة
قيل لَهُ ابْن مُوسَى لَا يدرى من هُوَ وَلَا يثبت مثل ذَلِك بِرِوَايَة
مثله وَقد روى الشّعبِيّ أَن عمر جعل الْعمة بِمَنْزِلَة الْأَخ
وَالْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُخْت فَأعْطى الْعمة الثُّلثَيْنِ وَالْخَالَة
الثُّلُث
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَعبد الله أَيْضا تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام
وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنه كَانَ لَا يُورث ذَوي الْأَرْحَام وَيجْعَل
بَيت المَال أولى
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلما اتَّفقُوا على أَن الْعَصَبَات الْأَقْرَب أولى
من الْأَبْعَد كَذَلِك ذَوُو الْأَرْحَام يَنْبَغِي أَن يَكُونُوا أولى من
جمَاعَة الْمُسلمين لأجل الْقرب
فَإِن قيل إِنَّمَا وَجب اعْتِبَار ذَلِك فِي الْعصبَة فَمَا الدَّلِيل على
أَن ذَوي الْأَرْحَام لَيْسُوا بعصبة أولى من الْمُسلمين
قيل لَهُ لِأَنَّهُ يجوز أَن يسْتَحق المَال بِالنّسَبِ الَّذِي لَا يثبت
بِهِ تعصيب مثل الْأَخ من الْأَب وَالأُم هُوَ أولى من الْأَخ للْأَب
بِزِيَادَة سَبَب الْأُم الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تعصيب أَلا ترى أَن الْأَخ
من الْأُم لَيْسَ بعصبة وَقد اخْتلف الصَّحَابَة فِي وُجُوه الرَّد
(4/475)
فروى إِبْرَاهِيم عَن مَسْرُوق أَن عبد
الله كَانَ لَا يرد على إخْوَة الْأُم مَعَ أم وَلَا على ابْنة ابْن مَعَ
ابْنة الصلب وَلَا على أَخَوَات لأَب مَعَ أُخْت لأَب وَأم وَلَا على
امْرَأَة وَلَا على زوج وَلَا على جدة
وروى الشّعبِيّ عَنهُ مثل ذَلِك وَقَالَ وَلَا على جدة إِذا كَانَ مَعهَا
وَارِث غَيرهَا
قَالَ الشّعبِيّ وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يرد على كل وَارِث
بِحِسَاب مَا ورث من الْفضل بعد الْفَرَائِض وَلَا يرد على زوج وَلَا على
امْرَأَة شَيْئا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري
وَقد اخْتلف أهل الْعلم أَيْضا فِي أَشْيَاء أخر من هَذَا الْمَعْنى من
ذَلِك اخْتلَافهمْ فِي بنت بنت وَبنت أُخْت لأَب وَأم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الْمِيرَاث لابنَة الْبِنْت دون ابْنة
الْأُخْت
قَالَ الثَّوْريّ وَمن قَالَ بالتشريك قَالَ الْمِيرَاث بَينهمَا
نِصْفَيْنِ وَرُوِيَ ذَلِك عَن عبد الله بن مَسْعُود وَلَا يعلم عَن أحد من
الصَّحَابَة خِلَافه
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا الحَدِيث لم يرفعهُ إِلَى ابْن مَسْعُود غير زيد
بن الْحباب عَن الْحُسَيْن بن وَاقد عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن
عَلْقَمَة عَن عبد الله وَيُقَال إِنَّه مِمَّا غلط فِيهِ زيد بن الْحباب
وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على عَلْقَمَة
وَقَالَ رَوَاهُ الْفضل بن مُوسَى السينَانِي عَن الْحُسَيْن بن وَاقد عَن
(4/476)
مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة
فِي بنت بنت وَبنت أُخْت فَقَالَ النّصْف وَالنّصف
وَأما الْكُوفِيُّونَ فينكرون هَذَا الحَدِيث ويزعمون أَنه لَيْسَ من
حَدِيث مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر أصلا
وَالْقِيَاس يدل على قَول أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجب أَن يعْتَبر
للرحم الَّذِي بَين الْحَيّ الْوَارِث وَبَين المتوفي الْمَوْرُوث وَلَا
يعْتَبر النّسَب الَّذِي بِهِ يُدْلِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُدْلِي بميت لَا
يَرث
وَاخْتلفُوا فِي عمَّة وَابْنَة خَالَة وَابْنَة عمَّة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الْمِيرَاث للقربى مِنْهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ يَجْعَل لكل وَاحِدَة مِيرَاث من تدلي من عمته أَو
خَالَته وَلَا تعْتَبر الْقُرْبَى مِنْهُمَا
2147 - فِي ذَوي الْأَرْحَام وَمولى عتاقه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري مولى الْعتَاقَة أَحَق
بِالْمِيرَاثِ من الْعمة وَالْخَالَة
وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك الْعمة وَالْخَالَة أولى مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله تَعَالَى {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى
بِبَعْض فِي كتاب الله} يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ أَنه أولى من الْمولى
فَلَمَّا وجدنَا الزَّوْج وَالْمَرْأَة قد يرثان مَعَ ذَوي الْأَرْحَام
الَّذين مَعَهم التَّعْصِيب علمنَا أَن المُرَاد بِهِ نسخ الْمِيرَاث
بِالْحلف وَالْهجْرَة وَإِثْبَات الْمِيرَاث لِذَوي الْأَسْبَاب
وَالْوَلَاء بِمَنْزِلَة النّسَب
(4/477)
وَقد روى سَلمَة بن كهيل عَن عبد الله بن
شَدَّاد قَالَ كَانَ لابنَة حَمْزَة مولى أَعتَقته فَمَاتَ الْمولى وَترك
بِنْتا وَابْنَة حَمْزَة فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأعْطى ابْنَته النّصْف وَأعْطى مولاته ابْنة حَمْزَة النّصْف
فَإِن قيل روى مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم أَنه ذكر لَهُ خبر ابْنة حَمْزَة
هَذَا فَقَالَ إِنَّمَا أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنة
حَمْزَة مَا أَعْطَاهَا من هَذَا طعمة
قَالَ أَبُو جَعْفَر سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول هَذَا كَلَام
مُسْتَحِيل لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو ذَلِك الْمِيرَاث أَن يكون وَجب لابنَة
الْمُتَوفَّى دون ابْنة حَمْزَة أَو لابنَة الْمُتَوفَّى وَابْنَة حَمْزَة
فَإِن كَانَ وَجب لابنَة الْمُتَوفَّى ولبنت حَمْزَة كَانَ ذَلِك مِيرَاثا
لَا طعمة وَإِن كَانَ وَجب لبِنْت الْمُتَوفَّى لم يكن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ليعطي حَقّهَا للْغَيْر طعمة
وَقد روى قَتَادَة عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ جَاءَ رجل إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ابْن ابْني مَاتَ فَمَالِي
من مِيرَاثه قَالَ السُّدس فَلَمَّا ولى دَعَاهُ وَقَالَ لَك سدس آخر
فَلَمَّا ولى دَعَاهُ وَقَالَ السُّدس الآخر طعمة
وَقد رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه جعل الْمِيرَاث
للْمولى مَعَ الِابْنَة نِصْفَيْنِ
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن المَال كُله للْبِنْت
(4/478)
2148 - فِي مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة
قَالَ أَصْحَابنَا ابْن الْمُلَاعنَة بِمَنْزِلَة غَيره فِي الْمِيرَاث
إِلَّا أَنه لَا نسب لَهُ من جِهَة الْأَب وَلَا قرَابَة بِحَال وَكَذَلِكَ
ولد الزِّنَا فَلَو ترك أَخَاهُ الَّذِي ولد مَعَه فِي بطن وأخا آخر لأمه
كَانَ لأمه السُّدس ولأخويه الثُّلُث بَينهمَا ثمَّ يرد الْبَاقِي
عَلَيْهِم أَثلَاثًا على قدر مواريثهم
وَقَالَ عُثْمَان البتي تَرث أمه جَمِيع الْمِيرَاث إِلَّا أَن يكون مَعهَا
أحد من أهل الْفَرَائِض فَيعْطى فريضته
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي ولد الْمُلَاعنَة وَولد الزِّنَا إِذا
مَاتَ ورثت أمه حَقّهَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَإِخْوَته من أمه حُقُوقهم
وَيَرِث الْبَقِيَّة موَالِي أمه إِن كَانَت مولاة فَإِن كَانَت عَرَبِيَّة
ورثت حَقّهَا وَورث إخْوَته من أمه حُقُوقهم وَكَانَ مَا بَقِي للْمُسلمين
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وروى ابْن الْقَاسِم سُئِلَ مَالك فِي ملاعنة تَلد غلامين توأمين فِي بطن
وَاحِد فَيهْلك أَحدهمَا وَيتْرك مَالا بِأَيّ شَيْء ترى أَن يورثه أَخُوهُ
بوراثة الْأُم أَو بوراثة الْأَب قَالَ بوراثة الْأَب فَلَيْسَ هَذَا
عِنْدِي كَوَلَد الزِّنَا لِأَن ذَلِك لَا أَب لَهُ وَإِن هَذَا لَو قَالَ
لَهُ أحد لَيْسَ أَبوك فلَان جلد الْحَد فَأرى أَن يتوارث بوراثة الْأَب
وَقَالَ الْمعَافى بن عمرَان عَن الثَّوْريّ إِذا كَانَ لِابْنِ
الْمُلَاعنَة أَخ لأَب وَأم فللأم الثُّلُث وللأخ السُّدس وَمَا بَقِي
فَيرد على الْأُم دون الْأَخ لِأَنَّهَا عصبَة
(4/479)
وَقَالَ الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ فِي ابْن الْمُلَاعنَة إِن ترك ابْن أَخِيه وجده أَن المَال
لِابْنِ الْأَخ لِأَنَّهُ عصبَة أمه
قَالَ سُفْيَان وَمن النَّاس من يَقُول أمت الْأُم فَمن يَرِثهَا فَهُوَ
يَرِثهُ
وَقَالَ سُفْيَان فِي ابْن الْمُلَاعنَة ترك خالا وَخَالَة فَالْمَال للخال
وَفِي قَول إِبْرَاهِيم الثُّلُث للخالة وَالثُّلُثَانِ للخال
قَالَ سُفْيَان الْخَال عصبَة الْأُم
وَقَالَ سُفْيَان فِي ابْن ملاعنة ترك بِنْتا وعصبة لأمه فللبنت النّصْف
وَمَا بَقِي فلعصبة أمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى مُحَمَّد عَن السّري بن إِسْمَاعِيل عَن
الشّعبِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي مِيرَاث ابْن
الْمُلَاعنَة مثل مَا حكيناه عَن أَصْحَابنَا وَقَالَ فِي آخِره فَإِن
مَاتَ وَلَيْسَت لَهُ أم فَإِن عصبته عصبَة أمه
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس أَن عصبته عصبَة أمه مثل
مَا روينَاهُ عَن الثَّوْريّ
وَقَالَ ابْن عمر أمه عصبته تَرثه ويرثها
وَقَالَ زيد بن ثَابت إِذا مَاتَ ابْن الْمُلَاعنَة وَترك أمه وَمن سميت
لَهُ فَرِيضَة فَإِن لكل وَارِث مَا سمي لَهُ وَمَا فضل فلبيت المَال
وَقَول عُثْمَان البتي مُوَافق لقَوْل ابْن عمر
قَالَ وَاحْتج من قَالَ عصبته عصبَة أمه أَنه لما رد نسبه بالملاعنة إِلَى
أمه صَار فِي الحكم من قَومهَا فَصَارَ قَومهَا عصبَة لَهُ كَمَا كَانُوا
عصبَة لَهَا كَمَا
فَيُقَال لَهُم هُوَ بِمَنْزِلَة من كَانَ لَهُ أَب فَمَاتَ وَلم يتْرك
لَهُ قرَابَة من جِهَته
(4/480)
فَلَا تصير عصبته عصبَة أمه كَذَلِك ابْن
الْمُلَاعنَة قَالَ وَأما مَا روى عَن مَالك فِي الْفرق بَين الْمُلَاعنَة
وَولد الزِّنَا فِي أَنَّهُمَا إِذا كَانَا توأمين من الْمُلَاعنَة وَرثهُ
أَخُوهُ بِقرَابَة الْأَب وَفِي ولد الزِّنَا لَا يَرث بِقرَابَة الْأَب
فَلَا معنى لَهُ لِأَن النّسَب من جِهَة الْأَب مُنْقَطع فِي الْحَالين
فَلَا معنى لاعْتِبَار نسب مُنْقَطع
2149 - فِي الْإِقْرَار
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري فِي رجل مَاتَ وَترك ابْنَيْنِ فَأقر
أَحدهمَا بِأَخ وَجحد الآخر أَنه يُعْطِيهِ نصف مَا فِي يَده
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَعبيد الله بن الْحسن يُعْطِيهِ ثلث مَا
فِي يَده
وَقَالَ ابْن شبرمه يَقُول لَهُ الْحَاكِم اعطه ماشئت فَأَما أَنا فَلَا
أعْطِيه شَيْئا فَإِن قَالَ لَيْسَ لي أَن أنكر بِنَصِيبِهِ أخذت حِصَّته
الَّتِي يزْعم فتصدقت بهَا
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يُعْطِيهِ لِأَن النّسَب لم يثبت
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو أقرّ بِامْرَأَة أَنَّهَا
كَانَت زَوْجَة أَبِيه وَجحد الآخر أَنه يُعْطِيهَا بِقدر مَا تستحقه من
مِيرَاث الزَّوْجَة على اخْتلَافهمْ فِيهِ وَلم يمنعوها من ذَلِك لأجل
التَّزْوِيج لم يثبت فَكَذَلِك إِقْرَاره بِأَخ
وَأَيْضًا لَو اشْترى عبدا ثمَّ أقرّ أَن البَائِع كَانَ أعْتقهُ وَجحد
البَائِع نفد الْعتْق وَلم يَنْفَسِخ البيع
وَأَيْضًا لَو كَانَ وَارثه مولى لَهُ أعْتقهُ فَأقر بِابْن للْمَيت فَإِن
أعطَاهُ نصِيبه فَهُوَ
(4/481)
مَا قُلْنَا وَإِن لم يُعْطه فَكيف يتْرك
فِي يَده مَال هُوَ مقرّ بِأَنَّهُ لَا يسْتَحق مِنْهُ شَيْئا وَأَن غَيره
هُوَ الْمُسْتَحق لَهُ
وَأما اخْتِلَاف الْقَائِلين بإعطائه بقض مَا فِي يَده فَإِن قَول
أَصْحَابنَا فِيهِ أصح لِأَن إِقْرَاره يضمن أَنَّهُمَا متساويان فِي كل
جُزْء من المَال فَغير جَائِز أَن يبخس حَظّ أحدهم لأجل ظلم غَيرهمَا لَهما
كَمَا لَو غصب غَاصِب بعض المَال كَانَ الْبَاقِي بَين الْوَرَثَة على
فَرَائض الله تَعَالَى
آخر كتاب الْفَرَائِض
انْتهى الْجُزْء الرَّابِع ويليه الْجُزْء الْخَامِس
وأوله كتاب الْوَصَايَا
(4/482)
|