مختصر اختلاف العلماء

= كتاب الْوَصَايَا =
[2150] فِي الْوَصِيَّة بِأَكْثَرَ من الثُّلُث إِذا أجازها الْوَرَثَة [فِي حَيَاة الْمُوصي]

قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ إِذا أوصى لرجل بِأَكْثَرَ من الثُّلُث أَو أوصى لبَعض ورثته فأجازها الْوَرَثَة فِي حَيَاته لم يجز ذَلِك حَتَّى يجيزوه بعد الْمَوْت
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي لَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا فِيهِ بعد الْمَوْت وَهِي جَائِزَة عَلَيْهِم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا استأذنهم فَكل وَارِث بَائِن عَن الْمَيِّت مثل الْوَلَد الَّذِي بَان عَن أَبِيه وَالْأَخ وَابْن الْعم واللذين لَيْسُوا فِي عِيَاله فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا وَأما امْرَأَته وَبنَاته اللآتي لم يبن مِنْهُ وكل [من] فِي عِيَاله فَإِن كَانَ قد احْتَلَمَ فَلهم ان يرجِعوا وَكَذَلِكَ الْعم وَابْن الْعم وَمن خَافَ مِنْهُم انه [إِن] لم يجزه لحقه مِنْهُم فِي قطع النَّفَقَة إِن صَحَّ فَلهم أَن يرجِعوا
وروى ابْن وهب عَن مَالك فِي الْمَرِيض ليستأذن ورثته فِي الْوَصِيَّة

(5/5)


لبَعض ورثته فَإِن أذنوا لَهُ فَلَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا فِي شَيْء من ذَلِك وَلَو كَانَ استأذنهم فِي الصِّحَّة فَلهم أَن يرجِعوا إِن شاؤوا وَإِنَّمَا يجوز إذْنهمْ فِي حَال الْمَرَض لِأَنَّهُ يحجب عَن مَاله بحقهم فَيجوز ذَلِك عَلَيْهِم
وَقَول اللَّيْث فِي ذَلِك كَقَوْل مَالك
وَإِن أجازوه بعد الْمَوْت جَازَ عِنْد جَمِيع الْفُقَهَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ للْمُوصي إبِْطَال تِلْكَ الْوَصِيَّة فِي الْحَيَاة مَعَ كَونه مَالِكًا لِلْمَالِ فالورثة أَحْرَى ان يرجِعوا فِيمَا أَجَازُوا
2251 - فِي الْوَصِيَّة بِشَيْء بِعَيْنِه

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى لرجل بِعَبْد وَلآخر بِعَبْد آخر قيمَة أَحدهمَا أَكثر من الثُّلُث وَقِيمَة الآخر أقل من الثُّلُث ضرب الَّذِي قيمَة عَبده أقل من الثُّلُث بِقِيمَة العَبْد وَضرب الَّذِي قِيمَته أَكثر من الثُّلُث بِمِقْدَار الثُّلُث من العَبْد وَلَا يضْرب بِالْفَضْلِ
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد يضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الثُّلُث بِقِيمَة عَبده كَامِلَة فَيقسم الثُّلُث بَينهمَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى لرجل بسكنى دَاره سنة اَوْ خدمَة عَبده سنة وَلَا مَال لَهُ غير ذَلِك فَإِنَّهُ يُقَال للْوَرَثَة إِمَّا أَن تسلموا إِلَيْهِ ذَلِك أَو تعطوه ثلث مَال الْمَيِّت

(5/6)


وَلَو أوصى لَهُ بِالْعَبدِ وَهُوَ أَكثر من الثُّلُث فَأحب أَن يعطوه ثلث جَمِيع مَال الْمَيِّت من العَبْد وَلَا يُعْطي غَيره
وَقَالَ مرّة أُخْرَى يُعْطي ثلث مَال الْمَيِّت من كل شَيْء
قَالَ وَقَالَ مَالك لَو أوصى لَهُ بدين فَلم يحمل ذَلِك الثُّلُث وأبى الْوَرَثَة أَن يجيزوا أَعْطوهُ من الْعين وَالدّين وَالْعَقار وكل شَيْء يبلغ الثُّلُث وَلَو أوصى لَهُ بِمِائَة دِينَار وَهِي اكثر من الثُّلُث فَلم يجيزوه أَعْطوهُ ثلث مَا ترك من الدّين وَغَيره
وَفرق بَين العَبْد يوصى بِهِ بِعَيْنِه وَبَين الدّين وَالدَّنَانِير وَالسُّكْنَى وَنَحْوهَا
وَذكر الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي أَن لكل وَاحِد من أَصْحَاب الْوَصَايَا مَا سمي لَهُ من الثُّلُث إِذا كَانَت وصاياهم أَكثر من الثُّلُث
وَذكر الْمُزنِيّ فِي جَامعه عَن الشَّافِعِي مثل هَذَا وَقَالَ فِيهِ إِذا أوصى بِشَيْء بِعَيْنِه فَهُوَ فِيمَا أوصى بِهِ وَلَا يخرج إِلَى غَيره مَا سلمهَا الْوَرَثَة فَإِن لم يسلم الْوَرَثَة مَا لَزِمَهُم ضرب بِمَا أَصَابَهُ فِي مَال الْمَيِّت
قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا غلط بل تصح وَصيته فِي الشَّيْء بِعَيْنِه أَو مَا احْتمل الثُّلُث مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو وَصيته من أَن تكون جَائِزَة فَلَا يسعهم مَنعه أَو لَا تجوز فَلهم أَن يمنعوه وَلَا يلْزمهُم بِمَنْع مَا لَهُم أَن يمنعوه من حَقهم

(5/7)


وَاحْتج بَعضهم على ابي حنيفَة بِالْعَبدِ الْجَانِي إِذا اخْتَار الْمولى إِمْسَاكه لَزِمته الدِّيَة وَهِي أَضْعَاف قيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ مَا أوصى بِهِ الْمَيِّت إِذا كَانَ بِعَيْنِه فَلم تسلمه الْوَرَثَة وَجب عَلَيْهِم تَسْلِيم ثلث مَال الْمَيِّت لِأَن الْمَيِّت كَانَ لَهُ أَن يُوصي بِهِ
قَالَ أبوجعفر وَمَا ظَنَنْت أَن أحدا من أهل الْعلم يقنع بِمثل هَذَا من نَفسه لِأَن الْوَاجِب بِالْجِنَايَةِ أحد شَيْئَيْنِ إِمَّا دفع العَبْد أَو الدِّيَة فَإِذا مَنعه فقد اخْتَار الدِّيَة وَأما العَبْد الْمُوصى بِهِ فَلم تجز الْوَصِيَّة فِيهِ إِلَّا بِمِقْدَار الثُّلُث مِنْهُ فَمن أَو جب عَلَيْهِم الثُّلُث من غَيره وعَلى أَن العَبْد الْجَانِي لَيْسَ بعروض الْوَصِيَّة لِأَن الْجَانِي فِي ملك مَوْلَاهُ فَلهُ أَن يختاره وَيدْفَع الدِّيَة وَله أَن يَدْفَعهُ وَالشَّيْء الْمُوصى بِهِ فِي ملك الْمُوصى لَهُ بِهِ إِن خرج من الثُّلُث لَا حق للْوَارِث فِيهِ وَإِن لم يخرج من الثُّلُث فمقدار مَا يخرج من الثُّلُث فِي ملك الْمُوصى لَهُ فَلَيْسَ للْوَارِث مَنعه وبقيته فِي ملك الْوَارِث فَلَيْسَ للْمُوصى لَهُ اخذها مِنْهُ
2152 - فِي الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ إِذا أَفَادَ مَالا بعده

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا اوصى بِثلث مَاله ثمَّ أَفَادَ مَالا ثمَّ مَاتَ فَإِنَّمَا لَهُ ثلث مَاله يَوْم يَمُوت الْمُوصي
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا اوصت امْرَأَة فِي مَرضهَا بِالثُّلثِ فورثت مَالا فللموصى لَهُ الثُّلُث من جملَة الْمَالَيْنِ إِلَّا أَن يكون مَالا لم يعلم بِهِ حَتَّى مَاتَت فَلَيْسَ للْمُوصى لَهُ من المَال الَّذِي لم يعلم بِهِ شَيْء

(5/8)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك مثله وَقَالَ لَو أوصى بِعِتْق أَو غَيره فَإِن المَال الَّذِي وَرثهُ وَلم يعلم بِهِ أَنه لَا تدخل فِيهِ الْوَصَايَا لَا عتق وَلَا غَيره وَمَا علم بِهِ فَإِن الْوَصَايَا تدخل فِيهِ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا أوصى فِي مَرضه بِثلث مَاله ثمَّ ورث مَالا لم يحدث فِيهِ شَيْئا فَالْوَصِيَّة فِي ثلث مَا كَانَ أوصى الا أَن يكون الْمُوصي أوصى وَهُوَ صَحِيح فَأرى لَهُ ثلث كل شَيْء تَركه
قَالَ اللَّيْث إِذا أوصى ثمَّ ورث مَالا وَلم يعلم بِهِ لم يكن للْمُوصى لَهُ مِنْهُ شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ ان مَا علم بِهِ مِمَّا أَفَادَ يدْخل فِي الْوَصِيَّة كَذَلِك مَا لم يعلم بِهِ لِأَن الْعلم وَالْجهل فِيهِ سَوَاء إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا لم تُوجد فِيهِ وَصِيَّة مستأنفة
2153 - فِيمَن أوصى بِأَكْثَرَ من الثُّلُث

قَالَ أبوحنيفة فِي رجل أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بِجَمِيعِ مَاله فَلم تجزه الْوَرَثَة أَن الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَانِ
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه إِن أجَاز الْوَرَثَة فَلصَاحِب الثُّلُث السُّدس وَالْبَاقِي لصَاحب الْجَمِيع
قَالَ الْحسن عَن زفر عَن أبي حنيفَة فِي رجل أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بِجَمِيعِ مَاله أَن الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَول زفر وَإِن أجازت الْوَرَثَة

(5/9)


كَانَ الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَكَانَ للَّذي أوصى لَهُ بِالْجَمِيعِ نصف جَمِيع المَال يَأْخُذهُ من الثُّلثَيْنِ وَالسُّدُس الْبَاقِي من الثُّلثَيْنِ بَين الْمُوصى لَهما نِصْفَيْنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن لم تجز الْوَرَثَة فَالثُّلُث بَينهمَا على أَرْبَعَة وَكَذَلِكَ إِن أجَازه الْوَرَثَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ الثُّلُث بَينهمَا على أَرْبَعَة إِذا لم يجيزوا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَعَهم إِذا أوصى لرجل بِالثُّلثِ وَلآخر بالسدس قسم الثُّلُث بَينهمَا على ثَلَاثَة إِذا لم تجز الْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُوصى لَهُ بِجَمِيعِ المَال موصى لَهُ بِمَا زَاد على الثُّلُث بِملك الْعين فَلَا يضْرب بِهِ وَالْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ وبالسدس كل وَاحِد مِنْهُمَا على الِانْفِرَاد موصى لَهُ بِمَا يملكهُ الْمَيِّت فيتحاصان فِي الثُّلُث على قدر الوصيتين وَأما إِذا أَجَازُوا فَإِن رِوَايَة مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه لَا تعْمل الْإِجَازَة لصَاحب الثُّلُث وأعملها لصَاحب الْجَمِيع
وَرِوَايَة زفر عَن أبي حنيفَة أَنه قسم الثُّلُث بَينهمَا بِغَيْر إجَازَة وَبَقِي الثُّلُثَانِ لَا يَدعِي صَاحب الثُّلُث فِيهِ أَكثر من السُّدس وَالنّصف مُسلم لصَاحب الْجَمِيع وَالسُّدُس قد يتنازعاه فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ أَلا ترى أَنه لَو أجَاز الْوَرَثَة لصَاحب الثُّلُث خَاصَّة كَانَ لَا يَأْخُذ إِلَّا السُّدس مِمَّا بَقِي فَهَذَا مِمَّا كَانَ يمِيل إِلَيْهِ متقدمو أَصْحَابنَا من قَول أبي حنيفَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس عِنْدِي على أصل ابي حنيفَة أَن يكون الثُّلُثَانِ بَين

(5/10)


الْمُوصى لَهُم على خَمْسَة أَرْبَعَة أخماسه لصَاحب الْجَمِيع وخسمه لصَاحب الثُّلُث نضرب كل وَاحِد بِمَا بَقِي من وَصيته كَمَا قُلْنَا فِيمَن أوصى بِثلث مَاله لرجل وبسدسه لآخر فَلم تجز الْوَرَثَة أَنَّهُمَا يتضاربان فِيهِ بوصيتهما
2154 - فِيمَن أوصى بِشَيْء لرجل ثمَّ أوصى بِهِ لآخر

قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَليّ بن معبد عَن مُحَمَّد قَالَ وَإِذا قَالَ قد أوصيت لفُلَان بِثلث مَالِي ثمَّ قَالَ الثُّلُث الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان قد أوصيت بِهِ لفُلَان فَالثُّلُث بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ فِي الأَصْل إِذا أوصى بِعَبْد لرجل ثمَّ أوصى بِهِ لآخر فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَلَو قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان هُوَ لفُلَان كَانَ ذَلِك رُجُوعا فِي الْوَصِيّ الأولى وَلَو قَالَ قد أوصيت بِهِ لفُلَان كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَرُوِيَ عَن ابْن وهب عَن مَالك إِذا أوصى بِوَصِيَّة ثمَّ أوصى بِوَصِيَّة وَلم يذكر الآخر قَالَ تجوزان جَمِيعًا وَلَا تنقض الْآخِرَة الأولى إِلَّا أَن يبين فِيهَا نقض شَيْء مِمَّا فِي الأولى
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان هُوَ وَصِيَّة لفُلَان فالثانية نقض الأولى
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أوصى بِعَبْد لرجل ثمَّ أوصى بِهِ لآخر فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ سوار بن عبد الله فِي رجل أوصى بِوَصِيَّة ثمَّ أوصى بعد ذَلِك بِوَصِيَّة أُخْرَى أَن الثَّانِيَة تفسخ الأولى

(5/11)


وَكَانَ عبيد الله بن الْحسن يراهما جَمِيعًا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى لرجل بِعَبْد بِعَيْنِه ثمَّ أوصى بِهِ لآخر فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَلَو قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان لفُلَان أَو قَالَ قد أوصيت بِهِ لفُلَان كَانَ ذَلِك رُجُوعا عَن الأول بِالْآخرِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة إِنَّمَا هِيَ تمْلِيك بعد الْمَوْت فَالْأولى وَالثَّانيَِة سَوَاء مَا لم تكن فِي الثَّانِيَة دلَالَة على الرُّجُوع عَن الأولى
فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن تكون الْوَصِيَّة الثَّانِيَة رُجُوعا عَن الأولى على كل حَال
قَالَ سوار بن عبد الله كَمَا لَو قَالَ قد بِعْتُك عَبدِي هَذَا بِأَلف دِرْهَم فَلم يقبله حَتَّى قَالَ لرجل قد بعتكه بِمِائَة دِينَار كَانَ ذَلِك رُجُوعا عَن البيع الأول قيل لَهُ الْفرق بَينهمَا أَن البيع لَا يَقع إِلَّا بِقبُول الآخر وَالْوَصِيَّة قد صحت من قبل الْمُوصي قبل قبُول الْمُوصى لَهُ أَلا ترى أَن الْمُخَاطب بِالْبيعِ لَو مَاتَ قبل الْقبُول بَطل البيع وَلَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ بعد موت الْمُوصي قبل الْقبُول صحت الْوَصِيَّة لَهُ
2155 - مَا يبْدَأ بِهِ من الْوَصَايَا

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى بوصايا مُخْتَلفَة من عتق وَحج وَصدقَة ووصايا لقوم بأعيانهم فَإِنَّهُ ينظر إِلَى الثُّلُث فَيقسم بَين أَصْحَاب الْوَصَايَا وَبَين سَائِر مَا ذكر من الْقرب ثمَّ ينظر إِلَى مَا حصل من حِصَّة

(5/12)


الْقرب الَّتِي لَيست لإِنْسَان بِعَيْنِه فَيبْدَأ مِنْهَا بالفروض الَّتِي أوجبهَا الله تَعَالَى كَزَكَاة المَال وَحجَّة الْإِسْلَام على التَّطَوُّع بَدَأَ بهَا أَو أَخّرهَا ثمَّ ينظر إِلَى مَا بَقِي فَيبْدَأ بِمَا بَدَأَ من النَّوَافِل وَالتَّسْمِيَة إِذا كَانَت بِعَينهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة وَصِيَّة لإِنْسَان بِعَيْنِه
وروى بشر عَن أبي يُوسُف فِي الزَّكَاة وَحجَّة الْإِسْلَام أَنه يبْدَأ بِالزَّكَاةِ وَإِن أَخّرهَا ثمَّ الْحجَّة ثمَّ كَفَّارَات الْأَيْمَان وَجَزَاء الصَّيْد وَنَحْوه وَإِن كَانَت حجَّة تطوع وَكَفَّارَة يَمِين بدأت بكفارة الْيَمين وَيبدأ بكفارة الْقَتْل على جَزَاء الصَّيْد لِأَن الْقَتْل أوجب من جَزَاء الصَّيْد
قَالَ وأبدأ بكفارة الْقَتْل على كَفَّارَة رَمَضَان لِأَن كَفَّارَة الْقَتْل فَرِيضَة فِي الْكتاب وَكَفَّارَة رَمَضَان مُخْتَلف فِيهَا
قَالَ إِبْرَاهِيم يسْتَغْفر الله وَيَقْضِي يَوْمًا وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قَالَ وَلَو أوصى بِعِتْق فِي كَفَّارَة يَمِين وبكفارة صيد وفدية الاذى بَدَأَ بِمَا بَدَأَ بِهِ لِأَن هَذِه أَشْيَاء مُتَسَاوِيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي مَوضِع آخر من الْإِمْلَاء فِي الزَّكَاة وَالْحج يتحاصان
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا اوصى بِمِائَة دِرْهَم فِي سَبِيل الله وبمائة دِرْهَم فِي الْمَسَاكِين وبمائة دِرْهَم فِي الْحَج وَأوصى لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَأوصى أَن يعْتق فَإِنَّهُ لَا يبْدَأ بِشَيْء قبل شَيْء

(5/13)


قَالَ أَبُو يُوسُف يتحاصون فَمَا أصَاب الرجل سلم إِلَيْهِ وَمَا بعد ذَلِك فَهُوَ تطوع يبْدَأ فِيهِ بِمَا بَدَأَ وَإِن كَانَ فِيهِ وَاجِب بَدَأَ بِالْوَاجِبِ وَإِن أَخّرهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْعتْق الْبَتَات وَالتَّدْبِير يبْدَأ بهما على سَائِر الْوَصَايَا ثمَّ عتق عبد قد أوصى بِهِ بِعَيْنِه وَالَّذِي أوصى أَن يَشْتَرِي بِعَيْنِه وَيعتق يتحاصان ثمَّ الْكِتَابَة ثمَّ الْحَج قَالَ وَالْعِتْق الْبَتَات وَالتَّدْبِير يبْدَأ بهما على الزَّكَاة وعَلى الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ وَإِقْرَاره بدين لمن لَا يجوز لَهُ إِقْرَاره يبْدَأ بِهِ قبل الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ فَإِن علم وجوب الزَّكَاة فِي مَاله بإجاة مَا كَانَ غَائِبا وَعلم وجوب زَكَاته فَهُوَ من رَأس المَال إِذا وَجَبت فِي مَرضه وَإِن وَجَبت الزَّكَاة فِي صِحَّته ففرط فِيهَا ثمَّ أوصى بِهَذَا فَهَذَا يكون من الثُّلُث
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك إِذا أوصى بِزَكَاة مَاله وَعتق رَقَبَة من ظِهَار أَو قتل بدىء بِالزَّكَاةِ ثمَّ الْعتْق الْوَاجِب فِي الظِّهَار وَالْقَتْل وهما سَوَاء يتحاصان فِيهِ ويبدآن على عتق التَّطَوُّع وَعتق الظِّهَار وَالْقَتْل يبْدَأ بهما على كَفَّارَة الْيَمين وَيبدأ بِالطَّعَامِ فِي قَضَاء رَمَضَان على النّذر لِأَنَّهُ آكِد
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أوصى أَن يَشْتَرِي غُلَام فلَان بعد مَوته فَيعتق عَنهُ وَأوصى بوصايا يعجز عَنْهَا الثُّلُث بدىء بِالْعِتْقِ الَّذِي سمى قبل غَيره
وَقَالَ الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ إِذا أوصى بعتاقة ووصايا بدىء بالعتاقة فَإِن بَقِي شَيْء كَانَ لأَصْحَاب الْوَصَايَا

(5/14)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة أوصت أَن يحجّ عَنْهَا وَيعتق قَالَ إِن كَانَت صرورة بدىء بالعتاق ثمَّ حج بِمَا بَقِي من حَيْثُ يبلغ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْوَصَايَا كلهَا بِالْحِصَصِ إِلَّا عتقا موقعا فَإِنَّهُ يبْدَأ بِهِ قدم أَو أخر وَإِذا وهب فِي الْمَرَض ثمَّ أوصى بِالثُّلثِ حَاص الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ الْمَوْهُوب لَهُ
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِذا دبر رَقِيقا فِي صِحَّته وَأعْتق آخَرين عِنْد الْمَوْت تحاصا جَمِيعًا
قَالَ وَقَالَ مَالك يبْدَأ المدبرون عَلَيْهِم
قَالَ وَقَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بِزَكَاة مَاله وبوصايا مَعهَا بدىء بِالزَّكَاةِ على الْوَصَايَا من الْعتْق وَغَيره فَيخرج من ثلثه فَإِن فضل بعد ذَلِك من الثُّلُث شَيْء كَانَ لأهل الْوَصَايَا بِالْحِصَصِ
قَالَ وَإِذا أوصى بِعِتْق رَقَبَة بِعَينهَا وبحجة ووصايا وَلم يكن حج بدىء بالعتاقة ثمَّ بِالْحَجِّ ويتحاص أهل الْوَصَايَا فِيمَا بَقِي من الثُّلُث بعد ذَلِك وَإِن قَالَ اشْتَروا غُلَام فلَان فأعتقوه وَأوصى بوصايا مَعَ ذَلِك فَلم يحمل الثُّلُث فَإِنَّهُم يتحاصون وَلَو أعتق عبدا بِعَيْنِه بَدَأَ بِعِتْقِهِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي جَامعه وَلَو قَالَ فِي مَرضه غلامي هَذَا حر لوجه الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ غلامي هَذَا حر ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لآخر وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهم ثمَّ مَاتَ عتق الأول كُله إِن خرج من الثُّلُث فَإِن كَانَ أَكثر من الثُّلُث عتق مِنْهُ مَا حمل الثُّلُث ورق مَا بَقِي مِنْهُ والعبدان مَعَه وَإِن كَانَ أقل من الثُّلُث عتق كُله وَعتق من الثَّانِي تَمام الثُّلُث فَإِن فضل شَيْء عتق من الثَّالِث
وَقَالَ فِي الْوَصَايَا إملاء وَلَا يبْدَأ من الْعتَاقَة بِشَيْء دون شَيْء تَدْبِير

(5/15)


وَلَا غَيره إِنَّمَا يعْتق الْبَتَات فِي الْمَرَض الَّذِي لَو صَحَّ أعتق كُله وَقَالَ فِي الْوَصَايَا بِخَطِّهِ هبة الْبَتَات إِذا قبضت بدئت على الْعتْق فِي الْوَصَايَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يخْتَلف حكم الْهِبَة فِي الْمَرَض والوصايا فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا من الثُّلُث وَجب أَن يتحاصوا إِلَّا أَنهم قد اتَّفقُوا على أَن الْعتْق الْموقع فِي الْمَرَض يبْدَأ بِهِ على سَائِر الْوَصَايَا
2156 - فِي الْمُحَابَاة وَالْعِتْق فِي الْمَرَض

قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا حابى فِي البيع فِي مَرضه ثمَّ أعتق بدا بالمحاباة ثمَّ الْعتْق وَإِن أعتق ثمَّ حابى تحاصا وَإِن حابى ثمَّ أعتق ثمَّ حابى فَللْبَائِع الأول نصف الثُّلُث وَنصف الثُّلُث بَين الْمُعْتق وَبَين البَائِع الآخر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أبدأ فِي ذَلِك كُله بِالْعِتْقِ
وَقَالَ زفر إِذا أعتق ثمَّ حابى بَدَأَ بِالْعِتْقِ وَإِن حابى ثمَّ أعتق بدىء بالمحاباة وَإِن حابى ثمَّ أعتق ثمَّ حابى بدىء بالمحاباة الأولى ثمَّ بِالْعِتْقِ ثمَّ بالمحاباة الثَّانِيَة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا تصدق فِي مَرضه ثمَّ أوصى بوصايا لم يكن لأَصْحَاب الْوَصَايَا أَن يدخلُوا على الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قِيَاس لقَوْله إِنَّه إِذا حابى ثمَّ أعتق فالعتق أولى
وَقَالَ الرّبيع فِي الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا حابى وَأوصى بوصايا تحاصوا فِي الثُّلُث

(5/16)


قَالَ وَقد قيل فِيمَن بَاعَ فِي مَرضه بيعا حابى فِيهِ فسخ البيع لِأَن الْعقْدَة وَقعت على غرر لِأَنَّهُ إِن صَحَّ ثَبت وَإِن مَاتَ نقض على كَثْرَة الثُّلُث وقلته وعَلى قدر وَصَايَاهُ وَدينه وَهُوَ أحب إِلَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس مَا قَالَ الشَّافِعِي لِأَن الثّمن لم يتَحَصَّل بعد وَرُبمَا زَاد وَرُبمَا نقص
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لانه وَجب لَو وَجب هَذَا لوَجَبَ أَن لَا يجوز شِرَاء العَبْد الْمَعِيب الَّذِي لَا يعلم بِهِ المُشْتَرِي لانه لَو هلك فِي يَده رَجَعَ بِحِصَّة الْعَيْب من الثّمن وَيكون مَا بَقِي بعد الْحصَّة مَجْهُولا وَلِأَنَّهُ جَائِز أَن يجب لَهُ الرُّجُوع وَجَائِز أَن لَا يجب لَهُ الرُّجُوع لِأَنَّهُ إِن بَاعَ العَبْد من غَيره أَو قَتله لم يجب الرُّجُوع بِأَرْش الْعَيْب وَلِأَنَّهُ لَو علم بِهِ وَالْعَبْد قَائِم كَانَ خِيَاره فِي فسخ البيع دون الرُّجُوع بِالْحِصَّةِ فَلَمَّا لم يمْنَع كَونه معيبا من صِحَة البيع مَعَ جَوَاز مَا ذكرنَا كَانَ كَذَلِك حكم الْمُحَابَاة وَالْمعْنَى فِي جَمِيع ذَلِك أَن البيع قد وَقع صَحِيحا وَالثمن هُوَ مَا ثَبت بِالْعقدِ وورود الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِيهِ إِنَّمَا يكون فِي الْمُحَابَاة بعد ثُبُوته وَصِحَّته وَكَذَلِكَ يلْزم الشَّافِعِي على هَذَا الْقيَاس أَن لَا يجوز شِرَاء عَبْدَيْنِ صَفْقَة لِأَنَّهُ جَائِز أَن يَمُوت أَحدهمَا فِي يَده وَيحدث للْبَاقِي عيب فَيردهُ بِالْحِصَّةِ وَتَكون حِصَّة الْبَاقِي مَجْهُولَة فَهَذَا يدل على ضعف اعتلال الشَّافِعِي
2157 - فِيمَن أوصى لقبيلة لَا يُحصونَ

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لبني فلَان قَبيلَة لَا يُحصونَ فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة

(5/17)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك هِيَ جَائِزَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي وَلَو أوصى لَهُ وَلمن لَا يُحْصى بِثُلثِهِ فَالْقِيَاس أَنه كأحدهم
فَهَذَا يدل على جَوَاز الْوَصِيَّة لمن لَا يُحْصى
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي وَإِن حبس على عشيرة وهم لَا يُحصونَ مثل بني تَمِيم فقد قيل إِن أعْطى مِنْهُم ثَلَاثَة فَصَاعِدا أَجزَأَهُ كَالْوَصِيَّةِ للْفُقَرَاء
وَقد قيل لَا شَيْء لَهُم لأَنهم قوم بأعيانهم لَا يدرى مَا يصير لكل وَاحِد مِنْهُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتّفق الْجَمِيع على جَوَاز الْوَصِيَّة للْفُقَرَاء وَإِن لم يَكُونُوا مُعينين إِلَّا أَن ذَلِك إِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهَا لله تَعَالَى وَإِذا دخل فِيهَا الْأَغْنِيَاء وهم غير مَحْصُورين صَارَت حَقًا لآدَمِيّ وَحقّ الْآدَمِيّ لَا يثبت لغير عين أَلا ترى أَنه لَو قَرَأَ بِمَجْهُول غير معِين لم يجز إِقْرَاره كَذَلِك الْوَصِيَّة وَأَيْضًا فَإِن الْوَصِيَّة إِذا كَانَت لآدَمِيّ فَإِنَّمَا يتم الْقبُول الْمُوصى لَهُ وَالْمُوصى لَهُ هَاهُنَا غير معِين وَلَا يَصح مِنْهُ الْقبُول فَلم تصح
2158 - فِيمَن أوصى لولد فلَان

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى بِثلث مَاله لبني فلَان وَلم يسمهم وَكَانَ لَهُ بنُون فماتوا وَولد لَهُ آخَرُونَ قبل موت الْمُوصي فَالْوَصِيَّة لمن وجد حَيا من وَلَده يَوْم يَمُوت الْمُوصي
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث الْوَصِيَّة لمن أدْرك الْقسم مِنْهُم وَلَا يلْتَفت إِلَى من مَاتَ مِنْهُم بعد موت الْمُوصي قبل أَن يقسم المَال

(5/18)


وَقَالَ الثَّوْريّ إِنَّمَا يعْطى من كَانَ مَوْجُودا يَوْم الْوَصِيَّة
والمزني قَالَ فِيهِ مرّة مثل قَول أبي حنيفَة وَمرَّة مثل قَول الثَّوْريّ وَلَا يحفظ عَن الشَّافِعِي فِيهِ شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر الأولى أَن يعْتَبر من كَانَ مَوْجُودا وَقت الِاسْتِحْقَاق كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْأَوْقَاف
2159 - فِيمَن أوصى لمَيت قد علم بِمَوْتِهِ

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى بِثُلثِهِ لفُلَان فَمَاتَ قبل الْمُوصي أَو كَانَ مَيتا يَوْم الْوَصِيَّة وَهُوَ يعلم اَوْ لَا يعلم فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أوصى بِثُلثِهِ لرجل فَإِذا الرجل قد مَاتَ قبل الْوَصِيَّة قَالَ إِن كَانَ علم بِمَوْتِهِ حِين أوصى فَهُوَ للْمَيت الْمُوصى لَهُ يقْضى بهَا دينه ويرثها ورثته إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَإِن كَانَ لم يعلم بِمَوْتِهِ الْمُوصي فَلَا وَصِيَّة لَهُ وَلَا لوَرثَته وَلَا لأهل دينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو وهب لزيد وَهُوَ ميت أَن الْهِبَة بَاطِلَة علم بِمَوْتِهِ أَو لم يعلم وَأَن ورثته لَا تقوم فِي قبُولهَا مقَامه كَذَلِك الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا إِنَّمَا أوجبهَا للْمَيت فَإِذا لم تصح للْمَيت لم يستحقوها عَنهُ
2160 - فِي الْوَصِيَّة للْقَاتِل

قَالَ اصحابنا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز وَصِيَّة الْمَقْتُول للْقَاتِل فَإِن أجازها الْوَرَثَة جَازَت عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَلم تجز عِنْد أبي يُوسُف

(5/19)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا ضربه عمدا أَو خطأ فأوصى لَهُ الْمَضْرُوب ثمَّ مَاتَ من ذَلِك جَازَت الْوَصِيَّة فِي مَاله وَفِي دِيَته إِذا علم بذلك مِنْهُ وَلَو أوصى لَهُ بِوَصِيَّة ثمَّ قَتله الْمُوصى لَهُ عمدا أَو خطأ فَالْوَصِيَّة لقَاتل الْخَطَأ تجوز فِي مَاله وَلَا تجوز فِي دِيَته وَقَاتل الْعمد لَا تجوز لَهُ وَصِيَّة من الْمَقْتُول فِي مَاله وَلَا فِي دِيَته
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ تجوز وَصِيَّة الْمَقْتُول للْقَاتِل فِي ثلثه كَمَا تجوز لغير الْقَاتِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد ثَبت ان الْقَاتِل لَا يَرث لِأَن الْمِيرَاث يجب بِالْمَوْتِ وَكَانَ هُوَ سَببه وَكَذَلِكَ لَا تجوز لَهُ الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا تجب بِالْمَوْتِ وَكَانَ هُوَ سَببه وَلَو جَازَت الْوَصِيَّة مَعَ حرمَان الْمِيرَاث كَأَن لَو لم يقْتله وَمَات كَانَ يسْتَحق عشر مَاله وَإِذا قَتله وَقد أوصى لَهُ فَلَو جَازَت الْوَصِيَّة لَهُ كَانَ يسْتَحق الثُّلُث فَيكون قد جر مَاله إِلَى نَفسه بقتْله فَلَا تجوز كالميراث
وَلَا فرق بَين الدِّيَة وَبَين سَائِر مَاله لِأَن الْجَمِيع من مَال الْمَيِّت موروث عَنهُ وَلَا فرق أَيْضا بَين أَن تتقدم الْجِنَايَة على الْوَصِيَّة أَو تتأخر عَنْهَا لِأَن الْوَصِيَّة لَو جَازَت كَانَت مُتَعَلقَة بِالْمَوْتِ وَهُوَ قَاتل بعد الْمَوْت فَلَا وَصِيَّة لَهُ
وَأما خلاف أبي يُوسُف فِي مَنعه الْإِجَازَة بِإِجَازَة الْوَرَثَة فَإِن الْقيَاس مَا قَالَه لِأَنَّهُ لما جعل كالميراث فِي بُطْلَانهَا بِالْقَتْلِ وَجب أَن لَا تجوز بِإِجَازَة الْوَرَثَة كَمَا لَا يجوز لَهُ الْمِيرَاث بِإِجَازَة الْوَرَثَة

(5/20)


2161 - فِي وَصِيَّة الْبَالِغ الْمَحْجُور عَلَيْهِ

قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْحجر وَلم يحك خلافًا عَن أحد من أَصْحَابه الْقيَاس فِي وَصَايَا الْغُلَام الَّذِي قد بلغ وَهُوَ مُفسد غير مصلح من التَّدْبِير وَغَيره أَنه بَاطِل وَلَكنَّا نستحسن فِي وَصَايَاهُ إِذا وَافق فِيهَا الْحق وَلم يَأْتِ سَرفًا يسْتَحقّهُ الْمُسلمُونَ أَن يجوز من ثلثه كَمَا تجوز وَصِيَّة غَيره
قَالَ ابْن وهب عَن مَالك الضَّعِيف فِي عقله والمصاب الَّذِي يفِيق أَحْيَانًا تجوز وصاياهم إِذا كَانَ مَعَهم من عُقُولهمْ مَا يعْرفُونَ بِهِ مَا يوصون بِهِ فَأَما من لَيْسَ مَعَه من عقله مَا يعرف بِهِ مَا يُوصي بِهِ أَو كَانَ مَغْلُوبًا على عقله فَلَا وَصِيَّة لَهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِن حَضرته الْوَفَاة فأوصى بوصايا فَذَلِك جَائِز
وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن الشَّافِعِي تجوز وَصِيَّة كل من عقل الْوَصِيَّة من بَالغ مَحْجُور وَغير بَالغ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا منع الْمَحْجُور عَلَيْهِ للْفَسَاد فِي مَاله احْتِيَاطًا لَهُ فَإِذا صَار فِي حَال الْمَوْت اسْتغنى عَن ذَلِك فَكَانَ بِمَنْزِلَة من لَيْسَ بمحجور عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه يحد فِي الْقَذْف وَيجوز طَلَاقه وَهُوَ مُفَارقَة للصَّبِيّ من هَذَا الْوَجْه
2162 - فِي وَصِيَّة الصَّبِي

قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز وَصِيَّة الصَّبِي

(5/21)


وَذكر الْمُزنِيّ نَحْو ذَلِك وَلم يعزه إِلَى الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى وَهُوَ ابْن عشر سِنِين جَازَ مَا لم تكن فِي وَصيته اخْتِلَاط وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أقل من عشر بالشَّيْء الْخَفِيف
وَقَالَ اللَّيْث تجوز وَصيته إِذا أصَاب الْوَصِيَّة
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا أوصى فِي وسط مَا يَحْتَلِم لَهُ الغلمان جوزت وَصيته
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَمْرو بن سليم الزرقي وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم (أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أجَاز وَصِيَّة غُلَام يفاع
قَالَ أَبُو بكر وَكَانَ الْغُلَام ابْن عشر سِنِين وَهُوَ مُنْقَطع لِأَن وَاحِدًا مِنْهُمَا لم يدْرك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَالْقِيَاس أَن لَا تجوز وَصيته لِأَنَّهُ لَا يجوز طَلَاقه وَلَا يحد وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ فَكَانَ قَوْله كلا قَوْله فِي هَذِه الْأَشْيَاء كَذَلِك فِي وَصيته وَلَيْسَ كالمحجور عَلَيْهِ للْفَسَاد لِأَن أَقْوَاله فِي هَذِه الْأَشْيَاء جَائِزَة
2163 - فِي الْوَصِيَّة بوقف الْمُصحف

قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصح بذلك وَهُوَ مِيرَاث
وَقَالَ مَالك وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ تجوز من الثُّلُث

(5/22)


قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ
إِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا إِنَّه احْتبسَ أدرعه وأعتده حبسا فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا فِي الْجمل الَّذِي جعله أَبُو طليق حَبِيسًا فِي سَبِيل الله وَأَجَازَ لَهُ الرّكُوب فِيهِ
وَإِذا جَازَ أَن يفعل ذَلِك فِي صِحَّته جَازَت الْوَصِيَّة بِهِ
21164 - فِي الْوَصِيَّة بالنصيب

قَالَ أبوحنيفة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا ترك ابْنا وَأوصى بِنَصِيب ابْن لم تجز الْوَصِيَّة وَلَو أوصى بِمثل نصيب ابْن أَو بِنَصِيب ابْن لَو كَانَ جَازَ وَكَانَ ذَلِك وَصِيَّة بِنصْف المَال
قَالَ وَلَو ترك ابْنة فَقَالَ قد أوصيت لَهَا بِنَصِيب ابْن جَازَ وَلها الثُّلُثَانِ إِن أجازت الْوَرَثَة
قَالَ مُحَمَّد وَلَو قَالَ بِمثل نصيب ابْن كَانَ لَهُ الخمسان
وَقَالَ زفر أَو أوصى لَهُ بِنَصِيب أحد بنيه وهم خَمْسَة أعطي الْخمس وَإِن أوصى بِنَصِيب امْرَأَته وَلَيْسَ لَهُ ولد أعطي الرّبع وَبِه قَالَ الْحسن
وَقَالَ زفر لَو قَالَ أوصيته بِنَصِيب ابْني الْمَيِّت لَو كَانَ حَيا فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَيُعْطى نصيب الابْن لَو كَانَ حَيا

(5/23)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْوَصِيَّة فِي ذَلِك بَاطِل
قَالَ وأصل قَول مَالك الَّذِي يحكيه أَصْحَابه عَنهُ أَنه إِذا أوصى بِمثل نصيب ابْنه أَو بِنَصِيب ابْنه وَلَا وَارِث لَهُ غير ابْنه ذَلِك فَيُخَير الابْن أَن الْمُوصى لَهُ يَأْخُذ جَمِيع المَال وَيخرج الابْن من الْمِيرَاث
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن إِذا أوصى بِمثل نصيب أحد ابنيه وَلم يتْرك غَيرهمَا فَلهُ الثُّلُث وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فَلهُ الرّبع وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي
وَقَالَ عُثْمَان البتي أَيْضا لَو قَالَ لفُلَان مثل نصيب أحد وَلَدي وَله بنُون وَبَنَات فَإِن كَانَ ذكرا فَلهُ مَا للذّكر وَإِن كَانَت انثى فلهَا نصيب الْأُنْثَى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أوصى لرجل بِنَصِيب ابْنه وَلَا ابْن لَهُ غَيره فَلهُ النّصْف فَإِن لم يجز الابْن فَلهُ الثُّلُث وَلَو قَالَ بِمثل نصيب أحد وَلَدي فَلهُ مَعَ الِاثْنَيْنِ الثُّلُث وَمَعَ الثَّلَاثَة الرّبع حَتَّى يكون كأحدهم وَلَو قَالَ بِمثل نصيب أحد ورثتي أَعْطيته مثل أقلهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك لَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ جعل الْمُوصى لَهُ بِمثل نصيب الابْن جَمِيع نصيب الابْن والموصي لم يوص لَهُ بِجَمِيعِ نصِيبه إِنَّمَا أوصى لَهُ بِمثل نصِيبه وَقد قَالَ الله تَعَالَى {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} النِّسَاء 11 فَلم يُوجب بذلك إِخْرَاج الْأُنْثَيَيْنِ من الْمِيرَاث وَأَيْضًا فَلَا يعقل غير ذَلِك من اللَّفْظ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون مثلا لشَيْء مُنْتَفٍ إِنَّمَا يكون مثلا لشَيْء ثَابت قَالَ وَأما تَسْوِيَة زفر بَين الْوَصِيَّة وَبَين نصيب ابْن وَبَين الْوَصِيَّة بِمثل نصيب ابْن فَلَا معنى لذَلِك أَيْضا لِأَن الْوَصِيَّة بِنَصِيب الابْن يتَنَاوَل نصِيبه خَاصَّة يقوم

(5/24)


الْمُوصى لَهُ فِي نصِيبه الَّذِي كَانَ يَأْخُذهُ لَوْلَا تِلْكَ الْوَصِيَّة وَالْوَصِيَّة بِمثل نصِيبه وَصِيَّة يبْقى مَعَه نصِيبه وهما مُخْتَلِفَانِ
وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن الْوَصِيَّة بِنَصِيب الابْن بَاطِل لِأَن نصيب الابْن هُوَ مَا قد اسْتَحَقَّه مِيرَاثا عَن ابيه وَملكه وَمَا قد ملكه لَا تصح وَصِيَّة أَبِيه فِيهِ كَمَا لَو قَالَ إِذا ملك ابْني من تركتي مَا يسْتَحقّهُ مِنْهَا فقد أوصيت بِهِ لفُلَان فَلَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ
2165 - فِيمَن يُوصي بِسَهْم من مَاله

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى بِسَهْم من مَاله فَلهُ نصيب أحد الْوَرَثَة إِلَّا أَن يكون أقل من السُّدس فَيكون لَهُ السُّدس
وَقد قَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد لَهُ مثل نصيب أحد الْوَرَثَة الْأَقَل مِنْهُم إِلَّا أَن يزِيد على الثُّلُث فَيكون لَهُ الثُّلُث وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله إِلَّا أَن يكون أقل من السُّدس فِي قَول أبي حنيفَة غلط وَإِنَّمَا هُوَ إِلَّا ان يكون اكثر من السُّدس فَيكون لَهُ السُّدس وَهُوَ قَول زفر
قَالَ أَبُو بكر رِوَايَة أبي جَعْفَر هُوَ مَا ذكره فِي الْجَامِع الصَّغِير
وَقَالَ فِي الأَصْل يعْطى أخس سِهَام الْوَرَثَة وَإِن كَانَ أقل من السُّدس وَإِن كَانَ الْأَقَل أَكثر من السُّدس أعطي السُّدس فِي قَول أبي حنيفَة

(5/25)


وَأما الْجُزْء والنصيب فَفِي قَوْلهم جَمِيعًا تعطيه الْوَرَثَة مَا شاؤوا
وَقَالَ اشهب بن عبد الْعَزِيز وَلم يعزه إِلَى مَالك لَهُ الثّمن إِذا لم يعرف عدد الْوَرَثَة لِأَنَّهُ أقل سِهَام الْفَرِيضَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم من رَأْيه لَهُ السُّدس إِذا لم يعرف عدد الْوَرَثَة فَإِن عرف فَلهُ أخس نصيب أحد الْوَرَثَة
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالثَّوْري لَهُ الثُّلُث قلت سِهَام الْوَرَثَة أَو كثرت
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَلَو أوصى بِنَصِيب من مَاله فَلَو جعل لَهُ مثل نصيب أحد وَلَده كَانَ حسنا
وَقَالَ الرّبيع والمزني عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى لَهُ بِنَصِيب أَو جُزْء أَو حَظّ قيل للْوَرَثَة أَعْطوهُ مَا شِئْتُم وَلم يذكر السهْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله سهم من مَال يحْتَمل أَن يكون سَهْما من السِّتَّة الأسهم الَّتِي تَنْقَسِم عَلَيْهِ الْفَرَائِض وَيحْتَمل أَن يكون سَهْما من عشرَة لِأَن الْأَعْدَاد عشرَة وَإِنَّمَا يُزَاد عَلَيْهَا بعد ذَلِك أَجزَاء مِنْهَا وَيحْتَمل أَن يكون سَهْما من السِّهَام الَّتِي تَنْقَسِم عَلَيْهَا مِيرَاث الْمُوصي بَين ورثته على فَرَائض الله تَعَالَى الَّتِي يرثونه عَلَيْهَا وَكَانَ هَذَا أولى لِأَن هَذِه هِيَ السِّهَام الموروثة عَنهُ

(5/26)


فَأَما مَا اعْتَبرهُ أَبُو حنيفَة من السِّهَام إِذا كَانَت دون سِتَّة أَو فَوْقهَا فَلَا وَجه لَهُ فِي الْقيَاس وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْتَبر السُّدس أَو سهم من سِهَام الْفَرِيضَة كَمَا قَالَ فِي رجل قَالَ لعَبْدِهِ سهم مِنْك حر أَنه يعْتق سدسه وكما قَالَ عُثْمَان البتي وَالثَّوْري
وروى عَمْرو بن خَالِد عَن ابْن الْمُبَارك عَن يَعْقُوب بن الْقَعْقَاع عَن عَطاء فِيمَن أوصى بِسَهْم من مَاله قَالَ لَيْسَ بِشَيْء
وَرُوِيَ عَن شُرَيْح أَنه يعْطى مثل أحد سِهَام الْوَرَثَة
وَرُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن لَهُ السُّدس على كل حَال
2166 - فِي الْوَصِيَّة لعبد بعض الْوَرَثَة

قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز الْوَصِيَّة لعبد بعض ورثته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك تجوز الْوَصِيَّة لَهُ بالتافه الْيَسِير
قَالَ ابو جَعْفَر لَا فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير كَمَا لَو أوصى للْوَارِث
2167 - فِيمَن قَالَ لرجل اجْعَل ثُلثي حَيْثُ أَحْبَبْت

قَالَ اصحابنا إِذا أوصى لرجل بِثُلثِهِ حَيْثُ شَاءَ أَو نصفه حَيْثُ شَاءَ كَانَ لَهُ أَن يَجعله لنَفسِهِ أَبُو لبَعض وَلَده وَلَو قَالَ يُعْطِيهِ من أحب لم يكن لَهُ أَن يُعْطِيهِ نَفسه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ يَجعله حَيْثُ رأى فَأعْطَاهُ الْوَصِيّ

(5/27)


أحدا من وَلَده أَو قرَابَته لم يجز إِلَّا أَن يكون لذَلِك وَجه يعرف بِهِ صَوَاب فعله هَذَا شَاهد لِابْنِهِ فَأرى أَن يجوز
قَالَ ابو جَعْفَر فَإِذا لم يجز أَن يَجعله لِابْنِهِ فِي كل حَال فَأن لَا يَجعله لِأَبِيهِ أولى
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي جَامعه عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ ثلث مَالِي إِلَى فلَان يَضَعهُ حَيْثُ رَآهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ مِنْهُ شَيْئا كَمَا لَو أمره أَن يَبِيع لَهُ شَيْئا لم يكن لَهُ أَن يَبِيعهُ من نَفسه فَلَيْسَ لَهُ أَن يُعْطِيهِ وَارِثا لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَن يَضَعهُ فِيمَا لَيْسَ للْمَيت فِيهِ نظر
قَالَ ابو بكر تَشْبِيه الشَّافِعِي ذَلِك بِالْأَمر بِالْبيعِ بعيد لِأَنَّهُ لَو قَالَ بِعْهُ من نَفسك لم يجز وَلَو قَالَ اجْعَلْهُ لنَفسك جَازَ عِنْد الْجَمِيع
2168 - فِيمَن أوصى بِثُلثِهِ لفُلَان وللفقراء وَالْمَسَاكِين

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير إِذا أوصى بِثُلثِهِ لأمهات أَوْلَاده وَهن ثَلَاث وللفقراء وَالْمَسَاكِين قسم الثُّلُث على خَمْسَة لأمهات أَوْلَاده ثَلَاثَة وللفقراء سهم وللمساكين سهم
وَلَو أوصى بِثُلثِهِ لفُلَان وللمساكين فنصفه لفُلَان وَنصفه للْمَسَاكِين وَلم يحك خلافًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي إمْلَائِهِ فِي رجل أوصى بِثلث مَاله للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَلفُلَان فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ أقسمه على ثَلَاثَة أسْهم سهم للْفُقَرَاء وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لفُلَان

(5/28)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف أقسمه على سَهْمَيْنِ سهم للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَسَهْم لفُلَان لِأَن الْمِسْكِين يَقع عَلَيْهِ اسْم الْفَقِير وَالْفَقِير يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمِسْكِين أَلا ترى أَنه لَو قَالَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والمحتاجين لم يَجْعَل للمحتاجين سهم لِأَن الِاسْم الْوَاحِد من هَذَا يجمع هَذَا كُله
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أوصى بِثلث مَاله فِي سَبِيل الله وَفِي الْفُقَرَاء واليتامى يقسم الثُّلُث عَلَيْهِم على وَجه الِاجْتِهَاد وَلم يره أَثلَاثًا
قَالَ ابْن الْقَاسِم فَإِذا أوصى لفُلَان وللمساكين لم أر لَهُ نصف الثُّلُث وَلكنه يعْطى مِنْهُ على وَجه الِاجْتِهَاد وَلَو قَالَ ثلث مَالِي لفُلَان وَفُلَان وَأَحَدهمَا غَنِي كَانَ الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي جَامعه الْكَبِير عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى بِثُلثِهِ فِي الْمَسَاكِين قسم فِي مَسَاكِين ذَلِك الْبَلَد دون غَيرهم يدْخل فِيهِ الْفُقَرَاء لأَنهم مَسَاكِين فَإِن كثر حَتَّى يغنيهم نقل إِلَى أقرب الْبلدَانِ
فَإِن قَالَ فِي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين علمنَا أَنه أَرَادَ التَّمْيِيز بَين أهل الْفقر وَأهل المسكنة وَالْفَقِير من لَا مَال لَهُ وَلَا كسب والمسكين من لَهُ مَال أَو كسب يَقع مِنْهُ موقعا وَلَا يُغْنِيه فَيجْعَل الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَيْنِ
قَالَ ابو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} التَّوْبَة 60 فَذكر الصِّنْفَيْنِ وَقَالَ {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين} الْأَنْفَال 41 وَقَالَ فِي آيَة الفيئ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى} إِلَى قَوْله {وَالْمَسَاكِين} الْحَشْر 7 فَذكر

(5/29)


فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ الْمَسَاكِين وَلم يذكر الْفُقَرَاء وَلَا خلاف أَن من يُعْطي من الزَّكَاة لفقر أَو مسكنة أَنه يُعْطي من الفيئ فَثَبت أَن ذكره للْفُقَرَاء مَعَ الْمَسَاكِين على وَجه التَّأْكِيد لَا على أَن وَاحِدًا من الصِّنْفَيْنِ غير الآخر
وَقَالَ تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} الْمَائِدَة 89 وَجَائِز عِنْد الْجَمِيع إِعْطَاء الْفُقَرَاء وَكَذَلِكَ سَائِر الْمَوَاضِع الَّتِي ذكر فِيهَا الْمَسَاكِين والفقراء بمثابتهم عِنْد من يفرق بَينهم
وَأما مَا فرق بِهِ الشَّافِعِي بَين الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَلَا دلَالَة عَلَيْهِ من كتاب وَلَا سنة وَلَا لُغَة
فَإِن قيل قَالَ الله تَعَالَى {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر} الْكَهْف 79 فسماهم مَسَاكِين وَأثبت لَهُم ملك السَّفِينَة والفقراء خلافهم وهم الَّذين لَا يملكُونَ شَيْئا
قيل لَهُ قد رَأينَا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سمى من لَا يملك شَيْئا مِسْكينا
بقوله {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} الْبَلَد 16 وَهُوَ الَّذِي قد أفْضى إِلَى التُّرَاب فَلم يكن لَهُ مَا يُغْنِيه عَنهُ فقد صَار مُسْتَحقّا لاسم المسكنة بمرتبة سفلى وبمرتبة أَعلَى مِنْهَا وَقَالَ تَعَالَى {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} الْبَقَرَة 273 فوصفهم بالحصر فِي سَبِيل الله وبالمنع بِالْخرُوجِ مِنْهُ إِلَى غَيره وَقد أحطنا علما أَنهم لم يدخلُوا فِي سَبِيل الله خالين من سلَاح يُقَاتلُون بِهِ وَلَا عُرَاة من ثِيَاب تواريهم يؤوون فِيهَا فَرَائض صلواتهم
وَقد قَالَ الرَّاعِي ... أما الْفَقِير الَّذِي كَانَت حلوبته ... وفْق الْعِيَال فَلم يتْرك لَهُ سبد ...

(5/30)


فَسَماهُ فَقِيرا مَعَ ملكه للحلوبة فَثَبت بذلك أَن الْفَقِير قد يملك وَقد لَا يملك وَكَذَلِكَ الْمِسْكِين وَإِن الاسمين بِمَعْنى وَاحِد
وَقد قَالَ بعض أهل اللُّغَة هُوَ الَّذِي يجد الشَّيْء الَّذِي لَا يُغْنِيه وَإِن الْمِسْكِين هُوَ الَّذِي لَا يجد شَيْئا
فَيُقَال لَهُ قد قَالَ الله تَعَالَى {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين} الْكَهْف 79 فَدلَّ أَن الْمِسْكِين قد يملك وَقد لَا يملك بقوله تَعَالَى {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} وَالْفَقِير أَيْضا قد يملك بِمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} الْبَقَرَة 273 مَعَ وجودهم مَا يَأْكُلُون وَمَا يلبسُونَ وَمَا يُقَاتلُون بِهِ وَقد سمي فَقِيرا وَهُوَ مِمَّن أفْضى بِهِ الْفقر إِلَى التُّرَاب
وَقد روى الْمُعَلَّى عَليّ بن مَنْصُور قَالَ أَخْبرنِي يحيى بن سعيد قَالَ أَخْبرنِي مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن وهب بن خنبش قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة فَسَأَلَهُ رِدَاءَهُ فَأعْطَاهُ إِيَّاه فَذهب بِهِ ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إِلَّا من فقر مدقع أَو غرم مفظع والفقر المدقع هُوَ المفضي بِصَاحِبِهِ إِلَى الدقعاء وَهِي التُّرَاب
2169 - فِي الْوَصِيَّة للْوَارِث إِذا أجازها الْوَرَثَة

قَالَ اصحابنا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا أوصى لبَعض ورثته فأجازته بَقِيَّتهمْ جَازَت وَصيته
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا تجوز لِأَنَّهُ إِنَّمَا منع الْوَارِث من الْوَصِيَّة لِئَلَّا يَأْخُذ مَال الْمَيِّت من وَجْهَيْن مُخْتَلفين فَلم يجز أَن يجتمعا فِي حَال وَاحِدَة

(5/31)


قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على جَوَاز الْوَصِيَّة بِجَمِيعِ المَال إِذا أجَازه الْوَرَثَة كَذَلِك تجوز للْوَارِث بإجازتهم لَا فرق بَينهمَا
2170 - فِي الْعتْق الْمُؤَقت بعد الْمَوْت

قَالَ فِي الأَصْل وَلم يحك خلافًا إِذا قَالَ فِي وَصيته يخْدم عَبدِي فلَانا سنة ثمَّ يعْتق وَلَا مَال لَهُ غَيره فَإِنَّهُ يخْدم فلَانا يَوْمًا وَالْوَرَثَة يَوْمَيْنِ فَإِذا مضى ثَلَاث سِنِين عتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر ظَاهر ذَلِك أَنه يعْتق وَإِن لم يعتقهُ مُعتق
وَقَالَ مُحَمَّد بن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا قَالَ هُوَ حر بعد موتِي بِشَهْر إِنَّمَا يعْتق بعد شهر وَلَا يعْتق حَتَّى يعْتق
وَالْقِيَاس أَنه يكون بَاطِلا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة الْعتْق الْبَتَات أَلا ترى أَنه لَو جنى جِنَايَة قبل مَجِيء الشَّهْر كَانَ للْوَرَثَة أَن يَدْفَعُوهُ
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك مَا دلّ ظَاهره على أَنه يعْتق بعد الْوَقْت من غير تَجْدِيد عتق وعَلى ذَلِك يدل قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الرّبيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يعْتق بِالْمَوْتِ وَلم يجز عتقه قبل الْمَوْت صَار مِيرَاثا للْوَرَثَة فَلَا تصح الْوَصِيَّة بعد ذَلِك لِأَن حكم الْوَصَايَا أَن يكون وُجُوبهَا عقيب الْمَوْت بِلَا فصل
2171 - فِي الْوَصِيَّة بالغلة والخدمة

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لرجل بسكنى دَار أَو بِخِدْمَة عبد أَبُو بغلة أَرض أَو بُسْتَان وَذَلِكَ ثلثه أَو أقل فَهُوَ جَائِز وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَعُثْمَان

(5/32)


البتي وسوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا تجوز ذَلِك وَالْوَقْت وَغير الْوَقْت فِي ذَلِك سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِيمَن أوصى لرجل بِشَيْء ثمَّ مَاتَ وَهُوَ فِي غير ملكه أَن وَصيته بذلك غير جَائِزَة فَاحْتمل أَن تكون الْوَصِيَّة بالمنافع كَذَلِك لِأَن الْمُوصي لَو مَاتَ وَهِي فِي غير ملكه ثمَّ وجدنَا الْمَنَافِع قد يجوز أَن يسْتَحق بِعقد الْإِجَازَة وَإِن لم يكن المؤاجر مَالِكًا للمنافع يَوْم عقد الْإِجَازَة إِلَّا أَن الْمَنَافِع تكون حَادِثَة على ملك المؤاجر فَتجوز وَأما مَنَافِع الدَّار وَالْأَرْض بعد موت الْمُوصي فَهِيَ طارئة على ملك الْوَرَثَة وَالْقِيَاس أَن لَا تجوز الْوَصِيَّة
2172 - فِيمَن أوصى بِأَن يخْدم عَبده فلَانا سنة ثمَّ جن فَلَا يقبل فلَان

ذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد عَن ابي حنيفَة إِذا أوصى أَن يخْدم عَبده فلَانا سنة ثمَّ جن فَقَالَ فلَان لَا اريد خدمته فَالْعَبْد رَقِيق للْوَرَثَة يبيعونه إِن شاؤوا وَلم يحك خلافًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي العَبْد يخْدم الرجل سنة ثمَّ هُوَ حر فيهب الْمُوصى لَهُ بِالْخدمَةِ الْخدمَة للْعَبد أَو يَبِيعهَا مِنْهُ أَنه حر تِلْكَ السَّاعَة وَلَا شَيْء للْوَرَثَة فِي ذَلِك
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَفِي مَسْأَلَتنَا يَنْبَغِي أَن يعْتق حِين أَبى أَن يقبل الْوَصِيَّة

(5/33)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أوصى لِابْنِهِ بِخِدْمَة غُلَامه سنة ثمَّ هُوَ حر وَله إخْوَان فَقَالَ يخدمهم جَمِيعًا سنة ثمَّ هُوَ حر
وَقَالَ اللَّيْث فِي امْرَأَة أوصت لرجل بِثلث مَالهَا وأوصت فِي غُلَام لَهَا أَن يخْدم وَلَدهَا حَتَّى يبلغُوا أَشَّدهم ثمَّ هُوَ حر فَقَالَ يبْدَأ بالغلام فيقام بِرَجُل فِي الثُّلُث فَتكون خدمته على فَرَائض الله تَعَالَى فَإِذا بلغُوا أَشَّدهم أعتق وَمَا فضل من الثُّلُث فلأهل الْوَصَايَا
2173 - فِي الْمُوصى لَهُ بِالْخدمَةِ يُؤَاجر العَبْد

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لرجل بسكنى دَار أَو بِخِدْمَة عبد فَلَيْسَ لَهُ أَن يُؤَاجر الدَّار وَلَا العَبْد
وَقَالَ مَالك يجوز لَهُ أَن يُؤَاجر الدَّار وَالْعَبْد إِلَّا ان يكون قَالَ اخدم ابْني مَا عَاشَ ثمَّ أَنْت حر فَلَا يُؤَاجر لِأَن المُرَاد بِهِ الْحَضَانَة وَالْكَفَالَة
وَقَالَ اللَّيْث لَهُ أَن يكريه إِلَّا أَن يشرط عَلَيْهِ أَن يسكنهُ وَلَا يكريه
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي الصَّدَقَة إِذا اشْترط عَلَيْهِ السُّكْنَى جَازَ أَن يكروا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا جَمِيعًا على أَن للْمُسْتَأْجر أَن يُؤَاجر
وَاتَّفَقُوا أَيْضا أَنه لَيْسَ للْمُوصى لَهُ بالغلة أَن يسكن فَوَجَبَ أَن لَا يُؤَاجر الْمُوصى لَهُ بِالسُّكْنَى وان لَا يتَعَدَّى مَا أوصى لَهُ بِهِ
قَالَ الشَّيْخ وَأَيْضًا لما لم يكن للْمُسْتَعِير أَن يعير وَجب أَن يكون كَذَلِك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ ملك الْمَنَافِع بِغَيْر بدل

(5/34)


2174 - فِيمَن أوصى بِعِتْق أمة لَهُ على أَن لَا يتَزَوَّج

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الأَصْل من غير خلاف بَينهم إِذا أوصى أَن يعْتق أمته على أَن لَا يتَزَوَّج ثمَّ مَاتَ فَقَالَت لَا أَتزوّج فَإِنَّهَا تعْتق من ثلثه فَإِن تزوجت بعد لم تبطل وصيتها
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ هِيَ حرَّة على أَن تثبت على الْإِسْلَام فَإِن أَقَامَت على الْإِسْلَام سَاعَة فَهِيَ حرَّة وَإِن إرتدت بعد ذَلِك لم تبطل وصيتها
وَإِذا أوصى لأم وَلَده بِأَلف دِرْهَم على ان لَا تتَزَوَّج أبدا أَو قَالَ سنة أَو يَوْمًا فَإِن تزوجت قبل ذَلِك فوصيتها بَاطِلَة
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ اعتقوها على أَن لَا تخرج من عِنْد وَلَدي إِلَى شهر أَو إِلَى سنة أَو قَالَ هِيَ حرَّة إِن لم تتَزَوَّج شهرا فَإِن تزوجت قبل الشَّهْر أَو خرجت قبل الْوَقْت فوصيتها بَاطِلَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى لأم وَلَده بِأَلف دِرْهَم على أَن لَا تتَزَوَّج فَقَالَت لَا أَتزوّج وقبضت الْألف ثمَّ تزوجت بعد ذَلِك فَإِنَّهُ ينْزع مِنْهَا الْألف
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أعتق أم وَلَده عِنْد الْمَوْت ثمَّ أصدقهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار على أَن لَا تتَزَوَّج فَإِن تزوجت فصداقها مائَة دِينَار قَالَ لَهَا اربعمائة دِينَار وَيفْسخ الشَّرْط
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا وَقعت الْوَصِيَّة على شَرط لم تنفذ حَتَّى يُوجد الشَّرْط وَلَا خلاف أَنَّهَا إِذا قَالَت بعد مَوته لَا أَتزوّج أَنَّهَا تسْتَحقّ الْعتْق بِالْوَصِيَّةِ فَدلَّ على أَن الشَّرْط فِي وَصِيَّة مَوْلَاهَا هُوَ قَوْلهَا لَا أَتزوّج لَا ترك التَّزْوِيج حَتَّى تَمُوت لِأَنَّهُ لَو كَانَ الشَّرْط أَن لَا تتَزَوَّج حَتَّى تَمُوت لما اسْتحقَّت الْوَصِيَّة حَتَّى تَمُوت وَبعد الْمَوْت لَا تصح لَهَا وَصِيَّة فَثَبت أَن الشَّرْط هُوَ قَوْلهَا لَا أَتزوّج فتستحق الْعتْق وَلَا يُبطلهُ بعد ذَلِك التَّزْوِيج

(5/35)


2175 - فِيمَن قَالَ فلَان مُصدق بعد موتِي فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ من دين

قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل تحضره الْوَفَاة فَيَقُول لفُلَان عَليّ دين فصدقوه فِيمَا قَالَ قَالَ يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الثُّلُث فَإِن كَانَ أوصى بوصايا غير الثُّلُث لأَصْحَاب الْوَصَايَا فَالثُّلُث لأَصْحَاب الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ للْوَرَثَة ثمَّ قيل لأَصْحَاب الْوَصَايَا أقرُّوا لَهُ من الثُّلُث بِمَا شِئْتُم وللورثة أقرُّوا لَهُ من الثُّلثَيْنِ بِمَا شِئْتُم فَمَا بَقِي من الثُّلُث فأصحاب الْوَصَايَا أَحَق بِهِ من صَاحب الدّين وَلَا يشاركهم فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا من قَوْلهم إِذا كَانَ الْمُوصي قد أقرّ أَن عَلَيْهِ للْمُوصى لَهُ دينا لم يذكر مِقْدَاره
فَأَما إِذا قَالَ صدقوه فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ وَلم يقر أَن عَلَيْهِ دينا لم يجب تَصْدِيقه على شَيْء مِمَّا يَدعِيهِ لنَفسِهِ من الدّين على الْمَيِّت الْمُوصي وَلَا اخْتِلَاف عَنْهُم فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أوصى أَن لرجل عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ دِينَارا وَأوصى مَعَ ذَلِك أَنه يصدق فِيمَا قَالَ فَادّعى ان لَهُ خمسين دِينَارا قَالَ أرى ان يحلف وَيَأْخُذ خميسين دِينَارا
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ فِي مَرضه مَا قَالَ فلَان من شَيْء فصدقوه قَالَ هُوَ وَصِيَّة من الثُّلُث وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن

وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَو ضمن لرجل مَا قضى بِهِ على فلَان لرجل

(5/36)


آخر أَو مَا أشهد بِهِ فلَان عَلَيْهِ فَلَا يجوز وَهُوَ مخاطرة وَإِذا كَانَ هَذَا غير جَائِز من الْحَيّ على نَفسه كَانَ من الْمَيِّت عل نَفسه من الْجَوَاز أبعد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو قَالَ فِي حَيَاته فلَان مُصدق فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ لم يلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ شَيْء بقول الْمُدَّعِي وَكَانَ قَوْله ذَلِك كلا قَول وَكَذَلِكَ يجب أَن يكون حكمه بعد الْمَوْت
وَقَول أبي حنيفَة فِي قَول الرجل فِي وَصيته لفُلَان عَليّ دين فصدقوه أَنه يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الثُّلُث اسْتِحْسَانًا لِأَن من قَالَ لفُلَان على دين القَوْل قَوْله فِي مِقْدَاره وَالْقَوْل قَول ورثته بعد مَوته وَلكنه اسْتحْسنَ فِي أَن يصدق فِي مِقْدَار مَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ
2176 - فِيمَن قَالَ صدقُوا وصيتي فِيمَن أوصيت لَهُ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَن أوصى إِلَى رجل وَقَالَ قد جعلت ثُلثي لرجل قد سميته لَهُ فصدقوه يَعْنِي الْوَصِيّ لم يصدق الْوَصِيّ وَحده لِأَنَّهُ شَاهد وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ قد كتبت وصيتي وجعلتها عِنْد فلَان فصدقوه وأنفذوا مَا فِيهَا أَنه يصدق وَينفذ مَا فِيهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يصدق الْوَصِيّ لِأَنَّهُ شَاهد كَمَا لَا يصدق إِذا قَالَ صدقُوا فلَانا فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ

(5/37)


2177 - فِيمَن أوصى لوَارث ولأجنبي

قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا مَاتَ وَله ابْنَانِ لَا وَارِث لَهُ غَيرهمَا فأوصى بِمَالِه كُله لأحد ابنيه ولرجل أَجْنَبِي أَو قَالَ مَالِي كُله لفُلَان وَلفُلَان وَصِيَّة ثمَّ مَاتَ فَأجَاز الابنان للْأَجْنَبِيّ وَصيته وَلم يجزه الْوَارِث لِأَخِيهِ فللرجل الْأَجْنَبِيّ نصف المَال وَكَانَ مَا بَقِي بَين الِابْنَيْنِ نِصْفَيْنِ وَلَو أجَاز لِأَخِيهِ وَلم يجز للْأَجْنَبِيّ فللأجنبي ثلث المَال بِغَيْر إجَازَة فَيكون لَهُ أَرْبَعَة أسْهم من اثْنَي عشر سَهْما وَيكون للِابْن الْمُوصى لَهُ سَبْعَة من اثْنَي عشر وَمَا بَقِي فللابن الَّذِي لم يوص لَهُ بِسَهْم قَالَ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
وَقَالَ فِي الْجَامِع الصَّغِير إِذا أوصى لوَارث ولأجنبي بِوَصِيَّة جَازَت وَصِيَّة الْأَجْنَبِيّ وَبَطلَت وَصِيَّة الْوَارِث
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى الْوَارِث لأجنبيين وَلم يسع ذَلِك الثُّلُث فَإِن لم يتْرك وَارِثا غير الَّذِي أوصى لَهُ بُدِئَ بالأجنبيين فِي الْوَصِيَّة فِي الثُّلُث وَلم يحاصهم الْوَارِث بِشَيْء وَلَو كَانَ مَعَ الْوَارِث وَارِث غَيره يحاص الْوَارِث الَّذِي أوصى لَهُ والأجنبيون فِي الثُّلُث فَمَا صَار للأجنبيين من المحاصة أسلم إِلَيْهِم وَمَا صَار للْوَارِث من ذَلِك فَإِن شريكيه فِي الْمِيرَاث يخيرون فَإِن شاؤوا أنفذوه لَهُ وَإِن شاؤوا ردوا فَيكون مِيرَاثا بَينهم وَمذهب الْحسن بن حَيّ يدل على أَنه إِذا أوصى لوَارث ولأجنبي أَن الْأَجْنَبِيّ لَا يحاصه الْوَارِث وَيكون الْوَارِث كمن لم يوص لَهُ

(5/38)


وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن أوصى لوَارث بسدس مَاله وَأوصى لأَجْنَبِيّ بِثلث مَاله فَلم تجز الْوَرَثَة للْوَارِث ذَلِك السُّدس فللموصى لَهُ بِالثُّلثِ ثلث المَال بعد ذَلِك السُّدس فَيكون ذَلِك السُّدس ردا على الْوَرَثَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِيمَن أوصى لوَارث ولأجنبي فَلم يجيزوا فللأجنبي النّصْف وَيسْقط النّصْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة للْوَارِث إِذا لم تجزها الْوَرَثَة فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ فَلَا يجوز أَن يحاص الْأَجْنَبِيّ فِيمَا أوصى لَهُ بِهِ
2178 - فِيمَن اوصى لِقَرَابَتِهِ

قَالَ وَإِذا أوصى بِثلث مَاله لِذَوي قرَابَته فَإِن أَبَا حنيف وَزفر قَالَا ذُو الْقَرَابَة كل ذِي رحم محرم مِمَّن لَا يَرِثهُ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب الرِّجَال وَالنِّسَاء فِيهِ سَوَاء وَأَقلهمْ اثْنَان فَصَاعِدا فَإِن كَانَ لَهُ عمان وخالان وَابْن فَالْوَصِيَّة للعمين دون الخالين فَإِن كَانَ عَم وَاحِد وخالان فَالْوَصِيَّة بَينهم للعم نصفه وللخالين مَا بَقِي فَإِن أوصى لذِي قرَابَته فَهَذَا على وَاحِد وَإِن كَانَ لَهُ عَم وخالان فَالْوَصِيَّة للعم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أوصى لِذَوي قرَابَته أَو لأقربائه فَهَذَا على بني الْأَب الَّذين ينسبون إِلَيْهِ من قبل الرِّجَال أَو النِّسَاء أقْصَى أَب فِي الْإِسْلَام كَانُوا ذَوي رحم محرم مِنْهُ أَو لم يَكُونُوا الْأَقْرَب والأبعد فِيهِ سَوَاء
وَرُوِيَ عَن زفر من غير جِهَة الْحسن أَن الْوَصِيَّة لمن قرب من قبل الْأُم أَو الْأَب دون الْأَبْعَد وَسَوَاء فِيهِ الرَّحِم الْمحرم وَغَيره

(5/39)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يدْخل فِي الْأَقَارِب إِذا أوصى لِقَرَابَتِهِ إِلَّا من كَانَ من قبل الْأَب الْعمة وَابْنَة الْأَخ وَمن أشبههما وَيبدأ بالفقراء حَتَّى يغنوا ثمَّ يُعْطوا الْأَغْنِيَاء
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِذا أوصى للأقربين قسم على أقرابئه كلهم مَا كَانَ من عَم وخال كل من بَينه وَبَينه قرَابَة وَيكون الْقسم فِي ذَلِك وَاجِبا لَا يفضل بَعضهم على بعض وَإِن كَانَ بَعضهم احوج من بعض
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ ثُلثي لقرابتي أَو لذِي رحمي أَو لأرحامي فَسَوَاء من قبل الْأَب وَالأُم وأبعدهم وأقربهم فَإِن كَانَ من قُرَيْش أعطي بقرابته الْمَعْرُوفَة عِنْد الْعَامَّة الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الْأَنْفَال 41 وَقَالَ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الْحَشْر 7 وَلما قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سهم ذَوي الْقُرْبَى أعْطى بني هَاشم وَبني الْمطلب وَأكْثر بني هَاشم فليسو ذَوي رحم محرم مِنْهُ وَبني الْمطلب كلهم غير ذَوي رحم محرم مِنْهُ فَثَبت بذلك فَسَاد قَول من اعْتبر ذَوي الرَّحِم الْمحرم وَفَسَد بذلك أَيْضا قَول من اعْتبر الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى بني هَاشم جَمِيعًا وَبَعْضهمْ أقرب إِلَيْهِ من بعض وَأعْطى بني الْمطلب وَبَنُو هَاشم أقرب إِلَيْهِ مِنْهُم
وَثَبت بِهِ أَيْضا فَسَاد قَول من جعل أهل الْحَاجة مِنْهُم أولى لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله عَلَيْهِ وَسلم قد عَم بعطيته بني هَاشم وَفِيهِمْ أَغْنِيَاء

(5/40)


وَكَانَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ فِي ذَلِك أولى عندنَا بِالْحَقِّ
فَإِن قيل فقد أعْطى هَؤُلَاءِ قرَابَته من قبل الْأُم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُعْط قرَابَته من قبل أمه
قيل لَهُ هُوَ كَمَا ذكرت وَذَلِكَ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعم بعطيته سهم ذَوي الْقُرْبَى قراباته كلهم وَإِنَّمَا أعْطى بَعضهم لِأَن الله تَعَالَى قد جعل لَهُ أَن يُعْطي من شَاءَ مِنْهُم وَيتْرك البَاقِينَ وَإِن كَانُوا أقرباءه
2179 - فِيمَن أوصى بِوَصِيَّة إِن مَاتَ فِي سفرة

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى فَذكر فِي مَرضه أَو فِي سَفَره فَرجع من ذَلِك السّفر أَو برأَ من ذَلِك الْمَرَض بطلت الْوَصِيَّة وَإِن جعلهَا مُبْهمَة فَمَتَى مَاتَ فَهِيَ جَائِزَة من ثلثه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَرُوِيَ عَن الثَّوْريّ نَحوه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الرجل يكْتب وَصيته فِي سَفَره أَو مَرضه ويضعها على يَدي رجل ثمَّ يقدم من سَفَره أَو يبرأ من مَرضه فيقبضها مِمَّن هِيَ عِنْده فَيَمُوت فتؤخذ الْوَصِيَّة بِحَالِهَا أَو تقوم الْبَيِّنَة بهَا فَإِنَّهَا لَا تنفذ لِأَنَّهُ قد أَخذهَا
قَالَ وَلَو قَالَ فِي وَصيته إِن حدث بِي حدث من مرضِي أَو سَفَرِي هَذَا فلفلان كَذَا وَفُلَان عَبدِي حر وَكتب هَذَا وَهُوَ مَرِيض فبرأ من مَرضه وَقدم من سَفَره فَأقر وَصيته بِحَالِهَا فَمَتَى مَاتَ فَهِيَ جَائِزَة وَإِن برأَ من مَرضه وَقدم من سَفَره مَا لم ينقضها وَإِن لم يكن كتب ذَلِك وَلكنه قَالَ إِن حدث من سَفَرِي هَذَا أَو من مرضِي هَذَا وَأشْهد على ذَلِك فَإِذا صَحَّ من مَرضه ذَلِك أَو قدم من سَفَره ثمَّ مَاتَ فَإِن ذَلِك بَاطِل لَا يجوز
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قَالَ إِن حدث بِي حدث فِي سَفَرِي هَذَا أَو مرضِي هَذَا ثمَّ يقدم أَو يبرأ فقد بطلت الْوَصِيَّة

(5/41)


قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا لم يَكْتُبهَا كَانَت مَوْقُوفَة على الشَّرْط الَّذِي اشْتَرَطَهُ كَذَلِك إِذا كتبهَا لِأَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تصح بالْقَوْل لَا بِالْكِتَابَةِ
2180 - فِي الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَانَ لَهُ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم كل ألف فِي كيس على حِدة فَقَالَ قد أوصيت لهَذَا بِمَا بَقِي من هَذِه الْألف بِعَيْنِه ثمَّ أوصى لرجل آخر بِأَلف أُخْرَى كَانَت الْألف الثَّانِيَة جَائِزَة لصَاحِبهَا وَلَيْسَ لصَاحب مَا بَقِي شَيْء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي رجل أوصى فَقَالَ لفُلَان عشرَة دَنَانِير وَلفُلَان مَا بَقِي من ثُلثي فَمَاتَ صَاحب الْعشْرَة قبل الْمُوصي فَإِن علم الْمُوصي فَالثُّلُث كُله لَهُ وَإِن لم يعلم أعطي مَا بعد ذَلِك وَلم يروه عَن مَالك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قَالَ إِن مت فغلامي فلَان وَفُلَان حران وَمَا بَقِي من ثُلثي لفُلَان ثمَّ يَمُوت أحد الغلامين أَو كِلَاهُمَا فَإِنَّهُمَا يقومان قيمَة فِي ثلثه ثمَّ تطرح تِلْكَ الْقيمَة وَيكون مَا بَقِي من الثُّلُث بعد الْقيمَة للْمُوصى لَهُ
وروى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَو أَن رجلا قد حج فَقَالَ احجوا عني رجلا بِمِائَة دِرْهَم واعطوا مَا بَقِي من ثُلثي لفُلَان وَأوصى بِثلث مَاله لرجل بِعَيْنِه فللموصى لَهُ بِالثُّلثِ نصف الثُّلُث وللحاج وللموصى لَهُ بِمَا بَقِي من الثُّلُث نصف الثُّلُث ويحج عَنهُ رجل بِمِائَة
قَالَ الشَّافِعِي وَلَو أوصى لرجل بِشَيْء وَقَالَ مَا فضل من ثُلثي لفُلَان جَازَ فَإِن هلك ذَلِك الشَّيْء كَانَ من مَال الْمُوصى لَهُ بِهِ وَقوم من الثُّلُث ثمَّ أعْطى الَّذِي أوصى لَهُ بِفضل الثُّلُث مَا فضل عَنهُ كَمَا لَو سلم فَدفع
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله بِمَا بَقِي من الثُّلُث يحْتَمل أَن يُرِيد بعد الْوَصَايَا وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده بعد لتسمية للْأولِ وَإِن لم يثبت لَهُ كَمَا لَو أوصى لرجل بِثَلَاثَة ارباع الثُّلُث وَلآخر بِالربعِ

(5/42)


فَلَمَّا كَانَ لَو قَالَ قد أوصيت بِمَا بَقِي من الثُّلُث وَلم يوص للْآخر بِشَيْء اسْتحق الثُّلُث علمنَا أَن الْمُوصى لَهُ يسْتَحق كل الثُّلُث إِلَّا مَا يسْتَحق عَلَيْهِ بِوَصِيَّة يسلم للْمُوصى لَهُ
2181 - فِي الرجل يُوصي لعَبْدِهِ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْحسن ن حَيّ إِذا أوصى لعَبْدِهِ بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يعْتق رقبته من الثُّلُث وَإِن بَقِي من الثُّلُث شَيْء أعطي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أوصى لعَبْدِهِ بِثلث مَاله فَلَا شَيْء لَهُ وَهُوَ للْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة تمْلِيك مثل الْهِبَة وَالصَّدَََقَة بل الْوَصِيَّة آكِد لِأَنَّهَا تصح غير مَقْبُوضَة وَلَو وهب لعَبْدِهِ نَفسه أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ عتق كَذَلِك إِذا أوصى بِهِ لنَفسِهِ بِالْوَصِيَّةِ
2182 - فِي الْوَصِيَّة لبني فلَان وَله ولد ولد

قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى بِثلث مَاله لبني فلَان وَلَا ولد لَهُ لصلبه فَإِنَّهُ يُعْطي ولد وَلَده من قبل الرِّجَال وَلَا يُعْطي ولد وَلَده من قبل الْبَنَات
وَقَالَ فِي الأَصْل إِذا أوصى لبني فلَان وَله بنُون وَبَنَات وَمَات فَالْوَصِيَّة للذكور دون الْإِنَاث فِي قَول أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فلَان حرا

(5/43)


وَلَا يدْخل فِيهِ الْبَنَات وَلَا بَنَات الابْن وَلَو قَالَ لولد فلَان دخل فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث فَإِن كَانَ لَهُ ولد لصلبه فَالْوَصِيَّة لولد الابْن الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَيْسَ لولد الْبَنَات شَيْء
وَقَالَ مُحَمَّد فِي السّير الْكَبِير إِذا أَمنهم على أَوْلَادهم لم يدْخل أَوْلَاد الْبَنَات فِيهِ وَدخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنِينَ وَلم يذكر خلافًا
قَالَ الْخصاف فِي كِتَابه فِي الْوُقُوف قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل أوصى بِثلث مَاله لولد زيد وَلَيْسَ لَهُ ولد لصلبه وَله ولد من أَوْلَاد الذُّكُور وَالْإِنَاث أَن الثُّلُث لولد الذُّكُور دون ولد الْإِنَاث
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يدْخل الْبَنَات فِيهِ فيكونون أُسْوَة أَوْلَاد الْبَنِينَ وَهَذَا خلاف مَا ذكر مُحَمَّد فِي السّير وَفِي الأَصْل من الْوَصَايَا
وَسمعت بكار بن قُتَيْبَة أَبَا بكرَة يَقُول كَانَ ابْن عَائِشَة يَعْنِي عبيد الله بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ يَأْخُذ من وقف لبَعض الهاشميين كَانَ وَقفه على وَلَده وَكَانَت أم ابْن عَائِشَة مِنْهُم فَكَانَ يَأْخُذ بهَا من ذَلِك الْوَقْف حَتَّى أخرجه مِنْهُ عِيسَى بن أبان وَلم ير لَهُ فِيهِ حَقًا بِأُمِّهِ الَّتِي هِيَ من ولد الْوَاقِف
قَالَ بكار وَأنكر أَصْحَابنَا هِلَال وَغَيره يَوْمئِذٍ على عِيسَى ذَلِك ورأوه قد خرج بِهِ من قَول أَصْحَابه إِلَى قَول مخالفهم فَذكرت ذَلِك لعيسى عَنْهُم فَقَالَ مَا خرجت بذلك من قَول أَصْحَابنَا هَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن

(5/44)


قَالَ أَبُو جَعْفَر فَذكرت أَنا ذَلِك لأبي خازم فَقَالَ لي صدق عِيسَى هَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن فِي السّير الْكَبِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذكر مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فِي كِتَابه فِي الْوَقْف وَهُوَ من أَصْحَاب زفر مِنْهُم تعلم وَإِلَى قَوْله يذهب وَلم يحك خلافًا بَين زفر وَأبي حنيفَة أَنه إِذا أوقف وَقفا على وَلَده أَنه يدْخل فِيهِ وَلَده وَولد وَلَده مَا تَنَاسَلُوا الْبَطن الْأَعْلَى والأسفل وَيدخل فِيهِ ولد الذُّكُور وَولد الْإِنَاث مَا تَنَاسَلُوا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا قَالَ دَاري حبيس على وَلَدي فَإِن ولد الْوَلَد يدْخلُونَ مَعَ الْآبَاء وبدئ بِالْآبَاءِ
وَإِن قَالَ وَلَدي وَولد وَلَدي دخلُوا أَيْضا وبدئ بِالْوَلَدِ وَكَانَ لَهُم الْفضل إِن كَانَ فضلا قَالَ وَكَانَ الْمُغيرَة وَغَيره يُسَوِّي بَينهم
قَالَ مَالك إِذا قَالَ حبيس على وَلَدي فَهِيَ لوَلَده وَولد وَلَده وَلَيْسَ لولد الْبَنَات شَيْء قَالَ الله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} النِّسَاء 11 وَأجْمع النَّاس على أَنه لَا يقسم لولد الْبَنَات شَيْء إِذا لم يكن ولد لصلبه وَإِن بني الْبَنِينَ وَالْبَنَات يقسم لَهُم ويحجبون من كَانَ يحجب من كَانَ فَوْقهم
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ ثُلثي لبني فلَان فَلَيْسَ لبني الْبَنَات شَيْء إِنَّمَا هُوَ لبني بنيه وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يدْخل ولد الْبَنَات
ومسائل الشَّافِعِي تدل على أَن ولد الْبَنَات يدْخلُونَ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ إِذا ملكهن لولد الْبَنِينَ

(5/45)


قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} النِّسَاء 1
وَأَجْمعُوا أَن ولد الْبَنِينَ يدْخلُونَ فِي ذَلِك إِذا لم يكن ولد لصلبه
وَأَجْمعُوا أَن ولد الْبَنَات لَا يدْخلُونَ وَلَا دلَالَة فِيهِ على أَنهم لَيْسُوا من أَوْلَاده لِأَن الْكفَّار وَالْعَبِيد من أَوْلَاده لصلبه لَا يدْخلُونَ فِي الْمِيرَاث وَلَا يدل على أَنهم لَيْسُوا وَلَده
وَقد روى إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن هَانِئ بن هَانِئ عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ولد لي غُلَام فسميته حَربًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا سميت ابْني قلت سميناه حَربًا قَالَ هُوَ حسن وَقَالَ فِي الْحُسَيْن مثل ذَلِك
وروى الْأَشْعَث عَن الْحسن عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
إِن ابْني هَذَا سيد وَإِنِّي لأرجو أَن يصلح الله بِهِ بَين فئتين من أمتِي يَعْنِي الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا
وروى عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد عَن أَبِيه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء وَهُوَ حَامِل أحد ابنيه الْحسن أَو أَو الْحُسَيْن فَتقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع الْغُلَام عِنْد قدمه الْيُمْنَى فَسجدَ بَين ظهراني صلَاته سَجْدَة أطالها فَرفعت رَأْسِي فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجد وَإِذا الْغُلَام رَاكب ظَهره فعدت فسجدت فَلَمَّا صلى قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك سجدت بَين ظهراني صَلَاتك سَجْدَة أطلتها أَشَيْء أمرت بِهِ أم كَانَ يُوحى إِلَيْك قَالَ كل ذَلِك لم يكن وَلَكِن ابْني ارتحلني فَكرِهت أَن أعجله حَتَّى يقْضِي من حَاجته فَسمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن ابْنَته ابْنا فِي هَذِه الْأَخْبَار

(5/46)


2183 - فِي الرجل يُوصي لبني فلَان هَل تدخل فِيهِ الْإِنَاث

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ ثلث مَالِي لبني فلَان وَله بنُون وَبَنَات فَالثُّلُث للبنين دون الْبَنَات إِلَّا أَن يكون فلَان فخذا أَو قَبيلَة تحصى فَيكون للذكور وَالْإِنَاث وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وروى يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي عَن أبي حنيفَة فِي رجل قَالَ ثلث مَالِي لبني فلَان وَله بنُون وَبَنَات أَن الثُّلُث لَهُم جَمِيعًا وهم فِيهِ سَوَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالثَّوْري
وروى الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا أوصى بِثُلثِهِ لإخوة فلَان فَهُوَ للذكور دون الْإِنَاث
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ فلَان فخذا جَازَ أَن يُقَال للْمَرْأَة هِيَ من بني فلَان فَدخلت فِي الْوَصِيَّة وَإِذا لم يكن فخذا أَو كَانُوا لصلبه لم يجز أَن يُقَال للْمَرْأَة هَذِه من بني فلَان إِلَّا أَنه إِذا اجْتمع الذُّكُور وَالْإِنَاث جَازَ أَن يُقَال هَؤُلَاءِ بَنو فلَان فَالْقِيَاس أَن يدْخل فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث
2184 - فِي الْوَصِيَّة بِالنَّفَقَةِ

روى الْحسن عَن أبي حنيفَة وَزفر وَهُوَ رِوَايَة مُحَمَّد أَيْضا عَن أبي حنيفَة وَقَول مُحَمَّد إِن الْوَصِيَّة بِالنَّفَقَةِ مَا عَاشَ إِذا لم يشترطها من الثُّلُث فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة بِجَمِيعِ المَال فَإِن أجازها الْوَرَثَة وقف جَمِيع

(5/47)


المَال عَلَيْهِ إِلَى أَن يَمُوت وَإِن أوصى بوصايا مَعَ ذَلِك ضرب الْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ بِالثُّلثِ وَالْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ بِالثُّلثِ أَيْضا فَيكون الثُّلُث نِصْفَيْنِ إِن لم تجز الْوَرَثَة
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يكون الثُّلُث بَينهمَا على أَرْبَعَة يضْرب الْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ بِجَمِيعِ المَال وَالْآخر بِالثُّلثِ
وَقَالَ الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَ الثُّلُث كثيرا حبست لصَاحب النَّفَقَة بِالْعشرَةِ دَرَاهِم كل شهر قدر عمر الْإِنْسَان من أهل ذَلِك الزَّمَان وأقصى مَا يُوقف لَهُ قدر تَمام مائَة سنة من وَقت مولده فَإِن كَانَ الْمُوصى لَهُ ابْن أَرْبَعِينَ سنة حسب مَا يُصِيبهُ فِي سِتِّينَ سنة كل شهر عشرَة دَرَاهِم فَيُوقف ذَلِك لَهُ وَيرد مَا بَقِي على الْوَرَثَة وَيُؤْخَذ مِنْهُم كَفِيل وَينْفق على الرجل مِمَّا عزل فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل أَن يستكمل مَا عزل لَهُ رد مَا بَقِي على الْوَرَثَة وَإِن بَقِي حَتَّى ينْفق عَلَيْهِ ذَلِك وينفد أَخذ من الْوَرَثَة عشرَة كل شهر وَأنْفق عَلَيْهِ حَتَّى يستكمل الثُّلُث أَو يَمُوت
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ أَنْفقُوا على فلَان عشر سِنِين فعزلت لَهُ نَفَقَة عشر سِنِين ثمَّ مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل أَن ينْفق رَجَعَ ذَلِك إِلَى وَرَثَة الْمُوصي
وَقَالَ أَشهب عَن مَالك فِيمَن أوصى بوصايا وَأوصى لنفر خَمْسَة بنفقتهم مَا عاشوا فَإِنَّهُ يعمر كل وَاحِد من الْخَمْسَة سبعين سنة سبعين سنة من وَقت مولده من كَانَ مِنْهُم ابْن عشر سِنِين حبس لَهُ نَفَقَة سِتِّينَ سنة وَمن كَانَ

(5/48)


أقل أَو أَكثر فعلى هَذَا لِأَنِّي أرى السّبْعين من أَعمار النَّاس الْيَوْم فَكلما مَاتَ مِنْهُم وَاحِد رد نصِيبه على أهل الْوَصَايَا حَتَّى يموتوا فَإِذا مَاتُوا وَمَعَهُمْ أهل وَصَايَا رد ذَلِك على أهل الْوَصَايَا حَتَّى يستوفوها فَإِذا فضل شَيْء رد على وَرَثَة الْمَيِّت
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا أوصى لفُلَان بِمِائَة وَلفُلَان عشرَة كل شهر فَإِنَّهُمَا يتحاصان يضْرب الْمُوصى لَهُ بِالْمِائَةِ بِمِائَة وَالْمُوصى لَهُ بِالْعشرَةِ يضْرب فِي أول شهر بِعشْرَة فيعطي حصتهم وَيدْفَع مَا بَقِي إِلَى الْمُوصى لَهُ بِالْمِائَةِ فَإِذا كَانَ الشَّهْر الثَّانِي ضرب بِعشْرين وَضرب صَاحب الْمِائَة بِمِائَة وَحسب على صَاحب الْعشْرَة مَا أَخذ فِي الشَّهْر الأول وَكَذَلِكَ يقسم بَينهمَا فِي كل شهر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ بِمَنْزِلَة الْمُوصى لَهُ بِجَمِيعِ المَال فَيضْرب مَعَ صَاحب الثُّلُث فِي الثُّلُث بذلك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بِثلث مَاله وَلآخر أَن ينْفق عَلَيْهِ مَا عَاشَ وَالثلث مائَة دِينَار قسم الْمِائَة بَينهمَا فَإِن مَاتَ قبل أَن يَسْتَوْفِيه رد مَا بَقِي على الآخر
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس أَن يُوقف عَلَيْهِ بِمِقْدَار مَا يعِيش مثله فِي الْعَادة وَلَا يجوز أَن يُوقف عَلَيْهِ لما يعلم أَنه لَا يعِيش إِلَى مثله
فَإِن قيل يجوز أَن يهْلك المَال الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَيحْتَاج أَن يعود إِلَى مَا أَخذه الْوَرَثَة
قيل لَهُ لَا يجوز ذَلِك لِأَن الْقِسْمَة قد صحت فِيمَا عزل فَيكون بِمَنْزِلَة مَا قد أوصى بِهِ بِعَيْنِه

(5/49)


وَأما قَول عُثْمَان البتي فَلَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ إِن وَجب أَن لَا يضْرب للْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ إِلَّا بِنَفَقَة الشَّهْر الْوَاحِد الَّذِي يسْتَحقّهُ فَيَنْبَغِي أَن لَا يضْرب الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ إِلَّا الْقدر الَّذِي يسْتَحقّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا أولى بِالِاحْتِيَاطِ لَهُ من الآخر
2185 - فِي الْوَصِيَّة للجيران

قَالَ مُحَمَّد إِذا أوصى لجيرانه فَالْقِيَاس أَن يكون لجيرانه الملاصقين دون غَيرهم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِيمَا رُوِيَ عَنهُ وَيكون للسكان والملاك
قَالَ مُحَمَّد وَإِنَّمَا أستحسن أَن أجعله لجَمِيع من يجمعه مَسْجِد الْمحلة الَّتِي فِيهَا الْمُوصي من الملاصقين وَغَيرهم والملاك والسكان فِيهِ سَوَاء وَلَا يدْخل فِيهِ الرَّقِيق
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف الْجِيرَان الَّذين تجمعهم محلّة وَاحِدَة أَو مَسْجِد وَاحِد فَإِن تفَرقُوا فِي مسجدين فهم أهل محلّة وَاحِدَة إِذا كَانَ المسجدان متقاربين فَأَما إِذا تبَاعد مَا بَينهمَا وَكَانَ كل مَسْجِد عَظِيما جَامعا فَكل أهل مَسْجِد جيران دون الآخرين وَأما الْأَمْصَار الَّتِي فِيهَا الْقَبَائِل فالجيران على الأفخاذ دون الْقَبَائِل وَإِن كَانَ أَهلهَا من قبائل شَتَّى غير أَن الْفَخْذ الَّذِي فِيهِ الدّور يجمعهُمْ فَهَؤُلَاءِ جيران
وَقَالَ الْحسن عَن زفر فِي رجل أوصى لجيرانه قَالَ فجيرانه كل حَدِيد لداره سَاكن أَو مَالك للدَّار
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وأقصى الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل نَاحيَة

(5/50)


قَالَ أَبُو جَعْفَر تَوْقِيت دور بِعَينهَا لَا معنى لَهُ لِأَن التَّوْقِيت فِي مثله لَا يثبت إِلَّا بالتوقيف
وَقَول من اعْتبر الْجَار الملاصق فَاسد أَيْضا لِأَنَّهُ روى عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِن لي جارين فَإلَى أَيهمَا أهدي قَالَ أقربهما مِنْك بَابا
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِذا اجْتمع الداعيان فأجب أقربهما بَابا فَإِن أقربهما بَابا أقربهما جوارا
فَلم يعْتَبر الملاصقة وَاعْتبر الْقرب بِالْبَابِ مَعَ كَونهمَا جارين فَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لِأَنَّهُ فِي الْعَادة كَذَلِك
2186 - فِي الْوَصِيَّة للأرامل

قَالَ مُحَمَّد إِذا أوصى لأرامل بني فلَان والأرامل من النِّسَاء وَهِي الَّتِي قد أرملت من زَوجهَا وَمَالهَا وَهِي بَالِغَة فَإِن كن يحصين أعطين وَإِن لم يحصين أعطي الْفُقَرَاء مِنْهُنَّ
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء مثل قَول مُحَمَّد إِلَّا أَنه قَالَ على الفقيرة والموسرة
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا قَالَ ثلث مَالِي لأرامل بني فلَان فالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَذكر ذَلِك عَن الشّعبِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ

(5/51)


قدمت عبر الْمَدِينَة فَاشْترى مِنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتَاعا فَبَاعَهُ بِرِبْح أَوَاقٍ فضَّة فَتصدق بهَا على أرامل بني عبد الْمطلب ثمَّ قَالَ لَا أَعُود أَن أَشْتَرِي بعْدهَا شَيْئا وَلَيْسَ ثمنه عِنْدِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك النِّسَاء من بني عبد الْمطلب اللائي أنسابهن فِي غَيرهم وَلم يرد الرِّجَال الَّذين لَا تحل لَهُم الصَّدَقَة لِأَنَّهُ تصدق من الرِّبْح فَحصل لَهُ قبل أَن يُؤَدِّي عَنهُ كَمَا يتَصَدَّق بِرِبْح مَا لم يضمن
قَالَ وَإِنَّمَا سميت أرملة وَسمي الرجل أرمل لذهاب زادهما وإفضائهما إِلَى الرمل حَتَّى صَارا لَا يحجبهما عَنهُ شَيْء
قَالَ أَبُو بكر كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} الْبَلَد 16 فَأفَاد لفظ الأرملة شَيْئَيْنِ فقد الزَّوْج وَالْمَال فَإِن كَانَ لَهَا زوج ينْفق عَلَيْهَا فَلَيْسَتْ أرملة إِن كَانَ لَهَا مَال وفقدت زَوجهَا فَلَيْسَتْ أرملة لوُجُود مَا يمْنَعهَا من هَذِه الصّفة فَدلَّ على صِحَة قَول مُحَمَّد غير قَول أبي يُوسُف
وَأما قَول من قَالَ يدْخل فِيهِ الرِّجَال فَلَا معنى لَهُ أَيْضا لِأَن الأرامل جمع أرملة كَمَا أَن الأنامل جمع أُنْمُلَة وَجمع أرمل رمل كَمَا يُقَال أَخْضَر وخضر وأحمر وحمر
2187 - فِي الْوَصِيَّة لرجل بِذِي رحم محرم مِنْهُ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف إِذا أوصى لرجل بأَخيه أَو امْرَأَته ثمَّ مَاتَ لم يعْتق العَبْد وَلم يفْسد النِّكَاح حَتَّى يقبل الْمُوصى لَهُ الْوَصِيَّة
وَقَالَ زفر وَمَالك وَالثَّوْري يعْتق قبل أَو لم يقبل

(5/52)


وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وهب لصبي من يعْتق عَلَيْهِ أَو أوصى لَهُ بِهِ وَله وَصِيّ كَانَ عَلَيْهِ قبُوله وَيعتق عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن الْمُوصى لَهُ بِالْمَالِ إِذا رد الْوَصِيَّة بطلت وَكَانَت كَالْهِبَةِ لَا تملك إِلَّا بِالْقبُولِ كَسَائِر عُقُود التمليكات
2188 - فِي الْوَصِيَّة بِجَمِيعِ المَال لمن لَا وَارِث لَهُ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا لم يكن لَهُ وَارِث فأوصى بِجَمِيعِ مَاله جَازَ وَهُوَ قَول شريك بن عبد الله
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ لَا تجوز وَصيته إِلَّا فِي الثُّلُث
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الشّعبِيّ وَغَيره عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود لَيْسَ من حَيّ الْعَرَب أَحْرَى أَن يَمُوت الرجل مِنْهُم وَلَا يعرف لَهُ وَارِث مِنْكُم معشر هَمدَان فَإِذا كَانَ كَذَلِك فليضع مَاله حَيْثُ أحب وَلَا نعلم لَهُ مُخَالفا من الصَّحَابَة
وَأَيْضًا فَإِن الْمُسلمين لَا يسْتَحقُّونَ مَاله بعد مَوته على سَبِيل الْمِيرَاث لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما جَازَ أَن يسْتَحقّهُ الرجل مَعَ أَبِيه لِأَن الْأَب وَالْجد لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مِيرَاث وَاحِد فَعلمنَا أَنهم لَا يستحقونه على جِهَة الْمِيرَاث وَإِنَّمَا يعطيهم الإِمَام من جِهَة أَنه مَال لَا مَالك لَهُ وَكَانَ للْإِمَام أَن يَضَعهُ حَيْثُ يرى فمالكه أولى بذلك من الإِمَام لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُ إِلَى أَن توفّي أَلا ترى أَنه إِذا كَانَ لَهُ وَارِث فأوصى بِأَكْثَرَ من الثُّلُث أَنه إِذا لم تجزه الْوَرَثَة رد إِلَيْهِ مَا زَاد

(5/53)


لِأَنَّهُ يَأْخُذهُ مِيرَاثا فَإِذا لم يكن مِيرَاث فَالْوَصِيَّة جَائِزَة كالثلث الَّذِي لَا يُورث إِذا أوصى بِهِ
وَأَيْضًا فللإمام أَن يَجعله لرجل من الْمُسلمين فالموصي بذلك أولى مِنْهُ كَمَا كَانَ فِي حَال الْحَيَاة
2189 - فِي عتق النَّسمَة عَن الْمَيِّت

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى بِأَن يعْتق عَنهُ نسمَة من ثلث مَاله وَمَاله ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فَاشْترى الْوَصِيّ عبدا بِأَلف دِرْهَم وَأعْتقهُ وَأعْطى الْوَرَثَة الْأَلفَيْنِ ثمَّ لحق الْمَيِّت دين فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من الْوَرَثَة مَا قبضوا حَتَّى يقْضِي الدّين وَيضمن الْوَصِيّ الثّمن الَّذِي دَفعه وَيكون الْعتْق عَن الْوَصِيّ
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِن لحقه دين يسْتَغْرق جَمِيع مَاله رد العَبْد فِي الرّقّ وَإِن لم يستغرقه عتق مِنْهُ بِقدر الثُّلُث بعد الدّين وَلَا يضمن الْوَصِيّ شَيْئا إِذا لم يعلم بِالدّينِ وَلم نجد عَن الشَّافِعِي شَيْئا مَنْصُوصا وَقِيَاس قَوْله أَن يضمن الْوَصِيّ وَلَا يخْتَلف فِيهِ حكم الْعلم وَالْجهل
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على أَن الْوَصِيّ لَو كَانَ عَالما بِالدّينِ ضمن مَا دَفعه من مَال الْمَيِّت فِي ثمن النَّسمَة كَذَلِك إِذا لم يعلم لِأَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا يخْتَلف فِي ضَمَانهَا حكم الْجَهْل وَالْعلم
وَقد قَالَ مَالك إِذا أَخطَأ القَاضِي فَقتل رجلا بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ أَنه يضمن وَإِن لم يتَعَمَّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَانَ القَاضِي أَو أَمِينه أعتق ثمَّ لحق الْمَيِّت دين بَطل الْعتْق وَبيع فِي الدّين لِأَن القَاضِي لَا يلْحقهُ ضَمَان فِيمَا تصرف فِيهِ من جِهَة الحكم فَلَا يكون مُشْتَريا لنَفسِهِ وَلَا ينفذ عتقه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّة للْمَيت

(5/54)


2190 - فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد هَل يدخلن فِي الموَالِي

قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي رجل أوصى بِثلث مَاله لمواليه لم تدخل فِيهِ أُمَّهَات أَوْلَاده وَلَا مدبروه وَإِنَّمَا يدْخل فِيهِ من عتق مِنْهُم قبل مَوته
وروى بشر عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ تدخل فِيهِ أُمَّهَات أَوْلَاده ومدبروه وكل من عتق بِمَوْتِهِ ثمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُف فَقَالَ لَا يدخلن إِلَّا من عتق قبل مَوته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك تدخل أُمَّهَات أَوْلَاده ومدبروه وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة إِنَّمَا تسْتَحقّ بِالْمَوْتِ فَمن لم يكن من موَالِيه فِي تِلْكَ الْحَال وَإِنَّمَا يثبت لَهُ الْوَلَاء بعد ذَلِك فَلَا يدْخل فِي الْوَصِيَّة
2190 - م فِي الْوَصِيَّة للموالي

قَالَ مُحَمَّد فِي الْجَامِع وَلم يذكر خلافًا فِي رجل عَرَبِيّ أوصى لمواليه وَله موَالِي أعتقهم وَلَهُم أَوْلَاد وموالي أعتقهم موَالِيه فَالْوَصِيَّة لمواليه الَّذين أعتقهم ولأولادهم وَلَا شَيْء مِنْهَا لموَالِي موَالِيه وَلَو لم يكن لَهُ موَالِي أعتقهم وَلَا أَوْلَادهم قد مَاتُوا وَله موَالِي أعتقهم موَالِيه فَالْوَصِيَّة لموَالِي موَالِيه وَإِن لم يكن وَاحِد من هَؤُلَاءِ وَكَانَ لَهُ موَالِي أعتقهم ابْنه وَقد مَاتَ فورث ولاءهم فَلَا شَيْء لهَؤُلَاء وَإِن كَانَ يَرث ميراثهم لأَنهم لَيْسُوا موَالِيه

(5/55)


وَقَالَ زفر الْوَصِيَّة لمواليه الَّذين أعتقهم ولموالي أَبِيه إِذا كَانَ قد ورث ولاءهم وَكَذَلِكَ إِن كَانَ لَهُ موَالِي قد مَاتُوا
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي رجل عَرَبِيّ أوصى بِثلث مَال لمواليه وَقد أعتق عبدا وَأعْتق عَبده عبدا فَإِن عبد العَبْد الْمُعْتق لَا يدْخل فِي الْوَصِيَّة وَإِن كَانَ الَّذِي أعْتقهُ مَيتا لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ وَإِن كَانَ مَيتا وَإِنَّمَا يَرِثهُ الْمولى الْأَعْلَى لَو كَانَ حَيا بولاء الْمِيرَاث لَا بولاء الْعتْق
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى بِصَدقَة على موَالِيه دخل فِيهِ كل من يَرِثهُ بِالْوَلَاءِ من موَالِي أَبِيه وَذَوي قرَابَته وَيُعْطِي الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَّا أَن يكون فِي الأباعد من هُوَ أحْوج من الْأَوَّلين وَيبدأ بِأَهْل الضعْف وَالْحَاجة
وَقَالَ اللَّيْث فِي رجل أعتق عِنْد مَوته رَقِيقا وَأوصى بِبَقِيَّة الثُّلُث لمَوْلَاهُ ولأبيه وَعَمه موَالِي فَالْوَصِيَّة لموَالِي أَبِيه وَعَمه خَاصَّة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قَالَ دَاري حبيس على موَالِي وَله أَوْلَاد موَالِي أَنهم يدْخلُونَ فِي ذَلِك
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي مسَائِل الْحَبْس وَإِن قَالَ موَالِي من أَسْفَل ولولده موَالٍ من أَسْفَل لم يدْخل فِي ذَلِك إِلَّا موَالِيه خَاصَّة وَولد موَالِيه وَلم يدْخل فِي ذَلِك موَالِي موَالِيه
قَالَ أَبُو جَعْفَر ويحتج لمَذْهَب مَالك بِمَا روى ابْن لَهِيعَة عَن ابْن الْهَاد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزيد بن حَارِثَة لما اخْتصم هُوَ وَعلي وجعفر فِي ابْنة حَمْزَة أما أَنْت يَا زيد فمولاي مَوْلَاهَا

(5/56)


فَأخْبر أَن زيد مَوْلَاهَا وَهِي ابْنة عَمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَقُول أَصْحَاب الحَدِيث إِن ابْن لَهِيعَة غلط فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَإِنَّمَا هُوَ عَن مُحَمَّد بن نَافِع عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وَرَوَاهُ إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن هَانِئ وهبيرة عَن عَليّ فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد أَنْت أخونا ومولانا
وَهَذَا أولى مِنْهُ لاتصال إِسْنَاده ولفساد حَدِيث ابْن لَهِيعَة وَلِأَن مُحَمَّد بن نَافِع لَعَلَّه لم يُولد فِي حَيَاة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قصَّة بَرِيرَة إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فنفى ثُبُوت الْوَلَاء لمن لم يعْتق
2191 - فِيمَن أوصى لمواليه وَله موَالِي أَعلَى وموالي أَسْفَل

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى لمواليه وَله موَالِي أعتقهم وموالي أعتقوه فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة حَتَّى يبين لأيهم أوصى
وَذكر ابْن أبي عمرَان أَن أَبَا يُوسُف قَالَ إِن كَانَ الْمُوصي مِمَّن عظم أمره

(5/57)


حَتَّى صَار لَهُ موَالِي أعتقهم منسوبين إِلَيْهِ فَالْوَصِيَّة لأولئك دون الَّذين أعتقوه وَذكر الْأنْصَارِيّ عَن أبي حنيفَة وَزفر أَن الْوَصِيَّة بَاطِلَة
وَأَن عُثْمَان البتي وسوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن قَالُوا يُوقف ذَلِك على الموَالِي فَإِن اصْطَلحُوا على أَمر جَازَ وَإِن لم يصطلحوا أوقف ذَلِك
وَلم يحفظ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيهِ شَيْئا وَقَالَ رَأْيِي أَن يكون للَّذين هم أَسْفَل
وَلم يحفظ عَن الشَّافِعِي شَيْئا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول من جعله للْمولى الْأَسْفَل لَا معنى لَهُ لِأَن الِاسْم يَقع عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا ذَلِك قَضَاء بِالظَّنِّ على مُرَاد الْمُوصي وتخصيصه وَلَا يجوز الْقَضَاء فِي الْأَمْوَال بِالظَّنِّ
وَقَول من قَالَ يُوقف حَتَّى يصطلحوا لَا معنى لَهُ أَيْضا لِأَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تصح بِقبُول الْمُوصى لَهُ إِذا أُشير إِلَيْهِ بِعَيْنِه أَلا ترى أَنه لَو قَالَ قد بِعْت عَبدِي من وَاحِد من فلَان أَو فلَان فاصطلحا على قبُوله لم يَصح وَلَيْسَ ذَلِك مثل الْوَصِيَّة لأحد الْفَرِيقَيْنِ من الموَالِي الأعلين والأسفلين لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ للْوَرَثَة أَن يجعلوها لأي الجنسين شاؤوا وَلم يكن يحْتَاج إِلَى الِاصْطِلَاح
2193 - فِيمَن أوصى لكل وَاحِد من رجلَيْنِ بِثلث مَاله فَيَمُوت أَحدهمَا

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى لرجل بِثلث مَاله ثمَّ أوصى لآخر بِثلث مَاله ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا قبل موت الْمُوصي فللثاني مِنْهُمَا جَمِيع الثُّلُث

(5/58)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم آخر قَول مَالك فِي ذَلِك إِن نصف الثُّلُث يرجع إِلَى الْوَرَثَة وَكَذَلِكَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَصِيَّة الْمَيِّت بَينهمَا قد بطلت فَكيف يحاص وَرَثَة الْمُوصى لَهُ الْحَيّ بِوَصِيَّة قد بطلت فَوَجَبَ أَن يكون الثُّلُث كُله للحي وَلَا فرق بَين علمه بِمَوْتِهِ وجهله
قَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ إِذا أوصى بِثُلثِهِ لِرجلَيْنِ وَأَحَدهمَا ميت فللباقي جَمِيع الثُّلُث علم الْمُوصي بِمَوْتِهِ أَو لم يعلم قَالَ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
وروى بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة مثل ذَلِك
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ مَجْهُول الْمَوْت فللباقي نصف الثُّلُث وَإِذا كَانَ مَعْرُوف الْمَوْت فَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة
2194 - فِي ولد الْمُوصى بهَا

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه مَا وَلدته الْأمة الْمُوصى بهَا قبل موت الْمُوصي لَا يدْخل فِي الْوَصِيَّة بِحَال وَمَا وَلدته بعد مَوته قبل الْقِسْمَة فَإِنَّهُ يدْخل فِي الْوَصِيَّة بِالرَّقَبَةِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَيبدأ بِالْأُمِّ من الثُّلُث ثمَّ بِالْوَلَدِ إِن بَقِي من الثُّلُث شَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر وَمُحَمّد يكون الثُّلُث مِنْهُمَا
وَقَالُوا إِذا أوصى بِعِتْق جَارِيَته ثمَّ مَاتَ فَولدت قبل أَن يعْتق أعتقت دون وَلَدهَا وَلَو أوصى أَن يتَصَدَّق بهَا فَولدت تصدق بِوَلَدِهَا مَعهَا إِذا خرجا من الثُّلُث وَلَو أوصى بِأَن تبَاع من فلَان بِأَلف دِرْهَم فَولدت قبل البيع لم يبع وَلَدهَا مَعهَا وَلَو أوصى أَن تبَاع من فلَان بِأَلف دِرْهَم وَيتَصَدَّق بِثمنِهَا على الْمَسَاكِين بيع الْوَلَد مَعهَا

(5/59)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى لَهُ بِخِدْمَة جَارِيَته حَيَاته فَولدت بعد مَوته فَإِنَّهُ يقوم فِي الْخدمَة مَعهَا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ اعتقوا جاريتي هَذِه بعد موتِي فولدها بمثابتها يعتقون مَعهَا من الثُّلُث وَلَا يقرع بَينهم إِذا لم يسعهم الثُّلُث كَمَا يقرع بَين الَّذين أوصى بعتقهما إِذا لم يحملهما الثُّلُث
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِيمَن أوصى بِعِتْق أمة لَهُ إِن مَاتَ من مَرضه فَولدت ولدا قبل أَن يَمُوت ثمَّ مَاتَ من مَرضه فولدها بمنزلتها
قَالَ وَقَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بِعِتْق أمة لَهُ وَهِي حَامِل فَوضعت حملهَا ثمَّ مَاتَ لم تعْتق إِلَّا هِيَ وَلَو مَاتَ وَهِي حَامِل أعتق وَلَدهَا مَعهَا
وَذكر الْمُزنِيّ أَن الْوَاجِب على مَذْهَب الشَّافِعِي أَن يدْخل الْوَلَد وَالْهِبَة الحادثان بعد موت الْمُوصي
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول اللَّيْث لَا معنى لَهُ فِي إِدْخَال الْوَلَد الْحَادِث قبل الْمَوْت فِي الْوَصِيَّة لِأَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تجب بِالْمَوْتِ فَوجدَ الْمَوْت وَالْولد بَائِن مِنْهَا فَلَا يدْخل فِيهَا
قَالَ وَلَا تَخْلُو الْجَارِيَة بعد مَوته من أَن تكون على ملك الْوَرَثَة أَو ملك الْمُوصى لَهُ أَو مَوْقُوفَة فَلَو كَانَت على ملك الْوَرَثَة قبل الْقبُول لما صحت الْوَصِيَّة فِيهَا بعد ذَلِك وَإِن كَانَت فِي ملك الْمُوصى لَهُ فَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ يجوز أَن يدْخل فِي ملكه بِغَيْر قبُوله فَثَبت أَنَّهَا مَوْقُوفَة
فَإِن قيل ملك بِالْمَوْتِ فَيدْخل الْوَلَد مَعَ الْأُم ويكونان جَمِيعًا من الثُّلُث كَأَنَّهُ أوصى بهما لَهُ وَأما الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ فَلَا يدْخل الْوَلَد فِيهَا لِأَن الْعتْق لَا ملك فِيهِ لأحد وَلَا يعْتَبر قبُولهَا

(5/60)


2195 - فِيمَن أوصى بنسمة بِمَال مَعْلُوم

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى أَن يعْتق عَنهُ نسمَة بِأَلف دِرْهَم فَكَانَ ثلثه أقل من ألف بطلت الْوَصِيَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَشْتَرِي لَهُ بِالثُّلثِ نسمَة وَيعتق عَنهُ وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ مَالك وَإِن لم يَجدوا مايشتري بِهِ رَقَبَة فَإنَّا نشْرك بَينه وَبَين آخر وَإِن لم يَفِ بذلك جَازَ أَن يعتقوا بِهِ مكَاتبا فِي آخر كِتَابَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي أَنه لَو أوصى أَن يحجّ عَنهُ بِمِائَة فَلم يبلغ ذَلِك الثُّلُث أَنه يحجّ عَنهُ بِالثُّلثِ من حَيْثُ يبلغ وَكَذَلِكَ النَّسمَة وَفرق أَبُو حنيفَة بَينهمَا بِأَنَّهُ يجوز أَن يحجّ عَنهُ بِغَيْر وَصِيَّة فَيَقَع عَن الْمَيِّت وَلَا يعْتق عَنهُ بِغَيْر أمره فَيكون الْوَلَاء للْمَيت بل يكون للْمُعْتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِن هَذَا وَإِن كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُم لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الثُّلُث إِذا بلغ مَا سمى أَنه لَا يحجّ عَنهُ بِأَقَلّ مِنْهُ كالنسمة وَأما قَول مَالك فِي الشّرك فِي الرَّقَبَة ومعونة الْمكَاتب فَلَا معنى لَهُ لِأَن ذَلِك خلاف وَصِيَّة الْمَيِّت
2196 - فِي الْوَصِيَّة بِالنِّكَاحِ

كَانَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ لَا يجيزون وَصِيَّة الرجل إِلَى غَيره فِي تَزْوِيج ابْنَته بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا صَغِيرَة أَو كَبِيرَة

(5/61)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِذا أوصى فِي مَرضه فَقَالَ زوجوا ابْنَتي فُلَانَة فلَانا وَهِي بكر فِي حجره أَو يَقُول إِن مت من مرضِي هَذَا فقد زوجت ابْنَتي فلَانا فَرضِي فلَان بذلك بعد مَوته إِن ذَلِك يلْزمهَا وَالْوَصِيَّة بعد الْمَوْت أسهل وَقد سُئِلَ مَالك عَن رجل أوصى أَن يُزَوّج ابْنَته رجلا بعد مَوته فَقَالَ ذَلِك لَازم لَهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأَب إِنَّمَا هُوَ ولي لَهَا فِي حَيَاته غير ولي بعد الْمَوْت وَقد صَارَت الْولَايَة بعد الْمَوْت لغيره فَلَا تصح الْوَصِيَّة بِالتَّزْوِيجِ مَعَ زَوَال ولَايَة الْأَب وثبوتها لغيره من الْأَوْلِيَاء وَأَيْضًا قد اتَّفقُوا أَن سَائِر الْأَوْلِيَاء غير الْأَب إِلَيْهِم ولَايَة تَزْوِيجهَا فِي الْحَيَاة وَلَيْسَ إِلَيْهِم الْوَصِيَّة بذلك إِلَى أحد بعد مَوْتهمْ فَكَذَلِك الْأَب
2197 - فِي الْمَرِيض يقْضِي بعض غُرَمَائه

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك لَيْسَ للْمَرِيض أَن يقْضِي بعض غُرَمَائه دينه دون بعض
وَقَالَ الثَّوْريّ لَهُ أَن يَقْضِيه وَيسلم لَهُ مَا قبض وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَت هباته من الثُّلُث وقضاؤه للدّين من جَمِيع المَال وَجب أَن يكون حَال الْمَرَض فِي قَضَاء الدّين بِمَنْزِلَة حَال الصِّحَّة فَيجوز قَضَاؤُهُ وَلَا يحاصه سَائِر الْغُرَمَاء
قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الدّين بعد الْمَوْت من جَمِيع المَال وَلَا يجوز للْقَاضِي وَلَا للْوَصِيّ أَن يقْضِي لبَعض الْغُرَمَاء دون بعض
2198 - فِي الشَّهَادَة على الْوَصِيَّة

قَالَ هِشَام عَن مُحَمَّد فِيمَن كتب وَصيته بِيَدِهِ وَالْقَوْم ينظرُونَ إِلَيْهِ وَلَا يقدر أَن ينْطق لم يجز ذَلِك حَتَّى يَقُول اشْهَدُوا عَليّ بهَا وَلم يذكر خلافًا

(5/62)


وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كتب الرجل وَصيته ثمَّ قَالَ لقوم اشْهَدُوا على مَا فِي هَذَا الْكتاب إِن كَانَ ذَلِك فِي صك فِيهِ ذكر حق لم يجز ذَلِك حَتَّى يقرأه أَو يرونه يَكْتُبهُ وهم يعْرفُونَ الْكتاب ويقرؤنه أَو يقْرَأ عَلَيْهِم فَيَقُول اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ
قَالَ وَلَو كتب رِسَالَة من رجل إِلَى فلَان سَلام عَلَيْك أما بعد فَإنَّك كتبت إِلَيّ تتقاضاني الْألف الَّتِي كَانَت لَك عَليّ وَقد كنت قضيتك مِنْهُ خَمْسمِائَة وَبقيت خَمْسمِائَة عَليّ فَهَذَا جَائِز وَهِي شَهَادَة عَلَيْهِ بِالْحَقِّ للرجل وَإِن لم يشهدهم وَيَنْبَغِي لمن علم ذَلِك أَن يشْهد عَلَيْهِ وَإِن أشهدهم على الرسَالَة وَلم يعرفوا مَا فِيهَا لم يجز ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز ذَلِك فِي الرسَالَة وَلَا يجوز فِي الصَّك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كتب وَصيته وَختم عَلَيْهَا وَقَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا بِمَا فِيهَا لم يجز ذَلِك وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْريّ حَتَّى يقرأه عَلَيْهِم
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل كتب وَصيته ثمَّ دَفعهَا إِلَى نفر وأشهدهم أَن مَا فِيهَا مِنْهُ وَأمرهمْ أَن لَا يفضوا خَاتمه حَتَّى يَمُوت قَالَ ذَلِك جَائِز إِذا أشهدهم أَن مَا فِيهَا مِنْهُ وَمَتى عرفُوا أَنه الْكتاب بِعَيْنِه فليشهدوا بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أشهدهم على مَا فِي الْكتاب وَلَا يعلمُونَ مَا فِيهِ فَإِن ختموا عَلَيْهِ بخواتيمهم ووضعوه عِنْد رجل مِنْهُم فَلَا بَأْس بِأَن يشْهدُوا على ذَلِك

(5/63)


الْكتاب إِذا كتبُوا شهاداتهم فِيهِ وَإِن لم يعلمُوا مَا فِيهِ وَإِن هم تركُوا الْكتاب عِنْد صَاحبه ثمَّ مَاتَ لم أر لَهُم أَن يشْهدُوا على مَا فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو قرئَ الْكتاب على الْمُوصي ثمَّ أقرّ الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَنه قد فهمه وأشهدهم عَلَيْهِ جَازَ وَجَائِز ان يكون أقرّ لَهُم بذلك وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بِخِلَاف ذَلِك فَالْقِيَاس على ذَلِك أَن تصح الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ وَإِن لم يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ إِذا أقرّ عِنْدهم بذلك
وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَن فِي يَده شَيْء مغطى فأشهدهم أَن مَا فِيهِ لفُلَان أَن ذَلِك جَائِز ويسعهم أَن يشْهدُوا بِهِ عِنْد القَاضِي لِأَنَّهُ أشهدهم على مَاله حَقِيقَة مَعْلُومَة فِي نَفسه وَكَذَلِكَ إشهادهم على مَا فِي الْكتاب الْمَخْتُوم
وَقد روى مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه قَالَ حَدثنِي الْحَضْرَمِيّ عَن أبي السوار عَن جُنْدُب بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رهطا عَلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَة أَو عُبَيْدَة بن الْحَارِث فَلَمَّا مضى لينطلق بَكَى صبَابَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَجَلَسَ وَبعث عبد الله بن جحش وَكتب لَهُ كتابا وَأمره أَن لَا يقْرَأ الْكتاب حَتَّى يبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا وَلَا تكرهن أحدا من أَصْحَابك على الْمسير فَلَمَّا بلغ الْمَكَان قَرَأَ الْكتاب واسترجع وَقَالَ سمعا وَطَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ قَالَ فَرجع رجلَانِ وَمضى بَقِيَّتهمْ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْكتاب لَازِما لعبد الله بن جحش مَعَ جَهله بِمَا فِيهِ فَكَذَلِك الْإِشْهَاد عَلَيْهِ فِي مثله وَإِن لم يقرأه

(5/64)


2199 - فِي الشَّهَادَة على الْإِيمَاء

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْأَخْرَس يقْرَأ عَلَيْهِ وَصيته وَيُقَال لَهُ نشْهد عَلَيْك بِمَا فِيهِ فيشير بِرَأْسِهِ نعم قَالَ إِذا جَاءَ من ذَلِك مَا يعرف أَنه إِقْرَار أَو كتب فَهُوَ جَائِز وَإِذا اعتقل لِسَان الرجل لم يجز أَن يشْهدُوا على إِشَارَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَعْنِي بذلك من اعتقل لِسَانه إِذا لم يطلّ بِهِ ذَلِك فَأَما إِذا ييئس من برئه بِمُضِيِّ مُدَّة أجل عنين فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْأَخْرَس
قَالَ أَشهب إِذا جَاءَ من ذَلِك مَا يعرف جَازَ وَلم يذكر خلافًا بَينه وَبَين مَالك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أثبت إِشَارَة الْمَرِيض على مَا يعرف من حَضَره أَنه يعرف مَا يصنع جَازَت وَصيته وَإِن اخْتلف ذَلِك فِيهِ وَإِن لم يثبت مَا يُشِير بِهِ من وَصيته أبطل ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة قَالَت فِي مَرضهَا فلَان حر وَفُلَان حر ثمَّ أصمتت فَقيل لَهَا وَفُلَان حر فأومأت برأسها أَي نعم ثمَّ أفاقت فتكلمت فَسمِعت أخرين فأجازهم مَكْحُول كلهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ قبله كَلَام وَبعده كَلَام كَانَ جَائِزا
وروى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره قَالَ وأصمتت أُمَامَة بنت

(5/65)


أبي الْعَاصِ فَقيل لَهَا لفُلَان كَذَا وَلفُلَان كَذَا فَأَشَارَتْ أَن نعم فبرئت وَصيته
قَالَ الشَّافِعِي فَإِذا جَازَ هَذَا فِي الصَّحِيح لما لم يقدر على الْكَلَام كَانَ فِي الَّذِي لم يزل أمره بِالْإِشَارَةِ أَحْرَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد عَن أنس بن مَالك قَالَ عدا يَهُودِيّ على جَارِيَة فَأخذ أَوْضَاحًا كَانَت عَلَيْهَا ورضخ رَأسهَا بَين حجرين فَأتى بهَا أَهلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي فِي آخر رَمق قد أصمتت قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَتلك فلَان يَعْنِي الْيَهُودِيّ الَّذِي قَتلهَا فَأَشَارَتْ برأسها أَي لَا فَقَالَ ففلان لرجل آخر غير الَّذِي قَتلهَا فَأَشَارَتْ برأسها أَي لَا فَقَالَ ففلان لقالتها فَأَشَارَتْ أَي نعم فَأمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض رَأسه بَين حجرين
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إشارتها بِمَنْزِلَة دَعْوَاهَا ذَلِك بلسانها من غير اعْتِبَار مِنْهُ دوَام ذَلِك عَلَيْهَا مُدَّة من الزَّمَان فَدلَّ على أَن من اعتقل لِسَانه فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْأَخْرَس فَيجوز إِقْرَاره بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَة
قَالَ أَبُو بكر رَحمَه الله مَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقتل الْيَهُودِيّ

(5/66)


بإيمائها وَإِنَّمَا قَتله بِإِقْرَار مِنْهُ بذلك أَو بِبَيِّنَة لِأَن دَعْوَى الْمَجْرُوح لَا تقبل على غَيره وَإِن جَازَ أَن يقْتله بِإِقْرَارِهِ وَإِن لم ينْقل إِلَيْنَا كَذَلِك يجوز أَن يكون إِنَّمَا قبل الْخُصُومَة من أوليائها فِي ذَلِك بدعواهم وَكَانَت فَائِدَة استثباتها فِي ذَلِك وإشارتها أَنه يغلب مَعهَا فِي الظَّن أَنه هُوَ الْقَاتِل فيسع الْأَوْلِيَاء أَن يدعوا عَلَيْهِ وَإِن لم يغلب ذَلِك فِي الظَّن لما وسعهم أَن يعترضوا رجلا من عرض النَّاس فيدعوا ذَلِك عَلَيْهِ
2200 - فِي حكم الْحَامِل وَمن شهد الْقِتَال فِي أَمْوَالهم

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي المحصور وَالَّذِي فِي صف الْقِتَال وَالْحَامِل إِنَّهُم بِمَنْزِلَة الصَّحِيح فِي أَمْوَالهم وَمن بارز رجلا أَو قدم ليقْتل فِي قصاص أَو ليرجم فِي زنا فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض وَكَذَلِكَ الْحَامِل إِذا ضربهَا الطلق أَو حدث بهَا من الْحمل مَا تصير بِهِ صَاحِبَة فرَاش فَهِيَ كَالْمَرِيضِ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك وَاللَّيْث إِذا مضى على الْحَامِل سِتَّة أشهر لم يجز لَهَا قَضَاء فِي مَالهَا إِلَّا فِي ثلثهَا
قَالَ مَالك وَكَذَلِكَ إِذا زحف فِي صف الْقِتَال فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض الْمخوف عَلَيْهِ مَا كَانَ على تِلْكَ الْحَالة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالثَّوْري إِذا التقى الصفان فَمَا صنع فَهُوَ وَصِيَّة
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب الْحَامِل والغازي صدقتهما من الثُّلُث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مثل الصَّحِيح
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ الْحَامِل بِمَنْزِلَة الصَّحِيح مَا لم يضْربهَا الْمَخَاض

(5/67)


وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي الْأَسير إِذا قدم ليقْتل لم يجز لَهُ من مَاله إِلَّا الثُّلُث وَإِذا اقتحم فِي الْحَرْب فمخوف وَإِذا كَانَ فِي أَيدي الْمُشْركين الَّذين يقتلُون الأسرى فمخوف
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن قدم من عَلَيْهِ قصاص فَهُوَ غير مخوف مَا لم يجرحوا لِأَنَّهُ يُمكن أَن يتْركُوا فيحيوا
وَقَالَ الْمُزنِيّ الأول أولى لِأَنَّهُ قد يسلم من التحام الْحَرْب وَمن كل مرض مخوف
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن تصرف الْمَرِيض صَاحب فرَاش من الثُّلُث فِي هباته وصدقاته وعتاقه مَعَ اخْتِلَاف حَال الْأَمْرَاض بعد أَن يكون صَاحب فرَاش وَلم يفرقُوا فِي الْمَرَض الَّذِي هَذَا وَصفه أَن يكون وُقُوع تصرفه فِي أَوله أَو آخِره فَلَمَّا لم يكن لأوّل حَال الْحمل حكم الْمَرَض كَذَلِك آخِره مَا لم تضربه إِلَى أَن تصير صَاحِبَة فرَاش بحدوث الطلق وَكَذَلِكَ من خيف عَلَيْهِ الْقَتْل وَلَا حكم لذَلِك إِلَّا أَن يبارز أَن يقدم ليقتص مِنْهُ أَو يقتل بِغَيْر قصاص
2201 - فِي ولَايَة الْجد على الصَّغِير

قَالَ أَصْحَابنَا وَصِيّ الْأَب أولى بِالْولَايَةِ على الصَّغِير فِي الشِّرَاء وَالْبيع من الْجد أَب الْأَب فَإِذا لم يكن أَب وَلَا وَصِيّه فالجد بِمَنْزِلَة الْأَب فِي ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَا يجوز للْجدّ بيع مَال ابْن ابْنه الصَّغِير وَلَا يجوز أمره فِيهِ أَلا أَن يكون وَالِد الصَّبِي أوصى إِلَيْهِ بذلك

(5/68)


قَالَ وَكَذَلِكَ الْأَخ وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَارِيَة الْبكر لَا يُزَوّجهَا بِغَيْر إِذْنهَا وَلَا الصَّغِيرَة إِلَّا أَبوهَا أَو جدها فَدلَّ ذَلِك على أَن مذْهبه أَن الْجد يقوم مقَام الْأَب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ وَصِيّ الْأَب أولى بِالتَّصَرُّفِ على الصَّغِير دلّ على أَن الْجد لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ ولَايَة لما كَانَ وَصِيّ الْأَب أولى مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ للْأَب أَن يزِيل ولَايَته إِذا كَانَت مُسْتَحقَّة بِالنّسَبِ وَهُوَ ثَابت مَعَ وَصِيّ الْأَب وَمَعَ عَدمه
2202 - فِيمَن اشْترى ابْنه فِي مَرضه

قَالَ أَبُو حنيفَة وَاللَّيْث فِيمَن اشْترى ابْنه فِي مَرضه فَإِن خرج من ثلثه عتق وَورثه وَإِن لم يخرج من ثلثه لم يَرِثهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَرث فِي الْأَحْوَال كلهَا وَيسْعَى فِي قِيمَته لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّة لَهُ وَيسْقط عَنهُ مِنْهَا بِقدر مِيرَاثه وَيسْعَى لباقي الْوَرَثَة فِي حصصهم
2203 - فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بِوَصِيَّة من الْمَيِّت

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي رجل مَاتَ وَترك ابْنَيْنِ فَأقر أَحدهمَا بِأَن الْمَيِّت أوصى لَهُ بِثلث مَاله وَجحد الآخر أَنه يدْفع إِلَى الْمُوصى لَهُ الثُّلُث مِمَّا فِي يَده وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

(5/69)


وَسمعت ابْن أبي عمرَان يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه يَأْخُذ من الْمقر نصف مَا فِي يَده وَكَذَلِكَ روى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر
قَالَ وَقَالَ مَالك يَأْخُذ الْمقر لَهُ مِقْدَار حَقه من نصيب الَّذِي أقرّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يخْتَلف أَصْحَابنَا فِي الْمقر بِابْن آخر أَنه يُعْطِيهِ نصف مَا فِي يَده وَاتَّفَقُوا أَيْضا أَن الْمُوصى لَهُ لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على أحد الِابْنَيْنِ وَالْآخر غَائِب أَنه يَأْخُذ مِنْهُ نصف مَا فِي يَده وَكَذَلِكَ إِذا جحد أَحدهمَا وَأقر الآخر
2204 - فِيمَن أوصى إِلَى رجل فِي خَاص مَاله

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل أوصى إِلَى رجل فِي بيع تركته وَأوصى إِلَى آخر فِي اقْتِضَاء دينه أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَصِيّ فِي جَمِيع ذَلِك وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَصِيّ فِيمَا أوصى بِهِ إِلَيْهِ خَاصَّة وَذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل أَن قَول أبي يُوسُف مثل قَول أبي حنيفَة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر مثل قَول أبي حنيفَة وَعَن أبي يُوسُف مثل قَول مُحَمَّد إِنَّه وَصِيّ فِيمَا أوصِي بِهِ إِلَيْهِ خَاصَّة
وَذكر ابْن الْقَاسِم من رَأْيه أَنه إِذا قَالَ فلَان وَصِيّ على مَالِي وَفُلَان وَصِيّ على قَضَاء ديني وَفُلَان وَصِيّ على بضع بَنَاتِي إِن هَذَا جَائِز
قَالَ وَسُئِلَ مَالك عَن رجل أوصى إِلَى رجل أَن يتقاضى دينه وَيبِيع تركته وَلم يوص إِلَيْهِ بِأَكْثَرَ من هَذَا أَيجوزُ أَن يُزَوّج بَنَاته فَقَالَ مَالك لَو وَقع ذَلِك رَجَوْت أَن يكون جَائِزا وَلَكِن الأحب إِلَيّ أَن يرفع ذَلِك إِلَى السُّلْطَان حَتَّى ينظر فِيهِ
وَإِن قَالَ فلَان وَصِيّ حَتَّى يقدم فلَان فَإِذا أقدم ففلان القادم وَصِيّ فَهَذَا جَائِز

(5/70)


وروى الْمُزنِيّ فِي جَامعه عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى إِلَى رجل بِمَال وَإِلَى آخر بِمَال كَانَت كل وَاحِدَة من الوصيتين إِلَى من جعلهَا إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لَهُ أَن يُوصي فِي الثُّلُث بِمَا شَاءَ وَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة تصرفه فِيهِ فِي حَيَاته وَكَذَلِكَ لَهُ أَن يُوصي بِبَعْض مَاله إِلَى رجل وببعضه إِلَى آخر كَمَا كَانَ لَهُ أَن يفعل ذَلِك فِي حَيَاته بِالتَّوْكِيلِ فِيهِ
2205 - فِي وَصِيّ الْأُم وَالْأَخ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَصِيّ الْأُم وَالْأَخ بِمَنْزِلَة وَصِيّ الْأَب على الْكَبِير الْغَائِب فِي مِيرَاثه عَنْهُمَا مَا سوى الْعقار وَلَا يَبِيع الْعقار وَلَا يتجر فِي المَال
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَصِيّ الْأُم أَحَق بِمَال الصغار الَّذِي ورثوه عَن الْأُم من أَبِيهِم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي امْرَأَة أوصت بابنة لَهَا إِلَى أُخْت لَهَا وللابنة مَال فَذَلِك جَائِز
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَلَا يجوز ذَلِك لوصي الْأَخ وَلكنه يرفع إِلَى السُّلْطَان وَفرق بَين وَصِيّ الْأُم ووصي الْأَخ لِأَن الْأُم يجوز لَهَا فِي وَلَدهَا أَشْيَاء كَثِيرَة لَا يجوز للْأَخ وَلَو أجزته للْأَخ أجزته للعم وَلمن هُوَ أبعد مِنْهُ قَالَ وَلَا يجوز أَيْضا لوصي الْجد أَمر إِذا لم يكن الْأَب أوصى إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن للْأُم وَالْأَخ ولَايَة فِي مَال الصَّغِير كَذَلِك وصيهما وَقد اتَّفقُوا على أَن وصيهما لَا يتَصَرَّف فِيمَا لم يَرِثهُ الصَّغِير عَنْهُمَا

(5/71)


2206 - فِي وَصِيَّة الرجل إِلَى عَبده

قَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ الْوَرَثَة صغَارًا فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَإِن كَانُوا كبارًا فَالْوَصِيَّة إِلَى عَبده بَاطِلَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْوَصِيَّة إِلَى عَبده بَاطِل فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك تجوز الْوَصِيَّة إِلَى عَبده وَإِن كَانَ فِي الْوَرَثَة أكَابِر فَإِن أَرَادَ الْكِبَار بيع أنصبائهم اشْترى ذَلِك للصغار إِن كَانَ لَهُم مَال وَإِن لم يكن لَهُم مَال ترك نصيب الأصاغر من العَبْد يقوم عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فِي بيع الأكابر نصِيبهم ضَرَر على الأصاغر فَيُبَاع نصيب الأصاغر مَعَهم وَقَول اللَّيْث فِي هَذَا مثل قَول مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر من شَرط الْوَصِيّ أَن يكون عدلا أَمينا وَالْعَبْد مَنْقُوص الْحَال فِي بَاب الشَّهَادَة وَسُقُوط بعض الْفَرَائِض عَنهُ فَالْقِيَاس أَنه لَا تجوز الْوَصَايَا إِلَيْهِ بِوَجْه
2207 - فِي الْوَصِيّ يدْفع مَال الْيَتِيم مُضَارَبَة أَو يتجر بِهِ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ للْوَصِيّ أَن يتجر بِمَال الْيَتِيم وَأَن يَدْفَعهُ مُضَارَبَة وَلَا يضمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يتجر بِهِ لنَفسِهِ وَيضمنهُ وَلَا يتجر بِهِ للْيَتِيم
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يحركه أحب إِلَيّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِن اتّجر بِهِ وَأخرجه جَازَ لَهُ ذَلِك وَإِن دَفعه إِلَى

(5/72)


غَيره ليتجر بِهِ وَكَانَ ذَلِك أمثل فَلَا بَأْس بِهِ فَإِن هلك لم يضمنهُ فِي الْوَرع وَضَمنَهُ فِي الْقَضَاء إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يسلف ولي الْيَتِيم مَال الْيَتِيم من يضمنهُ ويتجر فِيهِ وضمانه على وَالِي الْيَتِيم إِن أسلفه أحد أَو استسلفه لنَفسِهِ فِي بعض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَإِن تسلفه فيتجر فِيهِ فَالضَّمَان عَلَيْهِ وَالرِّبْح للْيَتِيم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز للْوَصِيّ أَن يتجر فِي مَال الْيَتِيم وَعَلِيهِ الضَّمَان إِن فعل وَكَذَلِكَ إِن دَفعه مُضَارَبَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر أَنه دفع مَال يَتِيم مُضَارَبَة
وَقَالَ نَافِع كَانَ ابْن عمر يكون عِنْده مَال الْيَتِيم فَرُبمَا أنْفق بعضه وَرُبمَا أعْطى مِنْهُ مُضَارَبَة
وَقَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد كَانَت أَمْوَالنَا عِنْد عَائِشَة وَكَانَت تبضعها فِي الْبَحْر
وَلَا يرْوى عَن غَيرهم من الصَّحَابَة خلافهم
وَلم يَخْتَلِفُوا أَن للْأَب أَن يتجر فِي مَال الصَّغِير وَكَذَلِكَ وَصِيّه
2208 - فِي الْوَصِيّ يَبِيع عقار الصَّغِير

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الْوَرَثَة كبارًا وَلَيْسَ على الْمَيِّت دين وَلَا هُنَاكَ وَصِيَّة لم يجز للْوَصِيّ بيع الْعقار عَلَيْهِم وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء فَإِن كَانَ فيهم

(5/73)


صَغِير فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ للْوَصِيّ أَن يَبِيع على الصغار والكبار وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز بَيْعه فِي نصيب الْكِبَار وَيجوز فِي حِصَّة الصغار
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يَبِيع الْوَصِيّ عقار الْيَتَامَى إِلَّا أَن يكن دَارا غَلَّتهَا لَا تحملهم وَلَيْسَ لَهُم مَا ينْفق عَلَيْهِم مِنْهُ فتباع الدَّار أَو يرغب فِيهَا فيعطي الثّمن الَّذِي فِيهِ غِبْطَة وَمَا أشبه ذَلِك فَيجوز بَيْعه على الصغار وَلَا يجوز على الْكِبَار وَلكنه يتْرك أنصباء الْكِبَار الْغَيْب وَيكون النّظر فِي نصيب لغَائِب إِلَى السُّلْطَان
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يكن على الْمَيِّت دين وَلَا وَصِيَّة لم يجز بيع الْوَصِيّ لعقار الْكِبَار وَينظر فِي بَيْعه على الصغار فَإِن كَانَ نظرا لَهُم جَازَ إِن كَانَ غير نظر لَهُم لم يجز
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيّ مَأْمُور بشرَاء الْعقار للصغار إِذا كَانَ لَهُم فِيهِ حَظّ لِأَن فِيهِ حفظ مَالهم وَلَا يجوز أَن يصرف الْعقار إِلَى غَيره إِلَّا لضَرُورَة أَو غِبْطَة كَمَا جَازَ سواهُ لما فِيهِ من الْغِبْطَة لَهُم
2209 - فِي الْوَصِيّ يُوصي إِلَى غَيره

قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري فِي الْوَصِيّ يُوصي إِلَى غَيره أَن الثَّانِي وَصِيّ للْمَيت الأول ولوصيه

(5/74)


وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يكون وَصِيّا للْأولِ إِلَّا أَن يُوصي إِلَيْهِ الآخر بِوَصِيَّة الأول
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْوَصِيّ تحضره الْوَفَاة فيوصي بِمَال ذَلِك الرجل إِلَى رجل وببضع بَنَاته إِلَى رجل آخر فَذَلِك جَائِز
وروى الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي قَالَ لَيْسَ للْوَصِيّ أَن يُوصي بِمَا أوصى بِهِ إِلَيْهِ وَإِن قَالَ إِن حدث بوصيي حدث فقد أوصيت إِلَى من أوصى إِلَيْهِ لم يجز لِأَنَّهُ أوصى بِمَال غَيره
وَقَالَ فِي اخْتِلَاف أبي حنيفَة وَابْن أبي ليلى إِن ذَلِك جَائِز إِذا قَالَ قد أوصيت إِلَيْك بتركة فلَان
قَالَ الْمُزنِيّ قَوْله هَذَا مُوَافق لقَوْل الْكُوفِيّين والمدنيين وَالَّذِي قبله أشبه بقوله
قَالَ ابو جَعْفَر لَيْسَ للْوَكِيل أَن يُوكل غَيره فِيمَا وكل بِهِ إِلَّا أَن يَجْعَل إِلَيْهِ ذَلِك فَيجوز لَهُ تَوْكِيل غَيره وَكَذَلِكَ الْوكَالَة الْمُطلقَة لَا يسْتَحق بهَا التَّصَرُّف فِي البيع إِلَّا أَن يَجْعَل ذَلِك إِلَيْهِ أَو يَقُول لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك ويجيز أمره فِيهِ وَالْوَصِيّ يسْتَحق التَّصَرُّف فِي المَال بِنَفس الْوَصِيَّة وَإِن لم يشْتَرط ذَلِك لَهُ فِي عقد الْوَصِيَّة وَلَا يشرط جَوَاز أمره فَصَارَ لفظ الْوَصِيَّة مقتضيا لجَوَاز أمره فِيهِ كَالْوكَالَةِ إِذا شَرط فِيهَا ذَلِك فَيجوز للْوَصِيّ أَن يُقيم وَصِيّا مَكَانَهُ وَإِن لم يشرط لَهُ كَمَا يتَصَرَّف بِسَائِر وُجُوه التَّصَرُّف وَإِن لم يشرط لَهُ وكما يُوكل الْوَكِيل إِذا شَرط لَهُ جَوَاز أمره
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول الشَّافِعِي إِنَّه إِذا اشْترط فِي وَصيته إِن حدث

(5/75)


بوصيه حدث الْمَوْت فقد أوصى إِلَى من أوصى إِلَيْهِ وَصِيّه لم يجز واحتجاجه أَنه جعله وَصِيّا فِي مَال غَيره فَإِنَّهُ منتقض لِأَنَّهُ يُوجب أَن لَا تجوز الْوِصَايَة الأولى مِنْهُ لِأَنَّهَا فِي مَال الْغَيْر
2210 - فِي تصرف أحد الْوَصِيّين

روى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي رجل يُوصي إِلَى رجلَيْنِ قَالَ لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يفعل شَيْئا دون صَاحبه إِلَّا فِي سِتَّة أَشْيَاء يجوز لَهُ مَا يجوز للْوَارِث أَن يَفْعَله إِلَّا فِي خَصْلَتَيْنِ يجوزان لَهُ وَلَا يجوز للْوَارِث النَّفَقَة على الصغار فِي الطَّعَام وَالْكِسْوَة الَّتِي لابد مِنْهَا فَإِن ذَلِك يجوز لَهُ وَلَا يجوز للْوَارِث أَن يَفْعَله وَيجوز لَهُ شِرَاء الْكَفَن وَقَضَاء الدّين عَنهُ وإنفاذ وَصيته فِيمَا أوصى بِهِ من صَدَقَة أَو نَحْوهَا أَو شَيْء لرجل يَدْفَعهُ إِلَيْهِ من غير شركَة بَينه وَبَين قوم وَيكون خصما فِيمَا يدعى على الْمَيِّت فَأَما غير ذَلِك من شِرَاء وَبيع فَلَا
وَقَالَ فِي الْجَامِع الصَّغِير لَيْسَ لأحد الْوَصِيّين أَن يَشْتَرِي للْوَرَثَة إِذا كَانُوا صغَارًا إِلَّا الطَّعَام وَالْكِسْوَة لَيْسَ لَهُ أَن يَشْتَرِي لَهُم عبدا يخدمهم وَإِن احتاجوا إِلَى ذَلِك إِلَّا بِأَمْر الآخر فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فعل أحد الْوَصِيّين جَائِز كفعلهما
وروى الْحسن عَن زفر مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَيْسَ لأحد الْوَصِيّين أَن يَشْتَرِي وَيبِيع لِلْيَتَامَى دون صَاحبه وَكَذَلِكَ الارتهان وَإِن اخْتلفَا نظر فِي ذَلِك السُّلْطَان
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ فَمَاتَ

(5/76)


أَحدهمَا أبدل مَكَانَهُ آخر وَإِن دفع مكَاتب الْمَيِّت مُكَاتبَته إِلَى أحد وصييه لم يعْتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي الوكيلين بِالْبيعِ والمضاربين أَنه لَا يجوز تصرف أَحدهمَا دون الآخر كَذَلِك يجب أَن يكون الوصيان
2211 - فِي حفظ الْوَصِيّين لِلْمَالِ

قَالَ فِي الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اخْتلف الوصيان فِي المَال عِنْد من يكون فَإِنَّهُ يكون عِنْد كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه وَإِن شَاءَ استودعاه رجلا وَإِن شَاءَ أجعلاه عِنْد أَحدهمَا وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يُوصي إِلَى الْقَوْم أَنهم لَا يقسمون مَاله بَينهم بل يكون عِنْد أفضلهم فَيكون هُوَ الَّذِي يَلِي النَّفَقَة على من ترك فَإِن اتهموا كلهم ختم ذَلِك المَال فَوضع على يَدي عدل
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اخْتلفَا قسم بَينهمَا وَجعل فِي أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَا متساويين فِي الْوَصِيَّة استحقا جَمِيعًا إمْسَاك المَال بَينهمَا وَالتَّصَرُّف على الصَّغِير فَلَا معنى لاعْتِبَار أفضلهما
2212 - فِي الْوَصِيَّة بشرَاء نسمَة بِعَينهَا

قَالَ أَبُو جَعْفَر قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِيمَن أوصى أَن يَشْتَرِي عبد فلَان بِأَلف دِرْهَم وَيعتق عَنهُ فَبَاعَهُ فلَان بِأَقَلّ من ألف دِرْهَم أَنه يعْتق عَن الْمَيِّت وَيكون الْفضل مَرْدُود إِلَى الْوَرَثَة

(5/77)


وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك يعان بِالْفَضْلِ رَقَبَة بِعَينهَا فَيعتق أَو مكَاتب يقاطع وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا أوصى بِالْمَالِ فِي وَجه لَا يجوز صرفه فِي غير ذَلِك الْوَجْه وَإِن تعذر تصرفه فِي الْوَجْه الْمُوصى بِهِ رَجَعَ إِلَى الْوَرَثَة نَحْو أَن يُوصي بِأَن يَشْتَرِي بِثلث مَاله عبد زيد فَيعتق عَنهُ فَأبى زيد أَن يَبِيعهُ وَأعْتقهُ عَن نَفسه إِن مَا أوصى بِهِ الْمَيِّت يرجع إِلَى الْوَارِث كَذَلِك مَا فضل من ثمن رَقَبَة بِعَينهَا يَنْبَغِي أَن يرجع إِلَى الْوَارِث
2213 - فِي الْوَصِيّ يَأْكُل من مَال الْيَتِيم

قَالَ إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن مُحَمَّد قَالَ أما نَحن فَلَا نحب للْوَصِيّ أَن يَأْكُل من مَال الْيَتِيم شَيْئا قرضا وَلَا غَيره وَلم يذكر خلافًا
وَذكر بشر بن الْوَلِيد فِي نَوَادِر أبي يُوسُف سَمِعت أَبَا يُوسُف قَالَ لَا يَأْكُل الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم إِذا كَانَ مُقيما وَإِذا أَرَادَ أَن يخرج فِي تقاضي دين لَهُم وَإِلَى ضيَاع لَهُم فَلهُ أَن ينْفق ويكتسي وَيَشْتَرِي دَابَّة فَإِذا رَجَعَ رد الثِّيَاب الَّتِي عَلَيْهِ إِن كَانَ بَقِي مِنْهَا شَيْء وَيرد الدَّابَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} النِّسَاء 6 بقوله {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} النِّسَاء 29
وَقَالَ ابْن الحكم عَن مَالك وَمن كَانَ لَهُ يَتِيم فخلط نَفَقَته بِمَالِه فَإِن كَانَ

(5/78)


الَّذِي يُصِيب الْيَتِيم أَكثر مِمَّا يُصِيب وليه من نَفَقَته فَلَا بَأْس وَإِن كَانَ الْفضل للْيَتِيم فَلَا يخالطه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم يفرق بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ يجوز لوَلِيّ الْيَتِيم أَن يَأْكُل طَعَام الْيَتِيم ويكافئه عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يُجِيز لَهُ أَن يستقرض من مَاله
قَالَ الثَّوْريّ وَلَا يُعجبنِي أَن ينْتَفع من مَاله بِشَيْء وَإِن لم يكن على الْيَتِيم فِيهِ ضَرَر نَحْو اللَّوْح يكْتب فِيهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ ويستقرض الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ ثمَّ يَقْضِيه وَيَأْكُل الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم بِقدر عمله فِيهِ إِذا لم يضر بِالصَّبِيِّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن رجلا أَتَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ إِن إِلَيّ مواشي أَيْتَام فَهَل عَليّ جنَاح أَن أُصِيب من رسل مَوَاشِيهمْ فَقَالَ ابْن عَبَّاس إِن كنت تبغي ضَالَّتهَا وَتَهْنَأ جَرْبَاهَا وَتَلوط حياضها وتفرط عَلَيْهَا يَوْم وُرُودهَا فَلَا جنَاح عَلَيْك أَن تصيب من رسلها
فَلم يذكر أَن مِقْدَار مَا يصل إِلَيْهِ من مَال الْيَتِيم مثل مَا يصيبهم من مَنَافِعه فَدلَّ على أَنه لم يَجْعَل ذَلِك بَدَلا مِمَّا يَفْعَله الْوَلِيّ للْيَتِيم
وروى الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِنِّي أنزلت مَال الله تَعَالَى مني بِمَنْزِلَة مَال الْيَتِيم من كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ فَاحْتمل أَن يكون مُرَاده الْقَرْض أَو بِغَيْر بدل
وروى سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن حَارِثَة بن مضرب قَالَ كتب عمر بن

(5/79)


الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِنِّي أنزلت نَفسِي منزلَة وَالِي مَال الْيَتِيم إِذا اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت وَإِن احتجت استقرضت ثمَّ قضيت
وروى أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن يرفأ مولى عمر عَن عمر رَضِي الله عَنهُ مثل ذَلِك فَثَبت أَنه إِنَّمَا كَانَ يرى أَخذه على جِهَة الْقَرْض
وَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ أولى لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل لي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم مثل هَذِه يَعْنِي وبرة أَخذهَا من بعيرة إِلَّا الْخمس إِذا كَانَ النَّبِي صلى فِيمَا يَتَوَلَّاهُ من أَمْوَال الْمُسلمين كَا ذكرنَا كَانَ الْوَصِيّ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ من مَال الْيَتِيم أَحْرَى أَن يكون كَذَلِك
2214 - فِي شِرَاء الْوَصِيّ من نَفسه

قَالَ فِي الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اشْترى الْوَصِيّ لنَفسِهِ شَيْئا من مَتَاع الْيَتِيم فَإِن كَانَ ذَلِك خيرا للْيَتِيم بِأَن يَشْتَرِيهِ بِأَكْثَرَ من قِيمَته جَازَ وَإِن اشْتَرَاهُ بِمثل قِيمَته لم يجز
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَزفر أَنه لَا يجوز أَن يَشْتَرِي من مَال الْيَتِيم شَيْئا
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا اشْترى بِمَا يَشْتَرِي بِمثلِهِ جَازَ وَقَالَ فِي الأَصْل لَا يجوز شِرَاءَهُ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِن كَانَ خيرا للْيَتِيم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَعبيد الله بن الْحسن لَا يجوز للْأَب أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ شَيْئا من مَال الصَّغِير فَإِذا لم يجز للْأَب فالوصي أَحْرَى بذلك

(5/80)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْوَصِيّ يَشْتَرِي من مَال الْيَتِيم أرى أَن يُعَاد فِي السُّوق فَإِن زادوه بَاعه وَإِلَّا لزم الْوَصِيّ بِالَّذِي اشْترى
قَالَ وَيجوز للْوَصِيّ إقراض مَال أحد اليتيمين للْآخر لِأَنَّهُ لَا تُهْمَة فِيهِ
قَالَ وَقَالَ مَالك إِذا أبضع رجل رجلا بضَاعَة دَرَاهِم يصرفهَا لَهُ وأبضعه آخر دَنَانِير يصرفهَا هُوَ لَهما بِنَفسِهِ جَازَ ذَلِك
قَالَ وَقَالَ مَالك للْأَب أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ مَال ابْنه الصَّغِير قَالَ وَلَا يُعجبنِي أَن يَشْتَرِي الْوَصِيّ لنَفسِهِ من مَال الْيَتِيم فَإِن اشْتَرَاهُ رَأَيْت أَن يُعِيدهُ فِي البيع فَإِن كَانَ فِيهِ فضل كَانَ لأهل الْمِيرَاث وَإِن كَانَ فِيهِ نُقْصَان كَانَ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فِيهِ فضل بعد أَن يجْتَهد وَلَا بَأْس بِأَن يحْبسهُ الْوَصِيّ بذلك وَأَجَازَ مَالك فِي الشي التافه أَن يَشْتَرِي بِهِ الْوَصِيّ لنَفسِهِ
وَعَن الثَّوْريّ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يَشْتَرِي وَالْأُخْرَى أَنه لَا يَشْتَرِي إِلَّا بِأَمْر القَاضِي
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ للْأَب أَن يَشْتَرِي من مَال ابْنه الصَّغِير ويبيعه مِنْهُ لنَفسِهِ
وَقَالَ اللَّيْث يجوز أَن يَشْتَرِي الْوَصِيّ من نَفسه مَال الْيَتِيم إِذا حضر أهل الْبَصْرَة والمعرفة بذلك وَإِن لم يحضر أهل الْمعرفَة بذلك لم يجز
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ لَا يجوز للْوَكِيل وَالْوَصِيّ أَن يَشْتَرِي من نَفسه
وَعَن الشَّافِعِي من غير هَذِه الرِّوَايَة أَنه يجوز للْأَب أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ مَتَاع ابْنه الصَّغِير

(5/81)


قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن قَول زفر إِن الْأَب لَا يجوز أَن يَشْتَرِي مَتَاع الصَّغِير لنَفسِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يجوز للْوَصِيّ وَلَا للْأَب أَن يَشْتَرِي من نَفسه إِلَّا أَن فِي الْأَب معنى يُفَارق الْوَصِيّ وَهُوَ ان الْأَب يهب مَاله لِابْنِهِ الصَّغِير وَيكون هُوَ الْوَاهِب والقابض وَلَا يجوز مثله فِي الْوَصِيّ
قَالَ أَبُو بكر لَا فرق عِنْدهم بَين الْأَب وَالْوَصِيّ فِي جَوَاز هِبته للصَّغِير وَيكون قَابِضا لَهُ عقيب العقد
2215 - فِي مقاسمة الْوَصِيّ الْمُوصى لَهُ على الْوَرَثَة

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير وَلم يحك خلافًا مقاسمة الْوَصِيّ الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ على الْوَرَثَة جَائِزَة ومقاسمة الْوَرَثَة الْوَصِيّ على الْمُوصى لَهُ بَاطِلَة فَإِن قَاسم الْوَصِيّ الْوَرَثَة فَأخذ نصيب الْمُوصى لَهُ فَضَاعَ كَانَ للْمُوصى لَهُ أَن يرجع فَيَأْخُذ من الْوَرَثَة ثلث مَا فِي أَيْديهم
وَقَالَ الْحسن عَن زفر مثل ذَلِك
قَالَ الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف مقاسمة الْوَصِيّ الْوَرَثَة على الْمُوصى لَهُ جَائِزَة فَإِن ضَاعَ مَا فِي يَدي الْوَصِيّ ضَاعَ من مَال الْمُوصى لَهُ وَلَا يرجع الْمُوصى لَهُ على أحد بِشَيْء وَيَأْخُذ قَالَ الْحسن وَقَالَ زفر إِن لم يوص الْمَيِّت بِشَيْء وَالْوَرَثَة بَعضهم حُضُور وَبَعْضهمْ غيب فقاسم الْوَصِيّ الْحُضُور على الْغَيْب وَدفع إِلَى الْحُضُور حصتهم وَأخذ حِصَّة الْغَيْب فَضَاعَت من يَد الْوَصِيّ أَن للغيب أَن يرجِعوا على الْحُضُور فيقاسموهم مَا وصل إِلَيْهِم على الْمَوَارِيث كَأَن الْمَيِّت لم يتْرك غير الَّذِي وصل إِلَيْهِم وَإِن شاؤوا رجعُوا

(5/82)


بحصتهم مِمَّا وصل إِلَى الْحُضُور على الْوَصِيّ لِأَنَّهُ دَفعه إِلَيْهِم بِغَيْر إذْنهمْ وَيرجع بِهِ الْوَصِيّ على الْحُضُور
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْقِسْمَة جَائِزَة على الْغَيْب وَلَيْسَ للغيب أَن يرجِعوا عل الْحُضُور بِشَيْء ضَاعَ مَا أَخذ الْوَصِيّ أَو لم يضع وَبِه قَالَ الْحسن
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يقاسم على الْكَبِير والنائب إِلَّا السُّلْطَان وَلَا يقاسم الْوَصِيّ عَلَيْهِم وَيجوز للْأَب وللوصي أَن يقاسما على الصغار وَلَا فرق بَين الْعقار وَغَيره
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يقسم الْوَصِيّ على الصغار وَلَا يقسم على الْكَبِير الْغَائِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يقسم على الْكِبَار وَلَا على الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِم
مُلْحقَة 2180 زِيَادَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي من الثُّلُث وَقد تقدّمت

قَالَ أَبُو جَعْفَر كل مَا استدللنا على أَن الْمُوصى لَهُ بِمَا بَقِي من الثُّلُث يسْتَحق الْجَمِيع إِذا مَاتَ أهل الْوَصَايَا قبل الْمُوصي غَيره بِأَنَّهُ لَو أوصى بِمَا بَقِي من الثُّلُث وَلَو يوص لغيره أَنه يسْتَحق جَمِيع الثُّلُث وظننا أَنه لَا مُخَالف فِيهِ ثمَّ وجدنَا فِيمَا ذكره أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم أَن مَالِكًا قَالَ فِي رجل قَالَ لفُلَان مَا بَقِي مَالِي وَلم يوص بِشَيْء أَنه لَا شَيْء لَهُ قَالَ وَهِي من مسَائِل الشُّرُوط
قَالَ أَشهب يكون لَهُ الثُّلُث كُله فمما يحْتَج بِهِ عَلَيْهِ أَنه لَو أوصى لرجل

(5/83)


بِمَا بَقِي من ثلثه وَلم يوص قبل ذَلِك ثمَّ أوصى بوصايا فِي ثلثه أَنه يجوز لمن أوصى لَهُ بهَا وَيكون مَا بَقِي من ثلثه للَّذي أوصى لَهُ بِمَا بَقِي وَلَا يعلم فِي ذَلِك خلافًا فَلَو لم تكن الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي وَصِيَّة جَائِزَة لما جَازَت إِذا أوصى بوصايا بعْدهَا فَثَبت بذلك أَن الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي وَصِيَّة صَحِيحَة وَإِن انْفَرَدت آخر كتاب الْوَصَايَا

(5/84)


= كتاب الدِّيات والجنايات =
2216 - فِي شبه الْعمد وَمَا يجب فِيهِ

قَالَ أَبُو جَعْفَر جملَة قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي ذَلِك أَنه إِذا قَتله بحديدة أَو بليطة قصب أَو بِنَار فَهُوَ عمد فِيهِ الْقصاص وَمَا سوى ذَلِك شبه عمد فَلَا قصاص فِيهِ وَفِيه الدِّيَة مُغَلّظَة على الْعَاقِلَة وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَلَا يكون

(5/85)


التَّغْلِيظ عِنْده إِلَّا فِي أَسْنَان الْإِبِل خَاصَّة دون عَددهَا وَلَيْسَ فِيمَا دون النَّفس شبه عمد بِأَيّ شَيْء ضربه فَعَلَيهِ الْقصاص إِذْ أمكن فَإِن لم يُمكن فَعَلَيهِ أَرْشه مغلظا إِذا كَانَ من الْإِبِل يقسط مَا يجب
وَجُمْلَة قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن شبه الْعمد مَا لَا يقتل مثله كاللطمة الْوَاحِدَة والضربة الْوَاحِدَة بِالسَّوْطِ وَلَو كرر ذَلِك حَتَّى صَارَت جملَته مِمَّا يقتل كَانَ عمدا وَفِيه الْقصاص بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ إِذا غرقه بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الْخَلَاص مِنْهُ وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي إِلَّا أَنه يَجْعَل دِيَة شبه الْعمد فِي مَاله
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَمَا كَانَ من شبه عمد فَهُوَ عَلَيْهِ فِي مَاله يبْدَأ بِمَالِه فَيُؤْخَذ حَتَّى لَا يتْرك لَهُ شَيْء فَإِن لم يتم كَانَ مَا بَقِي من الدِّيَة على عَاقِلَته
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا ضربه بعصا أَو رَمَاه بِحجر أَو ضربه عمدا فَهَذَا عمد وَفِيه الْقصاص وَمن الْعمد أَن يضْربهُ فِي ثائرة يكون بَينهمَا ثمَّ ينْصَرف عَنهُ وَهُوَ حَيّ ثمَّ يَمُوت فَتكون فِيهِ الْقسَامَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك شبه الْعمد بَاطِل إِنَّمَا هُوَ عمد أَو خطأ
وَقَالَ الشجعي عَن الثَّوْريّ شبه الْعمد أَن يضْربهُ بعصا أَو بِحجر أَو بِيَدِهِ فَيَمُوت فَفِيهِ الدِّيَة مُغَلّظَة وَلَا قَود فِيهِ والعمد مَا كَانَ بسلاح فَفِيهِ الْقود وَالنَّفس يكون فِيهَا الْعمد وَشبه الْعمد وَالْخَطَأ والجراحة لَا تكون فِيهَا إِلَّا خطأ أَو عمدا
وروى الْفضل بن دُكَيْن عَن الثَّوْريّ إِذا حدد عودا أَو عظما فجرح بِهِ بطن حَيّ فَهَذَا شبه الْعمد لَيْسَ فِيهِ قَود
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي شبه الْعمد الدِّيَة فَإِن لم يكن تَمام فعلى الْعَاقِلَة وَشبه الْعمد أَن يضْربهُ بعصا أَو بِسَوْط ضَرْبَة وَاحِدَة فَيَمُوت فَإِن ثنى بالعصا ثمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَهُوَ عمد يقتل بِهِ وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة

(5/86)


وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا ضربه بعصا ثمَّ عَاد فَقتله مَكَانَهُ من الضَّرْبَة الثَّانِيَة فَعَلَيهِ الْقصاص وَإِن عل الثَّانِيَة فَلم يمت مِنْهَا ثمَّ مَاتَ فَهُوَ شبه الْعمد لَا قصاص فِيهِ وَفِيه الدِّيَة على الْعَاقِلَة وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة
وَقَالَ اللَّيْث الْعمد مَا عمد بِهِ إِنْسَان وَإِن ضربه بإصبعه فَمَاتَ من ذَلِك دفع إِلَى ولي الْمَقْتُول وَالْخَطَأ فِيهِ الدِّيَة على الْعَاقِلَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَن اللَّيْث لَا يرى شبه الْعمد وَإِنَّمَا يكون خطأ أَو عمدا
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي إِذا عمد رجل بِسيف أَو بخنجر أَو سِنَان رمح أَو مَا يشق بحده إِذا ضرب أَو رمى بِهِ الْجلد وَاللَّحم دون المقتل فجرحه جرحا كَبِيرا أَو صَغِيرا فَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَيهِ الْقود وَإِن شدخه بِحجر أَو تَابع عَلَيْهِ الخنق أَو والى بِالسَّوْطِ حَتَّى يَمُوت أَو طبق عَلَيْهِ بَيْتا بِغَيْر طَعَام وَلَا شراب أَو ضربه بِسَوْط فِي شدَّة حر أَو برد مِمَّا الْأَغْلَب أَنه يَمُوت مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَيهِ الْقود وَإِن ضربه بعمود أَو بِحجر لَا يشدخ أَو بِحَدّ سيف وَلم يجرح أَو أَلْقَاهُ فِي بَحر قريب الْبر وَهُوَ يحسن العوم أَو مَا يغلب على الظَّن أَنه لَا يَمُوت بِمثلِهِ فَمَاتَ فَلَا قَود فِيهِ وَفِيه الدِّيَة على الْعَاقِلَة مُغَلّظَة

(5/87)


قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّلِيل على ثُبُوت شبه الْعمد مَا روى هشيم عَن خَالِد الْحذاء عَن الْقَاسِم بن ربيعَة بن جوشن عَن عقبَة بن أَوْس السدُوسِي عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب يَوْم فتح مَكَّة فَقَالَ فِي خطبَته أَلا إِن قَتِيل خطأ الْعمد بِالسَّوْطِ والعصا وَالْحجر فِيهِ دِيَة مُغَلّظَة مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
فَثَبت بذلك شبه الْعمد الَّذِي لَيْسَ بعمد مَحْض وَلَا خطا مَحْض
وروى إِبْرَاهِيم عَن عبيد بن نضيلة الْخُزَاعِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن امْرَأتَيْنِ ضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود الْفسْطَاط فقتلتها فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على عصبَة الْعَاقِلَة وَقضى فِيمَا فِي بَطنهَا بغرة والغرة عبد أَو أمة فَقَالَ الْأَعرَابِي أغرم من لَا طعم وَلَا شرب وَلَا صَاح فَاسْتهلَّ مثل ذَلِك يطلّ فَقَالَ سجع كسجع الْأَعْرَاب
وروى يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ اقْتتلَتْ امْرَأَتَانِ من هُذَيْل فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر

(5/88)


فقتلتها وَمَا فِي بَطنهَا فاختصموا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى أَن دِيَة جَنِينهَا عبد أَو أمة وَقضى بدية الْمَرْأَة على عاقلتها وورثها وَلَدهَا وَمن مَعَهم فَقَالَ حمل بن مَالك بن النَّابِغَة الْهُذلِيّ يَا رَسُول الله كَيفَ أغرم من لَا شرب ولاأكل وَلَا نطق وَلَا اسْتهلّ فَمثل ذَلِك يطلّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا من إخْوَان الْكُهَّان من أجل سجعه الَّذِي سجعه
فَفِي هذَيْن الْحَدِيثين وجوب الدِّيَة على الْعَاقِلَة
وَقد روى أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس ان عمر بن الْخطاب نَشد النَّاس قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين فَقَامَ حمل بن مَالك بن النَّابِغَة فَقَالَ إِنِّي كنت بني امْرَأتَيْنِ وَأَن إِحْدَاهمَا ضربت الْأُخْرَى بمسطح فقتلتها وجنينها فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين بغرة وَأَن تقتل مَكَانهَا
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث الْقَتْل وَقد قيل إِن هَذَا غلط من أبي عَاصِم لِأَن الْحميدِي قد روى عَن هِشَام بن سُلَيْمَان المَخْزُومِي عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس مثل حَدِيث أبي عَاصِم عَن ابْن جريح وَلم يذكر فِيهِ وَأَن تقتل مَكَانهَا
وَرَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس أَن عمر قَالَ

(5/89)


آذكر الله امْرَءًا سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي الْجَنِين بِشَيْء فَذكر مثل ذَلِك وَلم يقل فِيهِ أَن تقتل مَكَانهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ هَذَا بغلط من أبي عَاصِم لِأَن الْحجَّاج بن مُحَمَّد قد روى عَن ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار سمع طاوسا يحدث عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر أَنه نَشد قَضَاء رَسُول الله صلى فِي ذَلِك فَقَامَ حمل بن مَالك فَقَالَ كنت بَين حجري امْرَأتَيْنِ فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بمسطح فقتلتها وجنينها فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنِينهَا بغرة وَأَن تقتل مَكَانهَا
فَثَبت بذلك أَن أَبَا عَاصِم لم يغلط فِي هَذِه الزِّيَادَة وعَلى أَنه لَو انْفَرد بهَا عَاصِم كَانَت مَقْبُولَة لِأَنَّهُ لَيْسَ باخْتلَاف فِي نفس الحكم وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة زَادهَا أَبُو عَاصِم وحذفها ابْن عُيَيْنَة وَغَيره
وَقد روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ سَمِعت أَبَا الْمليح ابْن أُسَامَة الْهُذلِيّ قَالَ كَانَ فِينَا امْرَأَتَانِ فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود فقتلتها وَقتلت مَا فِي بَطنهَا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَرْأَة بِالْعقلِ وَفِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة أَو بفرس أَو عشر من الْإِبِل وَقضى أَن الْعقل على عصبَة القاتلة
وروى شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أبي الْمليح عَن حمل بن مَالك قَالَ كَانَت

(5/90)


لي امْرَأَتَانِ فرجمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فَأصَاب قَتلهَا وَهِي حَامِل فَأَلْقَت جَنِينا وَمَاتَتْ فَرفع ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على عَاقِلَة القاتلة وَقضى فِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة أَو مائَة شَاة أَو عشر من الْإِبِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَكَانَ مَا روى حمل بن مَالك فِي ذَلِك مضطربا وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة بِمَنْزِلَة مَا لم يرد فِيهِ شَيْء وَثَبت مَا روى الْمُغيرَة وَأَبُو هُرَيْرَة فِيهَا وَهُوَ نفي الْقصاص وَلما ثَبت فِي هَذِه الْأَخْبَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل دِيَة الْمَرْأَة على الْعَاقِلَة ثَبت أَن دِيَة شبه الْعمد على الْعَاقِلَة
وَقد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ يعمد أحدكُم فَيضْرب أَخَاهُ بِمثل آكِلَة اللَّحْم وَهِي الْعَصَا ثمَّ يَقُول لَا قَود عَليّ لَا أُوتى بِأحد فعل ذَلِك إِلَّا أقدته
وروى شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ شبه الْعمد بالعصا وَالْحجر الثقيل وَلَيْسَ فيهمَا قَود
2217 - فِي الْقَاتِل فِي الْحرم وَفِي الشَّهْر الْحَرَام

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَمَالك إِن الْقَتْل فِي الْحل وَالْحرم سَوَاء فِيمَا يجب بِهِ من الدِّيَة أَو الْقود
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن الْقَتْل فِي الشَّهْر الْحَرَام أَو الْحرم هَل تغلظ الدِّيَة فِيهِ قَالَ بلغنَا أَنه إِذا قتل فِي أشهر الْحرم أَو فِي الْحرم زيد على الْعقل الثُّلُث وَيُزَاد فِي شبه الْعمد فِي أَسْنَان الْإِبِل

(5/91)


وَذكر الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره وَذكر تَغْلِيظ الدِّيَة فِي شبه الْعمد وَقَالَ الدِّيَة فِي هَذَا على الْعَاقِلَة وَكَذَلِكَ الْجراح وَكَذَلِكَ التَّغْلِيظ فِي النَّفس والجراح فِي الشَّهْر الْحَرَام والبلد الْحَرَام وَذي الرَّحِم
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان أَنه قضى فِي دِيَة امْرَأَة وطِئت بِمَكَّة بدية وَثلث
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد رُوِيَ عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ذَلِك
وروى إِبْرَاهِيم عَن الْأسود أَن رجلا أُصِيب عِنْد الْبَيْت فَسَأَلَ عمر عليا رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ دِيَته من بَيت مَال الْمُسلمين فَلم ير عليا رَضِي الله عَنهُ مِنْهُ أَكثر من الدِّيَة وَلم يُخَالِفهُ عمر فِيهِ
وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} النِّسَاء 92 وَهُوَ عَام فِي الْحرم والحل وَلما كَانَت الْكَفَّارَة فِي الْحرم كهي فِي الْحل كَذَلِك الدِّيَة وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن قَتِيل خطأ الْعمد قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل وَلم يفرق بَين الْحل وَالْحرم وَقد اخْتلف التابعون فِي ذَلِك فَروِيَ عَن سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد وَعبيد الله بن عبد الله وَسليمَان بن يسَار أَن الدِّيَة فِي الْحرم وَفِي الشَّهْر الْحرم كهي فِي غَيره
وَقد رُوِيَ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله أَن من قتل فِي الْحرم زيد على دِيَته مثل ثلثهَا

(5/92)


2218 - فِي كَيْفيَّة تَغْلِيظ الدِّيَة وَهل تغلظ فِي غير شبه الْعمد

قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تَغْلِيظ إِلَّا فِي أَسْنَان الْإِبِل فِي شبه الْعمد وَفِي الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ إِلَّا أَن الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ الدِّيَة فِيهِ فِي مَال الْجَانِي فِي ثَلَاث سِنِين نَحْو الْأَب يقتل ابْنه وَفِي شبه الْعمد على الْعَاقِلَة
ودية شبه الْعمد عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَربَاعًا خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَهُوَ قَول عبد الله بن مَسْعُود
وَقَالَ مُحَمَّد دِيَة شبه الْعمد أَثلَاثًا ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ مَا بَين ثنية إِلَى بازل عامها كلهَا خلفة يَعْنِي بالخلفة الْحَامِل وَهُوَ قَول زيد بن ثَابت
وَرُوِيَ مثله عَن عمر بن الْخطاب وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن الدِّيَة الْمُغَلَّظَة فِي الرجل يحذف ابْنه بِالسَّيْفِ فيقتله فَتكون عَلَيْهِ الدِّيَة مُغَلّظَة ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة وَهِي حَالَة قَالَ وَالْجد إِذا قتل ولد وَلَده على هَذَا الْوَجْه فَهُوَ مثل الْأَب فَإِن قطع يَد الْوَلَد وعاش فَفِيهِ نصف الدِّيَة مُغَلّظَة
وَقَالَ مَالك تغلظ على أهل الْوَرق وَالذَّهَب أَيْضا وَهُوَ أَن ينظر إِلَى قيمَة الثَّلَاثِينَ من الحقة وَالثَّلَاثِينَ من الْجَذعَة وَالْأَرْبَعِينَ من الخلفة فَيعرف كم قيمتهن ثمَّ ينظر إِلَى دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا من الْأَسْنَان عشْرين بنت مَخَاض

(5/93)


وَعشْرين ابْن لبن وَعشْرين بَنَات لبون وَعشْرين حَقه وَعشْرين جَذَعَة ثمَّ ينظر كم فضل مَا بَين دِيَة الْخَطَأ ودية الْمُغَلَّظَة فيزاد فِي الدِّيَة على قدر ذَلِك قَالَ وَهُوَ على قدر الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي سَائِر الْأَزْمَان وَإِن صَارَت التَّغْلِيظ ضعْفي دِيَة الْخَطَأ زيد عَلَيْهِ من الْوَرق بِقدر ذَلِك
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي دِيَة شبه الْعمد من الْوَرق وَيُزَاد عَلَيْهَا بِقدر مَا بَين دِيَة الْخَطَأ إِلَى دِيَة شبه الْعمد فِي أَسْنَان الْإِبِل نَحْو مَا قَالَ مَالك وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَمْرو بن شُعَيْب أَن عمر قضى فِي قَتَادَة المدلجي حَيْثُ حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فَمَاتَ بِمِائَة من الْإِبِل ثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة وَأَخذهَا حَالا وَجعلهَا لأخي الْمَقْتُول
وَهَذَا مُرْسل لِأَن عَمْرو بن شُعَيْب لم يدْرك زمَان عمر
وَقد روى وَاصل الأحدب عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن عمر قَالَ الدِّيَة تحمل فِي ثَلَاث سِنِين وَلم يخصص دِيَة دون دِيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن التَّغْلِيظ فِي الْأَسْنَان وَأَن التَّغْلِيظ فِيهَا

(5/94)


لَا يكون بِزِيَادَة الْعدَد ثمَّ اخْتلفُوا فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَقَالَ بَعضهم هِيَ ديات فِي أَنْفسهَا وَقَالَ بَعضهم لَيست هِيَ بديات فِي أَنْفسهَا وَإِنَّمَا هِيَ بدل من الدِّيَة الَّتِي هِيَ مائَة من الْإِبِل وَوجدنَا عمر رَضِي الله عَنهُ قد جعل الدِّيَة من الذَّهَب ألف دِينَار وَمن الْوَرق مَا قد اخْتلف عَنهُ فِيهِ فروى عَنهُ أهل الْمَدِينَة أَنه جعلهَا اثْنَي عشر ألفا وروى أهل الْعرَاق أَنه جعلهَا عشرَة ألف وَأَجْمعُوا أَنه جعلهَا فِي ثَلَاث سِنِين
فَدلَّ على أَنَّهَا ديات فِي أَنْفسهَا لَيست بأبدال عَن غَيرهَا لِأَنَّهَا لَو كَانَت إبدالا لَكَانَ دينا بدين فَثَبت أَنَّهَا ديات بأنفسها وَقد فعل ذَلِك عمر بِحَضْرَة من الصَّحَابَة من غير خلاف فَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا لِأَن التَّغْلِيظ إِنَّمَا هُوَ فِي صفة الدِّيَة لَا فِي زِيَادَة عَددهَا
قَالَ أَبُو بكر وَلَو كَانَت الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير بَدَلا من الْإِبِل لوَجَبَ اعْتِبَارهَا بِالْإِبِلِ فِي سَائِر الْأَزْمَان على حسب زِيَادَة الْقيم ونقصانها وَكَانَت لَا تكون مقدرَة بِعشْرَة ألف دِرْهَم وَألف دِينَار
قَالَ أَبُو بكر فَإِن قيل لَا يمْتَنع أَن تكون مَأْخُوذَة عَن قيمَة الْإِبِل وَيجوز لَا على أَنَّهَا دين بدين كَمَا يَقُولُونَ فِيمَن تزوج بِامْرَأَة على عشْرين من الْإِبِل أَن عَلَيْهِ الْوسط من ذَلِك وَإِن جَاءَ بِالْقيمَةِ دَرَاهِم أَو دَنَانِير قبلت مِنْهُ وَلم يكن ذَلِك بيع دين بدين

(5/95)


قيل لَهُ لَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ اعْتِبَار قيمَة الْإِبِل فِي سَائِر الْأَزْمَان فِي الدِّيات فَلَمَّا لم يعْتَبر ذَلِك أحد وَأوجب الْجَمِيع الدِّيَة من الذَّهَب ألف دِينَار وَمن الْوَرق على اخْتلَافهمْ فِيهَا دلّ ذَلِك على أَنَّهَا ديات بأنفسها وَلَيْسَت مَأْخُوذَة بَدَلا عَن الْإِبِل
2219 - فِي أَسْنَان الْإِبِل فِي الْخَطَأ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَنهم اخْتلفُوا فِي الْأَسْنَان من كل صنف
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه عشرُون ابْن مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى زيد بن جُبَير عَن خشف بن مَالك عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الدِّيَة فِي الْخَطَأ أَخْمَاسًا
وروى مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن مَسْعُود فِي دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا وَذكر الْأَسْنَان مثل قَول أبي حنيفَة

(5/96)


فَهَذَا يدل على أَن الْأَخْمَاس الَّتِي رَوَاهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت على هَذَا الْوَجْه إِلَّا أَن خشف بن مَالك لَا يعرف
وروى أَبُو إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ فِي دِيَة الْخَطَأ أَربَاعًا خَمْسَة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وحقة وَبنت مَخَاض وَبنت لبون
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك فِي أَسْنَان الْخَطَأ لَا يروي عَن أحد من الصَّحَابَة ويروي مثله عَن سُلَيْمَان بن يسَار
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول من جعل فِي الْخَطَأ مَكَان ابْن لبون ابْن مَخَاض أولى لِأَن بني اللَّبُون أَعلَى من بني الْمَخَاض فَلَا تثبت هَذِه الزِّيَادَة بِغَيْر تَوْقِيف
قَالَ أَبُو بكر وَأَيْضًا فَإِن ابْن اللَّبُون بِمَنْزِلَة بنت الْمَخَاض فَيصير مُوجبه بِمَنْزِلَة مُوجب أَرْبَعِينَ بنت مَخَاض
2220 - فِي الدِّيَة من غير الْإِبِل

قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ الدِّيَة من غير الْإِبِل من الدَّنَانِير ألف دِينَار وَمن الْوَرق عِنْد أبي الْوَرق عِنْد أبي حنيفَة وَأَصْحَابه عشرَة ألف دِرْهَم وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ إثنا عشر ألفا
وَقَالَ مَالك أهل الذَّهَب أهل الشَّام ومصر وَأهل الْوَرق أهل الْعرَاق وَأهل الْإِبِل الْبَوَادِي قَالَ مَالك لَا يقبل من أهل الْإِبِل إِلَّا الْإِبِل وَمن أهل الذَّهَب إِلَّا الذَّهَب وَمن أهل الْوَرق إِلَّا الْوَرق

(5/97)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الدِّيَة من الْوَرق عشرَة ألف وعَلى أهل الذَّهَب ألف دِينَار وعَلى أهل الْإِبِل مائَة بعير وعَلى أهل الْبَقر مِائَتَا بقرة وعَلى أهل الشَّاة ألفا شَاة وعَلى أهل الْحلَل مِائَتَا حلَّة يَمَانِية وَلَا يُؤْخَذ من الْبَقر وَالْغنم فِي الدِّيَة إِلَّا الثني فَصَاعِدا وَلَا يُؤْخَذ من الْحلَل إِلَّا اليمانية قيمَة كل حلَّة خَمْسُونَ درهما فَصَاعِدا
وَذكر الثَّوْريّ مثل ذَلِك عَن عمر وَلم يذكر خِلَافه فِيهِ
وَقَالَ اللَّيْث الدِّيَة من الْإِبِل الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأ أثني عشر ألف دِرْهَم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى هَذَا الحَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة وَلم يذكر ابْن عَبَّاس وسُفْيَان بن عُيَيْنَة حجَّة على مُحَمَّد بن مُسلم وَمُحَمّد بن مُسلم لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ فَلم يثبت بِهَذَا الحَدِيث حجَّة
وروى الشّعبِيّ عَن عُبَيْدَة عَن عمر أَنه جعل الدِّيَة على أهل الذَّهَب ألف دِينَار وعَلى أهل الْوَرق عشرَة ألف وعَلى أهل الْبَقر مِائَتي بقرة وعَلى أهل الشَّاة ألفي شَاة وعَلى أهل الْإِبِل مائَة من الْإِبِل وعَلى أهل الْحلَل مِائَتي حلَّة

(5/98)


وروى هشيم عَن يُونُس عَن الْحسن أَن عمر بن الْخطاب قوم الْإِبِل فِي الدِّيَة مائَة من الْإِبِل قوم كل بعير بِمِائَة وَعشْرين درهما أثني عشر ألف دِرْهَم
فقد اخْتلف عَن عمر فِي ذَلِك فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَنه جعل الْوَرق قيمَة الْإِبِل لَا أَنه أصل فِي الدِّيَة وَفِي غير هَذَا الحَدِيث أَنه جعل الدِّيَة من الْوَرق وَقد روى ابْن أبي نجيح عَن أَبِيه أَن عُثْمَان قضى فِي الدِّيَة بأثني عشر ألف دِرْهَم
وروى نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن ابْن عَبَّاس مثل ذَلِك
وروى الشّعبِيّ عَن الْحَارِث عَن عَليّ قَالَ الدِّيَة إثنا عشر الْفَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتّفق الْجَمِيع على الْعشْرَة ألف وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة فَلَا تجوز إِثْبَاتهَا بِغَيْر دلَالَة وَقد دلّ قَوْلهم هَذَا على أَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير صنف من أَصْنَاف الدِّيَة لَا على وَجه الْبَدَل وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَا ذكره عَنهُ الْحسن بن زِيَاد أَن عمر إِنَّمَا جعل الدِّيَة من الْأَصْنَاف الَّتِي رويت عَنهُ لِأَن ذَلِك كَانَ أَمْوَالهم فَلَمَّا صَارَت الدَّوَاوِين والأعطية جعل أَمْوَالهم الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَالْإِبِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر جعله الدِّيَة فِي الأعطية لم يُخرجهَا من أَن تكون من الْإِبِل عِنْده كَذَلِك سَائِر الْأَصْنَاف

(5/99)


2221 - فِي العواقل

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الدِّيَة فِي قتل الْخَطَأ على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي بهَا الْعَاقِلَة هم أهل ديوانه إِن كَانَ من أهل الدِّيوَان يُؤْخَذ ذَلِك من أعطياتهم حَتَّى يُصِيب الرجل مِنْهُم من الدِّيَة كلهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة فَإِن أَصَابَهُ أَكثر من ذَلِك ضم إِلَيْهَا أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم فِي النّسَب من أهل الدِّيوَان وَإِن كَانَ الْقَاتِل لَيْسَ من أهل الدِّيوَان فرضت الدِّيَة على عَاقِلَته الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي بهَا القَاضِي فَيُؤْخَذ فِي كل سنة ثلث الدِّيَة عِنْد رَأس كل حول وَيضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِنْهُم فِي النّسَب حَتَّى يُصِيب الرجل من الدِّيَة ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يعقل عَن الحليف حلفاؤه وَلَا يعقل عَنهُ قومه
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَيْسَ أهل الدِّيوَان أولى بهَا من سَائِر الْعَاقِلَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الدِّيَة على الْقَبَائِل على الْغَنِيّ على قدره وَمن دونه على قدره حَتَّى يُصِيب الرجل من مائَة دِرْهَم وَنصف
وَحكى عَنهُ أَن ذَلِك يُؤْخَذ من أعطياتهم
وَقَالَ الثَّوْريّ تجْعَل الدِّيَة ثلثا فِي الْعَام الَّذِي أُصِيب فِيهِ الرجل وَلَكِن يكون عِنْد الأعطية على الرِّجَال

(5/100)


وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْعقل على رُؤُوس الرِّجَال فِي أعطية الْمُقَاتلَة
وَقَالَ اللَّيْث الْعقل على الْقَاتِل وعَلى الْقَوْم الَّذين يَأْخُذ مَعَهم الْعَطاء وَلَا يكون على قومه مِنْهُ شَيْء فَإِن لم يكن فيهم من يحمل الْعقل ضم إِلَى ذَلِك أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم
وروى الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي أَن الْعقل على ذَوي الْأَنْسَاب دون أهل الدِّيوَان والحلفاء على الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من بني أَبِيه ثمَّ بني جده ثمَّ بني جد أَبِيه فَإِن عجزوا عَن الْبَعْض حمل الموَالِي المعتقين الْبَاقِي فَإِن عجزوا عَن بعض وَلَهُم عواقل أعقلته عواقلهم فَإِن لم يكن لَهُ ذُو نسب وَلَا مولى من أَعلَى حمل للْمولى أَسْفَل وَيحمل من كثر مَاله نصف دِينَار وَمن كَانَ دونه ربع دِينَار لَا يُزَاد على هَذَا وَلَا ينقص مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل بطن عقوله وَقَالَ وَلَا يتَوَلَّى مولى قوما إِلَّا بإذنهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَظَاهره يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَين الْقَرِيب والبعيد من الْجَانِي لأَنهم من الْبَطن
وروى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لسَلمَة بن نعيم حِين قتل مُسلما وَهُوَ يَظُنّهُ كَافِرًا أَن عَلَيْهِ وعَلى قومه الدِّيَة وَلم يفرق بَين الْقَرِيب الْبعيد فَهَذَا

(5/101)


يدل على أَن الْبعيد والقريب سَوَاء وَهَذَا أَيْضا يدل على التَّسْوِيَة بَينهم فِيمَا يلْزم كل وَاحِد مِنْهُم من غير اعْتِبَار الْغَنِيّ من الْفَقِير
وَأما الحليف فقد روى سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا حلف فِي الْإِسْلَام وإيما حلف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة فَأثْبت حلف الْجَاهِلِيَّة وَقد كَانَ الحليف عِنْدهم كالقرابة فِي النُّصْرَة وَالْعقل ثمَّ أكد الْإِسْلَام ذَلِك
وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر قبله على رجل من الْمُشْركين فربطه إِلَى سَارِيَة من سواري مَسْجده فَقَالَ علام أحبس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجريرة حلفائك فَدلَّ على بَقَاء الْحلف الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة
وَأما مَا اخْتلفُوا فِيهِ من الْعَاقِلَة فَإِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يتعاقلون بالنصرة ثمَّ جَاءَ الْإِسْلَام فَجرى الْأَمر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ جعل عمر الدَّوَاوِين فَجمع بهَا النَّاس وَجعل أهل كل جند يدا وَجعل عَلَيْهِم قتال من يليهم من الْأَعْدَاء فصاروا بِهِ فِي الْحَال الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَمن أجلهَا يتعاقلون
وَقَول من اعْتبر ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة دَرَاهِم أولى لِأَن هَذَا الْقدر مُتَّفق عَلَيْهِ وَمَا زَاد مُخْتَلف فِيهِ وَلم تقم عَلَيْهِ دلَالَة

(5/102)


2222 - فِي الْعمد فِيمَا دون النَّفس مِمَّا لَا قصاص فِيهِ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه كل جِنَايَة فِيمَا دون النَّفس لَا يُسْتَطَاع فِيهَا الْقصاص من قطع عُضْو من غير مفصل نَحْو المنقلة والآمة والجائفة فالأرش فِي مَال الْجَانِي وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك هم على الْعَاقِلَة وَهُوَ آخر قَول مَالك
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَالَ لَو قطع يَمِين رجل وَلَا يَمِين لَهُ كَانَت دِيَة الْيَد فِي مَاله وَلَا تحملهَا الْعَاقِلَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ هُوَ فِي مَال الْجَانِي فَإِن لم يبلغ ذَلِك مَاله حمل ذَلِك على عَاقِلَته وَكَذَلِكَ إِذا قتلت امْرَأَة زَوجهَا متعمدة وَلها مِنْهُ أَوْلَاد فعقله فِي مَالهَا خَاصَّة فَإِن لم يبلغ ذَلِك مَالهَا حمل على عاقلتها
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سعيد بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لَا تعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافا
روى عَن عمر فِي الَّذِي حذف ابْنه بِالسَّيْفِ أَن الدِّيَة عَلَيْهِ فِي مَاله وَلَا فرق بَين النَّفس وَمَا دونهَا

(5/103)


2223 - فِي الْجَانِي هَل يدْخل فِي الْعقل

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَاللَّيْث وَابْن شبْرمَة الْقَاتِل والجارح يعقل مَعَ الْعَاقِلَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ لَا يدْخل الْجَانِي مَعَهم فِي الْعقل
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي الدِّيَة على الْعَاقِلَة وَمَا عجزت عَنهُ الْعَاقِلَة فَهُوَ فِي مَاله
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سعد بن طَارق عَن نعيم بن أبي هِنْد عَن سَلمَة بن نعيم أَنه قتل رجل من الْمُسلمين ظَنّه من الْمُشْركين يَوْم الْيَمَامَة فَقَالَ لَهُ عمر عَلَيْك وعَلى قَوْمك الدِّيَة
وروى عِكْرِمَة عَن عمر بن عبد الْعَزِيز مثل ذَلِك وَلَا يعرف عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ خِلَافه
2224 - فِيمَن أقرّ بقتل خطأ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله
وَقَالَ مَالك لَا شَيْء عَلَيْهِ فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن وهب
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي مَاله وَإِن كَانَ الَّذِي أقرّ لَهُ مِمَّن لَا يتهم عَلَيْهِ فَهُوَ على الْعَاقِلَة بقسامة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى عَن ابْن عَبَّاس لَا تعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافا وَلَا نعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خلاف وَهُوَ الْقيَاس لِأَن

(5/104)


الْعَاقِلَة إِنَّمَا تحمل عَنهُ مَا قد لزمَه وَوَجَب عَلَيْهِ فَإِذا لم يصدقهُ على الْعَاقِلَة صدق على نَفسه وَلَا يجوز أَن تلْزم الْعَاقِلَة إِن كَانَ مِمَّن لَا يتهم لِأَن أحدا لَا يصدق على غَيره وَإِذا لم يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ وَلَا قسَامَة فَكَذَلِك بالقسامة وَأَيْضًا لما اتّفق الْجَمِيع على أَن القَاضِي يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن قتل الْخَطَأ دلّ ذَلِك على أَن الْوَاجِب بِالْقَتْلِ هُوَ حق عَلَيْهِ وَإِن كَانَت عَاقِلَته تتحمله لِأَنَّهُ لَو كَانَ على عَاقِلَته دِيَة لما سُئِلَ عَنهُ أَلا ترى أَن مَا يدعى على الْمولى لَا يسْأَل الأوصياء عَنهُ لأَنهم لَو أقرُّوا بِهِ لم يلْزمهُم
2225 - فِي ديات النِّسَاء

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ دِيَة الْمَرْأَة وجراحها على النّصْف من دِيَة الرجل فِيمَا قل أَو كثر
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يسوى الرجل وَالْمَرْأَة فِي عقل الْجراح حَتَّى يبلغ ثلث دِيَة الرجل ثمَّ تكون دِيَة الْمَرْأَة على النّصْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن وهب عَن مَالك عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ سَأَلت سعيد بن الْمسيب كم فِي إِصْبَع الْمَرْأَة فَقَالَ عشر من الْإِبِل فَقلت وَكم فِي إِصْبَعَيْنِ قَالَ عشرُون من الْإِبِل فَقلت وَكم من ثَلَاث أَصَابِع قَالَ ثَلَاثُونَ من الْإِبِل قلت فكم من أَربع عشرُون من الْإِبِل فَقلت حِين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلهَا فَقَالَ سعيد أعراقي أَنْت فَقلت بل عَالم متثبت أَو جَاهِل متعلم فَقَالَ هِيَ السّنة يَا ابْن أخي

(5/105)


وَقَوله هِيَ السّنة لَا دلَالَة على أَنه تَوْقِيف من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن السّنة قد تكون من غَيره قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي
وَلَيْسَ يرْوى ذَلِك إِلَّا عَن زيد بن ثَابت
وروى عَن عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود أَن أَرْشهَا على النّصْف فِيمَا قل أَو كثر
وَلما اتَّفقُوا على أَن مَا فَوق الثُّلُث على النّصْف فَكَذَلِك مَا دونه
2226 - فِيمَن قتل ابْنه

قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يُقَاد وَالِد بولده وَلَا الْجد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يُقَاد الْجد بِابْن الابْن وَلَا يُقَاد الْأَب بالابن وَكَانَ يُجِيز شَهَادَة الْجد لِابْنِ ابْنه وَلَا يُجِيز شَهَادَة الْأَب لَهُ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قتل ابْنه عمدا قتل بِهِ
قَالَ مَالك لمن ذبحه قتل بِهِ وَإِن حذفه بِسيف أَو عَصا لم يقتل بِهِ وَكَذَلِكَ الْجد
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد روى عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة قَتَادَة

(5/106)


المدلجي الَّذِي حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فقلته أَنه قَالَ لَوْلَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يُقَاد وَالِد بولده لأقدتك وَهُوَ خبر مستفيض عِنْد أهل الْعلم كَمَا روى أَن لَا وَصِيَّة لوَارث وَاخْتِلَاف الْمُتَبَايعين
وَأَنه ورد من طَرِيق الْآحَاد فَهُوَ بِمَنْزِلَة التَّوَاتُر لاستفاضته وشهرته
2227 - فِيمَا دون الْمُوَضّحَة

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ فِيمَا دون الْمُوَضّحَة من شجاج أرش مُقَدّر وَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي السمحاق أَربع من الْإِبِل وروى ذَلِك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن عَليّ فِي السمحاق أَربع من الْإِبِل وَعَن عمر أَنه قضى فِي الترقوة بِحمْل وَفِي الضلع بِحمْل
وَقَالَ زيد بن ثَابت فِي الْعين الْقَائِمَة إِذا طعنت مائَة دِينَار وَهَذَا عندنَا على وَجه الْحُكُومَة لِأَنَّهُ تَوْقِيف

(5/107)


2228 - فِي مَوَاضِع الشجاج

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يكون الشجاج إِلَّا فِي الْوَجْه وَالرَّأْس وَلَا تكون الْجَائِفَة إِلَّا فِي الْجوف
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف كل مَوضِع يكون فِيهِ منقلة وهاشمة وسمحاق وباضعة ومتلاحمة ودامية فَإِنَّمَا ذَلِك فِي الرَّأْس والجبهة والصدغين واللحيين وَمَوْضِع الْعظم من اللحيين والذقن وَلم نجد خلافًا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ عُثْمَان البتي الْمُوَضّحَة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس سَوَاء
وَقَالَ مَالك المأمومة والمنقلة والموضحة لَا تكون إِلَّا فِي الْوَجْه وَالرَّأْس وَلَا تكون المأمومة إِلَّا فِي الرَّأْس خَاصَّة إِذا وصل إِلَى الدِّمَاغ قَالَ والموضحة مَا تكون فِي جمجمة الرَّأْس وَمَا دونهَا فَهُوَ من الْعُنُق لَيْسَ فِيهِ مُوضحَة
وَقَالَ مَالك الْأنف لَيْسَ من الرَّأْس فِيهِ مُوضحَة وَكَذَلِكَ اللحى الْأَسْفَل ليسه فِيهِ مُوضحَة

(5/108)


وَقَالَ مَالك فِي الْحَد مُوضحَة فَإِن شان الْوَجْه زيد فِي الْأَرْش وَإِن لم يَشن لم يزدْ على أرش الْمُوَضّحَة قَالَ والجائفة مَا أفضت إِلَى الْجوف
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمُوَضّحَة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس سَوَاء وَفِي جِرَاحَة الْجَسَد على النّصْف مَا فِي جِرَاحَة الرَّأْس
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث الْمُوَضّحَة فِي الْجَسَد قَالَ الله تَعَالَى {والجروح قصاص} الْمَائِدَة 45
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن عمر أَنه قَالَ مَا فَوق الذقن من الرَّأْس وَلَا يغطيه الْمحرم
وَقد اتّفق الْفُقَهَاء على أَن الْمحرم لَا يُغطي رقبته كَمَا لَا يُغطي وَجهه فَدلَّ على أَن مُرَاد ابْن عمر أَن الذقن من الْوَجْه وَإِنَّمَا ذكر مَا فَوق الذقن كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق} الْأَنْفَال 12 وَإِذا كَانَ ذَلِك من الْوَجْه وَجب أَن تكون فِيهِ مُوضحَة وَفِيمَا يحاذيه من الرَّأْس مِمَّا يَلِي الْعُنُق وَلَا يخْتَلف حكمهَا باخْتلَاف جوانبها فَثَبت مَا ذكرنَا عَن أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَبَطل مَا قَالَه مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول اللَّيْث لَا معنى لَهُ لِأَن مَا فِي الْبدن لَا يُسمى شجاجا وَإِنَّمَا سمي شجة مَا كَانَ فِي الرَّأْس وَتسَمى مَا كَانَ فِي الْبدن جِرَاحَة
2229 - مَتى تقتص من الْجِرَاحَات

قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَصْحَابه فِيمَن كسر سنّ رجل الْأَرْش فِيهِ حَتَّى يحول

(5/109)


الْحول فَيحكم بِمَا يؤول إِلَيْهِ أمره وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَات لَا يقْضِي فِيهَا بِأَرْش حَتَّى ينظر مَا تؤول
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا تقاد من جِرَاحَة عمدا إِلَّا بعد الْبُرْء وَلَا يعقل الْخَطَأ إِلَّا بعد الْبُرْء وَقَالَ الثَّوْريّ مثل ذَلِك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يتربص بِالسِّنِّ وَالْجرْح سنة مَخَافَة أَن يبتعض
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي وَلَو قطع إِصْبَع رجل فَسَأَلَ الْمَقْطُوع الْقود سَاعَة قطع أقدته فَإِن ذهبت كف المجنى عَلَيْهِ جعلت على الْجَانِي أَرْبَعَة أَخْمَاس دِيَتهَا وَلَو مَاتَ مِنْهَا قتلته فَإِن قطع إصبعه فتأكلت فَذَهَبت كَفه أقدته من الإصبع وَأخذ أرش يَده إِلَّا إصبعا وَلم ينْتَظر أَن يبرأ إِلَى مثل جِنَايَته أَو لَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من أوجب الْقصاص قبل الْبُرْء بِمَا روى أنس أَن يَهُودِيّا رض رَأس صبي بَين حجرين فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرض رَأسه بَين حجرين
قَالُوا فَثَبت أَنه يَنْبَغِي أَن يقْتَصّ مِنْهُ بِمثل مَا فعل قَالَ وَإِذا كَانَ ذَلِك وَاجِبا لم يكن للانتظار بِهِ وَجه قيل لَهُ هَذَا الَّذِي ذكرت رَوَاهُ قَتَادَة وَهِشَام بن زيد عَن أنس
وَقد روى معمر عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس أَن رجلا من الْيَهُود رضخ رَأس جَارِيَة على حلي لَهَا فَأمر بِهِ أَن يرْجم حَتَّى قتل فقد تساوى الحديثان فِي ذَلِك من جِهَة السَّنَد فَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى بِالْقبُولِ من الآخر

(5/110)


وَوجه الرَّجْم على مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمر من الْإِبَاحَة للمثلة كَمَا قطع أَيدي العرنيين وأرجلهم وسمل أَعينهم ثمَّ نسخ ذَلِك
وَقد روى الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبنَا فيأمرنا بِالصَّدَقَةِ وينهانا عَن الْمثلَة
وروى الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ قل مَا خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة إِلَّا أمرنَا فِيهِ بِالصَّدَقَةِ ونهانا عَن الْمثلَة
وروى مُغيرَة عَن سماك عَن إِبْرَاهِيم عَن هني بن نُوَيْرَة عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحسن النَّاس قتلة أهل الْإِيمَان وَفِي حَدِيث آخر أعف النَّاس قتلة أهل الْإِيمَان وَهَذَا لَا يكون إِلَّا فِيمَن حل لَهُم قَتله فوصفهم بِصفة الْقَتْل وَأَن لَا يكون مِنْهُم مَا قد نهوا عَنهُ عَن الْمثلَة
وروى خَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة عَن الْأَشْعَث عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذّبْح وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته
وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يمثل بالبهائم

(5/111)


وَرُوِيَ أَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد قتل أعلاجا صبرا بِالنَّبلِ فَقَالَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن قتل الصَّبْر وروى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا شَيْئا فِيهِ الرّوح غَرضا
فَإِذا كَانَ ذَلِك مَمْنُوعًا مِنْهُ فِي الْبَهَائِم كَانَ بَنو آدم فِي الْمَنْع أولى وَقَالَ الله تَعَالَى {والجروح قصاص} الْمَائِدَة 45 وَلَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص بِالرَّمْي والرضخ بِالْحجرِ
وَإِذا قطع يَد رجل فَمَاتَ فَلَو قَطعنَا يَده ثمَّ لم يمت احتجنا أَن نَقْتُلهُ بعد ذَلِك فَلَا يكون ذَلِك قصاصا لأَنا قد جرحناه بِأَكْثَرَ من جراحته وَقد يجرح الرجل الْجراحَة فيعدي إِلَى أَعْضَاء آخر فَتجب فِيهَا ديات إِذا برأَ مِنْهَا وَإِن مَاتَ وَجَبت دِيَة وَاحِدَة فَكيف يحكم عَلَيْهِ بديات لَا يدْرِي هَل يَسْتَحِقهَا وَإِن دفعناها إِلَيْهِ احتجنا إِلَى استرجاعها مِنْهُ فَهَذَا يدل على أَن حكم الْجِرَاحَات مُعْتَبر بِمَا يؤول إِلَيْهِ
2230 - فِي كسر الْعظم

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا قصاص فِي عظم مَا خلا السن
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ مثل ذَلِك وَلم يستثنوا السن
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك عِظَام الْجَسَد كلهَا فِيهَا الْقود إِلَّا مَا كَانَ مخوفا مثل الْفَخْذ وَمَا أشبهه فَلَا قَود فِيهِ وَلَيْسَ فِي الهاشمة قَود وَكَذَلِكَ

(5/112)


المنقلة وَفِي الذراعين والعضد والساقين والقدمين والكعبين والأصابع إِذا كسرت فَفِيهَا الْقصاص
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَيْسَ فِي المأمومة قصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن لَا قصاص فِي عظم الرَّأْس وَكَذَلِكَ سَائِر الْعِظَام قَالَ الله تَعَالَى {والجروح قصاص} الْمَائِدَة 45 وَذَلِكَ غير مُمكن
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن الزبير انه اقْتصّ من مأمومة فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَن الَّذين أنكروه كَانُوا نظراؤه من الصَّحَابَة وَإنَّهُ لم ينكروه من طَرِيق الرَّأْي لِأَن مَا كَانَ طَرِيقه الِاجْتِهَاد لَا يجوز النكير فِيهِ
2231 - فِي مِقْدَار مَا تحمله الْعَاقِلَة

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا بلغ من الْمَرْأَة نصف عشر دِيَتهَا وَمن الرجل نصف عشر دِيَته حَملته الْعَاقِلَة وَمَا دونهَا فَهُوَ فِي مالح لَا تحمله الْعَاقِلَة
وَقَالَ مَالك إِذا بلغ ثلث الدِّيَة حَملته الْعَاقِلَة وَمَا دون ذَلِك لَا تحمله الْعَاقِلَة وَهُوَ فِي مَال الْجَانِي
وَقَالَ الثَّوْريّ وَابْن شبْرمَة الْمُوَضّحَة وَمَا زَاد فَهُوَ على الْعَاقِلَة فَدلَّ على أَنه اعْتبر من الرجل وَالْمَرْأَة مِقْدَار مُوضحَة الرجل

(5/113)


وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ تحمل الْعَاقِلَة قَلِيل وَكثير من قتل وجرح من عبد وحر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن الْعَاقِلَة لَا تحمل ضَمَان الْأَمْوَال وَتحمل الثُّلُث من الدِّيَة وَالْمعْنَى فِيهِ أَن لَهُ أرشا مَعْلُوما فَلَمَّا كَانَ للموضحة أرش مَعْلُوم وَجب أَن تحمله الْعَاقِلَة وَمَا دونهَا لَا أرش لَهُ مَعْلُوم وَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَة كتقويم الْمَتَاع الْمُسْتَهْلك فَلَا تحمله الْعَاقِلَة
2232 - فِيمَن قتل نَفسه خطأ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ من قتل نَفسه خطأ أَو عمدا لم يجب على عَاقِلَته شَيْء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَو أَن رجلا ذهب يضْرب بِسَيْفِهِ فِي الْعَدو فَأصَاب نَفسه فعلى عَاقِلَته الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا تحمل الْعَاقِلَة عَن الْجَانِي مَا قد لزمَه فتتحمله تَخْفِيفًا عَنهُ أَلا ترى أَن الَّذِي لَا عَاقِلَة لَهُ يلْزمه ذَلِك فِي مَاله والجاني على نَفسه يَسْتَحِيل أَن يجب لَهُ على نَفسه شَيْء فاستحال وجوب ذَلِك على عَاقِلَته
2233 - فِي الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ

قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ من أقرّ بقتل عمد ثمَّ رَجَعَ عَن إِقْرَاره لم يقبل رُجُوعه
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَن لَا يقبل وروى عبد الله بن عبد الحكم أَنه يقبل رُجُوعه

(5/114)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أقرّ بقتل رجل من غير امتحان ثمَّ أنكر لم يقتل بِهِ وَيضْرب على مَا يرى الإِمَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اسْتحق عَلَيْهِ الْوَالِي الْقود بِإِقْرَارِهِ فَلَا يقبل رُجُوعه فِي إِسْقَاطه عَن نَفسه
فَإِن قيل فَلَو رَجَعَ شَاهد الْقَتْل بعد الْقَضَاء بِهِ سقط الْقود هلا كَانَ الْإِقْرَار مثله
قيل لَهُ قد قَالُوا إِن الْقيَاس أَن لَا يبطل بِرُجُوع الشَّاهِدين فإسقاطه بعد الرُّجُوع اسْتِحْسَان وَالْإِقْرَار مَحْمُول على الْقيَاس
قَالَ وَمذهب الْأَوْزَاعِيّ أَن رُجُوع الشَّاهِدين يسْقط الْقود وَسَائِر الْحُقُوق قبل الْقَبْض وَجعل الْإِقْرَار فِي ذَلِك كَالشَّهَادَةِ
2234 - فِي الصَّبِي يقتل

قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث فِي الصَّبِي إِذا قتل عمدا أَو خطأ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْخَطَأ تحمل الْعَاقِلَة مِنْهُ مَا تحمل من الْجَانِي خطأ وَمَا دونهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي عمد الصَّبِي فِي مَاله
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ الْبَالِغ الَّذِي تلْزمهُ الْكَفَّارَة فِي قتل الْخَطَأ تحمل جِنَايَته عَاقِلَته وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون اللَّذَان لَا كَفَّارَة عَلَيْهِمَا أَحْرَى أَن تحمله الْعَاقِلَة

(5/115)


2235 - فِي الصَّبِي وَالرجل يقتلان رجل

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أشرك صبي وَرجل أَو مَجْنُون وصحيح أَو قَاتل عمد وَقَاتل خطأ فِي قتل رجل فَلَا قصاص على وَاحِد مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أَحدهمَا أَبَا للمقتول فعلى الْأَب والعامد نصف الدِّيَة فِي مَاله وعَلى الْمُخطئ وَالْقَاتِل الْبَالِغ على عَاقِلَته
وَقَالَ الْحسن عَن زفر عَن رجل قتل امْرَأَته هُوَ وأجنبي مُتَعَمدا بحديدة وللرجل مِنْهَا ابْن كَانَ لِابْنِهِ أَن يقتل الْأَجْنَبِيّ وَيرجع على أَبِيه بِنصْف الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا قصاص على وَاحِد مِنْهُمَا
وَقَالَ مَالك إِذا اشْترك الصَّبِي وَالرجل فِي قتل رجل فعلى عَاقِلَته الصَّبِي نصف الدِّيَة وَيقتل الرجل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ على عاقلتهما الدِّيَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ على الرجل نصف الدِّيَة وعَلى الصَّبِي على عَاقِلَته
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قتل رجل مَعَ صبي رجلا قتل الرجل وعَلى الصَّبِي نصف الدِّيَة فِي مَاله وَكَذَلِكَ الْحر وَالْعَبْد إِذا قتلا عبدا وَالْمُسلم وَالنَّصْرَانِيّ إِذا قتلا نَصْرَانِيّا

(5/116)


قَالَ وَإِن اشْترك قَاتل خطأ فعلى الْعَامِد نصف الدِّيَة فِي مَاله وَجِنَايَة الْمُخطئ على عَاقِلَته
قَالَ الْمُزنِيّ وَاحْتج الشَّافِعِي على مُحَمَّد بن الْحسن فِي منع الْقود من الْعَامِد إِذا شَاركهُ صبي أَو مَجْنُون
فَقَالَ إِن كنت دفعت عَنهُ الْقَتْل لِأَن الْقَلَم عَنْهُمَا مَرْفُوع وَإِن عمدهما خطأ على عاقلتهما فَهَلا أقدت من الْأَجْنَبِيّ إِذا قتل عمدا مَعَ الْأَب لِأَن الْقَلَم عَن الْأَب لَيْسَ بمرفوع وَهَذَا ترك أصلك
قَالَ الْمُزنِيّ قد شرك الشَّافِعِي مُحَمَّد بن الْحسن فِيمَا أنكر عَلَيْهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَن رفع الْقصاص عَن الخاطئ وَالْمَجْنُون وَاحِد فَكَذَلِك حكم من شاركهم بالعمد وَاحِد
قَالَ الشَّيْخ الَّذِي ألزمهُ الشَّافِعِي مُحَمَّدًا غير لَازم بِحَق النّظر لِأَن الَّذِي يلْزم على هَذَا الأَصْل أَن كل من كَانَ عمده خطأ أَن لَا يقتل المشارك لَهُ فِي الْقَتْل وَإِن كَانَ عَامِدًا فَأَما من لَيْسَ عمده خطأ إِذا شَاركهُ فَلَيْسَ بِلَازِم على ذَلِك وَهُوَ مَوْقُوف الحكم على دَلِيله لِأَنَّهُ عكس الْعلَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس فِي هَذِه الْمسَائِل أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِحكم نَفسه دون غَيره كَأَنَّهُ تفرد بقتْله دونه

(5/117)


2236 - فِي قطع الْيَد النَّاقِصَة

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قطع كَفه وفيهَا إِصْبَع أَو إصبعان فَفِيهِ دِيَة الإصبع دون الْكَفّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد ينظر إِلَى أرش الإصبع وَأرش الْكَفّ بِغَيْر الإصبع فَيدْخل الْقَلِيل فِي الْكثير
وَقد روى مُحَمَّد أَن عَلَيْهِ دِيَة مَا فِي الْكَفّ من الْأَصَابِع ثمَّ ينظر إِلَى الْوَاجِب فِي الْكَفّ لَو قطعت وَلَا أَصَابِع فِيهَا فَينْظر مَا كَانَ من ذَلِك مُقَابلا لما كَانَ بَقِي من الْأَصَابِع فِي الْكَفّ فَيسْقط عَن الْجَانِي وَإِلَى مَا كَانَ من ذَلِك مُقَابلا لما كَانَ قطع من أَصَابِع الْكَفّ فَيُؤْخَذ من الْجَانِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع الْكَفّ فَإِنَّمَا لَهُ بِحِسَاب مَا بَقِي من الْأَصَابِع فِي الْكَفّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَإِن بقيت إِصْبَع وَاحِدَة فَفِي الْكَفّ حُكُومَة وَفِي الإصبع الدِّيَة
وَقَالَ الشَّافِعِي على الْقَاطِع أرش الإصبع والحكومة فِي الْكَفّ فَإِذا وَجب أرش الْيَد تَامَّة دخلت الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن قطع الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع الْخمس لَا توجب للكف شَيْئا فَالْقِيَاس على هَذَا أَن لَا يكون للكف أرش مَعَ الإصبع الْوَاحِدَة وَأَن لَا يدْخل أرش الإصبع فِي أرش الْكَفّ فَبَطل قَول أبي يُوسُف فِي اتِّبَاعه الْقَلِيل وَالْكثير وَبَقِي الْكَلَام بَين أبي حنيفَة وَمُحَمّد على الرِّوَايَة

(5/118)


الْأُخْرَى فَالْقِيَاس مَا قَالَ مُحَمَّد إِن كل خمس من الْكَفّ تَابع لإصبع من الْأَصَابِع الْخمس
2237 - فِي الْيَد تقطع من نصف الساعد

قَالَ الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد فِي رجل قطع يَد رجل من نصف الساعد أَن فِي الْيَد نصف الدِّيَة وَفِيمَا قطع من الساعد حُكُومَة
قَالَ مُحَمَّد وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَأبي حنيفَة وَقَوْلنَا
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْيَد إِذا قطعت من الْمرْفق الدِّيَة وَفضل حُكُومَة فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف نصف الدِّيَة وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَهُوَ قَول الشَّافِعِي أَيْضا
قَالَ الثَّوْريّ إِذا قطعت الْيَد من الْمرْفق أَو الْمفصل أَو الْمنْكب فَفِيهِ الدِّيَة وَكَذَلِكَ روى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي قَاطع الْأَصَابِع أَن عَلَيْهِ دِيَة الْيَد وَكَذَلِكَ لَو قطع الْكَفّ مَعهَا فَمن لم يُوجب للساعد شَيْئا جعلهَا بِمَنْزِلَة الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع وَمن أوجب فرق مَا بَينهمَا بِأَنَّهُم يدْخلُونَ مَا لَا أرش لَهُ مَعْلُوم فِيمَا لَهُ أرش مَعْلُوم وَلَا يدْخلُونَ الشَّيْئَيْنِ اللَّذين لَا أرش لَهما فِي الشَّيْء

(5/119)


الْوَاحِد الَّذِي لَهُ أرش مَعْلُوم أَلا ترى أَن فِي المارن الدِّيَة وَإِذا قطع الْأنف بالمارن لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا دِيَة وَاحِدَة وَلَو قطع مَعَ الْأنف طَائِفَة من الْوَجْه كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَة وحكومة فِيمَا قطع من الْوَجْه وَكَذَلِكَ الْكَفّ تدخل فِي أرش الْأَصَابِع وَلَا تدخل مَعهَا الذِّرَاع
2238 - فِي الْأَعْوَر تفقأ عينه الصَّحِيحَة

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَعُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ فِيهَا نصف الدِّيَة إِذا كَانَ خطأ
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيهَا الدِّيَة كَامِلَة
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ ذَاهِب السّمع من إِحْدَى أُذُنَيْهِ فَضرب إِنْسَان الْأذن الْأُخْرَى فَأذْهب سَمعه فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَكَذَلِكَ الرجلَيْن وَالْيَدَيْنِ إِذا قطع إِنْسَان الْبَاقِيَة مِنْهُمَا فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِي عين الْأَعْوَر دون غَيرهَا
وَقَول اللَّيْث فِي الْعين مثل قَول مَالك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن كَانَت يَده أُصِيبَت فِي سَبِيل الله ثمَّ أصَاب الْيَد الْأُخْرَى إِنْسَان فَفِيهَا الدِّيَة كَامِلَة وَإِن كَانَ أَخذ لَهَا عقلا فَنصف الْعقل وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْعين

(5/120)


قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَالْعين بِالْعينِ} الْمَائِدَة 45 وَلم ينْسَخ الله ذَلِك فَكَانَ معقولا أَن الْوَاجِب إِذا كَانَ عمدا الْقصاص وَفِي الْخَطَأ دِيَتهَا كَمَا يقْتَصّ فِي الْعَينَيْنِ فِي الْعمد وَتُؤْخَذ دِيَتهَا فِي الْخَطَأ وَفِي كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه لعَمْرو بن حزم وَفِي الْعين خَمْسُونَ من الْإِبِل وَفِي الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل وَلم يفرق بَين عين الْأَعْوَر وَالصَّحِيح
وَقد قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْيَد نصف الدِّيَة إِذا كَانَت الأولى قد أَخذ أَرْشهَا فَكَذَلِك إِذا لم يَأْخُذ أَرْشهَا لِأَن الْجَانِي إِنَّمَا يلْزمه حكم جِنَايَته خَاصَّة وَلَا اعْتِبَار فِي فعله بِمَا فعله غَيره فِي الْيَد الْأُخْرَى
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر فِي الْأَعْوَر تفقأ عينه الصَّحِيحَة أَن عَلَيْهِ الدِّيَة كَامِلَة
2239 - فِي الممسك هَل يقتل

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَن أمسك رجلا حَتَّى قَتله آخر فالقود على الْقَاتِل دون الممسك وَيُعَزر الممسك
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أَمر عَبده أَن يقتل رجلا فَقتله فَإِن كَانَ العَبْد أعجميا قتل السَّيِّد وَإِن كَانَ غير أعجمي قتل العَبْد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الممسك للرجل حَتَّى يقْتله فعلَيْهِمَا جَمِيعًا الْقصاص فَإِن الماسك قد أَرَادَ قَتله وَقَالَ اللَّيْث مثل قَول مَالك

(5/121)


وَقَالَ اللَّيْث إِن أمْسكهُ ليضربه فقلته قتل الْقَاتِل وعوقب الآخر
قَالَ اللَّيْث وَلَو أَمر غُلَامه أَن يقتل رجلا فَقتله قتلا بِهِ جَمِيعًا
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي وَيقتل الذَّابِح دون الماسك كَمَا يحد الزَّانِي دون الماسك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الممسك معِين لَيْسَ بِقَاتِل كالمعين على الزِّنَا لَا يحد إِذْ لَيْسَ بزان
فَإِن قيل روى يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب قتل نَفرا خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل وَاحِد قَتَلُوهُ قتل غيلَة وَقَالَ عمر لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا
قيل لَهُ أَرَادَ بالممالاة مُبَاشرَة الْقَتْل أَلا ترى أَنه لَو مالأه عَلَيْهِ ثمَّ تفرد أَحدهمَا بقتْله من غير محْضر من الآخر كَانَ الْقود على من بَاشر الْقَتْل دون من مالأ عَلَيْهِ
2240 - فِي الْقصاص فِي مُوضحَة مَا بَين قَرْني المشجوج

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا شجه مُوضحَة فأحدث مَا بَين قَرْني المشجوج وَهِي لَا تَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج فَإِن المشجوج مُخَيّر بَين الْأَرْش أَو الْقصاص بِمِقْدَار طول شجته فَحسب وَإِن كَانَت الشَّجَّة مَا بَين قَرْني المشجوج وَهِي تَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج ويفضل مِنْهَا خير المشجوج أَيْضا فَإِن شَاءَ أَخذ الْأَرْش وَإِن شَاءَ اقْتصّ مَا بَين قَرْني الشاج لَا أزيده على ذَلِك وَكَذَلِكَ

(5/122)


على هَذَا الِاعْتِبَار إِذا كَانَت الشَّجَّة فِي طول رَأس المشجوج فتقصر عَن رَأس الشاج أَو تزيد
وَقَالَ مَالك يقْتَصر لَهُ بِقدر شجته طولا إِلَى حَيْثُ يبلغ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره
قَالَ الشَّافِعِي وَإِن أخذت رَأس الشاج كُله وَبَقِي شَيْء أَخذ أَرْشه
وَقَالَ الرّبيع إِذا شجه فِي قرنه والشاج أسلخ الْقرن فللمشجوج الْخِيَار فِي الْقصاص وَالْأَرْش وَلَو كَانَ خَفِيف الشّعْر أَو فِيهِ قرع قَلِيل يكتسي إِن طَال شَيْئا فَلهُ الْقصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ إِن قَاطع الْيَد الصَّحِيحَة إِذا كَانَ نَاقص الْيَد فَاخْتَارَ الْمَقْطُوع الْقصاص أَنه لَا أرش لَهُ مَعَ ذَلِك بِقدر مَا بَين الصَّحِيحَة والناقصة فَكَذَلِك إِذا كَانَ مَا بَين قَرْني الشاج أنقص وَجب أَن يكون مُخَيّرا بَين الْقصاص بِلَا أرش أَو أرش الشَّجَّة بِلَا قصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَانَ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الرَّازِيّ يَقُول يَنْبَغِي أَن لَا يكون للمشجوج الْخِيَار وَإِن فضلت الشَّجَّة عَن قَرْني الشاج فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج فَحسب لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِعَيْب فِي الْخلقَة وَإِنَّمَا هُوَ صغر الْعُضْو كَالْيَدِ الصَّغِيرَة تُؤْخَذ بالكبيرة وَلَا يُوجب للمقطوع الْخِيَار
قَالَ وَإِن كَانَ مَا بَين قَرْني الشاج أوسع فَيَنْبَغِي أَن يقْتَصّ لَهُ مَا بَين قَرْني الشاج كُله كَالْيَدِ الْكَبِيرَة تُؤْخَذ بالصغيرة وكالموضحة إِذا كَانَ الشاج كثير اللَّحْم وَرَأس المشجوج ملصق جلده بالعظم وَكَانَ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس يحْكى ذَلِك عَمَّن تقدمه من أهل الْعلم مِمَّن تَأَخّر عَمَّن ذكرنَا

(5/123)


2241 - فِي حكم الْأُذُنَيْنِ فِي الدِّيَة

قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة وَفِي السّمع الدِّيَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الدِّيَة فِي السّمع وَفِي الْأُذُنَيْنِ الْحُكُومَة إِذا لم يذهب السّمع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْأذن نصف الدِّيَة
وروى معمر عَن عَمْرو بن مُسلم عَن طَاوس قَالَ قضى أَبُو بكر فِي الْأذن إِذا استؤصلت بِخمْس عشرَة من الْإِبِل وَقضى فِيهَا عمر بِنصْف الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ فِي الْأنف الدِّيَة وَهِي ناتئ عَن الْوَجْه طَرِيق للشم كَمَا أَن الْأُذُنَيْنِ بائنان عَن الرَّأْس طَرِيقَانِ للصوت إِلَى السّمع وَجب أَن يكون فيهمَا الدِّيَة لتساويهما فِي ذَلِك
2242 - فِي شعر الرَّأْس واللحية

قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ فِي شعر الرَّأْس واللحية إِذا حلقا فَلم ينْبت فَفِي كل وَاحِد مِنْهُمَا الدِّيَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيهِ حُكُومَة

(5/124)


قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو حنيفَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ بلاغا أَن فِي اللِّحْيَة إِذا لم تنْبت الدِّيَة
وَقد رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب وَشُرَيْح وَالْحسن أَن فِي الحاجبين الدِّيَة وَعَن الشّعبِيّ مثله وَلَيْسَ عَن غَيرهم من التَّابِعين خلاف ذَلِك
وَالْقِيَاس أَن تكون فيهمَا حُكُومَة لِأَن طَرِيق إِثْبَات الدِّيات التَّوْقِيف وَلَيْسَ للحاجبين وَشعر الرَّأْس أصل يرد إِلَيْهِ من إِيجَاب الدِّيَة وَاخْتِلَاف من ذكرنَا من الْفُقَهَاء فِي الحاجبين كَهُوَ فِي شعر الرَّأْس
2243 - فِي الْقصاص فِي نتف شعر الرَّأْس

قَالَ أَصْحَابنَا لَا قصاص فِي الشّعْر نبت أَو لم ينْبت وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا نتف من لحيته وَرَأسه شعرًا نتف من لحيته وَرَأسه نَحْو مَا نتف قصاصا يكون ذَلِك فِي خَفِيف اللِّحْيَة وكثيرها
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقصاص اسْتِيفَاء الْمثل لِأَنَّهُ يَأْخُذ من الْمُقْتَص مِنْهُ مَا لم يكن مَوْجُودا وَقت الْجِنَايَة
2244 - فِي الْقصاص فِي اللِّسَان

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يقْتَصّ من اللِّسَان وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ

(5/125)


وَقَالَ اللَّيْث يقْتَصّ مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقصاص اسْتِيفَاء وَذَلِكَ غير مُمكن فِي اللِّسَان لِأَنَّهُ إِن قطع بعضه فَذهب بعض الْكَلَام لم يدر أَن مَا يَأْخُذهُ بِالْقصاصِ يذهب بِهِ من الْكَلَام مثل مَا ذهب من المجنى عَلَيْهِ وَإِن قطعه من أَصله فَإِنَّهُ لَا يُوصل إِلَيْهِ إِلَّا بجذبه وَقد ينجذب أَكثر مِمَّا أَخذ الْجَانِي أَو أقل فَلَا سَبِيل فِيهِ إِلَى اسْتِيفَاء الْمثل
2245 - فِي الْقصاص من اللَّطْمَة وَالسَّوْط

قَالَ أَصْحَابنَا لَا قصاص فِي اللَّطْمَة وَلَا فِي اللكزة وَلَا فِي ضرب السِّيَاط وعَلى الْفَاعِل التَّعْزِير وَلَا أرش فِي شَيْء من ذَلِك إِلَّا أَن يجرح فَإِن اخضر أَو احمر أَو تورم فَلَا أرش فِيهِ وَلَا قصاص
وَقَالَ مَالك لَا قَود فِي اللَّطْمَة وَلَا يحفظ عَنهُ فِي السَّوْط شَيْئا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَأرى فِيهِ الْقود
وَقَالَ اللَّيْث فِي ضرب السَّوْط يُقَاد مِنْهُ وَيُزَاد عَلَيْهِ للتعدي واللطمة إِن كَانَت فِي الْعين فَلَا قصاص للخوف على الْعين ويعاقبه السُّلْطَان وَإِن كَانَت على الخد فَفِيهَا الْقود
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ فِي اللَّطْمَة وَالضَّرْب بالسياط الَّتِي لَا تبضع وَلَا تجرح فِيهَا حُكُومَة عدل إِلَّا أَن تكون اللَّطْمَة لَيْسَ لَهَا أثر خضرَة وَلَا صفرَة فَإِن كَانَت لَهَا خضرَة أَو صفرَة كَانَ فِيهَا بِقَدرِهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن مُحَمَّد بن هِلَال عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد فَقَامَ وقمنا حَتَّى

(5/126)


بلغ وسط الْمَسْجِد أدْركهُ أَعْرَابِي فجبذ بردائه من وَرَائه وَكَانَ رِدَاؤُهُ خشنا فحمر رقبته فَقَالَ يَا مُحَمَّد احْمِلْ لي على بَعِيري هذَيْن فَإنَّك لَا تحمل لي من مَالك وَلَا من مَال أَبِيك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحمل لَك حَتَّى تقيدني مِمَّا حبذت برقبتي فَقَالَ الْأَعرَابِي لَا وَالله لَا أقيدك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك ثَلَاث مَرَّات كل ذَلِك يَقُول لَا وَالله لَا أقيدك فَلَمَّا سمعنَا قَول الْأَعرَابِي أَقبلنَا إِلَيْهِ سرَاعًا فَالْتَفت إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عزمت على من سمع كَلَامي أَن لَا يبرح من مقَامه حَتَّى آذن لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل من الْقَوْم يَا فلَان احْمِلْ لَهُ على بعير شَعِيرًا وعَلى بعير تَمرا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى انصرفوا
فَطلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ الْقصاص فَاحْتمل أَنه يُرِيد بِهِ أَنه قد لزمَه قصاص الْآخِرَة فَطلب ذَلِك مِنْهُ ليسقط عَنهُ فِي الْآخِرَة وَإِذا احْتمل ذَلِك لم يجب الْقصاص فِي الدُّنْيَا لجهلنا بمقداره
وَقد روى طَارق بن شهَاب قَالَ لطم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ رجلا فَقَالُوا وَالله مَا رَأينَا كَالْيَوْمِ قطّ مَا رَضِي أَن يمنعهُ حَتَّى لطمه فَقَالَ أَبُو بكر إِن هَذَا أَتَانِي يستحملني فَحَملته ثمَّ أَتَانِي يستحملني فَحَملته ثمَّ أَتَانِي يستحملني فَحَملته فَإِذا هُوَ يَبِيعهَا فَحَلَفت أَن لَا أحملهُ ثمَّ قَالَ وَالله لأحملنه ثمَّ قَالَ اقْتصّ مني فَعَفَا الآخر عَنهُ
وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَالله لأقتص من عمالي فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كَانَ كل رجل على طَائِفَة فأدب بعض رَعيته إِنَّك لتقْتَص مِنْهُ قَالَ أَي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقصن مِنْهُ وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقص من نَفسه

(5/127)


وَرُوِيَ أَن خَالِد بن الْوَلِيد اقْتصّ رجلا من ابْن أَخ لَهُ لطمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ مَا تأولناه فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
2246 - فِيمَا تسري إِلَيْهِ الْجِنَايَة

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا شجه مُوضحَة فَذهب مِنْهَا شعر رَأسه فَعَلَيهِ الدِّيَة وَيدخل أرش الْمُوَضّحَة فِيهِ وَكَذَلِكَ إِن ذهب عقله فَعَلَيهِ الدِّيَة بِلَا أرش الْمُوَضّحَة فَإِن ذهب سَمعه وبصره فَعَلَيهِ ديتان وَأرش الْمُوَضّحَة فَإِن ذهب بعض الشّعْر نظر إِلَى أرش الْمُوَضّحَة وَأرش الشّعْر فَيدْخل الْأَقَل فِي الْأَكْثَر وَإِن شجه آمة فَذهب مِنْهَا عقله فَعَلَيهِ الدِّيَة تَامَّة وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا شجه آمة فَذهب مِنْهَا عقله فَعَلَيهِ دِيَة وَثلث دِيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الدِّيَة وَيدخل أرش الآمة فِيهَا وَإِن ذهب بَصَره قَالَ زفر عَلَيْهِ دِيَة وَثلث وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَإِن ذهب سَمعه وبصره فَعَلَيهِ ديتان وَتدْخل الآمة فِي السّمع وَلَا تدخل فِي الْبَصَر وَقَالَ زفر عَلَيْهِ ديتان وَثلث
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع لِسَانه فَمنع الْكَلَام فَعَلَيهِ الدِّيَة وَإِنَّمَا تجب الدِّيَة فِي قطع اللِّسَان إِذا منع الْكَلَام فَإِن ضربه فَأذْهب سَمعه وَاصْطلمَ أُذُنَيْهِ فَعَلَيهِ دِيَة وَاحِدَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو شجه مُوضحَة فَذهب مِنْهَا عَيناهُ وشعره

(5/128)


فَلم ينْبت ثمَّ برِئ اقْتصّ من الْمُوَضّحَة فَإِن ذهبت عَيناهُ وَلم ينْبت شعره فقد استوفى حَقه وَإِن لم تذْهب عَيناهُ وَنبت شعره زِدْنَا عَلَيْهِ الدِّيَة وَفِي الشّعْر حُكُومَة وَلَا أبلغ بِشعر رَأسه ولحيته دِيَة
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا جنى عَلَيْهِ فَذهب عقله فَفِي ذهَاب عقله الدِّيَة فَإِن كَانَ قد جنى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك جِنَايَة لَهَا أرش فَعَلَيهِ أرش تِلْكَ الْجِنَايَة مَعَ الدِّيَة فِي ذهَاب عقله
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن أرش الْكَفّ يدْخل فِي أرش الْأَصَابِع وَكَذَلِكَ الْأنف فِي المارن وَبَاقِي الذّكر فِي الْحَشَفَة لِأَن بعض ذَلِك لَهُ أرش مَعْلُوم وَبَعضه لَيْسَ لَهُ أرش مَعْلُوم فأدخلوا مَا لَا أرش لَهُ مَعْلُوم فِيمَا لَهُ أرش وللموضحة أرش مَعْلُوم كَذَلِك الْعقل والسمع فَوَجَبَ أَن لَا يدْخل أرش الْمُوَضّحَة فِي شَيْء من ذَلِك
وَقد اتَّفقُوا أَيْضا على أَن أرش الْمُوَضّحَة لَا يدْخل فِي الْبَصَر وَكَذَلِكَ فِي السّمع وَالْعقل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَذَلِكَ لَا يجب أَن يدْخل أرش الْمُوَضّحَة فِي شعر الرَّأْس لِأَن مَوضِع الْمُوَضّحَة لَو كَانَ لَا شعر فِيهِ لَكَانَ نَاقِصا معيبا فَلم يجب أرش الْمُوَضّحَة لذهاب الشّعْر فَحسب

(5/129)


2247 - فِي أَخذ الْيُمْنَى باليسرى

قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تُؤْخَذ الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الْيُسْرَى باليمنى لَا فِي الْعين وَلَا فِي الْيَد وَلَا تُؤْخَذ السن إِلَّا بِمِثْلِهَا من الْجَانِي
وَقَالَ ابْن شبْرمَة تفقأ الْيُمْنَى باليسرى واليسرى باليمنى وَكَذَلِكَ اليدان وَتُؤْخَذ الثَّنية بالضرس والضرس بالثنية
وَقَالَ الْحسن إِذا قطع إصبعا من كف وَلم يكن للقاطع من تِلْكَ الْكَفّ إِصْبَع مثلهَا قطع من تِلْكَ الْكَفّ إِصْبَع مثلهَا مِمَّا تلِي تِلْكَ الإصبع وَلَا تقطع إِصْبَع كف بإصبع كف أُخْرَى كَذَلِك تقلع السن الَّتِي تَلِيهَا إِذا لم تكن للقالع سنّ مثلهَا وَإِن بلغ ذَلِك الأضراس وتفقأ الْعين الْيُمْنَى باليسرى إِذا لم تكن لَهُ يمنى وَلَا تقطع الْيَد الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الْيُسْرَى باليمنى
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف} الْآيَة الْمَائِدَة 45 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ ذَلِك الْعُضْو من الْجَانِي صَحِيحا لم يكن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يتَعَدَّى مَا قابله من عُضْو الْجَانِي إِلَى غَيره مِمَّا بأزائه وَإِن تَرَاضيا فَدلَّ على أَن المُرَاد بِالْآيَةِ هُوَ مَا قَابل ذَلِك الْعُضْو من الْجَانِي دون غَيره
2248 - فِي الْوَلِيّ الْكَبِير هَل يقْتَصّ دون الصَّغِير

قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِذا قتل الرجل وَله ابْنَانِ أَحدهمَا كَبِير وَالْآخر صَغِير فللكبير أَن يقْتَصّ وَلَا ينْتَظر بُلُوغ الصَّغِير
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَو ترك ابْنا صَغِيرا وأخا كَبِيرا كَانَ للْأَخ أَن

(5/130)


يقْتَصّ قبل بُلُوغ الصَّغِير وَكَذَلِكَ غَيره من الْعصبَة قَالَ مَالك وللعصبة أَن يصالحوا على الدِّيَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يقْتَصّ حَتَّى يبلغ الصَّغِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقصاص موروث عَن الْمَيِّت وللصغير نصِيبه فَلَا يَسْتَوْفِيه من لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ كالغائب
2249 - فِيمَن يجب لَهُ الْقصاص

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لكل وَارِث نصِيبه من الْقصاص وَيجوز عَفوه على نَفسه وَلَا يجوز على غَيره فِي إبِْطَال حَقه من الدِّيَة وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَقَالَ ابْن أبي ليلى الْقصاص لكل وَارِث إِلَّا الزَّوْج وَالْمَرْأَة
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للبنات وَالْأَخَوَات من الْقصاص شَيْء وَإِنَّمَا هُوَ للرِّجَال الْبَنِينَ وَالإِخْوَة
وَيجوز عَفْو الرِّجَال على النِّسَاء وَلَا يجوز عَفْو النِّسَاء
قَالَ مَالك وَلَيْسَ للإخوة من الْأُم عَفْو عَن الْقصاص
قَالَ فَإِن عَفا الرِّجَال على أَن يَأْخُذُوا الدِّيَة فَالدِّيَة بَين سَائِر الْوَرَثَة على فَرَائض الله تَعَالَى
وَقَالَ اللَّيْث يجوز عَفْو الْعصبَة عَن الدَّم وَيبْطل حق الْبَنَات وَلَا عَفْو للنِّسَاء وَلَا قسَامَة لَهُنَّ وَهُوَ قَول مَالك فِيمَا ذكره ابْن وهب
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّم موروث عَن الْمَيِّت بِدلَالَة أَن الْمَجْرُوح لَو عَفا عَن

(5/131)


الْجَارِح جَازَ عَفوه فَإِذا كَانَ موروثا عَنهُ وَجب أَن يسْتَحقّهُ جَمِيع الْوَرَثَة وَقد اتَّفقُوا على أَن الْعصبَة إِذا صَالحُوا عَن الدِّيَة كَانَت بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى فَدلَّ أَن بدلهَا وَهُوَ الدَّم لَهُم
2250 - فِي الْوَلِيّ يقطع ثمَّ يعْفُو

قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر ولي الْقَتِيل إِذا قطع يَد الْقَاتِل ثمَّ عَفا عَنهُ فَعَلَيهِ دِيَة الْيَد فِي مَاله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَيُعَزر
وَقَالَ مَالك فِيمَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا قطع يَده فَعَلَيهِ الْقصاص لِأَن حَقه النَّفس دون الْيَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد وافقهم مَالك على أَنه إِذا قَتله فقد أتلف بِالْقَتْلِ سَائِر أَعْضَائِهِ فَلَا يضمنهَا كَمَا لَا يضمن قطع يَد الْمُرْتَد لِأَنَّهُ اسْتحق تلف أعضاءه بِالْقَتْلِ وَأما إِذا عَفا بعد الْقطع فَإِن ذَلِك الْقطع لَا يَخْلُو من أَن يكون مُوجبا للضَّمَان أَو غير مُوجب لَهُ فَإِن كَانَ مُوجبا فَيَنْبَغِي أَن لَا يسْقطهُ الْقَتْل وَإِن كَانَ غير مُوجب لَهُ فَيَنْبَغِي أَن لَا يُوجِبهُ الْعَفو
2250 - م فِيمَن جنى على عُضْو فَذهب مِنْهُ عُضْو آخر

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا شجه مُوضحَة فَذَهَبت عَيناهُ أَو قطع إصبعه فشلت أُخْرَى أَو قطع الْيُمْنَى فشلت الْيُسْرَى أَو شجه مُوضحَة فَصَارَت منقلة أَو قطع مفصلا من إصبعه فشل مَا بَقِي مِنْهَا فَلَا قصاص فِي شَيْء من ذَلِك وَعَلِيهِ الْأَرْش

(5/132)


قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْعُضْو الْوَاحِد مثل ذَلِك نَحْو أَن يشجه مُوضحَة فَيصير منقلة أَو يقطع أنملته فتشل إصبعه فَلَا يكون فِي هَذَا قصاص وَأما إِذا ذهبت عينه من الْمُوَضّحَة أَو ذهبت إِصْبَع أُخْرَى أَو يَد أُخْرَى فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الأولى وَالْأَرْش فِي الْأُخْرَى
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَو كسر بعض سنة فَسَقَطت أَو قطع أنملته فَسَقَطت أُصْبُعه كلهَا أَو يَده فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الإصبع وَفِي الْيَد
وروى بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا قطع إصبعه من غير مفصل فَسَقَطت الإصبع من الْمفصل لم أقتص مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أجعَل لَهُ الْقصاص فِي الإصبع
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء لَو قطع إصبعه فَسَقَطت الْكَفّ من الْمفصل قطعت يَده كَأَنَّهُ قطعهَا من الْمفصل وَلَو سَقَطت من نصف الساعد ثمَّ برأَ فَلَا قصاص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ قطعهَا من نصف الساعد وَعطف على هَذَا مسَائِل ثمَّ قَالَ وَهَذَا كُله قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا فَقَأَ عينه عمدا فَذَهَبت الْعين الْأُخْرَى فقأت عَيْنَيْهِ جَمِيعًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع إصبعه عمدا فشلت يَده فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الإصبع وَالْأَرْش فِي الْيَد ويجتمع فِي قَول مَالك فِي ضَرْبَة وَاحِدَة قصاص وعقل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكره الرّبيع إِن قطع إِحْدَى أنثييه فَسَقَطت الْأُخْرَى فَعَلَيهِ الْقصاص فِيمَا قطع وَالْعقل فِي الَّتِي سَقَطت

(5/133)


قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَينهم أَنه لَو جنى على عُضْو فسرت إِلَى النَّفس أَن عَلَيْهِ الْقصاص فِي النَّفس فَاعْتبر مَا آلت إِلَيْهِ الْجِنَايَة وَكَذَلِكَ إِذا قطع إصبعه فَسَقَطت الْيَد فَكَأَنَّهُ بَاشر قطع الْيَد فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الْيَد وَإِذا شلت الْيَد فَكَأَنَّهُ بَاشر ضرب الْيَد فشلت فَلَا قصاص فِيهِ
2251 - فِي قطع الذّكر والأنثيين

قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء وَلم يحك خلافًا إِذا بَدَأَ فَقطع الذّكر ثمَّ الْأُنْثَيَيْنِ خطأ فَعَلَيهِ ديتان وَإِن بَدَأَ بالأنثيين ثمَّ الذّكر فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَة وَفِي الذّكر حُكُومَة وَإِن قطعهمَا من جَانب ففيهما ديتان
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد مثله من غير خلاف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع الذّكر والأنثيين فَعَلَيهِ ديتان بِأَيِّهِمَا بَدَأَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس مَا قَالَ مَالك لِأَنَّهُ إِن قطع الْأُنْثَيَيْنِ أَولا فقد وَجَبت دِيَتهمَا وحكومة فِي النُّقْصَان الَّذِي دخل فِي الذّكر فَإِذا قطع الذّكر بعد ذَلِك وَجب كَمَال الدِّيَة
2252 - فِيمَن قطع يَد رجل ثمَّ قَتله

قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِيمَن قطع يَد رجل عمدا ثمَّ قَتله عمدا قبل الْبُرْء فللولي أَن يقطع يَده ثمَّ يقْتله
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك يقْتله وَلَا يقطع يَده رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك

(5/134)


قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو قطع يَده فبرأ مِنْهَا ثمَّ قَتله أَن لَهُ أَن يقطع يَده ثمَّ يقْتله كَذَلِك إِذا لم يبرأ مِنْهَا حَتَّى قَتله
2253 - فِيمَن ضرب سنّ رجل فتسود أَو يضْرب عينه فتبيض

قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْعين إِذا ابْيَضَّتْ حَتَّى لَا يبصر وَالْيَد إِذا شلت حَتَّى لَا ينْتَفع بهَا فَعَلَيهِ عقلهَا فَأَما إِن كَانَ عمدا فَفِي مَاله وَإِن كَانَ خطأ فعلى الْعَاقِلَة وَإِذا اسودت السن أَو احْمَرَّتْ أَو اخضرت فَفِيهَا أَرْشهَا كَامِلا وَإِن اصْفَرَّتْ فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ فِيهَا حُكُومَة
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يجب فِي السن جَمِيع دِيَتهَا إِذا اسودت
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث إِذا اسودت فَفِيهَا عقلهَا تَاما
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيهَا حُكُومَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي السوَاد مثل مَا فِي السُّقُوط لِأَنَّهُ لَو وَجب ذَلِك لوَجَبَ أَن يكون لَو جنى عَلَيْهَا بعد ذَلِك جَان فَسَقَطت أَن يكون فِيهَا شَيْء آخر فَيكون قد اخذ أَكثر من أرش السن
2254 - فِي السن تقلع ثمَّ تنْبت

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قلع سنّ رجل فَنَبَتَتْ فَلَا شَيْء على القالع
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف من غير هَذِه الْجِهَة أَن على الْجَانِي حُكُومَة لما نَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ من الْأَلَم

(5/135)


وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَن قلع سنّ صبي لم يثغر فَإِن لم تنْبت تمّ عقلهَا وَإِن نَبتَت فَلَا عقل لَهَا
وَإِن نَبتَت سنّ رجل قد قلعت بعد أَخذه أَرْشهَا قَالَ الْمُزنِيّ قَالَ الشَّافِعِي فِي مَوضِع يرد مَا أَخذ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر لَا يرد شَيْئا
قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا أَقيس لِأَنَّهُ لَا ينْتَظر بسنه كَمَا ينْتَظر بسن من لم يثغر
قَالَ الشَّافِعِي لَو قطع لِسَان رجل وَأخذ أَرْشه ثمَّ نبت صَحِيحا لم يرد شَيْئا
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا جرحه فِي رَأسه فنبت الشّعْر كَانَ فِيهِ حُكُومَة إِن كَانَ خطأ لَا تبلغ بهَا دِيَة وَإِن لم ينْبت الشّعْر غير أَنه إِذا لم ينْبت الشّعْر زيد فِي الْحُكُومَة بِقدر الشين مَعَ الْأَلَم وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا كَانَ الشين أكبر من الْجرْح لم يرد للشين شَيْء وَعَلِيهِ أرش الْجرْح وَلَا يبلغ بِهِ أرش الْمُوَضّحَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَا رَوَاهُ الْحسن بن زِيَاد عَنهُ فَإِذا شجه مُوضحَة فالتحمت وبرأ فَشَجَّهُ عَلَيْهَا آخر مُوضحَة أَن على الأول أرش الْمُوَضّحَة وعَلى الثَّانِي حُكُومَة وَلَا قصاص فِيهَا
قَالَ أَبُو يُوسُف أقتص مِنْهَا
وَقَالَ الْحسن على الأول حُكُومَة وعَلى الثَّانِي الْقصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر سنّ الْكَبِير إِذا قلعت إِنَّمَا ينْتَظر بهَا الْبُرْء كَسَائِر الْجِنَايَات فَإِذا حصل الْبُرْء فَلَا يَنْبَغِي أَن يسْقط الْأَرْش بنبات الشّعْر فِي الْمُوَضّحَة

(5/136)


وَلَا بنبات السن وَأما سنّ الصَّغِير فَإِنَّمَا ينْتَظر بهَا عودهَا لجَرَيَان الْعَادة بِأَنَّهَا تنْبت إِذا لم يكن قد أثغر
2255 - فِي الْيَد الشلاء وَنَحْوهَا

قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ فِي ذكر الْخصي ولسان الْأَخْرَس وَالْيَد الشلاء وَالرجل العرجاء وَالْعين الْقَائِمَة العور أَو السن السَّوْدَاء وَذكر الْعنين حُكُومَة عدل
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الْعين الْقَائِمَة إِذا قلعت وَفِي الْيَد الشلاء إِذا قطعت لَيْسَ فِيهَا عقل مُسَمّى وَإِنَّمَا فِيهِ الِاجْتِهَاد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي كل سنّ من الْأَسْنَان إِذا أُصِيبَت مِنْهُ سنّ فانتقص ثمَّ أُصِيبَت ذَلِك السن فَإِنَّمَا لَهُ على حِسَاب مَا بَقِي من ذَلِك الْعُضْو
قَالَ وَمَا كَانَ خلقَة لم ينْتَقض مِنْهُ شَيْء مثل استرخاء الْبَصَر أَو ضعفه بالرمد وَالْيَد الضعيفة وَهُوَ ينْتَفع بهَا ويبطش وَالرجل ينْتَفع بهَا وفيهَا ضعف فَفِي ذَلِك كُله الدِّيَة كَامِلَة لَو كَانَ ذَلِك ضعف من جِنَايَة إِنْسَان فَأخذ لَهُ عقلا ثمَّ أُصِيب بعد ذَلِك فَلهُ مَا بَقِي من الْعقل وَلَو كَانَ من السَّمَاء فعرج إِلَّا أَنه يمشي وَضعف الْبَصَر من الرمد إِلَّا أَنه يبصر فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي الْيَد الشلاء وَالْعين العور أَو لِسَان الْأَخْرَس فِي كل شَيْء من ذَلِك ثلث دِيَته وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْريّ فِي الْيَد الشلاء وَقَالَ الثَّوْريّ فِي ذكر الْخصي ولسان الْأَخْرَس حكم عدل

(5/137)


وَقَالَ اللَّيْث فِي الْعين الْقَائِمَة العوراء مائَة دِينَار وَهُوَ قَول زيد بن ثَابت وَفِي السن إِذا اسودت عقلهَا كَامِلا وَإِن طرحها إِنْسَان آخر بعد ذَلِك وَهِي ثَابِتَة فَعَلَيهِ أَيْضا أَرْشهَا كَامِلا وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قدم الْأَعْرَج وَفِي يَد الأعسر إِذا كَانَتَا سالمتين الدِّيَة وَفِي الْعين الْقَائِمَة وَالْيَد وَالرجل الشلاء ولسان الْأَخْرَس وَالذكر الأشل يكون منقبضا لَا ينبسط أَو منبسطا لَا ينقبض فِي ذَلِك كُله حُكُومَة
قَالَ الشَّافِعِي ويقاد بِذكر رجل شيخ وَصبي وَخصي وَالَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء وَكَانَ الذّكر ينتشر أَو لَا ينتشر مَا لم يكن بِهِ شلل يمنعهُ من أَن ينقبض أَو ينبسط
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَوْقِيت ابْن شبْرمَة ثلث دِيَة هَذِه الْأَعْضَاء لَا معنى لَهُ لِأَن طَرِيق ذَلِك التَّوْقِيف أَو الِاتِّفَاق وَأما مَا روى اللَّيْث عَن زيد بن ثَابت أَن فِي الْعين الْقَائِمَة مائَة دِينَار فَإِنَّهُ جَائِز أَن يكون تقويما مِنْهُ لعين بِعَينهَا على وَجه الِاجْتِهَاد كَمَا رُوِيَ عَن عمر أَنه قضى فِي الترقوة بجمل وَفِي الضلع بجمل
وَلما اتَّفقُوا أَن فِي الْمُوَضّحَة نصف عشر الدِّيَة أَو مَا دونهَا فِيهَا حُكُومَة وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْضَاء الَّتِي لَهَا أروش مقدرَة أَن يكون فِي بَعْضهَا حُكُومَة

(5/138)


فَإِن قيل لما حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي السّري الْعَسْقَلَانِي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَالك بن أنس عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط اللَّيْثِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان قضيا فِي الملطأة بِنصْف الْمُوَضّحَة
قَالَ عبد الرَّزَّاق فَذَكرته لمَالِك بن أنس قَالَ لَيْسَ الْعَمَل على هَذَا عندنَا قيل لَهُ هَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ عندنَا لِأَن الْحَارِث بن مِسْكين ذكر عَن ابْن الْقَاسِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أَشْرَس عَن مَالك عَمَّن حَدثهُ عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط فَأدْخل بَينهمَا رجلا مَجْهُولا
2256 - فِي الشَّهَادَة على الْقَتْل

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهدُوا أَنه ضربه بِسيف فَلم يزل صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ فَعَلَيهِ الْقصاص وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالثَّوْري
وَقَالَ شُرَيْح حَتَّى يشْهدُوا أَنه قَتله
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر روى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر فِي رجل قطع إِصْبَع رجل عمدا ثمَّ جَاءَ آخر فَقطع مَا بَقِي من الْكَفّ قبل أَن تبين الإصبع فَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ قتلا جَمِيعًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تقطع إِصْبَع الَّذِي قطع الإصبع وَيقتل الَّذِي قطع الْكَفّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَن مَذْهَب زفر فِي الْمَسْأَلَة الأولى كَقَوْل أبي حنيفَة وَسَائِر أَصْحَابه

(5/139)


وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا ضربه فَبَقيَ بعد الضَّرْب مغمورا لم يَأْكُل وَلم يشرب وَلم يتَكَلَّم وَلم يفق حَتَّى مَاتَ فَهَذَا الَّذِي لَا قسَامَة فِيهِ وَإِن أكل أَو شرب وعاش ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك فَفِيهِ الْقسَامَة وَإِن شهد شَاهد أَنه ضربه فأجافه وعاش الرجل فَأكل وَشرب وَتكلم فَفِيهِ الْقسَامَة إِذا كَانَ الشَّاهِد عدلا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ضربه فَلم يزل مغمورا حَتَّى مَاتَ وَلم يفق من غمرته أَو أَفَاق إفاقة شرب فِيهَا مآء أَو تكلم ثمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَإِنَّهُ يقتل بِهِ وَإِن كَانَت جِنَايَته تَأَخَّرت حَتَّى أَفَاق أَو تكلم أَو أكل وَشرب ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك لم يقتل إِلَّا بالقسامة أَنه مَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا شهدُوا أَنه ضربه بِسيف وَمَا أنهر الدَّم وَمَات مَكَانَهُ جعلته قَاتلا وَإِن قَالُوا لَا نَدْرِي أنهر دَمه أَولا ورأيناه شلاء لم أجعله جارحا حَتَّى يَقُولُوا أوضحه هَذِه الْمُوَضّحَة بِعَينهَا
وَقَالَ الرّبيع عَنهُ إِذا جرحه عمدا بسلاح فَكَانَ ضمنا حَتَّى مَاتَ فَعَلَيهِ الْقصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَكثر مَا يُمكن أَن يعلم بِهِ حُدُوث الْمَوْت من جراحته أَن يبْقى مَرِيضا صَاحب فرَاش حَتَّى يَمُوت فيسعهم أَن يشْهدُوا أَنه مَاتَ مِنْهَا كَمَا يسعهم أَن يشْهدُوا أَن هَذَا ابْنه إِذا كَانَ قد ولد على فرَاشه وكما يَسعهُ إِذا رأى صَبيا فِي يَدي رجل يَدعِي أَنه ابْنه أَن يشْهد أَنه ابْنه مَعَ جَوَاز أَن يكون الْمقر كَاذِبًا فَكَمَا جَازَ ذَلِك فِي الْأَنْسَاب لِأَن ذَلِك جِهَة الشَّهَادَة بِهِ ونهايته كَذَلِك حُدُوث الْمَوْت من الْجراحَة إِذْ كَانَ ذَلِك جِهَة الشَّهَادَة بِالْمَوْتِ من الْجراحَة
وَأما قَول مَالك وَاللَّيْث فِي الْقسَامَة الَّتِي ذكرَاهَا أَنه مَاتَ من الْجراحَة فَلَا معنى لَهُ لِأَن هَذِه دَعْوَى وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعطي النَّاس بدعواهم

(5/140)


لادعى نَاس دِمَاء نَاس وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ فَجمع بَين دَعْوَى المَال وَالدَّم
2257 - فِيمَن قطع الْأَصَابِع ثمَّ قطع الْكَفّ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِيمَن قطع أَصَابِع رجل ثمَّ قطع مَا بَقِي من الْكَفّ وَذَلِكَ كُله خطأ فَعَلَيهِ دِيَة الْيَد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن قطع إِصْبَعَيْنِ مِمَّا يليهما من الْكَفّ فَإِن كَانَ فِي ضَرْبَة وَاحِدَة فخمسا الدِّيَة دِيَة الْيَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَنه لَو كَانَ بضربتين كَانَ خلاف ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ حكم قطع الإصبع مراعى بِمَا يؤول إِلَيْهِ فَلَو سقط الْكَفّ كَانَ عَلَيْهِ دِيَة الْيَد كَأَنَّهُ بَاشر قطعهَا وَقد يجوز أَن يَمُوت مِنْهَا فَتجب دِيَة النَّفس فَإِذا حدثت الْجِنَايَة الثَّانِيَة على مَا يجوز أَن يتناهى إِلَيْهِ دخلت الأولى فِيهَا وَصَارَ كَأَنَّهُ ابتدأها كَذَلِك وَأما إِذا برأت الأولى فقد زَالَت المراعاة وَوَجَب اعْتِبَار كل وَاحِدَة بِنَفسِهَا
2258 - فِيمَن عض ذِرَاع رجل

قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ فِيمَن عض ذِرَاع رجل فَانْتزع المعضوض ذراعه فَقلع سنا من أَسْنَان العاض فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي السن وَإِن جرحه المعضوض فِي مَوضِع آخر فَعَلَيهِ ضَمَانه

(5/141)


وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك هُوَ ضَامِن لدية السن
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن انتزعها من ألم العضة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن انتزعها من غير ألم أَصَابَهُ فَعَلَيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أوفى عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رجلا عض يَد رجل فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَنزع يَده فَوَقَعت ثنيتاه فاختصموا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يعَض أحدكُم أَخَاهُ كَمَا يعَض الْفَحْل لَا دِيَة لَك
وروى ابْن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَن صَفْوَان بن يعلى حَدثهُ عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ كَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا فعض أَحدهمَا صَاحبه فَانْتزع إصبعه فَسَقَطت ثنيتاه فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر ثنيته وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيدع يَده فِي فِيك فتقضمه كقضم الْفَحْل
وَهَذَا مِمَّا لَا يجوز خِلَافه لصِحَّة مَجِيئه ولاشيء يُخَالِفهُ مِمَّا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَيْضا فِيمَن شهر على رجل سِلَاحا وَأَوْمَأَ إِلَى قَتله وَهُوَ صَحِيح الْعقل فَقتله الْمَشْهُور عَليّ دافعا لَهُ عَن نَفسه أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فَإِذا لم يضمن نَفسه بِدَفْعِهِ إِيَّاه عَن نَفسه كَذَلِك لَا يضمن سنه بِدَفْعِهِ إِيَّاه عَن عضه
وَقد روى سعيد بن كثير بن عفير قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه عَن عَائِشَة قَالَت سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أَشَارَ بحديدة إِلَى أحد من الْمُسلمين يُرِيد بهَا قَتله فقد وَجب دَمه

(5/142)


2259 - فِي الْجَانِي إِذا فقد مَا يجب عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قطع يَد رجل فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقصاص فَقطعت يَده فِي سَرقَة أَو فِي قصاص لآخر فللآخر عَلَيْهِ أرش يَده وَلَو قطعهمَا إِنْسَان بِغَيْر حق لم يكن للمقطوع الأول شَيْء وَلَو قتل رجل عمدا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقود فَقتل بِحَق أَو بِغَيْر حق فَلَا شَيْء لوَلِيّ الْمَقْتُول الأول
وَقَالَ عُثْمَان البتي مثل ذَلِك فِي النَّفس
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا ذهبت يَده من السَّمَاء أَو قطعت فِي السّرقَة فَلَا شَيْء للمقطوع الأول وَإِن قطع رجل يَد الْقَاطِع خطأ فعلى الْقَاطِع الثَّانِي دِيَة الْيَد وَيكون ذَلِك للمقطوع الأول وَإِن قطعهَا رجل عمدا كَانَ للمقطوع الأول الْقصاص على الْقَاطِع الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ أَحَق بِيَدِهِ من نَفسه
قَالَ وَلَو قتل رجل عمدا فجَاء رجل فَقتل هَذَا الْقَاتِل عمدا قيل لأولياء الْقَاتِل الآخر ارضوا أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الأول وخذوا قَاتل وَلِيكُم فَاصْنَعُوا بِهِ مَا شِئْتُم فَإِن أرضوا أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الأول وَإِلَّا دفع الْقَاتِل الثَّانِي إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الأول فصنعوا بِهِ مَا أَرَادوا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قتل الْقَاتِل الأول فَلَا حق لأولياء الأول على الْقَاتِل الثَّانِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قتل رجلا عمدا فَقطع رجل يَد الْقَاتِل عمدا أَو خطأ فَلَا سَبِيل لوَلِيّ الْمَقْتُول على المَال وَقيل لَهُ إِن شِئْت فَاقْتُلْ وَإِن شِئْت فَخذ الدِّيَة

(5/143)


قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن وجوب الْقصاص لَا يُوجب لمن وَجب لَهُ ذَلِك ملك الْيَد وَلَا النَّفس وَإِنَّمَا لَهُ حق اسْتِيفَاء الْقصاص فَإِذا ذهبت يَده أَو نَفسه فَالْقِيَاس أَن لَا يجب للْأولِ شَيْء سَوَاء أَخذ ذَلِك بِحَق أَو بِغَيْر حق فِي النَّفس وَمَا دونهَا
2260 - فِيمَن قطع من رجل إصبعا وَمن آخر يَده

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قطع إِصْبَع رجل ثمَّ قطع يَد آخر وَذَلِكَ كُله فِي الْيُمْنَى ثمَّ اجْتَمعُوا أَو بَدَأَ بِالْيَدِ ثمَّ بالأصابع فَإِنَّهُ تقطع إصبعه للْأولِ ثمَّ يُخَيّر صَاحب الْيَد بَين الدِّيَة وَبَين الْقصاص
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع يَد رجل وَقتل آخر قتل وَلم تقطع يَده وَكَذَلِكَ سَائِر الْجِرَاحَات
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَو قطع إِصْبَع رجل من الْيُمْنَى وكف آخر من الْيُمْنَى واجتمعا اقْتصّ من الإصبع وَكَانَ لصَاحب الْكَفّ أَن يقْتَصّ وَيَأْخُذ أرش الإصبع وَإِن شَاءَ أَخذ أرش الْكَفّ قَالَ وَلَو بَدَأَ فاقتصه من صَاحب الْكَفّ أعْطى صَاحب الإصبع أَرْشهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَإِذا قتل الرجل نَفرا اقْتصّ مِنْهُ للَّذي قَتله أَولا وَالدية فِي مَاله لمن بَقِي مِمَّن قَتله آخرا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن يقْتَصّ من إصبعه ثمَّ تقطع بَقِيَّة الْكَفّ للْآخر بِغَيْر خِيَار لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ خِيَار قبل قطع الإصبع وَإِنَّمَا جعل أَصْحَابنَا لَهُ الْخِيَار لِأَنَّهُ إصبعه أخذت بِحَق عَلَيْهِ وَلَو ذهبت إصبعه بِغَيْر حق عَلَيْهِ لَكَانَ لَا خِيَار للمقطوعة يَده فِي ترك يَد قاطعه وَأخذ يَده وَلَيْسَ يشبه هَذَا عِنْدهم

(5/144)


ذهَاب الإصبع قبل قطعه يَد الآخر فِي وجوب الْخِيَار للمقطوعة يَده بَين الْقصاص وَبَين الْأَرْش لِأَن الْجِنَايَة أوجبت الْخِيَار وَإِذا كَانَت الْيَد صَحِيحَة فالجناية لم توجب خيارا للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَلَو ذهبت بِغَيْر حق لم يكن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ شَيْء فَكَذَلِك ذَهَبا بعضه بِغَيْر حق لَا يُوجب لَهُ خيارا
وَأما قَول الشَّافِعِي فِي الْجِنَايَة للمقطوعة يَده الْخِيَار بَين قطع الْيَد وَأخذ أرش الإصبع إِذا قطع الإصبع فَإِنَّهُ مُخَالف لأصله لِأَنَّهُ لَو كَانَ حِين قطع مَقْطُوع الإصبع لم يكن للمقطوع يَده أَن يقطعهَا وَيَأْخُذ أرش الإصبع
وَأما قَول الشَّافِعِي فِيمَن قتل جمَاعَة إِنَّه يقتل للْأولِ وللآخرين الدِّيَة فَإِن أَبَا حنيفَة وَأَصْحَابه يَقُولُونَ يقتل لَهُم جَمِيعًا لِأَن نفس الْقَاتِل لم يملكهَا ولي الْمَقْتُول الأول فَثَبت حق ولي الْمَقْتُول الثَّانِي فِيهَا كَمَا ثَبت للْأولِ أَلا ترى أَنه لَو سرق من رجل ثمَّ سرق من آخر قطع لأيهما حضر وَإِن اجْتمعَا قطع لَهما
2261 - فِي الْعَفو عَن الْقطع أَو الْجراحَة

قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر إِذا عَفا عَن الْجراحَة الْعمد أَو الشَّجَّة أَو الْقطع ثمَّ مَاتَ فَعَلَيهِ الدِّيَة فَإِن عَفا عَن الْجِنَايَة أَو عَن الْجراحَة وَمَا يحدث مِنْهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِك كُله
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الصُّلْح من الْجراحَة أَنه لَا يكون صلحا عَن النَّفس فَإِن مَاتَ فَلهُ أَن يقْتله وَكَذَلِكَ إِذا عَفا عَن الْيَد ثمَّ مَاتَ فَلهُ الْقصاص فِي النَّفس

(5/145)


وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا عَفا عَن الْجراحَة ثمَّ مَاتَ لم يقتل وَيعْقل بِمَا فضل من الدِّيَة وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ قد عَفَوْت عَن الْجراحَة وَعَما يحدث مِنْهَا من عقل وقود ثمَّ مَاتَ فقد بَطل الْقود وَنظر إِلَى أرش الْجِنَايَة وَكَانَ فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنه جَائِز أَن يعْفُو عَنهُ من ثلث مَال الْعَافِي كَأَنَّهَا مُوضحَة فَهِيَ نصف الْعشْر وَيُؤْخَذ بباقي الدِّيَة وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه يُؤْخَذ بِجَمِيعِ الْجِنَايَة لِأَنَّهَا صَارَت نفسا وَهَذَا قَاتل لَا تجوز لَهُ وَصِيَّة بِحَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجراحَة مُرَاعَاة فَإِن برأت كَانَ الْعَفو عَنْهَا وَإِن مَاتَ علمنَا أَنه عَفا عَمَّا لم يجب لَهُ فَكَأَنَّهُ لم يعف عَن شَيْء
2262 - فِي الْمُقْتَص مِنْهُ إِذا مَاتَ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى إِذا اقْتصّ من يَد أَو شجة فَمَاتَ الْمُقْتَص مِنْهُ فديته على عَاقِلَة الْمُقْتَص لَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء على الْمُقْتَص لَهُ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك مثل قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي رجل قَتله الْقصاص يرفع عَن الَّذِي اقْتصّ لَهُ قدر تِلْكَ الْجراحَة وَمَا بَقِي من دِيَته على عَاقِلَة الْمُقْتَص لَهُ إِلَّا أَن يكون الْمُقْتَص لَهُ عبدا فَمَا بَقِي من ثمنه فَفِي مَال الْمُقْتَص لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَطاء عَن عبيد الله بن عمر أَن عمر وعليا كَانَا يَقُولَانِ فِي الَّذِي يَمُوت من قصاص لَا دِيَة لَهُ

(5/146)


وروى سعيد بن الْمسيب عَن عمر مثل ذَلِك وَقَالَ قَتله الْحق لَا دِيَة لَهُ
وروى أَبُو يعِيش عَن إِبْرَاهِيم أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول فِي الَّذِي يقْتَصّ مِنْهُ ثمَّ يَمُوت يحط عَنهُ قدر جراحته ثمَّ يكون ضَامِنا لما بَقِي
فَقَوْل عَليّ وَعمر مُوَافق لقَوْل أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمن قَالَ بقولهمَا
وَقَول ابْن مَسْعُود مُوَافق لقَوْل عُثْمَان البتي وَلَا نعلم عَن أحد من الصَّحَابَة مثل قَول أبي حنيفَة وَابْن أبي ليلى
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم وَالْحكم مثل قَول عُثْمَان البتي
وَرُوِيَ عَن حَمَّاد مثل قَول أبي حنيفَة وَهُوَ قَول طَاوس وَعَطَاء
وَقَالَ وَاحْتج من لم يُوجب شَيْئا باتفاقهم فِي الْمَقْطُوع فِي السّرقَة مَاتَ أَنه لَا شَيْء فِيهِ لِأَنَّهُ قطع بِحَق
قَالَ وَالْفرق بَينهمَا أَن الْقطع فِي السّرقَة حق لله تَعَالَى وَالله تَعَالَى أَخذ نَفسه وَأَخذه غير مَضْمُون وَمَا أَخذه الْمُقْتَص مِنْهُ فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ فإباح الْأَخْذ لَا يسْقط الْقصاص لِأَن رمي الْغَرَض مُبَاح وَإِن أصَاب إنْسَانا ضمن وَلَا خلاف فِيمَن أدب امْرَأَته فَمَاتَتْ أَنه ضَامِن وَلَا يسْقط عَنهُ الْإِبَاحَة وَأما رفع أرش الْعُضْو عَنهُ على قَول عُثْمَان البتي فَلَا معنى لَهُ لِأَن الْقطع إِذا سرى إِلَى النَّفس فَالْحكم للنَّفس لَا للعضو
2263 - فِي كَيْفيَّة الْقصاص

قَالَ أَصْحَابنَا على أَي وَجه قَتله لم يقتل إِلَّا بِالسَّيْفِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن قَتله بعصا أَو بِحجر أَو بالنَّار

(5/147)


أَو بِالتَّفْرِيقِ قتل بِمثلِهِ فَإِن لم يمت فَلَا يزَال يُكَرر عَلَيْهِ من جنس مَا قَتله بِهِ حَتَّى يَمُوت وَإِن زَاد على فعل الْقَاتِل الأول
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يضْرب مثل ضربه وَلَا يضْربهُ أَكثر من ذَلِك وَقد كَانُوا يكْرهُونَ الْمثلَة وَيَقُولُونَ السَّيْف يُجزئ من ذَلِك كُله فَإِن غمسه فِي المَاء فَإِنِّي لَا أَزَال أغمسه فِيهِ حَتَّى يَمُوت
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن ضربه بِحجر فَلم يقْلع عَنهُ حَتَّى مَاتَ فعل بِهِ مثله وَإِن حَبسه بِلَا طَعَام وَلَا شراب حَتَّى مَاتَ حبس فَإِن لم يمت فِي تِلْكَ الْمدَّة قتل بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّفْرِيق وَكَذَلِكَ إِذا أَلْقَاهُ فِي مهواة بعيدَة وَلَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَمَاتَ فعل بِهِ الْوَلِيّ مثل ذَلِك فَإِن مَاتَ وَإِلَّا قَتله بِالسَّيْفِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص على الْوَجْه الَّذِي قَالَه مَالك وَالشَّافِعِيّ فَلَا يجوز أَن يفعل بِهِ مَا لم يَفْعَله بالمقتول لِأَن ذَلِك خلاف الْقصاص الَّذِي أَمر الله تَعَالَى بِهِ وَقد قَالَ قوم أَنه إِذا فعل بِهِ مثل مَا فعل بِأَن قطع يَده قبل الْبُرْء ثمَّ مَاتَ الْمَقْطُوع الأول أَنه لَا شَيْء على الْقَاطِع الأول وَهُوَ قَول عَطاء
وَقد روى عَمْرو بن دِينَار عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة قَالَ طعن رجل بقرن فِي رجله فَأتى النَّبِي صلى فَقَالَ أقدني فَقَالَ انْتظر فَعَاد إِلَيْهِ فَقَالَ انْتظر فَعَاد إِلَيْهِ فَقَالَ انْتظر فَعَاد إِلَيْهِ فأقاده فبرأ المستقاد مِنْهُ وشلت رجل الآخر فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قد بَرِئت رجله وشلت رجْلي قَالَ قد قلت لَك انْتظر وَلم ير لَهُ شَيْئا

(5/148)


وَهَذَا يُوجب أَن لَا يُؤْخَذ من الْبدن الْجَانِي شَيْء لم يَأْخُذهُ من بدن الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَأَن يُؤْخَذ مِنْهُ مَكَان ذَلِك دِيَة مَا ذهب لجنايته مِمَّا لم يعمد إِلَى أَخذه
2264 - فِي رجلَيْنِ قطعا يَد رجل

قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقطع يدان بيد وَاحِدَة وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْضَاء وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك تقطع أَيْديهم جَمِيعًا وَإِن كَانُوا جمَاعَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي يقْتَصّ مِنْهُم إِذا جرحوه مَعًا لَا يتَجَزَّأ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعُضْو ذُو أَجزَاء لَهُ مساحة فَإِذا أَخذه جمَاعَة وكل وَاحِد إِنَّمَا أَخذ بعضه وَلَو انْفَرد بِقطع ذَلِك الْبَعْض لم يسْتَحق عَلَيْهِ قطع الْعُضْو فَكَذَلِك إِذا قطعه مَعَ غَيره لِأَنَّهُ منقسم متجزئ وَلَيْسَ كَذَلِك النَّفس لِأَنَّهَا غير متجزئة وَلَا منقسمة وَقد تُؤْخَذ بِغَيْر قطع شَيْء من الْأَعْضَاء فيتلف وَإِنَّمَا هِيَ خُرُوج الدَّم من يَده فَكل وَاحِد من الآخذين فِي حكم الْجَمَاعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الْقصاص فِي النَّفس سَوَاء عِنْد جَمِيع من ذكرنَا غير عُثْمَان البتي فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَة تقتل الرجل عمدا إِن لأوليائه أَن يقتلوها وَلَهُم فِي مَالهَا أَيْضا نصف الدِّيَة وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي قَتلهَا فَعَلَيهِ الْقود لِأَن رجلَيْنِ لَو قتلا رجلا قتلا وَلَو قتل رجل رجلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ الْقود وَالدية

(5/149)


قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على وجوب الْقصاص بَينهمَا دلّ على تكافئهما فَلَا يجب مَعَ الْقود غَيره قَالَ وَقَوله تَعَالَى {وَالْأنف بالأنف} الْمَائِدَة 45 أَرَادَ بِهِ التَّسْوِيَة بَين الشريف والوضيع فِي الْقصاص
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فجعلهم جَمِيعًا متكافئين فِي الدِّمَاء وَقَوله تَعَالَى {وَالْأنف بالأنف} الْمَائِدَة 45 لما لم يمْنَع قتل الْمَرْأَة بِالرجلِ كَذَلِك قتل الرجل بِالْمَرْأَةِ
2265 - فِي قتل الْحر بِالْعَبدِ

قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري يقتل الْحر بِالْعَبدِ
وَقَالَ مَالك وَابْن شبْرمَة وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يقتل
وَعَن سعيد بن الْمسيب قَالَ يقتل الْحر بِالْعَبدِ
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فَإِن قيل فَلم لَا تقطع يَد الْحر بيد العَبْد
قيل لَهُ لما روى عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عبد لقوم قطع أذن عبد لقوم فَلم يَجْعَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا قصاصا

(5/150)


2266 - فِي رمحة الدَّابَّة

قَالَ أَصْحَابنَا فِي رمحة الدَّابَّة برجلها إِذا كَانَ صَاحبهَا يسير عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يضمن وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث إِن أقرعها ضمن مَا أَصَابَت برجلها وَإِن لم يقرعها لم يضمن وَيضمن مَا أَصَابَت بمقدمها
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن وهب قَالَ سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ يحدث عَن أبي قيس عَن هزيل بن شُرَحْبِيل
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا هزيل الْأَعْمَى روى عَنهُ الزُّهْرِيّ لقِيه بِالْكُوفَةِ وهزيل كُوفِي وَهُوَ يذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبِئْر جَبَّار والمعدن جَبَّار والعجماء جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس
وروى أَحْمد بن الْمِقْدَام عَن زِيَاد بن عبيد الله البكائي قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي قيس عَن هزيل بن شُرَحْبِيل عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ العجماء جَبَّار والبئر جَبَّار وَالرجل جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس

(5/151)


وَقد روى عباد بن الْعَوام عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل جَبَّار
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ عَن سُفْيَان بن حُسَيْن بِإِسْنَادِهِ مثله
وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّار جَبَّار
قَالَ لنا أَحْمد بن أبي عمرَان سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول أَصله الرجل جَبَّار وَلكنه صحف
وَرُوِيَ عَن شُرَيْح أَنه أبطل النفح بِالرجلِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يُمكنهُ التحفظ من الرجل والذنب فَهُوَ جَبَّار ويمكنه التحفظ من الْيَد والفم فَعَلَيهِ ضَمَانه
2267 - فِي الفارسين يصطدمان

قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ فِي الفارسين يصطدمان فيموتان فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة الآخر على عَاقِلَته

(5/152)


وَقَالَ عُثْمَان البتي وَزفر وَالشَّافِعِيّ على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة صَاحبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِيمَن وضع حجرا فِي الطَّرِيق أَو بنى حَائِطا فصدم الْحَائِط أَو عثر بِالْحجرِ رجل إِن ضَمَانه على الْبَانِي وَوَاضِع الْحجر وَلَا يسْقط عَنهُ شَيْء من أجل أَن الصدم فعله كَذَلِك المصطدمان
2268 - فِي اخْتِلَاف حَال الرَّمْي والوقوع

قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن رمى مُسلما فَارْتَد المرمى ثمَّ وَقع بِهِ السهْم فَقتله فَالدِّيَة على الرَّامِي لوَرَثَة الْمُرْتَد
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن رَمَاه وَهُوَ مُرْتَد فَوَقع بِهِ السِّهَام بعد مَا أسلم فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي قَوْلهم جَمِيعًا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَلَو رمى عبدا فَأعتق ثمَّ وَقع السهْم بِهِ فَمَاتَ فعلى الرَّامِي قيمَة العَبْد للْمولى
وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ مَا بَين قِيمَته مرمي إِلَى غير مرمي
وَقَالَ زفر إِذا رَمَاه وَهُوَ مُرْتَد ثمَّ أسلم ثمَّ وَقع بِهِ السهْم وَهُوَ مُسلم فعلى الرَّامِي الدِّيَة قَالَ وَلَو رمى عبدا فَأعتق ثمَّ وَقع بِهِ السهْم فَعَلَيهِ الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَاعْتبر أَبُو حنيفَة حَال خُرُوج السهْم لَا مَا سواهُ وَاعْتبر زفر حَال وُقُوعه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد اعْتبر الْحَالين دون أَحدهمَا على الإنفراد
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا رَمَاه وَهُوَ نَصْرَانِيّ ثمَّ وَقع بِهِ وَهُوَ مُسلم

(5/153)


أَو عبد فَأعتق ثمَّ وَقع السهْم بِهِ فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَفِيه دِيَة حر مُسلم وَكَذَلِكَ الْمُرْتَد يسلم قبل وُقُوع السهْم فتحول الْحَال قبل وُقُوع الرَّمية
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول أبي حنيفَة فِي مراعاته خُرُوج السهْم دون غَيره يفْسد لِأَنَّهُ يلْزمه أَن يَقُول لَو رمى عبدا فَمَاتَ قبل وُقُوع السهْم بِهِ ثمَّ وَقع بِهِ السهْم وَهُوَ ميت أَنه يلْزمه قِيمَته وَهَذَا لَا يَقُوله أحد وَيلْزمهُ أَن يَقُول لَو أعْتقهُ مَوْلَاهُ قبل وُقُوع السهْم ثمَّ مَاتَ أَبوهُ وَخلف مَالا ثمَّ وَقع بِهِ السهْم فَقتله أَن لَا يورثه من أَبِيه اسْتَحَالَ أَن يَجعله فِي حكم الْمَقْتُول قبل ذَلِك على ملك مَوْلَاهُ وَلما بَطل هَذَا ثمَّ وجدنَا الرَّامِي قد يَمُوت قبل وُقُوع السهْم بالمرمى ثمَّ يَقع بِهِ السهْم فيقتله فَيكون قَاتلا لَهُ بَطل أَن يكون الرَّامِي كالمباشر للْقَتْل بِالرَّمْي لِأَن الْمَيِّت لَا يَصح مِنْهُ مُبَاشرَة الْقَتْل فَبَطل قَول زفر أَيْضا إِنَّه إِذا أسلم الْمُرْتَد المرمى ثمَّ وَقع بِهِ السهْم أَنه يضمن وَثَبت مَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد من اعْتِبَار حَال المرمى فِي وَقت خُرُوج السهْم وَفِي وَقت وُقُوعه
قَالَ وَقَول الشَّافِعِي فِي ذَلِك مُضْطَرب لِأَنَّهُ رَاعى فِي الْقصاص خُرُوج السهْم من يَد الرَّامِي وراعى فِيمَا أوجب بِوُقُوع السهْم حكم المرمى فَالْوَاجِب أَن لَا يَجْعَل فِيهِ دِيَة حر إِذا كَانَ قد رَمَاه وَهُوَ عبد وَأَن لَا يَجْعَل فِيهِ دِيَة مُسلم إِذا كَانَ رَمَاه وَهُوَ غير مُسلم
2269 - فِي الْعَفو عَمَّا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح من الدَّم

قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يقتل عمدا فيصالحه على الدِّيَة ويعفيه من الْقَتْل إِن هُوَ مَاتَ ثمَّ يبدوا لَهُ فَيَضَع تِلْكَ الدِّيَة لما يَرْجُو من الثَّوَاب فَذَلِك جَائِز وَلَا يتبع مِنْهُ بِشَيْء
قَالَ اللَّيْث وَإِن وضع نصفهَا أَو ثلثهَا أَو مَا كَانَ مِنْهَا مَا لم يَضَعهَا كلهَا فَإِن مَا وضع من ذَلِك لَا يجوز إِلَّا فِي ثلثه بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة

(5/154)


قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على أَن وَضعه كَذَلِك كَانَ وَهُوَ صَاحب فرَاش وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم فِي وَضعه جَمِيع الدِّيَة بعد الصُّلْح وَبَعْدَمَا صَار مَالا ثمَّ فرق بَينهمَا وَبَين وضع النَّقْص
2270 - فِي ديات أهل الْكفْر

قَالَ أَصْحَابنَا وَعُثْمَان البتي وَالْحسن بن حَيّ دِيَة الْكَافِر مثل دِيَة الْمُسلم واليهودي وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي والمعاهد وَالذِّمِّيّ سَوَاء
وَقَالَ مَالك دِيَة أهل الْكتاب على النّصْف من دِيَة الْمُسلم ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم وديات نِسَائِهِم على النّصْف من ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث الدِّيَة ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة وَالْمَرْأَة على النّصْف
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا الْوَهْبِي قَالَ حَدثنَا ابْن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ لما دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة عَام الْفَتْح قَالَ فِي خطبَته دِيَة الْكفَّار نصف دِيَة الْمُسلم
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم ترو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دِيَة الْكَافِر أَنَّهَا النّصْف أَعلَى

(5/155)


من هَذَا الحَدِيث وَلَيْسَ كل أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يقبلُونَ هَذَا الْإِسْنَاد وَلَا يحتجون بِهِ
وَرُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة ألف ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم
قَالَ سعيد وَقضى عُثْمَان فِي دِيَة الْمعَاهد بأَرْبعَة ألف
وروى الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن مُسلما قتل كَافِرًا من أهل الْعَهْد فَقضى عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان بدية الْمُسلم
وروى عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب قَالَ كَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان يجْعَلُونَ دِيَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِذا كَانُوا معاهدين مثل دِيَة الْمُسلم سَوَاء
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم وَإِن تعرض عَنْهُم فَلَنْ يضروك شَيْئا وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} الْمَائِدَة 42
قَالَ نزلت فِي الدِّيَة بَين بني قُرَيْظَة وَبَين بني النَّضِير وَذَلِكَ أَن قَتْلَى بني النَّضِير كَانَ لَهُم شرف يودون الدِّيَة كَامِلَة وَبني قُرَيْظَة كَانُوا يودون نصف الدِّيَة فَتَحَاكَمُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم فحملهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحق فَجعل الدِّيَة سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن جِهَة النّظر أَن الله تَعَالَى قَالَ {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة}

(5/156)


النِّسَاء 92 كَمَا قَالَ {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} فَذكر الدِّيَة فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالْكَفَّارَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَفَّارَة فيهمَا وَاحِد كَذَلِك الدِّيَة فتأول مَالك على أَن المقتولين فِي هَذِه الْآيَة مُؤمنُونَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أول هَذِه الْآيَة {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} ثمَّ قَالَ {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق} أَي إِن كَانَ ذَلِك الْمُؤمن من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق وَالْحجّة عَلَيْهِ أَن الله تَعَالَى قد قَالَ فِي هَذِه الْآيَة وَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَدلَّ ذَلِك على أَنه تَعَالَى لم يعطفه على مَا تقدم من قَوْله {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ لأغنى ذَلِك عَن وَصفه بِالْإِيمَان وَكَذَلِكَ قَوْله {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق} غير مُضْمر فِيهِ الْمُؤمن الَّذِي تقدم ذكره لِأَن قَوْله وَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن هُوَ الَّذِي يَلِي قَوْله {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} فَإِذا لم يكن مَا يَلِيهِ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَمَا بعده أولى بذلك فَثَبت أَن دِيَة الْمُسلم وَالْكَافِر سَوَاء
وَرُوِيَ عَن عَلْقَمَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَمُجاهد وَعَطَاء وَالزهْرِيّ
2271 - فِي قتل الْمُؤمن بالكافر

قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي يقتل الْمُسلم بالذمي
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يقتل

(5/157)


وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِن قَتله غيلَة قتل بِهِ وَإِلَّا لم يقتل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى الشّعبِيّ عَن أبي جُحَيْفَة عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده
وَهَذَا هُوَ الْكَافِر الَّذِي لَا يقتل بِهِ ذُو الْعَهْد وَهُوَ الْحَرْبِيّ وَلَا يجوز أَن يحمل على أَن الْعَهْد قد حقن دَمه فَلَا يقتل بِهِ لبُطْلَان فَائِدَته إِذْ قد علم أَن الْإِسْلَام والعهد يحقنان الدَّم
وروى الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ لما قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَاجْتمع الْمُهَاجِرُونَ وَأمر عُثْمَان بقتل عبيد الله وَكَانَ فَرح للنَّاس مَعَ عبيد الله يَقُولُونَ لجفينة والهرمزان أبعدهُمَا الله فَلم يقل الْمُهَاجِرُونَ إِنَّمَا يَأْمُرهُ بقتْله الهرمزان لَا لجفينة
فَدلَّ على أَن تَأْوِيل قَوْله لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا
وروى شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن النزال بن سُبْرَة أَن عمر كتب أَن يقتل رجل من الْمُسلمين بِرَجُل من الْكفَّار فَجعلُوا يَقُولُونَ اقْتُل حنين فَيَقُول حَتَّى يَجِيء القبط فَكتب عمر أَن يودي وَلَا يقتل
فقد رأى عمر قتل الْمُسلم بالكافر وَإِنَّمَا أَمر بعد ذَلِك أَن يودي لِأَن الرجل قَالَ حَتَّى يَجِيء القبط فَجعل ذَلِك شُبْهَة فِي دَرْء الْقود
وَقد روى سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي أَن

(5/158)


النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِرَجُل من الْمُسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذِّمَّة فَضرب عقنه وَقَالَ أَنا أولى من وفى بِذِمَّتِهِ
وروى معمر عَن عَمْرو بن مَيْمُون أَن عمر بن عبد الْعَزِيز فعل ذَلِك وَمن جِهَة النّظر أَنه كَمَا تقطع فِي السّرقَة مِنْهُ كَذَلِك فِي الْقَتْل يُقَاد مِنْهُ كَالْمُسلمِ بل أَمر الذِّمِّيّ فِي هَذَا أغْلظ لِأَن العَبْد لَا تقطع فِي مَال مَوْلَاهُ وَيقتل بِهِ
وَاحْتج الشَّافِعِي بِأَنَّهُ لَا خلاف أَنه لَا يقتل بالحربي الْمُسْتَأْمن كَذَلِك لَا يقتل بالذمي وهما فِي تَحْرِيم الْقَتْل سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ مَا ذكره الشَّافِعِي إِجْمَاع لِأَن أَحْمد بن أبي عمرَان وجعفر بن أَحْمد قد حدثانا قَالَا حَدثنَا بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ يقتل الْمُسلم بالحربي الْمُسْتَأْمن
2272 - فِي الْقصاص بَين الرجل وَالنِّسَاء

قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه وَابْن شبْرمَة لَا قصاص بَين الرجل وَالنِّسَاء إِلَّا فِي النَّفس
وَرُوِيَ عَن ابْن شبْرمَة رِوَايَة أُخْرَى أَن بَينهم قصاصا فِيمَا دون النَّفس
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ

(5/159)


الْقصاص فِيمَا بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي النَّفس وَمَا دونهَا إِلَّا أَن اللَّيْث قَالَ إِذا جنى الرجل على امْرَأَته عقلهَا وَلم يقْتَصّ بِهِ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قتلت امْرَأَة رجلا قتلت وَأخذ من مَالهَا نصف الدِّيَة وَكَذَلِكَ إِن أَصَابَته بجراحة وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي قَتلهَا أَو جرحها فَعَلَيهِ الْقود وَلَا يرد عَلَيْهَا شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ بَينهم الْقصاص فِي النَّفس وَجب فِيمَا دونهَا وَأَن لَا يعْتَبر اخْتِلَاف الدِّيات
2273 - فِي الْقصاص بَين العبيد

قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ لَا قصاص بَين العبيد إِلَّا فِي الْأَنْفس خَاصَّة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَا قصاص بَين العبيد
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ الْقصاص بَينهم وَاجِب فِي النَّفس وَمَا دونهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى قَتَادَة عَن أبي نَضرة عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن عبدا لقوم فُقَرَاء قطع إِذن عبد لقوم أَغْنِيَاء فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا قوم فُقَرَاء فَلم يقصه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فاستعملنا الْحَدِيثين أَحدهمَا فِي النَّفس وَالْآخر فِيمَا دونهَا
فَإِن قيل إِنَّمَا لم يُوجب الْقصاص فِي إِذن العَبْد لِأَن موَالِيه كَانُوا فُقَرَاء

(5/160)


قيل لَهُم لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليفعل ذَلِك وَلَا يخص فَقِيرا من غنى مَعَ قَول الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم أَو الْوَالِدين والأقربين إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما} النِّسَاء 135
فَثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقْتَصّ مِنْهُ لِأَن ذَلِك لم يكن وَاجِبا
وَرُوِيَ عَن الحكم أَنه لَا يقْتَصّ من العَبْد للْعَبد إِلَّا فِي النَّفس
وَقَالَ الْحسن فِي المماليك الْقصاص بَينهم فِي الْجِرَاحَات
وَقَالَ إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ لَا قصاص بَينهم فِي الْجِرَاحَات وَهُوَ قَول إِيَاس بن مُعَاوِيَة
2274 - فِي الْقصاص بَين العبيد والأحرار

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا قصاص بَين الْأَحْرَار وَالْعَبِيد إِلَّا فِي النَّفس
وَقَالَ ابْن أبي ليلى الْقصاص بَينهم فِي جَمِيع الْجِرَاحَات الَّتِي يُسْتَطَاع فِيهَا الْقصاص
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَيْسَ بَين الْحر وَالْعَبْد قَود فِي شَيْء من الْجراح وَالْعَبْد يقتل بِالْحرِّ وَلَا يقتل الْحر بِالْعَبدِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ العَبْد هُوَ الْجَانِي اقْتصّ مِنْهُ وَلَا يقْتَصّ من الْحر للْعَبد
وَقَالَ الشَّافِعِي من جرى عَلَيْهِ الْقصاص فِي النَّفس جرى عَلَيْهِ الْقصاص فِي الْجراح
وَقَالَ اللَّيْث أَيْضا إِذا قتل العَبْد الْحر فلولي الْمَقْتُول أَن يَأْخُذ بهَا

(5/161)


نفس العَبْد الْقَاتِل فَيكون لَهُ وَإِذا جنى على الْحر فِيمَا دون النَّفس فللمجروح الْقصاص إِن شَاءَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَإِيجَاب اللَّيْث الْخِيَار لنُقْصَان العَبْد على الْحر لَا معنى لَهُ لِأَن الْمَرْأَة نَاقِصَة عَن الرجل وَهُوَ لَا يُوجب خيارا
2275 - فِي الذِّمِّيّ يجني على الْمُسلم

قَالَ أَصْحَابنَا الْقصاص مِمَّا بَين الْمُسلم وَالْكَافِر كَمَا هُوَ بَين الْمُسلمين
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكر عَنهُ ابْن وهب لَا يقْتَصّ للْحرّ من العَبْد وَلَا من النَّصْرَانِي فِي شَيْء من الْجراح إِلَّا فِي النَّفس
وَذكر ابْن عبد الحكم عَن مَالك قَالَ إِذا فَقَأَ نَصْرَانِيّ عين مُسلم عمدا اجْتهد فِي ذَلِك السُّلْطَان وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَة العَبْد لِأَن العَبْد يُؤْخَذ أَحْيَانًا رَقِيقا فِي ذَلِك وَقد قيل لَهُ الدِّيَة وَلَا قَود بَينهمَا إِلَّا أَن يقتل الذِّمِّيّ مُسلما فَيقْتل بِهِ وَكَذَلِكَ العَبْد
وَقَالَ اللَّيْث يقْتَصّ لِلْمُؤمنِ من الْكَافِر فِي الْعمد وَلَا يقْتَصّ للْكَافِرِ من الْمُؤمن وَيكون عَلَيْهِ الْعقل
وَقَالَ الشَّافِعِي يقْتَصّ من العَبْد وَالنَّصْرَانِيّ للْحرّ الْمُسلم فِي الْجراح
2276 - فِي غصب الصَّبِي الْحر

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَن غصب صَبيا حرا فَمَاتَ عِنْده بحمى أَو فجاءة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن أَصَابَته صَاعِقَة أَو نهشته حَيَّة فعلى عَاقِلَة الْغَاصِب

(5/162)


وَسمعت ابْن أبي عمرَان يَقُول كَانَ زفر يَقُول لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا حمل صَبيا على دَابَّة يسقيها أَو يمْسِكهَا فوطئت الدَّابَّة رجلا فَقتلته فَالدِّيَة على عَاقِلَة الصَّبِي وَلَا يرجع على عَاقِلَة الرجل
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَنه لَا يضمن الصَّبِي لِأَنَّهُ لَو ضمنه لرجع عَلَيْهِ بِمَا يحدث عَلَيْهِ فِي يَده لِأَن أَبَا حنيفَة وَأَصْحَابه الَّذين يضمنُون الصَّبِي بِالْغَصْبِ من حَادث عَلَيْهِ فِي يَده مِمَّا يُمكن أَن يتحفظ مِنْهُ يوجبون فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لعاقلة الصَّبِي أَن يرجع على عَاقِلَة الْغَاصِب
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذْ أرسل رجل صَبيا فِي حَاجَة فجنى الصَّبِي فَلَيْسَ على الْمُرْسل شَيْء وَهُوَ على الصَّبِي وَإِذا أرسل مَمْلُوكا فجنى جِنَايَة فعلى الْمُرْسل
وروى الْمعَافى عَن الثَّوْريّ وَمن يسْتَعْمل أَجِيرا صَغِيرا فِي حَاجَة فَأَكله الذِّئْب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن اسْتعْمل أَجِيرا فِي عمل شَدِيد فَمَاتَ مِنْهُ فَإِن كَانَ صَغِيرا ضمن وَإِن كَانَ كَبِيرا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَكَانَ الْحسن بن حَيّ لَا يرى بَأْسا أَن يستعير الرجل مَمْلُوكا يَقُول اسْقِنِي مَاء وناولني وضُوءًا وَالصَّبِيّ كَذَلِك وَإِن كَانَ غَنِيا عَن ذَلِك ضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو صَاح رجل بصبي أَو معتوه فَسقط من صيحته ضمن قَالَ أَبُو جَعْفَر فَإِذا ضمنه بسقوطه من صيحته بِغَيْر وُقُوع يَده عَلَيْهِ فَإِذا عطب من قبل ذَلِك بعد وُقُوع يَده عَلَيْهِ أَحْرَى أَن يضمنهُ

(5/163)


قَالَ أَبُو جَعْفَر ضَمَان الْغَصْب لَا يخْتَلف بِأَن يَمُوت حتف أَنفه أَو بحادث من غَيره فَلَمَّا لم يضمن للصَّبِيّ بِمَوْتِهِ حتف أَنفه وَجب أَن لَا يضمن بحادث من غَيره
2271 - م زِيَادَة فِي قتل الْمُؤمن بالكافر

قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ غير ناف تكافؤ دِمَاء الْمُسلمين ودماؤهم لِأَنَّهُ قد يُضَاف الْأَمر إِلَى الْمُسلمين وَيدخل أهل الذِّمَّة فِيهِ فَالْمَعْنى كَمَا قَالَ هَذِه طرق الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة وهم سَوَاء
وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يحل لَهُ من مَاله إِلَّا مَا حل لَهُ من نَفسه
وَأهل الذِّمَّة داخلون فِي حظر الدِّمَاء وَالْأَمْوَال
قَالَ أَبُو بكر كَقَوْلِه لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا بِطيبَة من نَفسه وَالذِّمِّيّ كَذَلِك
2277 - فِيمَا يحدث فِي الطَّرِيق والفناء

قَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ أَن يحدث فِي الطَّرِيق الْأَعْظَم كنيفا أَو ميزابا أَو ظلة أَو دكانا وَينْتَفع بِهِ مَا لم يضر بِالْمُسْلِمين وللرجل من عرض النَّاس أَن يُبطلهُ وَإِن كَانَ يضر بِالطَّرِيقِ لم يَسعهُ الِانْتِفَاع بِهِ وَهُوَ ضَامِن لما أصَاب

(5/164)


فِي ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إِلَّا أَن يكون بالوعة أَمرهم السُّلْطَان أَن يحفروها فَلَا يضمنُون فَإِن حفروها بِغَيْر إِذن السُّلْطَان ضمنُوا وَله أَن يحْفر ذَلِك فِي الْمَفَازَة وَيَبْنِي وَلَا يضمن
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى مَا لَا يضر بِالطَّرِيقِ من ذَلِك لَا أقلعه وَيضمن عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد مَا عطب بِهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَهُ أَن يحدث فِي الطَّرِيق مر الْمَطَر والمرحاض بحفرة إِلَى جَانب حَائِطه والميزاب والظلة وَلَا يضمن مَا عطب بذلك وَمَا حفره فِي الطّرق مِمَّا لَا يجوز لَهُ ضمن مَا عطب بِهِ
قَالَ مَالك وَإِن حفرهَا فِي دَاره لسارق يرصده ليَقَع فِيهَا أَو وضع حِبَالًا أَو شَيْئا يتلفه فَعَطب بِهِ السَّارِق فَهُوَ ضَامِن وَكَذَلِكَ إِن عطب بِهِ غير السَّارِق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من أحدث فِي الطَّرِيق حَدثا من نضح أَو مَاء اَوْ حجر أَو شَيْء أخرجه من دَاره فِي الطَّرِيق من ظله أَو جنَاح فَهُوَ ضَامِن لما عطب بِهِ من ذَلِك إِذا عطب بالجناح وَهُوَ قَائِم فِي مَوْضِعه فَإِن انْقَطع فَأصَاب شَيْئا ضمن مِنْهُ مِقْدَار مَا كَانَ خَارِجا وَلم يضمن حِصَّة مَا كَانَ فِي حَائِطه مِنْهُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن أخرج كنيفا أَو جذعا على الطَّرِيق فأعنت أحدا ضمن ذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث فِي رجل ربط بَعِيرًا أَو دَابَّة على طَرِيق فعقرت فِي رباطها أَو أفلتت فَإِن كَانَ ذَلِك من شَأْنهَا مَعْلُوما فَعَسَى أَن يضمن وَإِن كَانَ شَيْئا لم يكن مِنْهَا فِيمَا خلا فَلَا أرى عَلَيْهِ شَيْئا

(5/165)


قَالَ وَإِن أخرج عودا أَو حجرا أَو خَشَبَة من جِدَاره فَمر بهَا إِنْسَان فجرحته أَو قتلته فَإِن كَانَ ذَلِك لَا يعرف من صنع النَّاس ضمن
قَالَ وَإِن حفر بِئْرا فِي دَاره أَو فِي طَرِيق أَو فِي رحبة لَهُ فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَإِنَّهُ لَا يضمن مَا حفر فِي دَاره أَو فِي رحبة لَهُ لَا حق لأحد فِيهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِيمَا يتَّخذ النَّاس من الساباطات والكنف إِذا لم يكن مِنْهَا ضَرَر فِي أطلام أَو حمولة فَإِنَّهَا تتْرك فَإِن أَبى رجل وَاحِد أَن يرضى قَالَ هَذَا مضار فَإِن كَانَ جماع رددتهم حَتَّى يصطلحوا قَالَ والدكاكين أَهْون من الساباطات يتكأ عَلَيْهَا وَيُوضَع عَلَيْهَا الْحمل وَإِن جنت ضمن
وَقَالَ فِي الكرابيس الَّتِي تتَّخذ فِي الطَّرِيقَة وَقد أحكمت أفواهها فَلهم أَن يمنعوهم
قَالَ الشَّافِعِي فِي وَاضع الْحجر فِي الأَرْض لَا يملكهَا يضمن مَا عطب بِهِ قَالَ وَلَو حفر فِي صحراء أَو فِي طَرِيق وَاسع مُحْتَمل فَمَاتَ بِهِ إِنْسَان أَو مَال

(5/166)


حَائِط من دَاره فَوَقع على إِنْسَان فَمَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَضعه فِي ملكه وَإِن كَانَ قد أشهد عَلَيْهِ وَإِن أخرج جنَاحا إِلَى الطَّرِيق فَإِن لم يضر ترك وَإِن أضرّ قلع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه يضمن فِيمَا لَيْسَ لَهُ أَن يحدثه وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَا لَهُ أَن يحدثه فِي غير ملكه وَجَوَاز إحداثه لَا يُبرئهُ من الضَّمَان كراكب الدَّابَّة يضمن مَا عطب بِهِ وَإِن كَانَ لَهُ أَن يسير
2278 - فِي جِنَايَة الْكَلْب

قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْكَلْب يَجعله الْإِنْسَان فِي دَاره فَيدْخل دَاخل فيعقره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ فِي الْكَلْب الْعَقُور إِذا كَانَ فِي الدَّار أَو فِي غير الدَّار فَتقدم إِلَى صَاحبه فَهُوَ ضَامِن لما عقر
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَإِنَّمَا يعْتَبر ملك الْمُقدم فِي الْموضع الَّذِي يجوز لَهُ اتِّخَاذه وَلَيْسَ كَذَلِك لما يَتَّخِذهُ فِي الدّور وَمَا أشبههَا مِمَّا لَا يجوز اتِّخَاذه فِيهَا
وَذكر الْوَاقِدِيّ عَن مَالك وَابْن أبي ذِئْب فِي الرجل يدْخل فِي دَار قوم وَلَهُم كلب عقور فيعقره أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ مربوطا كَانَ أَو غير مربوط
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي رجل اقتنى كَلْبا فِي دَاره لماشية فعقر الْكَلْب إنْسَانا أَنه إِذا اقتناه وَقد علم انه يعقر النَّاس فَهُوَ ضَامِن لما أصَاب

(5/167)


قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَن من وضع فِي دَاره حجرا فَعَطب بِهِ إِنْسَان أَنه لَا يضمن لِأَنَّهُ فِي ملكه كَذَلِك الْكَلْب
وَقد رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اتِّخَاذ الْكَلْب للماشية فَكيف يضمن مَعَ إِبَاحَته لَهُ
2279 - فِي الْحَائِط المائل

قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْحَائِط المائل إِذا اشْهَدْ عَلَيْهِ فَلم يهدمه حَتَّى وَقع على إِنْسَان أَو دَابَّة ضمن وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ لم يضمن وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يضمن أشهد عَلَيْهِ أَو لم يشْهد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يضمن أشهد عَلَيْهِ أَو لم يشْهد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَنه لَو جعل دَابَّة فِي ملكه فَخرج إِلَى غير ملكه فَقتل وأفسد أَن صَاحبه لَا يضمن أشهد عَلَيْهِ أَو لم يشْهد كَذَلِك الْقيَاس فِي الْحَائِط لِأَنَّهُ وَضعه فِي ملكه وميله لَيْسَ من فعله إِلَّا أَن أَصْحَابنَا تركُوا الْقيَاس لما رُوِيَ عَن جمَاعَة من التَّابِعين أَنه يضمن إِذا أشهد عَلَيْهِ مِنْهُم شُرَيْح وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم

(5/168)


2280 - فِيمَن صَاح بِرَجُل من جِدَار فَوَقع

قَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ أَبُو حنيفَة وَسَائِر أَصْحَابه يَقُولُونَ لَا ضَمَان على الصائح وَلَا مُخَالف لَهُم فِي ذَلِك غير اللَّيْث فَإِنَّهُ قَالَ من كَانَ على جِدَار أَو قصر أَو خَشَبَة فَقَالَ لَهُ رجلا آخر إياك أَن تسْقط فَسقط فَمَاتَ أَو انْكَسَرَ إِن كَانَ إِنَّمَا تَأَخّر بأَمْره جعلت الدِّيَة على عَاقِلَته
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره وَلَو صَاح رجل فَسقط عَن حَائِط لم أر عَلَيْهِ شَيْئا وَلَو كَانَ صَبيا أَو معتوها فَسقط من صيحته ضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجِنَايَات إِنَّمَا تكون إِمَّا بِمُبَاشَرَة الْقَتْل أَو بِسَبَب يتَّصل بالمجني عَلَيْهِ كالرمي وَنَحْوه والصياح لَيْسَ بِجِنَايَة من الصائح إِنَّمَا هُوَ ارتياع من الَّذِي صِيحَ بِهِ لَا فعل للصائح فِيهِ فَلم يكن الصائح جانيا وَلَو كَانَ هَذَا ارتاع من غير صياح مِنْهُ بِهِ لم يضمن هَذَا شَيْئا كَذَلِك إِذا ارتاع من صياحه لِأَن الارتياع لَيْسَ هُوَ فعلا من الصائح أحدثه فِي المرتاع
2281 - فِي أَخذ الدِّيَة من قَاتل الْعمد

قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة وَالْحسن بن حَيّ لَيْسَ لوَلِيّ الْمَقْتُول عمدا إِلَّا الْقصاص وَلَا يَأْخُذ الدِّيَة إِلَّا بِرِضا الْقَاتِل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ هُوَ بِالْخِيَارِ بَين الْقصاص وَبَين أَخذ الدِّيَة وَإِن لم يرض الْقَاتِل
وَقَالَ الشَّافِعِي وَإِن عَفا الْمُفلس عَن الْقصاص جَازَ وَلم يكن لأهل

(5/169)


الْوَصَايَا وَالدّين مَنعه لِأَن المَال لَا يملك بالعمد إِلَّا بِمَشِيئَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِن كَانَ حَيا وبمشيئة الْوَرَثَة إِن كَانَ مَيتا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} إِلَى قَوْله {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء فاتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان} الْبَقَرَة 178
فَقَالَ من خَيره بَين الْقصاص وَبَين الدِّيَة أَن الْآيَة قد اقْتَضَت ذَلِك شَاءَ الْقَاتِل أَو أَبى
فَيُقَال لَهُم قد روى عَمْرو بن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْقصاص فِي بني إِسْرَائِيل وَلم يكن فيهم دِيَة فَقَالَ الله تَعَالَى لهَذِهِ الْأمة {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} إِلَى قَوْله {فَمن عُفيَ لَهُ} فالعفو فِي أَن يقبل الدِّيَة فِي الْعمد ذَلِك تَخْفيف من ربكُم مِمَّا كَانَ كتب على من كَانَ قبلكُمْ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا ابْن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ عَن سُلَيْمَان بن كثير قَالَا حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل فِي عميا أَو رميا يكون بَينهم بِحجر أَو سَوط أَو بعصا فعقله عقل خطأ وَمن قتل عمدا فقود يَده وَمن حَال بَينه وَبَينه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا
فَإِن قيل قد روى ابْن عُيَيْنَة هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو عَن طَاوس مَوْقُوفا عَلَيْهِ لم يذكر فِيهِ ابْن عَبَّاس وَلَا رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله عَلَيْهِ وَسلم

(5/170)


قيل لَهُ قد كَانَ ابْن عُيَيْنَة حدث بِهِ مرّة هَكَذَا وَمرَّة أُخْرَى حدث بِهِ كَمَا حدث بِهِ سُلَيْمَان بن كثير رَوَاهُ عَنهُ حوثرة بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ
وروى ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري قَالَ سمعة أَبَا شُرَيْح الكعبي يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته يَوْم فتح مَكَّة أَلا إِنَّكُم معشر خُزَاعَة قتلتم هَذَا الْقَتِيل من هُذَيْل وَإِنِّي عاقله فَمن قتل لَهُ بعد مَقَالَتي هَذِه قَتِيل فأهله بَين خيرتين بَين أَن يأخذو الْعقل وَبَين أَن يقتلوه
وَقد روى يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم فتح مَكَّة من قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين إِمَّا أَن يقتل وَإِمَّا أَن يودي
وَهَذَا على معنى الْإِبَاحَة لأخذ الْعقل إِذا رَضِي الْقَاتِل
وَقد روى مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس أَن عمته الرّبيع لطمت جَارِيَة فَكسرت ثنيتها فاختصموا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بِالْقصاصِ فطلبوا إِلَيْهِم الْعَفو فَأَبَوا أَو الْأَرْش فَأَبَوا إِلَّا الْقصاص فَقَالَ أنس بن النَّضر يَا رَسُول الله أتكسر ثنية الرّبيع لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا تكسر ثنيتها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أنس كتاب الله الْقصاص فَعَفَا الْقَوْم فَقَالَ

(5/171)


رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لَأَبَره فَأخْبر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن الَّذِي فِي كتاب الله هُوَ الْقصاص دون غَيره
وروى ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس أَن رجلا قتل رجلا فَدفعهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ولي الْمَقْتُول ثمَّ قَالَ اعْفُ عَنهُ فَأبى ثمَّ قَالَ فَخذ أرشا فَأبى فَقَالَ أما إِنَّك إِن قتلته كنت مثله فَمضى الرجل فَلحقه النَّاس فَقَالُوا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أما إِنَّك إِن قتلته كنت مثله فخلى سَبيله فَذهب إِلَى أَهله يجر نسعته
فَقَالَ لَهُ اعْفُ فَلَمَّا أَبى قَالَ لَهُ خُذ أرشا فَدلَّ على أَنه إِن عَفا لم يكن لَهُ أرش وَلَو كَانَ لَهُ أرش لما قَالَ لَهُ خُذ أرشا بعد أَن قَالَ اعْفُ إِذْ كَانَ عَفوه يُوجب الْأَرْش
فَإِن قيل إِنَّمَا لَزِمته الدِّيَة بِغَيْر رِضَاهُ لِأَن عَلَيْهِ إحْيَاء نَفسه
قيل لَهُ فَيَنْبَغِي أَن يلْزمه إِعْطَاء دَاره وَعَبده إِذا أَرَادَ ذَلِك ولي الْمَقْتُول لِأَن عَلَيْهِ إحْيَاء نَفسه
2282 - فِي الْكَفَّارَة فِي قتل الْعمد

قَالَ أَصْحَابنَا لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي قتل الْعمد
وَقَالَ مَالك يَصُوم شَهْرَيْن أَو يعْتق رَقَبَة ويتقرب إِلَى الله سُبْحَانَهُ بِمَا

(5/172)


اسْتَطَاعَ من خير فخيره بَين الصَّوْم وَالْعِتْق وَهَذَا يدل على أَنه لم يرهَا وَاجِبَة لِأَن آيَة الْقَتْل يَقْتَضِي التَّرْتِيب وَقَول اللَّيْث أَيْضا يدل على أَنه لم يرهَا وَاجِبَة
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَة كالمخطئ
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من أوجبهَا بِأَن الله سُبْحَانَهُ أوجبهَا فِي الْخَطَأ والعمد أولى بذلك
فَيُقَال لَهُ لم يُوجِبهَا فِي الْخَطَأ للمأثم حَتَّى يُقَاس عَلَيْهِ الْعمد لِأَن الْمُخطئ لَا مأثم عَلَيْهِ وَإِذا لم يكن مَوْضُوعَة للمأثم لم يسْقط بهَا المأثم عَن الْعَامِد فَلَا يجوز إِيجَابهَا عَلَيْهِ للمأثم
وَقد روى ابْن الْمُبَارك عَن إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة عَن العريف والعريف هُوَ عبد الله بن فَيْرُوز الديلمي تَابِعِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفر من بني سليم فَقَالُوا إِن صاحبا لنا أوجب قَالَ فليعتق رَقَبَة يفْدي الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار
وَاحْتج من أوجب الْكَفَّارَة فِي الْعمد بِهَذَا الحَدِيث
قيل لَهُ لم يذكر بِأَيّ شَيْء أوجب بقتل أَو غَيره فَلَا دلَالَة فِيهِ على مَا ذكرت وَيدل على أَنه لم يرد الْقَتْل أَنه لم يَأْمُرهُ بِرَقَبَة مُؤمنَة وَلم يقل إِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن فَدلَّ أَنه لم يرد الْكَفَّارَة وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بذلك

(5/173)


2283 - فِيمَا تجب فِيهِ الْكَفَّارَة

قَالَ أَصْحَابنَا لَا كَفَّارَة على السَّائِق والقائد وَلَا على حافر الْبِئْر وَوَاضِع الْحجر فِي الطَّرِيق وَالدية على عواقلهم وعَلى الرَّاكِب الْكَفَّارَة إِذا وطئ بِيَدِهِ أَو رجله وَمن لَا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة من هَؤُلَاءِ لَا يحرم الْمِيرَاث وَمن وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة مِنْهُم حرمه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن دفع إِلَى صبي دَابَّته ليمسكها أَو دفع إِلَيْهِ سِلَاحا فَعَطب الصَّبِي بذلك فعلى عَاقِلَة الدَّافِع الدِّيَة وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَنهُ وَمن أَمر غَيره بِضَرْب غُلَام لَهُ فَعَطب فعلَيْهِمَا الْكَفَّارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يَقْتَضِي إِيجَاب الْكَفَّارَة على حافر الْبِئْر وَنَحْوه قَالَ وَمذهب الشَّافِعِي أَيْضا يدل على مُوَافقَة مَالك فِي ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن مَا ذكرنَا من وَاضع الْحجر وَنَحْوه قَاتلا فِي الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا فعل للسبب من غير اتِّصَال ذَلِك فِي الْمَقْتُول من فعله لم تلْزمهُ كَفَّارَة فسائر مَا وَصفنَا من الرَّمْي وَوَطْء الرَّاكِب أَفعَال من هَؤُلَاءِ يتَّصل بالمقتول وَكَانَ قَاتلا لَزِمته الْكَفَّارَة

2284 - فِي الْجَنِين

قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل ضرب بطن امْرَأَة حرَّة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَلَا

(5/174)


كَفَّارَة فِيهِ وَعَلِيهِ الْغرَّة وَإِن وَقع حَيا ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْكَفَّارَة وَالدية وَقِيمَة الْغرَّة خَمْسمِائَة دِرْهَم وَهِي على الْعَاقِلَة فِي سنة وَهِي بَين وَرَثَة الْجَنِين على فَرَائض الله تَعَالَى وَلَو قتل الْأُم بالضربة ثمَّ خرج الْجَنِين بعد مَوتهَا مَيتا فَعَلَيهِ الدِّيَة فِي الْأُم وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْجَنِين وَالذكر وَالْأُنْثَى سَوَاء إِذا خرج مَيتا قبل موت الْأُم
وَقَالَ مَالك فِي الْجَنِين غرَّة عبد أَو أمة وَقِيمَته خَمْسُونَ دِينَارا أَو سِتّمائَة دِرْهَم وَهِي موروثة عَن الْجَنِين على فَرَائض الله تَعَالَى وعَلى الضَّارِب الْكَفَّارَة وَذَلِكَ إِذا خرج الْجَنِين مَيتا قبل موت الْمَيِّت فَإِن خرج مَيتا بعد موت الْأُم فَلَا شَيْء فِيهِ وَفِي الْأُم الدِّيَة قَالَ فَإِن خرج حَيا ثمَّ مَاتَ فَإِن اسْتهلّ صَارِخًا فَفِيهِ مَا فِي الْجَنِين
وَقَالَ مَالك فِي جَنِين الْيَهُودِيَّة والنصرانية عشر دِيَة أمه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ جَنِين ابْن النَّصْرَانِي خَمْسُونَ دِينَارا
وَقَالَ اللَّيْث دِيَة الْجَنِين لأمه وَحدهَا
وَرُوِيَ عَن ربيعَة وَالزهْرِيّ أَنَّهَا موروثة على فَرَائض الله تَعَالَى
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جَنِين الْحرَّة لمسلمة إِذا استبان شَيْء من خلقه وألقته مَيتا ففهي غرَّة عبد اَوْ أمة يُورث كَمَا لَو خرج حَيا ثمَّ مَاتَ وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَأَقل شَيْء الْغرَّة يَنْبَغِي أَن تكون سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقبلهَا مَعِيبَة وَلَا خَصيا رَوَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو ضرب بطن امْرَأَة ميتَة حَامِل فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا أَنه لَا شَيْء فِيهِ وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الضَّرْب فِي حَيَاتهَا ثمَّ مَاتَت ثمَّ

(5/175)


ألقته مَيتا فَبَطل بذلك قَول اللَّيْث وَقد قَالَ اللَّيْث أَنه لَو ضربهَا فَمَاتَتْ قبل والجنين فِي بَطنهَا وَلم يسْقط أَنه لَا شَيْء فِيهِ فَكَذَلِك إِذا أسقطت بعد مَوتهَا
وَأما الْكَفَّارَة فِي الْجَنِين فَإِن الله تَعَالَى قرن إِيجَاب الْكَفَّارَة بِوُجُوب الدِّيَة بقوله {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة} النِّسَاء 92 والجنين لَا دِيَة فِيهِ وَلَا كَفَّارَة فِيهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْغرَّة موروثة وَلَيْسَت بِمَنْزِلَة بدل عُضْو من أعضائها أَنا وجدنَا لَو قطع يَدهَا فَمَاتَتْ لدخلت الْيَد فِي النَّفس وَلَو أَلْقَت جَنِينا مَيتا ثمَّ مَاتَت من الضَّرْبَة وَجَبت الدِّيَة والغرة وَلم تدخل الْغرَّة فِي الدِّيَة فَدلَّ ذَلِك على أَنه مُنْفَرد بِحكمِهِ دون أمه فَوَجَبَ أَن تكون الْعِزَّة موروثة عَنهُ وَبَطل قَول من جعلهَا لأمه
2285 - فِي الْغرَّة على الْعَاقِلَة

قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ الْغرَّة على الْعَاقِلَة
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ هِيَ فِي مَال الْجَانِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأخبار تقدم ذكرهَا أَنه جعل الْغرَّة على الْعَاقِلَة
2286 - فِي جِنَايَة النَّصْرَانِي من يحملهَا

قَالَ أَصْحَابنَا فِي النَّصْرَانِي إِذا قتل مُسلما أَو ذِمِّيا فَإِن كَانَت لَهُ معاقل يتعاقلون فعلى عواقلهم وَإِن لم تكن لَهُم معاقل فَفِي مَال الْجَانِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي النَّصْرَانِي إِذا جنى جِنَايَة يحمل عَنهُ تِلْكَ

(5/176)


الْجِنَايَة أهل جزيته وهم أهل كورتة الَّذين خراجه مَعَهم وَكَذَلِكَ إِذا أصَاب أهل الذِّمَّة بَعضهم بَعْضًا وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَانَ الْجَانِي نوبيا فَلَا عقل على أحد من النّوبَة إِلَّا أَن يَكُونُوا يثبتون أنسابهم إِثْبَات أهل الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ كل رجل من قَبيلَة أَعْجَمِيَّة أَو لقبط أَو غَيره فَإِن لم يكن لَهُ وَلَاء يعلم فعلى الْمُسلمين لما بَينه وَبينهمْ من ولَايَة للدّين وَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَاله إِذا مَاتَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدِّيَة تلْزم الْجَانِي ويتحمله عَنهُ الْعَاقِلَة فَإِن كَانَ لأهل الذِّمَّة عواقل وَجب أَن يتحملها فَإِن تكن لَهُم عواقل فَفِي مَال الْمَقْتُول إِذا لم هُنَاكَ من يتحملها عَنهُ
2287 - فِي الْقسَامَة

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وجد قَتِيل فِي محلّة وَبِه شَرّ وَادّعى الْوَلِيّ على أهل الْمحلة أَنهم قَتَلُوهُ أَو على وَاحِد مِنْهُم بِعَيْنِه اسْتحْلف أهل الْمحلة خمسين رجلا بِاللَّه مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا يختارهم الْوَلِيّ فَإِن لم يبلغُوا خمسين كرر عَلَيْهِ الْأَيْمَان ثمَّ يغرمون الدِّيَة وَإِن نكلوا عَن الْيَمين حبسوا حَتَّى يقرُّوا أَو يحلفوا وَهُوَ قَول زفر

(5/177)


وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف إِذا أَبَوا أَن يقسموا تَركهم وَلم يحبسهم وَجعل الدِّيَة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين وَقَالُوا جَمِيعًا إِن ادّعى الْوَلِيّ على رجل من غير أهل الْمحلة فقد أَبْرَأ أهل الْمحلة وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِم
وَقَول الثَّوْريّ مثل قَول أبي حنيفَة إِلَّا أَن ابْن الْمُبَارك رُوِيَ عَنهُ أَنه إِذا ادّعى الْوَلِيّ على رجل بِعَيْنِه فقد أَبْرَأ الْمحلة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا ادّعى الْوَلِيّ على رجل بِعَيْنِه من أهل الْمحلة فقد برِئ أهل الْمحلة وَصَارَ دَمه هدرا إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة على ذَلِك الرجل
وَقَالَ عُثْمَان البتي يسْتَحْلف مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا ثمَّ لَا شَيْء عَلَيْهِم غير ذَلِك إِلَّا أَن تقوم الْبَيِّنَة على رجل بِعَيْنِه أَنه قَتله
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك الْقسَامَة لَا تجب إِلَّا بِأحد أَمريْن إِمَّا أَن يَقُول الْمَقْتُول دمي عِنْد فلَان أَو يَأْتِي وُلَاة الدَّم بلوث من بَيِّنَة وَإِن لم تكن قَاطِعَة على الَّذِي يدعى عَلَيْهِ الدَّم فَهَذَا مُوجب الْقِسْمَة لمُدعِي الدَّم على من ادعوهُ عَلَيْهِ فتبدأ بأيمان مدعي الدَّم فِي الْعمد وَالْخَطَأ فَيحلف من وُلَاة الدَّم خَمْسُونَ رجلا خمسين يَمِينا فَإِن قل عَددهمْ أَو نكل بَعضهم ردَّتْ الْأَيْمَان عَلَيْهِم إِلَّا أَن ينكل أحد من وُلَاة الْمَقْتُول الَّذين يجوز عفوهم فَلَا يقتل إِذا نكل وَاحِد مِنْهُم وَلَا ترد الْأَيْمَان على من بَقِي من وُلَاة الدَّم إِذا نكل وَاحِد مِنْهُم عَن الْأَيْمَان وَلَكِن إِذا كَانَ ذَلِك فَإِنَّمَا ترد الْأَيْمَان على الْمُدعى عَلَيْهِم الدَّم فَيحلف مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا خمسين يَمِينا فَإِن لم يبلغُوا خمسين رجلا ردَّتْ الْخَمْسُونَ الْيَمين على من حلف مِنْهُم فَإِن لم يُوجد أحد يحلف إِلَّا الَّذِي ادّعى عَلَيْهِ الدَّم حلف هُوَ خمسين يَمِينا
قَالَ وَلَا يقتل فِي الْقسَامَة إِلَّا وَاحِد لَا يقتل فِيهَا اثْنَان
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا شهد رجل عدل على الْقَاتِل أقسم رجلَانِ فَصَاعِدا خمسين يَمِينا

(5/178)


قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالشَّاهِد فِي الْقسَامَة إِنَّمَا هُوَ لوث لَيست بِشَهَادَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يسْتَحْلف من أهل الْقرْيَة خَمْسُونَ رجلا مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا فَإِن حلفوا استحقوا وَإِن نقصت قسامتهم أَو نكل رجل مِنْهُم لم يُعْطوا الدَّم وعقل قبيلتهم إِذا كَانَ بِحَضْرَة الَّذين ادّعى عَلَيْهِم فِي دِيَارهمْ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يحلف من كَانَ حَاضرا من أهل الْمحلة من سكان أَو ملاك خمسين يَمِينا مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا فَإِذا حلفوا كَانَ عَلَيْهِم الدِّيَة وَلَا يسْتَحْلف من كَانَ غَائِبا وَإِن كَانَ مَالِكًا وَسَوَاء كَانَ بِهِ أثر أَو لم يكن وَكَانَ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي وَأهل مَكَّة لَا يرَوْنَ الْقسَامَة
وَقَالَ اللَّيْث الَّذِي يُوجب الْقسَامَة أَن يقل الْمَقْتُول قبل مَوته فلَان قتلني أَو يَأْتِي من الصّبيان وَالنِّسَاء وَالنَّصَارَى وَمن يشبههم مِمَّن لَا يقطع بِشَهَادَتِهِ أَنهم رَأَوْا حِين قتل هَذَا فَإِن الْقسَامَة تكون مَعَ ذَاك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وجد الْقَتِيل فِي دَار قوم مَحْضَة أَو قَبيلَة وَكَانُوا أَعدَاء للمقتول وَادّعى أولياؤه قَتله فَلهم الْقسَامَة وَكَذَلِكَ الزحام إِذا لم يفترقوا حَتَّى وجدوا بَينهم قَتِيل أَو فِي نَاحيَة لَيْسَ إِلَى جنبه إِلَّا رجل وَاحِد أَو يَأْتِي عَنهُ مُتَفَرّقين من الْمُسلمين من نواح لم يجتمعوا فِيهَا يثبت كل وَاحِد مِنْهُم على الِانْفِرَاد على رجل أَنه قَتله فتتواطأ شهاداتهم وَلم يسمع بَعضهم بِشَهَادَة بعض وَإِن لم يَكُونُوا مِمَّن لم يعدلُوا أَو شهد عدل أَنه قَتله لِأَن كل سَبَب من هَذَا يغلب على عقل الْحَاكِم أَنه كَمَا ادّعى وليه فللولي أَن يقسم على الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة من أمكن أَن يكون فِي جملتم وَسَوَاء كَانَ بِهِ جرح أَو غَيره

(5/179)


لِأَنَّهُ قد يقتل بِمَا لَا أثر لَهُ وَإِن أنكر الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يكون فيهم لم يسمع الْوَلِيّ إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَا ينظر إِلَى دَعْوَى الْمَيِّت
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن ابْن أبي ليلى بن عبد الله عَن عبد الرَّحْمَن بن سهل عَن سهل بن أبي حثْمَة أَنه أخبرهُ رجال من كبراء قومه أَن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إِلَى خَبِير فَأتى محيصة فَأخْبر أَن عبد الله بن سهل قد قتل وَطرح فِي فَقير بِئْر أَو عين فَأتى يهود فَقَالَ لَهُم أَنْتُم وَالله قَتَلْتُمُوهُ فَقَالَ وَالله مَا قَتَلْنَاهُ فَأقبل حَتَّى قدم على قومه فَذكر لَهُم ذَلِك ثمَّ أقبل هُوَ وَأَخُوهُ حويصة وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَعبد الرَّحْمَن بن سهل فَذهب محيصة ليَتَكَلَّم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمحيصة كبر كبر يُرِيد السن فَتكلم حويصة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا أَن يدوا دِيَة صَاحبكُم وَإِمَّا أَن يؤذنوا بِحَرب فَكتب إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فَكَتَبُوا إِلَيْهِ إِنَّا وَالله مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحويصة ومحيصة وَعبد الرَّحْمَن أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم فَقَالُوا لَا قَالَ فَيحلف لكم يهود قَالُوا لَيْسُوا بمسلمين فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده فَبعث إِلَيْهِم بِمِائَة نَاقَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل للْيَهُود إِمَّا أَن تدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن تأذنوا بِحَرب من الله إِلَّا وَقد تحقق عِنْده قبل ذَلِك وجود الْقَتْل بِخَيْبَر فَدلَّ ذَلِك على وجوب الدِّيَة على الْيَهُود بِوُجُود الْقَتِيل بَينهم لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يؤذنوا بِحَرب إِلَّا بمنعهم حَقًا وَاجِبا عَلَيْهِم فَدلَّ على صِحَة قَول أَصْحَابنَا
وَقد رُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن عمر فِي قَتِيل وجد بَين حيين فَجعله عمر

(5/180)


رَضِي الله عَنهُ على أقربهما فأحلف مِنْهُم خمسين رجلا مَا قتلنَا وَلَا نعلم قَاتلا ثمَّ أغرمهم الدِّيَة فَقَالَ لَهُ الْحَارِث بن الأزمع نحلف وتغرمنا فَقَالَ نعم
وَاحْتج من قَالَ يبْدَأ المدعون فَيحلفُونَ فَإِذا حلفوا استحقوا دم صَاحبهمْ وَإِن لم يحلفوا حلف الْمُدعى عَلَيْهِم ويروا بِهَذَا الحَدِيث
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد روى عباد بن الْعَوام عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن بجيد قَالَ وَالله مَا كَانَ الحَدِيث كَمَا حدث سهل وَلَقَد أوهم إِنَّمَا كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل خيبرأن قَتِيلا وجد بَين أفنيتكم فدوه فَكَتَبُوا يحلفُونَ مَا قتلنَا فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَسمعت عَمْرو بن شُعَيْب فِي الْمَسْجِد الْحَرَام يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا كَانَ الحَدِيث كَمَا حدث سهل وَلَقَد أوهم وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى أهل خَيْبَر أَن قَتِيلا وجد بَين أفنيتكم فدوه أَو آذنوا بِحَرب فبعثوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحلفُونَ مَا قَتَلُوهُ فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالوهم فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْيَهُود إِمَّا أَن تدوا وَإِمَّا

(5/181)


أَن تأذنوا بِحَرب من الله وَفِي ذَلِك تَحْقِيق وجوب الدِّيَة على الْيَهُود وَلم يكن من أَوْلِيَاء الْقَتِيل قبل ذَلِك قسَامَة وَكَانَ محالا أَن يُقَال لأولياء الْقَتِيل أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم وهم قد كَانُوا مستحقين لَهُ قبل ذَلِك بِوُجُود الْقَتِيل فِي الْموضع
وَقد روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد سمع بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة وَذكر الْقِصَّة إِلَى أَن قَالَ محيصة إِنَّا وجدنَا عبد الله بن سهل قَتِيلا فِي قليب من قلب خَيْبَر وَذكر عَدَاوَة الْيَهُود لَهُم قَالَ فتبرئك يهود بِخَمْسِينَ يَمِينا أَنهم لم يقتلوه قَالَ وَكَيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون قَالَ فَيقسم مِنْكُم خَمْسُونَ أَنهم قَتَلُوهُ قَالَ كَيفَ نقسم على من لم نر فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده
وَرَوَاهُ مَالك عَن يحيى عَن بشير بن يسَار أَن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود خرجا إِلَى خَيْبَر وَذكر الْقِصَّة فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتحلفون خمسين يَمِينا وتستحقون دم صَاحبكُم أَو قاتلكم قَالُوا يَا رَسُول الله لم نشْهد وَلم نحضر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتبرئكم يهود بخمسي يَمِينا قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نقبل أَيْمَان كفار فَزعم بشير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وداه من عِنْده
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَأَ بأولياء الدَّم قَالَ أتحلفون
وروى أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا سعيد بن عبيد الله الطَّائِي عَن بشير بن يسَار أخبرهُ عَن سهل بن أبي حثْمَة أَن نَفرا من قومه انْطَلقُوا إِلَى خَيْبَر فوجدوا أحدهم قَتِيلا فَقَالُوا للَّذين وجدوه عِنْدهم قتلتم صاحبنا فَقَالُوا وَالله مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا قَالَ فَانْطَلقُوا إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا نَبِي الله انطلقنا إِلَى خَيْبَر فَوَجَدنَا أَحَدنَا قَتِيلا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكبر الْكبر فَقَالَ لَهُم تأتون

(5/182)


بِالْبَيِّنَةِ على من قتل قَالُوا مَا لنا بَيِّنَة قَالَ أفيحلفون لكم قَالُوا لَا نرضى بأيمان الْيَهُود فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبطل دَمه فوداه بِمِائَة من إبل الصَّدَقَة
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلب مِنْهُم الْبَيِّنَة فَلَمَّا أَخْبرُوهُ أَن لَا بَيِّنَة لَهُم قَالَ أيحلفون لكم وَلَيْسَ فِيهِ خلف من الْآثَار فَهَذَا أشبه وَأولى مِمَّا رُوِيَ على مَا ذَكرْنَاهُ دلّ كَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعطي النَّاس بدعاويهم لادعى نَاس دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ
وروى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي سَلمَة وَسليمَان بن يسَار عَن رجال من الْأَنْصَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْيَهُود بدأبهم يحلف مِنْكُم خَمْسُونَ فَأَبَوا فَقَالَ للْأَنْصَار استحقوا فَقَالُوا نحلف على الْغَيْب فَجَعلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِيَته على الْيَهُود وَلِأَنَّهُم وجد بَين أظهرهم
فَفِي هَذَا الحَدِيث قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْيَهُود يحلف مِنْكُم خَمْسُونَ وإبائهم لذَلِك وَقَوله للْأَنْصَار استحقوا وإبائهم ذَلِك وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك بدية ذَلِك الْقَتِيل على الْيَهُود لوُجُوده بَينهم
فَدلَّ على أَن الدِّيَة مُسْتَحقَّة بوجد الْقَتِيل وَهَذَا مَا فِي حَدِيث بشير بن يسَار وَهُوَ أولى مِنْهُ لِاسْتِقَامَةِ طَرِيقَته لِأَن بشير بن يسَار لَيْسَ كَأبي سَلمَة وَلَا كسليمان بن يسَار لَا سِيمَا وَقد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب مُوَافقَة ذَلِك
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث استحقوا قيل مَعْنَاهُ أَي استحقوا بِمَا يُوجب الِاسْتِحْقَاق دَمه وَهُوَ الْبَيِّنَة وَهُوَ الْقود لِأَن الْمُسْتَحق قبل الْبَيِّنَة هُوَ الدِّيَة

(5/183)


وَقد روى الْحسن عَن الْأَحْنَف ان عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ اشْترط على أهل الذِّمَّة إِن قتل رجل من الْمُسلمين بأرضكم فَعَلَيْكُم الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول مَالك إِذا قَالَ الْمَقْتُول دمي عِنْد فلَان أَن تجب الْقسَامَة فَلَا أصل لَهُ فِي السّنة وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَقد نفى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك بقوله لَو أعطي النَّاس بدعاويهم وَكَذَلِكَ اعْتِبَار الْعَدَاوَة بَينهم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل أوجبت ذَلِك للعداوة وَلَا كشف عمر عَن ذَلِك فِي الْقَتِيل الَّذِي قضى فِيهِ بِالدِّيَةِ
وروى إِبْرَاهِيم عَن الْأسود أَن رجلا أُصِيب عِنْد الْبَيْت فَسَأَلَ عمر عليا رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ دِيَة من بَيت مَال الْمُسلمين
فَإِن قيل فَمَا معنى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة أتحلفون خمسين يَمِينا وتستحقون دم صَاحبكُم أَو قاتلكم
قيل لَهُ رُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث بِالشَّكِّ
وَرُوِيَ فِي حَدِيث ابْن أبي ليلى عِنْد الله دم صَاحبكُم بِغَيْر شكّ مَعْنَاهُ اسْتِحْقَاق الْوَاجِب بِدَم صَاحبكُم
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ الْعَمَل بالقسامة جَاهِلِيَّة
2288 - فِي كَيْفيَّة الْيَمين

روى مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ إِذا كَانَت الْيَمين على رجل يحلفهُ القَاضِي بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي يعلم من السِّرّ مَا يعلم من الْعَلَانِيَة فَذَلِك حسن وَإِن اكْتفى

(5/184)


بِالْأولَى أَجزَأَهُ وَلَا يسْتَقْبل القَاضِي بِالَّذِي يحلف الْقبْلَة وَلَا يدْخلهُ الْمَسْجِد وحيثما حلفه فَهُوَ مُسْتَقِيم
وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي حنيفَة فِي الْقسَامَة يقسم مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا بِاللَّه مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْيَمين فِي الْقسَامَة على الْبَيِّنَة يقسم الْوَرَثَة بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَن قَاتلا قَتله أَو مَاتَ من ضربه وَلَا يزِيد على ذَلِك وَلَا يَقُول الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي سَائِر الْأَيْمَان
قَالَ وَيكون ذَلِك فِي الْمَسَاجِد فِي أدبار الصَّلَوَات وعَلى رُؤُوس النَّاس قَالَ وَأهل قرى مَكَّة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس يجلبون إِلَى الْبَلَد فيقسمون فِيهِ وَأهل الْآفَاق يستحلفون فِي مواضعهم إِلَّا أَن يكون بَينهم وَبَين الْمصر عشرَة أَمْيَال أَو نَحْوهَا فيجلبون إِلَى مصر فَيحلفُونَ فِي الْمَسْجِد
وَقد روى أَسد عَن مَالك أَن يسْتَحْلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَحكى الْوَاقِدِيّ عَن أبي حنيفَة وَالثَّوْري أَن القَاضِي يستحلفه مَكَانَهُ وَلَا يستحلفه عِنْد الْمِنْبَر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يستحلفه وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَإِن قَالَ وَالله فقد اكْتفى
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي إِذا ادّعى مَالا مبلغه عشرُون دِينَارا أَو جِرَاحَة عمد صغرت أَو كَبرت أَو فِي طَلَاق أَو لعان أَو حد

(5/185)


أَو رد يَمِين فِي ذَلِك فَإِن كَانَ بِمَكَّة كَانَت الْيَمين بَين الْبَيْت وَالْمقَام وَإِن كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَت على مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ بِبَلَد غَيرهمَا أَحْلف بعد الْعَصْر فِي مَسْجِد ذَلِك الْبَلَد بِمَا تؤكد بِهِ الْأَيْمَان
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه يَتْلُو عَلَيْهِ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ} آل عمرَان 77
قَالَ وَإِذا حلف فِي الْقسَامَة حلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور بقتل فلَان فلَانا مُنْفَردا بقتْله مَا شركه أحد فِي قَتله وَيحلف الْمُدعى عَلَيْهِ كَذَلِك مَا قتل فلَانا وَلَا أعَان على قَتله وَلَا ناله من فعله وَلَا تسبب فعله شَيْء جرحه وَلَا وصل إِلَى شَيْء من بدنه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْيَمين حق لمن وَجَبت لَهُ على الْحَالِف وَمن لزمَه حق أَخذ مِنْهُ لَا فِي مَكَان بِعَيْنِه فَكَذَلِك الْأَيْمَان
فَإِن قيل إِنَّمَا اسْتحْلف فِي الْمَسْجِد وَنَحْوه لتعظيم المستحلف لذَلِك
قيل لَهُ لَو كَانَ كَمَا ذكرت لوَجَبَ أَن لَا ينظر الْحَاكِم بَين النَّاس إِلَّا فِي هَذِه الْمَوَاضِع ليهاب من عَلَيْهِ الْحق جحوده وَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن الِاسْتِحْلَاف على الْحُقُوق هُنَاكَ أَيْضا
فَإِن قيل روى مَالك عَن هَاشم بن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص عَن عبد الله بن نسطاس عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حلف على منبري هَذَا بِيَمِين آثمة تبوأ مَقْعَده من النَّار

(5/186)


قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على جِهَة اخْتِيَار الْحَالِف لذَلِك لَا على إِيجَاب الْحَاكِم ذَلِك عَلَيْهِ وَقَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ} الْآيَة آل عمرَان 77 وَلم يفرق بَين شَيْء من الْأَمَاكِن وَإِذا رأى الْحَاكِم أَن إحلافه فِي بعض الْمَوَاضِع أزْجر لَهُ عَن الْيَمين الكاذبة جَازَ أَن يَفْعَله وَكَانَ حسنا وَلما اتَّفقُوا فِيمَا هُوَ أقل من ربع دِينَار أَنه لَا يسْتَحْلف إِلَّا فِي مَوضِع الْخُصُومَة كَذَلِك مَا فَوْقه وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} يُوجب التَّسْوِيَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِي حكم الْيَمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالزِّيَادَة على قَوْله بِاللَّه على وَجه التَّأْكِيد لَا معنى لَهُ فِي الْقيَاس لِأَن الْوَعيد لَا حق لمن حلف بِاللَّه كَاذِبًا وَإِن لم يؤكده وَلِأَن كَفَّارَة الْيَمين تتَعَلَّق بهَا مَعَ عدم التَّأْكِيد فِيهَا وَلَا فرق فِي الْقيَاس بَين الْقسَامَة وَغَيرهَا من الْأَيْمَان وَمن زَاد فِي الْقسَامَة فَإِنَّمَا زَاده اتبَاعا لَا قِيَاسا
وَأما من أجَاز لوَلِيّ الْقَتِيل الْحلف على الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه فعله فَإِن ذَلِك مِمَّا لَا يحل لِأَنَّهُ مُدع لما لَا يعلم وَقد نَهَاهُ الله تَعَالَى عَن ذَلِك بقوله {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} الْإِسْرَاء 36 كَمَا لَا يَسعهُ أَن يَقُول ذَلِك فِي غير الْقسَامَة والقسامة أَحْرَى بذلك
وَأما قَول من يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِم مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا إِنَّمَا هُوَ إِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة وَأما الْوَاحِد إِذا حلف فَإِنَّهُ يحلف مَا قتلت وَلَا علمت قَاتلا وَلَا يسْتَحْلف الْوَاحِد مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا لِأَن ذَلِك يَمِين على فعل الْغَيْر مَا قتل وَذَلِكَ غيب لَا يسع الْحلف عَلَيْهِ فَإِن رأى الْحَاكِم توكيد الْيَمين وَلم يأب ذَلِك المستحلف كَانَ مَا رَوَاهُ أَسد عَن مَالك من قَوْله وَالَّذِي يعلم من السِّرّ وَالْعَلَانِيَة أحسن مِمَّا ذَكرْنَاهُ عَن أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ الَّذِي يعلم من السِّرّ مَا يعلم من الْعَلَانِيَة لِأَن ذَلِك خُصُوصِيَّة وَقَوله الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة يعم ذَلِك وَيزِيد عَلَيْهِ

(5/187)


2289 - فِي أَيْمَان أهل الْكفْر فِي الْقسَامَة وَغَيرهَا

قَالَ أَصْحَابنَا يسْتَحْلف النَّصْرَانِي بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَيحلف الْيَهُودِيّ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَيحلف الْمَجُوسِيّ بِاللَّه الَّذِي خلق النَّار
وَقَالَ مَالك يسْتَحْلف النَّصْرَانِي بِاللَّه حَيْثُ يعظم من الْكَنَائِس وَغَيرهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يسْتَحْلف أحد بِغَيْر الله ويستحلف النَّصْرَانِي بِرَبّ عِيسَى واليهودي بِرَبّ مُوسَى والمجوسي بِرَبّ النَّار
وَقَالَ يسْتَحْلف أهل الذِّمَّة حَيْثُ يعظمون من الْمَوَاضِع مِمَّا يعرف الْمُسلمُونَ وَمَا يعظم الْحلف مِنْهُم مثل قَوْله وَالله الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَبِالَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَمَا أشبه ذَلِك وَلَا يحلفُونَ بِمَا يجهل عَرفته الْمُسلمُونَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الشّعبِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سَأَلَ ابْني صوريا عَن الرَّجْم فِي التَّوْرَاة قَالَ لَهما أنشدكما بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى كَيفَ تَجِدُونَ حد الزَّانِيَيْنِ فِي التَّوْرَاة
وَأما قَول الْحسن بن حَيّ إِن النَّصْرَانِي يسْتَحْلف بِرَبّ عِيسَى فَإِن النَّصَارَى يأبون ذَلِك وَقد أعْطوا الْجِزْيَة على أَن يتْركُوا على ذَلِك فَلَا يَنْبَغِي أَن يستحلفوا كَذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ يسْتَحْلف فِي الْأَيْمَان قيَاما إِلَّا أَن يكون دخل بِهِ عَلَيْهِ وَالَّذِي يحلف عِنْد الْمِنْبَر يحلف قَائِما

(5/188)


وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم سوى مَالك وَأَخذه بِالْقيامِ الَّذِي يُرِيد وَلَا تصلح الْعُقُوبَات بِغَيْر حجَّة
2290 - فِي الْقَتِيل فِي مَسْجِد جمَاعَة أوسوق

قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْقَتِيل يُوجد فِي سوق الْمُسلمين أَو فِي مَسْجِد جَمَاعَتهمْ فَهُوَ فِي بَيت المَال وَلَيْسَ قسَامَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا شَيْء فِيهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وجد قَتِيل فِي محلّة قوم يخلطهم غَيرهم أَو فِي صحراء أَو مَسْجِد أَو سوق فَلَا قسَامَة فَإِن ادّعى وليه على أهل الْمحلة لم يحلف إِلَّا من أثبتوه بِعَيْنِه وَلَو كَانُوا ألفا فَيحلفُونَ يَمِينا لأَنهم يزِيدُونَ على خمسين فَإِن لم يبْق مِنْهُم إِلَّا وَاحِد حلف خمسين يَمِينا وَبرئ فَإِن نكلوا حلف وُلَاة الدَّم خمسين يَمِينا واستحقوا الدِّيَة فِي أَمْوَالهم إِن كَانَ عمدا وعَلى عواقلهم فِي ثَلَاث سِنِين إِن كَانَ خطأ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أوجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدِّيَة على الْيَهُود بِوُجُود الْقَتِيل فِيمَا بَينهم بقوله إِمَّا أَن يدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن يأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله وَكَانَ ذَلِك لقوم خَواص فَإِذا كَانَ الْموضع لعامة النَّاس وَجب أَن يكون فِي أَمْوَالهم وَهُوَ بَيت المَال وَقد رُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن عَليّ وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا
2291 - فِي السكان فِي الْقَبِيلَة

روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِي قَتِيل وجد فِي

(5/189)


قَبيلَة فالقسامة وَالْعقل على أهل الخطة دون المشترين والسكان وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ ابْن أبي ليلى على السكان والمشترين مَعَهم وَأهل الخطة قَالَ فَإِن وجد فِي دَار فَهُوَ على أهل قَبيلَة تِلْكَ الدَّار والسكان اللَّذين فِيهَا فِي قَول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة على عَاقِلَة مَالك الدَّار وَإِن كَانَ مُشْتَريا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة فَإِن كَانَت هَذِه الْمحلة فِيهَا من قبائل شَتَّى فَالدِّيَة والقسامة على أهل الخطة الأولى وَلَا شَيْء على المشترين من قسَامَة وَلَا دِيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِم مَعَهم وعَلى السكان مَعَ أهل الْملك تخْتَار الْوَرَثَة خمسين رجلا مِنْهُم جَمِيعًا فَيحلفُونَ وتلزمهم الدِّيَة فَإِن اخْتَارُوا الْخمسين من قَبيلَة وَاحِدَة فَذَاك عَلَيْهِم وَالدية عَلَيْهِم بِالْحِصَصِ جَمِيعًا
قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن بَاعَ أهل الْمحلة جَمِيعًا فَالدِّيَة والقاسمة على المشترين وَلَيْسَ على السكان شَيْء من الدِّيَة وَلَا قسَامَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي دَار فِيهَا سكان وجد فِيهَا قَتِيل الدِّيَة والقسامة على السكان وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة على عواقل أَرْبَاب الدَّار وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي قَتِيل وجد فِي دَار قوم أَو فِي محلتهم أَو فِي أَرض قوم فَلَيْسَ فِيهِ قسَامَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْقسَامَة على من كَانَ حَاضر الْقَبِيلَة حِين وجد الْقَتِيل فِيهَا من سكان أَو أَرْبَاب الدّور وَمن كَانَ غَائِبا مِنْهُم لم يدْخل فِي الْقسَامَة

(5/190)


وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وجد قَتِيل فِي زحام قيل للْوَلِيّ ادْع على من شِئْت مِنْهُم فَإِن كَانَت جمَاعَة يُمكن أَن يَكُونُوا قاتليه قبلت دَعْوَاهُ وَحلف وَاسْتحق الدِّيَة على عواقلهم فِي ثَلَاث سِنِين فَإِن ادّعى على من لَا يُمكن أَن يكون كلهم زحمه فَإِن لم يدع على أحد بِعَيْنِه يُمكن أَن يكون زحمه لم يعرض لَهُم فِيهِ وَلم يَجْعَل فِيهِ عقل وَلَا قَود وَكَذَلِكَ إِن قتل بَين صفّين لَا يدْرِي من قلته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يعْتَبر فِي شَيْء من هَذَا حكم الْموضع فَلَمَّا أوجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدِّيَة على أهل خَيْبَر لوُجُوده فِيمَا بَينهم دلّ على وجوب اعْتِبَار حكم الْموضع وَأما من أوجب ذَلِك على السكان فَإِنَّهُ يحْتَج بِخَيْبَر وَكَانَت للْمُسلمين وَالْيَهُود سكان وَمن لم يُوجِبهُ على السكان احْتج بِأَن باليهود كَانُوا ملاكا وَكَانُوا على صلح قبل فتح خَيْبَر وَاحْتج بِمَا روى مُسَدّد عَن بشر بن الْمفضل عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ انْطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح فَتَفَرَّقُوا فِي حوائجهما وَذكر الحَدِيث وَبِمَا روى القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار أَن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود خرجا إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح وَأَهْلهَا يهود وَذكر الحَدِيث
فَدلَّ على أَن قصَّة الْقَتْل بِخَيْبَر كَانَت قبل فتحهَا وَأَن الْيَهُود كَانُوا ملاكها
فَإِن قيل كَيفَ يجوز مُرَاعَاة الْملك فِي إيحاب الْقسَامَة وَالدية وَقد يكون الْملاك غيبا
قُلْنَا لَهُ هَذَا على التَّسْلِيم لما جرى عَلَيْهِ الْأَمر فِي ذَلِك كَمَا وَجَبت الدِّيَة على الْعَاقِلَة من الرِّجَال وَإِن لم يكن مِنْهُم جِنَايَة

(5/191)


2292 - فِي جريح فِي محلّة مَاتَ فِي غَيرهَا

قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري إِذا وجد الرجل فِي محلّة وَبِه جِرَاحَة فَاحْتمل إِلَى بَيته وَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَة والقسامة على أهل الْمحلة الَّتِي جرح فِيهَا
قَالَ ابْن أبي ليلى لَا شَيْء فِيهِ
وروى بشر عَن أبي يُوسُف مثل قَول ابْن أبي ليلى
فَإِن كَانَ صَحِيحا يَجِيء وَيذْهب ثمَّ مَاتَ فَلَا شَيْء فِيهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقسَامَة وَإِن كَانَ يَجِيء وَيذْهب إِن لم يلتئم الْجرْح فَلَا قسَامَة فِيهِ وَإِن مَاتَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ وجود الْقَتِيل فِيهَا يجعلهم كمن بَاشر الْقَتْل فِي وجوب الْقسَامَة وَالدية وَجب أَن يكون وجود الْجراحَة إِذا مَاتَ مِنْهَا بِمَنْزِلَة وجود الْقَتِيل
أَلا ترى أَن وجود الْجراحَة إِذا مَاتَ مِنْهَا بِمَنْزِلَة وجود الْقَتِيل إِذا بَاشرهُ فِي حكم الْقصاص
2293 - فِي العَبْد يُوجد قَتِيلا

قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي العَبْد يُوجد قَتِيلا فِي قَبيلَة فَفِيهِ الْقسَامَة وَعَلَيْهِم قِيمَته فِي ثَلَاث سِنِين وَلَا تبلغ بهَا الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِيمَن قتل عبدا عَلَيْهِ قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت لَا تعقله الْعَاقِلَة إِذا وجد فِي محلّة وَفِي قِيَاس هَذَا القَوْل لَا قسَامَة فِيهِ

(5/192)


وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْقيمَة على الْعَاقِلَة وَفِي قِيَاس هَذَا القَوْل فِيهِ الْقسَامَة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف فِي عبد وجد قَتِيلا فِي دَار رجل قَالَ هُوَ هدر لَا شَيْء فِيهِ قسَامَة وَلَا قيمَة
وَقَالَ زفر على عَاقِلَة رب الدَّار القاسمة وَالْقيمَة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَيْسَ فِي العَبْد وجد قَتِيلا شَيْء هُوَ كالدابة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَيْسَ فِي العَبْد قسَامَة فِي عمد وَلَا خطأ
قَالَ فَإِن قتل عبد عمدا أَو خطأ لم يكن على الْمولى قسَامَة وَلَا يَمِين وَلَا يسْتَحق ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة عادلة أَو شَاهد وَيَمِين
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا وجد العَبْد قَتِيلا فِي دَار قوم فَعَلَيْهِم غرم ثمنه وَلَا قسَامَة فِيهِ
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ لسَيِّد العَبْد الْقسَامَة فِي العَبْد وَيقسم الْمكَاتب فِي عَبده غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على وجوب الْكَفَّارَة على قَاتل العَبْد خطأ وَكَانَ كَالْحرِّ فَوَجَبَ فِيهِ الْقسَامَة وَالْقيمَة
وَقَول الشَّافِعِي إِن الْمكَاتب يقسم فِي مَمْلُوكه لَا معنى لَهُ لِأَن الْمكَاتب لَيْسَ من أهل الْقسَامَة فِي غير مَمْلُوكه فَكيف يقسم فِي مَمْلُوكه
2294 - فِي السَّفِينَة تصطدمان

قَالَ قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه إِن ذَلِك إِن كَانَ من فعل الرَّاكِب أَو الملاح فَهُوَ ضَامِن وَإِن كَانَ من غير فعل وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا ضَمَان على أحد فِي الْأَنْفس وَأما الْمَتَاع فَإِن الملاح فِيهِ أجِير مُشْتَرك فَيضمن فِي قَول من يضمن الْأَجِير وَلَا يضمن فِي قَول من لَا يضمن

(5/193)


وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي الملاح يغرق سفينته لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الْمَتَاع لِأَن المَاء غَالب
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا وَقعت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى وَقد ربطت عل الجسر فِي طَرِيق الْمُسلمين فأيتهما انْكَسَرت فعلى الْأُخْرَى انكسارها
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان على أحد إِلَّا أَن يعلم أَن النوتي لَو شَاءَ أَن يصرفهَا صرفهَا وَهُوَ يقدر على ذَلِك فَيضمن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِيمَن كَانَ على دآبة فحمحمت الدَّابَّة بِهِ وغلبته فَمَا وطِئت فِي تِلْكَ الْحَال وَهُوَ مغلوب على حَبسهَا فَهُوَ ضَامِن وَإِن كَانَت منغلبة وَلَيْسَ صَاحبهَا عَلَيْهَا فَلَا شَيْء فِيهِ قَالَ وَكَذَلِكَ السَّفِينَة إِذا كَانَ فِيهَا رجال فَغَلَبَتْهُمْ فَمن كَانَ فِيهَا ضَامِن لما أَصَابَته بِمَنْزِلَة الرَّاكِب على الدَّابَّة الجامح
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي السفينتين إِذا اصطدمتا إِذا أمكن وَاحِدًا مِنْهُمَا صرفهَا فعلى كل وَاحِد ضَمَان نصف دِيَة الآخر على عَاقِلَة الصادم فَإِن لم يُمكن وَاحِدًا مِنْهُم صرف ذَلِك بِحَال من الْأَحْوَال أبدا فَمَا صَنَعُوا هدر
وَقَالَ فِي كتاب الْإِجَارَات لَا ضَمَان إِلَّا بِأَن يُمكن صرفهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ العجماء جَبَّار وَمعنى ذَلِك إِذا كَانَت الْجِنَايَة من فعلهَا لَا من فعل الرَّاكِب فَكَذَلِك السَّفِينَة لَا يضمن صَاحبهَا فِيمَا لَا يُمكن التحفظ مِنْهُ وَلَيْسَ من فعله وَضمن مَا كَانَ من فعله

(5/194)


2295 - فِيمَن اطلع فِي بَيت غَيره ففقئت عينه

قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم عَن أبي حنيفَة وَأَصْحَابه فِي ذَلِك شَيْئا مَنْصُوصا غير أَن أصلهم من فعل شَيْئا دافعا بِهِ عَن نَفسه فِيمَا لَهُ فعله أَنه لَا يضمن مَا تلف بِهِ من ذَلِك المعضوض إِذا انتزع يَده من فَم العاض فَسَقَطت ثنيتاه أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دفع بِهِ عَن نَفسه عضة فَلَمَّا كَانَ من حق صَاحب الْبَيْت أَن لَا يطلع أحد فِي بَيته قَاصِدا لذَلِك أَن لَهُ مَنعه وَدفعه عَنهُ كَانَ ذهَاب عينه يمنعهُ من ذَلِك هدرا على هَذَا يدل مَذْهَبهم
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَيْسَ بِشَيْء ومذهبهم أَنه يضمن لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يمنعهُ من الِاطِّلَاع فِي بَيته من غير فقء عينه بِأَن يزجره بالْقَوْل أَو ينحيه عَن الْموضع وَلَو أمكن المعضوض أَن ينتزع يَده من غير كسر سنّ العاض فَكَسرهَا ضمن
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَن مَالك من اطلع على رجل فِي بَيته ففقئ عينه بحصاة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الْقود
قَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو تطلع إِلَيْهِ رجل فِي بَيته فطعنه بِعُود أَو رَمَاه بحصاة ففقئت عينه فَهَذَا هدر
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي مَا كَانَ مُقيما على الِاطِّلَاع فَحَذفهُ بحصاة أَو بِعُود أما يعْمل عَلَيْهِ مِمَّا لَا يكون لَهُ جراح يخَاف قَتله وَإِن كَانَ قد يذهب الْبَصَر فَهُوَ هدر وَلَو مَاتَ المطلع من ذَلِك لم تكن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَلَا إِثْم فَإِن نزع عَن الِاطِّلَاع لم يكن لَهُ أَن يَنَالهُ بِشَيْء وَمن ناله بِشَيْء فَعَلَيهِ الْقود
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد سمعته يَقُول اطلع رجل من جُحر فِي بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدرى يحك بِهِ رَأسه فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعلم أَنَّك تنظرني

(5/195)


لطعنت بِهِ فِي عَيْنك إِنَّمَا الاسْتِئْذَان من أجل الْبَصَر
وَرَوَاهُ ابْن أبي ذِئْب أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا أَبَا بن يزِيد الْعَطَّار قَالَ حَدثنَا يحيى بن أبي كثير أَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة حَدثهُ عَن أنس أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألقم عينه حصاصة الْبَاب فَبَصر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ سَهْما أَو عودا محدوا وَجَاء ليفقأ عين الْأَعرَابِي فَذهب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِنَّك لَو ثَبت لفقأت عَيْنك
وروى عبد الله بن بكر قَالَ حَدثنَا حميد عَن أنس قَالَ اطلع رجل من خلل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسدد آلَة مشقصا فنحى الرجل رَأسه
وروى سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اطلع فِي بَيت قوم بِغَيْر إذْنهمْ فقد حل لَهُم أَن يفقئوا عينه
وروى قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اطلع فِي دَار قوم بِغَيْر إذْنهمْ ففقئوا عينه فَلَا دِيَة وَلَا قصاص فَهَذِهِ آثَار متواترة لَا يسع خلَافهَا

(5/196)


2296 - فِي الْعَاقِلَة تحمل قيمَة العَبْد

قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا قتل العَبْد خطأ فَقيمته على عَاقِلَة الْقَاتِل فِي ثَلَاث سِنِين
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف إِنَّهَا على الْجَانِي فِي مَاله حَالَة وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك
وَقَالَ مَالك الْكَفَّارَة الَّتِي فِي الْقُرْآن فِي الْأَحْرَار وَالْكَفَّارَة فِي قتل العَبْد حَسَنَة
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَعُثْمَان البتي هِيَ من مَال الْقَاتِل
وَقَالَ الشَّافِعِي هِيَ على الْعَاقِلَة وَكَذَلِكَ مَا دون النَّفس من الْحر وَالْعَبْد قل أَو كثر
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا تعقل الْعَاقِلَة مَا جنى على العَبْد فِيمَا دون النَّفس
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فَاقْتضى ذَلِك وجوب الْقصاص فِيمَا بَين الْحر وَالْعَبْد وَيلْزم قَاتله الْكَفَّارَة أَيْضا فَوَجَبَ أَن يكون على الْعَاقِلَة كَالْحرِّ
فَإِن قيل فيلزمك ذَلِك فِيمَا دون النَّفس
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس فيهمَا وَاحِد وَلكنه لما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يقْتَصّ من العَبْد فِيمَا دون النَّفس لم نوجبه

(5/197)


قَالَ أَبُو بكر مَا دون النَّفس من العَبْد بِمَنْزِلَة المَال لانْتِفَاء الْقصاص فِيهِ بِحَال على أصلنَا وَأما قَول مَالك إِن الْكَفَّارَة الَّتِي فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَحْرَار دون العبيد لِأَنَّهُ ذكر مَعهَا الدِّيَة وَالْعَبْد لَا تجب فِيهِ دِيَة فَإِن الله تَعَالَى قد قَالَ {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} النِّسَاء 92 فَأوجب الْكَفَّارَة بِلَا دِيَة فَعلمنَا أَن وجوب الْكَفَّارَة غير مَقْصُور على حَال وجوب الدِّيَة
2297 - فِي قيمَة العَبْد إِذا جَاوَزت الدِّيَة

قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمُحَمّد إِذا قتل عبدا خطأ قِيمَته أَكثر من الدِّيَة غرم عَاقِلَته عشر ألف دِرْهَم وَهُوَ قَول الحكم بن عتيبة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان
قَالَ أَبُو يُوسُف يغرم قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت فِي مَاله دون عَاقِلَته وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَن الشَّافِعِي يَجْعَلهَا على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ
وَقَالَ الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ لَا يبلغ بِالْعَبدِ دِيَة الْحر إِذا قتل خطأ ينقص مِنْهَا الدِّرْهَم وَنَحْوه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرّقّ نقص فمحال أَن يجب فِي حَال نقصانه أَكثر مِمَّا يجب فِي حَال تَمَامه وَهُوَ حَال الْحُرِّيَّة وَجب أَن لَا يُجَاوز بِهِ الدِّيَة وَأَيْضًا قد قَضَت السّنة بِأَن الدِّيَة فِي ثَلَاث فِي كل سنة الثُّلُث فَلَو وَجب أَكثر من الدِّيَة لوَجَبَ أَن يكون فِي أَكثر من ثَلَاث سِنِين وَذَلِكَ خلاف السّنة فَثَبت بطلَان قَول من جَاوز بهَا الدِّيَة ثمَّ كل من منع مُجَاوزَة الدِّيَة فَإِنَّهُ يُوجب النُّقْصَان وَمِقْدَار النُّقْصَان موكول إِلَى رَأْي الإِمَام
2298 - فِي أَعْضَاء العَبْد

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي يَد العَبْد أَو عينه نصف قِيمَته وَكَذَلِكَ شجاجه تجب

(5/198)


فِيهَا من قِيمَته مثل مَا يجب من الْحر من دِيَته إِلَّا أَن يزِيد على أرش الْحر فِي ذَلِك فينقص مِنْهُ بِقَدرِهِ إِن قطع يَده وَقِيمَته عشر ألف أَو أَكثر كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَة ألف إِلَّا خَمْسَة دَرَاهِم
وَقَالَ فِي أذن العَبْد ونتف حَاجِبه إِذا لم ينْبت مَا نَقصه
وَقَالَ مُحَمَّد فِي جَمِيع مَا يتْلف من أَعْضَاء العَبْد النُّقْصَان ينظر إِلَى قِيمَته صَحِيحا وَإِلَى قيمَة دِيَة الْجِنَايَة فَيغرم الْجَانِي فضل مَا بَينهمَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مثل قَول أبي حنيفَة فِي أَعْضَاء العَبْد وَقَالَ فِي الْحَاجِب فِي الْأذن فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف قِيمَته كَمَا يجب فِي الْحر نصف دِيَته
وروى الْحسن عَن زفر مثل قَول أبي حنيفَة وروى عَنهُ مُحَمَّد مثل قَول أبي حنيفَة وَإِن فَقَأَ عَيْني عبد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن شَاءَ سلمه إِلَيْهِ وَأخذ قِيمَته وَإِن شَاءَ أمْسكهُ وَلَا شَيْء لَهُ من النُّقْصَان
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن شَاءَ أمْسكهُ وَأخذ النُّقْصَان وَإِن شَاءَ دَفعه وَأخذ قِيمَته
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ مَا نَقصه فَإِن بلغ ذَلِك أَكثر من عشرَة ألف كَانَ عَلَيْهِ عشرَة ألف دِرْهَم
وروى ابْن وهب عَن مَالك أَن فِي مُوضحَة العَبْد نصف عشر ثمنه وَفِي منقلته عشره وَنصف عشر ثمنه وَفِي مأمومته وجائفته فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثلث ثمنه وَفِيمَا سوى هَذِه الْخِصَال الْأَرْبَع مَا نَقصه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثل ذَلِك وَقَالَ عَنهُ أَيْضا إِن فَقَأَ عَيْني عبد جَمِيعًا أَو قطع يَدَيْهِ ضمنه الْجَارِح وَيعتق عَلَيْهِ إِذا أبْطلهُ فَإِن كَانَ جرحا لم يُبطلهُ

(5/199)


مثل فقء عين وَاحِدَة أَو جدع أنف فَعَلَيهِ مَا نَقصه من ثمنه وَلَا يعْتق عَلَيْهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أُصِيب من العَبْد مَا يكون نصف ثمنه من يَد أَو رجل أَخذ مَوْلَاهُ نصف ثمنه إِذا كَانَ برأَ وَإِذا أُصِيب أَنفه أَو ذكره دَفعه مَوْلَاهُ إِلَى الَّذِي أَصَابَهُ وَأخذ ثمنه إِذا كَانَ قد برأَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي يَد العَبْد نصف ثمنه وَإِن غصب مَمْلُوكَة مَا قبضهَا ضرب مائَة وَغرم قيمتهَا وَيدْفَع إِلَى أَهلهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ جِرَاحَة الْمَمْلُوك فِي قِيمَته مثل جِرَاحَة الْحرفِي دِيَته فَإِن قطع أُذُنَيْهِ أَو فَقَأَ عَيْنَيْهِ فَإِن شَاءَ الْمولى أَخذ النُّقْصَان وَإِن شَاءَ أَخذ الْقيمَة وَدفعه إِلَى الْجَانِي
وَقَالَ اللَّيْث فِي رجل خصأ غُلَاما لرجل وَكَانَ ذَلِك زِيَادَة فِي ثمنه فَإِنَّهُ يقوم ثمنه كُله لسَيِّده زَاد أَو نقص ويعاقب فِي ذَلِك
قَالَ الشَّافِعِي جِرَاحَة العَبْد من ثمنه كجراح الْحر من دِيَته فِي كل قَلِيل وَكثير وَقِيمَته مَا كَانَت وَتحمل ثمنه الْعَاقِلَة إِذا قتل خطأ وَفِي ذكره ثمنه وَلَو زَاد الْقطع فِي ثمنه أضعافا وَقَوله إِن لعبد يكون لمَوْلَاهُ على حَاله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يجوز أَن يكون الْوَاجِب فِي عَيْني العَبْد قِيمَته وَيبقى العَبْد مَعَ ذَلِك فِي ملك الْمولى لِأَن الْأَشْيَاء الْمَمْلُوكَة لَا تجوز اجتماعها مَعَ أبدالها فِي ملك وَاحِد وَلَا يجوز أَيْضا أَخذ الْقيمَة وَتَسْلِيم العَبْد إِلَيْهِ بِغَيْر

(5/200)


رِضَاهُ لِأَن ذَلِك عقد وعقود التمليكات لَا تقع إِلَّا برضاهما فصح وجوب النُّقْصَان لَا غير على مَا قَالَ زفر
2299 - فِي العَبْد الْمَجْرُوح يعتقهُ مَوْلَاهُ

قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن قطع يَد عبد خطأ فَأعْتقهُ مَوْلَاهُ ثمَّ مَاتَ من الْقطع فعلى الْقَاطِع نصف قِيمَته لمَوْلَاهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي النَّفس
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يضمن الْقَاطِع مَا نقص العَبْد بِجِنَايَتِهِ لمَوْلَاهُ إِلَى أَن أعْتقهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ سوى ذَلِك
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي رجل جرح عبد رجل ثمَّ بَاعه مَوْلَاهُ ثمَّ مَاتَ فِي يَد المُشْتَرِي فَإِنَّهُ ينظر إِلَى مَا أَخذه البَائِع من الثّمن فَإِن كَانَ قِيمَته فَلَا شَيْء على الْجَارِح وَإِن كَانَ أقل رَجَعَ على الْجَانِي بِتمَام قِيمَته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن يجرح عبد رجل فَأعْتقهُ ثمَّ مَاتَ من الْجراحَة فَإِن عقله عقل حر فَكَذَلِك النَّصْرَانِي يضْرب ثمَّ يسلم وَيَمُوت فَإِن دِيَته دِيَة مُسلم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي رجل قطع يَد عبد فَأعتق ثمَّ مَاتَ فعلى الْحر الدِّيَة كَامِلَة فِي مَاله للسَّيِّد مِنْهَا نصف قِيمَته يَوْم قطعه وَالْبَاقِي لوَرثَته
قَالَ وَلَو فَقَأَ عين عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل فَأعتق ثمَّ مَاتَ فَلم يكن فِيهِ إِلَّا دِيَة لِأَن الْجِنَايَة تنقص بِمَوْتِهِ حرا وَكَانَت الدِّيَة لسَيِّده دون ورثته
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجِنَايَة قد أوجبت على الْجَانِي حَقًا للْمولى أَلا ترى أَن عَفوه جَائِز بعد الْجِنَايَة فَإِذا أعْتقهُ سقط حَقه فِيمَا حدث بعد الْعتْق فَلَا يجوز أَن يجب للْوَرَثَة لِأَنَّهُ إِذا لم يجب للْمولى الَّذِي كَانَت الْجِنَايَة فِي ملكه فأحرى أَن

(5/201)


لَا يجب لمن لم يكن لَهُم حق فِي حَال وُقُوعهَا فَصَارَ الْعتْق كبرء العَبْد من الْجِنَايَة فَيكون عَلَيْهِ الْأَرْش إِلَى وَقت وُقُوع الْعتاق
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ بعض أهل النّظر من الْمُتَأَخِّرين من أهل الْعلم إِن هَذِه الْجِنَايَة تبطل كلهَا وَلَا شَيْء على الْجَانِي مِنْهَا لَا للْمولى وَلَا لغيره لِأَنَّهُ لَو لم يعتقهُ لَكَانَ الْوَاجِب هُوَ النَّفس لَا الْجراحَة فَلَمَّا بطلت الْجراحَة وَلم يَسْتَحِقهَا الْمولى لسقوطها وَلم تجب النَّفس لِأَنَّهَا حدثت فِي غير ملكه سَقَطت الْجِنَايَة قَالَ فَيُقَال لَهُ إِنَّمَا يسْقط حكم الْجراحَة إِذا وَجَبت النَّفس فَيدْخل فِيهَا فَإِذا لم يجب بهَا ضَمَان النَّفس اسْتَحَالَ أَن يدْخل مَا دونهَا فِيهَا وَهِي لم تجب فَصَارَ ذَلِك بِمَنْزِلَة برْء العَبْد من الْجراحَة
2300 - فِي جَنِين الْأمة

قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمُحَمّد فِي رجل ضرب بطن امْرَأَة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فعلى الضَّارِب نصف عشر قِيمَته إِن كَانَ غُلَاما وَعشر قيمتهَا إِن كَانَ جَارِيَة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي جَنِين الْأمة إِلَّا أَن يكون قد نقص الْأُم فَعَلَيهِ نُقْصَان الْأُم
وَقَالَ زفر إِن نقصتها الْولادَة فَعَلَيهِ أرش الْجَنِين ونقصان الْأُم أَيْضا
وَاتَّفَقُوا كلهم أَنه لَو ضرب بطن دَابَّة أَلْقَت جَنِينا مَيتا أَن عَلَيْهِ مَا نقص الْأُم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْحجاج بن أَرْطَاة فِي جَنِين الْأمة نصف عشر قيمَة أمه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي جَنِين الْأمة عشر قيمتهَا كجنين الْحرَّة

(5/202)


من دِيَة أمة وَقَالَ فِي جَنِين أم الْوَلَد إِذا كَانَ لسَيِّدهَا فِيهِ مَا فِي جَنِين الْحرَّة قَالَ قَالَ مَالك فِي غير هَذِه الرِّوَايَة فِي جَنِين الْبَهِيمَة كَمَا فِي جَنِين الْأمة عشر قيمَة أمه
وَقَالَ الثَّوْريّ جَنِين الْأمة إِن كَانَ غُلَاما فَفِيهِ عشر قِيمَته لَو كَانَ حَيا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي جَنِين الْأمة نصف عشر قِيمَته وَكَذَلِكَ فِي جَنِين الْفرس فِيهِ نصف عشر
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جَنِين الْأمة عشر قيمَة أمه يَوْم جنى عَلَيْهَا ذكرا كَانَ اَوْ أُنْثَى
قَالَ الْمُزنِيّ وَالْقِيَاس على أَصله عشر قيمَة أمه يَوْم تلقيه لِأَنَّهُ قَالَ لَو ضربهَا ثمَّ أَلْقَت جَنِينا مَيتا ثمَّ أعتقت فَأَلْقَت جَنِينا آخر فَعَلَيهِ عشر قيمَة أمه لسَيِّدهَا وَللْآخر مَا فِي جَنِين الْحرَّة لأمه ولورثته
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ فِي جَنِين الْحرَّة نصف عشر دِيَته إِن كَانَ ذكرا وَعشر دِيَتهَا إِن كَانَ أُنْثَى فَاعْتبر الْغرَّة بديته وَجب أَن يعْتَبر ذَلِك فِي جَنِين الْأمة بِقِيمَتِه لَا بِقِيمَة أمه وَأَيْضًا لَو اعْتبرنَا عشر قيمَة أمه كَانَت قيمَة أمه ألف دِرْهَم فَكَانَ الْوَاجِب مائَة دِرْهَم وَإِن كَانَت قيمَة الْجَنِين عشرَة دَرَاهِم وَلَو ألقته حَيا ثمَّ مَاتَ كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ عشر قِيمَته عشرَة دَرَاهِم فَكَانَ الْوَاجِب إِذا ألقته حَيا ثمَّ مَاتَ أقل مِنْهُ إِذا ألقته مَيتا ففسد بذلك قَول من اعْتبر قيمَة أمه
2301 - فِي جِنَايَة الْمَمْلُوك

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جنى العَبْد جِنَايَة خطأ خير الْمولى بَين دَفعه إِلَى ولي الْجِنَايَة وَبَين أَن يفْدِيه بِأَرْش الْجِنَايَة وَإِن اسْتهْلك مَالا تبع فِيهِ إِلَّا أَن يُؤَدِّي عَنهُ مَوْلَاهُ

(5/203)


وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِذا جنى جِنَايَة خطأ قيل لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده بِأَرْش الْجِنَايَة
وَقَالَ مَالك فِي الْجِنَايَة واستهلاك المَال إِمَّا أَن يَدْفَعهُ بذلك وَإِمَّا أَن يفْدِيه بِالدّينِ أَو أرش الْجِنَايَة وَإِن كَانَ للْعَبد مَال كَانَ ذَلِك فِي مَاله إِلَّا أَن يفْدِيه مَوْلَاهُ
وَقَالَ اللَّيْث فِي جِنَايَة العَبْد خطأ يدْفع بهَا أَو يفْدِيه مَوْلَاهُ وَلَو قتل حرا عمدا فلولي الْقَتِيل أَن يَأْخُذ العَبْد وَقَالَ فِي عبد عَلَيْهِ دين جرح رجلا فالمجروح أولى بِرَقَبَة العَبْد من أهل الدّين حَتَّى يَسْتَوْفِي عقل جرحه فَإِن فضل لَهُم شَيْء بعد عقل الْجرْح فهم أولى بِهِ لأَنهم تركُوا طلب دينهم حَتَّى جرح الرجل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جِنَايَة العَبْد يُبَاع فِيهِ إِلَّا أَن يفْدِيه مَوْلَاهُ فَإِن بيع دفع إِلَى ولي الْجِنَايَة أرش جِنَايَته وَمَا بَقِي فلمولاه
قَالَ أَبُو جَعْفَر جِنَايَة العَبْد على الْحر يسْتَحق بِهِ رَقَبَة الْجَانِي بِالْقصاصِ وَقِيمَة العَبْد مِمَّا يجوز أَن يسْتَحق فَوَجَبَ أَن يسْتَحق بِجِنَايَة الْخَطَأ إِلَّا أَن يفْدِيه الْمولى وَأما الدّين فَلَيْسَ فِي الْأُصُول اسْتِحْقَاق الرّقاب بهَا وَإِنَّمَا يثبت فِي الذِّمَّة فليستوفى من الْكسْب وَثمن العَبْد مثل كَسبه فليستوفى ثمنه دون الرَّقَبَة
2302 - فِي عتق العَبْد الْجَانِي

قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمولى إِذا أعتق العَبْد الْجَانِي إِن كَانَ عَالما بِجِنَايَتِهِ فَعَلَيهِ أَرْشهَا كَامِلا وَإِن لم يعلم فَعَلَيهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة عَلَيْهِ الدِّيَة إِذا علم

(5/204)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ عَلَيْهِ الْقيمَة وَلم يفرق بَين الْعلم وَغَيره
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي رِوَايَة حميد عَنهُ عَلَيْهِ الدِّيَة علم أَو لم يعلم وروى عَنهُ الْمُخْتَار أَن عَلَيْهِ الْقيمَة
وَقَالَ مَالك إِذا أعْتقهُ وَهُوَ يعلم بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأ فَإِن حلف مَا أَرَادَ بِعِتْقِهِ تحمل الْجِنَايَة أسلم العَبْد إِلَى ولي الْجِنَايَة وَيبْطل الْعتْق وَإِن قَالَ أردْت تحمل الْجِنَايَة جَازَ الْعتْق وَغرم أرش الْجراحَة وَإِن كَانَت جَارِيَة فاستولدها كَانَ كَذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث إِن لم يعلم بِالْجِنَايَةِ حَتَّى أعْتقهُ خير السَّيِّد فَإِن شَاءَ أمضى عتقه وَأدّى الْأَرْش وَإِن شَاءَ أسلمه بجريرته وَإِن علم بِالْجِنَايَةِ فالعقل على السَّيِّد
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بَاعه وَقد جنى فَالْبيع مفسوخ إِلَّا أَن يتَطَوَّع بِالْجِنَايَةِ أَو قيمَة العَبْد كَالرَّهْنِ إِذا بَاعه وَفِيه قَول آخر إِن البيع جَائِز كَمَا يكون الْعتْق جَائِزا وَعَلِيهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الْمولى مُخَيّرا بَين الدّفع وَالْفِدَاء ثمَّ أعْتقهُ مَعَ الْعلم بِالْجِنَايَةِ فقد اخْتَار إِمْسَاكه العَبْد لنَفسِهِ فَلَزِمَهُ الْفِدَاء كَالْعَبْدِ إِذا كَانَ المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِيهِ فَأعْتقهُ
2303 - فِي الْمَحْجُور عَليّ يَأْمر مَحْجُورا بِالْجِنَايَةِ

قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي عبد مَحْجُور عَلَيْهِ أَمر عبدا مَحْجُورا عَلَيْهِ أَن يقتل رجلا فَقتله فمولى الْقَاتِل بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دفع وَإِن شَاءَ فدى فَإِن عتق العَبْد الْآمِر رَجَعَ مولى الْمَأْمُور عَلَيْهِ فَأخذ مِنْهُ قيمَة عَبده الْمَأْمُور وَلَو كَانَ العَبْد أَمر صَبيا حرا فَقتل رجلا فَالدِّيَة على عَاقِلَة الصَّبِي فَإِن عتق العَبْد لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْآمِر والمأمور إِذا كَانَا عَبْدَيْنِ

(5/205)


وَكَانَت الْجِنَايَة مَالا أَو نفسا فَإِذا أعتق الْآمِر لزمَه الدّين وَلَا تلْزمهُ الْجِنَايَة كَمَا لَو أقرّ بِجِنَايَة ثمَّ عتق لم يلْزمه بعد الْعتْق وَلَو أقرّ بدين لزمَه
وروى الْحسن عَن زفر فِي عبد أَمر صَبيا أَن يقتل رجلا فَقتله فعلى عَاقِلَة الصَّبِي الدِّيَة ثمَّ ترجع عَاقِلَة الصَّبِي على سيد العَبْد فَقَالَ لَهُ ادْفَعْ العَبْد إِلَى الْعَاقِلَة وَأَخذه بِالدِّيَةِ وَهُوَ قَول الْحسن بن زِيَاد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف على عَاقِلَة الصَّبِي الدِّيَة ثمَّ يرجعُونَ على العَبْد إِذا أعتق يَوْمًا إِمَّا بِالْأَقَلِّ من الدِّيَة أَو قيمَة العَبْد
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْحر يَأْمر عبد غَيره أَو صبي غَيره بقتل رجل فَقتله فَإِن كَانَ العَبْد وَالصَّبِيّ يميزان بَينه وَبَين سَيّده وَأَبِيهِ ويريان لسَيِّده وَأَبِيهِ طَاعَة وَلَا يريانها لهَذَا عُوقِبَ الْآمِر وَكَانَ الصَّغِير وَالْعَبْد قاتلين دون الْآمِر وَإِن كَانَا لَا يميزان ذَلِك فالقاتل الْآمِر وَعَلِيهِ الْقود إِن كَانَ الْقَتْل عمدا وَإِذا أَمر الرجل ابْنه الصَّغِير أَو عبد غَيره الأعجمي أَن يقْتله فَقتله فدمه هدر لِأَنِّي لَا أجعَل جنايتهما بأَمْره كجنايته
وروى ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ فِي رجل قَالَ لعبد غَيره اقْتُل نَفسك فَفعل فَهُوَ ضَامِن لقيمته فَإِن قَالَ اقْتُل مَوْلَاك فَفعل فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر العَبْد الْآمِر غَاصِب للْمَأْمُور من جِهَة الْقود وَقَوله لَا يلْزمه إِلَّا بعد الْعتْق وَلَا يلْزمه ضَمَان من جِهَة القَوْل فِي حَال الرّقّ فَيَنْبَغِي أَن يخْتَلف حكمه أَن يكون لَهُ تَمْيِيز أَو لَا يكون لِأَن العَبْد الْمَغْصُوب إِذا غصبه حر لَا يخْتَلف حكمه فِي الضَّمَان أَن يكون مُمَيّزا يقدر على الِامْتِنَاع من الْغَصْب أَو لَا يقدر عَلَيْهِ وَإِذا ثَبت ذَلِك فَمَا كَانَ ضَمَانه من جِهَة الْجِنَايَة لَا يلْزمه بعد

(5/206)


الْعتْق لِأَن جِنَايَة العَبْد لَا تثبت بعد الْعتْق وَمَا كَانَ من ضَمَان الْأَمْوَال فَإِنَّهُ يلْزمه بعد الْعتْق
2304 - فِي الْمُوصي بخدمته إِذا قتل

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي العَبْد الْمُوصى بخدمته لرجل وبرقبته لرجل إِذا قتل خطأ بعد موت الْمُوصي وَهُوَ يخرج من الثُّلُث فَإِنَّهُ تُؤْخَذ قِيمَته فيشترى بهَا عبد فيخدم صَاحب الْخدمَة وَإِن قطعت يَده أَخذ الْأَرْش فَإِن كَانَت الْجراحَة تنقص الْخدمَة اشْترى بِهِ عبدا آخر حَتَّى يَخْدمه مَعَ الأول أَو يُبَاع الأول فيشترى بِالْجَمِيعِ عبد حَتَّى يَخْدمه إِذا تراضوا وَإِن اخْتلفُوا لم يبع العَبْد وَاشْترى بِالْأَرْشِ عبدا يخْدم مَعَه فَإِن لم يُوجد بِهِ عبد وقف الْأَرْش حَتَّى يصطلحا
وَقَالَ مَالك تُؤْخَذ الْقيمَة فَتكون لصَاحب الرَّقَبَة وَيبْطل حق صَاحب الْخدمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيمَة قَائِمَة مقَام العَبْد فَيَنْبَغِي أَن يثبت فِيهَا حق صَاحب الْخدمَة كَالْعَبْدِ الْمَقْتُول لَو كَانَ بَاقِيا أَلا ترى أَن أَرض الْوَقْف لَو غرقها رجل حَتَّى صَارَت بحرا فغرم قيمتهَا أَنه يَشْتَرِي بهَا أَرض فَيُوقف مَكَانهَا
2305 - فِي جِنَايَة الْمُدبر

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قتل الْمُدبر أَو أم الْوَلَد رجلا خطأ فعلى الْمولى الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة إِلَّا أَن تكون الْقيمَة عشرَة ألف أَو أَكثر فَيكون عَلَيْهِ عشرَة ألف إِلَّا عشرَة دَرَاهِم فَإِن قتل آخر فَلَا شَيْء على الْمولى واشتركا فِي تِلْكَ الْقيمَة
وروى الْحسن عَن زفر فِي أم الْوَلَد قتلت رجلَيْنِ أَو ثَلَاثَة خطأ فعلى الْمولى لوَرَثَة كل وَاحِد مِنْهُم الْقيمَة

(5/207)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ قيمَة وَاحِدَة لَهُم جَمِيعًا
وَقَالَ زفر فِي مُدبر قتل دَابَّة لرجل فَلصَاحِب الدَّابَّة أَن يستسعي الْمُدبر فِي قيمَة الدَّابَّة وَإِن شَاءَ اتبع الْمولى بِقِيمَة الْمُدبر ثمَّ اتبع الْمُدبر بِمَا بَقِي من قيمَة الدَّابَّة فاستسعى فِيهِ وَكَذَلِكَ أم الْوَلَد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن شَاءَ صَاحب الدَّابَّة استسعى الْمُدبر فِي جَمِيع قيمَة دَابَّته وَإِن شَاءَ أتبع السَّيِّد بِالْقيمَةِ وَلم يكن لَهُ على الْمُدبر شَيْء حَتَّى يعْتق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي مُدبر اسْتهْلك مَتَاعا فَإِنَّهُ يسْعَى فِيهِ وَلَا شَيْء على الْمولى
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي أم ولد جنت جِنَايَة فعلى الْمولى الْأَقَل من قيمتهَا وَمن أرش الْجِنَايَة
وَقَالَ مَالك فِي الْمُدبر إِذا جنى وَله مَال فَأبى سَيّده أَن يفْدِيه فَإِن لم يكن فِيهِ وَفَاء اسْتعْمل الْمُدبر بِمَا بَقِي دِيَة جرحه
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي جِنَايَة الْمُدبر وَأم الْوَلَد على الْمولى الْقيمَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي جِنَايَة الْمُدبر إِن فدَاه الْمولى وَإِلَّا دفع بهَا وعَلى الْمولى فِي جِنَايَة أم الْوَلَد قيمتهَا إِن بلغ ذَلِك جنايتها
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ جِنَايَة الْمُدبر على سَيّده فَإِن قتل حرا فعلى مَوْلَاهُ الدِّيَة وَإِن قتل خَمْسَة فدياتهم على مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ أم الْوَلَد
وَقَالَ اللَّيْث فِي جِنَايَة أم الْوَلَد يُخَيّر الْمولى بَين أَن يُؤَدِّي عقل جنايتها مَا بَينه وَبَين قيمَة رقبَتهَا وَإِن شَاءَ أَن يخليها تسْعَى فِي قيمَة رقبَتهَا لَيْسَ على الْمولى غير ذَلِك

(5/208)


وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ سَأَلت ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن أم ولد قتلت رجلا قَالَ يُقَال لمولاها أد دِيَة قتيلها فَإِن فعل ذَلِك وَإِلَّا أعْتقهَا عَلَيْهِ وَجعلت دِيَة قتيلها على عاقلتها
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَو جنت أم ولد ضمن الْمولى الْأَقَل من الْأَرْش أَو الْقيمَة فَإِن جنت أُخْرَى فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن الثَّانِي يُشَارك الأول فِي الْقيمَة ثمَّ هَكَذَا كلما جنت وَالْقَوْل الثَّانِي إِن الْمولى يغرم قيمَة أُخْرَى للثَّانِي وَكَذَلِكَ كلما جنت
2306 - فِي جِنَايَة الْمكَاتب

قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي مكَاتب جنى جِنَايَة ثمَّ عجز قبل أَن يقْضِي دينه عَلَيْهِ قيل لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده وَإِن قضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه لوَلِيّ الْجِنَايَة ثمَّ عز فَإِنَّهُ يُبَاع فِيهَا
وَقَالَ زفر إِذا عجز قبل الْقَضَاء أَو بعده فَإِنَّهُ يُبَاع فِيهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا جنى الْمكَاتب قَالَ لَهُ القَاضِي أد وَإِلَّا عجزتك وَلم أسمعهُ يفرق بَين عَجزه قبل قَضَاء القَاضِي أَو بعده
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا جنى الْمكَاتب ثمَّ عجز قيل لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده فَإِن أدّى نصف الْجِنَايَة ثمَّ عجز خير الْمولى بِأَن يدْفع نصفا بِنصْف الْجِنَايَة أَو يفِيدهُ بِنِصْفِهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا عجز بيع فِي الْجِنَايَة إِن لم يود عَنهُ مَوْلَاهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمكَاتب حكمه مراعى فِي الْجِنَايَة فِي رقبته لِأَنَّهُ رَقِيق فَإِن عجز قبل الْقَضَاء صَار كَعبد جنى فيخاطب الْمولى بِالدفع أَو الْفِدَاء وَإِن عجز بعد الْقَضَاء فَإِن القَاضِي قد جعله دينا فَيُبَاع فِيهِ

(5/209)


2307 - فِي الْمكَاتب يَمُوت وَعَلِيهِ جِنَايَة

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي مكَاتب جنى جِنَايَة ثمَّ مَاتَ وَلم يتْرك إِلَّا مائَة دِرْهَم ومكاتبته أَكثر من ذَلِك وَلم يقْض عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فالمائة للْمولى لِأَنَّهُ مَاتَ عبدا وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين مَعَ ذَلِك دفع إِلَى صَاحب الدّين فَإِن كَانَت الْجِنَايَة قد قضى بهَا كَانَ مَا تَركه بَين أَصْحَاب الدّين وَالْجِنَايَة بِالْحِصَصِ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر الْجِنَايَة وَالدّين سَوَاء وَإِن لم يقْض بِالْجِنَايَةِ
قَالَ وَقَول مَالك إِن الْجِنَايَة وَسَائِر الدُّيُون سَوَاء
وَقَالَ مَالك إِذا عجل عتقه على مَال ثمَّ مَاتَ وَعَلِيهِ دين بُدِئَ بدين الْأَجْنَبِيّ ثمَّ الْمولى
وَقَالَ مَالك فِي الْمكَاتب إِذا جنى عَلَيْهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين وَكِتَابَة وَجِنَايَة فَلهُ أَن يبْدَأ بِمَا شَاءَ من ذَلِك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا مَاتَ الْمكَاتب وَعَلِيهِ دين ضرب للْمولى مَعَ الْغُرَمَاء بِمَا بَقِي من الْكِتَابَة
2308 - فِي الْجمل الصؤول

قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي بعير صال على رجل فَقتله الرجل فَهُوَ ضَامِن
وروى عَليّ بن معبد عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ أستقبح أَن أضمنه
وَقَالَ الثَّوْريّ يضمن
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يضمن كَمَا لَو قتل رجلا قصد قَتله

(5/210)


قَالَ أَبُو جَعْفَر الْفرق بَين الرجل وَالْبَعِير لَو قتل الرجل كَانَ هدرا فحرمته قبل قَتله كهي بعده وَلِأَن الضَّرُورَة إِلَى مَال الْغَيْر لَا يسْقط ضَمَانه
2309 - فِي أَعْضَاء الْبَهِيمَة

قَالَ أَبُو حنيفَة فِي شَاة القصاب وبقرة الجزار تفقأ عين وَاحِدَة مِنْهُنَّ فَفِي شَاة القصاب مَا نَقصهَا وَفِي الْبَعِير وَالْبَقَرَة ربع قيمتهَا وَهُوَ قَول زفر
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَن فِي جَمِيع ذَلِك النُّقْصَان وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث
وَقَالَ اللَّيْث أَيْضا إِن فقئ عينهَا أَو كسر رجلهَا أَو قطع ذنبها فَعَلَيهِ ضَمَان الدِّيَة حَتَّى يُؤَدِّي ثمنهَا أَو شراؤها
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي ذَلِك كُله مَا نقص
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي غير الدَّابَّة ربع ثمنهَا فَإِن قطع ذنبها ضمن النُّقْصَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس عِنْد أَصْحَابنَا إِيجَاب النُّقْصَان وَلَكنهُمْ تركُوا الْقيَاس لما رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قضى فِي عين الدَّابَّة بِربع قيمتهَا بِمحضر الصَّحَابَة من غير مُخَالف لَهُ مِنْهُم وَلِأَن مثله لَا يُقَال قِيَاسا فَهُوَ إِذن تَوْقِيف
2310 - فِيمَا يفْسد الْبَهَائِم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار

قَالَ أَصْحَابنَا لَا ضَمَان على أَرْبَاب الْبَهَائِم فِيمَا يُفْسِدهُ أَو يجني عَلَيْهِ لَا فِي اللَّيْل وَلَا فِي النَّهَار إِلَّا أَن يكون رَاكِبًا أَو قائدا أَو سائقا أَو مُرْسلا

(5/211)


وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَا أفسدت الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ على أَهلهَا مِنْهُ شَيْء وَمَا أفسدت بِاللَّيْلِ فضمانه على أَرْبَابهَا
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ لَا ضَمَان على صَاحب الْمَاشِيَة
وروى الْوَاقِدِيّ عَنهُ فِي شَاة وَقعت فِي غزل حائك بِالنَّهَارِ أَنه يضمن وَتَصْحِيح الرِّوَايَتَيْنِ إِذا أرسلها سائبة ضمن بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَإِذا أرسلها مَحْفُوظَة لم يضمن لَا بِاللَّيْلِ وَلَا بِالنَّهَارِ
وَقَالَ اللَّيْث يضمن بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَلَا يضمن أَكثر من قيمَة الْمَاشِيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَعبد الله بن عِيسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام بن محيصة عَن الْبَراء أَن نَاقَة لآل الْبَراء أفسدت شَيْئا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن حفظ الثِّمَار على أَهلهَا بِالنَّهَارِ وَضمن أهل الْمَاشِيَة مَا أفسدت ماشيتهم بِاللَّيْلِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام بن محيصة أَن نَاقَة للبراء بن عَازِب دخلت حَائِطا لرجل فأفسدت فِيهِ فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن على أهل الحوائط حفظهَا بِالنَّهَارِ وكل مَا أفسدت الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فضمانه على أَهلهَا وَهَؤُلَاء أثبت من إِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَعبد الله بن عِيسَى وَرَوَوْهُ مُرْسلا

(5/212)


فَإِن قيل رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن شهَاب عَن حرَام بن محيصة أَن الْبَراء بن عَازِب أخبرهُ وَذكر الحَدِيث
قيل لَهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَعبد الله بن عِيسَى فِي الوراية أتقن من الْأَوْزَاعِيّ فِيهَا وَإِذا كَانَ من ذكرنَا مِمَّن رَوَاهُ مُرْسلا حجَّة عَلَيْهَا فَهِيَ حجَّة على الْأَوْزَاعِيّ على أَن الْفرْيَابِيّ قد رَوَاهُ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام بن محيصة أَن الْبَراء كَانَت لَهُ نَاقَة ضارية ثمَّ ذكر الحَدِيث فَحصل مُنْقَطِعًا
وَقد روى مَالك وسُفْيَان وَيُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العجماء جَبَّار
وروى يزِيد بن هَارُون عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله وَلم يفرق بَين جنايتها بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَهَذَا الحَدِيث أولى لصِحَّة سَنَده واستقامة طَرِيقَته وَلَو تَسَاويا من جِهَة السَّنَد كَانَ هَذَا أولى لِأَن مَا فِي حَدِيث حرَام بن محيصة إِنَّمَا هُوَ على اتِّبَاع شَرِيعَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن النَّفس إِنَّمَا تكون بِاللَّيْلِ مضمنة وصونه لله تَعَالَى فِي ذَلِك وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جرح العجماء جَبَّار شَرِيعَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبتَدأَة بعد الأولى

(5/213)


= كتاب الْحجر =
2311 - فِي الْحجر على الْمُفْسد لمَاله

كَانَ أَبُو حنيفَة لَا يرى الْحجر على الْحر الْبَالِغ الْعَاقِل لَا لسفه وتبذير وَلَا لدين وإفلاس فَإِن حجر عَلَيْهِ القَاضِي ثمَّ أقرّ بدين أَو تصرف فِي مَاله جَازَ ذَلِك عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين وَقضى القَاضِي عَلَيْهِ بالتفليس لم يجز إِقْرَاره وَلَا بَيْعه وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا جَمِيع أَفعاله بعد التَّفْلِيس
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَإِذا كَانَ هَذَا مذْهبه فِي حفظ مَاله على غُرَمَائه حياطة لَهُ فَقِيَاس قَوْله أَن يكون كَذَلِك إِذا كَانَ سَفِيها مبذرا وَلَا دين عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ سَفِيها حجرت عَلَيْهِ وَإِذا فلسته وحبسته حجرت عَلَيْهِ وَلم أجز بَيْعه وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إِقْرَاره بدين إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد بِهِ عَلَيْهِ أَنه كَانَ قبل الْحجر

(5/215)


وَقَالَ ابْن أبي عمرَان عَن ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي الْحجر بِمثل قَول أبي يُوسُف فِيهِ وَيزِيد عَلَيْهِ أَنه إِذا صَارَت فِي الْحَال الَّتِي يسْتَحق مَعهَا الْحجر صَار مَحْجُورا عَلَيْهِ حجر القَاضِي عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك أَو لم يحْجر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف نقُول لَا يكون مَحْجُورا عَلَيْهِ بحدوث هَذِه الْأَحْوَال فِيهِ حَتَّى يحْجر القَاضِي عَلَيْهِ فَيكون بذلك مَحْجُورا عَلَيْهِ
قَالَ مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْحجر على الْحر بَاطِل فَإِذا بلغ الْغُلَام جَازَ تصرفه فِي مَاله بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَغَيرهمَا وَإِن لم يؤنس مِنْهُ رشد كَانَ فَاسِدا ويحال بَينه وَبَين مَاله وَمَعَ ذَلِك إِن أقرّ بِهِ لإِنْسَان أَو بَاعه جَازَ مَا صنع من ذَلِك وَإِذا تمت لَهُ خمس وَعِشْرُونَ سنة دفع إِلَيْهِ مَاله وَإِن لم يؤنس مِنْهُ رشد
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا بلغ وَلم يؤنس مِنْهُ رشد لم يدْفع إِلَيْهِ مَاله وَلَا بَيْعه وَلَا هِبته وَكَانَ بِمَنْزِلَة من لم يبلغ فَمَا بَاعَ أَو اشْترى نظر الْحَاكِم فِيهِ فَإِن رأى إِجَازَته أجَازه وَهُوَ مَا لم يؤنس مِنْهُ رشد بِمَنْزِلَة الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ إِلَّا أَنه يجوز لوصي الْأَب أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي على الَّذِي لم يبلغ وَلَا يجوز أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي على الَّذِي بلغ إِلَّا بِأَمْر الْحَاكِم
وَقَول عبيد الله بن الْحسن فِي ذَلِك كَقَوْل أبي حنيفَة فَبَطل الْحجر على الْحر
وَذكر ابْن الْقَاسِم وَابْن عبد الحكم عَن مَالك قَالَ وَمن أَرَادَ الْحجر على وليه فليحجر عَلَيْهِ عِنْد السُّلْطَان حَتَّى يوقفه للنَّاس يعرفهُ النَّاس وَيسمع مِنْهُ فِي مَجْلِسه وَيشْهد على ذَلِك وَترد بعد ذَلِك مَا مونع بِهِ وَمَا أذن بِهِ السَّفِيه فَلَا يلْحقهُ ذَلِك إِذا صلحت حَاله وَهُوَ مُخَالف للْعَبد إِذا مَاتَ الْمولى قد أدان فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَوته بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَيَاته إِلَّا أَن يُوصي بذلك فِي ثلثه فَيكون ذَلِك لَهُ وَإِذا بلغ الْوَلَد فَلهُ أَن يخرج عَن أَبِيه وَإِن كَانَ أَبوهُ شَيخا

(5/216)


ضَعِيفا إِلَّا أَن يكون الابْن موليا عَلَيْهِ أَو سَفِيها أَو ضَعِيف الْعقل يخَاف عَلَيْهِ فَلَا يكون لَهُ ذَلِك وَقَالَ الْفرْيَابِيّ عَن الثَّوْريّ فِي قَوْله تَعَالَى {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} النِّسَاء 6 قَالَ الْفَصْل وَالْحِفْظ لمَاله
وَكَانَ يُقَال إِذا اجْتمع فِيهِ خصلتان إِذا بلغ الْحلم وَكَانَ حَافِظًا لمَاله لَا يخدع عَنهُ
وَحكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره قَالَ وَإِذا أَمر الله تَعَالَى بِدفع أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَيْهِم بأمرين لم يدْفع إِلَيْهِم إِلَّا بهما وهما الْبلُوغ والرشد وَالصَّلَاح فِي الدّين حَتَّى تكون الشَّهَادَة جَائِزَة مَعَ إصْلَاح المَال وَالْمَرْأَة إِذا أونس مِنْهَا الرشد دفع إِلَيْهَا مَالهَا تزوجت أَو لم تتَزَوَّج كالغلام نكح أَو لم ينْكح لِأَن الله تَعَالَى سوى بَينهمَا وَلم يذكر تزويجا فَإِذا حجر الإِمَام عَلَيْهِ لسفهه وإفساد مَاله أشهد على ذَلِك فَمن بَايعه بعد الْحجر فَهُوَ الْمُتْلف لمَاله وَمَتى أطلق عَنهُ الْحجر ثمَّ عَاد إِلَى حَال الْحجر حجر عَلَيْهِ وَمَتى رَجَعَ إِلَى حَال الْإِطْلَاق أطلق عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول الشَّافِعِي إِن من إيناس الرشد الَّذِي لَا يدْفع المَال إِلَى صَاحبه حَتَّى يكون من أَهله جَوَاز الشَّهَادَة لم نجده عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
وَذكر التَّسْوِيَة بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء وَقد ذكرنَا حكم الْمَرْأَة فِي مَالهَا فِي كتاب النِّكَاح

(5/217)


قَالَ أَبُو جَعْفَر منع الله تَعَالَى الْيَتَامَى بعد بُلُوغ النِّكَاح حَتَّى يؤنس الرشد مِنْهُم بقوله تَعَالَى {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} النِّسَاء 6 وَهِي آيَة محكمَة غير مَنْسُوخَة والابتلاء الْمَذْكُور فِيهَا هُوَ الاختبار لأحوالهم فِي حفظ المَال وتبذيره
فَإِن قيل قد رُوِيَ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله وابتلوا الْيَتَامَى قَالَ عُقُولهمْ قيل لَهُ هَذَا محَال لِاتِّفَاق الْجَمِيع على أَنه مَمْنُوع من مَاله بعد الْبلُوغ إِذا كَانَ مُفْسِدا فَدلَّ على أَن إيناس الرشد لَيْسَ هُوَ الْعقل فَحسب لِأَنَّهُ لَو كَانَ إيناس الرشد هُوَ الْعقل لما صرفه أحد مِنْهُ مَعَ وجود الْعقل
فَإِن قيل قَالَ الله تَعَالَى فِي آيَة الدّين {فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها أَو ضَعِيفا أَو لَا يَسْتَطِيع أَن يمل هُوَ فليملل وليه بِالْعَدْلِ} الْبَقَرَة 282 فَأجَاز مداينة السَّفِيه فَدلَّ على أَن مداينة السَّفِيه لَا يُوجب حجرا
قيل لَهُ اسْم السَّفه يَقع على مَعَاني مُخْتَلفَة مِنْهَا السَّفه فِي المَال وَهُوَ تبذيره وإفساده وَوَضعه فِي غير موَاضعه فَذَلِك السَّفه الْمُخْتَلف فِي حَال أَهله وَاسْتِحْقَاق الْحجر بِهِ وَمِنْهَا السَّفه فِي اللِّسَان وَمَعَهُ إصْلَاح المَال وَذَلِكَ غير مُوجب للحجر
وَيدل على أَن السَّفه قد يكون فِي غير المَال قَوْله تَعَالَى {إِلَّا من سفه نَفسه} الْبَقَرَة 130 قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُرِيد أهلكها وأوبقها وَمِنْه مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ لَهُ عبد الله بن عَمْرو إِنِّي أحب أَن يكون رَأْسِي دهينا وقميصي غسيلا وشراك نَعْلي جَدِيدا أَفَمَن الْكبر هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ لَا إِنَّمَا الْكبر من سفه الْحق وَغَمص النَّاس وَهَذَا يعود إِلَى معنى إهلاكه نَفسه ويوبقها

(5/218)


قَالَ وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {فليملل وليه بِالْعَدْلِ} الْبَقَرَة 282 قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْهَاء فِي قَوْله وليه رجعت إِلَى صَاحب الدّين وَالْآخر أَنَّهَا رجعت إِلَى الَّذِي يتَوَلَّى الَّذِي عَلَيْهِ الدّين بأَمْره وَفِي أمره إِيَّاه يدل على انْتِفَاء الْحجر عَنهُ وَأَنه إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى غَيره فِي ذَلِك السَّفه الَّذِي قصر بِهِ عَن إملاء ذَلِك عَن نَفسه لجهله بِوُجُوه الْأَحْكَام
وَيدل على تَأْكِيد أَمر الْحجر مَا رُوِيَ عَن عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ مَا روى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عبد الله بن جَعْفَر أَتَى الزبير فَقَالَ إِنِّي ابتعت بيعا ثمَّ إِن عليا يُرِيد أَن يحْجر عَليّ فَقَالَ الزبير فَأَنا شريكك فِي البيع فَأتى عَليّ عُثْمَان فَسَأَلَهُ أَن يحْجر على عبد الله بن جَعْفَر فَقَالَ الزبير أَنا شَرِيكه فِي هَذَا البيع قَالَ فَقَالَ عُثْمَان كَيفَ أحجر على رجل شَرِيكه الزبير فَهَذَا يدل على أَنهم جَمِيعًا قد رأو الْحجر جَائِزا وشاركه الزبير ليدفع الْحجر عَنهُ وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير نَكِير غَيرهم عَلَيْهِم وَلَا خلاف
قَالَ أَبُو بكر لَيْسَ فِيهِ دلَالَة على أَنه من مَذْهَب الزبير جَوَاز الْحجر وَإِنَّمَا يدل ذَلِك على تسويغه لعُثْمَان الْحجر وَلَا دلَالَة فِي ذَلِك على أَن ذَلِك كَانَ رَأْيه لِأَن ذَلِك يحكم سَائِر مسَائِل الِاجْتِهَاد
وَقد روى يزِيد بن هُرْمُز أَن نجدة كتب إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله مَتى يَنْقَضِي يتم الْيَتِيم فَكتب عبد الله بن عَبَّاس كتبت تَسْأَلنِي مَتى يَنْقَضِي يتم الْيَتِيم

(5/219)


ولعمري أَن الرجل تنْبت لحيته وَهُوَ الضَّعِيف الْأَخْذ لنَفسِهِ ضَعِيف الْإِعْطَاء مِنْهَا فَإِذا أَخذ لنَفسِهِ من صَالح مَا يَأْخُذ النَّاس فقد انْقَطع عَنهُ الْيُتْم وَفِي لفظ آخر أَنه إِذا بلغ الْحلم أونس رشده وَدفع إِلَيْهِ مَاله فقد انْقَضى يتمنه
وروى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة بلغَهَا أَن ابْن الزبير بلغه أَنَّهَا باعت بعض رباعها فَقَالَ لتنتهين أَو لأحجرن عَلَيْهَا فبلغها ذَلِك فَقَالَت لله عَليّ أَن لَا ُأكَلِّمهُ أبدا فَثَبت بذلك أَن ابْن الزبير كَانَ يرى الْحجر على المتسرع فِي مَاله وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن عَائِشَة كَانَت ترى الْحجر إِلَّا أَنَّهَا أنْكرت عَلَيْهِ أَن تكون هِيَ من أهل الْحجر فلولا ذَلِك لبينت أَن الْحجر لَا يجوز ولردت عَلَيْهِ قَوْله
قَالَ وَاحْتج أَبُو يُوسُف لأبي حنيفَة فِي مذْهبه لرفع الْحجر بِمَا روى مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر أَن رجلا ذكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يخدع فِي الْبيُوع فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة وَكَانَ الرجل إِذا بَايع يَقُول لَا خلابة
فَفِي هَذَا الحَدِيث وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه كَانَ يغبن فِي الْبيُوع فَلم يمنعهُ من التَّصَرُّف وَلم يحْجر عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ لَهُ إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة أَي لَا ينفذ على خلابتك إيَّايَ فَجعل بيوعه مُعْتَبرَة فَإِن كَانَ فِيهَا خلابة لم يجز عَلَيْهِ

(5/220)


وَقد نهى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حَدِيث آخر أَن يَبِيع حَاضر لباد وَقَالَ دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض
وَهَذَا إِنَّمَا يدل على قَول مُحَمَّد فِي اعْتِبَاره عُقُود الْمَحْجُور عَلَيْهِ قَالَ وَلم نجد عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنه لَا حجر كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن سِيرِين فَإِنَّهُ قد روى شُعْبَة عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ لَا حجر على حر
وروى ابْن عون عَن ابْن سِيرِين أَنه كَانَ لَا يرى الْحجر شَيْئا
2312 - فِي عتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ ونكاحه

قَالَ مُحَمَّد فِي الأَصْل وَإِن أعتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ عبدا لَهُ جَازَ عتقه وَيسْعَى فِي قِيمَته للَّذي أعْتقهُ إِن دبره جَازَ تَدْبيره ويستخدمه وَلَا يجوز بَيْعه فَإِن مَاتَ الْمولى وَلم يؤنس مِنْهُ رشد سعى العَبْد فِي جَمِيع قِيمَته مُدبرا كَالْمَرِيضِ إِذا أعتق وَعَلِيهِ دين وَلَو تزوج امْرَأَة جَازَ نِكَاحه بِمهْر الْمثل وَيبْطل الْفضل
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد بعد ذَلِك فِي أَمَالِيهِ من رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة وَإِذا أعتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ عبدا من عبيده فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ عتقه جَائِز وَيسْعَى فِي جَمِيع قِيمَته
وَقَالَ مُحَمَّد الْعتْق جَائِز وَلَا يسْعَى فِي شَيْء قَالَ وَلَو كَانَ تجب عَلَيْهِ السّعَايَة لوَجَبَ إِذا طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول أَن لَا يجب لَهَا شَيْء لم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا

(5/221)


وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك الْأَمر عندنَا أَن السَّفِيه يجوز طَلَاقه وَلَا يجوز عتاقه مَحْجُورا عَلَيْهِ كَانَ أَو غير مَحْجُور عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثل ذَلِك
وَقَالَ عَنهُ فِي جواباته أيبيع وَلَا يجوز نِكَاح السَّفِيه وَلَا عتقه إِلَّا فِي أم وَلَده
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِن أَكثر الْمَحْجُور عَليّ الطَّلَاق لم يُزَوّج وسرى وَالْعِتْق مَرْدُود
وَقَالَ عَنهُ الرّبيع وَيجوز طَلَاق الْمَحْجُور عَلَيْهِ الْبَالِغ وَلَا يجوز عتقه لأم وَلَده وَلَا لغَيْرهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو عتقه من أَن يكون قد تنَاوله الْحجر فَلَا ينفذ أَو لم يتَنَاوَلهُ فَينفذ بِلَا سِعَايَة فَلَمَّا كَانَ الْمَمْلُوك مَالا لَهُ وَهُوَ مَحْجُور عَلَيْهِ فِي مَاله بِدلَالَة بطلَان بَيْعه وَهُوَ مَعَ ذَلِك يعتاض عَنهُ فالعتق أولى بِالْبُطْلَانِ إِذا لم يعتض مِنْهُ وَقَول من أوجب السّعَايَة بَاطِل لِأَن الْعتْق عِنْده لم يدْخل فِي الْحجر فَلَمَّا بَطل قَول من أوجب السّعَايَة وَقَول من أوجبه بِلَا سِعَايَة صَحَّ أَن عتقه لَا ينفذ
فَإِن قيل فَلَو طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول لزمَه ذَلِك وَقد كَانَ الْبضْع فِي حكم المَال لِأَنَّهَا لَو ارْتَدَّت سقط مهرهَا فَكَذَلِك عتقه كطلاقه
قيل لَهُ لم يدْخل الطَّلَاق فِي الْحجر فَهُوَ فِيهِ بعد الْحجر كَهُوَ قبله لِأَن الْبضْع نَفسه لَيْسَ بِمَال وَالْعِتْق وَاقع فِي عبد هُوَ مَال لَهُ دَاخل فِي الْحجر لَا يجوز بَيْعه وتصرفه فَصَارَ عتقه فِيهِ كَبَيْعِهِ وهبته وَلَا فرق بَين أم الْوَلَد وَغَيرهَا من مماليكه لِأَنَّهَا فِي الْحَيَاة مَال لَهُ أَلا ترى أَن قَاتلا لَو قَتلهَا لَا يسْتَحق هُوَ قيمتهَا كهي لَو لم تكن أم ولد لَهُ ويطأها بِملك الْيَمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمَا ذكره مُحَمَّد بن الْحسن من تشبيهه عتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ

(5/222)


بِعِتْق الْمَرِيض الَّذِي عَلَيْهِ دين فَغير مشبه لَهُ من قبل ان الْمَرِيض جَائِز التَّصَرُّف فِي أَمْوَاله وَإِنَّمَا يفْسخ مِنْهُ بعد الْمَوْت مَا يجب فَسخه أَلا ترى لَو وهب عَبده فِي مَرضه فَأعْتقهُ الْمَوْهُوب وعَلى الْمَرِيض دين يُحِيط بِمَالِه ثمَّ مَاتَ أَن الْمَوْهُوب لَهُ يغرم قِيمَته كلهَا وَلم تبطل الْهِبَة فَدلَّ ذَلِك على جَوَاز تصرفه
قَالَ أَبُو بكر يُؤَكد هَذَا الْمَعْنى أَنه لَا حق لأحد قبل الْمَوْت فِي فسخ عقوده وتصرفه وَإِنَّمَا يثبت لَهُم الْحق بعد مَوته وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَحْجُور عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالْحجرِ قد صَارَت أَقْوَاله وعقوده كلا عُقُود فَلم ينف
قَالَ وَأما نِكَاحه فقد اتَّفقُوا أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ أَن يُزَوجهُ فِي حَال حجره فَدلَّ ذَلِك على أَنه لم يدْخل فِي الْحجر وَإِنَّمَا تنَاول الْحجر غير التَّزْوِيج فَإِذا تزوج جَازَ بِمهْر الْمثل
قَالَ أَبُو بكر فَهَذَا يدل على بطلَان الْحجر لِأَن وليه لَا يَبِيع عَلَيْهِ وَلَا يتَصَرَّف فِي مَاله فَكَانَ فِي سَائِر مَاله بِمَنْزِلَة الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَكَانَ ذَلِك يُوجب جَوَاز تصرف وليه فِي مَاله
آخر كتاب الْحجر

(5/223)


= كتاب الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة =
2313 - فِي الْإِذْن فِي تِجَارَة خَاصَّة

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ اقعد قصارا أَو صباغا فَهَذَا إِذن لَهُ فِي التِّجَارَات كلهَا وَإِذا أذن لَهُ فِي تِجَارَة خَاصَّة فَهُوَ مَأْذُون لَهُ فِي سَائِر التِّجَارَات وَإِن قَالَ لَهُ أجر نَفسك فِي البقالين أَو فِي عمل من الْأَعْمَال فَهَذَا إِذن مِنْهُ فِي سَائِر التِّجَارَات
وَلَو قَالَ أجر نَفسك من فلَان لم يكن مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة لِأَنَّهُ أمره أَن يُؤَاجر نَفسه من إِنْسَان بِعَيْنِه فَإِذا أرسل عَبده ليَشْتَرِي لَهُ ثوبا أَو أرسل جَارِيَته لتشتري لَهُ لَحْمًا بدرهم فَهَذَا فِي الْقيَاس إِذن فِي التِّجَارَة وَلَا يكون إِذْنا اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ الْحسن بن صَالح إِذا أذن لَهُ فِي نوع من التِّجَارَات فَهُوَ إِذن فِي التِّجَارَات كلهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أذن لَهُ فِي تِجَارَة خَاصَّة فَهُوَ مَأْذُون لَهُ فِيهَا خَاصَّة لَا يجوز لَهُ أَن يتجر فِي غَيرهَا وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا خلى بَينه وَبَين الشِّرَاء وَالْبيع فَهُوَ مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة كلهَا وَإِذا قَالَ لَهُ أد إِلَى الْغَد لم يكن مَأْذُونا فِي التِّجَارَة فَإِن

(5/225)


أقعده قصارا لم يكن مَأْذُونا لَهُ قَالَ وَلَا يشبه هَذَا الْبَز لِأَن هَذَا عَامل بِيَدِهِ قد عرف النَّاس حَاله وَأَنَّهُمْ لم يؤمروا بمداينته
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أذن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة فَزعم الْمولى أَنه لم يَأْذَن لَهُ إِلَّا فِي خَاص مِنْهَا قَالَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بذلك وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن لجَمِيع مَا لحق العَبْد من الدّين
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على جَوَاز تَخْصِيص الْوكَالَة بالقصارة أَنه غير جَائِز لَهُ أَن يتعداها وَإِن دخل فِيهَا شِرَاء الصابون والأشنان فَكَذَلِك الْإِذْن فِي القصارة يجوز أَن يكون خَاصّا فِيهَا دون غَيره وَلما جَازَت الْمُضَاربَة الْخَاصَّة فِي نوع من التِّجَارَات كَانَ كَذَلِك حكم الْإِذْن فِي التِّجَارَة
2314 - فِي العَبْد الْمَأْذُون لَهُ هَل يكون عَلَيْهِ دين لمَوْلَاهُ

قَالَ أَصْحَابنَا لَا يثبت للْمولى على عَبده دين سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ دين أَو لم يكن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَا يَقْتَضِيهِ معنى مذْهبه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي العَبْد الْمَأْذُون إِذا داينه سَيّده لزم ذَلِك العَبْد وَيضْرب بِدِينِهِ مَعَ الْغُرَمَاء مَا لم يحابي العَبْد سَيّده
قَالَ وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ مَعَ العَبْد مَال لسَيِّده قد دَفعه إِلَيْهِ يتجر بِهِ فلحق العَبْد دين فَإِن الدّين الَّذِي لحق العَبْد يكون فِي مَال سَيّده الَّذِي دَفعه إِلَى العَبْد يتجر بِهِ وَفِي مَال العَبْد وَلَا يكون فِي رَقَبَة العَبْد وَيكون بَقِيَّة الدّين فِي ذمَّة العَبْد وَلَا يكون فِي ذمَّة السَّيِّد من ذَلِك الدّين شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر العَبْد لَا يملك إِذا كَانَ ملكا لغيره وَلَا يجوز أَن يكون لمَوْلَاهُ عَلَيْهِ دين لِاسْتِحَالَة وجوب الدّين لَهُ فِي مَال نَفسه لِأَنَّهُ لَو كَانَ يجب لَهُ فِي مَاله دين كَانَ قد وَجب لَهُ على نَفسه دين وَهَذَا محَال

(5/226)


2315 - فِي عَارِية الْمَأْذُون وهديته

قل أَصْحَابنَا يجوز هَدِيَّة العَبْد التَّاجِر الطَّعَام ودعوته وعاريته دَابَّته وَكره كسْوَة الثَّوْب وَالدَّنَانِير
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يجوز للْعَبد أَن يُعْطي من مَاله شَيْئا بِغَيْر أَمر سَيّده سَوَاء كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة أَو غير مَأْذُون لَهُ وَكَذَلِكَ الْعَارِية والدعوة إِلَى الطَّعَام إِلَّا أَن يكون مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة فيصنع ذَلِك ليجتر بِهِ إِلَيْهِ المُشْتَرِي مِنْهُ فيطلب بذلك الْمَنْفَعَة فِي شِرَائِهِ وَبيعه فَيكون هَذَا من التِّجَارَة وَيجوز فَإِن علم أَن أَهله لَا يكْرهُونَ الدعْوَة فَأجَاز لَهُ ذَلِك
وَقَالَ ابْن وهب سَأَلت اللَّيْث عَن عبد مَمْلُوك فِي منزل تمر بِهِ وَهُوَ فِيهِ يقدم إِلَيْك طَعَاما لَا تَدْرِي هَل أمره سَيّده أم لَا
قَالَ اللَّيْث الضِّيَافَة حق وَاجِب وَأَرْجُو أَن لَا يكون بذلك بَأْس إِن شَاءَ الله
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة لَا يهب وَلَا يصدق وَلَا يتَزَوَّج وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَمْلُوك الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِلَّا فِي البيع وَالشِّرَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر العَبْد لَا يملك فحاله بعد الْإِذْن فِي الْهَدِيَّة وَالْعَارِية والدعوة كَهُوَ قبل الْإِذْن إِذْ لَيْسَ ذَلِك من التِّجَارَة فَإِن احْتج بِحَدِيث سلمَان الْفَارِسِي الَّذِي رَوَاهُ عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن مَحْمُود بن أَسد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي سلمَان الْفَارِسِي ذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَذكر فِيهِ أَنه كَانَ عبدا قَالَ فَلَمَّا أمسيت جمعت مَا كَانَ عِنْدِي ثمَّ خرجت حَتَّى جِئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ نفر من أَصْحَابه فَقلت بَلغنِي إِنَّه لَيْسَ بِيَدِك شَيْء وَأَن مَعَك أَصْحَابك

(5/227)


وَأَنْتُم أهل حَاجَة وغربة وَقد كَانَ عِنْدِي شَيْء وَضعته للصدقة فَلَمَّا ذكر لي مَكَانكُمْ رأيتكم أَحَق بِهِ ثمَّ وَضعته لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلوا وَأمْسك هُوَ ثمَّ أَتَيْته بعد أَن تحول إِلَى الْمَدِينَة وَقد جمعت شَيْئا فَقلت رَأَيْتُك لَا تَأْكُل الصَّدَقَة وَقد كَانَ عِنْدِي شَيْء أَحْبَبْت أَن أكرمك بِهِ لَيْسَ بِصَدقَة فَأكل وَأكل أَصْحَابه
وروى شريك عَن عبيد الْمكتب عَن أبي الطُّفَيْل عَن سلمَان قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة فَردهَا وأتيته بهدية فقبلها وَرَوَاهُ ابْن بُرَيْدَة أَيْضا عَن أَبِيه عَن سلمَان
فَإِن هَذَا لَيْسَ فِيهِ حجَّة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْأَل سلمَان أمأذون هُوَ أَو مَحْجُور عَلَيْهِ وَجَائِز أَن يكون إِنَّمَا قبل هديته على ظَاهر الْحُرِّيَّة وَإِن كَانَ الْبَاطِن خلَافهَا كَمَا بَايع الْمَمْلُوك الَّذِي بَايعه فِي حَدِيث جَابر بن عبد الله على ظَاهر الْحُرِّيَّة وَقد كَانَ عبدا
وَحَدِيث جَابر يرويهِ اللَّيْث عَن أبي الزبير عَن جَابر أَنه قَالَ جَاءَ عبد فَبَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْهِجْرَة وَلَا يشْعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عبد فجَاء سَيّده يُريدهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعنيه فَاشْتَرَاهُ بعبدين أسودين وَلم يُبَايع أحدا حَتَّى يسْأَله أعبد هُوَ فَجَائِز أَن يكون قبل هَدِيَّة سلمَان على هَذَا الْوَجْه

(5/228)


قَالَ أَبُو بكر لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ حِين علم برق سلمَان يامر برد صدقته وهديته وغرامتها فَلَمَّا لم يفعل ذَلِك دلّ على أَنه قبلهَا مَعَ علمه بِأَنَّهُ عبد وعَلى أَن العَبْد وَالْحر فِي ذَلِك سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد ذكرنَا عَن اللَّيْث بن سعد إِيجَاب الضِّيَافَة وَجعل من أجل ذَلِك من نزل على العَبْد قبُول ذَلِك وَأكله من غير إِذن مَوْلَاهُ وحجته فِي ذَلِك حَدِيث شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن الشّعبِيّ عَن الْمِقْدَام أبي كَرِيمَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الضَّيْف حق وَاجِب على كل مُسلم فَإِن أصبح بفنائه فَإِنَّهُ دين إِن شَاءَ اقْتَضَاهُ وَإِن شَاءَ تَركه
وروى اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّك تبعثنا فنمر بِقوم فَقَالَ إِن نزلتم بِقوم فَأمروا لكم بِمَا يَنْبَغِي للضيف قاقبلوا فَإِن لم يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حق الضَّيْف الَّذِي يَنْبَغِي
وروى عبد الرَّحْمَن بن أبي عَوْف الجرشِي عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل ضاف بِقوم فَلم يقروه كَانَ لَهُ أَن يعقبهم بِمثل قراه
وَبِمَا حَدثنَا بِهِ فَهُوَ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن صَالح قَالَ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن

(5/229)


صَالح أَن أَبَا طَلْحَة حَدثهُ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا ضيف نزل بِقوم فَأصْبح محروما فَلهُ أَن يَأْخُذ بِقدر قراه وَلَا حرج عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر فَظَاهر هَذِه الْأَخْبَار يُوجب الضِّيَافَة وَجَائِز أَن يكون مَنْسُوخَة
وَقد روى عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ حَدثنَا الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ جِئْت أَنا وَصَاحب لي قد كَادَت تذْهب أسماعنا وأبصارنا من الْجُوع فَجعلنَا نتعرض للنَّاس فَلم يضفنا أحد فأتينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أَصَابَنَا جوع شَدِيد فتعرضنا للنَّاس فَلم يضفنا أحد فأتيناك فَذهب إِلَى منزله وَعِنْده أَرْبَعَة أعنز فَقَالَ يَا مقداد احلبهن وجزء اللَّبن لكل اثْنَيْنِ جُزْءا
فَلم يأمرهما أَن يأخذا مَا استضافا بِمِقْدَار ضيافتهما مَعَ شدَّة حاجتهما إِلَى ذَلِك فَدلَّ ذَلِك على أَن الضِّيَافَة قد كَانَت غير وَاجِبَة فِي بعض الْأَوْقَات
وروى اللَّيْث عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي شُرَيْح الْعَدوي أَنه قَالَ سَمِعت أذناي وأبصرت عَيْنَايَ حِين تكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم جَاره من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه جائزته قَالَ وَمَا جائزته يَا رَسُول الله قَالَ يَوْمه وَلَيْلَته للضيافة ثَلَاث فَمَا كَانَ وَرَاء ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة عَلَيْهِ وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو ليصمت
فَأخْبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن الضِّيَافَة من كَرَامَة الضَّيْف فَدلَّ على انْتِفَاء

(5/230)


وُجُوبهَا وَجَائِز أَن تكون قد كَانَت وَاجِبَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا لقلَّة عدد أهل الْإِسْلَام فِي ذَلِك الْوَقْت وتقارب وتباعد مواطنهم أَن يَقع ذَلِك لعُمُوم الْإِسْلَام فِي الْجوَار لِأَن فِي حَدِيث شُرَيْح أَنَّهَا جائزته والجائزة منحة والمنحة إِنَّمَا تكون عَن اخْتِيَاره لَا عَن وجوب
2316 - فِي دين الْمَأْذُون هَل هُوَ فِي رقبته أَو فِي كَسبه

قَالَ أَصْحَابنَا الْمَأْذُون وَكَسبه فِي دُيُون الْغُرَمَاء فَإِن كَانَ الْمولى قد أَخذ مِنْهُ غلَّة عشرَة دَرَاهِم فِي كل شهر لم يرجع عَلَيْهِ الْغُرَمَاء مِنْهَا بِشَيْء فَإِن كَانَ أَخذ أَكثر من ذَلِك رد الْفضل وللغرماء أَن لَا يطلبوا بيع العَبْد ويستسعوه فِي دينهم حَتَّى يستوفوه فَإِن طلبُوا بَيْعه فَبيع بِأَقَلّ من الدّين اقتسموا الثّمن بَينهم بِالْحِصَصِ على قدر دُيُونهم وَلم يكن لَهُم على العَبْد سَبِيل حَتَّى يعْتق فَإِذا عتق أتبعوه بِمَا بَقِي من دينهم
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للْغُرَمَاء من خراج العَبْد شَيْء وَلَا من الَّذِي يبْقى فِي يَد العَبْد بعد الْخراج وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لَهُم فِي مَال العَبْد إِن وهب للْعَبد مَال أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ إِذْ أوصى لَهُ بِهِ فَقبله العَبْد فَأَما مَا عمله فَلَيْسَ لَهُم فِيهِ قَلِيل وَلَا كثير وَإِنَّمَا يكون دينهم الَّذِي صَار فِي ذمَّة العَبْد فِي مَال العَبْد إِن طَرَأَ للْعَبد مَال يَوْمًا مَا بِحَال مَا وصفت لَك وَإِن عتق العَبْد يَوْمًا مَا كَانَ ذَلِك الدّين يبتع بِهِ وَإِن قبل وَأَخذه سَيّده قِيمَته فَلَا شَيْء لَهُم فِي قِيمَته
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أعْتقهُ مَوْلَاهُ وَعَلِيهِ دين يضمن قِيمَته ويبيعه غرماؤه بِمَا زَاد على قِيمَته

(5/231)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أذن لَهُ مَوْلَاهُ فِي البيع وَالشِّرَاء فِي مَال مَوْلَاهُ مِمَّا لحقه من دين فَهُوَ من مَال مَوْلَاهُ وَإِن كَانَ إِنَّمَا أذن لَهُ فِي البيع وَالشِّرَاء فِي مَال العَبْد أَو توجه العَبْد ثمَّ لحقه دين فَهُوَ فِي مَال العَبْد وَفِي رقبته وَإِن كَانَ دفع إِلَيْهِ مَالا مُسَمّى فادان فَهُوَ فِيمَا دفع إِلَيْهِ من مَاله وَفِي رَقَبَة العَبْد
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن رجل زوج عَبده حرَّة وَجعل مهرهَا على نَفسه ثمَّ مَاتَ وَلم يدع مَالا غير العَبْد
قَالَ إِن أدّى لَهَا أولياؤه مَا جعل على نَفسه من صداقتها فَهِيَ أَحَق بِهِ مَا أَقَامَت على نِكَاحه وَإِن كَرهُوا ذَلِك أسلموه إِلَيْهَا وَحرمت عَلَيْهِ
وَذكر حميد عَن الْحسن بن صَالح قَالَ إِذا خرق العَبْد ثوب الرجل وأفسد لَهُ شَيْئا أَو اسْتهْلك لَهُ مَالا بِغَيْر أمره فَهُوَ دين فِي رَقَبَة العَبْد يسْعَى فِيهِ فَإِن بَاعه مَوْلَاهُ كَانَ ثمنه فِي دينه وَإِن فضل شَيْء عَن العَبْد لم يتبع بِهِ للْعَبد وَإِن عتق لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُم ثمنه لَيْسَ لَهُم بعد ذَلِك شَيْء وَكَذَلِكَ كَانَ قَوْله فِي الْمَأْذُون لَهُ إِذا بَاعه مَوْلَاهُ ثمَّ أدّى ثمنه لم يتبع العَبْد بعد ذَلِك بِشَيْء وَإِن عتق
وَذكر عَنهُ الْمُخْتَار قَالَ إِذا قَاطع مَمْلُوكه على الْغلَّة فآجر نَفسه مِمَّا أدّى فَهُوَ فِي رقبته وَإِذا كَانَ سَيّده يؤاجره فَلَيْسَ عَلَيْهِ من دينه شَيْء قَالَ وَإِذا ادان الْمَأْذُون لَهُ ثمَّ جنى فَإِنَّهُ يُخَيّر مَوْلَاهُ فَإِن دَفعه بِجِنَايَتِهِ اتبعهُ دينه وَإِن أعْتقهُ ضمن جِنَايَته وَيتبع الدّين الْمَمْلُوك وَإِن لم يعتقهُ فَلَيْسَ للْغُرَمَاء أَن يبيعوه وَلَكِن يؤاجرونه ولايأخذ مَوْلَاهُ من غَلَّته شَيْئا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ على الْمَأْذُون دين وعَلى مَوْلَاهُ دين وَقد أفلسا فغرماء العَبْد أولى بِمَال العَبْد من غُرَمَاء الْمولى وَيُبَاع العَبْد لغرماء السَّيِّد
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يُوجب أَلا يُبَاع العَبْد فِي دين نَفسه
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن غراماء العَبْد أَحَق أَن يستسعوه وَأَن يبيعوه من سَيّده وَإِن قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بدين ومولاه غَائِب بيع فِي دينه

(5/232)


وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَإِذا أذن الرجل لعَبْدِهِ فِي التَّزْوِيج فَتزَوج كَانَ لَهَا الْمهْر مَتى عتق وَفِي إِذْنه لعَبْدِهِ إِذن باكتساب الْمهْر وَالنَّفقَة إِذا وَجَبت عَلَيْهِ فَإِن كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة أعْطى مِمَّا فِي يَده
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي العَبْد إِذا اسْتهْلك مَالا لغير مَوْلَاهُ بِغَيْر أَمر مَوْلَاهُ أَن على مَوْلَاهُ بَيْعه فِيهِ لصَاحبه إِلَّا أَن يَشَاء أَن يفْدِيه من مَاله بذلك فَوَجَبَ أَن يكون ذَلِك حكم مَا لزمَه فِي التِّجَارَة بِإِذن مَوْلَاهُ
وَأما قَول الْحسن بن صَالح إِنَّه إِذا بيع فِي الدّين وَفضل دينه عَن الثّمن أَنه لَا يتبع بِهِ بعد الْعتْق فَلَا معنى لَهُ لِأَن الدّين كَانَ على العَبْد لَا على غَيره وَلذَلِك بيع فِيهِ فَلم يثر مِمَّا بَقِي بِالْبيعِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس أَن يكن الْغُرَمَاء أولى بِمِقْدَار مَا عَلَيْهِ من الْمولى كَسَائِر إكسابه
2317 - فِي صدَاق الْأمة الْمَأْذُون لَهَا أرش يَديهَا

قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أذن لَهَا فِي التِّجَارَة ففقأ رجل عينهَا ثمَّ لحقها دين فَإِن الْأَرْش للْمولى وَلَا حق للْغُرَمَاء فِيهِ وَإِن كَانَ الدّين قبل الفقء فالأرش للْغُرَمَاء وَكَذَلِكَ الْوَلَد بِمَنْزِلَة الْأَرْش وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الفاقئ عبدا فَدفع بِهِ فَهُوَ كَالْوَلَدِ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر فِي الْمَأْذُون لَهَا يجوز للْمولى أَن يُزَوّجهَا كَانَ عَلَيْهَا دين أَو لم يكن وَالْمهْر للسَّيِّد سوآء زَوجهَا قبل الدّين أَو بعده
قَالَ أَبُو يُوسُف إِن زَوجهَا وَعَلَيْهَا دين فالمهر للْغُرَمَاء وَإِن زَوجهَا قبل أَن يلْحقهَا دين فالمهر للسَّيِّد وَكَذَلِكَ الْوَطْء بِشُبْهَة على هَذَا الْخلاف
قَالَ وَقَالَ زفر لَا يُبَاع وَلَدهَا فِي دينهَا وَهُوَ للسَّيِّد وَلدته قبل الدّين أَو بعده وتباع رقبَتهَا

(5/233)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن ولدت قبل أَن يستدين لم تبع وَإِن ولدت بعد الدّين بيع فِي دينهَا
وَذكر سلمَان بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد مثل ذَلِك قَالَ مُحَمَّد وَالْكَسْب للْغُرَمَاء سَوَاء مَا كسبته قبل الِاسْتِدَانَة أَو بعْدهَا إِذا لحقها الدّين وَهُوَ فِي يَدهَا ثمَّ يَأْخُذهُ السَّيِّد قبل ذَلِك
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا جرح الْمَأْذُون لَهُ وَعَلِيهِ دين فالأرش للْمولى
وَقَالَ الشَّافِعِي كمعنى قَول مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَمَا كَانَ للْغُرَمَاء بَيْعه فِي دينه كَذَلِك أرش أَعْضَائِهِ وكما يَأْخُذُونَ قِيمَته لَو قتل وَقد دللنا على استحقاقهم بَيْعه فِيمَا سلف وَإِذا كَانَ لَهُم أَخذ قِيمَته وَأرش جِنَايَته كَذَلِك لَهُم أَخذ صَدَاقهَا سَوَاء نَقصهَا الْوَطْء أَو لم ينقصها
وَقَالَ زفر فِي الْوَطْء بِشُبْهَة إِن نَقصهَا وَذَلِكَ بعد الدّين فالمهر للْغُرَمَاء وَإِن كَانَ قبل الدّين فَهُوَ للْمولى وَإِن لم ينقصها فالمهر للْمولى قبل الدّين وَبعده
2318 - فِيمَا وهب للمأذون لَهُ

وَقَالَ أَصْحَابنَا فِيمَا وهب للْعَبد هُوَ كَسَائِر إكسابه الْغُرَمَاء أَحَق بِهِ من الْمولى سَوَاء استفاده قبل الدّين أَو بعده
وَقَالَ الْحسن عَن زفر لَا سَبِيل للْغُرَمَاء على الْهِبَة سَوَاء وهب لَهُ قبل الدّين أَو بعده

(5/234)


وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا لحقه دين ووهب لَهُ هبة فَهِيَ للْغُرَمَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَن مَا وهب للْمكَاتب بِمَنْزِلَة سَائِر إكسابه فَكَذَلِك الْمَأْذُون لَهُ يجب أَن يكون مَا وهب لَهُ كَسَائِر إكسابه وَلَيْسَ أرش الْجِنَايَة كالكسب لِأَن ذَلِك ملك للْمولى لم يستفده من جِهَة العَبْد فَلَا يلْحقهُ دين وَجب بعد لُزُومه كَمَا فِي يَده للْمولى
2319 - فِي العَبْد بَين رجلَيْنِ يَأْذَن لَهُ أَحدهمَا فِي التِّجَارَة

قَالَ أَصْحَابنَا فِي عبد بَين رجلَيْنِ أذن لَهُ أَحدهمَا فِي التِّجَارَة إِن ذَلِك جَائِز فِي نصِيبه وَمَا لحقه من الدّين فَهُوَ فِي نصِيبه خَاصَّة دون من لم يَأْذَن وَلَيْسَ للْآخر أَن ينهاه عَن الشِّرَاء وَالْبيع لصَاحبه
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن يَأْذَن لَهُ فِي التِّجَارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُمَا استخدامه بالمهايأة كَانَ لَهُ فِي يَوْم نوبَته أَن يَأْذَن لَهُ فِي التِّجَارَة ويستخدمه بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا لِأَن أمره بِالْبيعِ وَالشِّرَاء ضرب من الِاسْتِخْدَام وَإِذا جَازَ ذَلِك ثَبت الدّين فِي نصِيبه فَثَبت أَنه لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا منع شَرِيكه من الْإِذْن فِي التِّجَارَة كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنعه من استخدامه وَمن أمره إِيَّاه بالابتياع لَهُ وَالْبيع عَلَيْهِ لحقه فِيهِ
2320 - فِي الْمَأْذُون عَلَيْهِ دين حَال ومؤجل

قَالَ أَصْحَابنَا الْمَأْذُون إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين حَال لرجل وَلآخر عَلَيْهِ دين مُؤَجل فَأَرَادَ صَاحب الدّين الْحَال بَيْعه فَإِن القَاضِي يَبِيعهُ وَيُعْطِيه حِصَّته من الثّمن وَيدْفَع حِصَّة الْمُؤَجل إِلَى الْمولى فَإِذا حل دفع إِلَيْهِ الْمولى مَا قَبضه

(5/235)


فَإِن هلك فِي يَد الْمولى فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَيتبع صَاحب الدّين الْمُؤَجل صَاحب الدّين الْحَال فيشاركه فِيمَا قبض هَذِه رِوَايَة مُحَمَّد من غير خلاف ذكره
وروى الْمُعَلَّى بن مَنْصُور الرَّازِيّ عَن أبي يُوسُف قَالَ إِذا بِعْت العَبْد الْمَأْذُون لَهُ حل كل دين عَلَيْهِ إِلَى أجل وَكَذَلِكَ إِذا حجر عَلَيْهِ الْمولى أَو بَاعه بِإِذن الْغُرَمَاء حل كل دين عَلَيْهِ إِلَى أجل وَإِن أعْتقهُ لم يحل مَا عَلَيْهِ وَكَانَ إِلَى أَجله
وروى الْحسن عَن زفر أَنه إِذا بيع فَإِنَّهُ يُبَاع لَهُم جَمِيعًا فيقسمون ثمنه بَينهم بِالْحِصَصِ من حل دينه وَمن لم يحل وَهُوَ قَول الْحسن
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يُبَاع لَهُم جَمِيعًا بِالْحِصَصِ فيعطي من حل دينه وَمن لم يحل حبس عَلَيْهِ حَتَّى يحل
وَقَالَ مَالك لَا يُبَاع الْمَأْذُون لَهُ فِي الدّين وَلكنه قَالَ فِي الْمُفلس إِذا أفلس فقد حلت دُيُونه
وَقَالَ ابْن صَالح إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ دين مُؤَجل حل عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِذا أفلس حل دينه
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن أفلس وَعَلِيهِ دين إِلَى أجل فَإِنَّهُ يحل دينه قبل الْمَيِّت وَيقسم مَاله بَين غُرَمَائه العاجل والآجل إِلَّا أَن يتَحَمَّل لَهُ الْغُرَمَاء بِدِينِهِ الآجل فَإِن ذَلِك يجوز لَهُم
وَذكر الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي قَالَ وَقد ذهب بعض المفتيين إِلَى أَن دُيُون الْمُفلس إِلَى أجل تحل حلولها على الْمَيِّت وَقد يحْتَمل أَن يُؤَخر الْمُؤخر عَنهُ لِأَن لَهُ ذمَّة وَقد يملك وَالْمَيِّت قد بطلت ذمَّته وَلَا يملك بعد مَوته الدّين
قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا أصح وَبِه قَالَ فِي الْإِمْلَاء

(5/236)


وَذكر الْبُوَيْطِيّ عَنهُ فِي مُخْتَصره وَأَجَازَهُ لنا الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ وَمن مَاتَ أَو أفلس فقد حل دينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يخْتَلف من أوجب بيع العَبْد فِي الدّين أَن الثّمن مقسوم بَين صَاحب الْحَال وَصَاحب الْمُؤَجل وَجب أَن لَا تكون حِصَّة الْمُؤَجل محبوسة عَنهُ لِأَنَّهُ قد بَطل ذَلِك الدّين من الذِّمَّة وَصَارَ فِي الْعين والآجال لَا تثبت إِلَّا فِي دُيُون فِي الذِّمَّة وَلَا تثبت فِي الْأَعْيَان أَلا ترى أَنه لَو بَاعَ عبدا بكر حِنْطَة بِعَينهَا إِلَى أجل كَانَ البيع فَاسِدا وَإِن بَاعه بكر فِي الذِّمَّة إِلَى أجل جَازَ فَكَذَلِك حِصَّة الدّين الْمُؤَجل لما تحولت فِي الْعين وَجب أَن يبطل الْأَجَل فِيهَا
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا كَانَ على العَبْد دين مُؤَجل فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ أَن بَيْعه جَائِز وَلَيْسَ للْغُرَمَاء على الْمولى سَبِيل فِي الثّمن فَإِذا حل دينهم ضمنوه الْقيمَة وَكَذَلِكَ لَو وهبه جَازَت هِبته وَضمن قِيمَته إِذا حل الدّين وَإِن توى مَا على الْمولى من الْقيمَة لم يكن لَهُم على العَبْد وَلَا على الْمَوْهُوب لَهُ سَبِيل قَالَ ذَلِك فِي الْمَأْذُون الْكَبِير
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَنهُ فِي نوادره وَكَذَلِكَ الثّمن بَين رجلَيْنِ رُوِيَ عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن للْغُرَمَاء أَن يبطلوا بيع الْمولى وهبته بديونهم الآجلة كَمَا يكون لَهُم إِبْطَالهَا بديونهم العاجلة
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَنهُ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُم أَن يبطلوا بَيْعه لِأَن دُيُونهم الآجلة فِي ذمَّته كالعاجلة وَإِن لم يكن لَهُم الْمُطَالبَة بِهِ كَالرَّهْنِ بِالدّينِ الْمُؤَجل أَنه لَيْسَ للرَّاهِن بَيْعه أَلا ترى أَنه يجوز إِبْرَاء الْغُرَمَاء مِنْهَا
2321 - فِي كَيْفيَّة الْحجر على العَبْد

قَالَ أَصْحَابنَا لَا يكون الْحجر على الْمَأْذُون لَهُ إِلَّا فِي أهل سوقه وَلَا يكون الْحجر عَلَيْهِ فِي بَيِّنَة حجرا وَكَذَلِكَ الصَّبِي وَالْمَعْتُوه

(5/237)


وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِي الرجل يحْجر على وليه قَالَ لَا يحْجر عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد السُّلْطَان فَيكون السُّلْطَان هُوَ الَّذِي يوقفه للنَّاس ويشيع بِهِ فِي مَجْلِسه وَيشْهد على ذَلِك فَمن بَاعه أَو ابْتَاعَ مِنْهُ بعد ذَلِك فَهُوَ مَرْدُود
وَقَالَ فِي الرجل الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا أَرَادَ أَن يحْجر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ السُّلْطَان حَتَّى يكون السُّلْطَان هُوَ الَّذِي يوقفه للنَّاس
وَقَالَ مَالك وَمن ذَلِك أَن يَأْمر بِهِ السُّلْطَان ليطاف بِهِ ليعلم النَّاس مِنْهُ ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا أَن الْحجر لَيْسَ بِمَنْزِلَة الْعَزْل عَن الْوكَالَة الَّذِي يَصح بَين الْمولى وَبَين العَبْد الْوَكِيل فَيشْتَرط أَصْحَابنَا إِظْهَاره واشتهاره وَشرط مَالك السُّلْطَان وَقد اتَّفقُوا على صِحَة الْإِذْن بِغَيْر سُلْطَان فَكَذَلِك فَسخه كفسخ الْعُقُود الَّتِي تصح ابْتِدَاؤُهَا بِغَيْر سُلْطَان فَكَانَ فَسخهَا كابتدائها مثل البيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح وَمَا لم يَصح ابتداؤه إِلَّا بالسلطان كَانَ كَذَلِك أَجله مثل أجل الْعنين لَا يَصح إِلَّا بالسلطان فَكَذَلِك خِيَار الْمَرْأَة فِيهِ بعد الْأَجَل لَا يثبت إِلَّا بالسلطان فَوَجَبَ أَن يكون الْحجر جَائِزا دون السُّلْطَان كالإذن
2322 - فِي إِذن الصَّغِير فِي التِّجَارَة

قَالَ أَصْحَابنَا يجوز للْأَب أَن يَأْذَن لِابْنِهِ الصَّغِير فِي التِّجَارَة إِذا كَانَ يعقل الشِّرَاء وَالْبيع وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ فِي الْأَب وَيكون بِمَنْزِلَة العَبْد الْمَأْذُون لَهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا أرى إِذن الْأَب وَالْوَصِيّ للصَّبِيّ فِي التِّجَارَة جَائِزا وَإِن لحقه فِي ذَلِك لم يلْزمه الصَّبِي مِنْهُ شَيْء
وَقَالَ الْحسن بن صَالح فِي الصَّبِي يَأْذَن لَهُ أَبوهُ فِي التِّجَارَة فِيهِ إِن دينا أَنه

(5/238)


يكون عَلَيْهِ فِي مَاله فَإِن لم يكن لَهُ مَال كَانَ عَلَيْهِ دينا يُؤْخَذ بِهِ مِمَّا وجد لَهُ مَال صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي كِتَابه فِي الْإِقْرَار وَمَا أقرّ بِهِ الصَّبِي من حق الله تَعَالَى أَو لآدَمِيّ أَو حق فِي مَال أَو غَيره فَإِقْرَاره سَاقِط عَنهُ وَسَوَاء كَانَ الصَّبِي مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة أذن لَهُ أَبوهُ أَو وليه من كَانَ أَو حَاكم وَلَا يجوز للْحَاكِم أَن يَأْذَن لَهُ فَإِن فعل فَإِقْرَاره سَاقِط عَنهُ وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبيعه مفسوخ وَلَو أجزت إِقْرَاره فِي التِّجَارَة أجزت أَن يَأْذَن لَهُ بِطَلَاق امْرَأَته أَو يَأْمُرهُ فيقذف رجلا فأحده أَو يخرج فاقتص مِنْهُ فَكَانَ بِهَذَا وأشباهه أولى أَن يلْزمه من إِقْرَاره لَو أذن لَهُ فِي التِّجَارَة لَيْسَ بِإِذن لَهُ بِالْإِقْرَارِ بِعَيْنِه وَلَكِن لَا يلْزمه شَيْء من هَذَا كَمَا يلْزم الْبَالِغ بِحَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر بن أبي سَلمَة وَهُوَ صَغِير بتزويج أم سَلمَة إِيَّاه وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْوكَالَة فَدلَّ على أَن الصَّغِير الَّذِي لَا تجوز أَقْوَاله إِذا أطلق لَهُ غَيره أَقْوَاله لَهُ عَادَتْ أَقْوَاله إِلَى غير مَا كَانَت عَلَيْهِ حَالهَا قبل ذَلِك من بُطْلَانهَا وَإِذا عملت أَقْوَاله لغيره بأَمْره كَانَت أَقْوَاله لنَفسِهِ بِأَمْر من يملك ذَلِك أولى بِالْجَوَازِ
وَقَالَ الله تَعَالَى {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} النِّسَاء 6 والإبتلاء الإختبار والإختبار قد يكون فِي عُقُولهمْ ومذاهبهم وَفِي حرفهم فِيمَا يبيعون ويبتاعون
وَفِي ذَلِك دَلِيل على جَوَاز إِذن وليه لَهُ فِي التِّجَارَة
آخر الْمَأْذُون
تمّ الْمُخْتَصر وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَقع الْفَرَاغ من قِرَاءَته وتفهمه سلخ الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة

(5/239)