مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة

العبادات

5 - كتاب الصيام
ويشتمل على ما يلي:
1 - معنى الصوم وحكمه وفضله
2 - أحكام الصيام
3 - سنن الصيام
4 - صوم التطوع
5 - الاعتكاف

(1/621)


5 - كتاب الصيام

1 - معنى الصوم، وحكمه، وفضله
- حكمة تنوع العبادات:
الله عز وجل نوَّع العبادات ليختبر العبد هل يتبع هواه، أم يمتثل أمر ربه، فجعل من الدين ما ينقسم إلى كف عن المحبوبات كالصيام، فإنه امتناع عن المحبوبات من الطعام، والشراب، والجماع، ابتغاء وجه الله.
ومن الدين ما هو بذل للمحبوبات كالزكاة، والصدقة، وذلك بذل للمحبوب وهو المال ابتغاء وجه الله.
وربما يهون على المرء أن ينفق ألف ريال ولا يصوم يوماً واحداً، أو بالعكس، فنوَّع الله العبادات ليختبر العباد.
- صلاح القلب:
صلاح القلب واستقامته بإقباله بالكلية على ربه وأنسه به، ولما كان فضول الطعام والشراب والكلام والمنام، وفضول مخالطة الأنام مما يقطعه عن ربه، ويزيده شعثاً، ويشتته في كل واد، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أنْ شرع لهم من الصوم ما يُذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات التي تعوقه عن سيره إلى الله تعالى.
وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده عكوف القلب على الله وجمعيّته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن غيره، وشرع للأمة حبس اللسان عن كل ما لا ينفع في الآخرة، وشرع لهم قيام الليل الذي ينفع القلب والبدن.
- الصوم: هو الإمساك عن الأكل، والشرب، والجماع، وسائر المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، بنية الصوم، تقرباً إلى الله عز وجل.

(1/623)


- حكمة مشروعية الصيام:
1 - الصيام وسيلة لتقوى الله عز وجل بفعل الواجبات وترك المحرمات.
2 - والصيام يُعوِّد الإنسان على ضبط النفس، وكبح جماحها، وتدريبٌ على تحمل المسؤولية، والصبر على المشاق.
3 - والصوم يجعل المسلم يشعر ويحس بآلام إخوانه، فيدفعه ذلك إلى البذل والإحسان إلى الفقراء والمساكين، فتتحقق بذلك المحبة والأخوة.
4 - وفي الصوم تزكية للنفس، وتطهير لها من الأخلاق الرذيلة، والأخلاط الرديئة، وفيه راحة للجهاز الهضمي، يستريح فيه من الامتلاء والتفريغ فيستعيد نشاطه وقوته.
- مكانة الصيام:
صيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، أضافه الله إليه تشريفاً وتعظيماً له، فرضه الله عز وجل في السنة الثانية من الهجرة، وقد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع رمضانات.
- أفضل الأوقات الشرعية:
شهر رمضان أفضل الشهور، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة القدر، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان؛ لأن فيها يوم النحر، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام، وليلة القدر أفضل ليالي العام.
- حكم صوم رمضان:
يجب صوم رمضان على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر على الصوم، مقيم، ذكراً كان أو أنثى، خال من الموانع كالحيض، والنفاس، وهذا خاص بالنساء.
وقد أوجب الله الصيام على هذه الأمة كما أوجبه على الأمم قبلها.

(1/624)


قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة/183].
- فضل شهر رمضان:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [سورة القدر].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (1).
- فضل الصوم:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّومَ، فَإنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِه، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ».
متفق عليه (2).
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (3).
3 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّان، لا يَدْخُلُهُ إلَّا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277)، ومسلم برقم (1079)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894)، ومسلم برقم (1151)، واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) واللفظ له، ومسلم برقم (1152).

(1/625)


2 - أحكام الصيام
- يجب صوم رمضان بأحد أمرين:
1 - رؤية هلال رمضان من مسلم، عدل، قوي البصر، رجلاً كان أو امرأة.
2 - إكمال شعبان ثلاثين يوماً.
- أحكام رؤية هلال رمضان:
إذا لم يُر الهلال مع صحو ليلة الثلاثين من شعبان أصبحوا مفطرين، وكذا لو حال دونه غيم أو قتر، وإذا صام الناس ثمانية وعشرين يوماً ثم رأوا الهلال أَفطروا ولزمهم صوم يوم بعد العيد، وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم يُر الهلال لم يفطروا حتى يُرى الهلال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ». متفق عليه (1).
- من يلزمه الصوم بالرؤية:
إذا رأى الهلال أهلُ بلدٍ لزمهم الصوم، وحيث إن مطالع الهلال مختلفة، فلكل إقليم أو قطر حكم يخصه في بدء الصيام ونهايته حسب رؤيتهم، وإن صام المسلمون جميعاً في أقطار الأرض برؤية واحدة فهذا حسن، وهو مظهر يدل على الوحدة والإخاء والاجتماع، وإلى أن يتحقق ذلك إن شاء الله تعالى، فعلى كل مسلم أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم أهل البلد على أنفسهم فيصوم بعضهم معها، وبعضهم مع غيرها؛ حسماً لمادة الفرقة التي نهى الله عنها.
- من رأى وحده هلال رمضان ورُدَّ قوله، أو رأى هلال شوال ورُدَّ قوله فيصوم سراً، ويفطر سراً، وإن رُئي الهلال نهاراً فهو لليلة المقبلة، فإن غاب قبل الشمس فهو لليلة الماضية.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1909) واللفظ له، ومسلم برقم (1081).

(1/626)


- يجب على إمام المسلمين أن يُعلن بالوسائل المشروعة والمباحة دخول شهر رمضان إذا ثبتت رؤية هلاله شرعاً، وكذا خروجه.
- حكم صوم من جهل الوقت:
مَنْ جهِل وقت الصوم كالأعمى والسجين مثلاً فله ثلاث حالات:
فإن وافق صومه الشهر أو بعده فصومه صحيح عدا الأيام التي لا يصح صومها، وإن صام قبل الشهر لم يصح؛ لأنه جاء بالعبادة قبل وقتها، وإن وافق صومه الليل دون النهار لم يصح؛ لأن الليل ليس وقتاً للصوم.
- حكم من صام في بلد ثم سافر:
إذا صام المسلم في بلد ثم سافر إلى بلد آخر فحكمه في الصيام والإفطار حكم البلد الذي انتقل إليه، فيفطر معهم إذا أفطروا، لكن إن أفطر لأقل من تسعة وعشرين يوماً قضى يوماً بعد العيد، ولو صام أكثر من ثلاثين يوماً فلا يفطر إلا معهم.
- حكم نية الصيام:
1 - يجب على المسلم ليحصل على الأجر أن يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، لا رياءً، ولا سمعة، ولا تقليداً للناس، أو متابعة لأهل بلده، فيصوم لأن الله أَمَره، ويحتسب الأجر عند الله، وكذا سائر العبادات.
2 - يجب تعيين نية الصوم من الليل قبل طلوع الفجر لصوم رمضان وغيره، ويصح صوم النفل بنية من النهار إن لم يفعل ما يُفطِّر بعد طلوع الفجر.
3 - يصح صوم الفرض بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل، كما لو قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار فإنه يمسك بقية يومه، ولا يلزمه قضاء وإن كان قد أكل.
4 - من وجب عليه الصوم نهاراً كالمجنون يفيق، والصبي يبلغ، والكافر يسلم هؤلاء تُجزيهم النية من النهار حين الوجوب ولو بعد أن أكلوا أو شربوا، ولا قضاء عليهم.

(1/627)


5 - من نوى الصوم ثم تسحر، وغلبه النوم ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس فصومه صحيح ولا قضاء عليه.
6 - من نوى الإفطار أفطر؛ لأن الصيام مركب من ركنين: النية، والإمساك عن المفطرات، فإذا نوى الإفطار سقط الركن الأول وهو أساس الأعمال، وأعظم مقومات العبادة وهو النية.
7 - من نام ليلة الثلاثين من شعبان وقال: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فتبين أنه رمضان فصومه صحيح.
- صيام الكبير والمريض:
1 - من أفطر لكبر أو مرض لا يُرجى برؤه مقيماً كان أو مسافراً أطعم عن كل يوم مسكيناً، ويكفيه ذلك عن الصيام، فيصنع طعاماً بعدد الأيام التي عليه، ويدعو إليه المساكين، وهو بالخيار: إن شاء أطعم عن كل يوم بيومه، وإن شاء أَخَّره إلى آخر يوم، وله أن يخرج عن كل يوم نصف صاع من طعام ويعطيه المسكين.
2 - من أصابه الخرف والتخليط فلا صيام عليه ولا كفارة؛ لأنه مرفوع عنه القلم.
- حكم صيام الحائض والنفساء:
يحرم الصوم على الحائض والنفساء، فتفطران وتقضيان فيما بعد، وإذا طَهُرتا أثناء النهار، أو مسافر قدم مفطراً أثناء النهار، لا يلزمهم الإمساك، بل يلزمهم القضاء فقط.
- الحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما، أو على أنفسهما وولديهما أفطرتا في رمضان، ثم قضتا فيما بعد.
- حكم الصيام في السفر:
1 - لكل مسلم في الصلاة والصيام حكم المكان الذي هو فيه، فالصائم يمسك

(1/628)


ويفطر في المكان الذي هو فيه سواء كان على سطح الأرض، أو كان على طائرة في الجو، أو على سفينة في البحر.
2 - الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقاً، والمسافر في رمضان إن كان الفطر والصيام بالنسبة له سواء فالصيام أولى، وإن كان يشق عليه الصيام في السفر فالفطر أولى، وإن كان يشق عليه الصيام في السفر مشقة شديدة فالفطر في حقه واجب، ويقضي فيما بعد.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. متفق عليه (1).
- حكم صوم المغمى عليه:
1 - من نوى الصوم ثم صام فأغمي عليه جميع النهار أو بعضه فصومه صحيح.
2 - من فقد شعوره في رمضان وغيره بإغماء أو مرض أو جنون، ثم أفاق، فلا يلزمه قضاء الصوم والصلاة؛ لارتفاع التكليف عنه، ومن فقده بفعله واختياره ثم أفاق لزمه القضاء.
- إذا أكل المسلم، أو شرب، أو جامع، ناسياً، في نهار رمضان، فصيامه صحيح.
- إذا احتلم المسلم وهو صائم فصيامه صحيح، وعليه الاغتسال، ولا إثم عليه.
- من كان مريضاً يشق عليه الصوم ويضره فالصوم عليه حرام، والفطر واجب، ويقضي فيما بعد.
- الأفضل للمسلم أن يكون على طهارة دائماً، ويجوز تأخير غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس لمن كان صائماً إلى طلوع الفجر، والصيام صحيح.
- السنة لمن أراد سفراً في رمضان أن يفطر -إن شاء- إذا فارق العمران، ومن أفطر متعمداً لمصلحة غيره كإنقاذ غريق، أو إطفاء حريق ونحوهما فله أجر عظيم، وعليه القضاء فقط.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1947)، ومسلم برقم (1118).

(1/629)


- كيفية الصيام في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس:
من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها ستة أشهر وليلها كذلك، أو أكثر، أو أقل، فعليهم الصلاة والصيام معتمدين على أقرب بلد إليهم يتمايز فيه الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة، فيحددون أول شهر الصيام ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار حسب توقيت ذلك البلد.
- إذا أقلعت الطائرة قبل غروب الشمس، وارتفعت في الجو، فلا يحل للصائم الفطر حتى تغرب الشمس.
- حكم من ترك صيام رمضان:
من ترك صوم رمضان جاحداً لوجوبه كفر، ومن ترك الصوم تهاوناً وكسلاً فلا يكفر، وتصح صلاته، لكنه آثم إثماً عظيماً.
- الأشياء التي يفسد بها الصوم ما يلي:
1 - الأكل والشرب في نهار رمضان.
2 - الجماع في نهار رمضان.
3 - إنزال المني يقظة بمباشرة، أو تقبيل، أو استمناء، أو نحوها.
4 - استعمال الإبر المغذية للبدن في نهار رمضان.
وهذه المفطرات يفطر بها الصائم إذا فعلها متعمداً، عالماً، ذاكراً لصومه.
5 - خروج دم الحيض والنفاس في نهار رمضان.
6 - الردة عن الإسلام.

(1/630)


- أنواع المفطرات:
المفطرات ترجع إلى نوعين:
1 - دخول أشياء تفيد البدن وتغذيه وتقويه كالأكل والشرب وما يقوم مقامهما، أو أشياء تضره كشرب الدم والمسكر ونحوهما.
2 - خروج أشياء منهكة للجسم، مضعفة له، فتزيده ضعفاً إلى ضعف كتعمد الاستمناء، ودم الحيض، والنفاس.
- حكم من سمع أذان الفجر والإناء في يده:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ». أخرجه أبو داود (1).
- من أكل معتقداً أنه في ليل فبان نهاراً، أو أكل معتقداً أن الشمس قد غربت فبان أنها لم تغرب فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.
- الأشياء التي لا يفسد بها الصوم كثيرة، ومنها:
الكحل، والحقنة، وما يُقطر في إحليله، ومداواة الجروح، والطيب، والدهن، والبخور، والحناء، والقطرة في العين أو الأذن أو الأنف، والقيء، والحجامة، والفصد للعرق، واستخراج الدم، والرعاف، والنزيف، ودم الجروح، وخلع الضرس، وخروج المذي والودي، وبخاخ الربو، ومعجون الأسنان كل ذلك لا يفطر الصائم.
- تحليل الدم، والإبرة إذا كانت للدواء لا للتغذية لا تفسد الصوم كإبرة السكر ونحوها، وتأخيرها إلى الليل إن قدر أولى.
- يجوز للمرأة تناول ما يمنع الحيض لأجل الصيام أو الحج إذا قرر أهل الخبرة من الأطباء أن ذلك لا يضرها، وخير لها أن تكف عن ذلك.
_________
(1) حسن صحيح/ أخرجه أبوداود برقم (2350).

(1/631)


- غسيل الكلى: يكون بإخراج الدم من الجسم ثم إعادته نقياً مع إضافة بعض المواد إليه، وهذا الغسيل مفسد للصوم.
- ما يكره للصائم وما يجب وما يجوز:
- يكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق، وذوق طعام بلا حاجة، والحجامة ونحوها إن أضعفته.
- يجب على الصائم الإمساك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما إذا تبين له طلوع الفجر الثاني.
- يجب اجتناب كذب وغيبة وشتم في كل وقت، وفي رمضان آكد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». أخرجه البخاري (1).
- يجوز للصائم استعمال معجون الأسنان مع التحفظ عن ابتلاع شيء منه، والاغتسال للتبرد من الحر والعطش ونحو ذلك.
- يجوز للصائم بلع ريقه، ويحرم بلع النخامة على الصائم وغيره؛ لأنها مستقذرة مضرة، لكنها لا تفطر، وإذا ظهر دم من لسانه، أو أسنانه، فلا يبلعه، وإذا بلعه الصائم فإنه يفطر.
- حكم تقبيل ومباشرة الزوجة للصائم:
تقبيل الرجل امرأته، ولمسه ومباشرته لها من وراء الثوب وهو صائم كل ذلك جائز، ولا حرج فيه، ولو تحركت شهوته، إذا أمن على نفسه، فإن خشي الوقوع فيما حرم الله من نزول المني حرم عليه ذلك.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإرْبِهِ. متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6057).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1927) واللفظ له، ومسلم برقم (1106).

(1/632)


- الوصال ما يحل منه وما يحرم:
الوصال: صوم يومين فأكثر من غير أكل وشرب بينهما، وقد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ» قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِينِ». أخرجه البخاري (1).
- حكم الجماع في نهار رمضان:
1 - إذا أنزل الصائم باستمناء، أو مباشرة زوجته بدون جماع فهو آثم، وعليه القضاء دون الكفارة.
2 - من سافر في رمضان وصام في سفره ثم جامع زوجته في النهار فعليه القضاء دون الكفارة.
3 - من جامع في نهار رمضان وهو مقيم فعليه القضاء والكفارة والإثم إن كان متعمداً، عالماً، ذاكراً، فإن كان مُكرهاً، أو جاهلاً، أو ناسياً فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة، والمرأة كالرجل في الحالتين.
- كفارة الفطر بالجماع في نهار رمضان:
عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من طعام، فإن لم يجد سقطت، وهي لا تجب بغير الجماع في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم إذا فعله عالماً متعمداً، فمن واقع في صوم نفل، أو نذر، أو قضاء، فلا كفارة عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هَلكتُ يا رسول الله. قال: «مَا أَهْلَكَكَ؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قال: لا، قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟»
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1967).

(1/633)


قال: لا، قال: «فَهَلْ تَجِدُ ما تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟» قال: لا، قال: ثم جلس،
فأُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر فقال: «تَصَدَّقْ بِهَذَا» قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهلُ بيتٍ أحوجُ إليه منا، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». متفق عليه (1).
- الأشياء التي لا ينقطع بها تتابع الصيام:
الأشياء التي لا ينقطع بها تتابع الصيام لمن عليه صيام شهرين ونحوهما هي: العيدان، والسفر، والمرض المبيح للفطر، والحيض والنفاس.
- إذا جامع زوجته في يومين أو أكثر في نهار رمضان لزمه كفارة وقضاء بعدد الأيام، وإن كرره في يوم واحد فكفارة واحدة مع القضاء.
- إذا قدم المسافر مفطراً في يوم كانت زوجته طاهرة من الحيض أو النفاس في أثنائه جاز له أن يجامعها.
- صفة قضاء صيام رمضان:
1 - الله عز وجل أوجب صيام رمضان أداءً في حق غير ذوي الأعذار، وقضاء في حق ذوي الأعذار التي تزول كالسفر، والحيض، والإطعام في حق من لا يستطيع الصيام أداء ولا قضاء كالكبير ونحوه.
2 - يسن قضاء رمضان فوراً متتابعاً، وإذا ضاق الوقت وجب التتابع، وإن أَخَّرَ قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان آخر بغير عذر فهو آثم، وعليه القضاء.
- حكم قضاء الصيام عن الميت:
1 - من مات وعليه صيام من رمضان، فإن كان معذوراً بمرض ونحوه فلا يلزم عنه قضاء ولا إطعام، وإن أمكنه القضاء فلم يفعل حتى مات صام عنه وليه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1936)، ومسلم برقم (1111)، واللفظ له.

(1/634)


عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (1).
2 - من مات وعليه صوم نذر، أو حج نذر، أو اعتكاف نذر، أو نحو ذلك استحب لوليه قضاؤه، والولي هو الوارث، وإن قضاه غيره صح وأجزأ.
3 - من أفطر رمضان، أو بعضه، عالماً، متعمداً، ذاكراً، بلا عذر، فلا يشرع له القضاء ولا يصح منه، وهو آثم إثماً عظيماً، فعليه التوبة والاستغفار.
- النهي إن عاد إلى نفس العبادة فهي حرام وباطلة كما لو صام المسلم يوم العيد، فصومه حرام وباطل.
وإن كان النهي يعود إلى قول أو فعل يختص بالعبادة فهذا يبطلها كمن أكل وهو صائم فسد صومه.
وإن كان النهي عاماً في العبادة وغيرها فهذا لا يُبطلها كالغيبة للصائم، فهي حرام لكنها لا تبطل الصيام، وهكذا في كل عبادة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952)، ومسلم برقم (1147).

(1/635)


3 - سنن الصيام
1 - يسن للصائم أن يتسحر؛ لأن في السحور بركة، ونعم سحور المؤمن التمر، ويسن تأخيره، ومن بركة السحور التقوي على طاعة الله وعبادته، وهو سبب للقيام من النوم وقت السحر وقت الاستغفار والدعاء، وصلاة الفجر مع الجماعة، ومخالفة أهل الكتاب.
2 - يسن تعجيل الفطر، وأن يكون على تمر قبل أن يصلي، فإن عدم التمر فعلى ماء، فإن لم يجد أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حلال، فإن عدم ما يفطر عليه نوى بقلبه الفطر.
- الصائم يفقد كمية من السكر المخزون في جسمه، وهبوط نسبة السكر عند الإنسان عن حدها المعتاد يسبب ما يشعر به الصائم من ضعف وكسل وزوغان البصر، وأكل التمر بإذن الله يعيد إليه ما فقده من السكر والنشاط.
- يسن تفطير الصائم، ومن فطر صائماً فله مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً.
3 - يسن للصائم أن يكثر من الذكر والدعاء، فيسمي عند أكل الفطور، ويحمد الله إذا انتهى، فإذا أفطر قال: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إنْ شَاءَ الله». أخرجه أبو داود (1).
4 - يسن للصائم وغيره السواك في كل وقت، أول النهار وآخره.
5 - يسن للصائم إذا شاتمه أو قاتله أحد أن يقول: إني صائم، إني صائم.
6 - يسن للصائم الزيادة والإكثار من أعمال الخير كالذكر، وتلاوة القرآن، والجود، والصدقة، ومواساة الفقراء والمحتاجين، والاستغفار، والتوبة، والتهجد، وصلة الرحم، وعيادة المريض ونحو ذلك.
7 - تسن صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء الآخرة (إحدى
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2357).

(1/636)


عشرة ركعة مع الوتر، أو ثلاث عشرة ركعة مع الوتر) هذا هو السنة، ومن زاد فلا حرج ولا كراهية، ومن صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة.
8 - يسن لمن دُعي إلى طعام نهاراً وهو صائم أن يقول: إني صائم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ». أخرجه مسلم (1).
9 - يسن للصائم وغيره إذا أكل عند قوم أن يقول: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الملائِكَةُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).
10 - وتسن العمرة في رمضان، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « ... عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي». متفق عليه (3).
- من أحرم بالعمرة في آخر يوم من رمضان ولم يشرع في أعمالها إلا ليلة العيد فهذه العمرة تعتبر في رمضان؛ لأن العبرة بوقت الدخول فيها.
11 - ويسن أن يجتهد في العشر الأواخر من رمضان بأنواع العبادة، ويحيي الليل كله، ويوقظ أهله.
- فضل ليلة القدر:
ليلة القدر ليلة عظيمة القدر، فيها يفرق كل أمر حكيم، وتقدَّر الأرزاق والآجال والأحوال لتلك السنة.
وترجى ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، وآكدها ليلة سبع وعشرين.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1150).
(2) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (3854)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1747).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1863)، ومسلم برقم (1256)، واللفظ له.

(1/637)


- خصائص ليلة القدر:
ليلة القدر خير من ألف شهر، وذلك ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر، فيستحب إحياؤها، وكثرة الدعاء فيها بما ورد.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر/ 1 - 5].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (1).
3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن عَلمت أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: «قُولِي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». أخرجه الترمذي وابن ماجه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760).
(2) صحيح/أخرجه الترمذي برقم (3513)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3850).

(1/638)


4 - صوم التطوع
- صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإفطاره:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَا صَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً كَامِلاً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَالله لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَالله لا يَصُومُ. متفق عليه (1).
2 - وعن حميد أنه سمع أنساً رضي الله عنه يقول: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئاً، وَكَانَ لا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّياً إلَّا رَأيْتَهُ، وَلا نَائِماً إلَّا رَأيْتَهُ. أخرجه البخاري (2).

- أقسام الصيام:
الصيام نوعان:
واجب: كصيام شهر رمضان.
وتطوع: وهو نوعان: تطوع مطلق، وتطوع مقيد، وبعضه آكد من بعض.
وصوم التطوع فيه ثواب عظيم، وزيادة في الأجر، وجبر لما يحصل في الصيام الواجب من نقص أو خلل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1971)، واللفظ له، ومسلم برقم (1157).
(2) أخرجه البخاري برقم (1972).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1904) واللفظ له، ومسلم برقم (1151).

(1/639)


- أنواع صيام التطوع:
1 - أفضل صيام التطوع صيام داود - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً.
2 - أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وآكده العاشر، ثم التاسع، وصوم العاشر يكفر ذنوب السنة الماضية، ويستحب أن يصوم التاسع ثم العاشر مخالفة لليهود.
3 - صيام ست من شوال، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». أخرجه مسلم (1).
والأفضل أن تكون متتابعة بعد العيد، ويجوز تفريقها.
4 - صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي كصيام الدهر، ويسن أن تكون أيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، وإن شاء صام من أول الشهر أو آخره.
5 - صيام تسعة أيام من أول شهر ذي الحجة، وأفضلها التاسع، وهو يوم عرفة لغير حاج، وصيامه يكفر السنة الماضية والقادمة.
6 - الصيام في سبيل الله.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوماً فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (2).
7 - ويستحب الإكثار من الصيام في شهر شعبان من أوله.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ». متفق عليه (3).
8 - صيام يوم الإثنين من كل أسبوع.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1164).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840)، واللفظ له، ومسلم برقم (1153).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1969) واللفظ له، ومسلم برقم (1156).

(1/640)


عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن صومه ... ... - وفيه- وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: «ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام» قال: وسئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدتُ فِيهِ، وَيَومٌ بُعِثْتُ (أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)»، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ»، وسئل عن صوْم يوم عاشوراء؟ فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ». أخرجه مسلم (1).
- حكم صيام يوم السبت والأحد:
يستحب صيام يوم السبت والأحد؛ لأنهما عيدان للمشركين، وبصيامهما تحصل المخالفة لهم، ويستحب للمسافر صيام يوم عرفة وعاشوراء؛ لأنه يفوت وقتهما.
- ما يحرم صومه من الأيام:
1 - يحرم صوم يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وصوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا قصد به الاحتياط لرمضان، وصوم أيام التشريق إلا عن دم متعة وقران فقط فيجوز، ولا يشرع صوم الدهر، ويكره صوم يوم عرفة للحاج.
2 - يحرم إفراد صيام رجب كله؛ لأنه من شعائر الجاهلية، فإن صام معه غيره فلا يحرم، ويكره إفراد صوم يوم الجمعة؛ لأنه من أعياد المسلمين، فإن صام معه غيره فلا يكره.
- لا يجوز لامرأة أن تصوم نفلاً وزوجها حاضر إلا بإذنه، أما صوم رمضان وقضاء رمضان إذا ضاق وقته فإنها تصوم بدون إذنه.
- حكم صيام ست من شوال قبل القضاء:
من كان عليه قضاء من رمضان فصام ستاً من شوال قبل القضاء لم يحصل على
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1162).

(1/641)


ثوابها المذكور، بل عليه أن يكمل صيام رمضان أولاً، ثم يُتبعه بستٍ من شوال؛ ليحصل له الأجر المترتب عليه.
- حكم قطع صيام النفل:
من صام تطوعاً ثم بدا له أن يفطر فله ذلك، ويجوز صوم التطوع بنية من النهار، وله قطعه إن شاء، ولا يلزمه قضاؤه، ولا ينبغي أن يقطعه إلا لغرض صحيح.
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دخل عَلَيَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقُلْنَا: لا، قال: «فَإنِّي إذَنْ صَائِمٌ» ثم أتانا يوماً آخرَ فقلنا: يا رسول الله أُهدي لنا حَيْسٌ. فقال: «أَرِيْنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِماً» فَأَكَلَ. أخرجه مسلم (1).
- هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صوم التطوع:
صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - التطوع ثلاثة أنواع:
الأول: ما رغَّب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وداوم علي صيامه كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والعاشر من محرم.
الثاني: ما رغَّب فيه وأكثر من صيامه كصوم شعبان.
الثالث: ما رغَّب فيه ولم ينقل أنه صامه كصيام ست من شوال، وصيام يوم الإثنين، وصوم يوم وفطر يوم، وصوم شهر محرم، وذلك لانشغاله بعذر.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1154).

(1/642)


5 - الاعتكاف
- الاعتكاف: هو لزوم مسجدٍ لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة من رجل أو امرأة.
- فقه الاعتكاف:
الاعتكاف حبس النفس على عبادة الله تعالى والأنس به، وقطع العلائق عن الخلائق، وإخلاء القلب من كل ما يشغل عن ذكر الله عز وجل.
- حكم الاعتكاف:
الاعتكاف مسنون كل وقت، ويصح بلا صوم، ويجب بالنذر.
ويسن في رمضان، وأفضله وآكده في العشر الأواخر من رمضان؛ تحرياً لليلة القدر.
وهو في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى أفضل من غيرها، فإن عيَّن الأعلى كالمسجد الحرام لم يجز فيما دونه، وإن عَيَّن الأدنى، جاز الاعتكاف فيه وفي الأعلى.
- شروط صحة الاعتكاف:
يشترط لصحة الاعتكاف: الإسلام، نية الاعتكاف، أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة، وهو مع الصوم أفضل.
- حكم اعتكاف المرأة في المسجد:
يشرع للمرأة الاعتكاف كالرجل، وسواء كانت طاهراً، أو حائضاً، أو مستحاضة، لكن ينبغي أن تتحفظ؛ لئلا تلوِّث المسجد.

(1/643)


- يشترط لاعتكاف المرأة: أن يأذن لها وليّها، وألَّا يكون في اعتكافها فتنة لها.
أو لغيرها، وأن تعتزل الرجال في مكان خاص بالنساء.
- أفضل المساجد: المسجد الحرام، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، ثم المسجد النبوي، والصلاة فيه بألف صلاة، ثم المسجد الأقصى، والصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة.
- حكم نذر الاعتكاف:
من نذر الصلاة أو الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة لزمه كما سبق.
ومن نذر الصلاة أو الاعتكاف في غيرها فلا يلزمه إلا لمزية شرعية فيصلي ويعتكف في أي مسجد شاء.
- بداية الاعتكاف ونهايته:
1 - من نذر اعتكافاً في زمن معين دخل معتكفه قبل ليلته الأولى قبل غروب الشمس، وخرج بعد غروب شمس اليوم الأخير، كأن يقول: علي أن أعتكف أسبوعاً من شهر رمضان مثلا.
2 - إذا أراد المسلم اعتكاف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان.
- ما يفعله المعتكف:
1 - يسن للمعتكف الاشتغال والاجتهاد بأنواع العبادة كتلاوة القرآن، والذكر، والدعاء، والاستغفار، وصلاة النوافل، والتهجد، واجتناب ما لا يعنيه، من قول أو فعل.

(1/644)


2 - يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لقضاء حاجة، ووضوء، وصلاة جمعة، وأكل، وشرب ونحو ذلك كزيارة مريض، أو اتباع جنازة من له حق عليه كأحد الوالدين، أو قريب، أو نحوهما.
3 - يجوز للمرأة أن تزور زوجها في معتكفه، وتتحدث معه ساعة ونحوها، وكذا أهله وأصحابه.
- أفضل أوقات الاعتكاف:
أفضل أوقات الاعتكاف اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وإن قطعها أو قطع بعضها فلا حرج عليه إلا أن يكون اعتكافه منذوراً.
ويسن الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان للرجل والمرأة.
عن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (1).
- مبطلات الاعتكاف:
يبطل الاعتكاف بالخروج لغير حاجة، ووطء امرأته، وردته، وسكره.
- النوم في المسجد أحياناً للمحتاج كالغريب، والفقير الذي لا سكن له جائز، وأما اتخاذ المسجد مبيتاً ومقيلاً فهو منهي عنه إلا لمعتكف ونحوه.

- مدة الاعتكاف:
يجوز الاعتكاف في أي زمن، وفي أي مدة، ليلاً أو نهاراً، أو أياماً.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) واللفظ له، ومسلم برقم (1172).

(1/645)


1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يَا رَسُولَ الله، إنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَراَمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوْفِ نَذْرَكَ». فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. متفق عليه (1).
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْماً. أخرجه البخاري (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2042) واللفظ له، ومسلم برقم (1656) في كتاب الإيمان.
(2) أخرجه البخاري برقم (2044).

(1/646)