مختصر
الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة 6 - كتاب الحج
والعمرة
ويشتمل على ما يلي:
1 - معنى الحج وحكمه وفضله
2 - المواقيت
3 - الإحرام
4 - الفدية
5 - أنواع النسك
6 - معنى العمرة وحكمها
7 - صفة العمرة
8 - صفة الحج
9 - أحكام الحج والعمرة
10 - زيارة المسجد النبوي
11 - الهدي والأضحية العقيقة
(1/647)
6 - كتاب الحج والعمرة
1 - معنى الحج وحكمه وفضله
- الحج: هو التعبد لله عز وجل بقصد مكة في وقت محدد لأداء مناسك الحج.
- مكانة البيت الحرام:
جعل الله عز وجل البيت الحرام معظَّماً، وجعل المسجد الحرام فناءً له، وجعل
مكة فناء للمسجد الحرام، وجعل الحرم فناء لمكة، وجعل المواقيت فناء للحرم،
وجعل جزيرة العرب فناء للمواقيت، كل ذلك تعظيماً وتشريفاً وتكريماً لبيته
الحرام.
قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} ... [آل عمران/ 96 -
97].
- محاسن وأسرار الحج:
1 - الحج مظهر عملي للأخوة الإسلامية، ووحدة الأمة الإسلامية، حيث تذوب في
الحج فوارق الأجناس والألوان واللغات والأوطان والطبقات، وتبرز حقيقة
العبودية والأخوة، فالجميع بلباس واحد، يتجهون لقبلة واحدة، ويعبدون إلهاً
واحدا.
2 - والحج مدرسة يتعود فيها المسلم على الصبر، ويتذكر فيها اليوم الآخر
وأهواله، ويستشعر فيه لذة العبودية لله، ويعرف عظمة ربه، وافتقار الخلائق
كلها إليه.
3 - والحج موسم كبير لكسب الأجور، وتكفير السيئات، يقف فيه العبد بين يدي
ربه مقراً بتوحيده، معترفاً بذنبه وعجزه عن القيام بحق ربه، فيرجع من الحج
نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه.
(1/649)
4 - وفي الحج تذكير بأحوال الأنبياء والرسل
عليهم الصلاة والسلام وعبادتهم، ودعوتهم وجهادهم، وأخلاقهم، وتوطين النفس
على فراق الأهل والولد.
5 - والحج ميزان يعرف به المسلمون أحوال بعضهم، وما هم عليه من علم، أو
جهل، أو غنى، أو فقر، أو استقامة، أو انحراف.
- حكم الحج:
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب على كل مسلم، حر، بالغ،
عاقل، قادر، في عمره مرة على الفور.
وقد فُرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة، وحج النبي - صلى الله عليه وسلم
- حجة واحدة هي حجة الوداع.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران /97].
2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إِنَّ الإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،
وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ». متفق عليه (1).
- القادر على الحج:
هو من كان صحيح البدن، قادراً على السفر، ووجد زاداً وراحلة يتمكن بهما من
أداء الحج ويرجع، بعد قضاء الواجبات كالديون الحالَّة، والنفقات الشرعية له
ولعياله، وأن يكون ما عنده زائداً على حوائجه الأصلية.
- من يجب عليه الحج:
من كان قادراً على الحج بماله وبدنه لزمه الحج بنفسه، ومن كان قادراً بماله
عاجزاً ببدنه وجب عليه أن ينيب من يحج عنه، ومن كان قادراً ببدنه عاجزاً
بماله لم يجب عليه الحج، ومن كان عاجزاً عن الحج بماله وبدنه سقط عنه الحج.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16) واللفظ له.
(1/650)
- يجوز لمن ليس لديه مال أن يأخذ من الزكاة
مالاً يحج به، فالحج من سبيل الله تعالى.
- فضل الحج والعمرة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمَانٌ بِالله وَرَسُولِهِ» قيل: ثم ماذا؟ قال:
«جِهَادٌ فِي سَبِيلِ الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق
عليه (1).
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -
يقول: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ
وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه (2).
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«العُمْرَةُ إلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ
المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ». متفق عليه (3).
- إذا مات من لزمه الحج ولم يحج أُخرج من تركته مال يُحَج به عنه.
- حكم حج المرأة وعمرتها بلا مَحْرم:
1 - يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود مَحْرم لها من زوج، أو من يَحْرم
عليه نكاحها أبداً كأب، أو أخ، أو ابن، أو نحوهم، فإن أبى المَحْرم أن يحج
بها فإنه لا يجب عليها الحج، فإن حجت بلا مَحْرم فهي آثمة، وحجها صحيح.
2 - لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها مَحْرم سواء كانت
شابة، أم عجوزاً، وسواء كان معها نساء أم لا، وسواء كان السفر طويلاً أم
قصيراً؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلا
مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».
متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1519) واللفظ له، ومسلم برقم (83).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1521) واللفظ له، ومسلم برقم (1350).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773)، ومسلم برقم (1349).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862)، ومسلم برقم (1341).
(1/651)
- حكم الحج عن الغير:
من حج عن غيره لكبر سن، أو مرض لا يرجى برؤه، أو عن ميِّت، أحرم من أي
المواقيت شاء، ولا يلزم أن ينشئ السفر مِنْ بلد مَنْ يحج عنه، ولا يحج
المسلم عن غيره قبل أن يحج عن نفسه، ولا يلزم الموكِّل الإمساك عن محظورات
الإحرام وقت النسك.
عن بريدة رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت، قال:
فقال: «وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْميرَاثُ»، قالت: يا رسول
الله! إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: «صُومِي عَنْهَا» قالت:
إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال «حُجِّي عَنْهَا». أخرجه مسلم (1).
- يصح أن يستنيب غير القادر بدنياً غيره في نفل حج، أو عمرة، بأجرة،
وبدونها.
- من مات وهو حاج فلا يُقضى عنه ما بقي من أعمال الحج؛ لأنه يبعث يوم
القيامة ملبياً، ومن مات وهو لا يصلي أبداً فلا يجوز أن يُحج أو يُتصدق
عنه؛ لأنه مرتد.
- صفة إحرام الحائض والنفساء:
يجوز للحائض والنفساء الاغتسال والإحرام بالحج أو العمرة، وتبقى على
إحرامها، وتؤدي نسك الحج، لكن لا تطوف بالبيت حتى تطهر ثم تغتسل وتكمل
نسكها ثم تحل، أما إن أحرمت بالعمرة فتبقى حتى تطهر ثم تغتسل ثم تؤدي نسك
العمرة ثم تحل.
- فضل المتابعة بين الحج والعمرة:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1149).
(1/652)
فَإنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ
وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ
وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلا الجَنَّةُ».
أخرجه أحمد والترمذي (1).
- حكم خروج القادم من مكة لأداء العمرة:
يكره للقادم إلى مكة إذا حج أو اعتمر الخروج من مكة لعمرة تطوع، وذلك بدعة
لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أصحابه رضي الله عنهم، لا في
رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة رضي الله عنها بها، بل أذن لها بعد
المراجعة تطييباً لقلبها، والطواف بالبيت أفضل من الخروج إليها.
وعمرة عائشة من التنعيم خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج
كعائشة، فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات فضلاً عن الرجال.
- حكم حج الصغير وعمرته:
1 - إذا أحرم الصبي بالحج صح نفلاً، فإن كان مميزاً فعل كما يفعل البالغ من
الرجال والنساء، وإن كان صغيراً عَقد عنه الإحرام وليه، ويطوف ويسعى به،
ويرمي عنه الجمرات، والأفضل أن يؤدي ما قدر عليه من مناسك الحج أو العمرة،
وإذا بلغ فيما بعد لزمه أن يحج حجة الإسلام.
2 - إذا حج الصغير أو المملوك، ثم بلغ الصغير وعتق المملوك فعلى كل واحد
منهما حجة أخرى.
3 - يسن الحج بالصبي، ومن حج به فهو مأجور.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رفعت امرأةٌ صبياً لها فقالت: يا رسول
الله ألهذا حج؟ قال: «نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ». أخرجه مسلم (2).
- حكم دخول المشرك المسجد:
لا يجوز للمشرك دخول المسجد الحرام، ويجوز دخوله بقية المساجد لمصلحة
شرعية.
_________
(1) حسن/أخرجه أحمد برقم (3669)، وأخرجه الترمذي برقم (810)، وهذا لفظه.
(2) أخرجه مسلم برقم (1336).
(1/653)
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة/28].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -
خيلاً قِبَلَ نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثُمامة بن أُثال،
فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقال: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم
دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. متفق
عليه (1).
- خصائص الحرم:
لحرم مكة خصائص أهمها:
مضاعفة أجر الصلاة فيه، وتعظيم إثم السيئات فيه، وأنه يحرم على المشرك
دخوله، ويحرم البدء بالقتال فيه، ويحرم قطع شجره وحشيشه إلا الإذخر، ويحرم
التقاط لقطته إلا لمنشد، ويحرم قتل أو تنفير صيده، وفيه أول بيت وضع للناس.
قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران/ 96 - 97].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (462) واللفظ له، ومسلم برقم (1764).
(1/654)
2 - المواقيت
- المواقيت: جمع ميقات، وهو موضع العبادة وزمنها.
- حكمة تعيين المواقيت:
لما كان بيت الله الحرام معظَّماً مشرَّفاً جعل الله له حصناً وهو مكة،
وحِمَىً وهو الحرم، وللحرم حرم وهي المواقيت التي لا يجوز لمريد الحج أو
العمرة تجاوزها إليه إلا بالإحرام؛ تعظيماً لله تعالى، ولبيته الحرام.
- أقسام المواقيت:
المواقيت قسمان:
1 - زمانية: وهي أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
فبداية الحج في شوال، وآخر وقت بدء الإحرام بالحج قبل فجر ليلة النحر،
وجميع أعمال الحج تنتهي بغروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة إلا الطواف
والسعي للمعذور، فيجوز تأخيرهما إلى نهاية ذي الحجة.
2 - مكانية: وهي التي يحرم منها من أراد الحج أو العمرة، وهي خمسة:
1 - ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة ومن مر بها، ويبعد عن مكة (420)
كيلو متراً تقريباً، وهو أبعد المواقيت عن مكة، ويسمى (وادي العقيق)،
ومسجدها يسمى مسجد الشجرة، وهو جنوب المدينة بينه وبين المسجد النبوي (13)
كيلومتراً، وتستحب الصلاة في هذا الوادي المبارك.
2 - الجحفة: وهي ميقات أهل الشام وتركيا ومصر والمغرب ومن حاذاها أو مر
بها، وهي قرية قرب رابغ، وتبعد عن مكة (186) كيلو متراً تقريباً، ويُحرم
الناس الآن من (رابغ) الواقعة غرباً عنها.
3 - يلملم: وهو ميقات أهل اليمن ومن حاذاها أو مر بها، ويلملم واد يبعد عن
مكة (120) كيلو متراً تقريباً، ويسمى الآن (السَّعدية).
(1/655)
4 - قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد
والطائف ومن حاذاه أو مر به، وهو المشهور الآن بـ (السيل الكبير)، بينه
وبين مكة (75) كيلو متراً تقريباً، ووادي مَحْرَم هو أعلى قرن المنازل.
5 - ذات عرق: وهي ميقات أهل العراق ومن حاذاها أو مر بها، وهي واد، وتسمى
(الضريبة)، بينها وبين مكة (100) كيلو متراًَ تقريباً.
ومن كان منزله دون المواقيت من جهة مكة أحرم منه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ،
وَلِأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ،
وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى
عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ
وَالعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ،
وَكَذاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا». متفق عليه (1).
- صفة الإحرام من دون المواقيت الخمسة:
من أراد الحج من مكة فالسنة أن يحرم منها، وإن أحرم من الحل أجزأ، ومن أراد
العمرة من أهل مكة أحرم من الحل خارج الحرم كمسجد عائشة رضي الله عنها في
التنعيم أو الجعرانة، يُحرم من الأسهل عليه، فإن أحرم للعمرة من الحرم
متعمداً، عالماً بالحكم انعقد إحرامه ولكنه آثم، وعليه التوبة والاستغفار.
- حكم تجاوز الميقات بلا إحرام:
1 - لا يجوز لحاج أو معتمر تجاوز الميقات بلا إحرام، ومن تجاوزه بلا إحرام
لزمه الرجوع إليه والإحرام منه، فإن لم يرجع وأحرم من موضعه متعمداً،
عالماً بالحكم فهو آثم، وحجته وعمرته صحيحة، وإن أحرم قبل الميقات صح مع
الكراهة.
2 - من جاوز الميقات وهو لا يريد الحج أو العمرة ثم أنشأ نية الحج أو
العمرة
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1526) واللفظ له، ومسلم برقم (1181).
(1/656)
فيحرم من حيث أنشأ إلا العمرة المفردة إن
نواها من الحرم خرج إلى الحل، وإن نواها من الحل أحرم من حيث أنشأ النية.
- أهل مكة يحرمون بالحج مفردين أو قارنين من مكة، أما إن أرادوا الإحرام
بالعمرة وحدها أو متمتعين بها الى الحج فيخرجون للإحرام بذلك من الحل
كالتنعيم، أو الجعرانة ونحوهما.
- صفة الإحرام في الطائرة:
من ركب الطائرة مريداً للحج، أو العمرة، أو لهما معاً فإنه يحرم بالطائرة
إذا حاذى أحد هذه المواقيت، فيلبس ملابس الإحرام، ثم ينوي الإحرام، فإن لم
يكن معه ملابس الإحرام أحرم بالسراويل وكشف رأسه، فإن لم يكن معه سراويل
أحرم في قميصه، فإذا نزل اشترى ملابس الإحرام ولبسها.
ولا يجوز أن يؤخر الإحرام حتى ينزل في مطار جدة ويحرم منه، فإن فعل لزمه
الرجوع إلى أقرب هذه المواقيت للإحرام منه، فإن لم يرجع وأحرم في المطار أو
دون الميقات متعمداً، عالماً بالحكم فهو آثم، ونسكه صحيح.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم -
بعرفاتٍ فقال: «مَنْ لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ،
وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ». متفق عليه
(1).
- حكم من مر بميقاتين:
يجب على من يمر بميقاتين وهو يريد الحج أو العمرة ألا يتجاوز أولهما إلا
محْرِماً، فَيُحْرِم من أول ميقات يمر به.
فإذا مر المصري أو الشامي أو المغربي ونحوهم بميقات أهل المدينة قبل الوصول
إلى ميقاته الأصلي الجحفة أحرم من ذي الحليفة، ولا يجوز له تأخير الإحرام
حتى يصل إلى ميقاته الجحفة؛ لأن المواقيت لأهلها، ولمن مر بها ممن أراد
الحج أو العمرة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1843)، ومسلم برقم (1178).
(1/657)
3 - الإحرام
- الإحرام: هو نية الدخول في النسك حجاً كان أو عمرة.
- حكمة الإحرام: جعل الله لبيته الحرام حرماً ومواقيت لا يتعداها من يريد
الدخول إلى الحرم إلا إذا كان على وصف معين، ونية معينة.
- حدود حرم مكة:
من الغرب: الشميسي (الحديبية)، ويبعد عن المسجد الحرام (22) كيلومتراً على
طريق جدة.
ومن الشرق: ضفة وادي عرنة الغربية، وتبعد (15) كيلومتراً، ويمره طريق
الطائف، ومن جهة الجعرانة شرائع المجاهدين ويبعد (16) كيلومتراً تقريباً.
ومن الشمال: التنعيم، ويبعد (7) كيلومترات تقريباً.
ومن الجنوب: أضاة لين طريق اليمن، وتبعد (12) كيلومتراً تقريباً.
- كيفية الإحرام:
1 - يسن للرجل إذا أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يغتسل، ويتنظف، ويتطيب
في بدنه، ولا يطيب ثيابه، ويلبس إزاراً ورداء أبيضين نظيفين، بعد أن يتجرد
من المخيط، ويلبس نعلين، والمرأة يسن لها أن تغتسل للإحرام ولو كانت حائضاً
أو نفساء، وتلبس ما شاءت من الثياب الساترة، وتجتنب لباس الشهرة، والثياب
الضيقة، وما فيه تشبه بالرجال أو الكفار، ولا تلبس النقاب ولا القفازين.
2 - ويسن أن يحرم عقب صلاة فريضة إن تيسر، وليس للإحرام صلاة تخصه، وإن
أحرم عقب ركعتين مسنونتين كتحية المسجد، أو ركعتي الوضوء، أو صلاة الضحى
فلا حرج، وينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده، من حج أو عمرة، ويسن
إحرامه وإهلاله دبر الصلاة في المسجد، أو إذا استقلت به راحلته مستقبلاً
القبلة.
(1/658)
3 - يسن للمحرم أن يذكر نسكه فيقول
المعتمر: «لبيك عمرة» ويقول المفرد: «لبيك حجاً»، وإن كان قارناً قال:
«لبيك عمرة وحجاً» وإن كان متمتعاً قال: «لبيك عمرة» ويقول الحاج: «اللهم
هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة».
- حكم اشتراط التحلل من النسك عند العذر:
إذا كان المُحْرِم مريضاً أو خائفاً سن له أن يقول عند عقد الإحرام بالنسك،
(إنْ حَبَسنِيْ حَابِسٌ فَمَحلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) فإن عرض له شيء
يمنعه، أو زاد مرضه، حَلّ ولا هدي عليه، وإذا لم يشترط المحْرِم، وحبسه
عذر، لزمه دم يذبحه ثم يحل.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة/196].
2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
على ضباعة بنت الزبير. فقال لها: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟» قَالَتْ:
والله لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي
وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي».
متفق عليه (1).
- صفة التلبية:
1 - يسن أن يقول المحْرِم عقب الإحرام وإذا استوى على راحلته بعد حمد الله
عز وجل، وتسبيحه، وتكبيره: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا
شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لا
شَرِيكَ لَكَ». متفق عليه (2).
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان من تلبية النبي - صلى الله عليه
وسلم -: «لَبَّيْكَ إلَهَ الحَقِّ». أخرجه النسائي وابن ماجه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5089)، واللفظ له، ومسلم برقم (1207).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1549)، ومسلم برقم (1184).
(3) صحيح/أخرجه النسائي برقم (2752)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2920).
(1/659)
- فضل التلبية:
عَنْ سَهْلِ بنِ سَعدٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسُولُ الله - صلى الله
عليه وسلم -: «ما مِنْ مُسْلِمٍ يُلبي إلا لبَّي مَنْ عنْ يَمينِه أو عَنْ
شِمَالِهِ مِنْ حَجرٍ أو شَجرٍ أو مَدَرٍ حتَّى تَنْقَطِعَ الأرضُ مِنْ
هَاهُنَا وَهَاهُنَا». أخرجه الترمذي وابن ماجه (1).
- يسن للمحرم أن يكثر من التلبية، فالتلبية شعار الحج والعمرة، يصوت بها
الرجل والمرأة ما لم تُخشَ الفتنة، يلبي حيناً، ويهلل حيناً، ويكبر حيناً.
- تُقطع التلبية في العمرة إذا دخل في أدنى حدود الحرم، وتقطع في الحج إذا
رمى جمرة العقبة يوم العيد.
- إذا أحرم البالغ بالحج أو العمرة لزمه الإتمام، أما الصبي فلا يلزمه
الإتمام؛ لأنه غير مكلف، ولا ملزم بالواجبات.
- ما يجب على الحاج فعله:
يجب على الحاج وغيره الاجتهاد في فعل الطاعات، واجتناب المحرمات.
قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ
الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا
تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة/197].
- محظورات الإحرام:
محظورات الإحرام هي الأعمال الممنوعة على المحرم بسبب إحرامه.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس
المحرم من الثياب؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَلْبَسُ
القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا
الخِفَافَ، إلا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ،
_________
(1) صحيح/أخرجه الترمذي برقم (828)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2921).
(1/660)
وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ
الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ
زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ». متفق عليه (1).
- يحرم على المحْرِم ذكراً كان أو أنثى ما يلي:
1 - حلق الشعر أو تقصيره.
2 - تقليم الأظافر.
3 - تغطية رأس الرجل.
4 - لبس الذكر للمخيط، وهو ما خيط على قدر البدن كله كالقميص، أو على قدر
نصفه الأعلى كالفنيلة، أو نصفه الأسفل كالسراويل، وما خيط على قدر العضو
لليدين كالقفازين، وللرجلين كالخفين، وللرأس كالعمامة والطاقية ونحوهما.
5 - استعمال الطيب أو البخور في البدن أو اللباس بأي وجه.
6 - قتل صيد البر المأكول أو اصطياده.
7 - عقد النكاح.
8 - تغطية وجه المرأة بالنقاب أو البرقع ونحوهما، ويديها بالقفازين.
9 - الجماع: وهو أشد محظورات الإحرام، فإن كان قبل التحلل الأول فسد نسكهما
مع الإثم، ويجب في ذلك بدنة، ويمضيان فيه، ويقضيان ثاني عام، وإن كان
الجماع بعد التحلل الأول فلا يفسد النسك لكنه آثم، وعليه الفدية والغسل.
10 - مباشرة الرجل المرأة فيما دون الفرج، فإن أنزل لم يفسد حجه ولا إحرامه
لكنه آثم، وعليه فدية الأذى.
- لا يجوز للرجل أن يُحرم بالجوربين ولا بالخفين إلا إذا لم يجد نعلين،
فيلبس الخفين ولا يقطعهما، والمراد بالخفين: ما يغطي الكعبين، ويجوز للمرأة
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1542) واللفظ له، ومسلم برقم (1177).
(1/661)
المحرمة لبس الجوربين والخفين، أما
القفازان فلا يجوز للمحرم ولا للمحرمة لبسهما كما سبق.
- المرأة كالرجل فيما سبق من المحظورات إلا في لبس المخيط فتلبس ما شاءت
غير متبرجة، وتجتنب لبس النقاب وتغطي رأسها، وتسدل خمارها على وجهها إذا
كانت بحضرة رجال أجانب، وتجتنب لبس القفازين، ويباح لها التحلي.
- التحلل الأول في الحج يحل فيه للحاج كل شيء إلا النساء، ويحصل برمي جمرة
العقبة.
ومن ساق الهدي توقف إحلاله على نحره مع الرمي.
- حكم المحرمة إذا حاضت:
إذا حاضت المرأة المتمتعة قبل الطواف وخشيت فوات الحج أحرمت به، وصارت
قارنة، ومثلها المعذور، والحائض والنفساء تفعل المناسك كلها غير الطواف
بالبيت، وإن أصابها الحيض أثناء الطواف خرجت منه وأحرمت بالحج، وصارت
قارنة.
- ما يجوز للمحرم فعله:
1 - يجوز للمحرم ذبح بهيمة الأنعام والدجاج ونحوها، وله قتل الصائل المؤذي
في الحل والحرم كالأسد، والذئب، والنمر، والفهد، والحية، والعقرب، والفأرة،
وكل مؤذٍ كالوزغ، وقتله في أول ضربه أفضل، وله فيها مائة حسنة، كما يجوز له
صيد البحر وطعامه.
1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(96)} [المائدة/96].
2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: العَقْرَبُ، وَالفَأرَةُ،
والحُديَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1829)، ومسلم برقم (1198) واللفظ له.
(1/662)
2 - يجوز للمحرم بعد إحرامه أن يغتسل ويغسل
رأسه وثيابه، وله تبديلها، ويجوز للمحرم أن يلبس خاتم الفضة، ونظارة العين،
وسماعة الأذن، والساعة في اليد، ولبس الحزام، والحذاء ولو كانا مخيطين،
ويجوز له أن يحتجم ويكتحل لوجع ونحوه.
3 - يجوز للمحرم شمُّ الريحان، والاستظلال بالخيمة، أو الشمسية، أو سقف
السيارة، وحك الرأس ولو سقط منه بعض الشعر.
- من أراد أن يضحي وحج في عشر ذي الحجة فلا ينبغي له عند الإحرام أن يأخذ
من بدنه وشعره وظفره شيئاً، ويجوز له فقط حلق أو تقصير رأسه إن كان
متمتعاً؛ لكون الحلق أو التقصير نسكاً.
- ما يُفعل بالمحرم إذا مات:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً وَقَصَهُ بعيره ونحن مع النبي - صلى
الله عليه وسلم - وهو محرم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوبَيْنِ، وَلا تُمِسُّوُه
طِيباً، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإنَّ الله يَبْعَثُهُ يَومَ
القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1267) واللفظ له، ومسلم برقم (1206).
(1/663)
4 - الفدية
- محظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام:
1 - ما لا فدية فيه: وهو عقد النكاح.
2 - ما فديته مغلظة: وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول، وفديته بدنة.
3 - ما فديته الجزاء أو بدله: وهو قتل الصيد البري المأكول.
4 - ما فديته فدية أذى: وهو بقية المحظورات كالحلق، والطيب ونحوها.
- مَنْ كان مريضاً أو معذوراً واحتاج إلى فعل محظور من محظورات الإحرام
السابقة غير الوطء كحلق شعر الرأس، ولبس المخيط ونحوهما فله ذلك، وعليه
فدية الأذى.
- فدية الأذى يخير فيها بين ثلاثة أشياء:
1 - صيام ثلاثة أيام.
2 - أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر، أو أرز، أو تمر، أو
نحوها، أو وجبة طعام لكل مسكين حسب العرف والعادة.
3 - أو يذبح شاة.
قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
[البقرة/196].
يجزئ الصيام في كل مكان، أما الإطعام والذبيحة فلفقراء مكة.
- حكم من فعل شيئاً من محظورات الإحرام:
مَنْ فعل شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً فلا إثم
عليه ولا فدية، وعليه أن يتخلى عن المحظور فوراً.
وَمَنْ فعلها متعمداً لحاجة فعليه الفدية ولا إثم عليه.
(1/664)
وَمَنْ فعلها متعمداً بلا عذر ولا حاجة
فعليه الفدية مع الإثم.
- فدية قتل الصيد البري:
مَنْ قتل صيداً بَرِّياً متعمداً وهو محرم: فإن كان له مِثْل من النَّعَم
خُيِّر بين إخراج المثل يذبحه ويطعمه مساكين الحرم، أو يقوَّم المِثْل
بدراهم يشتري بها طعاماً فيطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن طعام كل مسكين
يوماً، وإن كان الصيد ليس له مِثْل يقوَّم الصيد بدراهم، ثم يخير بين
الإطعام والصيام.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا
بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ
ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة/95].
- فدية الجماع في الحج والعمرة:
1 - فدية الجماع في الحج قبل التحلل الأول بدنة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام
في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وإن كان الجماع بعد التحلل الأول فكفدية
الأذى، والمرأة كالرجل في ذلك إلا إن كانت مكرهة.
2 - فدية مَنْ وقع على امرأته في العمرة قبل السعي أو التقصير فدية الأذى.
- حكم قطع شجر الحرم وقتل صيده:
1 - يحرم على المُحْرِم والحلال قطع شجر حرم مكة وحشيشه إلا الإذخر، وما
زرعه الآدمي، ولا فدية فيه، كما يحرم قتل صيد الحرم، فإن فعل فعليه الفدية.
2 - ويحرم صيد حرم المدينة، وقطع شجره، ولا فدية فيه، لكن يعزر من صاده
ويأثم، ويؤخذ من حشيشه ما يُحتاج إليه للعلف، وليس في الدنيا حرم إلا هذان
الحرمان.
- حدود حرم المدينة:
من الشرق الحرة الشرقية، ومن الغرب الحرة الغربية، ومن الشمال جبل ثور
(1/665)
خلف جبل أحد، ومن الجنوب جبل عير وبسفحه
الشمالي وادي العقيق.
- حكم من كرر محظوراً:
مَنْ كرر محظوراً من جنس واحد ولم يفد فدى مرة واحدة، بخلاف صيد، ومن كرر
محظوراً من أجناس بأن حلق رأسه، ومس طيباً فدى لكل جنس مرة.
- يحرم عقد النكاح حال الإحرام ولا يصح، ولا فدية فيه، وتصح الرجعة.
- من يجب عليه الهدي:
يجب الهدي على المتمتع والقارن إن لم يكونا من حاضري المسجد الحرام، وهو:
شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فمن لم يجد الهدي أو عجز عنه، صام ثلاثة
أيام في الحج قبل عرفة أو بعدها، ويكون آخرها يوم الثالث عشر وهو الأفضل
وسبعة إذا رجع إلى أهله، أما المفرد فلا هدي عليه.
قال الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ
كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (196)} [البقرة/ 196].
- كل هدي أو إطعام فلمساكين الحرم ذبحاً وتفريقاً، وفدية الأذى، واللبس
ونحوهما، ودم الإحصار حيث وُجد سببه، وجزاء الصيد في الحرم لمساكين الحرم،
ويجزئ الصيام في كل مكان.
- هدي التمتع والقران يسن أن يأكل منه، ويهدي، ويطعم منه فقراء الحرم.
- المُحْصَر يجب عليه أن يذبح ما استيسر من الهدي ثم يحلق، فإن لم يجد
هدياً حَلَّ، ولا شيء عليه.
- حكم الصيد الذي له مِثل والذي ليس له مِثل:
1 - الصيد الذي له مِثل من النعم مِثل النعامة فيها بدنة، وحمار الوحش،
وبقرته، والوعل، والأيِّل فيه بقرة، وفي الضبع كبش، وفي الغزال عنز، وفي
الوبر
(1/666)
والضب جدي، وفي اليربوع جَفْرة، وفي الأرنب
عَنَاق، وفي الحمامة وأشباهها شاة، وما سوى ذلك يحكم به عدلان من ذوي
الخبرة.
2 - الصيد الذي لا مثل له يقوَّم الصيد بدراهم ويشتري بها طعاماً، ويعطي
مُداً لكل مسكين، أو عدل ذلك صياماً.
- أقسام الدماء في الحج:
1 - دم التمتع والقران، يأكل منه الحاج ويهدي ويطعم الفقراء.
2 - دم الفدية لمن فعل شيئاً من محظورات الإحرام كحلق الرأس، أو لبس المخيط
ونحوهما.
3 - دم الجزاء لمن قتل الصيد البري المأكول.
4 - دم الإحصار لمن حُبس عن إتمام النسك، أو عن البيت، ولم يشترط.
5 - دم الوطء إذا وطئ قبل أن يحل.
وهذه الدماء الأربعة الأخيرة دماء جبران؛ لنقص النسك، لا يأكل منها، بل
يذبحها ويطعمها فقراء مكة.
- حكم نقل اللحوم خارج الحرم:
ما يذبحه الحجاج ثلاثة أنواع:
1 - هدي التمتع أو القران يذبح في الحرم، ويأكل منه، ويطعم الفقراء، وله
نقله خارج الحرم.
2 - ما يذبح داخل الحرم جزاء لصيد، أو فدية لأذى، أو فعل محظور فهذا كله
لفقراء الحرم، ولا يأكل منه.
3 - ما يذبح خارج الحرم كهدي الإحصار، أو فدية جزاء، أو غيرهما فهذا يوزع
حيث ذبح، وله نقله إلى مكان آخر، ولا يأكل منه.
(1/667)
5 - أنواع النسك
- الأنساك ثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد.
1 - صفة التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج
من مكة، أو قُرْبها في عَامِه، ويستمر في الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة
يوم العيد، وعليه هدي التمتع، وصفة النطق به: (لبيك عمرة).
2 - صفة القِران: أن يحرم بالعمرة والحج معاً، أو يحرم بالحج أولاً ثم يدخل
العمرة عليه، وصفة النطق به: (لبيك عمرة وحجاً)، ويجوز لمن كان معذوراً أن
يدخل الحج على العمرة قبل الشروع في طوافها كمن أصابها الحيض أو النفاس
مثلاً.
3 - صفة الإفراد: أن يحرم بالحج مفرداً، وصفة النطق به: (لبيك حجاً)، وعمل
القارن كعمل المفرد سواء، إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه،
والقران أفضل من الإفراد، والتمتع أفضل منهما.
ويسن للمسلم أن يهل بالتمتع مرة، وبالقِران مرة، وبالإفراد مرة، إحياءً
للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ
بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ
فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ» قَالَتْ
عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا: فَأَهَلَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه
وسلم - بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ
بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ
أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. أخرجه مسلم (1).
- أفضل الأنساك:
ينبغي لكل حاج أن يحج متمتعاً، والتمتع أفضل الأنساك وأولاها؛ لأنه الذي
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه به، وعزم عليهم أن يحلوا في
حجة الوداع إلا من
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1211).
(1/668)
ساق الهدي، والتمتع أيسر الأنساك وأسهلها.
- إذا أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فالأولى أن يقلب نسكه إلى عمرة ليصير
متمتعاً ولو بعد أن طاف وسعى إذا لم يسق معه الهدي، فيقصِّر ويحل؛ اتباعاً
لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأما من ساق الهدي فيظل في إحرامه ولا يتحلل إلا بعد الرمي يوم النحر.
- صفة دخول مكة:
إذا أحرم المسلم بالحج أو العمرة قصد مكة ملبياً، ويسن دخوله من أعلاها إن
كان أرفق لدخوله، وأن يغتسل إن تيسر، ويدخل المسجد الحرام من أي جهة شاء،
فإذا أراد دخول المسجد الحرام قدم رجله اليمنى، ثم قال ما يقال عند دخول
المساجد: «اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ». أخرجه مسلم (1).
«أَعُوذُ بِالله العَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ
القَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». أخرجه أبو داود (2).
- ما يفعله إذا دخل المسجد الحرام:
1 - إذا دخل المحْرِم المسجد الحرام بدأ بالطواف مباشرة إلا أن يكون وقت
فريضة فيصليها ثم يطوف.
2 - يبدأ المعتمر عمرة مفردة، أو عمرة تمتع بطواف العمرة، ويبدأ القارن
والمفرد بطواف القدوم، وهو سنة ليس بواجب.
- أحوال التحلل من النسك:
التحلل من النسك يكون بما يلي:
إما بإتمام النسك، أو التحلل لعذر إن اشترط، أوالتحلل بالحصر بعد ذبح
الهدي.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (713).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466).
(1/669)
6 - معنى العمرة
وحكمها
- العمرة: هي التعبد للهِ بالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة،
والحلق، أو التقصير.
- حكم العمرة:
العمرة واجبة في العمر مرة، وتسن في كل وقت من العام، وفي أشهر الحج أفضل
من سائر العام، والعمرة في رمضان تعدل حجة.
- عدد عُمَر النبي - صلى الله عليه وسلم -:
اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلها في أشهر الحج وهي:
عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وعمرته مع حجته - صلى الله
عليه وسلم -، وكلها كانت في ذي القعدة.
- أركان العمرة:
الإحرام، والطواف، والسعي.
- واجبات العمرة:
الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير، ومن ترك واحداً منها متعمداً،
عالماً بالحكم فهو آثم، لكن لا دم عليه، وعمرته صحيحة.
- شروط صحة الطواف:
النية .. الطهارة من الحدث الأكبر .. ستر العورة .. الطواف سبعاً .. أن
يبدأ من الحجر الأسود ويختم به .. الطواف بكامل البيت .. أن يجعل البيت عن
يساره .. الموالاة بين الأشواط إلا لعذر.
(1/670)
7 - صفة العمرة
- صفة العمرة التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيَّنها:
أن يحرم من يريد العمرة بها من الميقات إذا كان ماراً به، ومن كان دون
الميقات أحرم من حيث أنشأ، وإن كان من أهل مكة خرج إلى الحل كالتنعيم ليحرم
منه، ويستحب أن يدخل مكة ليلاً أو نهاراً من أعلاها، ويخرج من أسفلها إن
كان أيسر له، ويقطع التلبية إذا دخل أدنى حدود الحرم.
- فإذا وصل المسجد الحرام دخله متوضئاً، ويبدأ بالطواف بالكعبة من الحجر
الأسود، ويجعل البيت عن يساره.
ويسن أن يضطبع قبل أن يطوف، بأن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه
على عاتقه الأيسر في جميع الأشواط.
ويسن أن يرمل، وهو المشي بقوة ونشاط في الأشواط الثلاثة الأولى من الحَجَر
إلى الحَجَر، ويمشي في الأشواط الأربعة الأخيرة، والاضطباع والرمل سنة
للرجال فقط دون النساء، في طواف القدوم وطواف العمرة فقط.
- فإذا حاذى الحجر الأسود استقبله واستلمه بيده، وقبَّله بفمه، فإن لم
يستطع وضع يده اليمنى عليه وَقبَّلها، فإن لم يستطع استلمه بمحجن، أو عصا
ونحوهما مما في يده وَقبَّلها، فإن لم يستطع أشار إليه بيده اليمنى ولا
يقبلها، ويمضي ولا يقف، ويقول إذا حاذاه: (الله أكبر) مرة واحدة، ويفعل ذلك
في كل شوط، ثم يدعو أثناء طوافه بما شاء من الأدعية الشرعية ويذكر الله
ويوحده.
- فإذا مر بالركن اليماني استلمه بيده اليمنى بدون تقبيل في كل شوط ولا
يكبر، فإن شق استلامه مضى في طوافه بلا تكبير ولا إشارة، ويقول بين الركن
اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فيطوف سبعة أشواط كاملة من
وراء الكعبة والحِجر، يكبر كلما حاذى الحجر الأسود، ويستلمه، ويقبِّله في
كل شوط إن أمكن، ولا يستلم الركنين
(1/671)
الشاميين، وله أن يلتزم ما بين الركن
والباب بعد طواف القدوم، أو الوداع، أو غيرهما فيضع صدره، ووجهه، وذراعيه
عليه، ويدعو ويسأل الله تعالى.
- فإذا فرغ من الطواف غطى كتفه الأيمن وتقدم إلى مقام إبراهيم - صلى الله
عليه وسلم - وهو يقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}
[البقرة/125].
- ثم يسن أن يصلي ركعتين خفيفتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر وإلا في أي مكان
من المسجد الحرام، ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة
(الكافرون) وفي الثانية بعد الفاتحة سورة (الإخلاص)، ثم ينصرف من حين يسلم،
والدعاء بعد الركعتين هنا غير مشروع، وكذلك الدعاء عند مقام إبراهيم لا أصل
له.
- ثم إذا فرغ من الصلاة يسن أن يذهب إلى الحجر الأسود ويستلمه إن تيسر.
- ثم يخرج إلى الصفا، ويسن أن يقرأ إذا قرب منه: {إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ
اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} [البقرة/158].
ويقول: أبدأ بما بدأ الله به، فإذا صعد على الصفا ورأى البيت يقف مستقبلاً
القبلة ويكبر ثلاثاً رافعاً يديه للذكر والدعاء، لا على هيئة تكبير الصلاة،
يوحد الله ويكبره ويحمده قائلاً: «لا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ
لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،
لا إلَهَ إلا الله وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ،
وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (1).
ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، يجهر
بالذكر، ويسر بالدعاء.
- ثم ينزل من الصفا متجهاً إلى المروة بخشوع وتذلل، ويمشي حتى يحاذي العلم
الأخضر، فإذا حاذاه سعى سعياً شديداً إلى العلم الأخضر الثاني، ثم يمشي إلى
المروة، وفي كل ذلك يهلل، ويكبر، ويدعو.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4114)، ومسلم برقم (1218)، واللفظ له.
(1/672)
- فإذا وصل إلى المروة رقاها واستقبل البيت
رافعاً يديه ووقف يذكر الله تعالى ويدعو، ويقول ما قاله على الصفا، ويكرره
ثلاثاً، ثم ينزل من المروة إلى الصفا، يمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع
سعيه، يفعل ذلك سبعاً، ذهابه سَعْية، ورجوعه سَعْية، يبدأ بالصفا، ويختم
بالمروة، وتسن للسعي الطهارة والموالاة.
والسنة أن يطوف ويسعى في الدور الأرضي، ويجوز أن يطوف ويسعى فيما فوقه من
الأدوار لعذر من مرض أوشدة زحام ونحوهما.
- وتسن الموالاة بين الطواف والسعي:
فإذا أتم السعي حلق وهو الأفضل، أو قصَّر من شعر رأسه يعمّه بالتقصير،
وتُقصّر المرأة من شعرها قدر أنملة، وبذلك تمت العمرة، وحل له كل شيء حَرُم
عليه وهو مُحْرِم كاللباس، والطيب، والنكاح ونحو ذلك.
- المرأة كالرجل في الطواف والسعي إلا أنها لا ترمل في طواف، ولا تسرع في
سعي، ولا تضطبع، وتجتنب إظهار الزينة، وكشف الوجه أمام الرجال، ورفع الصوت،
ومزاحمة الرجال.
- حكم من جامع زوجته وهو مُحْرِم بالعمرة:
إذا جامع الرجل زوجته بعد الإحرام بالعمرة لزمه أن يتمها ثم يقضيها؛ لأنه
أفسدها بالجماع، وإن جامعها بعد الطواف والسعي وقبل الحلق أو التقصير فلا
تفسد عمرته، وعليه فدية الأذى.
- إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي فإنه يدخل مع الجماعة ويصلي،
فإذا انتهت الصلاة أتم الشوط من حيث وقف، ولا يلزمه أن يأتي به من أول
الشوط.
- حكم تقبيل الحجر الأسود:
تقبيل الحجر الأسود واستلامه والإشارة إليه والتكبير كل ذلك سنة، فمن شق
(1/673)
عليه شيء منها تركها ومضى.
والسنة تقبيل الحجر الأسود واستلامه لمن سهل عليه ذلك في حال الطواف، وبين
الطواف والسعي، أما مع الزحام وأذية الطائفين فلا يشرع، وتركه أولى، خاصة
النساء؛ لأن الاستلام والتقبيل سنة، وأذىة الناس محرمة، فلا يفعل السنة
ويرتكب المحرَّم في آن واحد.
- أصل الحجر الأسود أنه نزل من الجنة أشد بياضاً من اللبن، فسوَّدته خطايا
بني آدم، ولولا ما مسّه من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي، يبعثه
الله يوم القيامة فيشهد على من استلمه بحق، وَمَسْحُ الحجر الأسود والركن
اليماني يحطَّان الخطايا حطّاً.
- فضل الطواف بالبيت:
يستحب للمسلم أن يكثر من الطواف بالبيت؛ طلباً لزيادة الأجر.
عَنْ عَبْدِا? بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ
لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: مَا لِي لَا أَرَاكَ تَسْتَلِمُ
إِلَّا هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الحَجَرَ الأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ
اليَمَانِيَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ أَفْعَلْ فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ
ا? - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اسْتِلَامَهُمَا يَحُطُّ
الخَطَايَا» قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ أُسْبُوعًا
يُحْصِيهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ» قَالَ:
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَمًا وَلَا وَضَعَهَا إِلَّا
كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ
لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ». أخرجه أحمد والترمذي (1).
- الطواف بالبيت على طهارة أفضل وأكمل، وإن طاف بلا وضوء صح، أما الطهارة
من الحدث الأكبر كالجنابة والحيض فتجب.
_________
(1) صحيح/أخرجه أحمد برقم (4462) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (959).
(1/674)
8 - صفة الحج
- صفة الحج الذي بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر به أصحابه رضي
الله عنهم.
- يُسن للمحلين بمكة وأهل مكة الاغتسال والتنظف والتطيب ثم الإحرام بالحج
يوم التروية قبل الزوال وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، يُحرم من مكانه الذي
هو نازل فيه، ويقول في إهلاله: (لبيك حجاً) وأما القارن والمفرد فيبقى على
إحرامه حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر.
- ثم يخرج ملبياً كل من أراد الحج إلى منى قبل الزوال، فيصلي بها مع الإمام
إن تيسر الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، وإن لم يتيسر
صلى في موضع رحله قصراً بلا جمع، ويبيت في منى تلك الليلة.
- ثم إذا طلعت الشمس من اليوم التاسع وهو يوم عرفة سار من منى إلى عرفة
ملبياً ومكبراً، فينزل بنمرة إلى الزوال، وهي مكان قريب من عرفات وليس
منها.
- حدود عرفات:
من الشرق الجبال المحيطة المطلَّة على ميدان عرفات، ومن الغرب وادي عرنة،
ومن الشمال ملتقى وادي وصيق بوادي عرنة، ومن الجنوب ما بعد مسجد نمرة
جنوباً بنحو كيلو ونصف تقريباً.
- فإذا زالت الشمس رحل إلى أول عرفة جهة مسجد عرفات، وفي ذلك المكان (بطن
عرنة) يخطب الإمام بالناس وهو الآن داخل المسجد، ثم يؤذن المؤذن لصلاة
الظهر، ثم يقيم، ثم يصلي الإمام بهم الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ركعتين
ركعتين، يجمع بينهما جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، فإن لم يتيسر له صلى
جماعة مع رفقته في منزله جمعاً وقصراً كما سبق.
- ثم يسن له بعد الصلاة أن يتوجه إلى عرفات، ويقف عند الجبل المسمى جبل
عرفة، فيجعله بينه وبين القبلة، ويستقبل القبلة جاعلاً حبل المشاة بين
يديه.
(1/675)
ويظل واقفاً عند الصخرات أسفل الجبل، يذكر
الله، ويدعوه، ويستغفره بخشوع وتذلل، رافعاً يديه، يدعو ويلبي ويهلل، وله
الوقوف راكباً على الراحلة، أو جالساً على الأرض، أو واقفاً أو ماشياً،
والأفضل ما كان فيه الأخشع له، والأحضر لقلبه.
- ويكثر من الدعاء بما ورد في القرآن والسنة الصحيحة، وبما شاء، ويكثر من
الاستغفار، والتوبة، والتكبير، والتهليل، والثناء على الله عز وجل، والصلاة
على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويُظهر الافتقار إلى الله عز وجل،
ويُلحُّ في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة، ويظل يذكر الله ويدعوه حتى يغيب
قرص الشمس.
- إن لم يتيسر له أن يقف عند الجبل قرب الصخرات وقف فيما تيسر له من عرفة
في منزله أو غيره، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة.
- وقت الوقوف بعرفة:
يبدأ بعد زوال الشمس من يوم عرفة إلى غروب الشمس، ويستمر زمن الوقوف إلى
طلوع الفجر من ليلة العاشر، ومن دخل قبل الزوال أو دخل ليلة عرفة جاز، لكن
السنة الدخول بعد الزوال، وَمَنْ وقف ليلاً ولو لحظة أجزأه، ومعنى الوقوف:
المكث على الراحلة أو الأرض لا الوقوف على القدمين، ومن وقف بعرفة نهاراً
ثم دفع قبل الغروب فقد ترك أمراً مستحباً، ولا دم عليه، وحجه صحيح.
عن عُرْوَةَ بن مُضَرِّسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ أنَّهُ أدْرَكَ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج لصلاة الفجر ... فقالَ لَهُ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هذِهِ وَوَقَفَ
مَعنا حتَّى نَدْفَعَ وَقَد وَقَفَ بِعَرفَةَ قَبْلَ ذلكَ ليْلَا أو
نَهاراً فَقدْ أتمَّ حَجَّهُ وَقَضى تَفَثَهُ».
أخرجه أبو داود والترمذي (1).
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (1950)، وأخرجه الترمذي برقم (891)، وهذا
لفظه.
(1/676)
- وقت الإفاضة من عرفات:
فإذا غابت الشمس أفاض من عرفات إلى مزدلفة ملبياً وعليه السكينة والهدوء،
ولا يزاحم الناس بنفسه أو دابته، وإذا وجد فجوة أسرع، فإذا وصل إلى مزدلفة
صلى بها المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، يجمع بينهما جمع تأخير بأذان واحد
وإقامتين، ويبيت بها ويصلي التهجد والوتر.
- وقت الوقوف بمزدلفة:
ثم يصلي الفجر مع سنتها بغلس بعد دخول الوقت، فإذا صلى الفجر أتى المشعر
الحرام وهو الآن مسجد مزدلفة، ويقف هناك مستقبلاً القبلة، يذكر الله تعالى،
ويحمده، ويهلله، ويكبره، ويلبي، ويدعو راكباً، أو على الأرض حتى يسفر جداً
كما قال سبحانه: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ... } [البقرة/198].
- وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام فمزدلفة كلها موقف فيدعو في
مكانه مستقبلاً القبلة.
ويجوز للضعفة وذوي الأعذار من الرجال والنساء ومن يرافقهم أن يدفعوا من
مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر أو إذا مضى أكثر الليل، ثم يرموا جمرة العقبة
إذا وصلوا منى.
- وقت الدفع من مزدلفة إلى منى:
ثم يدفع الحاج من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس وعليه السكينة، فإذا بلغ
محسِّراً -وهو واد بين مزدلفة ومنى -وهو من منى- أسرع راكباً أو ماشياً قدر
رمية حجر.
ويلتقط سبع حصيات من عند الجمرات، أو من طريقه إلى الجمرات من منى، وإن
أخذها من مزدلفة جاز، ويلبي ويكبر في طريقه، ويقطع التلبية إذا رمى جمرة
العقبة.
(1/677)
- وقت رمي جمرة العقبة:
فإذا وصل جمرة العقبة وهي آخر الجمرات من جهة منى رماها بسبع حصيات بعد
طلوع الشمس، جاعلاً منى عن يمينه ومكة عن يساره، يرفع يده اليمنى بالرمي،
ويكبر مع كل حصاة.
والسنة في حصى الجمار أن تكون صغيرة بين الحمص والبندق مثل حصى الخذف، ولا
يجوز الرمي بحصاة كبيرة، ولا يجوز الرمي بغير الحصى كالخفاف، والنعال،
والجواهر والمعادن ونحوها، ولا يؤذي، ولا يزاحم المسلمين عند الرمي وغيره.
- ما يفعله الحاج بعد الرمي:
ثم بعد الرمي يذبح المتمتع والقارن الهدي، ويقول عند الذبح أو النحر: (باسم
الله والله أكبر، اللهم تقبل مني).
عن أنس رضي الله عنه قال: ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى
وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. متفق عليه (1).
ويسن أن يأكل من لحمه، ويشرب من مرقه، ويطعم منه المساكين، وله أن يتزود
منه لبلده، أما المفرد فيحلق بعد الرمي؛ لأنه لا هدي عليه.
ثم بعد ذبح الهدي يحلق رأسه، أو يقصره إن كان رجلاً، والحلق أفضل، والسنة
أن يبدأ الحالق بيمين المحلوق، والمرأة تُقصر من شعر رأسها قدر أنملة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» قالوا: يا رسول الله وللمقصرين؟
قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» قالوا: يا رسول الله
وللمقصرين؟ قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» قالوا: يا رسول
الله وللمقصرين؟ قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5558)، ومسلم برقم (1966)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1728)، ومسلم برقم (1302)، واللفظ له.
(1/678)
- التحلل الأول:
فإذا فعل ما سبق حلَّ له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، فيحل له اللباس
والطيب وتغطية الرأس ونحوها، ولو رمى جمرة العقبة فقط حل له كل شيء من
المحظورات إلا النساء ولو لم يحلق أو يذبح الهدي إلا من ساق الهدي فلا يحل
حتى يرمي ويذبح الهدي، ويسمى هذا (التحلل الأول).
- الطواف والسعي:
ويسن للإمام أن يخطب ضحى يوم النحر بمنى عند الجمرات، يُعَلِّم الناس
مناسكهم، ثم يلبس الحاج ثيابه ويتطيب ويفيض إلى مكة ضحى فيطوف بالبيت طواف
الحج، ويسمى (طواف الإفاضة أو الزيارة) ولا يرمل فيه.
ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً وهو الأجود، وإن اكتفى المتمتع
بسعي واحد بين الصفا والمروة فلا بأس، وإن كان قارناً أو مفرداً ولم يسع مع
طواف القدوم طاف وسعى كالمتمتع، وإن سعى بعد طواف القدوم وهو الأفضل فلا
سعي عليه بعد طواف الإفاضة، ثم قد حل له كل شيء مما حرم عليه في الإحرام
حتى النساء، ويسمى هذا (التحلل الثاني).
- أول وقت طواف الزيارة:
بعد مضي معظم ليلة النحر لمن وقف بعرفة، ويسن في يومه، وله تأخيره، ولا
يؤخره عن شهر ذي الحجة إلا لعذر.
- وقت الرجوع إلى منى:
ثم يرجع إلى منى ويصلي بها الظهر، ويمكث فيها بقية يوم العيد وأيام التشريق
ولياليها، فيبيت بمنى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر
-إن تأخر- وهو الأفضل، فإن لم يتيسر المبيت بات معظم الليل من ليالي منى
بمنى من أوله، أو وسطه، أو آخره.
(1/679)
- وقت الرمي في أيام التشريق:
يصلي الحاج الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها قصراً بلا جمع في مسجد
الخيف إن تيسر، وإلا صلى جماعة في أي مكان من منى، ويرمي الجمرات الثلاث في
أيام التشريق بعد الزوال، يلتقط حصى كل يوم من أي مكان في منى.
1 - السنة أن يذهب إلى الجمرات ماشياً إن تيسر، فيرمي في اليوم الحادي عشر
بعد الزوال (الجمرة الأولى) وهي الصغرى التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات
متعاقبات، يرفع يده اليمنى مع كل حصاة، ويقول: (الله أكبر) مستقبلاً القبلة
إن تيسر.
فإذا فرغ تقدم قليلاً عن يمينه، فيقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه، ويدعو
طويلاً بقدر سورة البقرة.
2 - ثم يسير إلى (الجمرة الوسطى) ويرميها بسبع حصيات كما سبق، ويرفع يده
اليمنى مع كل حصاة ويكبر، ثم يتقدم ذات الشمال، ويقف مستقبلاً القبلة
رافعاً يديه، ويدعو طويلاً أقل من دعائه في الأولى.
3 - ثم يسير إلى (جمرة العقبة) ويرميها بسبع حصيات، جاعلاً مكة عن يساره
ومنى عن يمينه، ولا يقف عندها للدعاء، وبذلك يكون قد رمى إحدى وعشرين حصاة،
ويجوز للمعذور ألّا يبيت في منى، وأن يجمع رمي يومين في يوم واحد، أو يؤخر
الرمي إلى آخر أيام التشريق، أو يرمي في الليل.
- ثم يفعل في اليوم الثاني عشر كما فعله في اليوم الحادي عشر، يرمي الجمار
الثلاث بعد الزوال كما سبق.
والسنة أن يرمي الجمار الثلاث في الدور الأرضي، ويجوز الرمي فيما فوقه من
الأدوار لعذر من مرض أو شدة زحام ونحوهما.
- فإن أحب التعجل في يومين خرج من منى قبل الغروب في اليوم الثاني عشر، وإن
تأخر إلى اليوم الثالث عشر رمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق وهو
الأفضل؛ لأنه فِعْل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمرأة كالرجل في كل
ما سبق، وبذلك فرغ الحاج من أعمال الحج.
(1/680)
- حج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة
واحدة هي حجة الوداع قام فيها بأداء النسك، والدعوة إلى الله، وحمّل الأمة
مسؤولية الدعوة إلى الله، ففي عرفة تم إكمال الدين، وفي يوم النحر تحميل
الأمة مسؤولية الدين كما قال - صلى الله عليه وسلم - في حجته: «لِيُبَلِّغ
الشَّاهِدُ الغَائِبَ». متفق عليه (1).
- يشرع للمسلم كلما فرغ من عبادة كالصلاة والصيام والحج أن يذكر الله عز
وجل الذي وفقه لأداء الطاعة، ويحمده على ما يسر له من أداء الفريضة،
ويستغفره عن التقصير، لا كمن يرى أنه أكمل العبادة، ومنّ بها على ربه.
قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ... } [البقرة/200].
- ثم بعد رمي اليوم الثالث عشر بعد الزوال يخرج من منى، ومن السنة أن ينزل
بالأبطح إن تيسر ويصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض
الليل.
- وقت طواف الوداع:
ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الوداع إن كان من غير أهل مكة، والحائض
والنفساء لا طواف عليهما للوداع، فإذا طاف للوداع نفر إلى بلده، وله أن
يحمل معه من ماء زمزم ما تيسر إن شاء.
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ
يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلَّا أنَّهُ خُفِّفَ عَنْ
المَرْأَةِ الحَائِضِ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) واللفظ له، ومسلم برقم (1679).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1755)، ومسلم برقم (1328).
(1/681)
9 - أحكام الحج
والعمرة
- أركان الحج:
الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، والسعي.
- واجبات الحج:
الإحرام من الميقات المعتبر له، والمبيت ليالي أيام التشريق بمنى لغير أهل
السقاية والرعاية ونحوهم، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، أو معظم الليل
للضعفاء ونحوهم، ورمي الجمار، والحلق أو التقصير، وطواف الوداع لغير أهل
مكة عند الخروج منها.
- مَنْ ترك الإحرام لم ينعقد نسكه إلا به، ومَنْ ترك ركناً من
أركان الحج أو العمرة لم يتم نسكه إلا
به.
ومَنْ ترك واجباً متعمداً، عالماً بالحكم فهو آثم، لكن لا دم عليه، ونسكه
صحيح، لكنه ناقص غير كامل.
ومَنْ ترك سنة فلا شيء عليه، والسنة ما عدا الركن والواجب من حج، أو عمرة
أو غيرهما، سواء كانت أقوالاً، أو أفعالاً.
- أعمال يوم النحر:
الأفضل للحاج أن يرتب الأعمال يوم العيد -وهو العاشر من شهر ذي الحجة- كما
يلي: رمي جمرة العقبة، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم
السعي، وهذا هو السنة، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج كأن يحلق قبل أن
يذبح، أو يطوف قبل أن يرمي ونحو ذلك.
- يمتد وقت الذبح للهدي من يوم العيد إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر
فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال: «اذْبَحْ وَلا حَرَجَ» فجاء آخر فقال: لم أشعر
فنحرت قبل أن أرمي؟
(1/682)
قال: «ارْمِ وَلا حَرَجَ» فما سئل النبي -
صلى الله عليه وسلم - عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افْعَلْ وَلا
حَرَجَ». متفق عليه (1).
- يجوز للرعاة ومن يشتغل بمصالح الحجاج العامة كرجال المرور، والأمن،
والمطافئ، والأطباء ونحوهم أن يبيتوا ليالي منى خارجها إذا لزم الأمر، ولا
فدية عليهم.
- وقت رمي الجمار في أيام التشريق:
1 - رمي الجمار بعد يوم العيد كله بعد الزوال، ومن رمى قبل الزوال لزمه أن
يعيده بعد الزوال، فإن لم يعد وغابت شمس اليوم الثالث عشر فهو آثم، ولا
يرمي؛ لفوات وقت الرمي، ونسكه صحيح.
2 - أيام التشريق الثلاثة بالنسبة إلى الرمي كاليوم الواحد، فمن رمى عن يوم
منها في يوم آخر أجزأه، ولا شيء عليه، لكنه ترك الأفضل.
- حكم الرمي مساءً:
الأفضل للحاج أن يرمي الجمرات في أيام التشريق بعد الزوال في النهار، فإن
خشي من الزحام رماها مساءً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وَقَّت
ابتداء الرمي ولم يؤقت آخره.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ: «لا حَرَجَ» قَالَ: حَلَقْتُ
قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ قَالَ: «لا حَرَجَ». متفق عليه (2).
- حكم تأخير رمي الجمار:
السنة أن يرمي الحاج الجمار في أوقاتها.
ويجوز للرعاة والمرضى، ومن له عذر، أو يضره الزحام أن يؤخروا رمي أيام
التشريق إلى اليوم الثالث عشر، ويرمي مرتباً لكل يوم، فيرمي لليوم الحادي
عشر الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، ثم اليوم الثاني عشر كذلك، ثم الثالث
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (83) واللفظ له، ومسلم برقم (1306).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1723) واللفظ له، ومسلم برقم (1306).
(1/683)
عشر كذلك، فإن أخره عن اليوم الثالث عشر من
غير عذر فهو آثم، وإن أخره لعذر فلا إثم عليه، ولا يرمي في كلا الحالين؛
لفوات وقته، ونسكه صحيح.
- حكم الإنابة في الرمي:
تجوز الإنابة في الرمي لمن لا يقدر عليه من الضعفاء من الرجال والنساء
والأطفال، فيرمي عن نفسه ثم يرمي عن موكله عند كل جمرة في مكانه.
- حدود منى:
شرقاً وغرباً بين وادي محسر وجمرة العقبة، وشمالاً وجنوباً الجبلان
المرتفعان.
- حدود مزدلفة:
من الشرق مفيض المأزمين الغربي، ومن الغرب وادي محسر، ومن الشمال جبل ثبير،
ومن الجنوب جبال المريخيات.
- حكم تأخير طواف الإفاضة:
السنة أن يطوف الحاج طواف الزيارة يوم العيد، ويجوز له تأخيره إلى أيام
التشريق، وإلى نهاية شهر ذي الحجة، ولا يجوز تأخيره عن ذي الحجة إلا لعذر
كالمريض الذي لا يستطيع الطواف ماشياً أو محمولاً، أو امرأة نَفِست قبل أن
تطوف ونحو ذلك.
- حكم حج مَنْ حُبِس عن المزدلفة:
إذا دفع من عرفة إلى مزدلفة، وحبسه عذر، كزحام، وخشي خروج وقت العشاء فيصلي
في الطريق، ومن حُبس عاجزاً عن الوصول إلى مزدلفة ولم يَصل إلا بعد طلوع
الفجر، أو بعد طلوع الشمس وقف بمزدلفة قليلاً، ثم يستمر متجهاً إلى منى ولا
إثم ولا دم عليه، وحجه صحيح.
- مَنْ رمى الحصى دفعة واحدة أجزأ عن واحدة، ويكمل الست الباقية، والمرمي:
هو مجتمع الحصى، وليس الجدار المنصوب للدلالة على الحوض.
(1/684)
- حكم طواف الحائض:
إذا حاضت المرأة قبل طواف الزيارة أو نفست فلا تطوف حتى تطهر، وتبقى في مكة
حتى تغتسل ثم تطوف، فإن كانت مع رفقة لا ينتظرونها ولا تستطيع البقاء في
مكة فلها أن تَتَلَجَّمَ بخرقة وتطوف؛ لأنها مضطرة، ولا يكلف الله نفساً
إلا وسعها، وحجها صحيح إن شاء الله تعالى.
- إذا أحرمت المرأة بالعمرة ثم حاضت قبل الطواف فإن طهرت قبل اليوم التاسع
أتمت عمرتها ثم أحرمت بالحج وخرجت إلى عرفة، وإن لم تطهر قبل يوم عرفة
أدخلت الحج على العمرة بقولها: (لبيك حجاً وعمرة) فتصير قارنة، وتقف مع
الناس، فإذا طهرت اغتسلت، وطافت بالبيت.
- المفرد أو القارن إذا قدم مكة وطاف وسعى يسن له أن يقلب نسكه إلى عمرة
ليكون متمتعاً، وله قلب نسكه إلى التمتع قبل الطواف، ولا يحول المفرد نسكه
إلى قارن، ولا يحول القارن نسكه إلى إفراد، بل السنة أن يحول نسكه مفرداً
أو قارناً إلى التمتع إن لم يكن مع القارن هدي.
- يجب على الحاج أو المعتمر أن يصون لسانه عن الكذب، والغيبة، والجدال،
وسيئ الأخلاق، وأن يختار لصحبته الرفقة الصالحة، وأن يأخذ لحجه وعمرته
المال الحلال الطيب.
- حكم دخول الكعبة:
دخول الكعبة ليس بفرض ولا سنة مؤكدة بل دخولها حسن، ومن دخلها يستحب له أن
يصلي فيها ويكبر الله ويدعوه، فإذا دخل مع الباب تقدم حتى يصير بينه وبين
الحائط ثلاثة أذرع والباب خلفه ثم يصلي.
- في الحج ست وقفات للدعاء:
على الصفا، وعلى المروة، وهذان في السعي، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وبعد
الجمرة الأولى، وبعد الجمرة الوسطى.
(1/685)
- إفاضات الحجاج ثلاث:
الأولى: من عرفة إلى مزدلفة ليلة عيد النحر.
الثانية: من مزدلفة إلى منى.
الثالثة: من منى إلى مكة لطواف الإفاضة.
- صفة النزول في المشاعر:
1 - منى ومزدلفة وعرفات من مشاعر الحج فلا يجوز لأحد تملكها.
ومنى مناخ مَنْ سبق، وَمَنْ ترك المبيت بمنى ليلتين أو ثلاثاً من ليالي
أيام التشريق من غير عذر فهو آثم، ونسكه صحيح، ومن لم يجد مكاناً في منى
نزل بجوار آخر خيمة من منى من أي جهة ولو كان خارج منى، ولا حرج ولا دم
عليه، ولا يبيت بمنى على الأرصفة، أو في الطرق فيضر نفسه، ويؤذي غيره.
2 - منى ومزدلفة وعرفات مشاعر كالمساجد، لا يجوز لأحد أن يبني فيها بيتاً
ويؤجره، أو يأخذ أرضاً ويؤجرها، فإن فعل فالناس معذورون ببذل الأجرة،
والإثم على من أخذها، وعلى الإمام أن ينظم نزول الناس في المشاعر بما يراه
مناسباً يحقق المصلحة والراحة للحجاج.
عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بِمِنىً، وَنَزَّلَهُمْ
مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: «لِيَنْزِلِ المُهَاجِرُونَ هَاهُنَا» وَأَشَارَ
إلَى مَيْمَنَةِ القِبْلَةِ «وَالأَنْصَارُ هَاهُنَا» وَأَشَارَ إلَى
مَيْسَرَةِ القِبْلَةِ «ثُمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ». أخرجه أبو
داود والنسائي (1).
- إذا أَخَّرَ الحاج طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع إذا
نواه للزيارة، لكنه ترك الأفضل.
- مَنْ وجب عليه طواف الوداع وخرج قبل أن يطوف للوداع لزمه أن يرجع ويطوف
للوداع، فإن لم يرجع فهو آثم، ونسكه صحيح.
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (1951)، وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(2996).
(1/686)
صفة حجة النبي - صلى
الله عليه وسلم -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رَضيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ
الله - صلى الله عليه وسلم - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ
أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي العَاشِرَةِ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه
وسلم - حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ
أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَيَعْمَلَ مِثْلَ
عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ،
فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ،
فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ أَصْنَعُ؟
قَالَ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» فَصَلَّى رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ،
حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى البَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى
مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ
مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ
ذَلِكَ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا،
وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ القُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ
بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: «لَبَّيْكَ
اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ
الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» وَأَهَلَّ
النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ الله -
صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ الله -
صلى الله عليه وسلم - تَلْبِيَتَهُ.
قَالَ جَابِرٌ رَضِي اللهُ عَنْهُ: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الحَجَّ،
لَسْنَا نَعْرِفُ العُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا البَيْتَ مَعَهُ،
اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ
إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا
مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ?} [البقرة/ 125]، فَجَعَلَ المَقَامَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ -وَلَا أَعْلَمُهُ
ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يَقْرَأُ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا
الْكَافِرُونَ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ
مِنَ البَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ:
«{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ... } [البقرة/
158]، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ
عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ الله
وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ،
وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ
هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا
انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ
(1/687)
الوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا
مَشَى، حَتَّى أَتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ
عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى المَرْوَةِ،
فَقَالَ: «لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ
أَسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ
مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» فَقَامَ سُرَاقَةُ
بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَلِعَامِنَا هَذَا
أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَصَابِعَهُ
وَاحِدَةً فِي الأُخْرَى، وَقَالَ: «دَخَلَتِ العُمْرَةُ فِي الحَجِّ
مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ».
وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
-، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِي الله عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ
ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ:
إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ
بِالعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -
مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ
الله - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ
أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا
قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ
بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: «فَإِنَّ مَعِيَ الهَدْيَ فَلَا
تَحِلُّ» قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ
مِنَ اليَمَنِ، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
مِائَةً.
قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقَصَّرُوا، إِلَّا النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم -، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ، وَرَكِبَ
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ
وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى
طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ
بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا تَشُكُّ
قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، كَمَا
كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ الله -
صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ
ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ
أَمَرَ بِالقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ
النَّاسَ، وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ
عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي
بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ
قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ
أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ،
كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا
الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا
(1/688)
عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ،
فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ،
فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ الله، وَاسْتَحْلَلْتُمْ
فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ
فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ
ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ
تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ؛ كِتَابُ الله، وَأَنْتُمْ
تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ
أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ
السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ:
«اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ
أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى
العَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله
- صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ
نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ
بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى
غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ
القُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ الله - صلى
الله عليه وسلم -، وَقَدْ شَنَقَ
لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ
رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ
السَّكِينَةَ» كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الحِبَالِ أَرْخَى لَهَا
قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا
المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ
يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ الله - صلى الله
عليه وسلم - حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ
لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ حَتَّى
أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ
وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى
أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ
الفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، أَبْيَضَ
وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ
بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ،
فَحَوَّلَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى
وَجْهِ الفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ،
حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ
الطَّرِيقَ الوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حَتَّى
أَتَى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ
حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الخَذْفِ،
رَمَى مِنْ بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى
(1/689)
المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ
بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي
هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي
قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا،
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَفَاضَ إِلَى
البَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ
يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ،
فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ
مَعَكُمْ» فَنَاوَلُوهُ دَلْواً، فَشَرِبَ مِنْهُ.
أخرجه مسلم (1).
- ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو غيرهما:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إذا قفل من الجيوش، أو السرايا، أو الحج، أو العمرة إذا أوفى على
ثنية أَوْ فَدْفَدٍ، كبر ثلاثاً، ثم قال: «لا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا
حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ
الأَحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (2).
- أحكام الفوات والإحصار:
مَنْ فاته الوقوف بعرفة فاته الحج، وتحلل بعمرة، ويقضيه فيما بعد إن كان
فَرْضه، ويهدي، وإن اشترط حَلَّ ولا شيء عليه.
ومن صده عدو عن البيت أهدى ثم حلق أو قَصَّر ثم حَلَّ، وإن صُدَّ عن عرفة
تحلل بعمرة.
وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة، فإن كان مشترطاً حَلَّ ولا شيء عليه، وإن لم
يكن اشترط في إحرامه ذبح ما تيسر من الهدي ثم حلق أو قصر ثم حَلَّ، ومن
كُسِرَ أو مرض أو عَرِجَ فقد حَلّ، وعليه الحج من قابل إن كان فرضه.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1218).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1797)، ومسلم برقم (1344)، واللفظ له.
(1/690)
10 - زيارة المسجد
النبوي
- حدود حرم المدينة النبوية:
من الشرق الحرة الشرقية .. ومن الغرب الحرة الغربية .. ومن الشمال جبل ثور
خلف جبل أحد .. ومن الجنوب جبل عير وبسفحه الشمالي وادي العقيق.
وحَرَم المدينة لا يُقطع شجرة، ولا يُنَفَّر صيده، وصيد مكة فيه الإثم
والجزاء، وصيد المدينة فيه الإثم دون الجزاء.
1 - عَنْ علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا
مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ
صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَالَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ
أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ
تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا
عَدْلٌ». متفق عليه (1).
2 - وعَنْ جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ
مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ
صَيْدُهَا».أخرجه مسلم (2).
- خصائص المساجد الثلاثة:
المساجد الثلاثة هي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
1 - المسجد الحرام بناه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وابنه إسماعيل، وهو
قبلة المسلمين، وإليه حجهم، وهو أول بيت وضع للناس، جعله الله مباركاً
وهدىً للعالمين.
والمسجد النبوي بناه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم
وقد أسس على التقوى.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1870)، ومسلم برقم (1370)، واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1362).
(1/691)
والمسجد الأقصى بناه يعقوب - صلى الله عليه
وسلم -، وهو أولى قبلتي المسلمين.
2 - مضاعفة ثواب الصلاة في هذه المساجد الثلاثة، ولهذه الخصائص وغيرها لا
تشد الرحال إلا لهذه المساجد الثلاثة.
- يحرم شد الرحال لزيارة القبور مطلقاً، سواء كانت لنبي أو غيره.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ
مَسَاجِدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه
وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (1).
- حكم زيارة المسجد النبوي:
يسن للمسلم أن يزور المسجد النبوي، ويصلي فيه إذا دخل ركعتين تحية المسجد.
ثم يذهب إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقف أمامه ويسلم عليه
قائلاً:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم يأتي بالدعاء الوارد في
زيارة القبور، ثم يخطو خطوة عن يمينه ويسلم على أبي بكر رضي الله عنه كذلك.
ثم يخطو خطوة عن يمينه ويسلم على عمر رضي الله عنه كذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا
مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ الله عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى
أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ». أخرجه أحمد وأبو داود (2).
- فضل الصلاة في المسجد النبوي:
الصلاة في المسجد النبوي بالمدينة تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد
الحرام.
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيْمَا سِوَاهُ
إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189)، واللفظ له، ومسلم برقم (1397).
(2) حسن/أخرجه أحمد برقم (10827)، وأخرجه أبو داود برقم (2041).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190)، ومسلم برقم (1395)، واللفظ له.
(1/692)
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ
رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوضِي». متفق عليه (1).
- وتسن زيارة البقيع، وشهداء أحد، والسلام عليهم، والدعاء والاستغفار لهم.
ويقول عند زيارة القبور:
1 - «السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ
وَالمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ الله المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا
وَالمُسْتَأْخِرِينَ، وَإنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ». أخرجه
مسلم (2).
2 - أو يقول: «السَّلامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ
وَالمُسْلِمِينَ، وَإنَّا إَنْ شَاءَ الله لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ الله
لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ». أخرجه مسلم (3).
- فضل الصلاة في مسجد قباء:
يسن للمسلم أن يتوضأ في بيته ويذهب إلى مسجد قباء راكباً أو ماشياً، ويصلي
فيه ركعتين فإنها تعدل عمرة، وإن كانت الزيارة يوم السبت فهو أفضل.
1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا
وَرَاكِبًا. متفق عليه (4).
2 - عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى
فِيهِ صَلاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ». أخرجه النسائي
وابن ماجه (5).
- زيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ليست من مناسك الحج أو
العمرة، ويتم الحج والعمرة بدونها، وإنما تسن زيارة مسجده عليه الصلاة
والسلام للصلاة فيه في أي وقت.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1196)، ومسلم برقم (1391).
(2) أخرجه مسلم برقم (974).
(3) أخرجه مسلم برقم (975).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1193)، واللفظ له، ومسلم برقم (1399).
(5) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (699)، وأخرجه ابن ماجه برقم (1412)، وهذا
لفظه.
(1/693)
11 - الهدي والأضحية
والعقيقة
- الهدي: هو ما يهدى إلى الحرم من بهيمة الأنعام؛ تقرباً إلى الله تعالى،
وما وجب بسبب تمتع، أو قران، أو إحصار.
- الأضحية: هي ما يذبح في أيام الأضحى من الإبل والبقر والغنم تقرباً إلى
الله تعالى.
- حكم الأضحية: سنة مؤكدة على كل قادر عليها من المسلمين.
قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر/ 2].
- وقت ذبح الهدي:
الهدي نوعان:
الأول: هدي التمتع والقران والتطوع، يبدأ وقت ذبحه من صباح يوم النحر إلى
غروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق، ويستحب أن يأكل منه، ويطعم
الفقراء والمساكين.
ويذبح داخل حدود الحرم في مكة، أو منى، أو مزدلفة، أو غيرها.
قال الله تعالى: { ... وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا
صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (36)} [الحج/36].
الثاني: هدى الإحصار، ووقته عند وجود سببه في الحل أو الحرم، يطعمه الفقراء
والمساكين، ولا يأكل منه.
- وقت ذبح الأضحية: من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
(يوم العيد، وثلاثة أيام بعده).
- يستحب أن يأكل من الأضحية، ويُهدي منها، ويتصدق على الفقراء، وللأضحية
فضل عظيم؛ لما فيها من التقرب إلى الله عز وجل، والتوسعة على الأهل، ونفع
الفقراء، وصلة الرحم والجيران.
(1/694)
- شروط الهدي
والأضحية والعقيقة:
1 - لا يجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة إلا ما كان من الإبل ثني له خمس
سنين فأكثر، ومن البقر ثني له سنتان فأكثر، ومن الضأن جذع له ستة أشهر
فأكثر، ومن المعز ثني له سنة فأكثر، وإذا تَعَيَّنَت الأضحية لم يجز بيعها،
ولا هبتها، إلا أن يبدلها بخير منها.
2 - يجب أن تكون الأضحية أو العقيقة أو الهدي من بهيمة الأنعام، وأن تبلغ
السن المعتبر شرعاً، وأن تكون سليمة من العيوب، وأفضلها أسمنها وأغلاها
وأنفسها عند أهلها.
- تُجزئ الشاة عن واحد، والبدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ويجوز أن يُضحي
بشاة، أو بدنة، أو بقرة عنه وعن أهل بيته الأحياء والأموات، ويستحب للحاج
الموسر الإكثار من الهدي، أما الأضحية فالسنة الاقتصار على واحدة لأهل
البيت.
- وتسن الأضحية عن الحي، وتجوز عن الميت تبعاً لا استقلالاً إلا من أوصى
بذلك.
- ما يحرم على من أراد أن يضحي:
يحرم على من يضحي أن يأخذ من شعره، أو بشرته، أو ظفره شيئاً في العشر
الأُوَل من شهر ذي الحجة، فإن فعل شيئاً من ذلك استغفر الله ولا فدية عليه.
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا
دَخَلَتِ العَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلا يَمَسَّ مِنْ
شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً». أخرجه مسلم (1).
- من ضحى عنه وعن أهل بيته يسن أن يقول عند الذبح: (باسم الله، والله أكبر،
اللهم تقبل مني، اللهم هذا عني وعن أهل بيتي).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1977).
(1/695)
- كيفية النحر والذبح:
السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، ويَذبح غيرها من البقر والغنم،
ويجوز العكس، والنحر للإبل يكون في أسفل الرقبة من جهة الصدر، والذبح للبقر
أو الغنم في أعلى الرقبة عند الرأس، يضجعها على جنبها الأيسر ويضع رجله
اليمنى على رقبتها، ثم يُمسك برأسها ويذبح، ويقول عند الذبح أو النحر:
(باسم الله والله أكبر).
عن أنس رضي الله عنه قال: ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى
وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. متفق عليه (1).
- يسن أن يذبح الهدي أو الأضحية بنفسه، فإن لم يحسن الذبح حضره، ولا يعطي
الجزار منها أجرته، ويُسمي مَنْ هي له أو عنه عند الذبح، وتَحلُّ الذبيحة
بقطع الحلقوم، والمريء، والودجين أو أحدهما، وإنهار الدم.
- ما لا يجزئ من الأضاحي:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -
يقول: «أَرْبَعَةٌ لا يَجْزِينَ فِي الأَضَاحِي، العَورَاءُ البَيِّنُ
عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُها، وَالعَرْجَاءُ البَيِّنُ
ظَلْعُهَا، وَالكَسِيرَةُ الَّتِي لاتُنْقِي». أخرجه أبو داود والنسائي
(2).
- إذا ذبح المسلم الهدي أو الأضحية ونحوهما من ذبائح القُرَب ولم يعلم
بمرضها إلا بعد الذبح فإنها لا تجزئ؛ لفوات المقصود منها.
- مقطوعة الإلية أو بعضها، ومجبوبة السنام، والعمياء، ومقطوعة الساق، كلها
لا تجزئ في الهدي، والأضحية ونحوهما من ذبائح القُرَب.
- أفضل الهدي:
الأفضل في الهدي والأضحية بدنة كاملة، ثم بقرة كاملة، ثم شاة، ثم سُبع بدنة
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5565)، ومسلم برقم (1966).
(2) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (2802)، وأخرجه النسائي برقم (4370)، وهذا
لفظه.
(1/696)
أو بقرة، أما العقيقة فلا تجزئ البدنة أو
البقرة أو الشاة إلا عن واحد، والشاة أفضل من البدنة؛ لأنها التي وردت في
السنة، والذَّكَر أفضل.
- العقيقة كالأضحية في الأحكام في السن، والصفة، إلا أن العقيقة لايجزئ
فيها شَرَك في دم، فلا تصح العقيقة إلا عن واحد، شاة، أو بقرة، أو بدنة.
- العقيقة: هي الذبيحة عن المولود، تُذبح تقرباً إلى الله تعالى.
- حكم العقيقة ووقتها:
تشرع العقيقة بالولادة، فمتى وُلِد حياً سُن أن يُعق عنه.
والعقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان، وعن البنت شاة، تذبح في اليوم السابع
للمولود، ويُسمى فيه، ويُحلق رأسه، فإن فات وقتها: فإن كان لعذر ذبحها في
أي وقت، وإن كان لغير عذر لم يذبحها؛ لفوات وقتها، ويُسن أن يحنكه بتمرة أو
نحوها.
- المرأة تناصف الرجل في خمسة أشياء:
في الميراث، والدية، والشهادة، والعقيقة، والعتق.
- العقيقة شكر للهِ على نعمة متجددة، وفداء للمولود، وقربة إلى الله تعالى،
ولما كان الذَّكَر أعظم نعمة وامتناناً من الله تعالى كان الشكر عليه أكثر،
فصار له شاتان، وللجارية شاة.
- حكم البشارة بالمولود:
يسن للمسلم أن يبادر إلى مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه، ويحسن تهنئة المولود
له، والدعاء له.
قال الله تعالى: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ
يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)} [مريم/ 7].
(1/697)
- وقت تسمية
المولود:
1 - السنة أن يسمى المولود يوم ولادته.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ
بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ». رواه مسلم (1).
2 - الأفضل ألا تتأخر التسمية عن اليوم السابع من ولادته، والأمر فيه واسع،
فتجوز قبل ذلك وبعده.
عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ
يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى». أخرجه أحمد وأبو داود
(2).
- تسمية المولود:
يسن أن يُختار للمولود أحسن الأسماء وأحبها إلى الله تعالى كعبد الله وعبد
الرحمن، ثم التسمية بالتعبيد لأيٍّ من أسماء الله الحسنى كعبد العزيز وعبد
الملك ونحوهما، ثم التسمية بأسماء الأنبياء والرسل، ثم بأسماء الصالحين، ثم
ما كان وصفاً صادقاً للإنسان مثل يزيد وحسن ونحوهما.
ويجب تغيير الاسم المحرم إلى اسم حسن.
_________
(1) رواه مسلم برقم (2315).
(2) صحيح/أخرجه أحمد برقم (20188)، وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم
(2838).
(1/698)
|