مختصر خلافيات البيهقي

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله أَولا وآخرا وَالصَّلَاة على رَسُوله مُحَمَّد وَآله وَسلم كثيرا. ذكر مَا اخْتلف فِيهِ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا من كتاب الطَّهَارَة مِمَّا ورد فِيهِ خبر أَو أثر.

(1/119)


(مَسْأَلَة (1) :)

لَا يجوز إِزَالَة النَّجَاسَات بِمَا سوى المَاء من الْمَائِعَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز ويطهر بِهِ، وَأما أَسْفَل الْخُف إِذا أَصَابَته نَجَاسَة فدلكه بِالْأَرْضِ ثمَّ صلى فِيهِ فللشافعي فِيهِ قَولَانِ يُجزئهُ فِي أَحدهمَا، وَلَا يُجزئهُ فِي الآخر وَاحْتج أَصْحَابنَا بِحَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهَا قَالَت: سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الثَّوْب يُصِيبهُ الدَّم من الْحَيْضَة فَقَالَ: لتحته ثمَّ لتقرضه بِالْمَاءِ ثمَّ لتنضحه

(1/120)


بِالْمَاءِ ثمَّ لتصلي فِيهِ. اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صِحَّته من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَنْهَا وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن هِشَام وَقَالَ فِيهِ " حتيه ثمَّ اقرضيه بِالْمَاءِ ثمَّ رشيه وَصلي فِيهِ " وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابهم بقوله تَعَالَى: {وثيابك فطهر (4) } وَقد حصل ذَلِك بالمائعات وَلنَا عَنهُ أجوبة فَمِنْهَا امْتنَاع تنَاوله مَا تنازعنا فِيهِ، وَحمله عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ ترجمان الْقُرْآن على غير ذَلِك فروى عَن عَطاء عَنهُ {وثيابك فطهر (4) } قَالَ: طهرهَا من الْإِثْم، وَأنْشد ابْن عَبَّاس:

(1/121)


(إِنِّي بِحَمْد الله لَا ثوب فَاجر لبست ... وَلَا من غدرة أتقنع)

وَرُوِيَ عَن إِسْحَق بن رَاهْوَيْةِ دخلت يَوْمًا على عبد الله بن طَاهِر وَإِذا عِنْده إِبْرَاهِيم بن أبي صَالح فَقَالَ عبد الله بن طَاهِر لإِبْرَاهِيم مَا تَقول: فِي غسل الثِّيَاب؟ فَرِيضَة هُوَ أم سنة؟ فَأَطْرَقَ سَاعَة ثمَّ رفع رَأسه أعز الله الْأَمِير غسل الثِّيَاب فَرِيضَة. فَقَالَ: لَهُ من أَيْن تَقول؟ قَالَ: من قَول الله عز وَجل لنَبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {وثيابك فطهر} فَأمره بتطهير ثِيَابه فَكَأَن عبد الله اسْتحْسنَ ذَلِك من قَوْله. قَالَ إِسْحَق: فَرفعت رَأْسِي فَقلت: أعز الله الْأَمِير، كذب هَذَا على الله وعَلى رَسُوله أخبرنَا وَكِيع حَدثنَا سُفْيَان عَن

(1/122)


إِسْرَائِيل عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وثيابك فطهر (4) } قَالَ: قَلْبك فنقه وَذكر بَاقِي الْحِكَايَة، وَرُبمَا يستدلون بِمَا رُوِيَ عَن أم ولد لإِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنَّهَا سَأَلت أم سَلمَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: إِنِّي امْرَأَة أطيل ذيلي وأمشي فِي الْمَكَان القذر فَقَالَت أم سَلمَة: قَالَ

(1/123)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يطهره مَا بعده " أم ولد إِبْرَاهِيم لم يخرج حَدِيثهَا فِي الصَّحِيح، وَمَا روينَاهُ أصح ثمَّ هُوَ مَحْمُول على النَّجَاسَة الْيَابِسَة الَّتِي تسْقط عَن الثَّوْب بالسحب على الأَرْض، وَرُوِيَ عَن امْرَأَة من بني عبد الْأَشْهَل، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، إِن لنا طَرِيقا إِلَى الْمَسْجِد مُنْتِنَة، وَكَيف نَفْعل إِذا مُطِرْنَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ بعْدهَا طَرِيق هُوَ أطيب مِنْهَا؟ قَالَ: قلت: بلَى، قَالَ: " فَهَذِهِ بِهَذِهِ " لَيْسَ لهَذِهِ الْمَرْأَة ذكر فِي الصَّحِيح وَلَا لَهَا اسْم مَعْلُوم وَلَا نسب مَعْرُوف وَمثل هَذَا لَا يُقَابل مَا روينَا وَرُبمَا يستدلون وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم الْبَلَدِي عَن مُحَمَّد بن

(1/124)


كثير عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن عجلَان عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا وطئ أحدكُم بنعليه فِي الْأَذَى فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور " وَخَالفهُ أَبُو الْأَحْوَص مُحَمَّد بن الْهَيْثَم القَاضِي عَن ابْن كثير عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن

(1/125)


عجلَان عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا وطئ أحدكُم بخفيه أَو قَالَ بنعليه الْأَذَى فطهورهما التُّرَاب " وَخَالفهُ أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ فِي إِقَامَة إِسْنَاده فروى الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد عَن أَبِيه عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ أنبئت أَن سعيد ابْن أبي سعيد حدث عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا وطئ أحدكُم بنعليه فِي الْأَذَى فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج وَعمر بن عبد الْوَاحِد وهم أعرف بالأوزاعي من الصَّنْعَانِيّ فَصَارَ الحَدِيث بذلك معلولا وَخرج من أَن يكون مُعَارضا لما روينَا،

(1/126)


وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر فَروِيَ عَن ابْن وهب عَن ابْن سمْعَان عَن سعيد المَقْبُري عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا وطئ أحدكُم بنعليه الْأَذَى فَإِن التُّرَاب لَهما طهُور " هَكَذَا رُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن سعيد وَهَذَا أَيْضا لَا يُعَارض مَا روينَا فَإِن الطَّرِيق فِيهِ لَيْسَ بواضح إِلَى سعيد وَهُوَ مُرْسل الْقَعْقَاع لم يسمع من عَائِشَة وَمَا روينَا إِسْنَاده مُتَّفق عَلَيْهِ. وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر غير مُعْتَمد عَن ابْن وهب عَن الْحَارِث بن نَبهَان عَن رجل عَن أنس عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا جَاءَ

(1/127)


أحدكُم الْمَسْجِد فَإِن كَانَ لَيْلًا فليدلك نَعْلَيْه وَإِن كَانَ نَهَارا فَلْينْظر إِلَى أَسْفَلهَا " وَقد تبع الشَّافِعِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مِنْهُ فِي الْإِمْلَاء وروى أَبُو دَاوُد عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: " مَا كَانَ لإحدانا إِلَّا ثوب وَاحِد فِيهِ تحيض فَإِن أَصَابَهُ شَيْء من دم بلته بريقها ثمَّ قصعته بريقها " وَعَن عَطاء عَنْهَا قد كَانَ يكون لإحدانا الدرْع تحيض فِيهِ وَفِيه تصيبها الْجَنَابَة ثمَّ ترى فِيهِ قَطْرَة من دم فتقصعه بريقها " وَهَذَا ورد فِي النَّجَاسَة الْيَسِيرَة الَّتِي يُعْفَى عَنْهَا وَإِن لم يغسل يُبينهُ قَوْلهَا ثمَّ ترى فِيهِ

(1/128)


قَطْرَة من دم وَالْعجز عَن إِزَالَة كثير من النَّجَاسَة بالبزاق وَالله أعلم وَرُوِيَ عَن شُعْبَة عَن حَمَّاد عَن عَمْرو بن عَطِيَّة عَن سلمَان قَالَ: " إِذا حك أحدكُم جلده فَلَا يمسهُ بريقه فَإِنَّهُ لَيْسَ بطاهر " قَالَ فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم فَقَالَ: " امسحه بِمَاء " وَإِنَّمَا أَرَادَ سلمَان وَالله أعلم أَن الرِّيق لَا يطهر الدَّم الْخَارِج مِنْهُ بالحك وَأما حَدِيث عمار أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: " يَا عمار مَا نخامتك وَلَا دموع عَيْنَيْك إِلَّا بِمَنْزِلَة المَاء الَّذِي فِي

(1/129)


ركوتك إِنَّمَا تغسل ثَوْبك من الْبَوْل وَالْغَائِط والمني وَالدَّم والقيء فَبَاطِل لَا أصل لَهُ إِنَّمَا رَوَاهُ ثَابت بن حَمَّاد عَن عَليّ بن زيد عَن عمار وَعلي بن زيد غير مُحْتَج بِهِ وثابت مُتَّهم بِالْوَضْعِ وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (2) :)

وَلَا يجوز الْوضُوء بنبيذ التَّمْر مطبوخا كَانَ أَو

(1/130)


نيا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز بالمطبوخ مِنْهُ. وَبِنَاء الْمَسْأَلَة لنا على الْكتاب وَالنَّظَر. وَلَهُم على الْخَبَر كَمَا زَعَمُوا قَالَ الله تَعَالَى: {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} فَنقل من المَاء إِلَى التُّرَاب وَلم يَجْعَل بَينهمَا وَاسِطَة وَقَالَ فِي حَدِيث أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ: " الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَلَو عشر حجج فَإِذا وجد المَاء فليمس بَشرته المَاء فَإِن ذَلِك هُوَ خير " فَجعل الطَّهَارَة بِالْمَاءِ ثمَّ بالصعيد عِنْد عدم المَاء دون غَيرهمَا وَيُمكن أَن يسْتَدلّ من طَرِيق الْخَبَر فِي منع جَوَاز اسْتِعْمَال النَّبِيذ فِي الْوضُوء بِحَدِيث ابْن عمر قَالَ قَالَ

(1/131)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل مُسكر خمر وكل مُسكر حرَام " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح. فَثَبت بِهَذَا وَقع اسْم الْخمر على النَّبِيذ لكَونه مُسكرا وَقد قَالَ الله عز اسْمه: {يأيها الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} فَأمر باجتنابه وَذَلِكَ يَقْتَضِي منع اسْتِعْمَاله من كل وَجه. وَاحْتج أَصْحَابهم بِالْحَدِيثِ الَّذِي يرْوى عَن سُفْيَان عَن أبي فَزَارَة الْعَبْسِي حَدثنَا أَبُو زيد مولى

(1/132)


عَمْرو بن حُرَيْث عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " لما كَانَت لَيْلَة الْجِنّ تخلف مِنْهُم رجلَانِ قَالَا نشْهد مَعَك الْفجْر يَا رَسُول الله قَالَ: فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَعَك مَاء؟ قلت: لَيْسَ معي مَاء. وَلَكِن معي إداوة فِيهَا نَبِيذ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَمْرَة طيبَة وَمَاء طهُور فَتَوَضَّأ " هَكَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيل بن يُونُس وَلَيْث ابْن أبي سليم

(1/133)


وَقيس ابْن الرّبيع وَعَمْرو بن أبي قيس والجراح بن مليح وَشريك بن عبد الله النَّخعِيّ عَن أبي فَزَارَة وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان الْمُؤَذّن عَن أبي فَزَارَة عَن عبد الله بن يزِيد الْأَزْرَق عَن عبد الله بن مَسْعُود وَرَوَاهُ أَبُو العميس عتبَة بن عبد الله عَن أبي فَزَارَة عَن زيد مولى عَمْرو بن حُرَيْث عَن ابْن مَسْعُود وَرَوَاهُ شريك بن عبد الله قد قيل النَّخعِيّ وَقد قيل ابْن أبي نمر عَن أبي زَائِدَة أَو زِيَادَة - عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَذكره ذَلِك بأسانيده فِيهِ بِلَفْظِهِ أَو بِمَعْنَاهُ أَو قريب من غير رِوَايَة عَمْرو بن أبي قيس وَقَالَ: فِي رِوَايَة

(1/134)


قيس بن الرّبيع قصَّة أطول وَقَالَ: فِيهَا " تَمْرَة حلوة وَمَاء طيب ثمَّ تَوَضَّأ " قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي، هُوَ صَاحب الْكَامِل وَهَذَا الحَدِيث مَدَاره على أبي فَزَارَة عَن أبي زيد مولى عمر بن حُرَيْث وَأَبُو فَزَارَة مَشْهُور واسْمه رَاشد بن كيسَان وَأَبُو زيد مَجْهُول وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ خلاف الْقُرْآن قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: قد قيل أَنه كَانَ نباذا بِالْكُوفَةِ يَعْنِي أَبَا زيد قَالَ البُخَارِيّ: أَبُو زيد الَّذِي يروي الحَدِيث عَن ابْن مَسْعُود رجل مَجْهُول لَا يعرف

(1/135)


بِصُحْبَة عبد الله، وَفِي كتاب الْمَجْرُوحين لأبي حَاتِم البستي: " أَبُو زيد شيخ يروي عَن ابْن مَسْعُود مَا لم يُتَابع عَلَيْهِ لَيْسَ يدْرِي من هُوَ وَلَا يعرف أَبوهُ وَلَا بَلَده وَالْإِنْسَان إِذا كَانَ بِهَذَا النَّعْت ثمَّ لم يرو إِلَّا خَبرا وَاحِدًا خَالف فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس وَالنَّظَر والرأي يسْتَحق مجانبته فِيمَا روى والاحتجاج بِغَيْرِهِ " فَإِن قيل رَوَاهُ غَيره وَاحْتج بِمَا رُوِيَ عَن أبي سعيد مولى بني هَاشم عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ ابْن زيد عَن أبي رَافع عَن ابْن مَسْعُود أَن

(1/136)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَيْلَة الْجِنّ: " أَمَعَك مَاء؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَمَعَك نَبِيذ؟ قَالَ: نعم فَتَوَضَّأ بِهِ " قَالَ الْحَاكِم: أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ أَبُو سعيد مولى بني هَاشم عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَعلي بن زيد بن جدعَان على الطَّرِيق. وَهُوَ مِمَّن أجمع الْحفاظ على تَركه، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عَليّ بن زيد ضَعِيف وَأَبُو رَافع لم يثبت سَمَاعه من ابْن مَسْعُود وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث من مصنفات حَمَّاد بن سَلمَة وَقد رَوَاهُ عبد الْعَزِيز ابْن أبي رزمة يَعْنِي عَن حَمَّاد وَلَيْسَ هُوَ بِقَوي " فَإِن قيل قد رَوَاهُ غَيره وَاحْتج بِمَا روى عَن مُحَمَّد بن عِيسَى الْمَدَائِنِي

(1/137)


عَن الْحسن بن قُتَيْبَة عَن يُونُس بن أبي إِسْحَق عَن أبي إِسْحَق عَن أبي عُبَيْدَة وَأبي الْأَحْوَص عَن عمر بن مَسْعُود قَالَ: " مر بِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات لَيْلَة فَقَالَ: " خُذ مَعَك إداوة فِيهَا مَاء " فَذكر حَدِيثا طَويلا فِي لَيْلَة الْجِنّ إِلَى أَن قَالَ: فَلَمَّا أفرغت عَلَيْهِ من الأداوة إِذا هُوَ نَبِيذ، فَقلت يَا رَسُول الله: أَخْطَأت بالنبيذ فَقَالَ: " تَمْرَة حلوة وَمَاء عذب " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث لم نَكْتُبهُ من حَدِيث أبي إِسْحَق السبيعِي إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَالْحمل فِيهِ على مُحَمَّد بن عِيسَى الْمَدَائِنِي فَإِنَّهُ تفرد بِهِ عَن الْحسن وَمُحَمّد بن عِيسَى واهي

(1/138)


الحَدِيث بِمرَّة وَهَذَا لَو كَانَ عِنْد أبي إِسْحَق عَن أبي الْأَحْوَص وَأبي عُبَيْدَة، لما احْتج فُقَهَاء الْإِسْلَام مُنْذُ ثلثمِائة وَثَمَانِينَ سنة بِأبي فَزَارَة عَن أبي زيد، وَهَذَا بَاطِل بِمرَّة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ الْحسن بن قُتَيْبَة عَن يُونُس بن أبي إِسْحَق وَالْحسن بن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن عِيسَى ضعيفان وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن الْحُسَيْن بن " عبيد الله " الْعجلِيّ عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فَذكر حَدِيثا وَقَالَ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَمْرَة طيبَة وَمَاء طهُور

(1/139)


فَتَوَضَّأ بِهِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْحُسَيْن بن عبيد الله هَذَا يضع الحَدِيث على الثِّقَات وَقد روى فِي هَذَا عَن عَليّ بن رَبَاح اللَّخْمِيّ عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ الْحَاكِم: أَبُو عبد الله: عَليّ بن رَبَاح هَذَا شيخ من أهل مصر وَلم يدْرك ابْن مَسْعُود وَلم يره وَلَا يبلغ سنه ذَاك على أَنه من أهل مصر وَلم يلتق بِابْن مَسْعُود قطّ وَرُوِيَ عَن ابْن لَهِيعَة عَن قيس عَن حَنش عَن ابْن عَبَّاس عَن ابْن مَسْعُود أَنه وضأ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْجِنّ بنبيذ فَتَوَضَّأ بِهِ وَقَالَ: " شراب طهُور " قَالَ

(1/140)


الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ ابْن معِين لَا يحْتَج بحَديثه وَحكى البُخَارِيّ عَن الْحميدِي عَن يحيى بن سعيد أَنه قَالَ لَا يرَاهُ شَيْئا. وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن فلَان بن غيلَان الثَّقَفِيّ عَن ابْن مَسْعُود " وضوء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بنبيذ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الثَّقَفِيّ الَّذِي رَوَاهُ عَن ابْن مَسْعُود مَجْهُول قيل اسْمه عَمْرو وَقيل عبد الله بن عَمْرو بن غيلَان وَمِمَّا يدل على بطلَان جَمِيع مَا رُوِيَ من ذَلِك عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِقْرَاره بِأَنَّهُ لم يكن لَيْلَة الْجِنّ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: " لم أكن لَيْلَة الْجِنّ مَعَ

(1/141)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وودت أَنِّي كنت مَعَه وَرُوِيَ عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة " قَالَ سَأَلت أَبَا عُبَيْدَة بن عبد الله أَكَانَ أَبوك مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْجِنّ قَالَ: " لَا " فهذان الخبران اللَّذَان اتّفق الْعلمَاء بِصَحِيح الْأَخْبَار وسقيمها على صحتهما وعدالة رواتهما يدلان على أَن عبد الله لم يكن مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْجِنّ فَمن قَالَ: إِنَّه صَحبه فِيهَا فَإِنَّهُ يُرِيد حِين ذهب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِيُرِيَهُمْ آثَارهم يدل على ذَلِك مَا روى الشّعبِيّ عَن عَلْقَمَة قَالَ: قلت لِابْنِ مَسْعُود أَن النَّاس يتحدثون بأنك كنت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْجِنّ فَقَالَ مَا صَحبه منا أحد وَلَكنَّا فقدناه بِمَكَّة فطلبناه فِي الشعاب والأودية فَقلت: اغتيل استطير. فبتنا بشر لَيْلَة بَات قوم فَلَمَّا أَصْبَحْنَا رَأَيْنَاهُ مُقبلا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله: بتنا اللَّيْلَة بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم فقدناك. فَقَالَ: " إِنَّه أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَانْطَلق بِنَا

(1/142)


فأرانا بُيُوتهم ونيرانهم " رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَأَما حَدِيث أبي عبد الله النَّهْدِيّ وَأبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي وَعَمْرو الْبكالِي عَن عبد الله فَلَيْسَ فِي حَدِيث وَاحِد مِنْهُم ذكر نَبِيذ التَّمْر إِنَّمَا ذكرُوا خُرُوج عبد الله مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تِلْكَ اللَّيْلَة على اضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد، فَإِن فِي حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي تَمِيمَة عَن عبد الله وَقيل عَن أبي تَمِيمَة عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن عبد الله وعَلى هَذَا الِاضْطِرَاب لَا تقوم بهم الْحجَّة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ قد تتبعت هَذِه الرِّوَايَات فَوَجَدتهَا على مَا ذكر إمامنا أَبُو عبد الله وَلم أخرجهَا طلبا للاختصار. وَقد رُوِيَ فِي جَوَاز الْوضُوء بالنبيذ حَدِيث

(1/143)


واه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا رَوَاهُ على الدَّارَقُطْنِيّ ابْن عمر الْحَافِظ عَن عُثْمَان بن أَحْمد حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم بن عبد الْبَاقِي حَدثنَا الْمسيب بن وَاضح حَدثنَا مُبشر بن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " النَّبِيذ وضوء من لم يجد المَاء " قَالَ عَليّ بن عمر: كَذَا قَالَ. وَوهم فِيهِ الْمسيب بن وَاضح فِي موضِعين فِي ذكر ابْن عَبَّاس وَفِي ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد اخْتلف فِيهِ عَن الْمسيب فحدثنا بِهِ

(1/144)


مُحَمَّد بن المظفر حَدثنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان حَدثنَا الْمسيب بِهَذَا الْإِسْنَاد مَوْقُوفا غير مَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْمَحْفُوظ من قَول عِكْرِمَة غير مَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا إِلَى ابْن عَبَّاس. حدّثنَاهُ أَحْمد بن مُحَمَّد حَدثنَا إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ حَدثنَا الحكم بن مُوسَى حَدثنَا هِقْل عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ

(1/145)


عِكْرِمَة: " النَّبِيذ وضوء لمن لم يجد غَيره هَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن عِكْرِمَة من قَوْله وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شَيبَان النَّحْوِيّ وَعلي بن الْمُبَارك عَن يحيى ابْن أبي كثير. وَرُوِيَ من وَجه آخر أَوْهَى من هَذَا عَن أبي عُبَيْدَة مجاعَة عَن أبان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: " إِذا لم يجد أحدكُم مَاء وَوجد النَّبِيذ فَليَتَوَضَّأ بِهِ " قَالَ عَليّ بن عمر أبان هُوَ ابْن أبي عَيَّاش مَتْرُوك ومجاعة ضَعِيف وَالْمَحْفُوظ أَنه رأى عِكْرِمَة غير مَرْفُوع وَرُوِيَ عَن

(1/146)


عبد الله بن مُحَرر عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " النَّبِيذ وضوء من لم يجد المَاء " قَالَ عَليّ بن عمر: ابْن مُحرز مَتْرُوك الحَدِيث وَرُوِيَ عَن الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن أبي إِسْحَق عَن الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَانَ " لَا يرى بَأْسا بِالْوضُوءِ من النَّبِيذ " وَرُوِيَ عَن أبي إِسْحَق الْكُوفِي عَن مزيدة بن جَابر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن أبي ليلى الْخُرَاسَانِي مزيدة عَن عَليّ قَالَ: " لَا بَأْس بِالْوضُوءِ بالنبيذ " وَالْحجاج والْحَارث وَأَبُو إِسْحَق عبد الله بن ميسرَة وَأَبُو ليلى ضعفاء وَيُقَال أَبُو ليلى هُوَ عبد الله بن ميسرَة وَيُقَال لَهُ أَبُو إِسْحَاق.
(مَسْأَلَة (3) :)
وَجلد مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه لَا يطهر بِالذبْحِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة

(1/147)


يطهر جلد الْحَيَوَان بذَبْحه وَفِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا دبغ الإهاب فقد طهر " خرج هَذَا مخرج الشَّرْط وَالْجَزَاء فَقَوله إِذا دبغ شَرط وَقَوله فقد طهر جَزَاء وَالْجَزَاء لَا يسْبق الشَّرْط كَمَا يُقَال: إِذا دخلت الدَّار فَأَنت حر، فَمَا لم يدْخل لَا يعْتق. وَرُوِيَ عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن جُلُود السبَاع " وَفِي رِوَايَة قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن جُلُود السبَاع أَن تفرش " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. فَإِن أَبَا الْمليح عَامر بن أُسَامَة بن عُمَيْر صَحَابِيّ من بني لحيان مخرج حَدِيثه فِي المسانيد وَله

(1/148)


شَاهد من حَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب وَمُعَاوِيَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث ذكر فِيهِ أَنه قَالَ لمعاوية فأنشدك بِاللَّه هَل تعلم أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن لبس جُلُود السبَاع وركوبها قَالَ: نعم " وَقد ورد النَّهْي فِي جلد النمر خَاصَّة عِنْده أَيْضا عَن هناد عَن وَكِيع عَن أبي الْمُعْتَمِر عَن ابْن سِيرِين عَن مُعَاوِيَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تركبوا الْخَزّ

(1/149)


وَلَا النمار " قَالَ: وَكَانَ مُعَاوِيَة لَا يتهم فِي الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعِنْده أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا جلد نمر " وَرُبمَا يسْتَدلّ أَصْحَابهم بِمَا رُوِيَ عَن هِشَام عَن قَتَادَة عَن الْحسن. عَن جون عَن سَلمَة بن المحبق الْهُذلِيّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " دباغ الْأَدِيم

(1/150)


ذَكَاته " وَهَذَا ورد فِي جلد الْميتَة إِذا دبغ، وَقد روى الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن مخلد عَن عبد الله بن الْهَيْثَم الْعَبْدي عَن معَاذ عَن هِشَام عَن أَبِيه بِهَذَا الْإِسْنَاد " أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَا فِي غَزْوَة تَبُوك بِمَاء من عِنْد امْرَأَة فَقَالَت: مَا عِنْدِي إِلَّا فِي قربَة ميتَة فَقَالَ أَلَيْسَ دبغتها؟ قَالَت: بلَى. قَالَ: " فَإِن ذكاتها دباغها ".

(1/151)


وَأما قَوْله دباغ الْأَدِيم ذَكَاته فَمَعْنَاه وَالله أعلم: طَهَارَته وطيبه يُقَال ريح ذكية أَي طيبَة. يدل على ذَلِك رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص عَن هِشَام عَن قَتَادَة بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن سَلمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جَاءَ فِي غَزْوَة تَبُوك أَي على بَيت فَإِذا فِيهِ قربَة معلقَة فَسَأَلَ المَاء فَقَالُوا يَا رَسُول الله: إِنَّهَا ميتَة. قَالَ دباغها طهورها " فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة مُفَسرًا فروى عَنهُ قَالَ مَاتَت شَاة لميمونة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هلا استمتعتم بإهابها؟ قَالُوا: إِنَّهَا ميتَة. قَالَ: إِن دباغ الْأَدِيم طهوره وَرُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " دباغ الْأَدِيم طهوره " وَرُوِيَ عَن سعيد بن أبي

(1/152)


عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَلمَة بن المحبق الحَدِيث وَقَالَ: " ذَكَاة الْأَدِيم دباغه " وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن أبي ليلى عَن أبي بَحر عَن أبي وَائِل عَن ابْن عمر أَنه قَالَ فِي الْفراء " ذَكَاته دباغه " ابْن أبي ليلى هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه وَالله تَعَالَى أعلم.
(مَسْأَلَة (4) :)

وَجلد الْكَلْب لَا يطهر بالدباغ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة يطهر دليلنا: من الْخَبَر حَدِيث رَافع بن خديج عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " شَرّ

(1/153)


الْكسْب مهر الْبَغي وَثمن الْكَلْب وَثمن الْحجام أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح دبغ جلد الْكَلْب وَبيعه وَأخذ الثّمن عَلَيْهِ للكساب مِنْهُ لتَحْصِيل ثمنه، وَقد سَمَّاهُ الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَرّ كسب وَسَماهُ خبثا فِي أَخْبَار أخر سنرويها إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي كتاب الْبيُوع وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ثمن الْكَلْب خَبِيث وَهُوَ أَخبث مِنْهُ " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث رُوَاته كلهم ثِقَات فَإِن سلم من يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي فَإِنَّهُ صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وروى أَبُو دَاوُد عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن

(1/154)


الحكم عَن ابْن أبي ليلى عَن عبد الله بن عكيم قَالَ قرئَ علينا كتاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَرْض جُهَيْنَة وَأَنا غُلَام شَاب " أَن لَا تستمتعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب " وَقد روى فِيهِ قبل مَوته

(1/155)


بِشَهْر، وَرُوِيَ عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن جُلُود السبَاع ". وَالْكَلب من السبَاع فقد روينَا فِي كتاب دَلَائِل النُّبُوَّة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: دَعَا على ابْن أبي لَهب " اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك فجَاء أَسد فافترسه " وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابهم بِعُمُوم قَوْله: " أَيّمَا إهَاب دبغا فقد طهر " رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا مَحْمُول على غير جلد الْكَلْب بِدَلِيل حَدِيث رَافع وَغَيره فَإِنَّهُ خَاص وَهَذَا عَام وَالْخَاص يحكم على

(1/156)


الْعَام. وَقد قيل أَن جلد الْكَلْب لَا يطهر وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (5) :)

وَشعر الْميتَة وصوفها وقرنها وعظمها نَجِسَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: شعر الْحَيَوَان وصوفه وقرنه وعظمه لَا ينجس بِمَوْتِهِ وَلَا يَمُوت بِمَوْتِهِ. وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا مضى من حَدِيث مُعَاوِيَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن ركُوب النمار " وَفِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مر بِشَاة ميتَة لمولاة مَيْمُونَة فَقَالَ: " أَلا أخذُوا إهابها فدبغوه فانتفعوا بِهِ، قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّهَا ميتَة، قَالَ: إِنَّمَا حرم أكلهَا " لما رَآهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمضيعة ذكر مِنْهَا مَا ينْتَفع بِهِ وَهُوَ الإهاب فَلَو كَانَ الشّعْر وَالصُّوف والقرن بِمَثَابَة الإهاب لذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَالْمرَاد بالإهاب الْجلد وَحده يُبينهُ مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وجد شَاة ميتَة أعطيتهَا مولاة لميمونة

(1/157)


من الصَّدَقَة. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هلا انتفعتم بجلدها فَقَالُوا إِنَّهَا ميتَة فَقَالَ: إِنَّمَا حرم أكلهَا " وَقَوله إِنَّمَا حرم أكلهَا أَي مَا يكون مَأْكُولا فَأَما مَا تنازعنا فِيهِ فَغير مَأْكُول. وَرُوِيَ بِإِسْنَاد ضَعِيف مَرْفُوعا عَن ابْن عمر " ادفنوا الْأَظْفَار وَالدَّم وَالشعر فَإِنَّهُ ميتَة " وَرُوِيَ فِي دفن الشّعْر وَالظفر أَحَادِيث ضَعِيفَة وَرُوِيَ عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " مَا قطع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة فَهُوَ ميتَة " وَهَذَا الحَدِيث ورد على سَبَب وَهُوَ مَذْكُور فِي كتاب الصَّيْد بِتَمَامِهِ. وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابهم بِمَا روى يُوسُف بن السّفر عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن

(1/158)


يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا " لَا بَأْس بمسك الْميتَة إِذا دبغ وَلَا بَأْس بصوفها وشعرها وقرنها إِذا غسل بِالْمَاءِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يُوسُف بن السّفر: مَتْرُوك وَلم يَأْتِ بِهِ غَيره وَرُوِيَ عَن عبد الْجَبَّار بن مُسلم عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " إِنَّمَا حرم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْميتَة لَحمهَا فَأَما الْجلد وَالشعر وَالصُّوف فَلَا بَأْس بِهِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:

(1/159)


وَعبد الْجَبَّار بن مُسلم ضَعِيف. وَرَوَاهُ أَبُو بكر سلمى الْهُذلِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا حرم من الْميتَة مَا يُؤْكَل مِنْهَا وَهُوَ اللَّحْم فَأَما الْجلد وَالسّن والعظم وَالشعر وَالصُّوف فَهُوَ حَلَال " لم يذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَتنه وَرَوَاهُ أَيْضا بِالْإِسْنَادِ وَتَفْسِير الْآيَة: {قل لَا أجد فِي مَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ} الْآيَة قَالَ: الطاعم الْأكل فَأَما السن والقرن والعظم وَالصُّوف وَالشعر والوبر والعصب فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ يغسل " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَبُو بكر الْهُذلِيّ مَتْرُوك. وَرَوَاهُ بِالْإِسْنَادِ مَرْفُوعا " أَلا كل شَيْء من الْميتَة حَلَال إِلَّا مَا أكل مِنْهَا فَأَما الْجلد والقرن وَالشعر وَالسّن وَالصُّوف والعظم فَكل هَذَا حَلَال لِأَنَّهُ لَا يذكى " قَالَ يحيى بن معِين: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ يرويهِ إِلَّا أَبُو بكر الْهُذلِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس " أَنه كره من الْميتَة لَحمهَا فَأَما السن وَالشعر والقرن فَلَا بَأْس بِهِ " وَقَالَ يحيى: أَبُو بكر الْهُذلِيّ لَيْسَ بِشَيْء. قَالَ يحيى: قَالَ غنْدر:

(1/160)


كَانَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ كذابا وَقد رُوِيَ عَن عبد الله بن قيس الْبَصْرِيّ سمع ابْن مَسْعُود يَقُول: " إِنَّمَا حرم من الْميتَة لَحمهَا ودمها " وَهَذَا إِن صَحَّ فَالْمُرَاد وَالله أعلم اللَّحْم وَالدَّم وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا لَا يُؤثر فِيهِ الدّباغ دون الْجلد الَّذِي يُؤثر فِيهِ الدّباغ فيطهر بِهِ. وَمَا رُوِيَ " من امتشاط رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمشْط من عاج " فَرَوَاهُ عَمْرو بن خَالِد الوَاسِطِيّ عَن قَتَادَة عَن أنس وَعَمْرو ضَعِيف. وَأما شُعُور الْآدَمِيّين فَإِنَّهَا طَاهِرَة فِي ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لكرامته. ولوقع الْبلوى بِهِ وَقد صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه أَمر بتفريق شعره بَين النَّاس وَلَوْلَا أَنه طَاهِر لما أَمر بتفريقه إِن شَاءَ الله

(1/161)


تَعَالَى فَإِن النَّجس لَا يقسم.
(مَسْأَلَة (6) :)

وَلَا يجوز اسْتِعْمَال الْآنِية المضببة بِالْفِضَّةِ تضبيب تَزْيِين لَهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز، وَدَلِيلنَا من الْخَبَر حَدِيث أم سَلمَة الْمُتَّفق على صِحَّته أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الَّذِي يشرب فِي آنِية الْفضة إِنَّمَا يجرجر

(1/162)


فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم " وَهَذَا تَحْرِيم ورد فِي الْفضة وَالتَّحْرِيم إِذا ورد عَم الْقَلِيل وَالْكثير كَمَا قُلْنَا فِي الرِّبَا، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من شرب فِي إِنَاء ذهب أَو فضَّة أَو إِنَاء فِيهِ شَيْء من ذَلِك فَإِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم " أخرج الْإِسْنَاد أَبُو الْوَلِيد وَالشَّيْخ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا وروى عَن ابْن سِيرِين عَن عمْرَة أَنَّهَا قَالَت: " كُنَّا مَعَ عَائِشَة فَمَا زلنا بهَا حَتَّى رخصت لنا فِي الحلى وَلم ترخص لنا فِي الْإِنَاء المفضض " وَقد رُوِيَ فِي الرُّخْصَة حَدِيث فِي إِسْنَاده نظر عَن أم عَطِيَّة وَرُوِيَ عَن خصيف عَن

(1/163)


نَافِع عَن ابْن عمر أَنه أُتِي بقدح مفضض ليشْرب مِنْهُ فَأبى أَن يشرب فَسَأَلته فَقَالَ: " إِن ابْن عمر مُنْذُ سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن الشّرْب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، لم يشرب فِي الْقدح المفضض " وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (7) :)

وَلَا يجوز الْوضُوء بِغَيْر النِّيَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث عمر الْمُتَّفق على صِحَّته قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِن لكل امْرِئ مَا نوى " وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ

(1/164)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الطّهُور شطر الْإِيمَان وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله تملآن أَو تملأ مَا بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَالصَّلَاة نور، وَالصَّدَََقَة برهَان وَالصَّبْر ضِيَاء، وَالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك، كل النَّاس يَغْدُو فبائع نَفسه فمعتقها أَو موبقها " {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} وإنكارهم ذَلِك وَقَوْلهمْ أَن الْوضُوء لَيْسَ من الدّين وَعند أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ وَلَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ " وَعِنْده عَن ابْن السَّرْح عَن ابْن وهب

(1/165)


عَن الدَّرَاورْدِي قَالَ: وَذكر ربيعَة أَن تَفْسِير حَدِيث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ ".
أَنه الَّذِي يتَوَضَّأ ويغتسل وَلَا يَنْوِي وضُوءًا للصَّلَاة وَلَا غسلا للجنابة وَرُوِيَ عَن عبد الله بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ حَدثنِي بعض أهل بَيْتِي عَن أنس بن مَالك: -
" أَن رجلا من الْأَنْصَار من بني عَمْرو بن عَوْف قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّك رغبتنا فِي السِّوَاك فَهَل دون ذَلِك من شَيْء: قَالَ: أصبعاك سواك عِنْد وضوءك تمرهما على أسنانك إِنَّه لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَلَا أجر لمن لَا حسبَة لَهُ.

(1/166)


(مَسْأَلَة (8) :)

وَالسّنة أَن يمسح رَأسه ثَلَاثًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة: السّنة أَن يمسحه مرّة وَاحِدَة.
روى أَبُو دَاوُد عَن عَامر عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ غسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا وَمسح رَأسه ثَلَاثًا. ثمَّ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل هَذَا " وَإِسْنَاده قد احتجا: بِجَمِيعِ رُوَاته غير عَامر بن شَقِيق قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: لَا أعلم فِي عَامر طَعنا

(1/167)


بِوَجْه من الْوُجُوه وَعِنْده أَيْضا عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن حمْرَان قَالَ: رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ " تَوَضَّأ " فَذكر حَدِيثا وَفِيه " وَمسح " رَأسه ثَلَاثًا وَقَالَ: " هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ ". وَعَن أبي دَاوُد عَن الرّبيع بنت معوذ صفة ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا. ثمَّ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ هَكَذَا. وَقَالَ من تَوَضَّأ دون هَذَا كَفاهُ " وروى عبد الحميد

(1/168)


الْحمانِي عَن أبي حنيفَة عَن خَالِد بن عَلْقَمَة عَن عبد خير أَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ فَذكر وضوءه ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَفِيه وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل " هَكَذَا رَوَاهُ الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي عَن أبي حنيفَة. وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا وَقد رَوَاهُ أَبُو عوَانَة وزائد بن قدامَة عَن خَالِد وَلم يذكر الْعدَد كَمَا ذكره أَبُو حنيفَة ثمَّ خَالفه وَرُوِيَ عَن ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن

(1/169)


عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ " أَنه تَوَضَّأ فَذكر وضوءه وَفِيه وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ وَعَن أبي دَاوُد عَن الرّبيع بنت معوذ: صفة وضوء توضأه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْدهم وَفِيه " مسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ " وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيث عُثْمَان وَغَيره من الْمسْح مرّة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهِ نفي الْعدَد، وَفِيمَا روينَاهُ إثْبَاته سنة، وَالْأولَى بِنَا الْجمع بَين الْخَبَرَيْنِ إِذا أمكن وَالله الْمعِين على ذَلِك والموفق للصَّوَاب وَهُوَ أعلم بِهِ.

(1/170)


(مَسْأَلَة (9) :)

الأذنان ليستا من الرَّأْس فيمسحان بِمَاء جَدِيد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هما من الرَّأْس يمسحان بِالْمَاءِ الَّذِي يمسح بِهِ الرَّأْس وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ فَأخذ مَاء لأذنيه خلاف المَاء الَّذِي مسح بِهِ رَأسه ". وروى مَالك عَن نَافِع أَن عبد الله بن

(1/171)


عمر " كَانَ إِذا تَوَضَّأ يَأْخُذ بِأُصْبُعَيْهِ لأذنيه " وَفِي رِوَايَة: " كَانَ يُعِيد أصبعيه فِي المَاء فيمسح بهما أُذُنَيْهِ " إِسْنَاده صَحِيح لَا يشْتَبه على أحد.
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود وَأنس بن مَالك معنى مَا قُلْنَا.
روى حميد عَن أنس: أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ فَمسح بَاطِن أُذُنَيْهِ وظاهرهما. وَقَالَ: وَكَانَ ابْن مَسْعُود: يَأْمر بذلك. وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " الأذنان من الرَّأْس "

(1/172)


بأسانيد كَثِيرَة مَا مِنْهَا إِسْنَاد إِلَّا وَله عِلّة، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَجَابِر بن عبد الله وَأبي مُوسَى وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وَأبي أُمَامَة وَعبد الله بن زيد وَسمرَة بن جُنْدُب وَعَائِشَة

(1/173)


بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
أما حَدِيث ابْن عمر فَروِيَ عَن يحيى بن الْعُرْيَان الْهَرَوِيّ عَن حَاتِم ابْن إِسْمَاعِيل عَن أُسَامَة بن زيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ عَليّ بن عمر: وَهُوَ وهم وَالصَّوَاب عَن أُسَامَة عَن هِلَال بن أُسَامَة الفِهري عَن ابْن عمر مَوْقُوفا حدّثنَاهُ إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد حَدثنَا الْعَبَّاس بن يزِيد حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا أُسَامَة بن زيد وَحدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ حَدثنَا

(1/174)


مُوسَى بن إِسْحَق حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو أُمَامَة عَن أُسَامَة بن زيد عَن هِلَال بن أُسَامَة سَمِعت ابْن عمر يَقُول: الأذنان من الرَّأْس " قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله وَقد رُوِيَ عَن أبي زيد الْهَرَوِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل مثله مُسْندًا وَمن رَوَاهُ مُسْندًا لَيْسَ مِمَّن يقبل مِنْهُ مَا تفرد بِهِ إِذا لم

(1/175)


تثبت عَدَالَته، فَكيف إِذا خَالف الثِّقَات مثل وَكِيع بن الْجراح الْحَافِظ المتقن وَأبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة الْمُتَّفق على عَدَالَته وَقد أَتَيَا بِهِ مَوْقُوفا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ فِي الْجَامِع عَن سَالم أبي النَّضر عَن سعيد بن مرْجَانَة عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. وَرُوِيَ ذَلِك من وَجه آخر عَن ضَمرَة بن ربيعَة وَعَن الْقَاسِم بن يحيى بن يُونُس كِلَاهُمَا عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن يحيى بن سعيد عَن نَافِع

(1/176)


عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَالقَاسِم بن يحيى ضَعِيف وضمرة بن ربيعَة أَيْضا لَيْسَ بِالْقَوِيّ فَإِن سلم مِنْهُمَا فالحمل فِيهِ على إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَرَفعه وهم وَالصَّوَاب مَوْقُوف. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش على جلالة مَحَله إِذا انْفَرد بِحَدِيث لم يقبل مِنْهُ لسوء حفظه ولإسماعيل بن عَيَّاش أَخَوَات فِي رِوَايَته الْمَنَاكِير عَن يحيى الْأنْصَارِيّ فَمِنْهَا وَذكر حَدِيثه عَن يحيى عَن أنس مَرْفُوعا " خير نِسَائِكُم العفيفة الغلمة " قَالَ الْحَاكِم فَفِي هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد غنية لمن تدبره من أهل الصَّنْعَة. وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَنه كَانَ لَا يحدث عَنهُ وَذكر عِنْد يحيى بن

(1/177)


معِين فَقَالَ: كَانَ ثِقَة فِيمَا روى عَن أَصْحَابه أهل الشَّام وَمَا روى عَن غَيرهم فخلط فِيهَا. وَرُوِيَ ذَلِك من وَجه آخر عَن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن وهب الفِهري. حَدثنَا ابْن أبي السّري عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا قَالَ عَليّ بن عمر: كَذَا قَالَ عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبيد الله وَرَفعه وهم وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَاضِي غَزَّة عَن ابْن أبي السّري عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عبيد الله وَرَفعه أَيْضا وهم، وَوهم فِي ذكر الثَّوْريّ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن

(1/178)


عبد الله بن عمر أخي عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن نَافِع وَعبد الله بن نَافِع عَن أَبِيه عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. وروى ذَلِك من وَجه آخر عَن مُحَمَّد بن الْفضل عَن زيد الْعمي عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَعَن زيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا قَالَ

(1/179)


عَليّ بن عمر: مُحَمَّد بن الْفضل هُوَ ابْن عَطِيَّة مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني: مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة كَانَ كذابا سَأَلت ابْن حَنْبَل عَنهُ قَالَ: ذَاك عجب يجيئك بالطامات، هُوَ صَاحب حَدِيث نَاقَة ثَمُود وبلال الْمُؤَذّن. وَرُوِيَ ذَلِك من أوجه عَن ابْن عمر مَوْقُوفا فَذكرهَا وَالله أعلم. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَروِيَ عَن الْحسن بن عَليّ بن شبيب المعمري عَن أبي كَامِل الجحدري

(1/180)


عَن غنْدر عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الأذنان من الرَّأْس قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث يعرف بالمعمري وَهُوَ آخر مَا ذكره مُوسَى بن هَارُون فِي الْإِنْكَار عَلَيْهِ وَقد سَرقه مِنْهُ الباغندي وَغَيره، رَوَاهُ أَبُو أَحْمد بن عَرَبِيّ عَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الباغندي عَن أبي كَامِل فَذكره بِنَحْوِهِ وَزَاد قَالَ أَبُو كَامِل لم أكتب عَن غنْدر إِلَّا هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد أفادنيه عَنهُ عبد الله بن سَلمَة الْأَفْطَس والأفطس ضعفه ابْن معِين

(1/181)


ثمَّ أَبُو عبد الله النَّسَائِيّ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي الْحسن النَّيْسَابُورِي عَن أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار عَن أبي كَامِل قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ أَبُو كَامِل عَن غنْدر وَهُوَ وهم وَالصَّوَاب عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا حَدثنَا بِهِ إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد حَدثنَا الْعَبَّاس بن يزِيد حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا ابْن جريج حَدثنِي سُلَيْمَان بن مُوسَى أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ فِي الْجَامِع وَعبد الرَّزَّاق بن همام وَعبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف وصلَة بن

(1/182)


سُلَيْمَان عَن ابْن جريج مُرْسلا وَقد قيل عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَوَاهُ عَاصِم بن عَليّ عَن ابْن جريج. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم عَليّ بن عَاصِم فِي قَوْله عَن أبي هُرَيْرَة وَالَّذِي قبله أصح وَقد رَوَاهُ الرّبيع بن بدر عَن ابْن جريج مثل حَدِيث غنْدر مَرْفُوعا " مضمضوا واستنشقوا والأذنان من الرَّأْس " سُئِلَ ابْن معِين عَن الرّبيع بن بدر فَقَالَ: كَانَ ضَعِيفا. قَالَ البُخَارِيّ

(1/183)


ربيع بن بدر وَيُقَال لَهُ عليلة السَّعْدِيّ التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ ضعفه قُتَيْبَة. وَرُوِيَ ذَلِك من وَجه آخر فَروِيَ عَن إِسْرَائِيل عَن جَابر عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا قَالَ عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ: جَابر ضَعِيف وَقد اخْتلف عَنهُ فَأرْسلهُ الحكم بن عبد الله. أَبُو مُطِيع عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن جَابر عَن عَطاء وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ وَرُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن عَطاء فَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ الْقَاسِم بن غُصْن عَن إِسْمَاعِيل عَن

(1/184)


عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ عَليّ بن عمر: إِسْمَاعِيل بن مُسلم ضَعِيف وَالقَاسِم بن غُصْن مثله. قَالَ عَليّ: خَالفه عَليّ بن هَاشم فَرَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة. وَلَا يَصح أَيْضا، قَالَ الدَّارمِيّ: وَسَأَلته يَعْنِي ابْن معِين عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. قلت: فإسماعيل بن مُسلم الْعَبْدي فَقَالَ: ثِقَة وَرُوِيَ بذلك من وَجه آخر عَن مُحَمَّد بن زِيَاد. عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن

(1/185)


ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. مُحَمَّد بن زِيَاد هَذَا هُوَ الطَّحَّان: كَذَّاب خَبِيث، وَصفه ابْن معِين، وَرَوَاهُ يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا من رِوَايَة عَليّ بن زيد بن جدعَان عَنهُ وليسا بالقويين وَرَوَاهُ عمر بن قيس الْمَكِّيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا وَعمر ضَعِيف وَرُوِيَ بِإِسْنَاد أَكثر رُوَاته مَجْهُولُونَ عَن عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد عَن أَبِيه عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس مَرْفُوعا قَالَ ابْن

(1/186)


معِين: عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد ضَعِيف. قَالَ البُخَارِيّ: عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد بن جبر مولى السَّائِب الْقرشِي عَن أَبِيه. قَالَ: وَكِيع: كَانُوا يَقُولُونَ أَنه لم يسمع من أَبِيه شَيْئا قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله يروي عَن أَبِيه أَحَادِيث مَوْضُوعَة، وَأما أَحَادِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ فَروِيَ عَن سَلام حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَإِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ عَن عَطاء عَن جَابر مَرْفُوعا وَذكر جَابر فِيهِ خطأ: وَقد اخْتلف فِيهِ على إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ كَمَا سبق ذكري لَهُ وَالله أعلم. وَالْأَشْبَه بِالصَّوَابِ حَدِيث عَطاء عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا تقدم ذكري لَهُ وَالله أعلم.
وَأما حَدِيث أبي مُوسَى فَروِيَ عَن عَليّ بن جَعْفَر عَن عَليّ بن زِيَاد الْأَحْمَر حَدثنَا عبد الرَّحِيم

(1/187)


ابْن سُلَيْمَان حَدثنَا أَشْعَث عَن الْحسن عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا، قَالَ عَليّ بن عمر: رَفعه عَليّ بن جَعْفَر عَن عبد الرَّحِيم. وَالصَّوَاب مَوْقُوف فالحسن لم يسمع من أبي مُوسَى. حَدثنَا بِهِ جَعْفَر بن مُحَمَّد حَدثنَا مُوسَى بن إِسْحَق حَدثنَا عبد الله بن أبي شيبَة حَدثنَا عبد الرَّحِيم عَن أَشْعَث عَن الْحسن عَن أبي مُوسَى قَالَ " الأذنان من الرَّأْس " مَوْقُوف قَالَ على تَابعه إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْفراء وَغَيره عَن

(1/188)


عبد الرَّحِيم قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: الْحسن لم يسمع من أبي مُوسَى وَرَوَاهُ يُونُس بن عبيد عَن الْحسن أَنه قَالَ: " الأذنان من الرَّأْس " وَهُوَ الصَّوَاب. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَروِيَ عَن أبي عُثْمَان عَمْرو بن الْحصين الْبَصْرِيّ عَن مُحَمَّد بن علاثة عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن سعيد بن الْمسيب عَن

(1/189)


أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تمضمضوا واستنشقوا والأذنان من الرَّأْس " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: تفرد بِهِ مُحَمَّد بن علاثة عَن عبد الْكَرِيم وَابْن علاثة: هُوَ أَبُو الْيَسِير القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الله بن علاثة الشَّامي ذَاهِب الحَدِيث بِمرَّة وَله مَنَاكِير عَن الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره من أَئِمَّة الْمُسلمين فَمِنْهَا مَا يذكر عَنهُ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " لَا حسد وَلَا ملق إِلَّا فِي طلب الْعلم " وَقَالَ عَليّ بن عمر: عَمْرو بن الْحصين وَابْن علاثة ضعيفان وَرُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن

(1/190)


يحيى الْأنْصَارِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: تفرد بِهِ إِسْمَاعِيل عَن يحيى وَقد سبق ذكر إِسْمَاعِيل. وَرُوِيَ عَن البخْترِي ابْن عبيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا قَالَ عَليّ بن عمر: البخْترِي ابْن عبيد ضَعِيف وَأَبوهُ مَجْهُول وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: بختري بن عبيد الطَّائِي روى عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَحَادِيث مَوْضُوعَة وروى عبد الله بن مُحرز عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا وَعبد الله بن مُحَرر سَاقِط قد تقدم ذكره وَأما حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ فَروِيَ عَن عبد الحكم عَن أنس عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ

(1/191)


عبد الحكم لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ البُخَارِيّ: عبد الحكم الْقَسْمَلِي الْبَصْرِيّ عَن أنس وَأبي بكر الصّديق مُنكر الحَدِيث رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر ضَعِيف عَن أنس فَذكره بِإِسْنَادِهِ عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس مَرْفُوعا. وَأما حَدِيث أبي ربيعَة فَروِيَ عَن حَمَّاد بن زيد حَدثنَا سِنَان بن ربيعَة أَبُو ربيعَة عَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ " وَقَالَ: " الأذنان من الرَّأْس " وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح المأقين قَالَ ابْن معِين

(1/192)


سِنَان بن ربيعَة يحدث عَنهُ حَمَّاد بن زيد لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقد روى عَنهُ السَّهْمِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا دعْلج قَالَ: سَأَلت مُوسَى بن هَارُون عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْء. شهر بن حَوْشَب فِيهِ وَشهر بن حَوْشَب ضَعِيف والْحَدِيث رَفعه شكّ وبصحة مَا قَالَه مُوسَى روى أَبُو دَاوُد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب ومسدد وقتيبة عَن

(1/193)


حَمَّاد عَن سِنَان بن ربيعَة عَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي أُمَامَة ذكر وضوء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يمسح المأقين قَالَ: وَقَالَ " الأذنان من الرَّأْس ". قَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب يَقُولهَا أَبُو أُمَامَة قَالَ قُتَيْبَة: قَالَ حَمَّاد: لَا أَدْرِي هُوَ من قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو أبي أُمَامَة يَعْنِي قصَّة الْأُذُنَيْنِ، قَالَ قُتَيْبَة: عَن سِنَان بن ربيعَة وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن حشيش عَن يُوسُف بن مُوسَى عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد عَن سِنَان عَن شهر عَن أبي أُمَامَة أَنه وصف وضوء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " كَانَ إِذا تَوَضَّأ مسح مآقيه بِالْمَاءِ " وَقَالَ أَبُو أُمَامَة " الأذنان من الرَّأْس " قَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب: " الأذنان من الرَّأْس " إِنَّمَا هُوَ من قَول أبي أُمَامَة فَمن قَالَ غير هَذَا فقد بدل أَو كلمة قَالَهَا سُلَيْمَان أَي أَخطَأ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَقفه سُلَيْمَان عَن حَمَّاد، وَهُوَ ثِقَة ثَبت وَرُوِيَ عَن جَعْفَر بن الزبير

(1/194)


عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: جَعْفَر بن الزبير مَتْرُوك وَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف.
وَرُوِيَ عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم عَن رَاشد بن سعد عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم ضَعِيف وَقَالَ ابْن معِين الإفْرِيقِي لَيْسَ بِهِ بَأْس وَفِيه ضعف وَهُوَ أحب إِلَيّ من أبي بكر بن أبي مَرْيَم الغساني.
وَأما حَدِيث عبد الله بن زيد رَضِي الله عَنهُ فروى عَن

(1/195)


سُوَيْد بن سعيد عَن يحيى بن زَكَرِيَّا عَن شُعْبَة عَن حبيب عَن عباد عَن عبد الله بن زيد قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ بِثُلثي مد وَجعل يدلك والأذنان من الرَّأْس ".

(1/196)


سعيد بن سعيد الحدثاني الْأَنْبَارِي: اخْتَلَط بعد أَن كتب عَنهُ مُسلم وَلَعَلَّه لَو عرف تغيره لما روى عَنهُ فِي الصَّحِيح وَذكر عَن ابْن معِين: حِين ذكر لَهُ رِوَايَته عَن عَليّ بن مسْهر عَن أبي يحيى القَتَّات عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: " من عشق فعف وكتم فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدا ".
" فَقَالَ لَو كَانَ لي فرس ورمح لَكُنْت أغزو " سُوَيْد بن سعيد وَنحن نذْكر حَالَة أبين من هَذَا فِي مَسْأَلَة الْقِرَاءَة خلف الإِمَام.
وَأما حَدِيث سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ فَروِيَ عَن الْحجَّاج بن يُوسُف أَنه قَالَ فِي خطبَته عَن سَمُرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَالْحجاج لَا يحْتَج بحَديثه إِن كَانَ مَحْفُوظًا عَنهُ وَالطَّرِيق إِلَيْهِ سليم وَلَا

(1/197)


يخفى حَاله على أحد وَأما حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَروِيَ عَن عِصَام بن يُوسُف عَن ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة مَرْفُوعا وَهُوَ وهم من عِصَام أَو من دونه وَالصَّوَاب مُرْسل. وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد الْأَزْهَرِي عَن القفل بن مُوسَى عَن ابْن جريج بِمَعْنَاهُ مُسْندًا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا قَالَ والمرسل أصح قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَهَؤُلَاء الَّذين وصلوا هَذَا الْإِسْنَاد. تَارَة عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس

(1/198)


وَتارَة عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَغير ذَلِك مِمَّا سبق ذكرنَا لَهُ لَيْسُوا من أهل الصدْق وَالْعَدَالَة بِحَيْثُ إِذا تفردوا بِشَيْء يقبل ذَلِك مِنْهُم أَو جَازَ الِاحْتِجَاج بهم فَكيف إِذا خالفوا الثِّقَات وباينوا الْأَثْبَات وعمدوا إِلَى المعضلات فجودوها وقصدوا إِلَى الْمَرَاسِيل والموقوفات فأسندوها وَالزِّيَادَة إِنَّمَا هِيَ

(1/199)


مَقْبُولَة عَن الْمَعْرُوف بِالْعَدَالَةِ وَالْمَشْهُور بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة دون من كَانَ مَشْهُورا بِالْكَذِبِ والخيانة أَو مَنْسُوبا إِلَى نوع من الْجَهَالَة وَقد رُوِيَ عَن الثَّوْريّ عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَبِغير ذَلِك لَا تثبت الْحجَّة عندنَا. وَرُوِيَ عَن الْيَمَان أبي حُذَيْفَة عَن عمْرَة. قَالَت: سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنهُ عَن الْأُذُنَيْنِ قَالَت من الرَّأْس. وَقَالَت: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما إِذا تَوَضَّأ قَالَ ابْن معِين: يمَان بن الْمُغيرَة لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ البُخَارِيّ: يمَان بن الْمُغيرَة أَبُو حُذَيْفَة: الْعَنزي. قَالَ وَكِيع: التَّيْمِيّ مُنكر الحَدِيث،

(1/200)


وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (يتَوَضَّأ) فَذكر الحَدِيث " ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ وَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مسحة وَاحِدَة " وَهَذَا لَو صَحَّ فَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ إِذْ يجوز أَنه عزل سبابتيه فَمسح بهَا أُذُنَيْهِ، كَمَا رُوِيَ فِي بعض الْأَخْبَار والحكاية حِكَايَة حَال. وَقد رُوِيَ عَن طَلْحَة بن مصرف عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا مسح رَأسه اسْتقْبل رَأسه بيدَيْهِ حَتَّى يَأْتِي على أُذُنَيْهِ وسالفته " قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ قلت لِسُفْيَان أَن ليثا روى عَن طَلْحَة بن مصرف عَن أَبِيه عَن جده " أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ " فَأنْكر ذَلِك سُفْيَان وَعجب أَن يكون جد طَلْحَة لَقِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ عَليّ: وَسَأَلت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن نسب جد طَلْحَة فَقَالَ: عَمْرو بن كَعْب أَو كَعْب بن عَمْرو. وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ مُسَدّد: فَحدثت بِهِ يحيى بن سعيد الْقطَّان فَأنكرهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسمعت أَحْمد يَقُول: ابْن عُيَيْنَة زَعَمُوا كَانَ

(1/201)


يُنكره وَيَقُول لَيْسَ هَذَا طَلْحَة بن مصرف عَن أَبِيه عَن جده؟ قَالَ ابْن معِين: المحدثون يَقُولُونَ: رَآهُ. وَأهل بَيت طَلْحَة يَقُولُونَ: لَيست لَهُ صُحْبَة وَرُوِيَ عَن عُرْوَة بن قبيصَة عَن رجل من الْأَنْصَار عَن أَبِيه عَن عُثْمَان أَنه قَالَ: (الأذنان من الرَّأْس) وَلَيْسَ من شرطنا قبُول خبر رجل لَا يعرف باسمه فَكيف بعدالته وَصدقه. وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ: أما أَنا فأغسل مقدمهما مَعَ وَجْهي وأمسح مؤخرهما مَعَ رَأْسِي فَإِن كَانَتَا من الْوَجْه كنت قد غسلتهما وَإِن كَانَتَا من الرَّأْس كنت قد مسحتهما " وَبَلغنِي عَن أبي الْعَبَّاس ابْن سريح أَنه كَانَ يغسلهما ثَلَاثًا مَعَ الْوَجْه ويمسحهما ثَلَاثًا مَعَ الرَّأْس وَثَلَاثًا على الِانْفِرَاد خُرُوجًا من الْخلاف وَالله أعلم وَبِه التَّوْفِيق.

(1/202)


(مَسْأَلَة (10) :)

وتفريق الْوضُوء غير جَائِز فِي قَوْله الْقَدِيم وَقَالَ بِجَوَازِهِ فِي

(1/203)


الْجَدِيد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة ووجهة قَوْلنَا لَا يجوز من طَرِيق الْخَبَر: مَا رُوِيَ عَن عمر (أَن رجلا تَوَضَّأ فَترك مَوضِع ظفر على يَدَيْهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَقَالَ ارْجع أحسن وضوءك فَرجع ثمَّ صلى " أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه. وَرُوِيَ هَذَا الْمَتْن بِعَيْنِه من حَدِيث أنس بن مَالك بِإِسْنَاد صَحِيح " أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد تَوَضَّأ وَترك على قَدَمَيْهِ مثل مَوضِع الظفر فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْجع فَأحْسن وضوءك " رُوَاته كلهم ثِقَات، مجمع على عدالتهم. وَشَاهده مَا روى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَن خَالِد عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى رجلا يُصَلِّي فِي ظهر قدمه لمْعَة قدر الدِّرْهَم لم يصبهَا المَاء فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة " وَرُوِيَ عَن أبي

(1/204)


المتَوَكل قَالَ تَوَضَّأ ابْن عمر وَبَقِي على رجله قِطْعَة لم يصبهَا المَاء فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة " وَهَذَا مُنْقَطع وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَوْقُوفا عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان وَعَن جَابر قَالَ رأى عمر رجلا يتَوَضَّأ فَبَقيَ فِي رجله لمْعَة فَقَالَ " أعد الْوضُوء " وَعَن سُفْيَان عَن خَالِد الْحذاء

(1/205)


عَن أبي قلَابَة عَن عمر مثله وَأما وَجه قَوْلنَا أَنه يجوز، مَا روى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه بَال فِي السُّوق فَتَوَضَّأ وَغسل وَجهه وَيَديه وَمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ دخل الْمَسْجِد فدعى لجنازة فَمسح على خفيه ثمَّ صلى وَرُوِيَ عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ " أَن عمر رأى رجلا وبظهر قَدَمَيْهِ لمْعَة لم يصبهَا المَاء فَقَالَ لَهُ عمر: أَبِهَذَا الْوضُوء تحضر الصَّلَاة، فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْبرد شَدِيد وَمَا معي مَا يدفيني فرق لَهُ عمر بعد مَا هم بِهِ قَالَ. فَقَالَ لَهُ اغسل مَا تركت من قدمك وَأعد الصَّلَاة وَأمر لَهُ بخميصة " هَذَا يدل على أَن الَّذِي أَمر بِهِ عمر من إِعَادَة الصَّلَاة كَانَ على طَرِيق الِاسْتِحْبَاب وَقَوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:

(1/206)


" ارْجع فَأحْسن وضوءك " يُرِيد بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى غسل مَا لم يصبهُ المَاء. والْحَدِيث الآخر مُنْقَطع وَحَدِيث ابْن عمر ثَابت لَا شكّ فِيهِ، وَحَدِيث عمر إِسْنَاده جيد. فَالصَّحِيح أَنه يجوز كَمَا قَالَ فِي الْجَدِيد. وَرُوِيَ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه قَالَ أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت يَا رَسُول الله: " إِن أَهلِي تغار إِذا وطِئت جواري. قَالَ وَلم تعلمهن بذلك. قلت من قبل الْغسْل. قَالَ " فَإِذا كَانَ ذَلِك مِنْك فاغسل رَأسك عِنْد أهلك فَإِذا حضرت الصَّلَاة فاغسل سَائِر بدنك " وَفِي هَذَا إِن صَحَّ جَوَاز تَفْرِيق الْغسْل إِلَّا أَنه غير مَعْرُوف وَفِي إِسْنَاده ضعف. وَرُوِيَ عَن عمر بن عبد الْوَاحِد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن عجلَان أَن رجلا أَتَى سعيد بن الْمسيب. فَقَالَ إِنِّي اغْتَسَلت ونسيت أَن أصب على رَأْسِي، فَأمر رجلا عِنْده أَن يَأْتِي بِهِ الْجب فَيصب على رَأسه دلوا من مَاء وَلَا يَأْخُذ بِهِ الْأَوْزَاعِيّ.

(1/207)


(مَسْأَلَة (11) :)

وَلَا يجوز الْوضُوء إِلَّا مُرَتبا وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز منكوسا. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فَوَجَبَ الِابْتِدَاء بِمَا بَدَأَ الله بِهِ بِدَلِيل حَدِيث جَابر " ابدؤا بِمَا بَدَأَ الله عز وَجل بِهِ: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} فِي صَحِيح مُسلم حَدِيث الْحَج الطَّوِيل وَفِيه ثمَّ خرج من الْبَاب إِلَى الصَّفَا يَعْنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا دنا من الصَّفَا قَرَأَ {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} نبدأ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ فَبَدَأَ بالصفا وَفِي حَدِيث مُسلم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ خطب رجل عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد وَمن يعصهما فقد غوى فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: بئس الْخَطِيب أَنْت قل وَمن يعْص الله وَرَسُوله فقد غوى ". فَإِن عارضوا بِمَا قد رُوِيَ عَن عبد الله بن يسَار عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَقولُوا مَا شَاءَ الله

(1/208)


وَشاء فلَان وَلَكِن قُولُوا مَا شَاءَ الله وَحده وَفِي رِوَايَة قُولُوا مَا شَاءَ الله ثمَّ شَاءَ فلَان " وَهَذَا لَا يُعَارض مَا روينَاهُ، فَإِنَّهُ غير مخرج فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا لعبد الله بن يسَار وَهَذَا ذكر فِي الصَّحِيح، وَبِذَلِك يَقع التَّرْجِيح فَإِن كَانَ ثباتا فَإِنَّمَا نهى عَن القَوْل الأول وَأمره بِحرف ثمَّ الَّذِي هُوَ المتراخي لِأَن مَشِيئَة الله تَعَالَى قديمَة لم تزل وَلَا تزَال ومشيئة العَبْد تكون متراخية، فَلَا يَشَاء إِلَّا مَا قد شَاءَ الله، فَنَهَاهُ عَن حرف الْوَاو الَّذِي يُوهم الِاشْتِرَاك، وَأمره بِحرف ثمَّ الَّذِي هُوَ للتراخي. وَأما الطَّاعَة: فَإِن طَاعَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَاعَة الله بِفَرْض الله طَاعَته فَلَو اقْتصر على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ جَائِزا فَلَمَّا ذكر الله مَعَه بِلَفْظ الْجمع كرهه وَأحب أَن يبْدَأ بِذكر الله ثمَّ بِذكرِهِ ليَكُون أحسن فِي الْأَدَب فلولا احْتِمَال الْوَاو للتَّرْتِيب لما أمره بذلك مَعَ كَرَاهِيَة الْجمع.
وَاتفقَ البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَة حَدِيث حمْرَان مولى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ دَعَا يَوْمًا بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَغسل كفيه ثَلَاث مَرَّات ثمَّ مضمض واستنثر ثَلَاث مَرَّات ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاث مَرَّات ثمَّ غسل

(1/209)


يَده الْيُمْنَى إِلَى الْمرْفق ثَلَاث مَرَّات ثمَّ غسل يَده الْيُسْرَى كَذَلِك ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ غسل الْيُسْرَى مثل ذَلِك ثمَّ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا ثمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يحدث فيهمَا نَفسه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ".
وَفِي حَدِيث عَمْرو بن عبسة الْمخْرج فِي صَحِيح مُسلم قلت يَا رَسُول الله فالوضوء حَدثنِي عَنهُ فَقَالَ: " مَا مِنْكُم من رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق فينتثر إِلَّا خرجت خَطَايَا وَجهه من أَطْرَاف لحيته وفمه وخياشيمه مَعَ المَاء ثمَّ إِذا غسل وَجهه كَمَا أمره الله إِلَّا خرجت خَطَايَا وَجهه من أَطْرَاف لحيته مَعَ المَاء ثمَّ يغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين إِلَّا خرجت خَطَايَا يَدَيْهِ من أنامله مَعَ المَاء ثمَّ يمسح رَأسه إِلَّا خرجت خَطَايَا رَأسه من أَطْرَاف شعره مَعَ المَاء ثمَّ يغسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّا خرجت خَطَايَا رجلَيْهِ من أنامله مَعَ المَاء فَإِن هُوَ قَامَ فصلى " فَذكر بَاقِي الحَدِيث وروى أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن مُوسَى ابْن أبي

(1/210)


عَائِشَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله: كَيفَ الطّهُور فَدَعَا بِمَاء فِي إِنَاء فَغسل كفيه ثَلَاثًا ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ فَأدْخل أصبعيه السباحتين فِي أُذُنَيْهِ وَمسح بإبهاميه على ظَاهر أُذُنَيْهِ وبالسباحتين بَاطِن أُذُنَيْهِ ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: " هَذَا الْوضُوء فَمن زَاد على هَذَا أَو نقص فقد أَسَاءَ وظلم " أَو " ظلم وأساء " وَرَوَاهُ الْفضل بن مُوسَى السينَانِي وَغَيره عَن الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن جده عبد الله بن عَمْرو دون ذكر شُعَيْب فِي الْإِسْنَاد وَقد وَصله عبيد الله بن عبيد الرَّحْمَن

(1/211)


الْأَشْجَعِيّ الثِّقَة الثبت وَتَابعه يعلى بن عبيد كِلَاهُمَا عَن الثَّوْريّ عَن مُوسَى عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده فَلَا يضرهما من خالفهما.
وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِمَا روى زيد الْعمي عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن ابْن عمر وَأنس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ مرّة مرّة ثمَّ قَالَ هَذَا وضوء الصَّلَاة الَّذِي لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ هَذَا وضوء الْأَنْبِيَاء قبلي وضوء إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن "

(1/212)


الحَدِيث وَهَذَا غير ثَابت فَإِن زيد الْعمي لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَرَوَاهُ الْمسيب بن وَاضح بِبَعْض مَعْنَاهُ وبإسناده لَيْسَ فِيهِ عَن حَفْص بن ميسرَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر وَالله أعلم. وَذكره بِإِسْنَادِهِ فِيهِ. قَالَ وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف وَالله أعلم.
وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ عبد الله لَا بَأْس أَن تبدأ بِرِجْلَيْك قبل يَديك ".

(1/213)


قَالَ عَليّ بن عمر: هَذَا مُرْسل وَلَا يثبت وَوجه إرْسَاله أَن مُجَاهِد لم يسمع من عبد الله بن مَسْعُود فَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَن عبد الله فِي الْيَمين وَالشمَال. عَن عبد الله الْهِلَالِي سمع عبد الله بن مَسْعُود " إِن شَاءَ بَدَأَ فِي الْوضُوء بيساره " وَعَن أبي العبيدين عَن عبد الله " أَنه سُئِلَ عَن رجل تَوَضَّأ فَبَدَأَ بمياسره فَقَالَ: " لَا بَأْس " وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن هِنْد قَالَ: قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " مَا أُبَالِي إِذا أتممت وضوئي بِأَيّ أعضائي بدأت " وَهَذَا مُنْقَطع. روى أَبُو عَليّ الصَّواف فِي كتاب

(1/214)


الْعِلَل لِأَحْمَد عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل عَن أَبِيه عَن الْأنْصَارِيّ عَن عَوْف عَن عبد الله بن عَمْرو بن هِنْد " أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا أُبَالِي بِأَيّ أعضائي بدأت إِذا أتممت الْوضُوء قَالَ عَوْف: وَلم يسمعهُ من عَليّ ثمَّ هُوَ مُطلق وَأَظنهُ أَنه أَرَادَ مَا رُوِيَ عَن زِيَاد قَالَ: قَالَ عَليّ مَا أُبَالِي لَو بدأت بالشمال قبل الْيَمين إِذا تَوَضَّأت "، وَعَن زِيَاد مولى بني مَخْزُوم قَالَ: قيل لعَلي أَن أَبَا هُرَيْرَة يبْدَأ بميامنه فِي الْوضُوء، فَدَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ

(1/215)


فَبَدَأَ بمياسره " وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (12) :)

وَلَيْسَ للمحدث مس الْمُصحف وَقَالَ يَعْنِي الْعِرَاقِيّين لَهُ ذَلِك لنا مَا رُوِيَ عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ هَذَا كتاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عندنَا الَّذِي كتبه لعَمْرو بن حزم قَالَ هَذَا كتاب رَسُول الله حِين بَعثه إِلَى الْيمن يفقه أَهلهَا وَيُعلمهُم السّنة فَذكر الحَدِيث وَقَالَ: " فَلَا يمس أحد الْقُرْآن إِلَّا وَهُوَ طَاهِر " وروى الدَّارَقُطْنِيّ فِي

(1/216)


مُسْنده عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِرا " وَرُوِيَ عَن حَكِيم بن حزَام أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعثه واليا إِلَى الْيمن فَقَالَ: " لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا وَأَنت طَاهِر " وَفِي

(1/217)


رِوَايَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا وَأَنت على طهر " وَرُوِيَ عَن عَلْقَمَة قَالَ كُنَّا مَعَ سلمَان الْفَارِسِي فِي سفر فَقضى حَاجته فَقُلْنَا لَهُ تَوَضَّأ حَتَّى نَسْأَلك عَن آيَة من الْقُرْآن فَقَالَ: سلوني إِنِّي لست أمسه فَقَرَأَ علينا مَا أردنَا وَلم يكن بَيْننَا وَبَينه مَاء " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَقد رَوَاهُ جمَاعَة من الثِّقَات عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ كُنَّا مَعَ سلمَان فَخرج يقْضِي حَاجته ثمَّ جَاءَ فَقلت يَا أَبَا عبد الله لَو تَوَضَّأت لَعَلَّنَا نَسْأَلك عَن آيَات قَالَ: إِنِّي لست أمسه إِنَّمَا {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} فَقَرَأَ علينا مَا شِئْنَا " وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد عَن مُصعب بن سعد أَنه قَالَ كنت أمسك الْمُصحف على سعد بن أبي وَقاص فاحتككت فَقَالَ لَعَلَّك مسست ذكرك فَقلت: نعم، فَقَالَ قُم فَتَوَضَّأ فَقُمْت فَتَوَضَّأت ثمَّ رجعت ".

(1/218)


(مَسْأَلَة (13) :)

وَلَيْسَ للْجنب قِرَاءَة الْقُرْآن، وَإِن كَانَ أقل من آيَة وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ لَو قَرَأَ أقل من آيَة طَوِيلَة أَو ثَلَاث آيَات قَصِيرَة جَازَ (وَدَلِيلنَا عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَن) عبد الله بن سَلمَة قَالَ دَخَلنَا على عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنا ورجلان رجل منا وَرجل من بني أَسد. قَالَ: (فبعثهما لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: إنَّكُمَا) علجان فعالجا عَن دينكما. قَالَ ثمَّ دخل الْمخْرج ثمَّ خرج فَدَعَا بِمَاء فَغسل يَدَيْهِ ثمَّ جعل يقْرَأ الْقُرْآن (وكأنا أَنْكَرْنَا، فَقَالَ: كأنكما أنكرتما) كَانَ

(1/219)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْضِي الْحَاجة وَيقْرَأ الْقُرْآن وَيَأْكُل اللَّحْم وَلم يكن يَحْجُبهُ (أَو قَالَ يحجزه عَن قِرَاءَته) شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: (هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد) والشيخان لم يحْتَجَّا بِعَبْد الله بن سَلمَة ومدار الحَدِيث عَلَيْهِ وَعبد الله بن سَلمَة غير مطعون فِيهِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (كتاب السّنَن بِبَعْض مَعْنَاهُ) وَرُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن (عبيد الله) بن عمر ومُوسَى بن عقبَة عَن (نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) " لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن " تفرد بِهِ إِسْمَاعِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهُوَ

(1/220)


فِيمَا رُوِيَ عَن أهل الْحجاز (وَأهل الْعرَاق وَغَيره) أوثق مِنْهُ، وَقد روى عَن غَيره عَن مُوسَى بن عقبَة وَهُوَ ضَعِيف، وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يقْرَأ أَحَدنَا الْقُرْآن وَهُوَ جنب " وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن زُرَيْق عَن زَمعَة عَن سَلمَة بن وهرام " عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ دخل عبد الله بن رَوَاحَة فَذكر قصَّة وَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى أَن يقْرَأ

(1/221)


أَحَدنَا وَهُوَ جنب " وَرُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن زَمعَة كَذَلِك مَوْصُولا وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَرُوِيَ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عُبَيْدَة " كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يكره أَن يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ جنب ". وَرُوِيَ عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ: سُئِلَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن الْجنب يقْرَأ. قَالَ: لَا: وَلَا حرف لَا وَلَا حرف؟ " وَعَن أبي الغريف الهمذاني عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " اقرؤا الْقُرْآن مَا لم تصب أحدكُم جَنَابَة فَإِن أَصَابَته جَنَابَة فَلَا وَلَا حرف وَاحِد " وَرُوِيَ عَن الزبير عَن

(1/222)


جَابر قَالَ: " وَلَا تقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب وَلَا النُّفَسَاء الْقُرْآن ". وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه رخص فِي الْآيَة والآيتين وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (14) :)

وَمن كَانَ فِي صحراء وَأَرَادَ أَن يقْضِي حَاجته فَلَا يجوز لَهُ أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا أَن يستدبرها وَذَلِكَ فِي الْبناء جَائِز وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يجوز لَهُ الاستدبار وَلَا يجوز لَهُ الِاسْتِقْبَال وَقَالَ بمنعهما فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَنحن نذْكر بعون الله تَعَالَى أَخْبَارًا وَردت فِي النَّهْي عَن الِاسْتِقْبَال والاستدبار جَمِيعًا ثمَّ نذْكر أَخْبَارًا وَردت فِي تَخْصِيص الْبناء بِالْجَوَازِ وَفِي ذَلِك بَيَان عوار قَول من خَالَفنَا.

(1/223)


رُوِيَ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تستقبلوا الْقبْلَة بغائط وَلَا بَوْل وَلَا تستدبروها " وَفِي رِوَايَة بِنَحْوِ مَعْنَاهُ وَزَاد " وَلَكِن شرقوا وغربوا " قَالَ فقدمنا الشَّام فَوَجَدنَا مراحيض قد بنيت قبل الْقبْلَة فَكُنَّا ننحرف عَنْهَا ونستغفر الله " اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته. وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ. قَالَ قيل لَهُ قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة. قَالَ فَقَالَ أجل لقد نَهَانَا أَن نستقبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل " الحَدِيث. وَعِنْده عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا جلس أحدكُم لِحَاجَتِهِ فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها " وَذكر فِي ذَلِك أَخْبَارًا أخر وَردت فِي تَخْصِيص الْبناء بِالْجَوَازِ عِنْد البُخَارِيّ عَن

(1/224)


وَاسع بن حبَان قَالَ: قَالَ عبد الله بن عمر " لقد رقيت ذَات يَوْم على ظهر بيتنا فَرَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَاعِدا على لبنتين لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبل الشَّام مستدبر الْقبْلَة " وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا فِي حَدِيث وَاسع عَن ابْن عمر وَفِيه فَقَالَ عبد الله وَلَقَد رقيت على ظهر بَيت فَرَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَاعِدا على لبنتين مُسْتَقْبل بَيت الْمُقَدّس لِحَاجَتِهِ " وَرُوِيَ عَن مَرْوَان الْأَصْفَر قَالَ: " رَأَيْت ابْن عمر أَنَاخَ رَاحِلَته مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ جلس يَبُول إِلَيْهَا فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن أَلَيْسَ قد نهي عَن هَذَا؟ فَقَالَ: بلَى إِنَّمَا نهي عَن ذَلِك فِي الفضاء، فَإِذا كَانَ بَيْنك وَبَين الْقبْلَة شَيْء يسترك فَلَا بَأْس " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: أَنه حَدِيث صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وروى أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن

(1/225)


إِسْحَاق يحدث عَن إبان بن صَالح عَن مُجَاهِد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: نهى نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نستقبل الْقبْلَة ببول فرأيته قبل أَن يقبض بعام يستقبلها " قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ غير وَاحِد عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق وَرُوِيَ عَن خَالِد بن أبي الصَّلْت قَالَ كنت عِنْد عمر بن عبد الْعَزِيز فِي خِلَافَته وَعِنْده عرَاك بن مَالك قَالَ عمر:

(1/226)


" مَا اسْتقْبلت الْقبْلَة وَلَا استدبرتها ببول وَلَا غَائِط مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ عرَاك حَدَّثتنِي عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما بلغه قَول النَّاس فِي ذَلِك أَمر بمقعدته فَاسْتقْبل بهَا الْقبْلَة " وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (15) :)

والاستنجاء وَاجِب لَا يجوز تَركه وَلَا يَقع الْوضُوء عَنهُ، وَإِن كَانَت النَّجَاسَة يسيرَة، وَقُلْنَا أَنه يُعْفَى عَن يسير النَّجَاسَة على أحد الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الِاسْتِنْجَاء سنة يجوز تَركهَا إِذا لم يرد على قدر الدِّرْهَم (وَدَلِيلنَا) عَلَيْهِ من طَرِيق الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن

(1/227)


عبد الله بن زيد قَالَ قَالُوا لسلمان قد علمكُم نَبِيكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل شَيْء حَتَّى الخراءة؟ فَقَالَ: أجل، قد نَهَانَا أَن نستقبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل، ونهانا ونهانا أَن يستنجي أَحَدنَا بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار، ونهانا أَن نستنجي برجيع أَو عظم. أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح.
وروى أَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد أعلمكُم فَإِذا أَتَى أحدكُم الْغَائِط، فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها وَلَا يَسْتَطِيب بِيَمِينِهِ، وَكَانَ يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار وَنهى عَن الروث والرمة " وَأَيْضًا عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط، فليذهب مَعَه بِثَلَاثَة أَحْجَار، يَسْتَطِيب بِهن فَإِنَّهَا تُجزئ عَنهُ " وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابهم بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ أخبرنَا

(1/228)


عِيسَى عَن ثَوْر عَن الْحصين الحبراني عَن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن، وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن استجمر فليوتر، وَمن فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن أكل فَمَا تخَلّل فليلفظ، وَمن لاك لِسَانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن أَتَى الْغَائِط فليستتر فَإِن لم يجد وَإِن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فَإِن الشَّيْطَان يلْعَب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا

(1/229)


حرج " قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن ثَوْر قَالَ " حُصَيْن الْحِمْيَرِي "، وَرَوَاهُ عبد الْملك بن الصَّباح عَن ثَوْر فَقَالَ: " أَبُو سعيد الْخَيْر " لَيْسَ هَذَا بِمَشْهُور وَلَا يُعَارض حَدِيث سلمَان الْمخْرج فِي الصَّحِيح وَلم يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد أحد مِنْهُمَا ثمَّ قَوْله " وَلَا حرج " يرجع إِلَى قَوْله " فليوتر دون الِاسْتِجْمَار " وَالصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة " وَمن استجمر فليوتر " دون قَوْله: " وَمن لَا فَلَا حرج " وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح عَن أبي إِدْرِيس عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " من تَوَضَّأ فليستنثر وَمن استجمر فليوتر " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ

(1/230)


عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَرَوَاهُ أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة وَرَوَاهُ أَبُو الزبير عَن جَابر وَكله مخرج فِي الصَّحِيح. وَرُبمَا استدلوا بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن أبي نعيم عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَق قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة ذكره وَلَكِن عبد الرَّحْمَن ابْن الْأسود عَن أَبِيه أَنه سمع عبد الله يَقُول أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْغَائِط فَأمرنِي أَن آتيه بِثَلَاثَة أَحْجَار، قَالَ: فَوجدت حجرين والتمست الثَّالِث فَلم أَجِدهُ، فَأخذت رَوْثَة فَأتيت بهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأخذ الحجرين وَألقى الروثة وَقَالَ هَذَا رِجْس " قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ إِبْرَاهِيم بن يُوسُف عَن

(1/231)


أَبِيه عَن أبي إِسْحَق حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بِهَذَا. وَخَالفهُ مُسلم وَلم يخرج فِي الصَّحِيح. وَقد قيل أَن أَبَا إِسْحَق لم يسمعهُ من عبد الرَّحْمَن إِنَّمَا دلّس عَنهُ. قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ كَانَ زُهَيْر وَإِسْرَائِيل يَقُولَانِ على أبي إِسْحَق أَنه كَانَ يَقُول لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة حَدثنَا لَكِن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الِاسْتِنْجَاء بالأحجار الثَّلَاثَة قَالَ ابْن الشَّاذكُونِي: " مَا سَمِعت بتدليس قطّ أعجب من هَذَا وَلَا أخْفى، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لم يحدثني، وَلَكِن عبد الرَّحْمَن عَن فلَان عَن فلَان، وَلم يقل: حَدثنِي فَجَاز الحَدِيث وَسَار " قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَذكر إِبْرَاهِيم بن يُوسُف لَا يَجعله مُتَّصِل فقد أخبرنَا أَبُو عبيد الله حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس

(1/232)


سَمِعت الدوري يَقُول: سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن أبي إِسْحَق لَيْسَ بِشَيْء وَرَوَاهُ إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن أبي إِسْحَق عَن أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه بقريب من مَعْنَاهُ، فَإِن صَحَّ ذَلِك فَلَيْسَ فِيهِ أَنه اقْتصر عَلَيْهِمَا وَأمره بِالثلَاثِ يدل على وجوبهما إِذْ لَو جَازَ النُّقْصَان عَنْهَا لما حَدهَا بِالثلَاثِ فِي أمره بإتيانه بهَا وَالله أعلم.
وَقد رُوِيَ أَنه أمره أَن يَأْتِيهِ بِحجر آخر. عَن معمر عَن أبي إِسْحَق عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذهب لِحَاجَتِهِ فَأمر ابْن مَسْعُود أَن يَأْتِيهِ بِثَلَاثَة أَحْجَار فَجَاءَهُ بحجرين وبروثة فَألْقى الروثة وَقَالَ إِنَّهَا ركس ائْتِنِي بِحجر " وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (16) :)

وَلَا عَفْو عَن قدر الدِّرْهَم ... ... ... ... ... ... ...

(1/233)


من النَّجَاسَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: قدر الدِّرْهَم مَعْفُو عَنهُ. وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على قبرين فَقَالَ: إنَّهُمَا يعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير. أما أَحدهمَا فَكَانَ يمشي بالنميمة، وَأما الآخر فَكَانَ لَا يستنزه من بَوْله " قَالَ: فَدَعَا بعسيب رطب فشقه بِاثْنَيْنِ ثمَّ غرس على هَذَا وَاحِد وعَلى هَذَا وَاحِدًا ثمَّ قَالَ لَعَلَّه أَن يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا " واتفقا على حَدِيث أَسمَاء سَأَلت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن دم الْحَيْضَة يُصِيب الثَّوْب، فَقَالَ حتيه ثمَّ اقرضيه بِالْمَاءِ. ثمَّ رشيه فَصلي فِيهِ ". وَرُوِيَ عَن روح بن غطيف عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة

(1/234)


مَرْفُوعا: " تُعَاد الصَّلَاة فِيمَا قدر الدِّرْهَم من الدَّم " لَيْسَ هَذَا بِثَابِت فقد قَالَ البُخَارِيّ: روح بن غطيف الثَّقَفِيّ عَن أبي مُصعب روى عَنهُ مُحَمَّد بن ربيعَة. مُنكر الحَدِيث. ثمَّ إِن صَحَّ فَنَطَقَ الحَدِيث يدل على وجوب الْإِعَادَة إِذا كَانَ الدَّم قدر الدِّرْهَم خلاف مَذْهَبهم وَتَركنَا دَلِيل الْخَبَر بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ وهم لَا يَقُولُونَ بِدَلِيل الْخطاب وَالله أعلم.

(1/235)


(مَسْأَلَة (17) :)

وَخُرُوج الرّيح من الْقبل ينْقض الْوضُوء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا ينْقض الْوضُوء دليلنا عَلَيْهِ من طَرِيق الْخَبَر مَا روى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عباد عَن عَمه شكى للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرجل يخيل إِلَيْهِ الشَّيْء فِي الصَّلَاة فَقَالَ: لَا يَنْفَتِل حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا " وَفِي رِوَايَة عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا " واتفقا على صحتهما. رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح " أخرجه مُسلم بِمَعْنَاهُ فَقَالَ حَتَّى تسمع صَوتا أَو تَجِد ريحًا وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (18) :)

وَمن استجمع نوم الْقلب وَالْعين فَعَلَيهِ الْوضُوء سَوَاء كَانَ قَائِما أَو

(1/236)


رَاكِعا أَو سَاجِدا وَقَالَ أَبُو حنيفَة: - إِن نَام قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا فَلَا وضوء عَلَيْهِ وَدَلِيلنَا عَلَيْهِ من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا الْمُتَّفق على صِحَّته أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا نعس أحدكُم فِي صلَاته فليرقد حَتَّى يذهب عَن عينه النّوم، فَإِن أحدكُم إِذا صلى وَهُوَ ناعس لَعَلَّه يذهب يسْتَغْفر فيسب نَفسه ". وَأخرج البُخَارِيّ عَقِيبه حَدِيث أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا نعس وَهُوَ يُصَلِّي فلينصرف فلينم حَتَّى يعلم مَا يقْرَأ " فَأمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الناعس فِي الصَّلَاة بالانصراف وَلَو بَقِي فِيهَا بِبَقَاء الطَّهَارَة. كَمَا زَعَمُوا لما أَمر بالانصراف. إِن شَاءَ الله تَعَالَى وروى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن زر قَالَ:
" أتيت صَفْوَان بن عَسَّال فَقَالَ مَا جَاءَ بك فَقلت ابْتِغَاء الْعلم قَالَ: " إِن الْمَلَائِكَة تضع أَجْنِحَتهَا لطَالب الْعلم رضَا بِمَا يطْلب " قلت:

(1/237)


إِنَّه حاك أَنه حاك نَفسِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ بعد الْغَائِط وَالْبَوْل وَكنت امْرَءًا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأتيتك أَسأَلك هَل سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِك شَيْئا قَالَ: " نعم، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمُرنَا إِذا كُنَّا سفرا أَو مسافرين أَن لَا ننزع خفافنا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن إِلَّا من جَنَابَة لَكِن من غَائِط وَبَوْل ونوم ". عَاصِم بن بَهْدَلَة قَارِئ أهل الْكُوفَة وَإِن لم يخرج البُخَارِيّ وَمُسلم حَدِيثه فِي الصَّحِيح لسوء حفظه فَلَيْسَ بساقط إِذا وَافق فِيمَا يرويهِ الثِّقَات وَلم يُخَالف الْأَثْبَات وَقد روى أول هَذَا الحَدِيث وَهُوَ قَوْله فِي طلب الْعلم عبد الْوَهَّاب بن بخت وَهُوَ من ثِقَات المصريين عَن زر نَحْو حَدِيث عَاصِم بن بَهْدَلَة وَشَاهده من حَدِيث رَضِي الله عَنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(1/238)


عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وكاء السه العينان فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ " وَرُوِيَ ذَلِك من حَدِيث مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْعين وكاء السه، فَإِذا نَامَتْ الْعين اسْتطْلقَ الوكاء " قَالَ أَحْمد: " فِيمَا بَلغنِي عَنهُ حَدِيث عَليّ الَّذِي يرويهِ الْوَضِين بن عَطاء أثبت من حَدِيث مُعَاوِيَة فِي هَذَا الْبَاب. وروى فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة

(1/239)


وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابهم بِمَا رُوِيَ عَن يزِيد بن أبي خَالِد عَن قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَام وَهُوَ ساجد حَتَّى غط أَو نفخ قلت: يَا رَسُول الله إِنَّك قد نمت قَالَ: " إِن الْوضُوء لَا يُوجب حَتَّى ينَام مُضْطَجعا فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله " تفرد بآخر هَذَا الحَدِيث أَبُو خَالِد يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني عَن قَتَادَة وَأنْكرهُ عَلَيْهِ جَمِيع أَئِمَّة أهل الحَدِيث. قَالَ أَبُو دَاوُد: الْوضُوء على من نَام مُضْطَجعا حَدِيث مُنكر لم يروه إِلَّا يزِيد الدالاني عَن قَتَادَة، وَقد روى أَوله جمَاعَة عَن ابْن عَبَّاس لم يذكرُوا

(1/240)


شَيْئا من هَذَا وَقَالَ: كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَحْفُوظًا. وَقَالَت عَائِشَة قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تنام عَيْني وَلَا ينَام قلبِي " قَالَ شُعْبَة: إِنَّمَا سمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث يُونُس بن مَتى وَحَدِيث ابْن عَمْرو فِي الصَّلَاة، وَحَدِيث الْقُضَاة ثَلَاثَة " وَحَدِيث ابْن عَبَّاس " حَدثنِي رجال مرضيون وأرضاهم عِنْدِي عمر " قَالَ أَبُو دَاوُد:

(1/241)


وَذكر حَدِيث الدالاني لِأَحْمَد بن حَنْبَل فَقَالَ مَا ليزِيد الدالاني يدْخل على أَصْحَاب أبي قَتَادَة؟ وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا لَا شَيْء رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس، قَوْله وَلم يذكر فِيهِ أبي الْعَالِيَة، وَلَا أعرف لأبي خَالِد الدالاني سَمَاعا عَن قَتَادَة " وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أَبُو خَالِد الدالاني كثير الْخَطَأ فَاحش الْوَهم لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا وَافق الثِّقَات، فَكيف إِذا انْفَرد عَنْهُم بالمعضلات؟ وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: " لَا يجب عَلَيْهِ حَتَّى يضع جنبه وينام " وَهَذَا ورد فِي النّوم قَاعِدا، وَمَا رُوِيَ عَن أنس مَرْفُوعا " إِذا نَام العَبْد فِي سُجُوده باهى الله تَعَالَى بِهِ مَلَائكَته يَقُول: انْظُرُوا عَبدِي روحه عِنْدِي وَجَسَده فِي طَاعَتي " فَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيّ ثمَّ لَيْسَ فِيهِ أَن لَا يخرج من صلَاته، وَالْقَصْد مِنْهُ إِن صَحَّ الثَّنَاء على العَبْد المواظب على الصَّلَاة حَتَّى يغلبه النّوم، وَقد أَمر

(1/242)


فِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة، عَن أنس بالانصراف إِذا نعس وَكَذَلِكَ حَدِيث ابْن عمر الَّذِي مضى، فَأَما إِذا نَام قَاعِدا مستويا الْجُلُوس مُتَمَكنًا بمقعدته من الأَرْض، فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَأحب للنائم قَاعِدا أَن يتَوَضَّأ، وَلَا يبين لي أَن أوجبه عَلَيْهِ لما روى عَن أنس بن مَالك أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانُوا ينتظرون الْعشَاء فينامون أَحْسبهُ قَالَ قعُودا " وَعَن ابْن عمر أَنه كَانَ ينَام قَاعِدا وَيُصلي وَلَا يتَوَضَّأ ".
رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الثِّقَة عَن حميد عَن أنس قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ينتظرون الصَّلَاة فينامون أَحْسبهُ قَالَ قعُودا حَتَّى تخفق رؤوسهم ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤون " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: إِذا قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا الثِّقَة حَدثنَا حميدا الطَّوِيل فَإِنَّهُ يكني بالثقة عَن إِسْمَاعِيل بن علية رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح من

(1/243)


حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤون " وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه كَانَ ينَام قَاعِدا ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ " وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن يزِيد بن ثَابت وَأبي أُمَامَة، وَأبي هُرَيْرَة، وَرُوِيَ فِيهِ حديثان مسندان، أَحدهمَا عَن حُذَيْفَة قَالَ: " رقدت فاحتضنني رجل من خَلْفي فَالْتَفت فَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت هَل وَجب عَليّ الْوضُوء؟ قَالَ: " لَا، حَتَّى تضع جَنْبك " وَإِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَشَيخنَا لم يقم إِسْنَاده قَالَ يحيى بن كثير وَإِنَّمَا هُوَ بَحر بن كنيز السقاء، وَيحيى ضَعِيف وَهُوَ فِي النّوم جَالِسا وَقد رَوَاهُ غَيره مُبينًا، وَالْآخر حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا " لَيْسَ على من نَام جَالِسا وضوء حَتَّى يضع جنبه " وَهَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ من أوجه: عَن يَعْقُوب بن عَطاء

(1/244)


عَنهُ وَإِسْنَاده ضَعِيف وروى مُعَاوِيَة بن يحيى الصَّدَفِي قَالَ ابْن عدي: أَنه ضَعِيف. عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا وضع أحدكُم جنبه فَليَتَوَضَّأ " وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (19) :)

وملامسة الرجل مَعَ الْمَرْأَة توجب الْوضُوء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا توجب. وَدَلِيلنَا قَول الله عز اسْمه: {أَو لامستم النِّسَاء} واللمس بِالْيَدِ وَغَيرهَا دَاخل لوُقُوع اسْمه عَلَيْهِ بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس " أَن ماعزا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأقر، فَقَالَ فلعلك قبلت أَو لمست، قَالَ: لَا فعلت كَذَا وَكَذَا، لَا يكني فَأمر برجمه ". وَرُوِيَ

(1/245)


عَن أبي هُرَيْرَة بأثره عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل بني آدم أصَاب من الزِّنَا لَا محَالة، فالعين زنَاهَا النّظر، وَالْيَد زنَاهَا اللَّمْس وَالنَّفس تهوى وتحدث وَيصدق ذَلِك ويكذبه الْفرج " وَرُوِيَ عَن عَائِشَة قَالَت: " قل يَوْم أَو مَا كَانَ يَوْم إِلَّا وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يطوف علينا جَمِيعًا فَيقبل ويلمس مَا دون الوقاع فَإِذا جَاءَ الَّذِي هُوَ يَوْمهَا يبيت عِنْدهَا " وَقد صَحَّ الْخَبَر عَن عمر وَابْنه عبد الله، وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنهم جعلُوا الْقبْلَة وجسها بِيَدِهِ من الْمُلَامسَة الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب فِي إِيجَاب الْوضُوء مِنْهَا أما حَدِيث عمر فَروِيَ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن عمر قَالَ: " إِن الْقبْلَة من اللَّمْس فَتَوضئُوا مِنْهَا " وَأما حَدِيث ابْنه. فروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: " قبْلَة الرجل امْرَأَته وجسها بِيَدِهِ من الْمُلَامسَة فَمن قبل امْرَأَته أَو جسها بِيَدِهِ فَعَلَيهِ الْوضُوء " هَكَذَا رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود

(1/246)


فَروِيَ عَن طَارق ابْن شهَاب بِإِسْنَاد صَحِيح. أَن عبد الله فِي قَوْله: {أَو لامستم النِّسَاء} قَالَ: قولا مَعْنَاهُ مَا دون الْجِمَاع. وَرُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ الْقبْلَة من اللَّمْس، وفيهَا الْوضُوء. واللمس دون الْجِمَاع إِلَّا أَن فِيهِ إرْسَال فَإِن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه وَمَا قبله صَحِيح مَوْصُول عَن عبد الله وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس بِخِلَاف ذَلِك عَن عَامر عَن عَليّ قَالَ: (لَيْسَ فِي الْقبْلَة وضوء) وَعَن ابْن جُبَير قَالَ: تَذَاكرنَا اللَّمْس فَقَالَ: أنَاس من الموَالِي لَيْسَ من الْجِمَاع. وَقَالَ نَاس من الْعَرَب: من الْجِمَاع. فَذكرت ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس فَقَالَ: مَعَ أَيهمْ كنت قلت. مَعَ الموَالِي قَالَ غلبت الموَالِي، إِن اللَّمْس والمباشرة من الْجِمَاع، وَلَكِن الله عز وَجل

(1/247)


يكني مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَقَول من يُوَافق قَوْله ظَاهر الْكتاب أولى أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِي كتاب الْمُسْتَدْرك أَخْبرنِي عبد الله فَذكر إِسْنَادًا عَن معَاذ بن جبل " أَنه كَانَ قَاعِدا عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: " يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي رجل أصَاب من امْرَأَة لَا تحل لَهُ، فَلم يدع شَيْئا يصبهُ الرجل من امْرَأَته إِلَّا وَقد أَصَابَهُ مِنْهَا، إِلَّا أَنه لم يُجَامِعهَا، فَقَالَ: تَوَضَّأ وضُوءًا حسنا ثمَّ قُم فصل، قَالَ وَأنزل الله عز وَجل هَذِه الْآيَة: {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} الْآيَة. فَقَالَ أَهِي لَهُ خَاصَّة أم للْمُسلمين عَامَّة؟ قَالَ: بل هِيَ للْمُسلمين عَامَّة "، وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن

(1/248)


حبيب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قبل بعض نِسَائِهِ ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ " هَذَا حَدِيث يشْتَبه فَسَاده على كثير مِمَّن لَيْسَ الحَدِيث من شَأْنه وَرَوَاهُ إِسْنَادًا صَحِيحا وَهُوَ فَاسد من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن حبيب بن أبي ثَابت لم يسمع من عُرْوَة بن الزبير فَهُوَ مُرْسل من هَذَا الْوَجْه، حكى ذَلِك يحيى بن سعيد قَالَ: سَمِعت سُفْيَان يَقُول، يَعْنِي الثَّوْريّ: حبيب بن أبي ثَابت لم يسمع من عُرْوَة

(1/249)


شَيْئا، وروى أَبُو دَاوُد قَالَ: قَالَ يحيى بن سعيد لرجل أحك عني أَن هذَيْن الْحَدِيثين: حَدِيث الْأَعْمَش هَذَا عَن حبيب وَحَدِيثه بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الْمُسْتَحَاضَة " تتوضأ لكل صَلَاة " قَالَ يحيى أحك عني أَنَّهُمَا شبه لَا شَيْء قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُوِيَ عَن الثَّوْريّ قَالَ مَا حَدثنَا حبيب إِلَّا عَن الثَّوْريّ. عُرْوَة الْمُزنِيّ يَعْنِي لم يُحَدِّثهُمْ عَن عُرْوَة بن الزبير بِشَيْء وَالْوَجْه الآخر. فَقَالَ أَن عُرْوَة هَذَا لَيْسَ بِابْن الزبير، إِنَّمَا هُوَ شيخ مَجْهُول يعرف بِعُرْوَة الْمُزنِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مخلد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مغراء حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنَا أَصْحَاب لنا عَن عُرْوَة الْمُزنِيّ عَن عَائِشَة فَقَالَت: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلني وَهُوَ على وضوء ثمَّ يُصَلِّي " وَهَذَا أَيْضا فَاسد

(1/250)


من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَنه مُرْسل إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، لم يلق عَائِشَة، قَالَ أَبُو دَاوُد إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ لم يسمع من عَائِشَة، وَالْآخر: أَن أَبَا روق عَطِيَّة بن الْحَارِث، هَذَا لَا تقوم بِهِ الْحجَّة. قَالَ ابْن معِين: أَبُو روق لَيْسَ بِثِقَة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " هَذَا الحَدِيث لم يروه عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ غير أبي روق وَلَا يعلم حدث بِهِ عَنهُ غير الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة، وَاخْتلف فِيهِ فأسنده الثَّوْريّ عَن عَائِشَة وأسنده أَبُو حنيفَة عَن حَفْصَة وَكِلَاهُمَا أرْسلهُ، وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ لم يسمع من عَائِشَة وَلَا من حَفْصَة، وَلَا أدْرك زمانهما وَقد روى مُعَاوِيَة بن هِشَام عَن الثَّوْريّ عَن أبي روق عَن

(1/251)


إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه فوصل إِسْنَاده، وَاخْتلف عَنهُ فِي لَفظه، فَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم " وَقَالَ عَنهُ غير عُثْمَان أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم وَلَا يتَوَضَّأ " وَالله أعلم.
وَلَفظ أبي حنيفَة عَنهُ عَن إِبْرَاهِيم عَن حَفْصَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يتَوَضَّأ للصَّلَاة ثمَّ يقبل وَلَا يحدث وضُوءًا " وروى حجاج بن أَرْطَأَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن زَيْنَب عَن عَائِشَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقبل ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا إِسْنَاد لَا تقوم بِهِ الْحجَّة فَإِن حجاج بن أَرْطَأَة على جلالة قدره غير مَذْكُور فِي الصَّحِيح، وَزَيْنَب السهمية لَيْسَ لَهَا ذكر فِي حَدِيث آخر قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله

(1/252)


تَعَالَى قد رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عمر وَقَالَ عَليّ بن عمر: زَيْنَب هَذِه مَجْهُولَة وَلَا تقوم بهَا حجَّة. وَقد قيل عَن عَمْرو وَعَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا " كَانَ يقبل ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يحدث وضُوءًا " رَوَاهُ الْعَرْزَمِي عَنهُ وَهُوَ مَتْرُوك. وَرُوِيَ من وَجه آخر رَوَاهُ عبد الْبَاقِي قَانِع عَن إِسْمَاعِيل ابْن الْفضل عَن مُحَمَّد بن عِيسَى بن يزِيد الطرطوسي عَن سُلَيْمَان بن عَمْرو بن سيار عَن أَبِيه عَن ابْن أخي

(1/253)


الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبل بعض نِسَائِهِ وَيُصلي وَلَا يتَوَضَّأ " رُوَاة هَذَا الحَدِيث إِلَى ابْن أخي الزُّهْرِيّ أَكْثَرهم مَجْهُولُونَ وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بأخبار المجهولين وَقد رَوَاهُ غَيره فخالفه فِيهِ، فَروِيَ عَن سعيد بن بشير عَن مَنْصُور بن زَاذَان عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخرج إِلَى الصَّلَاة ثمَّ يقبل وَلَا يتَوَضَّأ " تفرد بِهِ سعيد بن بشير وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء قَالَ الْبَيْهَقِيّ

(1/254)


رَحمَه الله: روى سعيد عَن الزبير عَن جَابر مَرْفُوعا " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ جلد نمر " وَرُوِيَ عَن قَتَادَة عَن الْحُسَيْن عَن أنس عَن عمر مَرْفُوعا " فِي النَّهْي عَن حلق الْقَفَا إِلَّا للحجامة " وَفِي هَذَا غنية لمن تدبره على ضعف حَاله: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ سعيد بن بشير عَن مَنْصُور عَن الزُّهْرِيّ وَلم يُتَابع عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث. وَالْمَحْفُوظ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم " كَذَلِك رَوَاهُ الْحفاظ الثِّقَات عَن الزُّهْرِيّ مِنْهُم معمر وَعقيل عَن أبي ذِئْب، وَقَالَ مَالك عَن الزُّهْرِيّ " فِي الْقبْلَة الْوضُوء " وَلَو كَانَ مَا رَوَاهُ سعيد بن بشير صَحِيحا لما كَانَ الزُّهْرِيّ

(1/255)


يُفْتِي بِخِلَافِهِ وَالله أعلم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا أَبُو بكر بن الْحَارِث حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد بن حبَان حَدثنَا عَليّ بن إِسْحَاق حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُوسَى حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يقبل وَهُوَ صَائِم ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ " قَالَ عَليّ بن عمر: هَذَا خطأ من وُجُوه، لم يرو على هَذَا، وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ أَنه أَخطَأ فِي إِسْنَاده وَمَتنه جَمِيعًا، حَيْثُ رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَزَاد فِي مَتنه " ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ " وَالْمَحْفُوظ مَا سبق ذكره، وَالْحمل فِيهِ على من دون عِيسَى بن يُونُس، وَرُوِيَ من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَوَاهُ حَاجِب بن سُلَيْمَان عَن وَكِيع عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة " قبل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعض نِسَائِهِ ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ ". قَالَ

(1/256)


الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ حَاجِب عَن وَكِيع وَوهم فِيهِ وَالصَّوَاب عَن وَكِيع بِهَذَا الْإِسْنَاد أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم " وحاجب لم يكن لَهُ كتاب، إِنَّمَا كَانَ يحدث من حفظه ". وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن الْحسن بن دِينَار عَن هِشَام عَن أَبِيه أَن رجلا قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن الرجل يقبل امْرَأَته أيعيد الْوضُوء، فَقَالَت: قد كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يقبل بعض نِسَائِهِ ثمَّ لَا يُعِيد الْوضُوء "، قَالَ فَقلت لَهَا: إِن كَانَ ذَلِك مَا كَانَ إِلَّا مِنْك، قَالَ فَسَكَتَتْ. الْحسن بن دِينَار كَانَ دِينَار روح أمه، وَهُوَ الْحسن بن وَاصل مُنكر الحَدِيث. قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل: الْحسن بن دِينَار: وَهُوَ ابْن وَاصل أَبُو سعيد السليطي التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ تَركه يحيى، وَابْن مهْدي، وَابْن الْمُبَارك، ووكيع، ثمَّ فِيهِ أَن عُرْوَة لم يسمعهُ

(1/257)


من عَائِشَة فَإِن قَالَ أَن رجلا قَالَ: سَأَلت عَائِشَة، وَرُوِيَ عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد حَدثنِي عبد الْملك بن مُحَمَّد عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا. " لَيْسَ فِي الْقبْلَة وضوء عبد الْملك بن مُحَمَّد ضَعِيف، قَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه من صنعاء الشَّام كَانَ مِمَّن يُجيب فِي كل مَا يسْأَل حَتَّى تفرد عَن الثِّقَات بالموضوعات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بروايته، قَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب: الْجوزجَاني: سَأَلت أَبَا مسْهر عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل وَبَقِيَّة فَقَالَ: كل كَانَ يَأْخُذ عَن غير ثِقَة. قَالَ إِبْرَاهِيم: أما أَبُو مُحَمَّد يَعْنِي: بَقِيَّة رَحمَه الله وَغفر لَهُ مَا كَانَ يَأْتِي لَا يُبَالِي إِذا وجد طرفَة عَمَّن يَأْخُذهَا، فَأَما حَدِيثه عَن الثِّقَات فَلَا بَأْس بِهِ وَرُوِيَ عَن

(1/258)


مُحَمَّد بن جَابر عَن هِشَام، قَالَ: الدوري سَمِعت ابْن معِين يَقُول: كَانَ مُحَمَّد بن جَابر أعمى قلت فَإِنَّمَا حَدِيثه كَذَا لِأَنَّهُ أعمى، قَالَ: لَا وَلَكِن عمي وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مُحَمَّد كوفيا وانتقل إِلَى الْيَمَامَة، قلت: أَيُّوب أَخُوهُ كَيفَ كَانَ حَدِيثه؟ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. قلت أَيهمَا كَانَ أمثل؟ قَالَ: لَا وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا. وروى عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْوراق عَن عَاصِم بن عَليّ عَن أبي أويس عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يقبل وَهُوَ صَائِم ثمَّ لَا يتَوَضَّأ " قَالَ عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ: لَا أعلم أحدا حدث بِهِ عَن عَاصِم بن عَليّ هَكَذَا غير عَليّ بن عبد الْعَزِيز، هَذَا وهم من عَليّ بن عبد الْعَزِيز

(1/259)


هَذَا أَو عَاصِم أَو أبي أويس، وَالْمَحْفُوظ عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة فِي الصَّوْم بِغَيْر هَذِه الزِّيَادَة فِي الْوضُوء، كَذَلِك رَوَاهُ مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَيحيى الْقطَّان وَغَيرهم عَن هِشَام بن عُرْوَة. قَالَ ابْن معِين: أَبُو أويس مثل فليح وَفِي حَدِيثه ضعف، أَبُو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس ذكره مُسلم فِي الشواهد وخرجه عَنهُ كَمَا روى عَنهُ وَهُوَ كثير الْوَهم، وَعَاصِم بن عَليّ وَإِن قبله البُخَارِيّ وَحدث عَنهُ فقد غمزه يحيى ورضيه أَحْمد وَالله أعلم. وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن أبي سَلمَة الْجُهَنِيّ عَن عبد الله بن غَالب عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقبل بعض نِسَائِهِ ثمَّ لَا يحدث وضُوءًا قَالَ عَليّ بن عمر: قَوْله عبد الله بن غَالب وهم، وَإِنَّمَا أَرَادَ غَالب بن عبيد الله وَهُوَ مَتْرُوك، وَأَبُو سَلمَة الْجُهَنِيّ، وَهُوَ خَالِد بن

(1/260)


سَلمَة، ضَعِيف وَلَيْسَ بِالَّذِي يروي عَنهُ زَكَرِيَّا ابْن أبي زَائِدَة، وَرُوِيَ عَن عبيد الله بن عَمْرو عَن غَالب عَن عَطاء عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " رُبمَا قبلني النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة وَلَا يتَوَضَّأ " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: غَالب هَذَا هُوَ ابْن عبيد الله الْعقيلِيّ، هُوَ شيخ من أهل الجزيرة قد خلط فِي هَذَا الحَدِيث من وَجْهَيْن: أخبرنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَذكر إِسْنَادًا عَن عمر بن أَيُّوب الْموصِلِي عَن غَالب بن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يقبل وَلَا يُعِيد الْوضُوء " قَالَ أَبُو عبد الله: غَالب بن عبيد الله: سَاقِط الحَدِيث بِإِجْمَاع بَين أهل النَّقْل فِيهِ. قَالَ وَكِيع رَأَيْت غَالب بن عبيد الله يطوف بِالْبَيْتِ فَسَأَلته عَن حَدِيث فَقَالَ: حَدثنَا

(1/261)


سعيد بن الْمسيب وَسليمَان الْأَعْمَش فتركته وَهَذَا لِأَنَّهُمَا لَا يَلْتَقِيَانِ فِي إِسْنَاد. وَقَالَ ابْن معِين أَنه ضَعِيف وَقَالَ البُخَارِيّ: أَنه مُنكر الحَدِيث، وَمن مَنَاكِيره رِوَايَته عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أعْطى مُعَاوِيَة سَهْما فَقَالَ لَهُ: هاك هَذَا يَا مُعَاوِيَة حَتَّى توافيني بِهِ فِي الْجنَّة " وَفِي هَذَا غنية لمن تدبره. وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن سَلمَة بن صَالح الْكُوفِي عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عَطاء عَن عَائِشَة قَالَت: " تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعْنِي ثمَّ مس بعض نِسَائِهِ ثمَّ خرج فصلى لَا يحدث وضُوءًا " قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا تفرد بِهِ سَلمَة بن صَالح بِإِسْنَادِهِ وَلم يُتَابع عَلَيْهِ قَالَ ابْن معِين: سَلمَة الْأَحْمَر لَيْسَ بِشَيْء. وروى ابْن عدي عَن ابْن قُتَيْبَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن

(1/262)


هناد حَدثنَا آدم أَبُو الْحسن ابْن ناهيه أَبُو إِيَاس بن ناهيه حَدثنَا ركن بن عبد الله الشَّامي عَن مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: الرجل يتَوَضَّأ للصَّلَاة ثمَّ يقبل أَهله ويلاعبهما؟ أينقض ذَلِك وضوءه. قَالَ: لَا هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول ركن الشَّامي: تكلمُوا فِيهِ، وَقد رُوِيَ من أوجه أخر مَجْهُولَة عَن عَطاء وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن عَمْرو عَن إِسْمَاعِيل بن يَعْقُوب بن صبيح عَن مُحَمَّد بن

(1/263)


مُوسَى بن أعين عَن أَبِيه عبد الْكَرِيم عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقبل وَلَا يتَوَضَّأ " هَذَا وهم وَالصَّحِيح عَن عبد الْكَرِيم عَن عَطاء من قَوْله وَرُوِيَ عَن الْوَلِيد بن صَالح حَدثنَا عبيد الله بن عَمْرو عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقبل ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ " وَفِي رِوَايَة قَالَت: لَا يمس مَاء. قَالَ عَليّ بن عمر: " يُقَال أَن الْوَلِيد بن صَالح وهم فِي قَوْله عَن عبد الْكَرِيم وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث غَالب. وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن عبد الْكَرِيم عَن عَطاء من قَوْله وَهُوَ الصَّوَاب مُتَّصِل بِالْحَدِيثِ وَالله أعلم. حَدثنَا أَبُو مُبشر

(1/264)


حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان حَدثنَا عبد الرَّحْمَن حَدثنَا سُفْيَان.
عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عَطاء قَالَ: " لَيْسَ فِي الْقبْلَة وضوء وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب " قَالَ عبد الله بن أَحْمد: قلت لأبي لم لَا تكْتب عَن وليد بن صَالح، قَالَ رَأَيْته يُصَلِّي فِي مَسْجِد الْجَامِع يسيء الصَّلَاة. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى فِي الْقبْلَة وضُوءًا، وَقد روينَا عَن عَمْرو بن مَسْعُود وَابْن عمر بِخِلَافِهِ وَقَوْلهمْ يُوَافق ظَاهر الْكتاب فَهُوَ أولى. وَرُوِيَ عَن عَائِشَة قَالَت فقدت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات لَيْلَة، فَالْتمست بيَدي فَوَقَعت يَدي على قَدَمَيْهِ وهما منصوبتان وَهُوَ ساجد وَهُوَ يَقُول " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بمعافاتك من عُقُوبَتك وَأَعُوذ برضاك من سخطك وَأَعُوذ بك مِنْك " رَوَاهُ مُسلم. دون قَوْله وَهُوَ ساجد، وروى عَن حُرَيْث عَن عَامر عَن

(1/265)


مَسْرُوق عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يستدفئ بهَا بعد الْغسْل ". تفرد بِهِ حُرَيْث بن أبي مطر وَهُوَ ضَعِيف. ضعفه ابْن معِين وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وَالَّذِي صَحَّ من الحَدِيث الأول يحْتَمل أَن يكون بَينهمَا حَائِل من ثوب ثمَّ أَنه ورد فِي الملموس وكلامنا وَقع فِي الملامس وَالله أعلم ".

(1/266)


(مَسْأَلَة (20) :)

وَمَسّ الْفرج بِبَطن الْكَفّ ينْقض الْوضُوء وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقضه وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا روى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يَقُول دخلت على مَرْوَان بن الحكم فتذاكرنا مَا يكون مِنْهُ الْوضُوء فَقَالَ مَرْوَان: وَمن لمس للذّكر الْوضُوء قَالَ عُرْوَة: مَا

(1/267)


علمت ذَلِك. قَالَ مَرْوَان: أَخْبَرتنِي بسرة بنت صَفْوَان أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا مس أحدكُم ذكره فَليَتَوَضَّأ " وَرَوَاهُ يحيى بن بكير عَن مَالك وَزَاد " فَليَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة " وروى عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن أبي بكر بِمَعْنَاهُ: وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عُرْوَة عَن بسرة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ " رَوَاهُ عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ: " من مس فرجه فيتوضأ " وَرَوَاهُ الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عُرْوَة عَن

(1/268)


بسرة وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن مَرْوَان عَن بسرة فصح بذلك الطَّرِيق إِلَى عُرْوَة بن الزبير، وَعُرْوَة مِمَّن لَا يشك أحد فِي ثقته ومروان قد احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح، فَروِيَ عَن خَالِد بن مخلد عَن عَليّ بن مسْهر وَعَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة كِلَاهُمَا عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن مَرْوَان عَن عُثْمَان حِين أَصَابَهُ الرعاف وحبسه عَن الْحَج. أخرجه فِي فضل ابْن الزبير، وروى لمروان هَذَا الحَدِيث قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: " ثمَّ نَظرنَا فَوَجَدنَا جمَاعَة من الثِّقَات الْحفاظ رووا هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن مَرْوَان عَن بسرة ثمَّ ذكر فِي روايتهم أَن عُرْوَة قَالَ: ثمَّ لقِيت بعد ذَلِك بسرة فحدثتني بِالْحَدِيثِ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا حَدثنِي مَرْوَان عَنْهَا فَدلَّ ذَلِك على صِحَة الحَدِيث وثبوته على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَزَالَ عَنهُ الْخلاف والشبهة، وَثَبت سَماع عُرْوَة بن بسرة هَذَا كُله كَلَام الْحَاكِم أبي عبد الله أخبرنَا بذلك " قَالَ الْحَاكِم فَمِمَّنْ بَين مَا ذَكرْنَاهُ

(1/269)


من سَماع عُرْوَة من بسرة: شُعَيْب ابْن إِسْحَاق الدِّمَشْقِي، وَذكر حَدِيثه وَمِنْهُم ربيعَة بن عُثْمَان التَّيْمِيّ وَذكر حَدِيثه، وَمِنْهُم الْمُنْذر بن عبد الله الْحزَامِي الْمدنِي وَذكر حَدِيثه، وَمِنْهُم عَنْبَسَة بن عبد الْوَاحِد الْقرشِي وَذكر حَدِيثه، وَمِنْهُم أَبُو الْأسود حميد بن الْأسود الْبَصْرِيّ الثِّقَة الْمَأْمُون وَذكر حَدِيثه قَالَ: أَبُو عبد الله: جِئْنَا الْآن إِلَى من يُعلل هَذَا الحَدِيث الثَّابِت الصَّحِيح. بروايات واهية عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، فَليعلم أَن هَذَا وهم ظَاهر من عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْعمريّ وَيحيى بن أَيُّوب وَمن تابعهما. وَكَذَلِكَ عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن أروى رِوَايَة هِشَام بن زِيَاد أَبُو

(1/270)


الْمِقْدَام وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَهِشَام بن عُرْوَة بن عبد الله بن أبي بكر عَن عُرْوَة رِوَايَة دَاوُد الْعَطَّار، وَهُوَ واهم فِيهِ، وَهِشَام بن عُرْوَة عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عُرْوَة فِيمَا روى من وَجه غير مُعْتَمد عَن هِشَام بن عُرْوَة فَجَمِيع هَذِه الرِّوَايَات واهية والْحَدِيث عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن بسرة ثَابت صَحِيح. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: رَأَيْت أَبَا بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي الْمَنَام فِي مَسْجِد أبي بكر الْمُطَرز وَأَنا أسأله عَن هَذَا الْخلاف على هِشَام فَقَالَ لي: إِن عُرْوَة بن الزبير ذهب إِلَى بسرة بنت صَفْوَان حَتَّى شافهته بِالْحَدِيثِ، وَقد تَابع هِشَام بن عُرْوَة عَن رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ وَغَيره كَمَا تقدم ذكره، وَأما بسرة بنت صَفْوَان فَإِنَّهَا من سيدات قُرَيْش. روى أَبُو عبد الله الْحَافِظ عَن أبي عَليّ الْحَافِظ عَن أبي

(1/271)


عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمُبَارك عَن مَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ قَالَ: قَالَ مَالك بن أنس أَتَدْرُونَ من بسرة بنت صَفْوَان؟ هِيَ جدة عبد الْملك بن مَرْوَان، وروى أَبُو عبد الله عَن أبي عَليّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْمُؤَذّن عَن مُحَمَّد بن عمرَان عَن أَحْمد بن زُهَيْر عَن مُصعب بن عبد الله الزبيرِي قَالَ بسرة بنت صَفْوَان بن نَوْفَل بن أَسد: من المبايعات، وورقة بن نَوْفَل عَمها، وَلَيْسَ

(1/272)


لِصَفْوَان بن نَوْفَل عقب إِلَّا من قبل بسرة. وَهِي زَوْجَة مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة بن الْعَاصِ. قَالَ أَبُو عبد الله: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ عَن بسرة، مِنْهُم عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو، وَسَعِيد بن الْمسيب، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن، وَعبد الله بن أبي مليكَة ومروان بن الحكم، وَسليمَان بن مُوسَى، وَقد روينَا عَن بسرة بنت صَفْوَان عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَمْسَة أَحَادِيث غير هَذَا الحَدِيث، فقد ثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ اشتهار بسرة وارتفع عَنْهَا اسْم الْجَهَالَة بِهَذِهِ الرِّوَايَات، وَقد روينَا إِيجَاب الْوضُوء عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة والصحابيات عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم: عبد الله بن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة،

(1/273)


وَزيد بن خَالِد وَسعد بن أبي وَقاص، وَجَابِر بن عبد الله وَغَيرهم، وَمن النِّسَاء: عَن عَائِشَة وَأم حَبِيبَة، وَأم سَلمَة، وأروى رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ قَالَ الْحَاكِم: فَحَدثني فَذكر إِسْنَادًا عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ " قَالَ الْحَاكِم: " وَهَذَا حَدِيث صَحِيح وَشَاهده الحَدِيث الْمَشْهُور، عَن يزِيد بن عبد الْملك عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، وروى عبد الْعَزِيز بن مِقْلَاص عَن الشَّافِعِي حَدثنَا: عبد الله بن نَافِع عَن يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي عَن أبي مُوسَى الحناط عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أفْضى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى ذكره فَليَتَوَضَّأ "، كَذَا رَوَاهُ عَنهُ،

(1/274)


وَرَوَاهُ الرّبيع وَغَيره، عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَرجل آخر عَن يزِيد بن عبد الْملك عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة فَأَما حَدِيث ابْن عمر فَروِيَ عَن عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن أَيُّوب بن عتبَة عَن يحيى بن أبي كثير عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر حَدِيثا مَعْنَاهُ " أَنه تَوَضَّأ من مَسّه " وَعبد الله بن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ هَذَا ضَعِيف وَأَيوب بن عتبَة وروى ابْن عدي عَن ابْن صاعد حَدثنَا عُثْمَان بن معبد بن نوح حَدثنَا إِسْحَاق الْفَروِي حَدثنَا عبد الله بن عمر

(1/275)


الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ ". قَالَ ابْن عدي هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد مُنكر وروى حَفْص بن عمر عَن مَالك بن أنس عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ " يتَوَضَّأ من مس الذّكر " وَيذكر أَن بسرة أخْبرته أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يتَوَضَّأ من مس الذّكر "، قَالَ أَبُو عبد الله تفرد بِهِ حَفْص بن عمر الْعَدنِي الملقب بفرخ، عَن مَالك بن أنس، وَقد روى الزَّعْفَرَانِي عَن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم أَنه قَالَ: أخبرنَا مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: سمع ابْن عمر

(1/276)


بسرة تحدث بحديثها عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مس الذّكر فَلم يدع الْوضُوء مِنْهُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: وَأخْبرنَا مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن عبد الْوَاحِد بن قيس عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا مس أحدكُم ذكره فَليَتَوَضَّأ " وَهَذَا مُرْسل عَن ابْن عمر وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن أبي بكر بن أبي الْعَوام الريَاحي حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبان عَن الثَّوْريّ عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ " قَالَ أَبُو عبد الله: تفرد بِهِ أَبُو بكر بن أبي الْعَوام عَن عبد الْعَزِيز. وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن الْعَلَاء بن سُلَيْمَان الرقي حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من مس فرجه فليعد الْوضُوء " وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف وَالْحمل فِيهِ على الْعَلَاء بن سُلَيْمَان كَمَا أَظن، وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن

(1/277)


ابْن لَهِيعَة عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ وَابْن لَهِيعَة لَا يحْتَج بِهِ وَأما حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن زيد بن خَالِد قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ " قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لم أعلم لِابْنِ إِسْحَاق إِلَّا حديثين منكرين: نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا نعس أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة ". وَالزهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن زيد بن خَالِد " إِذا مس أحدكُم فرجه " وروى ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عُرْوَة عَن بسرة وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَوَاهُ إِسْحَاق الْحَنْظَلِي عَن مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي عَن ابْن جريج. قَالَ

(1/278)


حَدثنِي الزُّهْرِيّ فَذكره، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَرَوَاهُ أَحْمد بن هَارُون المصِّيصِي حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من مَسّه فرجه فَليَتَوَضَّأ " أَخطَأ فِيهِ هَذَا المصِّيصِي حَيْثُ قَالَ: عَن عَائِشَة وَإِنَّمَا هُوَ عَن بسرة، وروى عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عُرْوَة وَلم أسمع ذَلِك مِنْهُ أَنه كَانَ يحدث عَن بسرة أَو زيد بن خَالِد وَفِي رِوَايَة عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن عُرْوَة، وَلم يسمع ذَلِك مِنْهُ يَعْنِي الزُّهْرِيّ أَنه كَانَ يحدث عَن بسرة، أَو زيد بن خَالِد، وَرِوَايَته فِي مُسْند إِسْحَاق الْحَنْظَلِي بِلَا شكّ وَهَؤُلَاء رَوَوْهُ بِالشَّكِّ وَالله أعلم.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَروِيَ عَن الضَّحَّاك بن حَجْوَةَ أبي عبد الله حَدثنَا الْهَيْثَم ... ... ... ... ...

(1/279)


حَدثنَا أَبُو هِلَال الرَّاسِبِي عَن ابْن بُرَيْدَة عَن يحيى بن يعمر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ "، وَالضَّحَّاك بن حَجْوَةَ مُنكر الحَدِيث، وَأما حَدِيث جَابر فروى الشَّافِعِي أخبرنَا عبد الله بن نَافِع وَابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب عَن عقبَة بن عبد الرَّحْمَن عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أفْضى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى ذكره فَليَتَوَضَّأ " وَزَاد ابْن نَافِع عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن

(1/280)


جَابر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَسمعت غير وَاحِد من الْحفاظ يرويهِ لَا يذكرُونَ فِيهِ جَابِرا، وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب فَروِيَ عَن ابْن أبي فَرْوَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله الْقَارِي عَن خَالِد بن زيد عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ " وَهَذَا غير مَحْفُوظ بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَأما حَدِيث عَائِشَة فَروِيَ عَن المُهَاجر بن عِكْرِمَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أعَاد الْوضُوء فِي مجْلِس فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ إِنِّي حككت ذكري "، وَقد قيل عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة

(1/281)


قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ ". وَرُوِيَ عَن يحيى بن أبي كثير، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فمس ذكره فَليَتَوَضَّأ " وَرَوَاهُ معَاذ بن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن يحيى بن أبي كثير حَدثنِي: رجل فِي مَسْجِد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا مس أحدكُم ذكره فَليَتَوَضَّأ ". وَأما حَدِيث أم حَبِيبَة فَروِيَ عَن أبي مسْهر حَدثنَا الْهَيْثَم بن حميد حَدثنَا الْعَلَاء بن الْحَارِث عَن مَكْحُول عَن عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان عَن أم حَبِيبَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ " قَالَ أَبُو عبد الله

(1/282)


الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث حدث بِهِ أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن معِين وأئمة الحَدِيث عَن أبي مسْهر، وَكَانَ يحيى بن معِين يثبت سَماع مَكْحُول من عَنْبَسَة فَإِذا ثَبت سَمَاعه مِنْهُ فَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب، قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث أم حَبِيبَة، فَاسْتَحْسَنَهُ، ورأيته كَانَ يعده مَحْفُوظًا، وَقد روى فِي سَماع مَكْحُول من عَنْبَسَة، عَن يحيى بن حَمْزَة عَن النُّعْمَان عَن مَكْحُول قَالَ أَخْبرنِي عَنْبَسَة فِي حَدِيث التَّطَوُّع فِي الصَّلَاة، إِلَّا أَن سُلَيْمَان بن مُوسَى زَاد فِيهِ عَن

(1/283)


مَكْحُول عَن مولى عَنْبَسَة، وَعلل البُخَارِيّ حَدِيث مس الذّكر فِي آخر، وَهُوَ أَن النُّعْمَان بن الْمُنْذر قَالَ عَن مَكْحُول عَن ابْن عمر مُرْسل، " كَانَ يتَوَضَّأ من مس الذّكر ". وَأما حَدِيث أروى فَروِيَ عَن هِشَام أبي الْمِقْدَام عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أروى بنت أنيس قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ " هَذَا خطأ وَالصَّحِيح رِوَايَة الْجَمَاعَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن بسرة، وَقد صحت الرِّوَايَة عَن سعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن عمر وَعَائِشَة أَنهم كَانُوا يوجبون الْوضُوء من مس الذّكر، وَرُوِيَ عَن عمر وَابْن عَبَّاس وَرُوِيَ عَن أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سَبْعَة لَا ينظر الله عز وَجل إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَا يجمعهُمْ مَعَ الْعَالمين، يدخلهم النَّار مَعَ الداخلين إِلَّا أَن يتوبوا فَمن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ: الناكح يَده، وَالْفَاعِل، وَالْمَفْعُول بِهِ، ومدمن الْخمر، والضارب أَبَوَيْهِ حَتَّى يستغيثا، والمؤذي جِيرَانه حَتَّى يلعنوه، والناكح حَلِيلَة جَاره " وَرُبمَا

(1/284)


اسْتدلَّ أَصْحَابهم بِالْحَدِيثِ الَّذِي يرْوى عَن قيس بن طلق " أَن طلقا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الرجل يمس ذكره وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَقَالَ: لَا بَأْس إِنَّمَا هُوَ كبعض جسدك "، وَرُوِيَ من أوجه قريب من مَعْنَاهُ عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقيس بن طلق لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم، غمزه يحيى بن معِين بَين يَدي أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ لَا يحْتَج بحَديثه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر هَذَا، فَقَالَا: قيس بن طلق لَيْسَ مِمَّن تقوم بِهِ حجَّة، ووهناه وَلم

(1/285)


يثبتاه، ثمَّ رُوَاته عَن قيس بن طلق عِكْرِمَة بن عمار وَمُحَمّد بن جَابر، وَأَيوب بن عتبَة، وَعبد الله بن بدر، من رِوَايَة ملازم بن عَمْرو الْحَنَفِيّ، عَنهُ، وَعِكْرِمَة بن عمار، مِمَّن اخْتلفُوا فِي عَدَالَته فاستشهد بِهِ مُسلم فِي الصَّحِيح وَلم يحْتَج بِهِ، وَأما البُخَارِيّ فقد رده أصلا وَطعن فِيهِ وَقَالَ: لم يكن عِنْده كتاب فاضطرب، فِي حَدِيثه وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: سَأَلت يحيى بن سعيد عَن أَحَادِيث عِكْرِمَة بن عمار عَن يحيى بن أبي كثير فضعفها وَقَالَ: لَيست بصحاح. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد قلت لأبي: هَذَا من يحيى أَو من عِكْرِمَة؟ فَقَالَ: لَا بل من عِكْرِمَة وَقَالَ أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول: عِكْرِمَة بن عمار مُنكر الحَدِيث، ثمَّ حَدِيث عِكْرِمَة مُنْقَطع، لِأَنَّهُ قَالَ عَن قيس بن طلق أَن طلقا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقيس

(1/286)


لم يشْهد سُؤال طلق، وَأما مُحَمَّد بن جَابر فقد ذكرنَا شَأْنه فِي مَسْأَلَة اللَّمْس، وَحَدِيثه قَالَ فِيهِ عَن قيس بن طلق عَن أَبِيه أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو سَأَلَهُ رجل فَقَالَ: " بَينا أَنا فِي الصَّلَاة إِذْ ذهبت أحك فَخذي فأصابت يَدي ذكري فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مِنْك " وَهَذَا إِن صَحَّ فَالظَّاهِر أَن إِصَابَة يَده ذكره إِنَّمَا كَانَت بِظهْر الْكَفّ فَإِن حك الْفَخْذ إِنَّمَا يكون بِبَطن الأنامل والأظافير، وأنما يَلِي ذكره حِينَئِذٍ ظهر كَفه وَقَالَ فِي الصَّلَاة، وَالْغَالِب أَن فِي الصَّلَاة لَا يحك الْإِنْسَان فَخذه إِلَّا وَرَاء ثَوْبه وَالله أعلم وَمُحَمّد بن جَابر ضَعِيف، وَأما حَدِيث عبد الله بن بدر فَرَوَاهُ ملازم بن عَمْرو الْحَنَفِيّ، عَن عبد الله بن بدر، عَن قيس بن طلق عَن أَبِيه قَالَ قدمنَا على نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجَاء رجل كَأَنَّهُ بدوي فَقَالَ يَا نَبِي الله: مَا ترى من مس الرجل ذكره بعد مَا يتَوَضَّأ؟

(1/287)


فَقَالَ وَهل هُوَ إِلَّا مُضْغَة مِنْهُ أَو بضعَة مِنْهُ "، عبد الله بن بدر ثِقَة، وَأما ملازم فَإِنَّهُ شيخ يماني لم أسمع ذكره أحد بِجرح، إِلَّا أَن أَبَا بكر بن إِسْحَاق بن أَيُّوب الصبغي الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ: ملازم فِيهِ نظر وَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي الصَّحِيح وَالله أعلم. ثمَّ إِن طلقا قدم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أول مقدمه الْمَدِينَة حِين كَانَ يَبْنِي مَسْجده، كَذَلِك رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن جَابر، فَذكر قدومه عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِد، وسؤاله عَن ذَلِك وَقد روينَا عَن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ من آخِرهم إسلاما عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي الْوضُوء من مس الْفرج "، رُوِيَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: صَحِبت

(1/288)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاث سِنِين، فَصَارَ حَدِيث طلق مَنْسُوخا. وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن الْفضل بن مُخْتَار عَن الصَّلْت بن دِينَار عَن أبي عمر النَّهْدِيّ عَن عمر بن الْخطاب وَعَن فضل عَن عبيد الله بن موهب عَن عصمَة بن مَالك الخطمي وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي احتككت فأصابت يَدي فَرجي فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَأَنا أفعل ذَلِك " الصَّلْت بن دِينَار أَو شُعَيْب الْمَجْنُون ضَعِيف كَانَ مِمَّن يشْتم أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ كَثْرَة الْمَنَاكِير فِي حَدِيثه، تَركه أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين، وَقَالَ شُعْبَة إِذا حَدثكُمْ الثَّوْريّ عَن رجل لَا تعرفونه فَلَا تقبلُوا مِنْهُ، فَإِنَّمَا يُحَدثكُمْ عَن مثل أبي

(1/289)


شُعَيْب الْمَجْنُون، الصَّلْت بن دِينَار وَالْفضل بن مُخْتَار لَيْسَ يحْتَج بحَديثه، وَكَذَلِكَ عبيد الله بن موهب عَن عصمَة بن مَالك روى عَن جَعْفَر بن الزبير عَن الْقَاسِم مولى يزِيد بن مُعَاوِيَة عَن أبي أُمَامَة: أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن مس الذّكر فِي الصَّلَاة فَقَالَ: " هُوَ مِنْك " إِسْنَاده ضَعِيف، جَعْفَر بن الزبير لَا يحْتَج بحَديثه. وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن عَائِشَة مَرْفُوعا " مَا أُبَالِي إِيَّاه مسست أَو أنفي " فمنكر وَقد روينَا عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بخلافة، وروى عَن حَاتِم بن سليط عَن رجل من بني حنيفَة " أَنه جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: إِنِّي رُبمَا وَقعت يَدي على فَرجي وَأَنا أُصَلِّي "، فَقَالَ: وَأَنا رُبمَا كَانَ ذَلِك مني ". وَهَذَا مُنْقَطع ويروى عَن عَليّ وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَحُذَيْفَة وعمار رَضِي الله عَنْهُم أَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ

(1/290)


من مس الذّكر الْوضُوء. وَأما حَدِيث عَليّ فيرويه عَنهُ الْحَارِث الْأَعْوَر وَكَانَ ضَعِيفا لَا يحْتَج بحَديثه. قَالَ الشّعبِيّ: الْحَارِث الْأَعْوَر من أحد الْكَذَّابين وجرحه أشهر من أَن نشتغل بِهِ، وَسَيَأْتِي مِنْهُ فِي بَابه مَا تيَسّر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَحَدِيث ابْن مَسْعُود يرويهِ أَبُو قيس عبد الرَّحْمَن بن ثروان الأودي وَهُوَ وَإِن قبله البُخَارِيّ، فقد رده أَحْمد بن حَنْبَل وَقَالَ: لَا يحْتَج بحَديثه وَتَابعه على ذَلِك جمَاعَة وَالْجرْح مقدم على التَّعْدِيل إِذا اجْتمعَا، وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَإِنَّمَا يرويهِ قَابُوس بن أبي ظبْيَان عَن أبي ظبْيَان، وقابوس لَا يحْتَج

(1/291)


بحَديثه، وَرُوِيَ أَيْضا عَن شُعْبَة مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، وَشعْبَة لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَأما حَدِيث حُذَيْفَة فَروِيَ عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا مُخْتَلف فِيهِ، وَالْآخر عَن سدوس، رجل من سدوس عَن الْبَراء بن قيس عَن حُذَيْفَة، وَرُوِيَ حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن مُحَمَّد بن يُونُس الْكُدَيْمِي حَدثنَا روح شُعْبَة عَن

(1/292)


إِسْمَاعِيل بن قيس بن أبي حَازِم كَذَا رَوَاهُ وَأما الْمَحْفُوظ بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيث سعد. وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَلْقَمَة قَالَ: سُئِلَ عبد الله بن مَسْعُود وَأَنا أسمع عَن مس ذكره فَقَالَ: هَل هُوَ إِلَّا " كطرف أَنْفك ". وَابْن المُهَاجر. لَيْسَ بِذَاكَ وَهُوَ وَإِن قبله مُسلم فقد رده غَيره، قَالَ ابْن معِين: أَنه ضَعِيف وَإِسْمَاعِيل ابْنه ضَعِيف. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله قلت لأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ: فإبراهيم بن المُهَاجر فَقَالَ ضَعَّفُوهُ تكلم فِيهِ يحيى الْقطَّان وَغَيره، قلت: بِحجَّة، قَالَ: حدث

(1/293)


بِأَحَادِيث لم يُتَابع عَلَيْهَا، وَقد غمزه شُعْبَة أَيْضا، وَأما حَدِيث ابْن عمر فَروِيَ عَن أبي يحيى القَتَّات عَن مُجَاهِد، وَأَبُو يحيى لَيْسَ بِذَاكَ وَهَذَا خطأ فقد روى مَالك الإِمَام عَن نَافِع عَن سَالم قَالَ: " كنت مَعَ عبد الله بن عمر فِي سفر فرأيته بعد أَن طلعت الشَّمْس تَوَضَّأ ثمَّ صلى فَقلت لَهُ: إِن هَذِه صَلَاة مَا كنت تصليها. فَقَالَ إِنِّي بعد أَن تَوَضَّأت لصَلَاة الصُّبْح مسست ذكري ثمَّ نسيت أَن أتوضأ فَتَوَضَّأت ثمَّ أعدت صَلَاتي "، عَن ابْن شهَاب عَن سَالم أَنه قَالَ: " رَأَيْت عبد الله بن عمر يغْتَسل ثمَّ يتَوَضَّأ. قَالَ: قلت لَهُ: يَا أَبَت مَا يجزئك الْغسْل من الْوضُوء قَالَ: بلَى. وَلَكِنِّي أَحْيَانًا أمس ذكري فأتوضأ " وَأما حَدِيث عمار رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله الجراحي الْعدْل الْحَافِظ حَدثنَا عبد الله يحيى القَاضِي حَدثنَا رَجَاء بن مرجى الْحَافِظ قَالَ: اجْتَمَعنَا فِي مَسْجِد الْخيف أَنا وَأحمد بن حَنْبَل، وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَيحيى بن معِين، فَتَنَاظَرُوا فِي مس الذّكر فَقَالَ يحيى: ابْن معِين:

(1/294)


يتَوَضَّأ مِنْهُ، ويقلد عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَول الْكُوفِيّين، وَقَالَ بِهِ وَاحْتج يحيى بن معِين بِحَدِيث بسرة، وَاحْتج عَليّ بن الْمَدِينِيّ بِحَدِيث قيس بن طلق. وَقَالَ: ليحيى كَيفَ فتقلد إِسْنَاد بسرة ومروان أرسل شرطيا حَتَّى رد جوابها إِلَيْهِ فَقَالَ يحيى: ثمَّ لم يقنع ذَلِك عُرْوَة حَتَّى أَتَى بسرة فَسَأَلَهَا وشافهته بِالْحَدِيثِ. ثمَّ قَالَ يحيى: وَلَقَد أَكثر النَّاس فِي حَدِيث قيس بن طلق وَأَنه لَا يحْتَج بحَديثه. فَقَالَ أَحْمد: كلا الْأَمريْنِ على مَا قلتما مَا قَالَ يحيى: مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر يتَوَضَّأ من مس الذّكر، فَقَالَ عَليّ: كَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول " لَا يتَوَضَّأ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ بضعَة من جسدك " فَقَالَ يحيى: هَذَا عَن من. فَقَالَ عَن سُفْيَان عَن أبي قيس عَن هُذَيْل عَن عبد الله، وَإِذا اجْتمع ابْن مَسْعُود وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَاخْتلفَا فَابْن مَسْعُود أولى أَن يتبع فَقَالَ لَهُ أَحْمد: نعم. وَلَكِن أَبُو قيس الأودي لَا يحْتَج بحَديثه، فَقَالَ عَليّ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا مسعر عَن عُمَيْر بن سعيد عَن عمار

(1/295)


فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَسسْته أَو أنفي "، فَقَالَ يحيى: بَين عُمَيْر بن سعيد وعمار بن يَاسر مفازة. وروى الدَّارَقُطْنِيّ: عَن مُحَمَّد بن الْحسن النقاش عَن عبد الله بن يحيى بعض معنى هَذِه الْحِكَايَة وَقَالَ فِي آخِره فِي حَدِيث عُمَيْر بن سعيد عَن عمار فَقَالَ أَحْمد عمار وَابْن عمر اسْتَويَا فَمن شَاءَ أَخذ بِهَذَا وَمن شَاءَ أَخذ بِهَذَا. لم يستويا فِي جَوَاز الْأَخْذ بقول أَحدهمَا، بل الْأَخْذ بقول من أوجب مِنْهُ الْوضُوء أولى، لِأَن الَّذين قَالُوا من الصَّحَابَة لَا وضوء فِيهِ إِنَّمَا قَالَه بِالرَّأْيِ وَالَّذين أوجبوا مِنْهُ الْوضُوء: لم يقولوه بِالرَّأْيِ، إِنَّمَا قَالُوهُ بالاتباع لِأَن الرَّأْي لَا يُوجِبهُ وَهَذَا معنى قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بالترجيح، وَرُوِيَ عَن ابْن عبد الحكم قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول: لَيْسَ يثبت عَن أحد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه ترك الْوضُوء من مس الذّكر، كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَأما فِي الْقَدِيم فِي رِوَايَة

(1/296)


الزَّعْفَرَانِي فَإِنَّهُ أجَاب عَنهُ فَقَالَ: من قَالَ مِنْهُم لَا وضوء فِيهِ فَإِنَّمَا قَالَه بِالرَّأْيِ إِذْ لم يسمع عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خِلَافه، وَأما من أوجب الْوضُوء فِيهِ فَلَا يكون يُوجِبهُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُوجِبهُ بالاتباع، لِأَن الَّذِي يعرف فِي الرَّأْي لَا وضوء فِيهِ وَلَكِن إِنَّمَا اتَّبعنَا فِيهِ السّنة وَالله أعلم.

(1/297)


(مَسْأَلَة (21) :)

والقيء والرعاف وَالدَّم الْخَارِج من غير مخرج الْحَدث لَا ينْقض الْوضُوء - قَالَ أَبُو حنيفَة ينْقضه. احْتج بعض أَصْحَابنَا من طَرِيق الْخَبَر بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح " هَذَا حَدِيث ثَابت. اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاج مَعْنَاهُ من حَدِيث عبد الله بن زيد وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث سُهَيْل كَمَا سبق فِي مَسْأَلَة خُرُوج الرّيح من الْقبل، وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن صَدَقَة بن يسَار عَن ابْن جَابر وَهُوَ عقيل بن جَابر سَمَّاهُ سَلمَة الأبرش عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " خرجنَا مَعَ

(1/298)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَة ذَات الرّقاع من نخل فَأصَاب رجل من الْمُسلمين امْرَأَة رجل من الْمُشْركين فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَافِلًا أَتَى زَوجهَا وَكَانَ غَائِبا، فَلَمَّا أخبر الْخَبَر حلف لَا يَنْتَهِي حَتَّى يهريق فِي أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَمًا فَخرج يتبع أثر رَسُول الله فَنزل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منزلا فَقَالَ من رجل يكلؤنا ليلتنا هَذِه؟ فَانْتدبَ رجل من الْمُهَاجِرين وَرجل من الْأَنْصَار، فَقَالَا: نَحن يَا رَسُول الله، قَالَ: فكونا بِفَم الشّعب قَالَ: وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه قد نزلُوا إِلَى الشّعب من الْوَادي فَلَمَّا أَن خرج الرّجلَانِ إِلَى فَم الشّعب، قَالَ الْأنْصَارِيّ للمهاجري: أَي اللَّيْل أحب إِلَيْك أَن أكفيك أَوله أَو آخِره؟ . قَالَ بل اكْفِنِي أَوله، قَالَ: فاضطجع الْمُهَاجِرِي فَنَامَ. وَقَامَ الْأنْصَارِيّ يُصَلِّي وأتى زوج الْمَرْأَة، فَلَمَّا رأى شخص الرجل عرف أَنه ربيئة الْقَوْم، فَرَمَاهُ بِسَهْم فَوَضعه فِيهِ، فَنَزَعَهُ فَوَضعه وَثَبت قَائِما يُصَلِّي ثمَّ رَمَاه بِسَهْم آخر، فَوَضعه فِيهِ، فَنَزَعَهُ، فَوَضعه وَثَبت قَائِما يُصَلِّي ثمَّ عَاد لَهُ الثَّالِثَة، فَوَضعه فِيهِ فَنَزَعَهُ، فَوَضعه ثمَّ ركع فَسجدَ ثمَّ

(1/299)


أهب صَاحبه فَقَالَ اجْلِسْ: فقد أثبت فَوَثَبَ؟ فَلَمَّا رآهما الرجل عرف أَنه نذر بِهِ فهرب، فَلَمَّا رأى الْمُهَاجِرِي مَا بِالْأَنْصَارِيِّ من الدِّمَاء قَالَ: سُبْحَانَ الله؟ أَفلا أهببتني أول مَا رماك؟ قَالَ: كنت فِي سُورَة أقرأها فَلم أحب أَن أقطعها حَتَّى أنفذها فَلَمَّا تَابع عَليّ الرَّمْي ركعت فأذنتك وأيم الله لَوْلَا أَن أضيع ثغرا أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بحفظه لقطع نَفسِي قبل أَن أقطعها أَو أنفذها " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَقد احْتج مُسلم بِأَحَادِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَأَما عقيل بن جَابر الْأنْصَارِيّ فَإِنَّهُ أحسن حَالا من أَخَوَيْهِ مُحَمَّد وَعبد الرَّحْمَن، وَرُوِيَ عَن وهب بن جرير عَن أَبِيه عَن ابْن إِسْحَاق عَن صَدَقَة عَن عقيل بن جَابر عَن جَابر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه، وَرُوِيَ عَن أنس صَرِيحًا إِن صَحَّ الطَّرِيق فِيهِ إِلَى

(1/300)


حميد " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احْتجم فصلى وَلم يتَوَضَّأ وَلم يزدْ على غسل محاجمه " فِي إِسْنَاده صَالح بن مقَاتل قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: " سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَن صَالح بن مقَاتل بن صَالح فَقَالَ: " يحدث عَن أَبِيه لَيْسَ بِالْقَوِيّ ". وَاحْتج الشَّافِعِي رَحمَه الله بِأَن ابْن عمر عصر بثرة بِوَجْهِهِ فَخرج مِنْهَا دم فدلكه بَين أصبعيه ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يغسل يَده " وَعَن ابْن عَبَّاس " أغسل أثر المحاجم عَنْك وحسبك " وَعَن ابْن الْمسيب " رعف فَمسح أَنفه بصوفة ثمَّ صلى "، وَعَن الْقَاسِم: " لَيْسَ على المحتجم وضوء " وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن الْحسن وَالزهْرِيّ

(1/301)


وَرَبِيعَة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَسَالم بن عبد الله وَطَاوُس، وَرُوِيَ فِيهَا أَيْضا: عَن ابْن مَسْعُود وَاسْتدلَّ أَصْحَابهم بِأَحَادِيث سقيمة رويت بأسانيد واهية، فَمِنْهَا مَا روى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من رعف أَو قاء فَإِنَّهُ يتَوَضَّأ وَيَبْنِي مَا لم يتَكَلَّم " هَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَهُوَ مِمَّن لَا تقوم بِهِ حجَّة عَن ابْن جريج وَرَوَاهُ أَيْضا: مرّة عَن ابْن جريج عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحْو رِوَايَة الْجَمَاعَة وَمرَّة عَن ابْن جريج عَن أَبِيه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ

(1/302)


وهم وَرَوَاهُ أَيْضا عَن عباد بن كثير عَن عَطاء بن عجلَان عَن ابْن أبي مليكَة وَهُوَ عباد؟ وَعَطَاء بن عجلَان ضعفاء وَتَابعه سُلَيْمَان بن أَرقم عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة وَسليمَان مَتْرُوك الحَدِيث، وَقد ذكرت فِي إِسْمَاعِيل مَا قَالَ أَئِمَّتنَا فِي مَسْأَلَة مسح الْأُذُنَيْنِ بِمَاء جَدِيد، وَأما سُلَيْمَان بن أَرقم فَهُوَ شَرّ مِنْهُ بِكَثِير. قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ: كُنَّا وَنحن وشباب ننهي عَن مُجَالَسَته، وَذكر مِنْهُ أمرا عَظِيما، وَقَالَ ابْن معِين: سُلَيْمَان بن أَرقم: أَبُو معَاذ لَيْسَ يسوى فلسًا وَقَالَ البُخَارِيّ: أَبُو معَاذ: تَرَكُوهُ وَقَالَ الْجوزجَاني: سَاقِط، وَأما عباد بن كثير وَعَطَاء بن عجلَان، فَإِنَّهُمَا أَيْضا ضعيفان قَالَ الدوري: سُئِلَ يحيى بن عَطاء بن عجلَان الَّذِي

(1/303)


يروي عَنهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فَقَالَ: " لم يكن بِشَيْء، وَكَانَ يوضع لَهُ الحَدِيث حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل مُعَاوِيَة وَغَيره فَيحدث بهَا "، وَسمعت يحيى يَقُول: " عباد بن كثير: ضَعِيف " وَقَالَ الدَّارمِيّ: سَأَلت يحيى بن معِين عَن عباد بن كثير الرَّمْلِيّ فَقَالَ: " ثِقَة، وَعباد بن كثير الَّذِي كَانَ ينزل مَكَّة: لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث، وَكَانَ رجلا صَالحا " وَقَالَ البُخَارِيّ: عباد بن كثير الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ ينزل مَكَّة تَرَكُوهُ. وَقَالَ عَطاء بن عجلَان الْبَصْرِيّ الْعَطَّار نسبه عبد الْوَارِث مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ الْجوزجَاني: " عباد ابْن كثير لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يذكرهُ فِي الْعلم حَسبك عَنهُ بِحَدِيث النَّهْي وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَطاء بن عجلَان كَذَّاب فَهَذَا جملَة مَا انْتهى إِلَيْنَا من حَال رُوَاة هَذَا الْخَبَر وَالصَّوَاب عَن ابْن جريج عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا، كَذَلِك رَوَاهُ أَصْحَاب ابْن جريج الْحفاظ عَنهُ روى أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ:

(1/304)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا قاء أحدكُم أَو قلس أَو وجد مذيا وَهُوَ فِي الصَّلَاة فلينصرف، وليتوضأ وليرجع فليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم ".
قَالَ عَليّ بن عمر: قَالَ لنا أَبُو بكر: سَمِعت مُحَمَّد بن يحيى يَقُول: هَذَا هُوَ الصَّحِيح. عَن ابْن جريج وَهُوَ مُرْسل، وَأما حَدِيث ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا الَّذِي يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فَلَيْسَ بِشَيْء، وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن عَمْرو الْقرشِي عَن أبي هَاشم عَن زَاذَان عَن سلمَان قَالَ رَآنِي

(1/305)


النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد سَالَ من أنفي دم، فَقَالَ أحدث وضُوءًا أحدث وضُوءًا " قَالَ عَليّ بن عمر: عَمْرو الْقرشِي هَذَا هُوَ عَمْرو بن خَالِد أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين: أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ كَذَّاب وَرُوِيَ عَن جَعْفَر بن زِيَاد الْأَحْمَر عَن أبي خَالِد عَن أبي هَاشم بقريب من مَعْنَاهُ. وَفِي رِوَايَة لم يذكر أَبَا خَالِد وحيوة، وجعفر وَأَبُو خَالِد كِلَاهُمَا ضَعِيف لَا يَصح الِاحْتِجَاج بخبرهما وَالله أعلم. قَالَ الْجوزجَاني: جَعْفَر الْأَحْمَر مائل عَن الطَّرِيق وَكَذَلِكَ سَلمَة الْأَحْمَر. وَقَالَ الدَّارمِيّ: سُئِلَ يحيى بن معِين عَن جَعْفَر الْأَحْمَر فَقَالَ بِيَدِهِ: لم يُثبتهُ وَلم يُضعفهُ أَو مِنْهَا

(1/306)


مَا رُوِيَ عَن أبي بكر الداهري عَن حجاج عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من رعف فِي صلَاته فَليرْجع فَليَتَوَضَّأ وليبن على صلَاته ". قَالَ عَليّ بن عمر: أَبُو بكر الداهري عبد الله بن حَكِيم مَتْرُوك وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ الْجوزجَاني: كَذَّاب مُصَرح وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن بَقِيَّة حَدثنَا يزِيد بن خَالِد عَن يزِيد بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بن عبد الْعَزِيز قَالَ:
قَالَ: تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوضُوء من كل دم سَائل " قَالَ عَليّ بن عمر: عمر بن عبد الْعَزِيز لم يسمع من تَمِيم

(1/307)


الدَّارِيّ وَلَا رَآهُ، وَيزِيد بن خَالِد وَيزِيد بن مُحَمَّد مَجْهُولَانِ، وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا رعف أحدكُم فِي صلَاته فلينصرف فليغسل الدَّم ثمَّ ليعد وضوءه وَيسْتَقْبل صلَاته ". وَسليمَان بن أَرقم ضَعِيف قد مضى ذكر حَاله وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عمر بن رَبَاح الْبَصْرِيّ حَدثنَا عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِذا رعف فِي صلَاته تَوَضَّأ ثمَّ بنى على مَا بَقِي صلَاته ". قَالَ عَليّ بن عمر: عمر بن رَبَاح مَتْرُوك. وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن الْفضل عَن أَبِيه عَن مَيْمُون عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " لَيْسَ فِي القطرة وَلَا القطرتين من الدَّم وضوء إِلَّا أَن يكون دَمًا سَائِلًا " قَالَ ابْن معِين: كَانَ مُحَمَّد بن الْفضل كذابا وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مَسْأَلَة مسح الْأُذُنَيْنِ وروى عَن سهل بن عَفَّان

(1/308)


السجْزِي حَدثنَا الْجَارُود بن يزِيد عَن ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " يُعَاد الْوضُوء من سَبْعَة من أقطار الْبَوْل، وَالدَّم السَّائِل والقيء وَمن دسعة يمْلَأ بهَا الْفَم، ونوم المضطجع، وقهقهة الرجل فِي الصَّلَاة وَمن خُرُوج الدَّم " سهل بن عَفَّان مَجْهُول، والجارود بن يزِيد ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَلَا يَصح هَذَا وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن عبد الْوَهَّاب بن عَطاء. حَدثنَا هِشَام الدستوَائي عَن يعِيش بن الْوَلِيد عَن ابْن معدان عَن أبي الدَّرْدَاء " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قاء فَأفْطر. قَالَ: فَلَقِيت

(1/309)


ثَوْبَان فِي مَسْجِد دمشق فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: نعم أَنا صببت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وضوءه "، وَرُوِيَ عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث حَدثنَا أبي عَن حُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم عَن يحيى بن أبي كثير حَدثنِي الْأَوْزَاعِيّ عَن يعِيش بن الْوَلِيد بن هِشَام عَن أَبِيه حَدثنِي معدان بن أبي طَلْحَة عَن أبي الدَّرْدَاء بِمَعْنَاهُ، وَهَذَا إِسْنَاد مُضْطَرب رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب عَن هِشَام كَمَا ذكرنَا وَرَوَاهُ عبد الصَّمد

(1/310)


عَن هِشَام عَن يحيى عَن رجل عَن يعِيش عَن الْوَلِيد بن هِشَام عَن ابْن معدان، وَقَالَ عبد الصَّمد عَن أَبِيه كَمَا ذكرنَا وَقَالَ مرّة عَن معدان بن طَلْحَة، وَكَذَا قَالَ أَبُو معمر عَن عبد الْوَارِث، وَقَالَ جرير عَن يحيى عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يعِيش عَن معدان وَقَالَ مرّة عَن يعِيش عَن أَبِيه عَن معدان. وَقَالَ شَيبَان عَن يحيى حدث الْوَلِيد بن هِشَام عَن معدان وَقَالَ معمر عَن يحيى بن أبي كثير عَن يعِيش عَن خَالِد بن معدان عَن أبي الدَّرْدَاء أَو كَذَلِك قَالَ: يزِيد بن زُرَيْع عَن هِشَام عَن يحيى عَن يعِيش عَن خَالِد بن معدان عَن أبي الدَّرْدَاء ويعيش قد تكلم فِيهِ بعض الْعلمَاء وَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي الصَّحِيح وبمثل هَذَا لَا تقوم الْحجَّة وَرُبمَا

(1/311)


يقابلهم بعض أَصْحَابنَا بِحَدِيث مُنكر يرْوى عَن ثَوْبَان فِيهِ: " فَقلت يَا رَسُول الله أفريضة الْوضُوء من الْقَيْء؟ قَالَ لَو كَانَ فَرِيضَة لوجدته فِي الْقُرْآن " وَلَا يَنْبَغِي لأحد من أَصْحَابنَا أَن يعارضهم بذلك. لكيلا يكون وهم فِي الِاحْتِجَاج بِالْمَنَاكِيرِ سَوَاء أعاذنا الله من ذَلِك بمنه. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عقب هَذَا الحَدِيث لم يروه عَن الْأَوْزَاعِيّ غير عتبَة بن السكن، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، وروى سوار بن مُصعب عَن زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " القلس حدث " قَالَ عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ: سَوَاء مَتْرُوك وَلم يروه عَن زيد غَيره وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه كَانَ إِذا رعف انْصَرف فَتَوَضَّأ ثمَّ رَجَعَ وَلم يتَكَلَّم " وَهَذَا ثَابت عَن ابْن

(1/312)


عمر، وَقد روينَا بِخِلَافِهِ فنحمل فعله على الِاسْتِحْبَاب، وَتَركه على الْجَوَاز، وَرُوِيَ عَن حجاج بن أَرْطَأَة عَن خَالِد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث أَن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فرعف فَقدم رجلا فصلى بالقوم ثمَّ ذهب فَتَوَضَّأ ثمَّ رَجَعَ فصلى مَا بَقِي من صلَاته وَلم يتَكَلَّم " وَهَذَا مُرْسل فَإِن مُحَمَّد بن الْحَارِث ابْن أبي ضرار لم يدْرك عمر رَضِي الله عَنهُ، وحجاج بن أَرْطَأَة ضَعِيف سَيَجِيءُ ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَرُوِيَ عَن عَاصِم عَن عَليّ قَالَ: " إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه رزءا أَو قيئا، أَو رعافا فلينصرف فَليَتَوَضَّأ ثمَّ ليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم " وَرُوِيَ أَيْضا عَن الْحَارِث عَن عَليّ، وَعَاصِم والْحَارث: ضعيفان سَيَجِيءُ ذكرهمَا إِن شَاءَ الله

(1/313)


تَعَالَى. وَرُوِيَ عَن ثُوَيْر بن سعيد عَن أَبِيه عَن عَليّ قَالَ: من وجد فِي بَطْنه رزءا أَو كَانَ بِهِ بَوْل فليجعل ثَوْبه على أَنفه ثمَّ لينفتل وليتوضأ وَلَا يكلم أحدا فَإِن تكلم اسْتَأْنف "، ثُوَيْر غير قوي فِي الحَدِيث وروى معشر عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: " إِذا رعف ذهب فَتَوَضَّأ وَأتم بَقِيَّة صلَاته ". وَهَذَا مُرْسل، إِبْرَاهِيم لم يسمع من عبد الله ومرسلات إِبْرَاهِيم لَيست بِشَيْء. وروى عسل بن سُفْيَان عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " يُعَاد الْوضُوء من الْقَيْء والرعاف والنائم تبسطا " وَعسل لَيْسَ بِالْقَوِيّ. ذكره أَبُو حَاتِم فِي كتاب الْمَجْرُوحين ".
وروى عمرَان بن ظبْيَان عَن أبي يحيى حَكِيم بن

(1/314)


سعد وليسا بالقويين عَن سلمَان: " إِذا وجد أحدكُم فِي صلَاته رزءا أَو قيئا أَو رعافا فلينصرف، فَليَتَوَضَّأ وليبن على صلَاته "، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه ذكر عِنْده الْوضُوء من الطَّعَام والحجامة للصَّائِم فَقَالَ: " إِنَّمَا الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، وَإِنَّمَا الْفطر مِمَّا دخل وَلَيْسَ مِمَّا خرج "، وَهَذَا عَن ابْن عَبَّاس ثَابت وَلَا يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد روينَا عَنهُ أَنه قَالَ: " اغسل أثر المحاجم عَنْك وحسبك " يدل ذَلِك على أَن المُرَاد من قَوْله " الْوضُوء مِمَّا خرج أَي من مخرج الْحَدث فَيكون حجَّة عَلَيْهِم، وَرُوِيَ أَيْضا عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " أَن الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل " وَرُوِيَ عَن معمر بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي رَافع مولى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن أَبِيه عَن أبي رَافع قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احْتجم فَغسل مَوضِع محاجمه وصب على رَأسه " قَالَ ابْن عدي: سَمِعت ابْن حَمَّاد يَقُول

(1/315)


قَالَ البُخَارِيّ: معمر بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي رَافع مُنكر الحَدِيث وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (22) :)

والقهقهة لَا تنقض الْوضُوء سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَت فِي الصَّلَاة نقضت الْوضُوء. وَالْمَسْأَلَة لنا على أقيسة قَوِيَّة وَلَهُم على أَخْبَار ضَعِيفَة رويت بأسانيد واهية فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَعْنِي شكي إِلَيْهِ الرجل يجد فِي صلَاته شَيْئا. قَالَ: لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا ".
وَثَبت عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا وضؤ إِلَّا من صَوت أَو ريح " وَرُوِيَ عَن سهل بن معَاذ عَن معَاذ صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الضاحك فِي الصَّلَاة والملتفت والمفقع أَصَابِعه بِمَنْزِلَة وَاحِدَة " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث مصري حسن

(1/316)


الْمخْرج رُوَاته ثِقَات كَذَا قَالَ الْحَاكِم فِي إِسْنَاد زبان بن فَائِدَة قد ضعفه يحيى بن معِين وَرُوِيَ عَن أبي سُفْيَان قَالَ: سُئِلَ جَابر عَن الرجل يضْحك فِي الصَّلَاة: قَالَ: يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء وَهَذَا ثَابت عَن جَابر فَإِن مُسلم بن الْحجَّاج قد احْتج بِأبي سُفْيَان طَلْحَة بن نَافِع هَذَا وَسَائِر رُوَاته مُتَّفق عَلَيْهِم وَقد رُوِيَ مُسْندًا إِن صَحَّ الطَّرِيق فِيهِ عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من ضحك فِي صلَاته يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء " قَالَ الْحَاكِم: تفرد بِهِ أَبُو فَرْوَة يزِيد بن سِنَان الْكَبِير عَن الْأَعْمَش وَغَيره أوثق عندنَا مِنْهُ، وَكلهمْ ثِقَات إِلَّا هَذَا الْوَاحِد من بَينهم، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَامِد أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن الْمقري، هَذَا عَن أبي فَرْوَة يزِيد بن مُحَمَّد بن يزِيد الرهاوي عَن أَبِيه وَقد خُولِفَ فِي مَتنه وَذَلِكَ يرد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَله شَاهد عَن يزِيد بن أبي خَالِد عَن أبي سُفْيَان

(1/317)


مُسْندًا إِن سلم الطَّرِيق إِلَيْهِ عَن جَابر: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الضحك ينْقض الصَّلَاة وَلَا ينْقض الْوضُوء " لَكِن رُوَاته عَن أبي خَالِد إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان قَاضِي وَاسِط أَبُو شيبَة الْعَبْسِي جد أبي بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة غمزه شُعْبَة وَيحيى بن معِين، وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن يزِيد بن أبي خَالِد، عَن أبي سُفْيَان وَعَن أبي خَالِد مولى جَابر مَوْقُوفا " لَيْسَ فِي الضحك وضوء " وَعَن شُعْبَة عَن يزِيد بن أبي خَالِد وَعَاصِم الْأَحول سمعا الشّعبِيّ مثله سَوَاء، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن جريج عَن يزِيد أبي خَالِد، وَرُوِيَ بِإِسْنَاد آخر صَحِيح عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ " كَانَ لَا يرى على الَّذِي يضْحك فِي الصَّلَاة وضُوءًا "، وَرُوِيَ عَن الْمسيب بن رَافع عَن ابْن مَسْعُود " إِذا ضحك أحدكُم فِي الصَّلَاة فَعَلَيهِ إِعَادَة الصَّلَاة " وَعَن حميد بن هِلَال عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي حَدِيث " من كَانَ ضحك مِنْكُم

(1/318)


فليعد الصَّلَاة " وروينا هَذَا الْمَذْهَب عَن الْفُقَهَاء السَّبْعَة من التَّابِعين ثمَّ عَن عَطاء وَالشعْبِيّ وَالزهْرِيّ وَرُبمَا استدلوا بِمَا يرْوى عَن ابْن إِسْحَاق عَن الْحسن بن دِينَار عَن قَتَادَة عَن أبي الْمليح بن أُسَامَة الْهُذلِيّ عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي بِنَا فَدخل رجل ضَرِير فَوَقع فِي حُفْرَة فضحكنا فَلَمَّا سلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمرنَا بِإِعَادَة الْوضُوء وَالصَّلَاة " وَعَن ابْن إِسْحَاق عَن الْحسن بن دِينَار عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أبي الْمليح وَعَن ابْن إِسْحَاق عَن الْحسن بن عمَارَة عَن خَالِد الْحذاء عَن أبي الْمليح بِمَعْنَاهُ، وَالْحسن بن دِينَار وَالْحسن بن عمَارَة ضعيفان، أما ابْن دِينَار فقد ذَكرْنَاهُ، وَأما ابْن عمَارَة فقد طعن فِيهِ شُعْبَة وَغَيره وَكَانَ الْحسن يُدَلس فَيسمع من مُوسَى بن مطير

(1/319)


وَأبي العطوف وَأَبَان بن أبي عَيَّاش وأضرابهم ثمَّ يسْقط أَسْمَاءَهُم ويرويها عَن أَقوام ثِقَات. قَالَ الْجوزجَاني: الْحسن بن عمَارَة: سَاقِط. حَدثنِي مُحَمَّد بن عَبْدَانِ أَخْبرنِي أبي عَن شُعْبَة قَالَ: روى الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم بن يحيى ابْن الجزار سَبْعَة أَحَادِيث، فَلَقِيت الحكم فَسَأَلته عَنْهَا فَقَالَ مَا حدثت بِحَدِيث مِنْهَا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عقب هَذَا الحَدِيث: كِلَاهُمَا أَخطَأ فِي هذَيْن الإسنادين، وَإِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ عَن حَفْص بن سُلَيْمَان الْمنْقري عَن

(1/320)


حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة مُرْسلا، وَكَانَ الْحسن كثيرا مَا يرويهِ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأما قَول الْحسن بن عمَارَة عَن خَالِد الْحذاء عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه فَوَهم قَبِيح، وَإِنَّمَا رَوَاهُ خَالِد الْحذاء عَن حَفْصَة بنت سِيرِين عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، رَوَاهُ عَنهُ كَذَلِك سُفْيَان الثَّوْريّ وهشيم ووهيب، وَحَمَّاد بن سَلمَة وَغَيرهم، وَقد اضْطربَ ابْن إِسْحَاق فِي رُوَاته عَن الْحسن بن دِينَار لهَذَا الحَدِيث فَمرَّة رَوَاهُ عَنهُ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَمرَّة عَن قَتَادَة عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه، وَقَتَادَة إِنَّمَا رَوَاهُ عَن أبي الْعَالِيَة مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَذَلِك رَوَاهُ عَنهُ سعيد بن أبي عرُوبَة وَمعمر وَأَبُو عوَانَة وَسَعِيد بن بشير وَغَيرهم وَالْحسن بن دِينَار مَتْرُوك.
وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عمر بن قيس الْمَكِّيّ عَن عَمْرو بن عبيد عَن الْحسن عَن عمرَان بن الْحصين قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ

(1/321)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة فِي يَوْم ماطر إِذْ أقبل أَعْرَابِي يسْعَى يُرِيد الصَّلَاة فزلق فَسقط فِي حُفْرَة فِيهَا مَاء فَضَحِك من كَانَ خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَمَّا فرغ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الصَّلَاة أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " من قهقه مِنْكُم آنِفا فَليَتَوَضَّأ وليعد الصَّلَاة " قَالَ ابْن معِين: عَمْرو بن قيس الْكِنْدِيّ لقبه سندل وَهُوَ ضَعِيف وَقَالَ البُخَارِيّ عمر بن قيس أَخُو حميد بن قيس الْمَكِّيّ: مُنكر الحَدِيث ثمَّ إِن سلم مِنْهُ فعمرو بن عبيد على الطَّرِيق وَهُوَ ضال غير ثِقَة فِي الحَدِيث. أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ، وَأَبُو سعيد الصَّيْرَفِي قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوب سَمِعت هَارُون بن

(1/322)


سُلَيْمَان سَمِعت أَبَا حَفْص سَمِعت الْأَفْطَس. سَمِعت عَمْرو بن عبيد يَقُول لَو شهد عَليّ وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر عِنْدِي على شِرَاك نعل مَا أجزته رَضِي الله عَنْهُم. قَالَ ابْن معِين: عَمْرو بن عبيد لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ حَمَّاد بن سَلمَة: قَالَ لي حميد لَا تَأْخُذ عَن هَذَا بِشَيْء فَإِنَّهُ يكذب على الْحسن يَعْنِي عَمْرو بن عبيد، وَقد روى ذَلِك عَن عَمْرو بن عبيد بن الْحسن مُرْسلا، " أوجب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوضُوء من الضحك فِي الصَّلَاة " وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ عَن الْحسن مُرْسلا وَرَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن الضَّحَّاك عَن إِسْمَاعِيل بن

(1/323)


عَيَّاش، عَن عمر بن قيس عَن الْحسن عَن عمرَان مَرْفُوعا " من ضحك فِي الصَّلَاة قرقرة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة " كَذَا رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب عَن ابْن عَيَّاش وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَرَوَاهُ حَيْوَة عَن إِسْمَاعِيل عَن عَمْرو بن عبيد عَن الْحسن عَن عمرَان وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن الْعَلَاء عَن إِسْمَاعِيل وَرَوَاهُ بَقِيَّة عَن عَمْرو بن قيس السكونِي عَن عَطاء عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا " من ضحك فِي الصَّلَاة قهقهة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة " قَالَ: أَظُنهُ ابْن عدي لم يروه عَن بَقِيَّة، وَبَقِيَّة لَا يحْتَج بِهِ وَرُوِيَ عَن بَقِيَّة

(1/324)


أَيْضا عَن مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ عَن الْحسن عَن عمرَان أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لرجل ضحك: " أعد وضؤك " قَالَ ابْن عدي: وَمُحَمّد الْخُزَاعِيّ هَذَا هُوَ من مجهولي مَشَايِخ بَقِيَّة وَيُقَال عَن بَقِيَّة فِي هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن رَاشد عَن الْحسن، وَمُحَمّد بن رَاشد عَن الْحسن أَيْضا مَجْهُول، وَرَوَاهُ عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " إِذا قهقه أعَاد الْوضُوء وَأعَاد الصَّلَاة " وروى ابْن معِين عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر قَالَ: قَالَ أَيُّوب لَا نَأْخُذ عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَة، قَالَ يحيى: أَبُو أُميَّة بَصرِي

(1/325)


ضَعِيف قَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني: عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق أَبُو أُميَّة غير ثِقَة فرحم الله مَالِكًا غاص هُنَاكَ فِي المَاء فَوَقع على خرقَة منكسرة أَظُنهُ أغتر بِكِتَابَة وَهَذَا لِأَن مَالِكًا كَانَ لَا يحدث إِلَّا عَن الثِّقَات ثمَّ غلط فِي عبد الْكَرِيم فَحدث عَنهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " وَحدث بِهَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث القهقهة شيخ من أهل المصيصة. يُقَال لَهُ سُفْيَان بن مُحَمَّد الْفَزارِيّ وَكَانَ ضَعِيفا سيء الْحَال فِي الحَدِيث، حدث بِهِ عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم عَن الْحسن عَن أنس بن مَالك عَن

(1/326)


النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأحسن حالات سُفْيَان بن مُحَمَّد أَن يكون وهم فِي الحَدِيث على ابْن وهب، إِن لم يكن تعمد ذَلِك فِي قَوْله عَن الْحسن عَن أنس فقد رَوَاهُ غير وَاحِد عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن الْحسن مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم خَالِد بن خِدَاش المهلبي وموهب بن يزِيد وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب وَغَيرهم لم يذكر وَاحِد مِنْهُم فِي حَدِيثه عَن ابْن وهب فِي الْإِسْنَاد: أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ وَلَا ذكر فِيهِ بَين الزُّهْرِيّ وَأنس بن سُلَيْمَان بن أَرقم، وَإِن كَانَ ابْن أخي الزُّهْرِيّ وَابْن أبي عَتيق، قد روياه عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم عَن الْحسن مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "

(1/327)


وروى ابْن عدي عَن ابْن حَمَّاد وَابْن صاعد والأهوازي قَالُوا حَدثنَا شُعَيْب بن أَيُّوب حَدثنَا أَبُو يحيى الْحمانِي عَن أبي حنيفَة عَن مَنْصُور بن زَاذَان عَن الْحسن عَن معبد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث قَالَ: " من كَانَ مِنْكُم قهقه فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة ". قَالَ ابْن عدي: وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُف، ومكي بن إِبْرَاهِيم الْمقري عَن أبي حنيفَة

(1/328)


وَقَالُوا معبد الْجُهَنِيّ، وأرسله مُحَمَّد بن الْحسن وَزفر عَن أبي حنيفَة وَلم يذكرَا معبدًا فِي الْإِسْنَاد قَالَ لنا ابْن حَمَّاد: وَهُوَ معبد بن هَوْذَة الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب تَسْمِيَة أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالله أعلم. قَالَ ابْن عدي وَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن حَمَّاد غلط وَذَلِكَ أَنه قيل معبد الْجُهَنِيّ فَكيف يكون جهنيا أَنْصَارِيًّا ومعبد بن هوذه أَنْصَارِي وَله حَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْكحل إِلَّا أَن ابْن حَمَّاد اعتذر لأبي حنيفَة فَقَالَ: هُوَ معبد بن هَوْذَة لميله إِلَى أبي حنيفَة وَلم يقلهُ أحد عَن معبد فِي الْإِسْنَاد إِلَّا أَبُو حنيفَة، وَرَوَاهُ هِشَام بن حسان عَن

(1/329)


الْحسن مُرْسلا، وَأَصْحَاب مَنْصُور بن زَاذَان صَاحبه الْمُخْتَص بِهِ هشيم بن بشير لِأَنَّهُ من أهل بَلَده وَبعده أَبُو عوَانَة وَغَيرهمَا مِمَّن روى عَن مَنْصُور بن زَاذَان وَلَيْسَ عِنْد هشيم وَأبي عوَانَة هَذَا الحَدِيث لَا مَوْصُولا وَلَا مُرْسلا يَعْنِي من جِهَة الْحسن. قَالَ ابْن عدي: وَأَخْطَأ أَبُو حنيفَة فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَمَتنه لزيادته فِي الْإِسْنَاد معبدًا وَالْأَصْل عَن الْحسن مُرْسل وزيادته فِي مَتنه القهقهة، وَلَيْسَ فِي حَدِيث أبي الْعَالِيَة مَعَ ضعفه وإرساله القهقهة. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " وروى هَذَا الحَدِيث أَبُو حنيفَة عَن مَنْصُور بن زَاذَان عَن الْحسن عَن معبد الْجُهَنِيّ مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَوهم فِيهِ أَبُو حنيفَة على مَنْصُور، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مَنْصُور بن زَاذَان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن معبد ومعبد هَذَا لَا صُحْبَة لَهُ، وَيُقَال أَنه أول من تكلم فِي الْقدر من التَّابِعين حدث بِهِ عَن مَنْصُور عَن ابْن سِيرِين: غيلَان بن جَامع وهشيم بن بشير وهما أحفظ من أبي حنيفَة للإسناد. أما حَدِيث غيلَان فَذكر إِسْنَاده عَن ابْن سِيرِين عَن معبد الْجُهَنِيّ فَذكر قصَّة وَقَالَ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد مَا قضى الصَّلَاة " من ضحك مِنْكُم فليعد الْوضُوء

(1/330)


وَالصَّلَاة " وَأما حَدِيث هشيم فَذكر عَن ابْن سِيرِين عَن أبي الْعَالِيَة وَقَالَ فَذكر الحَدِيث مُرْسلا بِبَعْض مَعْنَاهُ وروى أَبُو بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدثنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن شهَاب بن طَارق الْأَصْبَهَانِيّ بجرجان حَدثنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن فورك، حَدثنَا عبيد الله بن أَحْمد الْأَشْعَرِيّ حَدثنَا عمار بن يزِيد الْبَصْرِيّ حَدثنَا مُوسَى بن هِلَال حَدثنَا أنس بن مَالك مَرْفُوعا " من قهقه فِي الصَّلَاة قهقهة

(1/331)


شَدِيدَة فَعَلَيهِ الْوضُوء وَالصَّلَاة " ورواة هَذَا الحَدِيث أَكْثَرهم مَجْهُولُونَ، وَلَيْسَ يمكنني أَن أشهد على إسْلَامهمْ فَكيف على عدالتهم ومُوسَى بن هِلَال إِن كَانَ هُوَ الطَّوِيل الَّذِي يرى عَنهُ مُحَمَّد بن مسلمة الوَاسِطِيّ فَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بحَديثه.
وروى عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو بن جبلة عَن سَلام بن أبي مُطِيع عَن قَتَادَة عَن أنس وَأبي الْعَالِيَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر قصَّة وَقَالَ فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من ضحك أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه عَن سَلام غير عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو بن جبلة وَهُوَ مَتْرُوك يضع الحَدِيث، وَرُوِيَ عَن دَاوُد بن الْمُجبر حَدثنَا

(1/332)


أَيُّوب بن خوط عَن قَتَادَة عَن أنس فِي حَدِيث ذكره، فَذكر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من ضحك أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة " قَالَ عَليّ بن عمر: دَاوُد بن المحبر: مَتْرُوك الحَدِيث وَأَيوب بن خوط: ضَعِيف وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل: أَيُّوب بن خوط الْبَصْرِيّ: أَبُو أُميَّة. تَركه ابْن الْمُبَارك، وَقَالَ: دَاوُد بن محبر: أَبُو سُلَيْمَان، قَالَ أَحْمد: شبه لَا شَيْء لَا يدْرِي مَا الحَدِيث. قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: دَاوُد بن محبر قحذم: حدث بِبَغْدَاد عَن جمَاعَة من الثِّقَات بِأَحَادِيث مَوْضُوعَة. حدثونا عَن الْحَارِث بن أبي أُسَامَة عَنهُ بِكِتَاب الْعقل وَأكْثر مَا أودع ذَلِك الْكتاب من الحَدِيث مَوْضُوع على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. كذبه أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ الْجوزجَاني: أَيُّوب بن خوط مَتْرُوك وَدَاوُد مُضْطَرب الْأَمر وَرُوِيَ عَن مهْدي بن مَيْمُون عَن هِشَام بن

(1/333)


حسان عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحْو الحَدِيث قبله فِي الضحك فِي الصَّلَاة وَهَذَا خطأ إِن لم يكن تَعَمّده بعض رُوَاته فقد رَوَاهُ الثَّوْريّ وَيحيى الْقطَّان وَجَمَاعَة من الثِّقَات عَن هِشَام عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَائِدَة وَيزِيد بن زُرَيْع وَعبد الْوَهَّاب بن عَطاء وَغَيرهم عَن هِشَام وروى مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان عَن أَبِيه عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا " من ضحك فِي صلَاته قهقهة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة " قَالَ ابْن معِين: أَبُو فَرْوَة الْجَزرِي: اسْمه يزِيد بن سِنَان، وَقد روى الْكُوفِيُّونَ عَنهُ، وَلَيْسَ بِثِقَة، وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: يزِيد بن سِنَان الْجَزرِي أَبُو فَرْوَة الرهاوي روى عَن الزُّهْرِيّ وَيحيى بن أبي كثير وَهِشَام بن عُرْوَة الْمَنَاكِير الْكَثِيرَة، وَابْنه واسْمه مُحَمَّد بن يزِيد، وَابْن ابْنه يزِيد بن مُحَمَّد وَابْنه مُحَمَّد أَبُو بكر

(1/334)


ثِقَات وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن أبي فَرْوَة يزِيد بن مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان حَدثنَا أبي عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من ضحك مِنْكُم فِي الصَّلَاة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة " قَالَ ابْن عدي وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ يرويهِ عَن الْأَعْمَش غير أبي فَرْوَة حَدثنَا ابْن أبي عصمَة، حَدثنَا أَحْمد بن أبي يحيى قَالَ سَمِعت: أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول أَبُو فَرْوَة: يزِيد بن سِنَان ضَعِيف، وروى عَن إِبْرَاهِيم ابْن هَانِئ عَن مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان نَحْو إِسْنَاده بِمَعْنَاهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ لنا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَالصَّحِيح عَن جَابر خِلَافه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يزِيد بن سِنَان، ضَعِيف ويكنى بِأبي فَرْوَة الرهاوي وَابْنه ضَعِيف. أَيْضا وَقد وهم فِي هَذَا الحَدِيث فِي موضِعين أَحدهمَا: فِي رَفعه إِيَّاه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْآخر فِي لَفظه، وَالصَّحِيح عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر من قَوْله " من ضحك فِي الصَّلَاة أعَاد الصَّلَاة وَلم

(1/335)


يعد الْوضُوء " كَذَلِك رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش جمَاعَة من الرفعاء الثِّقَات، مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ أَبُو مُعَاوِيَة ووكيع وَعبد الله بن دَاوُد الْخُرَيْبِي، وَعمر بن عَليّ المقدصي وَغَيرهم، كَذَلِك رَوَاهُ شُعْبَة وَابْن جريج عَن يزِيد بن أبي خَالِد عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر. قَالَ الشَّافِعِي أخبرنَا الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر رجلا ضحك فِي الصَّلَاة أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة " قَالَ الشَّافِعِي: فَلم نقبل هَذَا لِأَنَّهُ مُرْسل، قَالَ الشَّافِعِي: يَقُولُونَ نحابي وَلَو حابينا: لحابينا الزُّهْرِيّ إرْسَال الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِشَيْء وَذَلِكَ أَنا نجده يروي عَن سُلَيْمَان بن أَرقم قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا الثِّقَة عَن معمر عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان بن أَرقم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَذَا

(1/336)


الحَدِيث، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَرجع الحَدِيث إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ وَالْحسن إِنَّمَا سَمعه من حَفْص بن سُلَيْمَان عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة كَمَا سبق ذكره، وَلَو كَانَ هَذَا الحَدِيث صَحِيحا عِنْد الزُّهْرِيّ لما استجاز أَن يَقُول بِخِلَافِهِ وروى ابْن عدي عَن ابْن صاعد حَدثنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم أَن قوما ضحكوا خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة فَأَمرهمْ أَن يُعِيدُوا الْوضُوء وَالصَّلَاة "، قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا أرْسلهُ إِبْرَاهِيم عَن نَفسه فَأَما الحَدِيث فَهُوَ عَن أبي الْعَالِيَة وَذكر عَن أبي هَاشم الوَاسِطِيّ. قَالَ: أَنا حدثت إِبْرَاهِيم عَن أبي الْعَالِيَة. قَالَ ابْن عدي: حَدثنَا ابْن أبي بكير حَدثنَا عَبَّاس. قَالَ سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: مرسلات إِبْرَاهِيم صَحِيحَة إِلَّا حَدِيث تَاجر الْبَحْرين وَحَدِيث

(1/337)


الضحك فِي الصَّلَاة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَبَلغنِي عَن الثَّوْريّ أَنه كَانَ يُنكر أَن يكون الْأَعْمَش سمع من إِبْرَاهِيم حَدِيث الضحك فِي الصَّلَاة، وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو بكر بن المؤمل حَدثنَا الْفضل بن مُحَمَّد حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ قَالَ سُفْيَان لم يسمع الْأَعْمَش يَعْنِي حَدِيث إِبْرَاهِيم فِي الضحك، وروى ابْن عبد الحكم عَن الشَّافِعِي حَدِيث شُعْبَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بِحَدِيث قَالَ شُعْبَة: فَقلت لحماد: سَمِعت من إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا وَلَكِن أَخْبرنِي مُغيرَة قَالَ فَذَهَبت إِلَى مُغيرَة فَقلت: إِن حَمَّاد أَخْبرنِي عَنْك كَذَا فَقَالَ: صدق، فَقلت سمعته من إِبْرَاهِيم قَالَ لَا وَلَكِن حَدثنِي مَنْصُور قَالَ فَلَقِيت منصورا. فَقلت: حَدثنِي عَنْك مُغيرَة بِكَذَا. فَقَالَ صدق، فَقلت: سمعته من إِبْرَاهِيم. قَالَ لَا وَلَكِن حَدثنِي الحكم قَالَ: فجهدت أَن أعرف طرقه فَلم أعرفهُ وَلم يمكنني قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ: فَذكرت هَذَا الحَدِيث لأبي فَقَالَ:

(1/338)


هَذَا حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أَعْرَابِيًا ضحك فِي الصَّلَاة فَأمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة ".
وَهَذَا وَإِبْرَاهِيم إِنَّمَا رَوَاهُ عَن أبي هَاشم عَن أبي الْعَالِيَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا، ومدار الحَدِيث على أبي الْعَالِيَة أخبرنَا بِصِحَّة ذَلِك فَذكر إِسْنَادًا إِلَى عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ: قَالَ لي عبد الرَّحْمَن بن مهْدي هَذَا الحَدِيث يَدُور على أبي الْعَالِيَة، فَقلت قد رَوَاهُ الْحسن مُرْسلا، فَقَالَ حَدثنِي حَمَّاد بن زيد عَن حَفْص بن سُلَيْمَان الْمنْقري فَقَالَ أَنا حدثت الْحسن عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة، فَقلت قد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم مُرْسلا، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن حَدثنِي شريك عَن أبي هَاشم. قَالَ أما حدثت بِهِ إِبْرَاهِيم عَن أبي الْعَالِيَة فَقلت قد رَوَاهُ الزُّهْرِيّ مُرْسلا، فَقَالَ قرأته فِي كتاب ابْن أخي الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم عَن الْحسن فبطلت الْأَسَانِيد الَّتِي سبق ذكرهَا وَرجع الحَدِيث إِلَى أبي الْعَالِيَة كَذَلِك رَوَاهُ الثَّوْريّ، ووهيب بن خَالِد وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن خَالِد الْحذاء عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة، وَرَوَاهُ وهيب عَن خَالِد وَأَيوب عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة، وَرَوَاهُ معمر عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة ".

(1/339)


وَرَوَاهُ هشيم عَن خَالِد الْحذاء عَن حَفْصَة، وَرَوَاهُ مطر الْوراق وَحَفْص بن سُلَيْمَان عَن حَفْصَة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة مُرْسلا حدث بِهِ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ وزائدة بن قدامَة وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَحَفْص بن غياث، وروح بن عبَادَة وَعبد الْوَهَّاب بن عَطاء وَغَيرهم، وَاتَّفَقُوا عَن هِشَام عَن حَفْصَة عَن أبي الْعَالِيَة، عَن رجل من الْأَنْصَار عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يسم الرجل وَلَا ذكرا لَهُ صُحْبَة أم لَا وَلم يصنع خَالِد شَيْئا وَقد خَالفه خَمْسَة أثبات حفاظ وَقَوْلهمْ أولى بِالصَّوَابِ أَخْبرنِي بِجَمِيعِ هَذَا الْكَلَام أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عَليّ بن عمر الْحَافِظ، ومراسيل أبي الْعَالِيَة الريَاحي لَيست بِشَيْء فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذ عَن كل ضرب، وَرُوِيَ عَن شُعْبَة عَن عبد الله بن صبيح عَن

(1/340)


مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: ثَلَاثَة يصدقون فِي حَدِيثهمْ أنس وَأَبُو الْعَالِيَة وَالْحسن، وَرُوِيَ عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ: قَالَ ابْن سِيرِين: مَا حَدَّثتنِي فَلَا تُحَدِّثنِي عَن رجلَيْنِ من أهل الْبَصْرَة: عَن أبي الْعَالِيَة وَالْحسن فَإِنَّهُمَا كَانَا لَا يباليان عَمَّن أخذا حَدِيثهمَا قَالَ مُحَمَّد بن يحيى لم يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الضحك فِي الصَّلَاة خبر قَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَاق، وَأما حَدِيث الْحسن عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْحسن عَن أبي هُرَيْرَة، وَالْحسن بن عمرَان عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: سَاقِط وَقد روينَا عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن الْحسن أَنه كَانَ لَا يرى على من ضحك فِي الصَّلَاة وضُوءًا وَالله أعلم.

(1/341)


(مَسْأَلَة (23) :)

وَخُرُوج الْمَنِيّ يُوجب الِاغْتِسَال سَوَاء خرج دفقا أَو خرج سيلا لضعف الْبدن، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا خرج سيلا لضعف الْبدن لم يُوجب الِاغْتِسَال وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي سعيد فِي حَدِيث فِيهِ فَقَالَ عتْبَان: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الرجل يعجل عَن امْرَأَته وَلم يمن مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا المَاء من مَاء " فَإِن ادعوا فِيهِ النّسخ بِمَا رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد عَن أبي بن كَعْب: إِنَّمَا كَانَت الْفتيا فِي المَاء من المَاء رخصَة فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نهى عَنْهَا، قُلْنَا إِنَّمَا نسخ مِنْهُ ترك الْغسْل بالتقاء الختانين دون خُرُوج المَاء، فإمَّا نطقه فَغير مَنْسُوخ وَذَلِكَ لَا يفرق بَين خُرُوجه سيلا وَخُرُوجه دفقا وَالله أعلم.

(1/342)


(مَسْأَلَة (24) :)

وَإِذا تَوَضَّأ الْجنب قبل اغتساله فَمن سنته أَن يكمل وضوءه قبل اغتساله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة من سنته أَن يغسل أَعْضَاء طَهَارَته إِلَّا الرجلَيْن فَإِذا تنحى من مَوضِع غسله غسلهمَا. وَقد قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم، فَوجه قَوْله فِي الْمُخْتَصر مَا رُوِيَ عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة بَدَأَ فَغسل يَدَيْهِ ثمَّ تَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة ثمَّ يدْخل أَصَابِعه فِي المَاء فيخلل بهَا أصُول شَعْرَة ثمَّ يصب على رَأسه ثَلَاث غرف بِيَدِهِ ثمَّ يفِيض المَاء على جلده كُله " أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح من حَدِيث مَالك، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة يبْدَأ فَيغسل يَدَيْهِ ثمَّ يفرغ بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَيغسل فرجه ثمَّ يتَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة ثمَّ يَأْخُذ المَاء فَيدْخل أَصَابِعه فِي أصُول الشّعْر حَتَّى إِذا رأى أَنه قد اسْتَبْرَأَ، يحفن على رَأسه ثَلَاث حفنات ثمَّ أَفَاضَ على سَائِر جسده ثمَّ غسل رجلَيْهِ " وَأما وَجه قَوْله فِي الْقَدِيم: مَا اتفقَا عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَت سترت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يغْتَسل من الْجَنَابَة فَبَدَأَ فَغسل

(1/343)


يَدَيْهِ ثمَّ صب بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَغسل فرجه، وَمَا أَصَابَهُ ثمَّ مسح بيدَيْهِ على الْحَائِط وَالْأَرْض ثمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ ثمَّ أَفَاضَ على جسده المَاء ثمَّ تنحى فَغسل قَدَمَيْهِ وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (25) :)

والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق سنتَانِ فِي الِاغْتِسَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هما واجبتان فِي الْجَنَابَة دليلنا من الْخَبَر مَا عِنْد مُسلم عَن أم سَلمَة قَالَت: سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَقلت: يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي، أفأنقضه لغسل الْجَنَابَة؟ قَالَ: " لَا إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي عَلَيْهِ ثَلَاث حثيات، ثمَّ تفيضين عَلَيْك المَاء فتطهرين أَو قَالَ: فَإِذا أَنْت قد طهرت " واتفقا على حَدِيث جُبَير بن مطعم، أَنهم ذكرُوا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْغسْل من الْجَنَابَة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أما أَنا

(1/344)


فأفيض على رَأْسِي ثَلَاثًا وَأَشَارَ بيدَيْهِ كلتيهما "، وَعند مُسلم عَن جَابر أَن وَفد ثَقِيف قَالُوا يَا رَسُول الله إِن أَرْضنَا أَرض بَارِدَة، فَكيف بِالْغسْلِ؟ قَالَ أما أَنا فأفرغ على رَأْسِي ثَلَاثًا " واتفقا على حَدِيث عمرَان قَالَ: كُنَّا فِي سفر مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: كَانَ آخر ذَلِك أَن أعطي الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة إِنَاء من مَاء، قَالَ: اذْهَبْ فأفرغه عَلَيْك، وَرُوِيَ عَن أبي ذَر قَالَ: قدمت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث. وَقَالَ فِيهِ: " وَإِذا وجدت المَاء فأمسسه جِلْدك فَإِن ذَلِك خير " وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابهم بِمَا روى بركَة بن مُحَمَّد عَن يُوسُف بن أَسْبَاط عَن سُفْيَان عَن خَالِد عَن ابْن سِيرِين عَن أبي

(1/345)


هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل الِاسْتِنْشَاق والمضمضة ثَلَاثًا فَرِيضَة "، وَفِي رِوَايَة قَالَ: " الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق للْجنب ثَلَاثًا فَرِيضَة " قَالَ عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا بَاطِل وَلم يحدث بِهِ غير بركَة هَذَا وَهُوَ يضع الحَدِيث. قَالَ ابْن عدي قَالَ لي عَبْدَانِ الْأَهْوَازِي أغرب عَليّ لخَالِد الْحذاء حَدِيثا فَذكرت لَهُ هَذَا الحَدِيث الَّذِي حدّثنَاهُ وَذكر إِسْنَاده عَن بركَة عَن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن خَالِد عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " جعل الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق للْجنب ثَلَاثًا فَرِيضَة قَالَ لي أَبُو أَحْمد قَالَ لي عَبْدَانِ: هَات حَدِيث الْمُسلمين أَنا قد رَأَيْت بركَة هَذَا بحلب وَتركته على عمد فَلم أكتب عَنهُ لِأَنَّهُ يكذب، وَهَذَا الحَدِيث لم يروه مُتَّصِلا بِهَذَا الْإِسْنَاد غير بركَة هَذَا، وَقد رُوِيَ مُرْسلا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّوَاب عَن ابْن سِيرِين مُرْسل بِهَذَا اللَّفْظ، وَرُوِيَ عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن خَالِد الْحذاء عَن ابْن سِيرِين قَالَ: سنّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الِاسْتِنْشَاق فِي الْجَنَابَة ثَلَاثًا مَعًا هَكَذَا

(1/346)


رَوَاهُ عبيد الله بن مُوسَى وَغَيره عَن سُفْيَان وَهُوَ الصَّوَاب. وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى أَبُو دَاوُد عَن نصر بن عَليّ حَدثنِي الْحَارِث بن وجيه حَدثنَا مَالك بن دِينَار عَن مُحَمَّد ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة فَاغْسِلُوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة، وَعَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ يُقَال " أنقوا الْبشر وبلوا الشّعْر يَعْنِي من الْجَنَابَة "، وَعَن عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " تَحت كل

(1/347)


شَعْرَة جَنَابَة فبلوا الشّعْر وأنقوا الْبشر " وَقد كتبناه من حَدِيث عَائِشَة وَأنس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا بِإِسْنَادَيْنِ ضعيفين لَا يسويان ذكرهمَا.
وروى الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة عَن عُثْمَان بن رَاشد عَن عَائِشَة بنت عجرد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " إِن كَانَ من جَنَابَة أعَاد الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق واستأنف الصَّلَاة " وَرُوِيَ عَن هشيم عَن الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن عَائِشَة بنت عجرد.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " لَيْسَ لعَائِشَة بنت عجرد إِلَّا هَذَا الحَدِيث ".
قَالَ الشَّافِعِي وَعُثْمَان بن رَاشد وَعَائِشَة بنت عجرد غير معروفين ببلدهما قَالَ وَأما مَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة فبلوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة " فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثَابِت.
قَالَ أَبُو دَاوُد: " الْحَارِث حَدِيثه مُنكر ".
وَقَالَ البُخَارِيّ: " الْحَارِث بن وجيه الرَّاسِبِي الْبَصْرِيّ سمع

(1/348)


مَالك بن دِينَار يروي عَن زيد بن الْحباب. فِيهِ بعض الْمَنَاكِير وَهَذَا الْمَتْن إِنَّمَا رُوِيَ من حَدِيث الْحسن عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا، وَعَن إِبْرَاهِيم كَانَ يُقَال وَعَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوف من قَوْله، وَالْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة، أخبرنَا بِصِحَّة ذَلِك وَذكر إِسْنَادًا ثمَّ أَنه حمله على مَا ظهر، وروى أَبُو دَاوُد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا حَمَّاد أخبرنَا عَطاء بن السايب عَن زَاذَان عَن عَليّ مَرْفُوعا " من ترك مَوضِع شَعْرَة من جَنَابَة لم يغسلهَا فعل بهَا كَذَا وَكَذَا من النَّار " قَالَ عَليّ: " فَمن ثمَّ عاديت رَأْسِي وَكَانَ يجز شعره "

(1/349)


وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (26) :)

ورؤية المَاء فِي الصَّلَاة لَا يبطل التَّيَمُّم وَلَا يمْنَع من إتْمَام الصَّلَاة أَيْضا بِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة يُبطلهُ، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبد الله بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: شكي إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرجل يخيل إِلَيْهِ الشَّيْء فِي الصَّلَاة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَنْفَتِل حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا " وَلم يُوجد أَحدهمَا. وَهَذَا يُؤَيّد قَول أَصْحَابنَا: الصَّلَاة مَانِعَة من اسْتِعْمَال المَاء، وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة عَن مجَالد عَن أبي الوداك عَن أبي

(1/350)


سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء وادرؤا مَا اسْتَطَعْتُم فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان " مجَالد يحْتَاج إِلَى دعامة، ومشاهده مَا رُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى بِالنَّاسِ فَمر بَين أَيْديهم حمَار. فَقَالَ عَيَّاش بن أبي ربيعَة: سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله فَلَمَّا سلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ من المسبح آنِفا سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ؟ قَالَ: أَنا يَا رَسُول الله، إِنِّي سَمِعت أَن الْحمار يقطع الصَّلَاة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء وَرُوِيَ عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم قَالَ: قيل لِابْنِ عمر أَن عبد الله بن عَيَّاش ابْن أبي ربيعَة يَقُول: يقطع الصَّلَاة الْكَلْب وَالْحمار فَقَالَ: ابْن عمر: لَا يقطع صَلَاة الْمُسلم شَيْء هَذَا ثَابت لَا شكّ فِيهِ، وَرُوِيَ عَن ضرار بن مرّة عَن حُصَيْن

(1/351)


الْمدنِي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر: يَا أَيهَا النَّاس " إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَا يقطع الصَّلَاة إِلَّا الحَدِيث " وروى أَبُو دَاوُد عَن أبي ذَر قَالَ اجْتمعت غنيمَة عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر أَبَد فِيهَا فبدوت إِلَى الربذَة فَكَانَت تصيبني الْجَنَابَة فأمكث الْخمس والست، فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " أَبُو ذَر؟ " فَسكت، فَقَالَ: ثكلتك أمك أَبَا ذَر، لأمك الويل فَدَعَا لي بِجَارِيَة سَوْدَاء فَجَاءَت بعس فِيهِ مَاء فسترتني بِثَوْب واستترت بالراحلة، وَاغْتَسَلت، فَكَأَنِّي ألقيت عني جبلا، فَقَالَ: الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر سِنِين فَإِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك فَإِن ذَلِك خير " لذا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة

(1/352)


عَن عَمْرو بن بجدان عَن أبي ذَر، وَقَالَ: حَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن رجل من بني عَامر وَهُوَ عمر بن ملْحَان، وَلَيْسَ لَهُ رُوَاة غير أبي قلَابَة وَهُوَ مَقْبُول عِنْد أَكْثَرهم لِأَن أَبَا قلَابَة ثِقَة وَإِن كَانَ بِخِلَاف شَرط الشَّيْخَيْنِ فِي خُرُوجه عَن حد الْجَهَالَة بِأَن يروي عَنهُ اثْنَان وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (27) :)

وَلَا تجوز صلاتا فرض بِتَيَمُّم وَاحِد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجوز

(1/353)


صلوَات فَرِيضَة بِتَيَمُّم وَاحِد، وَرُوِيَ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن نَافِع " أَن ابْن عمر كَانَ يتَيَمَّم لكل صَلَاة "، وَهَذَا أصح حَدِيث فِي الْبَاب وَقد رُوِيَ فِي ذَلِك عَن عَليّ وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَابْن عَبَّاس وَفِي حَدِيث ابْن عمر كِفَايَة إِذْ لَا يعرف مُخَالف من الصَّحَابَة فِيهِ وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (28) :)

وَالتَّيَمُّم عندنَا لَا يجوز بِمَا لَا يعلق بِالْيَدِ مِنْهُ غُبَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو ضرب بيدَيْهِ الأَرْض ثمَّ نفضهما حَتَّى لم يبْق عَلَيْهِمَا غُبَار وَمسح بهما أَجزَأَهُ، وَدَلِيلنَا قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَجعلت الأَرْض لنا مَسْجِدا وترابها طهُورا " رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح عَن حُذَيْفَة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رأى رجلا مُعْتَزِلا لم يصل فِي الْقَوْم، فَقَالَ: يَا فلَان مَا مَنعك أَن

(1/354)


تصلي فِي الْقَوْم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله أصابتني جَنَابَة، وَلَا مَاء. قَالَ عَلَيْك بالصعيد فَإِنَّهُ كافيك " فَأخْبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن التُّرَاب هُوَ الْكَافِي فِي التَّطْهِير، فَمن نفض يَدَيْهِ حَتَّى لم يبْق عَلَيْهِم غُبَار فقد اكْتفى بِغَيْر التُّرَاب وَخَالف. وَصَحَّ وَثَبت عَن سَالم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا " أَنه كَانَ إِذا تيَمّم ضرب بيدَيْهِ ضَرْبَة فَمسح بهم وَجهه ثمَّ ضرب بيدَيْهِ ضَرْبَة أُخْرَى ثمَّ مسح بهما يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين وَلَا ينفض يَدَيْهِ من التُّرَاب " وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن أَبِيه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِنِّي أجنبت فَلم أصب المَاء، فَقَالَ عمار بن يَاسر لعمر أما تذكر أَنا كُنَّا فِي سفر فأجنبت أَنا وَأَنت، فَأَما أَنْت فَلم تصل وَأما أَنا فتمعكت فِي التُّرَاب فَصليت فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت لَهُ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا كَانَ

(1/355)


يَكْفِيك هَكَذَا وَضرب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بكفيه الأَرْض وَنفخ فيهمَا ثمَّ مسح بهما وَجهه وكفيه " أخرج مَعْنَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَهَذَا لَا يُخَالف مَا روينَا إِذْ يجوز أَنه بَقِي فيهمَا غُبَار التُّرَاب الَّذِي جعله النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا روينَا طهُورا وَجعله كَافِيا وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عمار ثمَّ نفضهما ثمَّ مسح بهما وَمَعْنَاهُ مَا ذكرنَا وَهُوَ أَن نفضهما لِكَثْرَة مَا عَلَيْهِمَا وَبَقِي غبارها وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (29) :)

وَلَا يجوز التَّيَمُّم بالزرنيخ والنورة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز، وَدَلِيلنَا من الْخَبَر قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد مُسلم " وَجعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا وَجعلت ترتبها لنا طهُورا " وَالله أعلم.

(1/356)


(مَسْأَلَة (30) :)

وَلَا يجوز التَّيَمُّم إِلَّا بعد دُخُول وَقت الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز، وَدَلِيلنَا ظَاهر الْكتاب، وروى مُسلم بن ريَاح كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فِي سفر فَسمع مناديا يُنَادي، قَالَ الله أكبر، قَالَ: شَهَادَة الْحق وَذكر الحَدِيث، ثمَّ قَالَ انْظُرُوا فَإِنَّكُم ستجدوه راعي معزى حَضرته الصَّلَاة فَرَأى لله عَلَيْهِ من الْحق أَن يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ فَإِن لم يجد يتَيَمَّم ثمَّ أذن وَذكر الحَدِيث. وَعَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله فضلني على الْأَنْبِيَاء أَو قَالَ أمتِي على الْأُمَم بِأَرْبَع: أَرْسلنِي إِلَى النَّاس كَافَّة، وَجعل لي الأَرْض كلهَا ولأمتي مَسْجِدا وَطهُورًا، وأينما أدْرك الرجل من أمتِي الصَّلَاة فَعنده مَسْجده وَعِنْده طهوره الحَدِيث وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَالله أعلم.

(1/357)


(مَسْأَلَة (31) :)

وَلَا تيَمّم لشدَّة الْبرد، وَخَوف الْمَرَض من اسْتِعْمَال المَاء فِي الْمصر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد، يتَيَمَّم فِي الْمصر لشدَّة الْبرد وَخَوف الْمَرَض مِنْهُ، وَدَلِيلنَا من الْخَبَر مَا تقدم فِي حَدِيث حُذَيْفَة: فأباح التَّيَمُّم بِشَرْط عدم المَاء وَهَذَا وَاجِد لَهُ، وَحَدِيث جَابر أَن وَفد ثَقِيف قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن أَرْضنَا أَرض بَارِدَة قد تقدم فِي مَسْأَلَة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق: وَهُوَ دَلِيل فِي هَذِه أَيْضا إِذْ لَو جَازَ التَّيَمُّم لشدَّة الْبرد لأخبرهم بذلك إِن شَاءَ الله وَقد شكوه إِلَيْهِ، وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى أَبُو دَاوُد عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ احْتَلَمت فِي لَيْلَة بَارِدَة فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل فَأَشْفَقت إِن اغْتَسَلت أَن أهلك فَتَيَمَّمت ثمَّ صليت بِأَصْحَابِي الصُّبْح فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا عَمْرو: صليت بِأَصْحَابِك وَأَنت جنب، فَأَخْبَرته بِالَّذِي مَنَعَنِي من الِاغْتِسَال وَقلت إِنِّي سَمِعت الله جلّ ثَنَاؤُهُ يَقُول {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} فَضَحِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يقل شَيْئا هَذَا مُرْسل

(1/358)


لم يسمعهُ عبد الرَّحْمَن من عَمْرو وَالَّذِي رُوِيَ عَن عَمْرو فِي هَذِه الْقِصَّة مُتَّصِلا لَيْسَ فِيهِ ذكر التَّيَمُّم، رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير عَن أبي قيس مولى عَمْرو بن الْعَاصِ، أَن عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ على سَرِيَّة وَأَنه أَصَابَهُم برد شَدِيد لم يرد مثله فَخرج لصَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: وَالله لقد احْتَلَمت البارحة وَلَكِنِّي وَالله مَا رَأَيْت بردا مثل هَذَا؟ هَل مر على وُجُوهكُم مثله قَالُوا: لَا، فَغسل مغابنه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ صلى بهم فَلَمَّا قدم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَيفَ وجدْتُم عمرا وصحابته؟ فَأَثْنوا عَلَيْهِ خيرا وَقَالُوا: يَا رَسُول الله صلى بِنَا وَهُوَ جنب، فَأرْسل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى عَمْرو فَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ بذلك وَبِالَّذِي لَقِي من الْبرد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن الله تَعَالَى يَقُول: {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} وَلَو اغْتَسَلت مت فَضَحِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى عَمْرو

(1/359)


وروى أَبُو الْوَلِيد خَالِد بن يزِيد الْمَكِّيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب عَن الْحسن بن زيد عَن أَبِيه عَن عَليّ وَعَن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الموال عَن الْحسن بن زيد عَن أَبِيه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَدثنَا فِي الْمسْح على الجبائر وَالتَّيَمُّم لشدَّة الْبرد، وَهَذَا لَا يثبت خَالِد بن يزِيد الْمَكِّيّ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ وَالله أعلم.

(1/360)


(مَسْأَلَة (32) :)

وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يخَاف التّلف بِاسْتِعْمَال المَاء لَا يتَيَمَّم وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَيَمَّم إِذا كَانَ يتَأَذَّى بِالْمَاءِ وَإِن لم يخف التّلف.
دليلنا: إجماعنا على وجوب الطَّهَارَة بِالْمَاءِ، وَقد وَردت الْإِبَاحَة فِي التَّيَمُّم للْمَرِيض يَقُول عز وَجل: {وَإِن كُنْتُم مرضى} وَلَا يُمكن إجراؤه على ظَاهره إِذْ لَا يجوز للَّذي بِهِ صداع أَو غَيره أَن يتَيَمَّم بالِاتِّفَاقِ، فَوَجَبَ قصره على مَا ورد فِيهِ وَهُوَ الْمَرِيض الَّذِي يخَاف التّلف بِاسْتِعْمَال المَاء، أخبرنَا بذلك وَذكر إِسْنَادًا عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَفعه فِي قَوْله عز وَجل: {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر} قَالَ إِذا كَانَ بِالرجلِ الْجراحَة فِي سَبِيل الله أَو القروح أَو الجدري فيجنب فيخاف إِن اغْتسل أَن يَمُوت فليتيمم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن رَافع بن خديج قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن الْحمى من فَور جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " فَأمر المحموم بِاسْتِعْمَال المَاء، وَقد يتَأَذَّى إِذا كَانَ مَعهَا عِلّة أُخْرَى وَالله أعلم.

(1/361)


(مَسْأَلَة (33) :)

إِذا كَانَ بعض أَعْضَاء الْجَنَابَة جريحا غسل مَا قدر عَلَيْهِ وَيتَيَمَّم للْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ الْأَكْثَر جريحا سقط عَنهُ فرض الْغسْل فَتَيَمم، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا روى أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْأَنْطَاكِي حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن الزبير بن خريق، عَن عَطاء، عَن جَابر قَالَ: خرجنَا فِي سفر فَأصَاب رجلا منا حجر فَشَجَّهُ فِي رَأسه، ثمَّ احْتَلَمَ، " فَقَالَ " لأَصْحَابه هَل تَجدوا لي رخصَة فِي التَّيَمُّم؟ قَالُوا: مَا نجد لَك رخصَة وَأَنت تقدر على المَاء، فاغتسل، فَمَاتَ فَلَمَّا قدمنَا على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخبر بذلك فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله أَلا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاء العي السُّؤَال، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم ويعصر " أَو " ويعصب " - شكّ مُوسَى - " على جرحه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده " قَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد هَذِه سنة تفرد بهَا أهل مَكَّة وَحملهَا أهل الجزيرة، لم

(1/362)


يروه عَن عَطاء عَن جَابر غير الزبير بن خريق وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَخَالفهُ الْأَوْزَاعِيّ فَرَوَاهُ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَاخْتلف على الْأَوْزَاعِيّ فَقيل عَنهُ عَن عَطاء وَقيل عَنهُ بَلغنِي عَن عَطاء وَأرْسل الْأَوْزَاعِيّ آخِره عَن عَطاء عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الصَّوَاب قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت وَأَبا زرْعَة فَقَالَا: رَوَاهُ ابْن أبي الْعشْرين عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَأسْندَ الحَدِيث قَالَ المُصَنّف: وَفِي الْكتاب دلَالَة على وجوب التَّيَمُّم على الْمَرِيض وَوُجُوب الْغسْل على الصَّحِيح فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْغسْل لما قدر عَلَيْهِ، وَوَجَب عَلَيْهِ التَّيَمُّم لما عجز عَنهُ وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (34) :)

وَفِي الْمسْح على الجبائر قَولَانِ: أَحدهمَا يجوز وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن خَالِد، عَن زيد بن عَليّ عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انْكَسَرَ إِحْدَى زندي فَسَأَلت

(1/363)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأمرنِي أَن أَمسَح على الجبائر قَالَ عَليّ بن عمر: عَمْرو بن خَالِد أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ مَتْرُوك. وَقَالَ وَكِيع كَانَ عَمْرو بن خَالِد فِي جوارنا يضع الحَدِيث فَلَمَّا فطن لَهُ تحول إِلَى وَاسِط وَكذبه أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن معِين وَغَيرهمَا. وَهَذَا الحَدِيث يعرف بِهِ وَقد سَرقه عمر بن مُوسَى الوجيهي فَرَوَاهُ عَن زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أصابني جرح فِي يَدي فعصبت عَلَيْهِ الجبائر فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت: أَمسَح عَلَيْهِمَا أَو أنزعهما. فَقَالَ: بل امسح (عَلَيْهِمَا) وَعمر بن مُوسَى مَتْرُوك وَرُوِيَ عَن

(1/364)


مُحَمَّد بن عبد الله البلوي بِإِسْنَاد آخر ضَعِيف. أخبرناه أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنِي أَبُو سعيد مُحَمَّد بن عَليّ بن عَمْرو بن مهْدي الْمُذكر أخبرنَا أَبُو الْحسن أَحْمد بن الْقَاسِم بن الريان بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد البلوي. وبلى حَيّ من الْيمن، نزل الْفسْطَاط حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عبيد الله. أَو ابْن عبد الله بن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن جده عَن

(1/365)


عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: (أُصِيبَت) إِحْدَى زندي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجبر فَقلت: يَا رَسُول الله كَيفَ أصنع بِالْوضُوءِ؟ قَالَ: امسح على الجبائر، قلت فالجنابة، قَالَ: كَذَلِك فافعل. عبد الله بن مُحَمَّد البلوي مَجْهُول، رَأينَا فِي أَحَادِيثه الْمَنَاكِير، وروى فِي ذَلِك خَالِد بن يزِيد الْمَكِّيّ حَدِيثا عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقدم سَنَده وَهُوَ ضَعِيف وَاضح مَا روى فِي هَذَا الْبَاب مَا تقدم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَإِسْنَاده مُخْتَلف فِيهِ وَالله أعلم
وصحيح عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يمسح على الْعِصَابَة وَرَوَاهُ الْعَرْزَمِي عَن عَطاء عَن جَابر نَحْو الرِّوَايَة الأولى بِبَعْض مَعْنَاهَا فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا، رَوَاهُ عَنهُ مرجى بن رَجَاء وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، والعرزمي ضَعِيف وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن عبيد ابْن أبي

(1/366)


رَبَاح عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس " أَن رجلا أجنب فِي شتاء فَسَأَلَ فَأمر فاغتسل فَمَاتَ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: مَا لَهُم قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله ثَلَاثًا قد جعل الله التَّيَمُّم أَو الصَّعِيد طهُورا، شكّ ابْن عَبَّاس ثمَّ أثْبته بعد وبقريب من مَعْنَاهُ، رُوِيَ بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَإِن صحت رِوَايَات هَذَا الحَدِيث فقد أَمر فِي بَعْضهَا بِالتَّيَمُّمِ وَفِي بَعْضهَا بِغسْل الصَّحِيح مِنْهُ وَفِي بَعْضهَا بِالْمَسْحِ على الْجرْح أَو الْعِصَابَة وَالتَّيَمُّم مَعًا فَكَأَنَّهُ أَمر بهما جَمِيعًا فحفظ بعض الروَاة كِلَاهُمَا وَحفظ بَعضهم إِحْدَاهمَا، وَالْكتاب يدل على التَّيَمُّم للمرض وَهُوَ الْجرْح وَعُمُوم قَوْله: {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} يدل على وجوب غسل مَا قدر على غسله وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (35) :)

وَلَا يتَيَمَّم صَحِيح فِي الْمصر فِي حَال وجود المَاء لصَلَاة جَنَازَة وَلَا غَيرهَا وَإِن خَافَ فَوَاتهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله: يتَيَمَّم إِذا

(1/367)


خَافَ فَوتهَا دليلنا من طَرِيق الْخَبَر: حَدِيث حُذَيْفَة وَقد سبق فِي مَسْأَلَة التَّيَمُّم بالزرنيخ وَحَدِيث أبي ذَر. الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم سبق فِي رِوَايَة المَاء، وَرُبمَا استدلوا بِحَدِيث أبي جهم أقبل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من نَحْو بِئْر جمل فَلَقِيَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى أقبل على الْجِدَار فَمسح بِوَجْهِهِ وَيَديه ثمَّ رد عَلَيْهِ السَّلَام " مَذْكُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَهَذَا إِنَّمَا ورد فِيمَا لَيْسَ من شَرطه الطَّهَارَة، وكلامنا وَقع فِي مَا الطَّهَارَة من شَرطه، وروى مُحَمَّد بن عَمْرو بن أبي مذعور عَن عبد الله بن نمير حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه أُتِي

(1/368)


بِجنَازَة وَهُوَ على غير وضوء فَتَيَمم ثمَّ صلى عَلَيْهَا " وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون عِنْد عدم المَاء فِي السّفر، وَقد وجدت لَهُ عِلّة استدللت بهَا على خطأ رِوَايَته وَهِي مَا روى عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه عَن ابْن نمير حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن رجل عَن عَامر (إِذا فجئتك الْجِنَازَة وَأَنت على غير وضوء فصل عَلَيْهَا) قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن: يَقُولُونَ إِن هَذَا يرويهِ مُطِيع الغزال عَن الشّعبِيّ فَعَاد الحَدِيث إِلَى قَول عَامر الشّعبِيّ وَلَيْسَ لَهُ أصل من حَدِيث ابْن عمر وَالله أعلم. وَيُقَال إِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ ابْن أبي خَالِد وَقد روى ابْن بكير عَن مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ لَا يُصَلِّي على الجناة إِلَّا وَهُوَ طَاهِر كَذَا قَالَ وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم عَن مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ لَا يُصَلِّي على الْجِنَازَة إِلَّا وَهُوَ متوضئ " وروى الْمُغيرَة بن زِيَاد عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ إِذا فَجِئْته الْجِنَازَة وَهُوَ على غير وضوء تيَمّم " وَهَذَا أحد مَا

(1/369)


يُنكر على الْمُغيرَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يروي عَن عَطاء نَفسه غير مَرْفُوع إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ ابْن عدي حَدثنِي ابْن حَمَّاد حَدثنِي عبد الله بن أَحْمد قَالَ: " سَمِعت أبي وَسَأَلته عَن الْمُغيرَة بن زِيَاد فَقَالَ: ضَعِيف الحَدِيث حدث بِأَحَادِيث مَنَاكِير قَالَ أبي حدث عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس فِي الْجِنَازَة تمر وَهُوَ غير متوضأ. قَالَ يتَيَمَّم، قَالَ أبي وَرَوَاهُ عبد الْملك بن جريج عَن عَطاء مَوْقُوفا، وَحدث الْمفضل بن غَسَّان الْغلابِي عَن يحيى بن معِين أَنه أنكر على الْمُغيرَة حَدِيث التَّيَمُّم على الْجِنَازَة إِنَّمَا هُوَ عَن عَطاء فَبلغ بِهِ ابْن عَبَّاس وَرَوَاهُ مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا فجئتك الْجِنَازَة وَأَنت على غير وضوء فَتَيَمم " قَالَ ابْن عدي هَذَا مَرْفُوع غير مَحْفُوظ وَالله أعلم.

(1/370)


(مَسْأَلَة (36) :)

وتعجيل الصَّلَاة فِي أول الْوَقْت بِالتَّيَمُّمِ أفضل فِي أحد الْقَوْلَيْنِ من تَأْخِيرهَا إِلَى آخر الْوَقْت رَجَاء وجود المَاء.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِيمَا يسْتَحبّ فِيهِ التَّعْجِيل من الصَّلَوَات كالظهر إِن تَأْخِيرهَا عِنْد رَجَاء وجود المَاء أفضل، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا روينَاهُ فِي كتاب الصَّلَاة من فضل تَعْجِيل الصَّلَاة وروى عَمْرو بن مُحَمَّد أبي رُزَيْق عَن هِشَام بن حسان عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: " وَرَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَيَمَّم بِموضع يُقَال لَهُ مربد النعم وَهُوَ يرى بيُوت الْمَدِينَة "
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ عَمْرو بن مُحَمَّد وَهُوَ صَدُوق. وَقد أوقفهُ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَغَيره عَن نَافِع عَن ابْن عَمْرو وروى الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن عجلَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه أقبل من الجرف حَتَّى إِذا كَانَ بالمربد تيَمّم

(1/371)


فَمسح وَجهه وَيَديه وَصلى الْعَصْر، ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة، فَلم يعد الصَّلَاة " قَالَ الشَّافِعِي: والجرف قريب من الْمَدِينَة هَذَا عَن ابْن عمر ثَابت، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يخرج فيهريق المَاء فيمسح بِالتُّرَابِ فَأَقُول يَا رَسُول الله إِن المَاء مِنْك قريب فَيَقُول مَا أَدْرِي لعَلي لَا أبلغه " رِوَايَة ابْن لَهِيعَة عَن عبد الله بن هُبَيْرَة عَن الْأَعْرَج عَن حَنش عَنهُ، وَبِمَا استدلوا بِمَا روى الْحَارِث الْأَعْوَر عَن عَليّ قَالَ: " إِذا أجنب الرجل فِي السّفر تلوم مَا بَينه وَبَين آخر الْوَقْت فَإِن لم يجد المَاء تيَمّم وَصلى " والْحَارث الْأَعْوَر ضَعِيف لَا يحْتَج بحَديثه وَالله أعلم.

(1/372)


(مَسْأَلَة (37) :)

وَفِي المَاء الْمُسْتَعْمل قَولَانِ: أَحدهمَا لَا تجوز بِهِ الطَّهَارَة، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَالثَّانِي: يجوز لكَونه طَاهِرا وَهَذَا لَا يثبت عَن الشَّافِعِي، وَهُوَ اخْتِيَار أبي بكر بن الْمُنْذر وَجَمَاعَة من أهل الحَدِيث وَالدَّلِيل على طَهَارَته حَدِيث أبي حنيفَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْأَبْطح فَجَاءَهُ بِلَال فآذنه بِالصَّلَاةِ قَالَ: فَدَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَجعل النَّاس يأْتونَ وضوء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيتمسحون بِهِ " الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وروياه أَيْضا فِي الصَّحِيح عَن جَابر دخل على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا مَرِيض لَا أَعقل فَتَوَضَّأ فصب عَليّ من وضوئِهِ، فَأَفَقْت فَقلت يَا رَسُول الله: أَنِّي إِنَّمَا يَرِثنِي الْكَلَالَة فَكيف بِالْمِيرَاثِ فَنزلت آيَة الْفَرْض "، وروى معَاذ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا تَوَضَّأ مسح وَجهه بِطرف ثَوْبه وَفِي حَدِيث جَابر

(1/373)


(ومعاذ) دلَالَة على طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل خلافًا لقَوْل من زعم أَنه نجس ويحكي ذَلِك عَن أبي يُوسُف، وروى إِبْرَاهِيم بن مَكْتُوم عَن عبد الله بن دَاوُد عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن الرّبيع بنت معوذ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مسح رَأسه ببلل لحيته " وَخَالفهُ مُحَمَّد بن يحيى الْأَزْدِيّ عَن أبي دَاوُد فَقَالَ فِيهِ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يأتينا فَتَوَضَّأ فَمسح رَأسه بِمَاء فضل فِي يَدَيْهِ من المَاء " وَرُوِيَ عَن زيد بن أَرقم عَن أبي دَاوُد، فَقَالَ فِيهِ إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَوَضَّأ وَمسح رَأسه ببلل يَدَيْهِ " وَرَوَاهُ مُسَدّد عَن أبي دَاوُد فَقَالَ: إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مسح رَأسه بِفضل مَاء كَانَ فِي يَده "، وَرَوَاهُ شريك بن عبد الله القَاضِي عَن ابْن عقيل قَالَ: فَأخذ مَاء جَدِيد فَمسح رَأسه مقدمه

(1/374)


ومؤخره "، وَرُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أبي معَاذ سُلَيْمَان بن أَرقم الْأنْصَارِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: تَوَضَّأ مرّة مرّة وَمسح رَأسه ببلل يَدَيْهِ "، وَسليمَان بن أَرقم مَتْرُوك وَالصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه أَخذ شَيْئا من مَاء فَمسح بِهِ رَأسه "، وَرُوِيَ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء عَن مُبشر بن إِسْمَاعِيل عَن تَمام بن نجيح عَن الْحسن عَن أبي الدَّرْدَاء " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ وَمسح رَأسه من فضل يَده "، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن تَمام عَن الْحسن عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: تَوَضَّأ فخلل لحيته من فضل مَاء وَجهه وَمسح رَأسه من فضل ذِرَاعَيْهِ وَلم يسْتَأْنف لَهما مَاء " اللَّفْظ الأول أولى أَن يكون مَحْفُوظًا مَعَ أَن تَمام بن نجيح الْأَسدي غير مُحْتَج بِهِ. قَالَ

(1/375)


البُخَارِيّ: تَمام بن نجيح فِيهِ نظر، قَالَ ابْن عدي عَامَّة مَا يرويهِ تَمام بن نجيح لَا يُتَابِعه الثِّقَات عَلَيْهِ، وروى مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي عَن الْحسن بن سعد عَن أَبِيه عَن عَليّ قَالَ: " جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِنِّي اغْتَسَلت من جَنَابَة، فَصليت الْفجْر: فَلَمَّا أَصبَحت رَأَيْت فِي ذراعي قدر مَوضِع الظفر لم يصبهُ المَاء فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو مسحت عَلَيْهِ بِيَدِك أجزأك " والعرزمي مَتْرُوك، وَقد رُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَأنس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم مُسْندًا، أما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ " أَبُو عَليّ الرَّحبِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اغْتسل ولمعة بَين مَنْكِبَيْه لم يصبهما المَاء فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِشعرِهِ فعصره فَمسح بِهِ اللمْعَة أَبُو عَليّ الرَّحبِي: هُوَ حُسَيْن بن قيس وَيُقَال حَنش، ترك ابْن حَنْبَل حَدِيثه، وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَرَوَاهُ يحيى بن

(1/376)


عَنْبَسَة عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اغْتسل من الْجَنَابَة فَبَقيت لمْعَة فِي جسده فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله: هَذِه لمْعَة فِي جسدك لم يصبهَا المَاء. قَالَ: فَأَوْمأ إِلَى بَلل شعره فبله بِهِ فأجزأه ". ذَلِك يحيى بن عَنْبَسَة هَذَا كَانَ يتهم بِوَضْع الحَدِيث، وَإِنَّمَا يروي عَن إِبْرَاهِيم من قَوْله فِي الْوضُوء: إِن كَانَ فِي اللِّحْيَة بَلل مسح بِرَأْسِهِ وَأما حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا فَروِيَ عَن عَطاء بن عجلَان عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة قَالَت اغْتسل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من جَنَابَة فَرَأى لمْعَة فِي جلده لم يصبهما المَاء فعصر خصْلَة من شعر رَأسه فأمسها ذَلِك المَاء. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عَطاء بن عجلَان مَتْرُوك الحَدِيث، وَأما حَدِيث أنس فَروِيَ عَن المتَوَكل بن فُضَيْل أبي أَيُّوب الْحداد بَصرِي عَن أبي ظلال عَن أنس بن مَالك. جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الصُّبْح وَقد اغْتسل من جَنَابَة فَكَانَ نُكْتَة مثل الدِّرْهَم لم يصبهَا المَاء فسلت شعره من المَاء

(1/377)


ومسحه بِهِ وَلم يعد الصَّلَاة ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: متوكل بن فُضَيْل ضَعِيف، وَرُوِيَ عَن عبد السَّلَام بن صَالح عَن إِسْحَاق بن سُوَيْد عَن الْعَلَاء بن زِيَاد عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرضِي: أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج عَلَيْهِم ذَات يَوْم وَقد اغْتسل وَقد بقيت لمْعَة من جسده لم يصبهَا المَاء، فَقُلْنَا يَا رَسُول الله هَذِه لمْعَة لم يصبهَا المَاء وَكَانَ لَهُ شعر وَارِد فَقَالَ بِشعرِهِ هَكَذَا على الْمَكَان فبله ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عبد السَّلَام بن صَالح هَذَا بَصرِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَغَيره من الثِّقَات يرويهِ عَن إِسْحَاق عَن الْعَلَاء مُرْسلا، وَرُوِيَ عَن هشيم عَن إِسْحَاق بن سُوَيْد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اغْتسل من الْجَنَابَة، فَرَأى على عَاتِقه لمْعَة بِهَذَا وَقَالَ: فَقَالَ بِشعرِهِ وَهُوَ رطب " قَالَ عَليّ: هَذَا مُرْسل وَهُوَ الصَّوَاب وَالله أعلم.

(1/378)


(مَسْأَلَة (38) :)

وَيغسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَلَا يطهر بِدُونِ ذَلِك. قَالَ أَبُو حنيفَة: يغسل ثَلَاثًا فيطهر بِهِ لنا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا شرب الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليغسله سبع مَرَّات " وَفِي رِوَايَة عِنْد مُسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ الْكَلْب فِيهِ أَن يغسل سبع مَرَّات) وَفِي أُخْرَى إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليرقه ثمَّ ليغسله سبع مَرَّات " وَفِي أُخْرَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ الْكَلْب فِيهِ أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " كَذَا رَوَاهُ هِشَام بن حسان وَأَيوب وحبِيب بن الشَّهِيد عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَيُّوب: " أولَاهُنَّ أَو آخِرهنَّ بِالتُّرَابِ ". وَعند مُسلم أَيْضا عَن عبد الله بن مُغفل أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمر بقتل الْكلاب ثمَّ قَالَ مَا لَهُم وَلها فَرخص فِي كلب الصَّيْد وَفِي كلب

(1/379)


الْغنم وَقَالَ: إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الْإِنَاء فاغسلوه سبع مَرَّات وَالثَّامِنَة عفروه بِالتُّرَابِ ". وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس مُسْندًا وَفِيمَا مضى كِفَايَة وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى عبد الْوَهَّاب عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (فِي الْكَلْب يلغ فِي الْإِنَاء أَنه يغسلهُ ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " تفرد بِهِ عبد الْوَهَّاب عَن إِسْمَاعِيل وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَغَيره يرويهِ عَن إِسْمَاعِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد (فاغسلوه سبع مَرَّات) وَهُوَ الصَّوَاب " وَذكر إِسْنَاده عَن أَحْمد بن خَالِد بن عَمْرو الْحِمصِي عَن أَبِيه عَن إِسْمَاعِيل بِهِ. وَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَذكر أَبُو حَاتِم عبد الْوَهَّاب ابْن الضَّحَّاك أخبرنَا الْحَارِث وَذكر أَنه كَانَ يسرق الحَدِيث يرويهِ ويجيب فِيمَا يسْأَل وَيحدث بِمَا يقْرَأ عَلَيْهِ وَلَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا الذّكر عَنهُ إِلَّا على جِهَة الِاعْتِبَار وَرُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن عبد الرَّحْمَن بن

(1/380)


جُبَير بن نفير عَن كثير بن مرّة عَن عبد الله بن عَمْرو مَرْفُوعا (أَن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا، فمنزلي ومنزل إِبْرَاهِيم فِي الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة تجاهين وَالْعَبَّاس بَيْننَا مُؤمن بَين خليلين قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَفِي هَذَا غنية لمن شم رَائِحَة الحَدِيث فِي معرفَة سوء حَاله، وَقد رُوِيَ عَنهُ أَيْضا بِالْإِسْنَادِ على الصِّحَّة، وروى عبد الْملك ابْن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: (إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الْإِنَاء فأهرقه ثمَّ اغسله ثَلَاث مَرَّات) قَالَ عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مَوْقُوف وَلم يروه هَكَذَا غير عبد الْملك عَن عَطاء وَالصَّحِيح مثل مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عبيد عَن حَمَّاد بن

(1/381)


زيد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " الْكَلْب يلغ فِي الْإِنَاء قَالَ يهراق وَيغسل أمرارا " وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْمحَامِلِي عَن حجاج بن الشَّاعِر عَن عَارِم عَن حَمَّاد وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (39) :)

وأسار السبَاع كلهَا طَاهِرَة سوى الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تفرع مِنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كلهَا نَجِسَة إِلَّا مَا وَقع بِهِ الْبلوى كالهرة

(1/382)


والفأرة وسباع الطير، وَكره أَبُو حنيفَة سُؤْر الْهِرَّة إِلَّا أَنه إِن تَوَضَّأ جَازَ لنا من الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَرَادَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يتَوَضَّأ فَقَالَت امْرَأَة من نِسَائِهِ يَا رَسُول الله قد تَوَضَّأت من هَذَا، فَتَوَضَّأ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ: " المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: قد احْتج البُخَارِيّ بِأَحَادِيث عِكْرِمَة، وَاحْتج مُسلم بِأَحَادِيث سماك بن حَرْب. وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فِي الطَّهَارَة وَلَا يحفظ لَهُ عِلّة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سماك وَرُوِيَ مُرْسلا وَمن أسْندهُ أحفظ، وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث أبي قَتَادَة فِي الْهِرَّة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِنَّهَا لَيست بِنَجس إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات، فَجعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعلَّة فِي كَون سُؤْر الْهِرَّة طَاهِرا أَنَّهَا لَيست بِنَجس دون مَا زَعَمُوا من وُقُوع الْبلوى فَكَذَلِك كل طَاهِر فِي حَيَاته فسؤره طَاهِر،

(1/383)


وروى أَبُو دَاوُد ذَلِك من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّهَا لَيست بِنَجس، إِنَّمَا هِيَ من الطوافين عَلَيْكُم " وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ بفضلها " وَله شَوَاهِد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَمِنْهَا حَدِيث صَفِيَّة عَنْهَا وَقد مضى فِي السّنَن وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " أشهد أَنِّي تَوَضَّأت أَنا وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من إِنَاء قد أَصَابَت مِنْهُ الْهِرَّة قبل ذَلِك " وَعَن اللَّيْث حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن سعيد عَن أَبِيه عَن عُرْوَة عَنْهَا قَالَت " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تمر بِهِ الْهِرَّة فيصغي لَهَا الْإِنَاء فَتَشرب ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها ".
قَالَ عَليّ بن عمر: قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: يَعْقُوب هَذَا أَبُو يُوسُف القَاضِي وَعبد الله هُوَ ابْن سعيد المَقْبُري وَهُوَ ضَعِيف، وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عُرْوَة عَنْهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنه كَانَ يصغي إِلَى الْهِرَّة الْإِنَاء حَتَّى تشرب مِنْهُ ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلهما وَأما الَّذِي رُوِيَ عَن

(1/384)


ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي الْكَلْب يلغ فِي الْإِنَاء يغسل سبع مَرَّات أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ " والسنور مرّة فَهُوَ فِي السنور من قَول أبي هُرَيْرَة فغلط فِيهِ بعض الروَاة فأدرجه فِي الحَدِيث وَقد بَينه قُرَّة عَن ابْن سِيرِين بَيَانا شافيا فَقَالَ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسل سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " ثمَّ ذكر عَن أبي هُرَيْرَة الْهِرَّة لَا أَدْرِي قَالَ: " مرّة أَو مرَّتَيْنِ " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد والمعتمر بن سُلَيْمَان عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " إِذا ولغَ الهر غسل مرّة " فعلى هَذَا الْوَجْه رِوَايَة الْحفاظ فَلَا اعْتِبَار بِرِوَايَة من رَوَاهُ فِي الْهِرَّة مَرْفُوعا وَأَبُو هُرَيْرَة إِن أَرَادَ بِهَذَا الْغسْل بالنظافة فَهَكَذَا يَقُول وَإِن أَرَادَ تنجيس الْهِرَّة فَهُوَ محجوج بِحَدِيث أبي قَتَادَة وَغَيره. وروى أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أخبرنَا سعيد بن سَالم عَن ابْن أبي حَبِيبَة وَأبي حَبِيبَة عَن دَاوُد بن الْحصين عَن جَابر بن عبد الله عَن

(1/385)


النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه سُئِلَ أتتوضأ بِمَا أفضلت الْحمر قَالَ: نعم وَبِمَا أفضلت السبَاع كلهَا ". وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن زِيَاد النَّيْسَابُورِي عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي عَن ابْن أبي حَبِيبَة وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة، عَن دَاوُد بن الْحصين عَن أَبِيه عَن جَابر وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الصَّنْعَانِيّ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن دَاوُد بن الْحصين عَن أَبِيه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (تَوَضَّأ بِمَا أفضلت السبَاع) وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى الْأَسْلَمِيّ وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن

(1/386)


إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خرج فِي ركب فيهم عَمْرو بن الْعَاصِ حَتَّى وردوا حوضا فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لصَاحب الْحَوْض، يَا صَاحب الْحَوْض: هَل ترد حوضك السبَاع؟ فَقَالَ عمر: يَا صَاحب الْحَوْض: لَا تخبرنا فَإنَّا نرد على السبَاع وَترد علينا ".
وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم مولى عمر عَن أَبِيه عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَن الْحِيَاض الَّتِي بَين الْمَدِينَة وَمَكَّة وَقَالُوا تردها السبَاع وَالْكلاب وَالْحمير، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (مَا فِي بطونها لَهَا وَمَا بَقِي فَهُوَ لنا طهُور) . عبد الرَّحْمَن بن زيد ضَعِيف، وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " نهى عَن سُؤْر الْكَلْب والسنور وَالْحمار ". وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن عبيد الله فِي الْجَامِع فَقَالَ عَن

(1/387)


نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه كره سُؤْر الْكَلْب وَالْحمار والسنور أَن يتَوَضَّأ بِهِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: " لَا تتوضأ بِفضل الْكَلْب والهر وَالْحمار وَأما سَائِر ذَلِك فَلَيْسَ فِيهِ بَأْس " وَهَذَا فِي السَّبع وَدَلِيلنَا فِي الْهِرَّة وَالْحمار مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ بفيهما نَجَاسَة، أَو التَّنْزِيه. وَرُوِيَ عَن عبد الله بن رَجَاء حَدثنَا مُصعب بن سوار عَن مطرف عَن أبي الجهم عَن الْبَراء قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أكل لَحْمه فَلَا بَأْس بسؤره " وَهَذَا إِن سلم

(1/388)


من مُصعب فَنحْن نقُول بِظَاهِرِهِ وَتَركنَا الْمَفْهُوم، لقِيَام الدَّلِيل عَلَيْهِ. هَذَا وَمصْعَب بن سوار إِنَّمَا هُوَ سوار بن مُصعب فَقلب ابْن رَجَاء اسْمه وسوار بن مُصعب مَتْرُوك وَرَوَاهُ غَيره عَن سوار فِي الْبَوْل وَلَا يَصح ذَلِك وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (40) :)

وَمَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة إِذا مَاتَ فِي المَاء الْقَلِيل نجسه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ: كالذباب وَالْعَقْرَب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُنجسهُ وَبِنَاء الْمَسْأَلَة لنا على الْكتاب وَنَوع من النّظر. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (إِذا سقط الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ لينتزعه فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر شِفَاء) رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح: أجَاب الشَّافِعِي عَن هَذَا فَقَالَ: وغمس الذُّبَاب فِي الْإِنَاء لَيْسَ بقتْله، والذباب لَا يُؤْكَل وروى بَقِيَّة عَن سعيد بن أبي سعيد عَن

(1/389)


بشر بن مَنْصُور عَن عَليّ بن زيد بن جدعَان عَن سعيد بن الْمسيب عَن سلمَان. قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا سلمَان كل طَعَام وشراب وَقعت فِيهِ دَابَّة لَيْسَ لَهَا دم فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَال أكله وشربه ووضؤوه " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه غير بَقِيَّة عَن سعيد بن أبي سعيد الزبيدِيّ وَهُوَ ضَعِيف وَقد ذكرنَا أَن مَا يرويهِ بَقِيَّة من الضُّعَفَاء والمجهولين فَلَيْسَ بمقبول مِنْهُ كَيفَ وَقد أَجمعُوا على أَن بَقِيَّة لَيْسَ بِحجَّة. وَرُوِيَ فِي الرُّخْصَة فِيمَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة، عَن الْحسن وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (41) :)

وحد المَاء الَّذِي لَا ينجس جَمِيعه بِمَا يَقع فِيهِ وَلَا بِغَيْرِهِ قلتان وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَا لَا يلتقي طرفاه، وَحده أَصْحَابه بِأَنَّهُ إِذا حرك لَا يَتَحَرَّك جانباه وَدَلِيلنَا مَا أخبرنَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس

(1/390)


مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الحميد الْحَارِثِيّ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَن المَاء وَمَا ينوبه من الدَّوَابّ وَالسِّبَاع فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث ".
أخبرناه أَبُو عبد الله فِي كتاب الْمُسْتَدْرك حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس حَدثنَا الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان حَدثنَا أَبُو أُسَامَة فَذكره بِمَعْنَاهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي وَأَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء وَيَعْقُوب

(1/391)


الدَّوْرَقِي وَغَيرهم عَن أبي أُسَامَة قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد على شَرط الشَّيْخَيْنِ فقد احتجا جَمِيعًا بِجَمِيعِ رُوَاته وَلم يخرجَاهُ، وأظنهما وَالله أعلم لم يخرجَاهُ لخلاف فِيهِ على أبي أُسَامَة عَن الْوَلِيد أخبرنَا أَبُو عبد الله أخبرنَا دعْلج بن أَحْمد حَدثنَا بشر بن مُوسَى حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا أَبُو أُسَامَة قَالَ، وَحدثنَا عَليّ بن عِيسَى حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم بن أبي طَالب قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة حَدثنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا الْوَلِيد بن كثير عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر

(1/392)


عَن أَبِيه قَالَ سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن المَاء وَمَا ينوبه من الدَّوَابّ وَالسِّبَاع فَقَالَ: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث " أخبرنَا أَبُو عبد الله قَالَ وَهَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَبْسُوط عَن الثِّقَة وَهُوَ أَبُو أُسَامَة بِلَا شكّ فِيهِ، أخبرنَا أَبُو عبد الله حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أخبرنَا الرّبيع أخبرنَا الشَّافِعِي أخبرنَا الثِّقَة عَن الْوَلِيد عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل نجسا أَو خبثا " أخبرناه أَبُو عبد الله قَالَ هَذَا خلاف لَا يوهن هَذَا الحَدِيث، فقد احْتج الشَّيْخَانِ بالوليد بن كثير وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن الزبير، فَأَما مُحَمَّد بن عباد فَغير مُحْتَج بِهِ، وَإِنَّمَا قربه أَبُو أُسَامَة عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن الزبير ثمَّ حدث بِهِ مرّة عَن هَذَا وَمرَّة عَن ذَلِك. قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول شَيخنَا رَحمَه الله فِي مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر أَنه غير مُحْتَج بِهِ سَهْو مِنْهُ فقد أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم رحمهمَا الله حَدِيثه فِي الصَّحِيح واحتجا بِهِ، والْحَدِيث مَحْفُوظ عَن الْوَلِيد بن كثير عَنْهُمَا جَمِيعًا قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله فِيمَا قرئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنِيهِ أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عَليّ الإسفرايني حَدثنَا عَليّ بن عبد الله بن مُبشر

(1/393)


حَدثنَا شُعَيْب بن أَيُّوب حَدثنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا الْوَلِيد بن كثير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير وَمُحَمّد بن عباد بن جَعْفَر عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن المَاء وَمَا ينوبه من الدَّوَابّ وَالسِّبَاع. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث " قَالَ الْحَاكِم قد صَحَّ وَثَبت بِهَذِهِ الرِّوَايَة صِحَة الحَدِيث وَظهر أَن أَبَا أُسَامَة سَاق هَذَا الحَدِيث عَن الْوَلِيد عَنْهُمَا جَمِيعًا، فَإِن شُعَيْب بن أَيُّوب الصريفيني ثِقَة مَأْمُون وَكَذَلِكَ الطَّرِيق إِلَيْهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة كَمَا رَوَاهُ الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان عَن أبي أُسَامَة وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى كَمَا رَوَاهُ الْحميدِي عَن أبي أُسَامَة فصح أَن عُثْمَان بن أبي شيبَة رَوَاهُ عَن أبي أُسَامَة على الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا كَمَا رَوَاهُ شُعَيْب بن أَيُّوب. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَقد تَابع الْوَلِيد بن كثير على رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار الْقرشِي حدّثنَاهُ، وَذكر إِسْنَاده عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عَن ابْن عمر قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْأَل عَن المَاء يكون بِأَرْض الفلاة وَمَا ينوبه من الدَّوَابّ وَالسِّبَاع فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ المَاء قدر قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث " قَالَ الْحَاكِم: وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وزائدة بن قدامَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَإِبْرَاهِيم بن سعد وَعبد الله بن الْمُبَارك وَيزِيد بن

(1/394)


زُرَيْع وَسَعِيد بن زيد أَخُو حَمَّاد بن زيد وَأَبُو مُعَاوِيَة وَعَبدَة بن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق. فَقَالُوا كلهم عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وَهُوَ مِمَّا لَا يوهنه فَإِن الحَدِيث قد حدث بِهِ عبيد الله وَعبد الله جَمِيعًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرُوِيَ عَن عباد بن صُهَيْب عَن الْوَلِيد بن كثير كَذَلِك أخبرناه فَذكر إِسْنَاده (إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث) وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بن الْمُنْذر عَن عبيد الله وَفِيه تَقْوِيَة لرِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَكَانَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي يمِيل إِلَى الصَّحِيح رِوَايَة من رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن عبيد الله بن عبد الله ويستدل بروايته الحَدِيث عَن عِيسَى بن يُونُس عَن الْوَلِيد بن كثير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن عبيد الله أخبرنَا أَبُو بكر وَذكر إِسْنَاده عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر

(1/395)


عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَن المَاء يكون بالفلاة وترده السبَاع وَالْكلاب قَالَ " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لَا يحمل الْخبث ". كَذَا قَالَ السبَاع وَالْكلاب وَهُوَ غَرِيب وروى أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا حَمَّاد حَدثنَا عَاصِم بن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عبد الله حَدثنِي أبي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا ينجس " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جمَاعَة عَن حَمَّاد من غير شكّ وَفِي رِوَايَة بَعضهم قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَالَّذين لم يشكوا أحفظ وَأكْثر فَهُوَ أولى أخبرنَا أَبُو عبد الله حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس قَالَ سَمِعت الْعَبَّاس بن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت يحيى بن معِين وَسُئِلَ عَن حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة حَدِيث عَاصِم بن الْمُنْذر بن الزبير فَقَالَ هَذَا جيد الْإِسْنَاد، قيل لَهُ: فَإِن ابْن علية لم يعرفهُ قَالَ يحيى وَإِن لم يحفظه ابْن علية فَالْحَدِيث حَدِيث جيد الْإِسْنَاد وَهُوَ أحسن من حَدِيث الْوَلِيد ابْن كثير يَعْنِي يحيى فِي قصَّة المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء، وروى الشَّافِعِي

(1/396)


أخبرنَا مُسلم بن خَالِد عَن ابْن جريج بِإِسْنَاد لَا يحضرني ذكره أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا " وَفِي هَذَا الحَدِيث بقلال هجر قَالَ ابْن جريج: وَقد رَأَيْت قلال هجر. فالقلة تسع قربتين أَو قربتين وشيأ. وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكر النَّيْسَابُورِي حَدثنَا أَبُو حميد حَدثنَا حجاج حَدثنَا ابْن جريج أَخْبرنِي مُحَمَّد يَعْنِي ابْن يحيى أَن يحيى بن عقيل أخبرهُ أَن يحيى بن عمر أخبرهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل نجسا وَلَا بَأْسا " فَقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر قَالَ: قلال هجر وأظن أَن كل قلَّة تَأْخُذ قربتين قَالَ ابْن جريج وَأَخْبرنِي لوط عَن أبي إِسْحَاق عَن مُجَاهِد أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدا لم يُنجسهُ شَيْء ".

(1/397)


وروى مُغيرَة بن سقلاب عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا " إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ بقلال هجر لم يحمل نجسا الْمُغيرَة بن سقلاب ضَعِيف وَالْمَحْفُوظ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق مَا مضى وَفِي الصَّحِيح من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس عَن مَالك بن صعصعة أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فَذكر حَدِيث الْمِعْرَاج وَفِيه قَالَ وَدفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وَإِذا أوراقها مثل أَذَان الفيول وَإِذا نبقها مثل قلال هجر " وروى الْقَاسِم بن عبد الله عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا بلغ المَاء أَرْبَعِينَ قلَّة فَإِنَّهُ لَا يحمل الْخبث " قَالَ عَليّ بن عمر: كَذَا رَوَاهُ الْقَاسِم الْعمريّ عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر، وَوهم فِي إِسْنَاده، وَكَانَ ضَعِيفا كثير الْخَطَأ، وَخَالفهُ روح بن الْقَاسِم وسُفْيَان الثَّوْريّ وَمعمر بن رَاشد رَوَوْهُ عَن

(1/398)


مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن عبد الله بن عمر مَوْقُوفا وَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن ابْن الْمُنْكَدر من قَوْله لم يُجَاوز بِهِ وَقَالَ يحيى بن معِين: الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر لَيْسَ بِشَيْء وَكَذَلِكَ رَوَاهُ روح بن الْقَاسِم عَن ابْن الْمُنْكَدر مَوْقُوفا وَرُوِيَ عَن جَابر من قَوْله نَحْو قَوْلنَا وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة عَن أَبِيه قَالَ " إِذا كَانَ المَاء قدر أَرْبَعِينَ قلَّة لم يحمل خبثا " قَالَ عَليّ بن عمر: كَذَا قَالَ. وَخَالفهُ غير وَاحِد رَوَوْهُ عَن أبي هُرَيْرَة فَقَالُوا: أَرْبَعِينَ غربا، وَمِنْهُم من قَالَ: أَرْبَعِينَ دلوا، أما حَدِيث الثَّوْريّ وَمعمر فَروِيَ عَن عبد الرَّزَّاق عَنْهُمَا عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: " إِذا كَانَ المَاء أَرْبَعِينَ قلَّة لم يُنجسهُ شَيْء " وروى أَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الشاذكي رَحمَه الله عَن أبي يعلى عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء عَن

(1/399)


مهْدي بن مَيْمُون عَن وَاصل عَن خَالِد بن كثير عَن أبي إِسْحَاق الهمذاني قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: (إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يقبل الْخبث) وروى أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء، وَالْحسن بن عَليّ وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان قَالُوا حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن الْوَلِيد ابْن كثير عَن مُحَمَّد بن كَعْب عَن عبيد الله بن عبد الله بن رَافع بن جريج عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قيل يَا رَسُول الله: أتتوضأ من بِئْر بضَاعَة وَهِي بِئْر يطْرَح فِيهَا الْحيض وَلحم الْكلاب وَالنَّتن؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء " قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ قُتَيْبَة بن سعيد: سَأَلت قيم بِئْر بضَاعَة عَن عمقها، فَقلت أَكثر مَا يكون فِيهَا المَاء؟ قَالَ: إِلَى الْعَانَة، قلت فَإِذا نقص قَالَ: دون الْعَوْرَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: قدرت بِئْر بضَاعَة بردائي: مددته عَلَيْهَا ثمَّ ذرعته، فَإِذا عرضهَا

(1/400)


سِتَّة أَذْرع وَسَأَلت الَّذِي فتح لي بَاب الْبُسْتَان فَأَدْخلنِي إِلَيْهِ هَل غير بناؤها عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا وَرَأَيْت فِيهَا مَاء متغير اللَّوْن، وَرُوِيَ عَن طريف عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول لله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَإِذا نَحن بنهر من مَاء أَو غَدِير فِيهِ شَاة ميتَة فأمسكنا أَيْدِينَا فَقَالَ: " اشربوا وَتَوَضَّئُوا فَإِن المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء " طريف هُوَ ابْن شهَاب أَبُو سُفْيَان السَّعْدِيّ: لَيْسَ بِقَوي، وروى عَن عِكْرِمَة أَن عمر ورد مَاء مجنة فَقيل لَهُ: إِن الْكلاب قد ولغت فِيهِ فَقَالَ إِنَّمَا ولغت بألسنتها، وَرُوِيَ عَن عَطِيَّة بن بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن أَبِيه عَن ثُوَيْر ابْن يزِيد عَن رَاشد بن سعد عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (أَن المَاء طَاهِر إِلَّا أَن يتَغَيَّر رِيحه أَو طعمه أَو لَونه بِنَجَاسَة تحدث فِيهِ، وَرَوَاهُ

(1/401)


رشدين بن سعد عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن رَاشد بن سعد دون ذكر اللَّوْن " المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غلب عَلَيْهِ طعمه أَو رِيحه "، وَفِي رِوَايَة عبيد بن عدي " لَا ينجس المَاء إِلَّا مَا غير طعمه أَو رِيحه " قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا أسْندهُ رشدين ويروى عَن ثَوْر بن يزِيد عَن رَاشد بن سعد عَن أبي أُمَامَة مَوْصُولا أَيْضا، وَرَوَاهُ عَن ثَوْر حَفْص بن عمر الْأَيْلِي، وَرَوَاهُ الْأَحْوَص بن حَكِيم مَعَ ضعف فِيهِ عَن رَاشد بن سعد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا وَقد رُوِيَ عَن قَتَادَة مُخْتَصرا وَفِيه إرْسَال، وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين أَن

(1/402)


زنجيا وَقع فِي زَمْزَم يَعْنِي فَمَاتَ. فَأمر بِهِ ابْن عَبَّاس فَأخْرج وَأمر بهَا أَن تنزح، وَعَن جَابر الْجعْفِيّ عَن أبي الطُّفَيْل " أَن غُلَاما وَقع فِي زَمْزَم فَنُزِحَتْ " قَالَ الشَّافِعِي " رَضِي الله عَنهُ أَنا لَا نعرفه وزمزم عندنَا "، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: " أَربع لَا يخبثن فَذكر المَاء مِنْهَا " وَهُوَ لَا يُخَالف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد يكون الدَّم ظهر فِيهَا فنزحها إِن كَانَ فعل أَو تنظيفا لَا وَاجِبا. هَذَا الحَدِيث لَا يثبت كَمَا ذكر الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ أَن مُحَمَّد بن سِيرِين لم يسمع من ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا. ذكره ابْن حَنْبَل فَهُوَ مُرْسل، وَالْآخر فجابر فِي طَرِيقه وَهُوَ سَاقِط بِمرَّة لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ. قَالَ ابْن معِين: جَابر الْجعْفِيّ لَا يكْتب حَدِيثه وَلَا كَرَامَة وروى أَبُو يحيى الْحمانِي عَن أبي حنيفَة قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أكذب من جَابر وَلَا أفضل من عَطاء، وَرُوِيَ من طَرِيق فِيهِ ضعف، عَن عَمْرو بن

(1/403)


دِينَار: أَن زنجيا وَقع فِي زَمْزَم فَمَاتَ فَأمر بِهِ ابْن عَبَّاس فَأخْرج وسد عيونها فَنُزِحَتْ فَشرب ابْن عَبَّاس من الْعين الَّتِي تلِي الرُّكْن وَقَالَ " إِنَّهَا من عُيُون الْجنَّة " وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَروِيَ عَن عَامر عَنهُ قَالَ: " أَربع لَا يخبثن الْإِنْسَان وَالْمَاء وَالْأَرْض وَالثَّوْب " وَرُوِيَ عَن يحيى بن عبيد قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن مَاء الْحمام فَقَالَ المَاء لَا يخْبث وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (42) :)

وَإِذا غسل إِحْدَى رجلَيْهِ وأدخلها الْخُف ثمَّ غسل الْأُخْرَى وأدخلها الْخُف لم يجز أَن يمسح عَلَيْهِمَا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: جَازَ. وَدَلِيلنَا: من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: ثمَّ أهويت لأنزع خفيه. قَالَ دعهما فَإِنِّي أدخلتهما طاهرتين فَمسح

(1/404)


عَلَيْهِمَا، وروى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن حُصَيْن وزَكَرِيا وَيُونُس عَن الشّعبِيّ عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة عَن الْمُغيرَة قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أيمسح على الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: " نعم إِذا أدخلتهما وهما طاهرتان "، وَرُوِيَ عَن أبي بكرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه رخص للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة إِذا تطهر وَلبس خفيه أَن يمسح عَلَيْهِمَا " ورويناه فِي حَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال وَغَيره بِمَعْنَاهُ وَالله أعلم.

(1/405)


(مَسْأَلَة (43) :)

وَالسّنة أَن يمسح أَعلَى الْخُف وأسفله، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يمسح أَسْفَل الْخُف أصلا. دليلنا من الْخَبَر مَا روى أَبُو دَاوُد مُسْندًا عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: " وضأت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة تَبُوك فَمسح أَعلَى الْخُفَّيْنِ وأسفلهما " وَالَّذِي رُوِيَ عَن الْمُغيرَة وَغَيره من مسح رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ظَاهر خفيه ورد فيهمَا بِجَوَاز الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فِي الْمسْح وَالله أعلم. وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يمسح ظهورهما وبطونهما "، وروى مَالك عَن ابْن شهَاب " أَنه كَانَ يَقُول: يضع الَّذِي يمسح على الْخُفَّيْنِ يدا من فَوق الْخُف ويدا من تَحت الْخُف ثمَّ يمسح "، قَالَ مَالك، وَذَلِكَ أحب مَا سَمِعت إِلَى فِي مسح الْخُفَّيْنِ فَهَذَا تَابِعِيّ لَا يعرف لَهُ مُخَالف وَرُوِيَ عَن عبد خير قَالَ: قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه " لَو كَانَ الدّين بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَل الْخُف أولى بِالْمَسْحِ من أَعْلَاهُ وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح على ظَاهر خفيه ". وَفِي هَذَا دلَالَة على

(1/406)


أَن المُرَاد بِرِوَايَة من رَوَاهُ فِي الْقَدَمَيْنِ قدما الْخُفَّيْنِ وَهَكَذَا المُرَاد بِكُل حَدِيث ورد فِيهِ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مُطلقًا فِي الْقَدَمَيْنِ يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بهما قدما الْخُفَّيْنِ يكون واردا فِيمَا يجوز الِاخْتِصَار عَلَيْهِ وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (44) :)

وَالْغسْل من غسل الْمَيِّت سنة مُؤَكدَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِسنة، دليلنا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن مُصعب بن شيبَة عَن طلق بن حبيب عَن عبد الله بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يغْتَسل من أَربع: من الْجَنَابَة وَيَوْم الْجُمُعَة وَمن غسل الْمَيِّت والحجامة ".

(1/407)


رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات فَإِن طلق بن حبيب وَمصْعَب بن شيبَة، قد أخرج مُسلم بن الْحجَّاج حَدِيثهمَا فِي الصَّحِيح وَرُوِيَ عَن أبي كريب عَن يحيى بن زَكَرِيَّا ابْن أبي زَائِدَة عَن أَبِيه عَن مُصعب بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيث عشر من الْفطْرَة، وَسَائِر رُوَاته مُتَّفق عَلَيْهِم وَشَاهده مَا روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من غسل الْمَيِّت فليغتسل وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ " قَالَ الشَّافِعِي أخبرنَا عَمْرو بن الْهَيْثَم الثِّقَة عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية بن كَعْب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي: إِن أبي قد مَاتَ؟ قَالَ: اذْهَبْ فواره، قلت إِنَّه كَانَ مُشْركًا، قَالَ: " اذْهَبْ فواره " قَالَ فواريته فَأَتَيْته " قَالَ: " اذْهَبْ فاغتسل " وَمن قَالَ بِوُجُوب الْغسْل من غسل الْمَيِّت اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَغَيرهَا وَقد بَينا عِلّة كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي كتاب السّنَن فَإِذا لم يثبت وجود عِلّة بِهِ فَلَا يخرج من أَن يكون مسنونا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.

(1/408)


(مَسْأَلَة (45) :)

والتمييز مقدم على الْعَادة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْعَادة أولى وَدَلِيلنَا من الْخَبَر مَا روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض فَلَا أطهر أفأدع الصَّلَاة قَالَ: " إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم ثمَّ صلي " وَأخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش أَنَّهَا كَانَت تستحاض فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ الدَّم الْحَيْضَة فَإِنَّهُ دم أسود يعرف فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة وَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي فَإِنَّمَا هُوَ عرق " وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى مُسلم فِي الصَّحِيح عَن عَائِشَة أَن أم حَبِيبَة بنت جحش الَّتِي كَانَت تَحت

(1/409)


عبد الرَّحْمَن بن عَوْف شكت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الدَّم فَقَالَ لَهَا: " امكثي قدر مَا كَانَت تحبسك حيضتك ثمَّ اغْتَسِلِي فَكَانَت تَغْتَسِل عِنْد كل صَلَاة " وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدِّمَاء على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فاستفتت لَهَا أم سَلمَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " لتنتظر إِلَى عدد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحيضهن من الشَّهْر، قبل أَن يُصِيبهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فلتترك الصَّلَاة قدر ذَلِك من الشَّهْر. فَإِذا خلفت ذَلِك فلتغتسل ثمَّ لتستثفر بِثَوْب ثمَّ لتصلي " كَذَا رَوَاهُ

(1/410)


مَالك وَلم يسمعهُ سُلَيْمَان من أم سَلمَة إِنَّمَا سَمعه من رجل عَن أم سَلمَة، كَذَلِك رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد وَعبيد الله بن عمر وصخر بن جوَيْرِية عَن نَافِع عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن رجل عَن أم سَلمَة وَرَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن سُلَيْمَان عَن مرْجَانَة عَن أم سَلمَة وَهَذَانِ الخبران وردا فِي الْمُعْتَادَة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (46) :)

وَإِذا استحيضت المبتدأة وَلم تكن مُمَيزَة كَانَ قدرهَا قدر أقل الْحيض فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَقدر غَالب حيض نسائها فِي القَوْل الثَّانِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تحيض أَكثر الْحيض عشرَة أَيَّام، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن عمرَان بن طَلْحَة عَن أمه حمْنَة بنت جحش

(1/411)


قَالَت كنت أسْتَحَاض حَيْضَة كَثِيرَة شَدِيدَة، فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أستفتيه وَأخْبرهُ فَوَجَدته فِي بَيت أُخْتِي زَيْنَب فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض حَيْضَة كَثِيرَة شَدِيدَة فَمَا ترى فِيهَا قد مَنَعَنِي الصَّلَاة وَالصَّوْم قَالَ: " انعت لَك الكرسف فَإِنَّهُ يذهب الدَّم، قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك قَالَ فاتخذي ثوبا، قَالَ هُوَ أَكثر من ذَلِك، إِنَّمَا أثج ثَجًّا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سآمرك بأمرين أَيهمَا فعلت أَجْزَأَ عَنْك من الآخر فَإِن قويت عَلَيْهِمَا فَأَنت أعلم، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّمَا هَذِه ركضة من ركضات الشَّيْطَان فتحيضي سِتَّة أَو سَبْعَة أَيَّام فِي علم الله جلّ وَعز ثمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذا رَأَيْت أَنَّك قد طهرت واستنقأت فَصلي ثَلَاثًا وَعشْرين لَيْلَة أَو أَرْبعا وَعشْرين لَيْلَة وأيامها فَإِن ذَلِك يجْزِيك وَكَذَلِكَ فافعلي فِي كل شهر كَمَا تحيض النِّسَاء وكما يطهرن مِيقَات حيضهن وطهرهن، وَإِن قويت على أَن تؤخري الظّهْر وتعجلي الْعَصْر فتغتسلين فتجمعين بَين الصَّلَاتَيْنِ: الظّهْر وَالْعصر، وتؤخرين الْمغرب وتعجلين الْعشَاء ثمَّ تغتسلين وتجمعين بَين الصَّلَاتَيْنِ فافعلي وصومي: إِن قدرت على ذَلِك، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَهَذَا أحب الْأَمريْنِ

(1/412)


إِلَيّ " وَهَذَا يحملهُ بعض أَصْحَابنَا على المبتدأة وَيكون فِيهِ حجَّة لمن ذهب إِلَى أَنَّهَا ترجع إِلَى عَادَة نسائها سِتا أَي إِن كَانَ عادتهن سِتا أَو سبعا، وَالظَّاهِر أَن هَذَا الحَدِيث ورد فِي الْمُعْتَادَة وَحمْنَة هِيَ أم حَبِيبَة بنت جحش فِي قَول عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَغَيرهَا فِي قَول غَيره وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (47) :)

وَأَقل مُدَّة الْحيض يَوْم وَلَيْلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وَبِنَاء الْمَسْأَلَة لنا على الْوُجُود، وَرُوِيَ عَن عَطاء قَالَ: أدنى

(1/413)


وَقت الْحيض يَوْم.
قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ إِلَيْهِ كَانَ يذهب أَحْمد بن حَنْبَل، وَرُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ: عندنَا هَا هُنَا امْرَأَة تحيض غدْوَة وتطهر عَشِيَّة وَسَنذكر مَا يحتجون بِهِ فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (48) :)

وَأكْثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عشرَة أَيَّام وَبِنَاء الْمَسْأَلَة لنا على الْوُجُود، رُوِيَ عَن عَطاء قَالَ: وَقت الْحيض خمس عشرَة فَإِن زَادَت فَهِيَ مُسْتَحَاضَة وَعَن الْحسن قَالَ: أَكثر الْحيض خمس عشرَة، وَعَن شريك قَالَ: عندنَا امْرَأَة تحيض

(1/414)


خمس عشرَة من الشَّهْر حيضا مُسْتَقِيمًا صَحِيحا وَعنهُ وَعَن الْحسن بن صَالح قَالَا أَكثر الْحيض خمس عشرَة، وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابهم بِمَا روى الْجلد بن أَيُّوب عَن مُعَاوِيَة بن مرّة عَن أنس بن مَالك قَالَ: " الْمُسْتَحَاضَة تنْتَظر ثَلَاثًا، خمْسا، سبعا، عشرا " وَفِي رِوَايَة بِنَحْوِهِ وَزَاد " تسعا وَعشرا " وَلَا تجَاوز فِي أُخْرَى عَنهُ عَن أنس قَالَ: " إِذا جَاوَزت الْعشْر اغْتَسَلت كل يَوْم اغتسالة عِنْد الظّهْر إِلَى مثلهَا وصلت " وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَ فِي الْحَائِض: تنْتَظر خمْسا، سِتا، سبعا فَإِذا جَاوَزت الْعشْرَة فَهِيَ مُسْتَحَاضَة " هَذَا معتمدهم فِي الْمَسْأَلَة. وَالْجَلد بن أَيُّوب لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ الشَّافِعِي فِي مناظرة لَهُ مَعَ الْكُوفِي فِي أقل الْحيض. فَقَالَ لي: إِنَّمَا قلته لشَيْء رويته عَن أنس بن مَالك، قَالَ الشَّافِعِي: فَقلت لَهُ أَلَيْسَ حَدِيث الْجلد بن أَيُّوب قَالَ:

(1/415)


بلَى فَقلت قد أخبرنيه ابْن علية عَن الْجلد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أنس بن مَالك قَالَ: " قرء الْمَرْأَة أَو قَالَ قرء حيض الْمَرْأَة ثَلَاث، أَربع، حَتَّى انْتهى إِلَى عشرَة، وَقَالَ لي ابْن علية: الْجلد أَعْرَابِي لَا يعرف الحَدِيث، وَقَالَ: قد استحيضت امْرَأَة من آل أنس فَسئلَ ابْن عَبَّاس عَنْهَا فَأفْتى فِيهَا وَأنس حَيّ، فَكيف يكون عِنْد أنس بن مَالك مَا قلت من علم الْحيض، ويحتاجون إِلَى مَسْأَلَة غَيره وَنحن وَأَنت لَا نثبت مثل حَدِيث الْجلد ويستدل على غلط من هُوَ أحفظ مِنْهُ بِأَقَلّ من هَذَا، رُوِيَ عَن أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي قَالَ رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل يُنكر حَدِيث الْجلد بن أَيُّوب هَذَا، وَسمعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول لَو كَانَ هَذَا صَحِيحا لم يقل ابْن سِيرِين استحيضت أم ولد لأنس بن مَالك فأرسلوني أسأَل ابْن عَبَّاس وَقَالَ البُخَارِيّ: جلد بن أَيُّوب الْبَصْرِيّ عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة.
قَالَ عبد الله بن عُثْمَان، قَالَ ابْن الْمُبَارك أهل الْبَصْرَة: يضعفون حَدِيث الْجلد قَالَ صَدَقَة وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة قَالَ: جلد وَمَا

(1/416)


جلد؟ وَمن جلد. وَمن كَانَ جلد؟ " وَعَن حَمَّاد بن زيد قَالَ: ذهبت أَنا وَجَرِير بن حَازِم إِلَى الْجلد بن أَيُّوب فحدثنا بِهَذَا الحَدِيث " فِي الْمُسْتَحَاضَة تنْتَظر ثَلَاثًا، خمْسا، سبعا، عشرا " فذهبنا نوقفه فَإِذا هُوَ لَا يفصل بَين الْحيض والاستحاضة، وروى أَبُو بكر بن إِسْحَاق عَن عبيد بن عبد الْوَاحِد حَدثنَا أَبُو الْجمَاهِر حَدثنَا سعيد عَن نصر صَاحب لنا عَن بشار بن أبي سيف أَظُنهُ عَن إِيَاس عَن أنس بن مَالك أَنه قَالَ " حَيْضَة الْمَرْأَة ثَلَاث، سبع، عشر، فَمَا زَاد على ذَلِك فَهِيَ اسْتِحَاضَة "، قَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَاق: نصر صَاحب سعيد وَسَعِيد بن بشير وَمن فَوْقهمَا فيهم نظر وَغَيرهم أوثق مِنْهُم،

(1/417)


وَرُوِيَ عَن الرّبيع بن صبيح عَمَّن سمع أنسا يَقُول: لَا يكون الْحيض أَكثر من عشرَة، الرّبيع لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَلم يذكر اسْم من سمع مِنْهُ وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم أَخذه من الْجلد بن أَيُّوب. قَالَ عَمْرو بن عَليّ: كَانَ يحيى يَعْنِي ابْن سعيد لَا يحدث عَن الرّبيع بن صبيح، وَقَالَ عَفَّان أَحَادِيث الرّبيع مَقْلُوبَة كلهَا وَرُوِيَ عَن عبد الله بن شبيب حَدثنَا إِبْرَاهِيم عَن إِسْمَاعِيل بن دَاوُد عَن الدَّرَاورْدِي عَن عبيد بن عُمَيْر بن ثَابت عَن أنس قَالَ: " هِيَ حَائِض فِيمَا بَينهَا

(1/418)


وَبَين عشرَة فَإِذا زَادَت فَهِيَ مُسْتَحَاضَة " إِسْمَاعِيل بن دَاوُد بن مِخْرَاق من أهل الْمَدِينَة وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ سُلَيْمَان بن دَاوُد بن مِخْرَاق يروي عَن مَالك بن أنس وَأهل الْمَدِينَة يسرق الحَدِيث ويسويه، قَالَ أَبُو حَاتِم: وَعبد الله بن شبيب بن خَالِد القبيسي أَبُو سعيد من أهل الْبَصْرَة يقلب الْأَخْبَار ويسرقها فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ لِكَثْرَة مَا خَالف أقرانه فِي الرِّوَايَات عَن الْأَثْبَات قَالَه أَبُو حَاتِم، وَرُوِيَ عَن وَجه آخر ضَعِيف عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس بن مَالك قَالَ: " لَا تضر الْحَيْضَة بعد عشر لتغتسل ولتصل " رَوَاهُ عَن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عَليّ بن شقير بن يَعْقُوب عَن أَحْمد بن عِيسَى بن هَارُون الْعجلِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مسلمة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أَيُّوب هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول، لَا يحْتَج بِمثلِهِ، وروى عَن عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق كنت مَعَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام. فَقلت لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد حَدِيث

(1/419)


حميد عَن أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْحيض فَذكر قصَّة طَوِيلَة إِلَى أَن قَالَ قلت أخبرنَا أَبُو عصمَة قَالَ حَدثنِي حميد عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام وَمَا بَين الحيضتين خَمْسَة عشر " فَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: " يَا معشر من حضر من يعذرني من هَذَا الْخُرَاسَانِي، يروي عَن حميد شَيْئا لم يخلقه الله، حميد تعد حُرُوف حَدِيثه فِي الْمثل، وسُفْيَان الثَّوْريّ كَانَ من أطلب النَّاس لهَذِهِ الْأُصُول وَحَمَّاد بن سَلمَة حميد خَاله وَنحن أَيْضا قد لَقينَا حميدا يَا عَليّ من هَا هُنَا أتيتم "، وروى ابْن عدي عَن أَحْمد بن الْحُسَيْن حَدثنَا الْحسن بن شبيب الْمكتب حَدثنَا أَبُو يُوسُف عَن الْحسن بن دِينَار عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَخَمْسَة وَسِتَّة وَسَبْعَة وَثَمَانِية وَعشرَة فَإِذا زَادَت على الْعشْرَة فمستحاضة " هَذَا إِنَّمَا يعرف من

(1/420)


حَدِيث الْجلد بن أَيُّوب عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أنس مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَقد بَينا ضعفه فَأَما هَذِه الرِّوَايَة فَإِنَّهَا بَاطِلَة، الْحسن بن دِينَار ضَعِيف، الْحسن بن شبيب يحدث عَن الثِّقَات بِالْبَوَاطِيل قَالَ ابْن عدي وَغَيره وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن حسان بن إِبْرَاهِيم الْكرْمَانِي أخبرنَا عبد الْملك عَن الْعَلَاء قَالَ سَمِعت مَكْحُولًا يَقُول عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يكون الْحيض لِلْجَارِيَةِ وَالثَّيِّب الَّتِي قد آيست من الْحيض أقل من ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا أَكثر من عشرَة أَيَّام " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عبد الْملك هَذَا رجل مَجْهُول، والْعَلَاء هُوَ ابْن كثير وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث وَمَكْحُول لم يسمع من أبي أُمَامَة شَيْئا وَالله أعلم. وَقَالَ البُخَارِيّ: الْعَلَاء بن كثير عَن مَكْحُول: مُنكر الحَدِيث، وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا الوَاسِطِيّ عَن

(1/421)


سُلَيْمَان بن عَمْرو عَن يزِيد بن يزِيد بن حَارِثَة عَن مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحيض عشر فَمَا زَاد فَهِيَ مُسْتَحَاضَة وَالنُّفَسَاء أَرْبَعِينَ فَمَا زَاد فَهِيَ مُسْتَحَاضَة " إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا فِيهِ ضعف وَسليمَان بن عَمْرو النَّخعِيّ رمي بِالْكَذِبِ روى عَن يَعْقُوب بن سُفْيَان، قَالَ: أَبُو دَاوُد النخغي سُلَيْمَان بن عمر قدري رجل سوء كَذَّاب. كَانَ يكذب مُعَاوِيَة، قَالَ إِسْحَاق أتيناه فَقُلْنَا لَهُ أَي شَيْء يعرف فِي أقل الْحيض وَأَكْثَره. فَقَالَ هِشَام بن حسان عَن الْحسن أَن عُثْمَان ابْن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ قَالَ: " الْحَائِض إِذا جَاوَزت

(1/422)


عشرَة أَيَّام فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْمُسْتَحَاضَة، تَغْتَسِل وَتصلي، وَمَا بَين الحيضتين من الطُّهْر، فَقَالَ: الله أكبر قد قَالَ لكم " حَدثنَا يحيى ابْن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَحدثنَا أَبُو طوالة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وجعفر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أقل الْحيض ثَلَاثَة وَأَكْثَره عشرَة، وَأَقل مَا بَين الحيضتين من الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا " قَالَ يَعْقُوب: وَهُوَ أَبُو البخْترِي يضعان الحَدِيث وَقد قيل عَن مَكْحُول عَن زيد بن ثَابت مَرْفُوعا وَلَا يَصح " لَا يكون الْحيض أقل من ثَلَاث وَلَا أَكثر من عشرَة ".
وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أنس الشَّامي

(1/423)


حَدثنَا حَمَّاد بن منهال الْبَصْرِيّ عَن مُحَمَّد بن رَاشد عَن مَكْحُول عَن وَاثِلَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام " قَالَ عَليّ بن عمر: حَمَّاد بن منهال مَجْهُول، وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أنس ضَعِيف وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن هَارُون بن زِيَاد الْقشيرِي عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: الْحيض ثَلَاث وَأَرْبع وَخمْس وست وَسبع وثمان وتسع وَعشر فَإِن زَاد فَهِيَ مُسْتَحَاضَة ".
قَالَ عَليّ بن عمر لم يروه عَن الْأَعْمَش بِهَذَا الْإِسْنَاد غير هَارُون بن زِيَاد وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث، وَلَيْسَ لهَذَا الحَدِيث عِنْد الْكُوفِيّين أصل من الْأَعْمَش وَالله أعلم وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هَارُون بن زِيَاد شيخ يروي عَن الْأَعْمَش، كَانَ مِمَّن يضع الحَدِيث على الثِّقَات، وَرُوِيَ عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَنه قَالَ: " فِي الْمُسْتَحَاضَة

(1/424)


تمكث بعد أقرائها الْيَوْم واليومين حَتَّى تبلغ عشرَة أَيَّام " وَعنهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ: " لَا تكون الْمَرْأَة مُسْتَحَاضَة فِي يَوْمَيْنِ وَلَا ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى تبلغ عشرَة أَيَّام فَإِذا بلغت كَانَت مُسْتَحَاضَة " وَهَذَا الْأَثر لَا بَأْس بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنه قد اخْتلف فِي مَتنه، كَمَا يرى، وَالرِّوَايَة الْأَخِيرَة حجَّة عَلَيْهِم فِي أقل الْحيض إِن كَانَت مُسْتَحَاضَة. وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (49) :)

وَأكْثر النّفاس سِتُّونَ يَوْمًا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَكْثَره أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَبِنَاء الْمَسْأَلَة لنا على الْوُجُود وَقد وجد من يبلغ نفَاسهَا سِتُّونَ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَن عَليّ بن عبد الْأَعْلَى عَن أبي سهل عَن نسية عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " كَانَت النُّفَسَاء على

(1/425)


عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تقعد بعد نفَاسهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة " أَبُو سهل: هُوَ كثير بن زِيَاد البرْسَانِي لَيْسَ لَهُ ذكر فِي الْكِتَابَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ وَذكره أَبُو حَاتِم فِي كتاب الْمَجْرُوحين وَاسْتحبَّ مجانبة مَا انْفَرد بِهِ، وَقد وَثَّقَهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة أبي عِيسَى عَنهُ وَذكر أَنه لَيْسَ لمسة إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَالله أعلم. وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي عَن الحكم عَن مسَّة وَعَن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن مسَّة، وَعَن أبي الْحسن غير مَنْسُوب وَهُوَ عَليّ بن عبد الْأَعْلَى عَن مسَّة والعرزمي مَتْرُوك الحَدِيث لَا يحْتَج بحَديثه وَسَيَجِيءُ فِي بَابه إِن شَاءَ الله مَا يكْشف عَن حَاله، أخبرناه وَذكر طرقه هَذِه إِلَى أم سَلمَة فَذكر أَحَادِيث مِنْهَا مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تجْلِس فِي نفَاسهَا أَرْبَعِينَ لَيْلَة إِلَّا أَن ترى الطُّهْر قبل ذَلِك " ثمَّ إِن هَذَا أَخْبَار عَن عادتهن، وَنحن لَا نذْكر قُصُور النّفاس عَن سِتِّينَ يَوْمًا يُبينهُ الحَدِيث الَّذِي أخبرناه وَذكر عَن أبي سهل حَدَّثتنِي مسَّة الْأَزْدِيَّة قَالَت حججْت

(1/426)


فَدخلت على أم سَلمَة فَقلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ إِن سَمُرَة بن جُنْدُب يَأْمر النِّسَاء يقضين صَلَاة الْحيض. فَقَالَت: لَا تقضين. كَانَت الْمَرْأَة من نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تقعد فِي النّفاس أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا يأمرها النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِقَضَاء صَلَاة النّفاس "، وَرُوِيَ عَن أبي بِلَال الْأَشْعَرِيّ حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن هِشَام بن حسان عَن الْحسن عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَقت للنِّسَاء فِي نفاسهن أَرْبَعِينَ يَوْمًا " أَبُو بِلَال الْأَشْعَرِيّ لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف، وَرُوِيَ عَن عمر بن هَارُون الْبَلْخِي عَن أبي بكر الْهُذلِيّ عَن الْحسن أَن امْرَأَة عُثْمَان ابْن أبي الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ لما تعلت من نفَاسهَا تزينت، فَقَالَ عُثْمَان: ألم أخْبرك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمرنَا أَن نَعْتَزِل النِّسَاء

(1/427)


أَرْبَعِينَ لَيْلَة " قَالَ عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ: رَفعه عمر بن هَارُون عَنهُ وَخَالفهُ وَكِيع حَدثنَا ابْن مخلد حَدثنَا الحساني حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا الْهُذلِيّ عَن الْحسن عَن ابْن أبي الْعَاصِ أَنه كَانَ يَقُول لنسائه " إِذا نفست إحداكن فَلَا تقربني أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَن ترى الطُّهْر قبل ذَلِك " قَالَ عَليّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُس بن عبيد وَأَشْعَث بن سوار ومبارك بن فضَالة عَن الْحسن عَن عُثْمَان مَوْقُوفا وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن الْحصين حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن علاثة عَن عَبدة بن أبي لبَابَة عَن عبد الله بن باباه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ

(1/428)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تنْتَظر النُّفَسَاء أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن رَأَتْ الطُّهْر قبل ذَلِك فَهِيَ طَاهِر وَإِن جَاوَزت الْأَرْبَعين فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْمُسْتَحَاضَة تَغْتَسِل وَتصلي فَإِن عَلَيْهَا الدَّم تَوَضَّأت لكل صَلَاة " عَمْرو بن الْحصين ضَعِيف وَمُحَمّد بن علاثة مَتْرُوك وَقد ذكرنَا فِي مَسْأَلَة الْأُذُنَيْنِ مَا يَقع بِهِ الْكِفَايَة وَرُوِيَ عَن الْعَلَاء بن كثير عَن مَكْحُول عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي الدَّرْدَاء قَالَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " النُّفَسَاء تنْتَظر أَرْبَعِينَ إِلَّا أَن ترى الطُّهْر قبل ذَلِك " تفرد بِهِ الْعَلَاء بن كثير وَهُوَ ضَعِيف جرحه ابْن معِين وَابْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وَرُوِيَ عَن حَفْص بن عمر حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد الشَّامي أَظُنهُ عَن عبَادَة بن نسيء حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ سَمِعت معَاذ بن جبل

(1/429)


يَقُول سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا حيض دون ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا حيض فَوق عشرَة مِمَّا زَاد على ذَلِك فَهِيَ مُسْتَحَاضَة فَمَا زَاد تتوضأ بِكُل صَلَاة إِلَى أَيَّام أقرائها وَلَا نِفَاس دون أسبوعين وَلَا نِفَاس فَوق أَرْبَعِينَ، فَإِن رَأَتْ النُّفَسَاء الطُّهْر دون الْأَرْبَعين صَامت وصلت وَلَا يَأْتِيهَا زَوجهَا إِلَّا بعد الْأَرْبَعين " مُحَمَّد بن سعيد هَذَا هُوَ الَّذِي قتل وصلب فِي الزندقة وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا قد أَجمعُوا على تَركه وَرُوِيَ عَن عبد الْعَزِيز بن أبان حَدثنَا الْحسن بن صَالح عَن عَطاء بن السَّائِب عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي النُّفَسَاء: " إِذا تطاول بهَا الدَّم قَالَ تمسك أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تَغْتَسِل وتطهر وتتوضأ لكل صَلَاة " إِسْنَاده ضَعِيف وَعبد الْعَزِيز بن أبان: جرحه ابْن معِين وَغَيره وَرُوِيَ عَن يحيى بن الْعَلَاء حَدثنِي عبد الحميد عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَقت للنفساء أَرْبَعِينَ يَوْمًا " يحيى بن الْعَلَاء ضَعِيف

(1/430)


جرحه ابْن معِين وَغَيره. وَرُوِيَ عَن عَطاء بن عجلَان عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: " سُئِلت عَائِشَة عَن النُّفَسَاء فَقَالَت سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك فَأمرهَا أَن تمسك أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ تَغْتَسِل ثمَّ تطهر فَتُصَلِّي " قَالَ عَليّ بن عمر: عَطاء بن عجلَان مَتْرُوك الحَدِيث، وَرُوِيَ عَن سَلام بن سلم عَن حميد عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَقت النُّفَسَاء أَرْبَعُونَ يَوْمًا إِلَّا أَن ترى الطُّهْر قبل ذَلِك " قَالَ عَليّ بن عمر: لم يروه عَن حميد غير سَلام هَذَا، وَهُوَ سَلام الطَّوِيل وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ البُخَارِيّ: سَلام بن سلم السَّعْدِيّ الطَّوِيل عَن زيد الْعمي: تَرَكُوهُ، قَالَ الْجوزجَاني: سَلام بن سلم الْمَدَائِنِي: غير ثِقَة " وَرُوِيَ عَن سُفْيَان عَن زيد الْعمي عَن أبي إِيَاس عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَقت النُّفَسَاء أَرْبَعُونَ لَيْلَة إِلَّا أَن ترى الطُّهْر قبل ذَلِك زيد الْعمي

(1/431)


ضَعِيف وَرُوِيَ عَن أنس من قَوْله " وَقت النُّفَسَاء أَرْبَعُونَ يَوْمًا " أخبرنَا أَبُو عبد الله قَالَ: قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن أَيُّوب الْفَقِيه رَحمَه الله إِن صَحَّ الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِك فَلَيْسَ لأحد مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حجَّة إِلَّا أَن زيدا الْعمي وَعبد الْأَعْلَى وَعلي بن عبد الْأَعْلَى وَأَبا سهل ومسة فيهم نظر، وَخبر مَكْحُول عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي الدَّرْدَاء مُرْسل، وَعَطَاء بن عجلَان فِيهِ نظر، وَإِن لم يَصح وَاحِد من هَذِه الْأَخْبَار (فقد صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ لعَائِشَة وَأم سَلمَة: " أنفست. قَالَتَا: نعم " فَسمى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَائِشَة وَأم سَلمَة رَضِي الله عَنْهُمَا الْحيض نفاسا، وَهَذَا مَا لم أعلم فِيهِ خلافًا وَإِذا صَحَّ أَن الْحيض نِفَاس وَقد أَمر الله عز وَجل باعتزال الْحيض وَأخْبر أَن الْحيض أَذَى وَجب بِدَلِيل السّنة وَعُمُوم الْآيَة اعتزالهن، إِلَّا أَن تقوم حجَّة على خُرُوجهَا من النّفاس. وَرُوِيَ عَن جَابر عَن عَامر عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " تجْلِس النُّفَسَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا " وَعَن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ عَن أنس ابْن مَالك مثله، وَجَابِر الْجعْفِيّ لَا يحْتَج بحَديثه، وَقد قيل عَن جَابر عَن عبد الله بن بشار وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك، وَرُوِيَ عَن هِشَام بن حسان عَن الْجلد بن أَيُّوب عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن عَائِذ بن

(1/432)


عَمْرو. قَالَ وَكَانَ مِمَّن بَايع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَحت الشَّجَرَة قَالَ: نفست امْرَأَة لَهُ فرأت الطُّهْر بعد عشْرين يَوْمًا فاغتسلت ثمَّ جَاءَت تدخل مَعَه فِي لِحَافه فَوجدَ مَسهَا فَقَالَ من هَذِه؟ قَالَت: فُلَانَة، قَالَ: مَا لَك: قَالَت: لَا إِلَّا أَنِّي رَأَيْت الطُّهْر فاغتسلت فضربها بِرجلِهِ فأقامها عَن فرَاشه. وَقَالَ لَا تغريني عَن ديني حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعُونَ يَوْمًا الْجلد مَتْرُوك وَلَيْسَ على هَذَا عمل وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (50) :)

والمستحاضة تتوضأ لكل صَلَاة فَرِيضَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَنَّهَا تتوضأ لوقت كل صَلَاة وَتصلي بوضوئها مَا شَاءَت من الْفَرَائِض

(1/433)


والنوافل مَا لم يخرج وَقت الصَّلَاة، فَإِذا خرج وَقتهَا انْتقض طهرهَا. وَدَلِيلنَا من الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن حبيب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر. فَقَالَ: أحصي أَيَّام حيضتك ثمَّ اغْتَسِلِي وتوضئي لكل صَلَاة وَإِن قطر الدَّم على الْحَصِير " يُقَال إِن عُرْوَة هَذَا لَيْسَ بِابْن الزبير إِنَّمَا هُوَ الْمُزنِيّ وَقد سبق ذكره فِي مَسْأَلَة اللَّمْس وَقد وَقفه حَفْص، وَرُوِيَ عَن عُثْمَان بن سعد الْقرشِي حَدثنَا ابْن أبي مليكَة قَالَ: جَاءَت خَالَتِي فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت: إِنِّي أَخَاف أَن أقع فِي النَّار أدع الصَّلَاة السّنة والسنتين لَا أُصَلِّي، فَقَالَت: انتظري حَتَّى يَجِيء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فجَاء فَقَالَت عَائِشَة: هَذِه فَاطِمَة تَقول كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قولي لَهَا فلتدع الصَّلَاة فِي كل شهر أَيَّام قرؤها ثمَّ لتغتسل فِي كل يَوْم غسلا وَاحِدًا ثمَّ الطّهُور عِنْد كل صَلَاة ولتنظف ولتحتشي فَإِنَّمَا هُوَ دَاء عرض أَو ركضة من

(1/434)


الشَّيْطَان، أَو عرق انْقَطع " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا هُوَ حَدِيث صَحِيح، وَعُثْمَان بن سعد الْكَاتِب بَصرِي ثِقَة غزير الحَدِيث يجمع حَدِيثه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله: وَقد تكلم فِيهِ غَيره وَفِيه لين وَقد تَابعه الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن ابْن أبي مليكَة بِمَعْنَاهُ، عَن عَائِشَة فِي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لفاطمة: " إِذا أَقبلت أَيَّام أَقْرَائِك فأمسكي عَلَيْك فَإِذا مَضَت فاغتسلي ثمَّ اطهري لكل صَلَاة " يَعْنِي الْوضُوء. وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ عَن قمير امْرَأَة مَسْرُوق عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: " الْمُسْتَحَاضَة تدع الصَّلَاة أَيَّام حَيْضهَا ثمَّ تَغْتَسِل ثمَّ تتوضأ عِنْد كل صَلَاة وضؤا " وروى أَبُو دَاوُد عَن عدي بن ثَابت عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمُسْتَحَاضَة " تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي وَالْوُضُوء عِنْد كل صَلَاة " قَالَ الدوري: سَمِعت يحيى بن

(1/435)


معِين يَقُول عدي بن ثَابت عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: يحيى وجده اسْمه دِينَار وَقد قيل فِيهِ عَن عدي بن ثَابت عَن أَبِيه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْمُسْتَحَاضَة تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها ثمَّ تَغْتَسِل وتتوضأ كل صَلَاة وَتصلي " وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف القَاضِي عَن عبد الله بن عَليّ يَعْنِي الإفْرِيقِي عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر الْمُسْتَحَاضَة بِالْوضُوءِ لكل صَلَاة " وَرُوِيَ عَن سمي مولى أبي بكر عَن ابْن الْمسيب قَالَ: " تَغْتَسِل من ظهر إِلَى ظهر

(1/436)


وتتوضأ لكل صَلَاة فَإِن عَلَيْهَا الدَّم استثفرت بِثَوْب " وَالله أعلم.

(1/437)


صفحة فارغة

(1/438)


(كتاب الصَّلَاة)

ذكر مَا اخْتلف فِيهِ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة رحمهمَا الله من كتاب الصَّلَاة فِيمَا ورد فِيهِ خبر أَو أثر.
(مَسْأَلَة (51) :)

وَقت الْعَصْر يدْخل بمصير ظلّ كل شَيْء مثله، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يدْخل وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ. دليلنا من الْخَبَر مَا أخبرنَا وَذكر إِسْنَاد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال حَدثنِي أَبُو بكر بن أبي أويس حَدثنِي سُلَيْمَان بن

(1/439)


بِلَال قَالَ: قَالَ صَالح بن كيسَان: سَمِعت أَبَا بكر بن حزم بلغه أَن أَبَا مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " نزل جِبْرِيل على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالصَّلَاةِ فَأمره فصلى " وَذكر الحَدِيث وَفِيه ثمَّ صلى الْعَصْر حَتَّى كَانَ ظلّ كل شَيْء بِقَدرِهِ مرّة، وَفِيه وَأخر الْعَصْر إِلَى قدر ظله مرَّتَيْنِ وَفِي أَخّرهُ ثمَّ قَالَ: " مَا بَين هذَيْن صَلَاة "، قَالَ صَالح بن كيسَان: وَكَانَ عَطاء بن أبي رَبَاح يحدث عَن جَابر بن عبد الله فِي وَقت الصَّلَاة نَحْو مَا كَانَ أَبُو مَسْعُود يحدث قَالَ صَالح. وَكَانَ عَمْرو بن دِينَار وَأَبُو الزبير الْمَكِّيّ يحدثان مثل ذَلِك عَن جَابر. رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات،

(1/440)


فقد احْتج البُخَارِيّ بِأَيُّوب بن سُلَيْمَان وَسَائِر رُوَاته مُتَّفق على عدالتهم وَحَدِيث جَابر مُتَّصِل وَشَاهده من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ سَأَلَ رجل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن وَقت الصَّلَاة فَقَالَ: صل مَعنا فصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَذكر الحَدِيث فِي الْمَوَاقِيت وَذكر فِي وَقت الْعَصْر بِمَعْنَاهُ وَتَابعه برد بن سِنَان وَعبد الْكَرِيم بن الْمخَارِق عَن عَطاء بِمثل رِوَايَة وهب بن كيسَان عَن جَابر وَذَلِكَ مخرج بعد هَذَا. وَرُوِيَ عَن سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث المَخْزُومِي عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن حنيف عَن نَافِع بن جُبَير ابْن مطعم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أمني جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ " فَذكر الحَدِيث بِمَعْنى مَا تقدم. وَهَكَذَا رَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن

(1/441)


مُحَمَّد الداروردي عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة عَنهُ قَالَ الشَّافِعِي وَبِهَذَا نَأْخُذ وَهَذِه الْمَوَاقِيت فِي الْحَضَر، وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَعْنى حَدِيث هَؤُلَاءِ.
وَرُبمَا استدلوا بِحَدِيث ابْن عمر فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث نَافِع عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّكُم مثلكُمْ وَمثل أهل الْكِتَابَيْنِ قبلكُمْ مثل رجلَيْنِ استأجرا أَجِيرا فَقَالَ: " من يعْمل مَا بَين غدْوَة إِلَى نصف النَّهَار على قِيرَاط فَعمِلت الْيَهُود ثمَّ قَالَ: من يعْمل لي مَا بَين نصف النَّهَار إِلَى الْعَصْر على قِيرَاط فَعمِلت النَّصَارَى ثمَّ قَالَ: من يعْمل لي مَا بَين الْعَصْر إِلَى الْمغرب على قيراطين فعملتم أَنْتُم فَغضِبت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقَالُوا مالنا أَكثر عملا

(1/442)


وَأَقل عَطاء، قَالَ: هَل نقصتكم من حقكم شَيْئا، قَالُوا: لَا فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ فضلي أوتيه من أَشَاء " وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لجَوَاز حُصُول الْعَمَل الْكثير فِي الزَّمَان الْيَسِير فَلَا يدل ذَلِك على أَن وَقت الظّهْر أطول، ثمَّ قد رَوَاهُ سَالم عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا بقاؤكم فِيمَن سلف من الْأُمَم كَمَا بَين من صَلَاة الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس أُوتِيَ أهل التَّوْرَاة التَّوْرَاة فعملوا حَتَّى انتصف النَّهَار ثمَّ عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثمَّ أُوتِيَ أهل الْإِنْجِيل الْإِنْجِيل فعملوا حَتَّى صليت الْعَصْر ثمَّ عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثمَّ أُوتِيتُمْ الْقُرْآن فعملتم حَتَّى غربت وأعطيتم قيراطين قيراطين فَقَالَ أهل الْكتاب: هَؤُلَاءِ أقل عملا وَأكْثر أجرا. قَالَ الله: هَل ظلمتكم من حقكم من شَيْء؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَهُوَ فضلي أوتيه من أَشَاء ". رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون عمل النَّصَارَى من أول النَّهَار إِلَى صَلَاة الْعَصْر فَلذَلِك قَالُوا مَا لنا أَكثر عملا، وَقَوله: وأوتي أهل الْإِنْجِيل الْإِنْجِيل يرجع إِلَى بَعثه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، ونزول الْإِنْجِيل عَلَيْهِ لَا إِلَى وَقت الظّهْر، وَمن أول النَّهَار إِلَى وَقت الْعَصْر يكون زمَان الْيَهُود فَلذَلِك قَالُوا فِي الْمثل: مَا بالنا أَكثر عملا وَأَقل أجرا.
ثمَّ قد خَالفه أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي لفظ الحَدِيث فَرَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مثل الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى كَمثل رجل اسْتَأْجر

(1/443)


قوما يعْملُونَ عملا إِلَى اللَّيْل على أجر مَعْلُوم، فعملوا إِلَى نصف النَّهَار ثمَّ قَالُوا: لَا حَاجَة لنا فِي أجرتك الَّتِي شرطت لنا؟ وَمَا عَملنَا بَاطِل فَقَالَ لَهُم: لَا تَفعلُوا اعْمَلُوا بَقِيَّة يومكم وخذوا أجركُم كَامِلا. فَأَبَوا فتركوا ذَلِك عَلَيْهِ، واستأجر قوما آخَرين، فَقَالَ لَهُم اعْمَلُوا بَقِيَّة يومكم هَذَا وَلكم الَّذِي شرطت لهَؤُلَاء من الْأجر، فعملوا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر، قَالُوا: لَك مَا عَملنَا بَاطِل، وَلَك الْأجر الَّذِي جعلت لنا لَا حَاجَة لنا فِيهِ. فَقَالَ لَهُم: كملوا بَقِيَّة يومكم فَإِنَّمَا بَقِي من النَّهَار شَيْء يسير وخذوا أجركُم فَأَبَوا عَلَيْهِ، فاستأجر قوما آخَرين فعملوا لَهُ بَقِيَّة يومهم حَتَّى إِذا غَابَتْ الشَّمْس فاستكملوا أجر الْفَرِيقَيْنِ وَالْأَجْر كُله ذَلِك مثل الْيَهُود وَالنَّصَارَى تركُوا مَا أَمرهم الله، وَمثل الْمُسلمين قبلوا هدى الله وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح بِمَعْنَاهُ فَهَذَا الحَدِيث بِمَعْنى مَا رَوَاهُ عبد الله بن عمر وَالْقَصْد مِنْهُ بَيَان إِكْمَال الْمُسلمين مَا استعملوا لَهُ دون الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَلذَلِك استحقوا بوعد الله تَعَالَى مَا استؤجروا عَلَيْهِ، وَلَا دلَالَة لَهُم فِي هَذَا أَو الرُّجُوع فِي بَيَان الْأَوْقَات إِلَى الْأَخْبَار الَّتِي سبقت لَهَا لَا لما سبق لِمَعْنى آخر وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَهُوَ أعلم بِالصَّوَابِ.

(1/444)


(مَسْأَلَة (52) :)

ولصلاة الْمغرب وَقت وَاحِد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهَا وقتان، وَقد قَالَه الشَّافِعِي مُعَلّقا على صِحَة الْخَبَر وَالدَّلِيل على أَن لَهَا وقتا وَاحِدًا مَا رُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين زَالَت الشَّمْس إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الْمَوَاقِيت وَقَالَ فِيهِ: ثمَّ جَاءَهُ للمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس وقتا وَاحِدًا، نزل عَنهُ فَقَالَ: " قُم فصل الْمغرب " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور، من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك.
وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَذَا جِبْرِيل يعلمكم دينكُمْ فَذكر مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَذكر أَنه صلى الْمغرب حِين غربت الشَّمْس، ثمَّ لما جَاءَهُ من الْغَد صلى حِين غربت الشَّمْس فِي وَقت وَاحِد " وَقد روى الْحسن بن عمَارَة عَن ابْن عقيل عَن جَابر حَدِيث الْمَوَاقِيت وَقَالَ فِيهِ: " وَصلى الْمغرب يَعْنِي فِي الْيَوْم الثَّانِي بعد مَا غَابَ الشَّفق " وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على خلاف هَذَا

(1/445)


وَالْحسن بن عمَارَة مَتْرُوك الحَدِيث، وَرُوِيَ عَن نَافِع بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس " أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى بِهِ الصَّلَوَات فِي وَقْتَيْنِ إِلَّا الْمغرب ".
وَفِي حَدِيث أبي مَسْعُود فِي الْمَوَاقِيت لم يذكرهَا إِلَّا وقتا وَاحِدًا وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كل صَلَاة فِي وَقْتَيْنِ إِلَّا الْمغرب فَإِنَّهُ صلاهَا فِي وَقت وَاحِد " وَفِي الصَّحِيح عَن جَابر وَفِي صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة، وَيُصلي الْعَصْر وَالشَّمْس حَيَّة وَيُصلي الْعَصْر إِذا وَجَبت وَيُصلي الْعشَاء إِذا كثر النَّاس عجل وَإِذا قلوا أخر وَيُصلي الصُّبْح بِغَلَس فَهَذَا فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبدا لهَذِهِ الصَّلَاة فِي وَقت وَاحِد وَقد قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ واتفقا على إِخْرَاجه فِي الصَّحِيح من حَدِيثه عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة حَدثنَا أَبُو سُلَيْمَان مَالك بن الْحُوَيْرِث قَالَ: قَالَ لنا

(1/446)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم وليؤمكم أكبركم ".
وعَلى هَذَا إِجْمَاع الْمُسلمين عملا حَتَّى لَا تكَاد تُوجد عِنْد غرُوب الشَّفق جمَاعَة فِي صَلَاة الْمغرب فَصَارَ ذَلِك كإجماعهم على أعداد رَكْعَات الصَّلَوَات، ورد بِإِسْنَاد رُوَاته كلهم ثِقَات عَن مرْثَد بن عبد الله قَالَ: قدم علينا أَبُو أَيُّوب غازيا وَعقبَة بن عَامر يَوْمئِذٍ على مصر، فَأخر الْمغرب فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوب فَقَالَ: مَا هَذِه الصَّلَاة يَا عقبَة، فَقَالَ: شغلنا فَقَالَ: أما سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا تزَال أمتِي بِخَير أَو قَالَ على الْفطْرَة مَا لم يؤخروا الْمغرب إِلَى أَن تشتبك النُّجُوم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَشَاهده حَدِيث الْعَبَّاس بن

(1/447)


عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ بِمَعْنَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن سَلمَة قَالَ: " كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمغرب إِذا تَوَارَتْ بالحجاب " وروى رَافع بن خديج قَالَ: " كُنَّا نصلي الْمغرب على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيَنْصَرِف أَحَدنَا وَإنَّهُ لينْظر إِلَى مواقع نبله "، وَكتب عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى عماله أَن صلوا الْمغرب إِذا غربت الشَّمْس وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى مُسلم فِي الصَّحِيح عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة سمع أَبَا أَيُّوب عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " وَقت الظّهْر مَا لم يحضر الْعَصْر وَوقت الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس وَوقت الْمغرب مَا لم يسْقط ثَوْر الشَّفق وَوقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل

(1/448)


وَوقت الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس كَذَا أخرجه مُسلم وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن شُعْبَة وَقَالَ فِيهِ: قَالَ شُعْبَة: حَدثنِي بِهِ ثَلَاث مَرَّات فرفعه مرّة إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومرتين لم يرفعهُ وَكَذَلِكَ قَالَ يحيى بن أبي بكير عَن شُعْبَة وَقَالَ أَبُو عَامر الْعَقدي عَن شُعْبَة حَدثنِي بِهِ مرَّتَيْنِ مرّة رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمرَّة لم يرفعهُ والْحَدِيث فِي رَفعه شكّ وَالله أعلم، ثمَّ إِنَّه أَرَادَ بذلك جَوَاز مدها بعد دُخُوله فِيهَا عِنْد غرُوب الشَّمْس إِلَى غيبوبة الشَّفق وَذَلِكَ جَائِز فِي قَول بعض أَصْحَابنَا وروى مُسلم أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عرْعرة حَدثنَا حرمي بن عمَارَة حَدثنَا شُعْبَة عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ: " اشْهَدْ مَعنا الصَّلَاة فَأمر بِلَالًا فَأذن " فَذكر الحَدِيث فِي الْمَوَاقِيت وَذكر فِي صَلَاة الْمغرب أَنه أمره بهَا من الْغَد قبل أَن يَقع الشَّفق وَقَالَ فِي

(1/449)


آخِره أَيْن السَّائِل؟ مَا بَين مَا رَأَيْت وَقت ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد وَيُقَال عَنهُ أَخذه شُعْبَة، أخبرناه أَبُو عبد الله، وَذكر إِسْنَاد ابْن إِسْحَق أخبرنَا مُحَمَّد بن يُونُس حَدثنَا عباد بن صُهَيْب وَذكرت لَهُ حَدِيث شُعْبَة عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد فِي الْمَوَاقِيت فَقَالَ: أَنا وَالله سَأَلت شُعْبَة فَقَالَ شُعْبَة: حَدثنِي سُفْيَان بن سعيد عَن عَلْقَمَة عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أمني جِبْرِيل " وَذكر الحَدِيث، وَيُقَال: إِنَّمَا أَخذه عَن قيس بن الرّبيع، أخبرنَا أَبُو صَالح الْعَنْبَري حَدثنَا يحيى بن مَنْصُور القَاضِي حَدثنَا أَحْمد بن سَلمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا حرمي بن عمَارَة حَدثنَا شُعْبَة عَن عَلْقَمَة عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَوَاقِيت. قَالَ ابْن بشار: فَذكرت هَذَا الحَدِيث لأبي دَاوُد فَقَالَ يَنْبَغِي أَن يكبر على صَاحب هَذَا الحَدِيث، فَقلت لَهُ: فَقَالَ: هُوَ من حَدِيث قيس فمحوته. قَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَق بن خُزَيْمَة: " غلط أَبُو دَاوُد وَغير بنْدَار وَهَذَا خبر صَحِيح على مَا قد رَوَاهُ الثَّوْريّ أَيْضا عَن عَلْقَمَة ".

(1/450)


وَأخرج مُسلم أَيْضا حَدِيث الْمَوَاقِيت عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي رِوَايَة قَالَ: ثمَّ أخر الْمغرب حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد سُقُوط الشَّفق، وَفِي أُخْرَى: وَصلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق فِي الْيَوْم الثَّانِي، وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن للصَّلَاة أَولا وآخرا " فَذكر الحَدِيث فِي مَوَاقِيت الصَّلَاة وَقَالَ فِي الْمغرب " وَإِن أول وَقت الْمغرب حِين تغرب الشَّمْس، وَإِن آخر وَقتهَا حِين يغيب الْأُفق " قَالَ عَليّ بن عمر: " هَذَا لَا يَصح مُسْندًا وهم فِي إِسْنَاده ابْن فُضَيْل، وَغَيره يرويهِ عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد مُرْسلا ". وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: يُقَال أَن مُحَمَّد بن فُضَيْل بن غَزوَان واهم فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يُقَال، وَقَالَ الدوري: سَمِعت يحيى بن معِين يضعف حَدِيث مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: واحسب يحيى يُرِيد " أَن للصَّلَاة أَولا وآخرا "

(1/451)


وَقَالَ: إِنَّمَا يرْوى عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد. وَقَالَ الدوري: سَمِعت يحيى يَقُول حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن للصَّلَاة أَولا وآخرا " رَوَاهُ النَّاس كلهم عَن الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد مُرْسل وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (53) :)

والشفق الَّذِي يدْخل بغروبه وَقت الْعشَاء هُوَ الْحمرَة وَقَالَ

(1/452)


أَبُو حنيفَة: هُوَ الْبيَاض. وَدَلِيلنَا من الْخَبَر مَا روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير قَالَ أَنا أعلم النَّاس بِوَقْت هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصليهَا لسُقُوط الْقَمَر لثالثه والشفق الَّذِي هُوَ الْبيَاض لَا يغيب إِلَّا بعد ذَلِك بِزَمَان وَقد صلاهَا قبله وروى فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فِي الْمَوَاقِيت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَوقت الْمغرب إِلَى أَن تذْهب حمرَة الشَّفق " وَفِي حَدِيث جَابر قَالَ يَعْنِي فِي الْقَدِيم: " صلى الْمغرب قبل غيبوبة الشَّفق " وروى عَبَّاس الدوري عَن يحيى بن معِين حَدثنَا عقبَة بن خَالِد حَدثنَا عبد الله بن نَافِع أَخْبرنِي أبي أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: " الشَّفق: الْحمرَة فَإِذا ذهبت الْحمرَة فقد غَابَ الشَّفق "، قلت

(1/453)


ليحيى: سمع عقبَة من عبد الله بن نَافِع قَالَ: نعم وَمَا ننكر. وروى الشَّفق: الْحمرَة مَرْفُوعا أَبُو حذافة أَحْمد بن إِسْمَاعِيل السَّهْمِي عَن مَالك عَن نَافِع وَرُوِيَ كَذَلِك عَن عَتيق بن يَعْقُوب عَن مَالك مُسْندًا وَلَيْسَ بِشَيْء وَالصَّحِيح مَوْقُوف وَرُوِيَ عَن عبد الله بن نَافِع الصَّائِغ عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه: الشَّفق الْحمرَة، قَالَ ذَلِك عمر بن الْخطاب، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَعَن دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مَكْحُول أَن عبَادَة وَشَدَّاد بن أَوْس قَالَا:

(1/454)


أَن الشَّفق: شفقان الْحمرَة وَالْبَيَاض فَإِذا تَوَارَتْ الْحمرَة حلت الصَّلَاة، وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " الشَّفق الْحمرَة " قَالَ الْفراء: الشَّفق الْحمرَة الَّتِي فِي الْمغرب من الشَّمْس، حَدثنِي ابْن أبي يحيى عَن الْحُسَيْن بن عبيد الله بن ضميرَة عَن أَبِيه عَن جده رَفعه قَالَ: " الشَّفق: الْحمرَة " قَالَ الْفراء: وَسمعت بعض الْعَرَب يَقُول عَلَيْهِ ثوب مصبوغ كَأَنَّهُ الشَّفق وَكَأَنَّهُ أَحْمَر فَهَذَا شَاهد الْحمرَة وَالله أعلم.

(1/455)


(مَسْأَلَة (54) :)

وَآخر وَقت الِاخْتِيَار فِي صَلَاة الْعشَاء أَن لَا تتجاوز ثلث اللَّيْل فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبْقى إِلَى نصف اللَّيْل وَهُوَ القَوْل الآخر فَوجه قَوْلنَا لَا يتَجَاوَز ثلث اللَّيْل، مَا حَدثنَا وَذكر إِسْنَادًا إِلَى شُعْبَة عَن سيار بن سَلامَة أبي الْمنْهَال أَنه سمع أَبَا بَرزَة وَسَأَلَهُ أبي فَقَالَ: كَيفَ كَانَت صَلَاتكُمْ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " كَانَ يُصَلِّي بِنَا وَذكر الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ وَكَانَ يُصَلِّي بِنَا الْعشَاء لَا يُبَالِي أَن يؤخرها إِلَى ثلث اللَّيْل " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح عَن عبيد بن معَاذ عَن

(1/456)


أَبِيه عَن شُعْبَة بِنَحْوِ من مَعْنَاهُ وَقَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ معَاذ: قَالَ شُعْبَة: ثمَّ لَقيته مرّة فَقَالَ: " أَو ثلث اللَّيْل ".
وَعند مُسلم حَدِيث ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَوَاقِيت وَفِيه فَأمره يَعْنِي من الْغَد فَأَقَامَ الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل وَفِي آخِره قَالَ: وَقت صَلَاتكُمْ مَا بَين مَا أريتكم " وَعِنْده أَيْضا حَدِيث أبي مُوسَى فِي الْمَوَاقِيت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه وَصلى الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة؟ " الْوَقْت فِيمَا بَين هذَيْن "، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد أبي دَاوُد " أمني جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ وَقَالَ فِيهِ وَصلى بِي الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل، وَصلى بِي الْفجْر فأسفر ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ "، وروى البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " وَكَانُوا يصلونَ فِيمَا بَين أَن يغيب الشَّفق إِلَى ثلث اللَّيْل الأول " وروى مَالك عَن نَافِع " أَن عمر كتب إِلَى عماله أَن أهم أَمركُم عِنْدِي الصَّلَاة وَذكر فِي الْكتاب وَمِنْه فِي الْمَوَاقِيت وَالْعشَاء إِذا غَابَ الشَّفق إِلَى ثلث اللَّيْل فَمن نَام فَلَا نَامَتْ عَيْنَيْهِ " هَذَا مُرْسل. وروى مَالك عَن يزِيد بن

(1/457)


زِيَاد عَن عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة أَنه سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة عَن وَقت الصَّلَاة فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: " وَالْعشَاء مَا بَيْنك وَبَين ثلث اللَّيْل فَإِن نمت إِلَى نصف اللَّيْل فَلَا نَامَتْ عَيْنك ".
وَأما وَجه قَوْلنَا أَنه يبْقى إِلَى نصف اللَّيْل فَحَدِيث أنس أَنه سُئِلَ هَل اصْطنع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَاتمًا؟ قَالَ: " نعم، أخر الصَّلَاة صَلَاة الْعشَاء ذَات لَيْلَة إِلَى شطر اللَّيْل فَلَمَّا صلى أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: النَّاس قد صلوا ورقدوا وَأَنْتُم لن تزالوا فِي صَلَاة مُنْذُ انتظرتم الصَّلَاة وَكَأَنِّي أنظر إِلَى وبيض خَاتمه " اتفقَا على صِحَّته معنى ولفظا. وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عِنْد مُسلم عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَوَاقِيت " وَوقت صَلَاة الْعشَاء مَا بَيْنك وَبَين نصف اللَّيْل " وَعند البُخَارِيّ حَدِيث أبي بَرزَة كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فَذكر الْوَقْت بِتَأْخِير الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ قَالَ: إِلَى شطر اللَّيْل. وَعند مُسلم

(1/458)


عَن سيار بن سَلامَة سَمِعت أبي يسْأَل أَبَا بَرزَة عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " كَانَ لَا يُبَالِي بعد تَأْخِيرهَا يَعْنِي الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل " الحَدِيث.
وَرُوِيَ عَن الْمفضل بن عَاصِم أخبرنَا دَاوُد بن أبي هِنْد عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ: أخر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة إِلَى قريب من شطر اللَّيْل ثمَّ خرج فصلى بهم وَقَالَ: " إِنَّكُم لن تزالوا فِي صَلَاة مَا انتظرتموها وَلَوْلَا كبر الْكَبِير وَضعف الضَّعِيف قَالَ وَأَحْسبهُ قَالَ: وَذُو الْحَاجة لأخرت هَذِه الصَّلَاة إِلَى شطر اللَّيْل " هَكَذَا رَوَاهُ بشر بن الْمفضل عَن دَاوُد وَرُوَاته كلهم ثِقَات فقد احْتج مُسلم بِأبي نَضرة الْمُنْذر بن مَالك، وَدَاوُد ابْن أبي هِنْد. وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة عَن دَاوُد عَن أبي نَضرة عَن جَابر قَالَ: خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَصْحَابه وهم ينتظرون الْعشَاء فَقَالَ: " النَّاس صلوا ورقدوا وَأَنْتُم تنتظرونها أما أَنكُمْ فِي صَلَاة مَا انتظرتموها وَلَوْلَا ضعف الضَّعِيف وَكبر الْكَبِير

(1/459)


لأخرت هَذِه الصَّلَاة إِلَى شطر اللَّيْل " وروى مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن صل الْعَصْر وَالشَّمْس بَيْضَاء نقية قدر مَا يسير الرَّاكِب ثَلَاث فراسخ وَأَن صل الْعَتَمَة مَا بَيْنك وَبَين ثلث اللَّيْل فَإِن أخرت فَإلَى شطر اللَّيْل هَذَا مُرْسل وَالصَّحِيح فِي الْمَذْهَب أَن وَقت الِاخْتِيَار لصَلَاة الْعشَاء يبْقى إِلَى نصف اللَّيْل وَأَن الزِّيَادَة على ثلث اللَّيْل مستفادة من هَذِه الْأَخْبَار وَهِي بعد إِمَامَة جِبْرِيل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فالمصير إِلَيْهَا أولى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَهُوَ أعلم.
(مَسْأَلَة (55) :)

وَالْأَذَان لصَلَاة الصُّبْح صَحِيح قبل الْفجْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح وَدَلِيلنَا مَا أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن سَالم عَن أَبِيه أَن

(1/460)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن أم مَكْتُوم " وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّحِيح عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم مَكْتُوم " وَبِمَعْنَاهُ أَخْرجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَغُرنكُمْ نِدَاء بِلَال وَلَا هَذَا الْبيَاض حَتَّى ينفجر الْفجْر هَكَذَا " وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يمنعن أحدكُم أَذَان بِلَال من سحوره فَإِنَّهُ يُؤذن أَو يُنَادي ليرْجع قائمكم وينبه نائمكم " قَالَ مَالك: " لم يزل الصُّبْح يُنَادى لَهُ قبل الْفجْر فَأَما غَيرهَا فِي الصَّلَوَات فَإنَّا لم نرها يُنَادى لَهَا إِلَّا بعد أَن حل وَقتهَا " وَاسْتدلَّ بعض أَئِمَّتنَا رَضِي الله

(1/461)


عَنْهُم بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا سمع أحدكُم الْأَذَان والإناء على يَده فَلَا يَضَعهُ حَتَّى يقْضِي حَاجته مِنْهُ ".
وَالِاسْتِدْلَال بِهَذَا وَاضح إِلَّا أَنه فِي بعض الرِّوَايَات: وَكَانَ المؤذنون يُؤذنُونَ إِذا بزغ الْفجْر وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ الْأَذَان الثَّانِي وَأَرَادَ بِالْيَدِ الْأَذَان الأول، وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَن بِلَالًا أذن قبل طُلُوع الْفجْر فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يرجع فينادي أَلا إِن العَبْد نَام، أَلا إِن العَبْد نَام فَرجع فَنَادَى أَلا إِن العَبْد نَام " قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لم يروه عَن أَيُّوب إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة. وَقَالَ إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن جبلة سَأَلت عليا عَن حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر: " أَن بِلَالًا أذن بلَيْل فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْجع فَنَادِ إِن العَبْد نَام " فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي خطأ لم يُتَابع حَمَّاد بن سَلمَة على هَذَا إِنَّمَا روى أَن بِلَالًا كَانَ يُنَادي

(1/462)


بلَيْل قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد تَابعه سعيد بن زَرْبِي وَهُوَ ضَعِيف فَأَما حَمَّاد بن سَلمَة فَإِنَّهُ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين، حَتَّى قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: إِذا رَأَيْت الرجل يغمز حَمَّاد بن سَلمَة فاتهمه فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدا على أهل الْبدع، إِلَّا أَنه لما طعن فِي السن سَاءَ حفظه وَلذَلِك ترك البُخَارِيّ الِاحْتِجَاج بحَديثه، وَأما مُسلم فَإِنَّهُ اجْتهد فِي أمره وَأخرج من حَدِيثه عَن ثَابت مَا سمع مِنْهُ قبل تغيره وَمَا سوى حَدِيثه عَن ثَابت لَا يبلغ أَكثر من اثْنَي عشر حَدِيثا أخرجهَا فِي الشواهد دون الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِذا كَانَ الْأَمر على هَذَا فالاحتياط لمن راقب الله تَعَالَى أَن لَا يحْتَج بِمَا يجد من أَحَادِيثه مُخَالفا لأحاديث الثِّقَات الْأَثْبَات وَهَذَا الحَدِيث من جُمْلَتهَا فقد أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا عَن معمر عَن أَيُّوب قَالَ " أذن بِلَال

(1/463)


مرّة بلَيْل ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مُرْسل.
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك ابْن أبي مَحْذُورَة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن بِلَالًا رَضِي الله عَنهُ أذن قبل طُلُوع الْفجْر قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا حملك على ذَلِك قَالَ: استيقظت وَأَنا وَسنَان فَظَنَنْت أَن الْفجْر قد طلع فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُنَادي بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا أَن العَبْد قد نَام وَأَقْعَدَهُ إِلَى جنبه حَتَّى طلع الْفجْر " هَكَذَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم عَن عبد الْعَزِيز وَخَالفهُ شُعَيْب بن حَرْب فَقَالَ عَن عبد الْعَزِيز عَن نَافِع عَن مُؤذن لعمر يُقَال لَهُ مسروح أذن قبل الصُّبْح فَأمره عمر وَذكر بِنَحْوِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد:

(1/464)


رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع أَو غَيره " أَن مُؤذنًا يُقَال لَهُ مسرح أَو غَيره. وَرَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ لعمر رَضِي الله عَنهُ مُؤذن يُقَال لَهُ مَسْعُود فَذكر نَحوه، قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أصح من ذَلِك يَعْنِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أصح، وروى من وَجه آخر عَن عبد الْعَزِيز مَوْصُولا وَلَا يَصح رَوَاهُ عَامر بن مدرك عَنهُ عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن بِلَالًا أذن قبل الْفجْر فَغَضب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأمره أَن يُنَادي " أَن العَبْد نَام فَوجدَ بِلَال وجدا شَدِيدا ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم فِيهِ عَامر بن مدرك، وَالصَّوَاب عَن شُعَيْب بن حَرْب عَن عبد الْعَزِيز عَن نَافِع عَن مُؤذن عمر عَن عمر رَضِي الله عَنهُ من قَوْله، وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك وَلَا يَصح، وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف القَاضِي عَن ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس أَن بِلَالًا أذن قبل الْفجْر فَأمره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يصعد فينادي أَلا إِن العَبْد نَام فَفعل. وَقَالَ: " لَيْت بِلَالًا لم تلده أمه، وابتل من نضح دم جَبينه ".

(1/465)


قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تفرد بِهِ أَبُو يُوسُف عَن سعيد وَغَيره يُرْسِلهُ عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَدثنَا عُثْمَان، وَذكر إِسْنَادًا عَن عبد الْوَهَّاب حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة أَن بِلَالًا أذن وَلم يذكر أنسا، والمرسل أصح وَالله أعلم.
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق الْأَسدي حَدثنَا الرّبيع بن صبيح عَن الْحسن عَن أنس بن مَالك قَالَ: " أذن بِلَال قبل الْفجْر فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُعِيد فرقي بِلَال وَهُوَ يَقُول: لَيْت بِلَالًا ثكلته أمه وابتل من نضح جَبينه ثمَّ أذن حِين أَضَاء الْفجْر ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَسدي ضَعِيف جدا، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُحَمَّد ابْن الْقَاسِم الْأَسدي كذبه أَحْمد بن حَنْبَل.
وَرُوِيَ عَن حميد بن هِلَال " أَن بِلَالًا أذن لَيْلَة بسواد فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يرجع إِلَى مقَامه فينادي أَن العَبْد نَام "، وَرَوَاهُ

(1/466)


إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن حميد عَن أبي قتاده، حميد لم يلق أَبَا قَتَادَة فَهُوَ مُرْسل بِكُل حَال. وَرُوِيَ عَن شَدَّاد مولى عِيَاض قَالَ: جَاءَ بِلَال إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يتسحر فَقَالَ: " لَا تؤذن حَتَّى ترى الْفجْر " وَهَذَا مُرْسل. قَالَ أَبُو دَاوُد: شَدَّاد مولى عِيَاض لم يدْرك بِلَالًا.
وروى الْحسن بن عمَارَة عَن طَلْحَة بن مصرف عَن سُوَيْد بن غَفلَة عَن بِلَال قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَن لَا أؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر " وَعَن الحكم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن بِلَال مثله لم يروه هَكَذَا غير الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ مَتْرُوك وَقد سبق ذكره، وَرَوَاهُ الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن طَلْحَة وزبيد عَن سُوَيْد بن

(1/467)


غَفلَة " أَن بِلَالًا لم يكن يُؤذن حَتَّى ينشق الْفجْر " هَكَذَا رَوَاهُ لم يذكر فِيهِ أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكِلَاهُمَا ضعيفان.
وَرُوِيَ عَن سُفْيَان عَن سُلَيْمَان التَّمِيمِي عَن أبي عُثْمَان أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِبلَال: " لَا تؤذن الْفجْر هَكَذَا، وَجمع سُفْيَان أَصَابِعه الثَّلَاث لَا تؤذن حَتَّى يَقُول الْفجْر هَكَذَا وصف سُفْيَان بَين السبابتين ثمَّ قرن بَينهمَا " وروينا عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مَا دلّ على أَذَان بِلَال بلَيْل وَأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذكر مَعَاني ناديته بِاللَّيْلِ وَذَلِكَ أولى بِالْقبُولِ لِأَنَّهُ مَوْصُول وَهَذَا مُرْسل وَالله أعلم.
وَرُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود قَالَ: قَالَت لي عَائِشَة: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أوتر من

(1/468)


اللَّيْل رَجَعَ إِلَى فرَاشه، فَإِذا أذن بِلَال قَامَ، وَكَانَ بِلَال يُؤذن إِذا طلع الْفجْر، فَإِن كَانَ جنبا اغْتسل وَإِن لم يكن تَوَضَّأ ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ ".
وَرُوِيَ عَن الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَق فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: " مَا كَانَ الْمُؤَذّن يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر "، وروى عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَق عَن الْأسود سُئِلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِاللَّيْلِ فَقَالَت: " كَانَ ينَام أول اللَّيْل فَإِذا كَانَ السحر أوتر ثمَّ يَأْتِي فرَاشه، فَإِن كَانَ لَهُ حَاجَة إِلَى أَهله ألم بهم ثمَّ ينَام، فَإِذا سمع النداء، وَمَا قَالَت الْأَذَان وثب وَمَا قَالَت قَامَ فَإِن كَانَ جنبا أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء، وَمَا قَالَت اغْتسل، وَإِن لم يكن جنبا تَوَضَّأ ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة ".
وَقَالَ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث فَإِذا كَانَ عِنْد النداء الأول وثب وَفِي رِوَايَته وَرِوَايَة شُعْبَة كالدليل على أَن هَذَا النداء كَانَ قبل طُلُوع الْفجْر وَهِي مُوَافقَة لرِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة وَذَلِكَ أولى من رِوَايَة من خالفها، وَرُوِيَ عَن عبد الْكَرِيم عَن نَافِع عَن حَفْصَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَت: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أذن الْمُؤَذّن صلى الرَّكْعَتَيْنِ ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد وَحرم الطَّعَام وَكَانَ لَا

(1/469)


يُؤذن إِلَّا بعد الْفجْر " هَكَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة وَهُوَ مَحْمُول إِن صَحَّ على الْأَذَان الثَّانِي وَالصَّحِيح عَن نَافِع بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن حَفْصَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهَا أخْبرته " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا سكت الْمُؤَذّن من الْأَذَان لصَلَاة الصُّبْح وَبَدَأَ الصُّبْح صلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين قبل أَن تُقَام الصَّلَاة " فَخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (56) :)

ودرك قدر التحريمه من الْوَقْت لَا يلْزم صَلَاة الْوَقْت على أحد الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمهَا وَدَلِيلنَا من الْخَبَر حَدِيث أبي

(1/470)


هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي الصَّحِيح من أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر " وَالله الْمُوفق وَهُوَ أعلم.
(مَسْأَلَة (57) :)

ودرك وَقت الْعَصْر إِذا أوجب الْعَصْر أوجب مَعهَا الظّهْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الظّهْر مَعَ الْعَصْر وَدَلِيلنَا كَون وَقت الْعَصْر وقتا لِلظهْرِ فِي حَال الْعذر فَهُوَ وَقت لَهَا فِي حَال الضَّرُورَة وَتلك الْأَخْبَار مخرجة فِي مَسْأَلَة الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ لعذر السّفر والمطر. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة " وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا

(1/471)


قَالَ: " إِذا طهرت الْمَرْأَة فِي وَقت صَلَاة الْعَصْر فلتبدأ بِالظّهْرِ فلتصلها ثمَّ لتصلي الْعَصْر وَإِذا طهرت فِي وَقت الْعشَاء الْآخِرَة فلتبدأ ولتصلي الْمغرب وَالْعشَاء "، وَعَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " إِذا رَأَتْ الْمَرْأَة الطُّهْر قبل أَن تغرب الشَّمْس صلت الظّهْر وَالْعصر وَإِذا رَأَتْ الطُّهْر قبل أَن يطلع الْفجْر صلت الْمغرب وَالْعشَاء " قَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَق وَلَا أعلم وَاحِدًا من الصَّحَابَة خالفهما وروى نَحْو ذَلِك الْمَذْهَب عَن عَطاء وَطَاوُس وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (58) :)

والمغمى عَلَيْهِ إِذا فاق بعد مُضِيّ الصَّلَاة فَلَا يلْزمه قَضَاء تِلْكَ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَهُ فِي حَال إغمائه مَا لم يزدْ على يَوْم وَلَيْلَة. وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْأَثر مَا روى يحيى بن

(1/472)


نصر قَالَ قرئَ عَن ابْن وهب أخْبرك عبد الله بن عمر وَمَالك بن أنس وَأُسَامَة بن زيد وَابْن سمْعَان عَن نَافِع أَن عبد الله بن عمر أُغمي عَلَيْهِ فَلم يقْض صلَاته وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه أُغمي عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَة فَلم يقْض "، وَعَن سُفْيَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه أُغمي عَلَيْهِ أَكثر من يَوْمَيْنِ فَلم يقضه "، وَرُوِيَ عَن الْحسن قَالَ: " لَا يُعِيد الْمغمى عَلَيْهِ الصَّلَاة الَّتِي أَفَاق فِي وَقتهَا "، ورويناه عَن الْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة، وَرُوِيَ مُسْندًا عَن الحكم بن عبيد الله بن عبد الله بن سعد الإيلي وَهُوَ ضَعِيف جدا وَرَوَاهُ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " سَأَلت

(1/473)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الرجل يغمى عَلَيْهِ فَيتْرك الصَّلَاة، فَذكر عَنهُ أَن لَيْسَ بِشَيْء من ذَلِك قَضَاء، إِلَّا أَن يغمى عَلَيْهِ فِي وَقت صَلَاة فيفيق وَهُوَ فِي وَقتهَا فيصليها " وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَن السّديّ عَن يزِيد مولى عمار أَن عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ أُغمي عَلَيْهِ فِي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَهُوَ مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب إِن صَحَّ.
وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِيمَا روينَا عَن ابْن عمر وعمار فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يرى فِيمَا يرى وَالله أعلم أَن الصَّلَاة مَرْفُوعَة عَن الْمغمى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ " أَنه أُغمي يَوْمًا وَلَيْلَة فَلم يقْض شَيْئا " وَلم يرو عَنهُ أَنه قَالَ: " من أُغمي عَلَيْهِ أقل قضى " وَقد يكون أَفَاق فِي وَقت الْخَامِسَة فَلم يقْض، قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: وَهَذَا مَذْهَب عمار فِيمَا نرى وَالله أعلم أَن الصَّلَاة لَيست بموضوعة عَن الْمغمى عَلَيْهِ كَمَا لَا يكون الصَّوْم مَوْضُوعا عَنهُ وَلم يرو عَن عمار أَنه قَالَ: لَو أُغمي عَليّ خمس صلوَات لَا أفِيق

(1/474)


حَتَّى يمْضِي وَقت الْخَامِسَة لم أقض وَلَيْسَ هَذَا أَيْضا بِثَابِت عَن عمار ثمَّ سَاق الْكَلَام إِلَى أَن عمل عمار رَضِي الله عَنهُ على الِاسْتِحْبَاب أَن لَو ثَبت عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي حَدِيث عمار أَنه لَيْسَ بِثَابِت لِأَن رِوَايَة يزِيد مولى عمار وَهُوَ مَجْهُول والراوي عَنهُ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن السّديّ، وَكَانَ يحيى بن معِين يستضعفه وَلم يحْتَج بِهِ البُخَارِيّ، وَكَانَ ابْن سعيد وَابْن مهْدي لَا يريان بِهِ بَأْسا وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (59) :)

والترجيع سنة فِي الْأَذَان. وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تَرْجِيع فِي

(1/475)


الْأَذَان، وَدَلِيلنَا مَا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث معَاذ بن هِشَام عَن أَبِيه عَن مَكْحُول عَن ابْن محيريز عَن أبي مَحْذُورَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَذَان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مرَّتَيْنِ ثمَّ يعود يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح حَيّ على الْفَلاح، الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله " وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد عَن ابْن جريج عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة عَن ابْن محيريز عَن أبي مَحْذُورَة فِي قصَّة وَذكر الْأَذَان بِمَعْنَاهُ، إِلَّا أَنه قَالَ فِي أول الْأَذَان: الله

(1/476)


أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر.
وروى أَبُو دَاوُد عَن الْحَارِث بن عبيد عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قلت يَا رَسُول الله عَلمنِي سنة الْأَذَان، قَالَ: فَمسح مقدم رَأسه قَالَ تَقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ترفع بهَا صَوْتك، ثمَّ تَقول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، تخْفض بهَا صَوْتك، ثمَّ ترفع صَوْتك بِالشَّهَادَةِ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح حَيّ على الْفَلاح، فَإِن كَانَ الصُّبْح قلت: الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم الله أكبر الله أكبر

(1/477)


لَا إِلَه إِلَّا الله ".
(مَسْأَلَة (60) :)

ويلتوي فِي حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح، وَلَا يَدُور فِي حجرَة المنارة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَدُور، وَدَلِيلنَا مَا روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة وَهُوَ فِي قبَّة حَمْرَاء من أَدَم، فَخرج بِلَال فَأذن فَكنت أتتبع فَمه هَهُنَا وَهَهُنَا، قَالَ: ثمَّ خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء برود يَمَانِية قطري، وَفِي رِوَايَة رَأَيْت بِلَالًا خرج إِلَى الأبطح فَأذن، فَلَمَّا بلغ

(1/478)


" حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح " لوى عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا وَلم يستدر وروى أَحْمد بن حَنْبَل عَن عبد الرَّزَّاق عَن سُفْيَان عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن ويدور ويتتبع فَاه هَهُنَا وَهَهُنَا.
الاستدارة فِي الْأَذَان لَيست فِي حَدِيث أبي جُحَيْفَة من الطَّرِيق المخرجة فِي الصَّحِيح، وَالثَّوْري إِنَّمَا روى الاستدارة فِي هَذَا الحَدِيث عَن رجل عَن عون سَمعه من الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن عون وَالْحجاج لم يحْتَج بِهِ وَعبد الرَّزَّاق وهم فِي إدراجه فِي الحَدِيث وَالَّذِي يدل على ذَلِك الحَدِيث الَّذِي أخبرناه وَذكر إِسْنَادًا عَن عبد الله بن الْوَلِيد عَن سُفْيَان حَدثنِي عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ: " أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي قبَّة حَمْرَاء بِالْأَبْطح فَخرج إِلَيْنَا بِلَال

(1/479)


فَجعلت أتبع فَاه هَهُنَا وَهَهُنَا "، وبإسناده حَدثنَا سُفْيَان حَدثنِي من سَمعه من عون أَنه كَانَ يَدُور وَيَضَع يَدَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَهَذِه رِوَايَة الْحجَّاج ابْن أَرْطَأَة أخبرنَا أَبُو عبد الله وَذكر إِسْنَادًا إِلَى حجاج عَن عون بن أبي جُحَيْفَة قَالَ خرجنَا حجاجا فَذكر الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ فَقَامَ بِلَال فَأذن بِالظّهْرِ وَوضع يَدَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ واستدار فِي أَذَانه كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يستدير فِي أَذَانه " وَقد روينَا من حَدِيث عَن عون وَلم يستدر وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (61) :)

وَمَا فَاتَ وَقتهَا من الصَّلَاة أَقَامَ لَهَا وَلم يُؤذن فِي الصَّحِيح من مذْهبه وَله فِيهِ قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا يُؤذن للصَّلَاة الأولى من جملَة مَا فَاتَهُ وَالْآخر يُؤذن لَهَا إِن رجا اجْتِمَاع النَّاس، وَلَا يُؤذن لَهَا إِن لم يرج اجْتِمَاعهم وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُؤذن للفائتة وَيُقِيم. فَوجه قَوْلنَا لَا يُؤذن للفائتة وَلَا يُقيم مَا أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا إِلَى ابْن وهب أَخْبرنِي مَالك بن أنس وَابْن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا قَالَ ابْن أبي ذِئْب: " لم ينادني فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَّا بِإِقَامَة وَلم يسبح

(1/480)


بَينهمَا وَلَا على أثر وَاحِدَة مِنْهُمَا " أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث مَالك وَرَوَاهُ سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر أَنه صلاهما بِإِقَامَة، وَقَالَ هَكَذَا صنع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ أَيْضا مخرج فِي الصَّحِيح عِنْد مُسلم من حَدِيث الثَّوْريّ عَن سَلمَة عَن سعيد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى الْمغرب وَالْعشَاء، بِجمع بِإِقَامَة " حَدِيث شُعْبَة عَن الحكم وَسَلَمَة عَن سعيد عَن ابْن عمر " أَنه صلاهَا بِإِقَامَة وَاحِدَة، وَقَالَ: هَكَذَا صنع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الْمَكَان " وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَالك قَالَ: " رَأَيْت ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا صلى الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع بِأَذَان وَإِقَامَة، فَقَالَ لَهُ مَالك بن خَالِد: مَا هَذَا يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن؟ فَقَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الْمَكَان فَفعل هَكَذَا "،

(1/481)


وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن أبي الْأَحْوَص عَن أَشْعَث بن سليم عَن أَبِيه عَن ابْن عمر فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة بِمثل ذَلِك، وَرِوَايَة سَالم وَسَعِيد أصح وَالله أعلم.
وروى الشَّافِعِي عَن ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: حبسنا يَوْم الخَنْدَق عَن الصَّلَاة حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب يهوى من اللَّيْل حَتَّى كفينا، وَذَلِكَ قَول الله تَعَالَى: {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قَوِيا عَزِيزًا} فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَال فَأمره فَأَقَامَ الظّهْر فَصلاهَا فَأحْسن صلَاتهَا، كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا ثمَّ أَقَامَ الْعَصْر فَصلاهَا كَذَلِك أَيْضا قَالَ وَذَلِكَ قبل أَن ينزل صَلَاة الْخَوْف {فرجالا أَو ركبانا} رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات وَقد احْتج

(1/482)


مُسلم بِعَبْد الرَّحْمَن بن أبي سعيد وسائرهم مُتَّفق على عدالتهم، وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَعْنَاهُ فِي هَذِه الصَّلَوَات وَرُوِيَ عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مسير فَنَامَ حَتَّى أصبح ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأَقَامَ ثمَّ صلى قَالَ: " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا اسْتَيْقَظَ وليصلها إِذا ذكرهَا ".
وَأما وَجه قَوْلنَا أَن يُؤذن للفائتة الأولى حَدِيث عمرَان بن الْحصين فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: " كُنَّا فِي سفر مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسَاق الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: " ارتحلوا فارتحل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَارَ غير بعيد فَنزل فَدَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ ونادى بِالصَّلَاةِ فصلى بِالنَّاسِ وَذكر بَاقِي الحَدِيث "، وَرُوِيَ عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ فِي سفر فَنَامَ عَن الصُّبْح حَتَّى إِذا طلعت الشَّمْس فَأمر فَأذن فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْتظر حَتَّى استعلت الشَّمْس ثمَّ أمره فَأَقَامَ بهم " وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن أبي قَتَادَة قَالَ: " سرينا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فساق الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن الله تَعَالَى قبض أرواحكم حِين شَاءَ وردهَا إِلَيْكُم، ثمَّ قَالَ يَا بِلَال قُم فَأذن للنَّاس بِالصَّلَاةِ فَتَوَضَّأ فَلَمَّا ارْتَفَعت الشَّمْس

(1/483)


وابيضت قَامَ فصلى " وَعند مُسلم عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَذكر الحَدِيث فِي نومهم عَن الصَّلَاة وَقَالَ: " ثمَّ أذن بِلَال فصلى رَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر ثمَّ صلى الْفجْر " وروى أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أخبرنَا أبان حَدثنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة هَذَا الْخَبَر يَعْنِي حَدِيث التَّعْرِيس قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تحولوا عَن مَكَانكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُم فِيهِ الْغَفْلَة قَالَ فَأمر بِلَالًا فَأذن وَأقَام وَصلى " قَالَ أَبُو دَاوُد، " رَوَاهُ مَالك عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَعبد الرَّزَّاق عَن معمر وَابْن إِسْحَق يَعْنِي وَيُونُس لم يذكر أحد مِنْهُم الْأَذَان فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ هَذَا وَلم يسْندهُ وَاحِد مِنْهُم إِلَّا الْأَوْزَاعِيّ وَأَبَان الْعَطَّار عَن معمر ".

(1/484)


قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِلَّا يُونُس بن يزِيد الإيلي فَإِنَّهُم أسندوه إِلَّا أبان الْعَطَّار ينْفَرد بِذكر الْأَذَان فِيهِ وَهُوَ صَحِيح فِي سَائِر الرِّوَايَة لهَذِهِ الْقِصَّة وَرُوِيَ عَن حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه: " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ فِي سفر فَقَالَ: من يكلؤنا اللَّيْلَة لَا يرقد عَن صَلَاة الْفجْر فَقَالَ بِلَال: أَنا يَا رَسُول الله فَاسْتقْبل مطلع الشَّمْس، فَمَا أيقظهم إِلَّا حر الشَّمْس، فَقَامُوا فَتَوضئُوا فَأذن بِلَال فصلوا الرَّكْعَتَيْنِ ثمَّ صلوا الْفجْر "، وَرُوِيَ عَن عَليّ الْمَدِينِيّ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ ألقيناه من عَمْرو بن دِينَار. قَالَ سَمِعت نَافِع بن جُبَير بن مطعم يَقُول حَدثنَا رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَأَرَادَ أَن يعرس الحَدِيث " قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَقلت لِسُفْيَان: إِن حَمَّاد بن سَلمَة يَقُول عَن عَمْرو بن دِينَار عَن نَافِع بن جُبَير عَن أَبِيه قَالَ سُفْيَان: لم أحفظ إِلَّا عَن نَافِع عَن رجل قَالَ: مُحَمَّد بن يحيى صَار الحَدِيث واهي. عَن جُبَير بن مطعم.
وروى أَبُو دَاوُد عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَنَامَ عَن الصُّبْح حَتَّى طلعت الشَّمْس، فَاسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تنحوا عَن هَذَا الْمَكَان " قَالَ: ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأذن، ثمَّ توضئوا وصلوا رَكْعَتي الْفجْر ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاة فصلى بهم

(1/485)


صَلَاة الصُّبْح " وروى أَبُو دَاوُد عَن ذِي مخبر الحبشي، وَكَانَ يخْدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الْخَبَر قَالَ: فَتَوَضَّأ يَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وضُوءًا لم يلث التُّرَاب، ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأذن ثمَّ قَامَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غير عجل، ثمَّ قَالَ لِبلَال " أقِم الصَّلَاة " ثمَّ صلى وَهُوَ غير عجل. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مسير فغفلنا عَن الصَّلَاة صَلَاة الْغَدَاة حَتَّى طلعت الشَّمْس قَالَ فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مناديه فَنَادَى كَمَا كَانَ يُنَادي وَصلى رَكْعَتي الْفجْر كَمَا كَانَ يُصَلِّي وَصلى الْغَدَاة كَمَا كَانَ يُصَلِّي ". وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " لما غزا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَة تَبُوك الحَدِيث. وَقَالَ فِيهِ: " يَا بِلَال أذن وأقم " قَالَ بِلَال: الْآن قَالَ: " نعم ". فصلوا بعد مَا أَصْبحُوا " وَفِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل فِي صلَة

(1/486)


الْحَج قَالَ: " حَتَّى (أَتَى) يَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمزْدَلِفَة يجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَإِسْحَق بن إِبْرَاهِيم أَظُنهُ عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر.
وروى أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال قَالَ: وَحدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ الْمَعْنى وَاحِد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه: أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر وَالْعصر بِأَذَان وَاحِد بِعَرَفَة وَلم يسبح بَينهمَا وَإِقَامَتَيْنِ وَصلى الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث أسْندهُ حَاتِم بن إِسْمَاعِيل فِي الحَدِيث الطَّوِيل وَوَافَقَ حاتما على إِسْنَاده مُحَمَّد بن عَليّ الْجعْفِيّ عَن جَعْفَر عَن أَبِيه عَن جَابر إِلَّا أَنه قَالَ: " فصلى الْمغرب وَالْعَتَمَة بِأَذَان

(1/487)


وَإِقَامَة " قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ لي أَحْمد يَعْنِي ابْن حَنْبَل. أَخطَأ حَاتِم فِي هَذَا الحَدِيث الطَّوِيل.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ حَفْص بن غياث عَن جَعْفَر نَحْو رِوَايَة حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، وَرُوِيَ عَن كريب عَن أُسَامَة قَالَ: " أَنا رَدِيف رَسُول لله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم عَرَفَة الحَدِيث وَقَالَ: " فَرَكبْنَا حَتَّى جِئْنَا جمعا ثمَّ أذن للصَّلَاة فصلى الْمغرب "، وَرُوِيَ عَن خُزَيْمَة بن ثَابت " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِجمع بِأَذَان وَإِقَامَة وَاحِدَة " وَرُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ " شغلنا الْمُشْركُونَ عَن صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء، فَأمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَالًا فَأذن وَأقَام فصلينا الظّهْر ثمَّ أَقَامَ فصلينا الْعَصْر ثمَّ أَقَامَ فصلينا الْمغرب ثمَّ

(1/488)


أَقَامَ فصلينا الْعشَاء ثمَّ قَالَ مَا فِي الأَرْض عِصَابَة يذكرُونَ الله غَيْركُمْ " هَذَا مُرْسل فَإِن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه شَيْئا وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود " أَنه أَمر بِالْأَذَانِ للمغرب حِين جمع بَينهمَا " وَهُوَ مخرج من الصَّحِيح مَوْقُوفا وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن عمر رَضِي الله عَنهُ " أَنه أعَاد الصَّلَاة بَعْدَمَا طلعت الشَّمْس فَأذن وَأقَام " وَرُوِيَ فِيهِ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع.
وَأما وَجه قَوْلنَا أَن يُؤذن إِن رجا اجْتِمَاع النَّاس، وَإِن لم يرج فَلَا يُؤذن هُوَ أَن الْأَذَان شرع للدُّعَاء إِلَى الصَّلَاة بِدَلِيل حَدِيث ابْن عمر " كَانَ الْمُسلمُونَ حِين قدمُوا الْمَدِينَة يَجْتَمعُونَ فيتحينون للصَّلَاة وَلَيْسَ

(1/489)


يُنَادي بهَا أحد فتكلموا يَوْمًا فِي ذَلِك فَقَالَ بَعضهم اتَّخذُوا ناقوسا مثل ناقوس النَّصَارَى وَقَالَ بَعضهم: قرنا مثل قرن الْيَهُود. فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: أَلا تبعثون رجَالًا ينادون بِالصَّلَاةِ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُم فَنَادِ بِالصَّلَاةِ " مخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي حَدِيث عبد الله بن زيد فَقلت: أتبيع الناقوس قَالَ: وَمَا تصنع بِهِ، فَقلت: ندعوا بِهِ إِلَى الصَّلَاة، وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: " إِنَّمَا الْأَذَان دَاع يَدْعُو النَّاس إِلَى الصَّلَاة " وَيحْتَمل أَن يكون لحق الْوَقْت إِذْ لَو كَانَ للدُّعَاء إِلَى الصَّلَاة فَقَط لما سنّ للمنفرد، وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي اسْتِحْبَاب الْأَذَان للمنفرد، مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عبد الله بن أبي صعصعة أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ

(1/490)


لَهُ: أَنِّي أَرَاك تحب الْغنم والبادية، فَإِذا كنت فِي غنمك وباديتك فَأَذنت، فارفع صَوْتك فَإِنَّهُ لَا يسمع مدى صَوْتك جن وَلَا أنس وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَك يَوْم الْقِيَامَة " قَالَ أَبُو سعيد سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وروى أَبُو دَاوُد فِي مُسْنده عَن عقبَة عَن ابْن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَول: " يعجب رَبك من راعي غنم فِي رَأس شظية الْجَبَل يُؤذن بِالصَّلَاةِ وَيُصلي فَيَقُول الله: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا يُؤذن وَيُقِيم الصَّلَاة وَيخَاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته جنتي "، وَاخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة للصَّلَاة الْفَائِتَة يدل على أَن الْأَمر فِيهَا وَاسع فِي كل مَا يُمكن أَن يكون خَبرا عَن وَقت آخر وَمَا رَجَعَ مِنْهَا إِلَى قصَّة وَاحِدَة فالاعتبار بِالزِّيَادَةِ لحفظه من أَتَى بهَا دون من نَقصهَا وَالله أعلم.

(1/491)


(مَسْأَلَة (62) :)

قَالَ الإِمَام أَبُو الطّيب سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان رَحمَه الله فِي الْجَمَاعَة إِذا دخلُوا مَسْجِدا قد صلى فِيهِ أَهله بِالْجَمَاعَة مرّة بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة. لَهُم أَن يصلوا فِيهِ جمَاعَة، تِلْكَ الصَّلَاة بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره لَهُم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد اسْتحبَّ الشَّافِعِي أَن يُؤذن وَيُقِيم فِي نَفسه، كَرَاهَة تفرق الْكَلِمَة فَإِن لم يخفه فَلَا بَأْس. وَرُوِيَ عَن أبي عُثْمَان قَالَ جَاءَنَا أنس بن مَالك وَقد كُنَّا صلينَا الْفجْر فَأذن وَأقَام وَصلى بِأَصْحَابِهِ فِي الْمَسْجِد وَقد صلينَا فِيهِ وَفِي رِوَايَة عَن أنس أَنه دخل مَسْجِدا قد جمع فِيهِ وَمَعَهُ نفر فَأذن وَأقَام وأمهم فِيهِ وَالله أعلم.

(1/492)


(مَسْأَلَة (63) :)

وَيكرهُ أَن يُؤذن وَاحِد وَيُقِيم آخر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بذلك دليلنا حَدِيث بِلَال بن الْحَارِث الصدائي حِين أَرَادَ بِلَال أَن يُقيم فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أَخا صداء هُوَ أذن، وَمن أذن فَهُوَ يُقيم " وَقد سبق ذكره فِي مَسْأَلَة الْأَذَان قبل طُلُوع الْفجْر، وروى أَبُو دَاوُد حَدِيث عبد الله بن زيد حِين أرِي الْأَذَان فِي الْمَنَام فَأتى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأخْبرهُ فَقَالَ: ألقه على بِلَال فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ، فَأذن بِلَال فَقَالَ

(1/493)


عبد الله: أَنا رَأَيْته، وَأَنا كنت أريده، قَالَ: فأقم أَنْت "، وَهَذَا إِن ثَبت مَعَ حَدِيث زِيَاد بن الْحَارِث وَكَانَ قبل حَدِيث زِيَاد لِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاء الْأَمر بِالْأَذَانِ وَحَدِيث زِيَاد بعده وَبِذَلِك يَقع التَّرْجِيح وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (64) :)

وَمن أذن قَاعِدا لم يحْتَسب بأذانه كَذَا قَالَ الإِمَام أَبُو الطّيب سهل بن مُحَمَّد رَحمَه الله. وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على كراهيته فِي حِكَايَة صَاحب التَّقْرِيب وَغَيره وَأَنه لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كرهته وأجزأه وَفِي حَدِيث ابْن عمر فِي الصَّحِيحَيْنِ " فَقَالَ عمر: أَلا تبعثون رجلا يُنَادي بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا بِلَال قُم فَنَادِ بِالصَّلَاةِ " وَفِي رِوَايَة عِنْد مُسلم: " فَأمره بِالْقيامِ لأجل الْأَذَان " وروينا عَن الْحسن بن أبي مُحَمَّد قَالَ: " دخلت على أبي

(1/494)


زيد الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ فَأذن وَأقَام وَهُوَ جَالس. قَالَ: وَتقدم رجل وَصلى بِنَا وَكَانَ أعرج أُصِيب رجله فِي سَبِيل الله " وَرُوِيَ عَن الْحسن أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمر بِلَالًا فِي سفر فَأذن على رَاحِلَته ثمَّ نزلُوا فصلوا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أمره فَأَقَامَ فصلى بهم الصُّبْح " وَهَذَا مُرْسل وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُؤذن على رَاحِلَته وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (65) :)

وَالْإِقَامَة فُرَادَى، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّهَا مثنى كالأذان وَدَلِيلنَا حَدِيث أنس قَالَ: " أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة ". اتفقنا على صِحَّته. وَفِي رِوَايَة عِنْد البُخَارِيّ " أَمر بِلَال أَن

(1/495)


يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة إِلَّا الْإِقَامَة قد قَامَت الصَّلَاة " هَذَا حَدِيث مُسْند إِذْ لَا خلاف بَين أهل النَّقْل أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ أَمر أَو نهي أَو من السّنة أَنه يكون مُسْندًا، وَكَذَلِكَ اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته وإخراجه فِي المسانيد الصِّحَاح وقصة الحَدِيث تدل على أَن الْآمِر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهُ قَالَ ذكرُوا أَن يعلمُوا وَقت الصَّلَاة بِشَيْء فيعرفونه فَذكرُوا أَن يضْربُوا ناقوسا أَو ينوروا نَارا فَأمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان وَأَن يُوتر الْإِقَامَة. ثمَّ قد رَوَاهُ أهل الحَدِيث أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن معِين عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة "، وَقد تَابعه على سَنَد هَذَا الحَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد البغلاني وسُفْيَان بن وَكِيع بن الْجراح الرُّؤَاسِي وَغَيرهمَا وَلِهَذَا الحَدِيث طرق كَثِيرَة عَن أبي قلَابَة وَغَيره عَن أنس وَعَن غَيره عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة.
فَإِن عارضوا ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن أَحْمد بن يُوسُف عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود قَالَ: " كَانَ بِلَال

(1/496)


يثني الْأَذَان وَالْإِقَامَة " وَعَن شريك عَن عمرَان عَن سُوَيْد بن غَفلَة " أَن بِلَالًا كَانَ يثني الْأَذَان وَالْإِقَامَة " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا واه عندنَا من أوجه مِنْهَا أَن الْأسود بن يزِيد، وسُويد بن غَفلَة لم يدركا بِلَال بن رَبَاح وإقامته فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فإرسال الْخَبَر ظَاهر وَمِنْهَا أَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَشريك بن عبد الله النَّخعِيّ وَعمْرَان بن مُسلم غير مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد رَوَاهُ غَيره عَن عبد الرَّزَّاق أخبرنَا الثَّوْريّ عَن

(1/497)


أبي معشر عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن بِلَال قَالَ: " كَانَ أَذَانه وإقامته مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ " وَهَذَا بِخِلَاف رِوَايَة أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ عَن عبد الرَّزَّاق فِي إِسْنَاده، وَقد أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا إِلَى أَحْمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي حَدثنَا يزِيد بن أبي حَكِيم حَدثنَا سُفْيَان عَن زِيَاد بن كُلَيْب عَن إِبْرَاهِيم عَن بِلَال مثله قَالَ: الرَّمَادِي لم يسمع مِنْهُ سُفْيَان قَالَ الْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم عَن بِلَال مُرْسل وَالْأسود لم يدْرك آذان بِلَال وإقامته وَحَدِيث أنس بن مَالك صَحِيح مَوْصُول. فَإِن قَالُوا: رُوِيَ من وَجه آخر أَن بِلَالًا كَانَ يُقيم مثنى وَذكروا مَا رُوِيَ عَن زِيَاد بن عبد الله البكائي

(1/498)


عَن إِدْرِيس الأودي عَن عون ابْن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ: " أذن بِلَال وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمنى صَوْتَيْنِ صَوْتَيْنِ وَأقَام مثل ذَلِك " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث وهم فِيهِ زِيَاد بن عبد الله بن إِدْرِيس الأودي. فَإِن هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه مخرج فِي الصَّحِيح بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الصوتين قَالَ الْبَيْهَقِيّ: زِيَاد بن عبد الله البكائي: كثير الْوَهم، قَالَ الدَّارمِيّ: سَأَلت يحيى بن معِين عَن البكائي أَعنِي زيادا قَالَ: لَا بَأْس بِهِ فِي الْمَغَازِي، وَأما عَن غَيره فَلَا. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة ذكرت ليحيى رِوَايَة منْجَاب عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف عَن زِيَاد البكائي فَقَالَ: " كَانَ زِيَاد ضَعِيفا "، ثمَّ روى عَن عون عَن أَبِيه " كَانَ الْأَذَان على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مثنى مثنى وَالْإِقَامَة فُرَادَى ".
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: وَقد بَلغنِي حَدِيث يحتجون بِهِ فَسَأَلت الْمُحدث الَّذِي حَدثهمْ بِهِ فَحَدثني بِهِ وَكتبه لي بِخَطِّهِ حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل السّلمِيّ البلاخردي حَدثنَا

(1/499)


إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان بن عُثْمَان السجْزِي بجرجان حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد المَخْزُومِي عَن جرير بن عبد الحميد الضَّبِّيّ عَن الْمُخْتَار بن فلفل عَن كَعْب بن عِيَاض عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه كَانَ خرج فِي غَزْوَة أحد وَكَانَ حانت الصَّلَاة صَلَاة الظّهْر والعدو وَرَاءه فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا بِلَال عجل الْإِقَامَة فَأَقَامَ بِلَال وَاحِدًا وَاحِدًا فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: لَا تعجل فِي عبَادَة الرَّحْمَن وتنقص ذكر الله عز وَجل، وَلَكِن أقِم مثنى مثنى فَإِن الله يَقُول لَك لَا تخَاف من الْعَدو حَتَّى تنفض من ذكري وَأَنا مَعَك وناصرك " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: كَانَ من طلب الحَدِيث وسَمعه وَعرف أَلْفَاظ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصحابته وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم علم أَن هَذِه الْأَلْفَاظ من أول الحَدِيث إِلَى آخِره لَا يشبهها، وَكَعب بن عِيَاض لم يسند عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا: يَعْنِي " إِن لكل أمة فتْنَة وَإِن فتْنَة أمتِي هَذَا المَال "

(1/500)


وَالْمُخْتَار بن فلفل لم يدْرك من الصَّحَابَة غير أنس وَجَرِير ابْن عبد الحميد يبرأ إِلَى الله من هَذِه الرِّوَايَة فَإِنَّهُ كَانَ يُنكر على حَفْص ابْن عبد الرَّحْمَن تثنيته فِي الْإِقَامَة وَأما رِوَايَة من ذكر السّلمِيّ إِلَى جرير فَلَا يمكنني أَن أشهد على إسْلَامهمْ فضلا عَن الشَّهَادَة على عدالتهم فَإِنَّهُم مَجْهُولُونَ والجهالة عندنَا أول صِفَات الْجرْح وأنواعه.
وروى ابْن عبد الحكم أَن الشَّافِعِي كَانَ إِذا سُئِلَ عَن الرجل الَّذِي لَا يعرفهُ فَيُقَال لَهُ: أثقة هُوَ، فَيَقُول وَالله مَا أشهد أَنه مُسلم، وَمن أدل الدَّلِيل على بطلَان رِوَايَة من روى أَن إِقَامَة بِلَال كَانَت مثنى سوى مَا ذكرنَا مَا أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا عَن أنس " أَن أَذَان بِلَال كَانَ مثنى مثنى وإقامته وَاحِدَة " وَعَن ابْن عمر " كَانَ بِلَال يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة " وَعَن أبي رَافع قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَأَيْت بِلَالًا يُؤذن بَين يَدي رَسُول الله مثنى مثنى وَيُقِيم فُرَادَى ".

(1/501)


وروى أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد ربه حَدثنِي أبي قَالَ لما أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالناقوس يعْمل ليضْرب بِهِ للنَّاس فِي الْجمع بَين الصَّلَاة أطاف بِي وَأَنا نَائِم رجل يحمل ناقوسا فِي يَده، فَقلت لَهُ: يَا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فَقَالَ لي: وَمَا تصنع بِهِ؟ قلت: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: أفأدلك على مَا هُوَ خير لَك من ذَلِك؟ قلت: بلَى، قَالَ: تَقول الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، حَيّ على الْفَلاح، الله أكبر، الله أكبر، لَا إِلَه إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ تَأَخّر غير بعيد قَالَ ثمَّ يَقُول: إِذا أَقمت الصَّلَاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، قد قَامَت الصَّلَاة، الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله. فَلَمَّا أَصبَحت أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرته بِمَا رَأَيْت فَقَالَ: " إِنَّهَا لرؤيا حق إِن شَاءَ الله، فَقُمْ مَعَ بِلَال فألق عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فليؤذن بِهِ فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك " فَقُمْت مَعَ بِلَال، فَجعلت ألقيه عَلَيْهِ وَيُؤذن بِهِ، فَسمع بذلك عمر بن الْخطاب وَهُوَ فِي بَيته فَخرج يجر رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُول:

(1/502)


وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله لقد رَأَيْت مثل مَا رأى فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَللَّه الْحَمد ".
قَالَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي لَيْسَ فِي أَخْبَار عبد الله بن زيد فِي قصَّة الْأَذَان خبر أصح من هَذَا يَعْنِي حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد، لِأَن مُحَمَّدًا سمع من أَبِيه وَابْن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد فَإِن عارضوه بِمَا رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَا: جَاءَ عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا نَبِي الله رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن رجلا نزل من السَّمَاء فَقَامَ فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر مرَّتَيْنِ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مرَّتَيْنِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ، حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ، الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ قعد قعدة ثمَّ قَامَ ثمَّ قَالَ مثل الَّذِي قَالَ حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر ذَلِك قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نعم مَا رَأَيْت علمهَا بِلَالًا فعلمها إِيَّاه " وروى فِي ذَلِك الْمَعْنى من بَينه الْإِقَامَة فِي أَخْبَار مُخْتَلفَة اللَّفْظ، والإسناد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: حَدثنَا أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَعنهُ عَن عبيد الله بن زيد وَعنهُ عَن معَاذ بن جبل.
قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَق بن خُزَيْمَة: خبر أبي مَحْذُورَة

(1/503)


ثَابت من جِهَة النَّقْل وَخبر مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عَن أَبِيه ثَابت صَحِيح من جِهَة النَّقْل لِأَن ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد قد سَمعه من أَبِيه، وَمُحَمّد بن إِسْحَق قد سَمعه من مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا دلسه مُحَمَّد بن إِسْحَق، وَخبر أَيُّوب وخَالِد عَن أبي قلَابَة عَن أنس صَحِيح لَا شكّ فِيهِ وَلَا ارتياب فِي صِحَّته، وَقد دللنا على أَن الْآمِر بذلك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا غَيره. فَأَما رُوَاة الْعِرَاقِيُّونَ عَن عبد الله بن زيد فَغير ثَابت من جِهَة النَّقْل وَقد خلطوا فِي أسانيدهم الَّتِي رووها عَن عبد الله بن زيد فِي تَثْنِيَة الْأَذَان وَالْإِقَامَة جَمِيعًا، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى لم يسمع من معَاذ بن جبل وَلَا من زيد بن عبد ربه صَاحب الْأَذَان فَغير جَائِز أَن يحْتَج بِخَبَر غير ثَابت على أَخْبَار ثَابِتَة، روى شُعْبَة عَن الحكم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَنه ولد لست بَقينَ من خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ، وَذكر مُوسَى بن عقبَة أَن معَاذ بن جبل مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة فِي طاعون عمواس.

(1/504)


وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن أبي أُسَامَة حَدثنَا أَبُو العميس قَالَ: " سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ يحدث عَن أَبِيه عَن جده " أَنه رأى الْأَذَان مثنى مثنى وَالْإِقَامَة مثنى مثنى، قَالَ: فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرته فَقَالَ: علمهن بِلَالًا، قَالَ: فتقدمت فَأمرنِي أَن أقيم فأقمت "، قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا الحَدِيث وهنه مُبين فِي إِسْنَاده وَمَتنه فَأَما إِسْنَاده، فَإِن الْحفاظ من أَصْحَاب أبي العميس رَوَوْهُ عَن أبي العميس عَن زيد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد، وَأما الْوَهم الظَّاهِر فِي مَتنه فَإِنَّهُ أَتَى بمعضلة لم يروها أحد وَذَلِكَ أَنه أخبر أَن بِلَالًا أذن وَأقَام عبد الله بن زيد وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " من أذن فَهُوَ يُقيم " فِي أَخْبَار كَثِيرَة، وَعبد السَّلَام بن حَرْب الْملَائي أعلم الْكُوفِيّين بِحَدِيث أبي العميس وَأَكْثَرهم عَنهُ رِوَايَة وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَنهُ فَلم يذكر فِيهِ تَثْنِيَة الْإِقَامَة أخبرناه وَذكر إِسْنَاده إِلَى عبد السَّلَام عَن أبي العميس عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد عَن أَبِيه عَن جده " قَالَ أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرته كَيفَ رَأَيْت الْأَذَان فَقَالَ: ألقهن على بِلَال فَإِنَّهُ أندى صَوتا فَلَمَّا أذن بِلَال تقدم عبد الله

(1/505)


فَأمره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَقَامَ ".
وَالْعلَّة الجامعة لوهن حَدِيث عبد الله بن زيد بن عبد ربه هَذَا أَن عبد الله اسْتشْهد يَوْم أحد كَمَا بلغنَا وَلَا تنفك الرِّوَايَة عَنهُ من الْإِرْسَال، أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد وَذكر إِسْنَادًا إِلَى عبيد الله بن عمر قَالَ: دخلت ابْنة عبد الله بن زيد بن عبد الله على عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا ابْنة عبد الله بن زيد، أبي شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: " تِلْكَ المكارم، لَا قعبان من لبن شبيبا بِمَاء فَعَاد بعد أبوالا "، سَلِي مَا شِئْت قَالَ: فَسَأَلت فَأعْطى مَا سَأَلت، قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: فَهَذِهِ الرِّوَايَة الصَّحِيحَة تصرح بِأَن أحدا من هَؤُلَاءِ لم يلق عبد الله بن زيد بن عبد ربه صَاحب الرُّؤْيَا وَلم يدْرك أَيَّامه وَأَن الرِّوَايَات كلهَا واهية ولوهنه تَركه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَمُسلم بن الْحجَّاج فَلم يخرجَاهُ فِي الصَّحِيح، وَرُبمَا توهم متوهم من المتفقهة الَّذين لَا يشتغلون بِسَمَاع الحَدِيث وَلَا معرفَة الرِّجَال الَّذِي رأى الْأَذَان فِي مَنَامه عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ الَّذِي كثرت رواياته عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الَّذِي أرِي الْأَذَان لَيست لَهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رِوَايَة غير حَدِيث الْأَذَان، وَلَيْسَ لَهُ راو غير الْمَرَاسِيل الَّتِي قدمنَا ذكرهَا وَالْآخر عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني عَم عباد بن تَمِيم الْمَازِني قد روى عَنهُ عباد ابْن تَمِيم وواسع بن حبَان وَيحيى بن

(1/506)


عمَارَة بن أبي حسن وَله أَحَادِيث مخرجة فِي الصَّحِيح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَإِذا ثَبت إرْسَال حَدِيث عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ من الْوُجُوه الَّتِي رويناها لَهُم فيعارضه حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن عبد الله بن زيد وَيبقى لنا الحَدِيث الَّذِي حكم إِمَام من أَئِمَّة أهل الحَدِيث مُحَمَّد بن يحيى الذهلي بِصِحَّتِهِ، أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا إِلَى ابْن الْمسيب أول من أريه فِي النّوم رجل من الْأَنْصَار من بني الْحَارِث بن خزرج يُقَال لَهُ عبد الله بن زيد، قَالَ عبد الله بن زيد: " بَينا أَنا نَائِم إِذْ أرى رجلا يمشي وَفِي يَده ناقوس فَقلت: يَا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فَقَالَ: وَمَا تُرِيدُ بِهِ؟ فَقلت: أُرِيد أَن أتخذه للنداء بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ: أَلا أخْبرك بِخَير من ذَلِك؟ قَالَ: الله أكبر الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، حَيّ على الْفَلاح، الله أكبر، الله أكبر، لَا إِلَه إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ قَالَ: قل: الله أكبر الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح قد قَامَت الصَّلَاة، الله أكبر، الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله " وَذكر بَاقِي الحَدِيث فِي رُؤْيا عمر رَضِي الله عَنهُ مثل ذَلِك وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَالًا بِهِ.

(1/507)


هَكَذَا رَوَاهُ يُونُس وَمعمر وَابْن إِسْحَق وَمُحَمّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد فاتفقوا على الْإِقَامَة فُرَادَى إِلَّا أَن ابْن إِسْحَق والزبيدي ذكرا التَّكْبِير فِي أول الْأَذَان أَربَاعًا وَذكر ابْن إِسْحَق قَوْله قد قَامَت الصَّلَاة مرَّتَيْنِ هَذَا ومرسل ابْن الْمسيب أولى بِالْأَخْذِ بِهِ من مَرَاسِيل غَيره إِذْ لَا أعلم خلافًا بَين أَئِمَّة أهل النَّقْل أَن أصح الْمَرَاسِيل، مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب. وَذكر الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَاد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد قَالَ: توفّي أبي بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَإِن صَحَّ ذَلِك فيشتبه أَن يكون حَدِيث سعيد بن الْمسيب مُسْندًا إِلَّا أَنه ولد فِي أول خلَافَة عمر بن الْخطاب وَذهب بعض الْمُحدثين إِلَى أَنه سمع من عمر فَلَا يبعد سَمَاعه من عبد الله بن زيد إِذا صَحَّ مَوته فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَالله أعلم. حَدِيث أبي مَحْذُورَة، سَمُرَة بن معير، فَروِيَ عَن أبي مَحْذُورَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره أَن يثني الْأَذَان ويفرد الْإِقَامَة " وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " أَمر أَبُو مَحْذُورَة أَن يشفع

(1/508)


الْأَذَان وَأَن يُوتر الْإِقَامَة " وَعَن ابْن عمر " كَانَ أَبُو مَحْذُورَة إِذا ثنى عرفنَا أَنه الْأَذَان وَإِذا أفرد علمنَا أَنه الْإِقَامَة فعجلنا ".
فَإِن عارضوا بِمَا رُوِيَ عَن همام بن يحيى حَدثنَا عَامر الْأَحول حَدثنِي مَكْحُول أَن ابْن محيريز حَدثهُ " أَن أَبَا مَحْذُورَة حَدثهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - علمه الْأَذَان تسع عشرَة كلمة وَالْإِقَامَة سبع عشرَة كلمة " وَذكرهَا كَذَلِك وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ هِشَام الدستوَائي عَن عَامر الْأَحول يصف الْأَذَان دون ذكر الْإِقَامَة وَعدد الْكَلِمَات كَمَا تقدم فِي مَسْأَلَة الترجيع وَهُوَ مخرج فِي صَحِيح مُسلم. فَأَما حَدِيث همام بن يحيى بِهَذَا اللَّفْظ فَلم يُخرجهُ وَهُوَ دَلِيل عَلَيْهِم فِي الترجيع وَقد ذهب بعض أَصْحَابنَا إِلَى أَنه إِذا رَجَعَ الْأَذَان فيقيم مثنى مثنى نَحْو هَذَا الْخَبَر وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَر عِنْدِي بِمَحْفُوظ من وُجُوه:

(1/509)


أَحدهَا: أَنه لَو كَانَ مَحْفُوظ لما تَركه مُسلم بن الْحجَّاج كَمَا ترك حَدِيث هِشَام بن همام.
وَالثَّانِي: أَنا قد روينَا خِلَافه عَن أبي رَيْحَانَة.
وَالثَّالِث: وَهُوَ أَصَحهَا أَنه لم يدم عَلَيْهِ أَبُو مَحْذُورَة وَلَا أَوْلَاده، وَلَو كَانَ هَذَا حكما ثَابتا لما فعلوا بِخِلَافِهِ، روى إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي فِي الْمسند عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة قَالَ أدْركْت أبي وجدي وهم يُؤذنُونَ هَذَا الْأَذَان الَّذِي أؤذن فَقلت: صف لي فَذكره بالترجيع قَالَ: ثمَّ يُقيم فُرَادَى فَذكرهَا فُرَادَى.
قَالَ الشَّافِعِي: أدْركْت إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة يُؤذن كَمَا حكى ابْن محيريز وسمعته يحدث عَن أَبِيه عَن ابْن محيريز عَن أبي مَحْذُورَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - معنى مَا حكى ابْن جريج. قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: سمعته يُقيم يَقُول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، قد قَامَت الصَّلَاة، الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله. قَالَ الشَّافِعِي وسمعته يَحْكِي الْإِقَامَة خَبرا كَمَا يَحْكِي الْأَذَان، وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة كَمَا حكيت عَن أبي مَحْذُورَة،

(1/510)


فَمن نقص مِنْهَا شَيْئا أَو قدم مُؤَخرا أعَاد حَتَّى يَأْتِي بِمَا نقص وكل شَيْء فِي مَوْضِعه، أَرَادَ رَحمَه الله حَدِيث ابْن جريج [الَّذِي أخرجناه فِي مَسْأَلَة الترجيع.
وروى أَبُو دَاوُد حَدثنَا الْحسن بن عَليّ حَدثنَا أَبُو عَاصِم [وَعبد الرَّزَّاق] أَخْبرنِي عُثْمَان بن السَّائِب أَخْبرنِي أبي وَأم عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، عَن أبي مَحْذُورَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحَدِيث الْأَذَان والترجيع، وَفِيه الصَّلَاة خير من النّوم فِي الأولى من الصُّبْح. وَقَالَ عَلمنِي الْإِقَامَة مرَّتَيْنِ فَذكرهَا مثنى مثنى فِي رِوَايَة أبي عَاصِم وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق إِذا قُمْت فقلها مرَّتَيْنِ قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة، أسمعت؟ فَيحْتَمل أَن يكون الْأَمر بالتكرار عَائِدًا إِلَى كلمة الْإِقَامَة دون غَيرهَا، وَمن فسر جَمِيع كلماتها بالتكرار ذهب إِلَى الْمَعْنى الَّذِي ذكره وَالله أعلم.
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن صَحَّ عَنهُ فِي آخر هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح عَن سماك بن عَطِيَّة عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن

(1/511)


أنس " الْإِقَامَة: قد قَامَت الصَّلَاة فَإِنَّهُ قَالَهَا مرَّتَيْنِ " مِمَّا يدل على ذَلِك هَذِه الرِّوَايَات الصَّحِيحَة المأثورة فِي تَعْلِيم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا مَحْذُورَة الْإِقَامَة فُرَادَى، ثمَّ اجْتِمَاع ولد أبي مَحْذُورَة عَن الْإِفْرَاد من أَذَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِلَى عصرنا فَإِنِّي حججْت سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسمعت إِقَامَة الشُّيُوخ من ولد ولد أبي مَحْذُورَة فُرَادَى، ثمَّ حججْت سنة خمس وَأَرْبَعين فَسمِعت إقامتهم بالحرمين فُرَادَى ثمَّ حججْت سنة سبع وَسِتِّينَ وَقد غيروا الْإِقَامَة: فَسَأَلت أَبَا عَليّ الشيبي وَكَانَ أكبر ولد بني شيبَة سنا فَذكر أَنهم أكْرهُوا على ذَلِك وَفسّر لي مَا جرى عَلَيْهِم فِيهِ وَأَن أَكثر المؤذنين قد فَارق الْحرم وَانْصَرف إِلَى الطَّائِف وَقَالَ: لَا أغير إِقَامَة علمهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جدنا أَبُو مَحْذُورَة. وَرُوِيَ عَن يحيى بن يحيى عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع أَخْبرنِي جدي عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة " أَن أَذَانه كَانَ مثنى مثنى، وإقامته وَاحِدَة

(1/512)


وَاحِدَة وخاتمة آذانه الله أكبر، الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: لَعَلَّ قَائِلا يَقُول أَنه قد رُوِيَ عَن أبي مَحْذُورَة خلاف هَذَا فيذكر الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن شريك عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع قَالَ: سَمِعت أَذَان أبي مَحْذُورَة خلاف هَذَا فيذكر الحَدِيث، روى " يَأْذَن مثنى مثنى وَيُقِيم مثنى مثنى " وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره أَن يُؤذن لأهل مَكَّة، يُقَال أَن هَذَا من معضلات شريك فَإِنَّهُ لم يعلم أَن عبد الْعَزِيز لم يدْرك أَذَان أبي مَحْذُورَة، فَإِنَّهُ ولد بعد ذَلِك بسنين وَالصَّحِيح فِيهِ رِوَايَة يحيى بن يحيى عَن أبي الْأَحْوَص، وَهَذَا مِمَّا لَا يخفى إِن شَاءَ الله على عَالم وبصحة ذَلِك أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا إِلَى جرير عَن عبد الْعَزِيز ابْن رفيع عَن أبي مَحْذُورَة مُؤذن مَكَّة " أَن أَذَانه كَانَ مثنى مثنى وإقامته وَاحِدَة وَاحِدَة ".
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن جَابر عَن أبي إِسْحَق عَن الْأسود قَالَ: سَأَلت أَبَا مَحْذُورَة كَيفَ كنت تؤذن لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ وَإِلَى أَي شَيْء كنت تجْعَل آخر أذانك؟ قَالَ: كنت أثني الْإِقَامَة مثل الْأَذَان وَأَجْعَل آخر الْأَذَان " لَا إِلَه إِلَّا الله " لَيْسَ هَذَا بِمَحْفُوظ وَمُحَمّد بن جَابر السحيمي لَا يحْتَج بِهِ.

(1/513)


حَدِيث سعد الْقرظ الْمُؤَذّن خَليفَة بِلَال بن رَبَاح الْمُؤَذّن بالحرمين فِي إِفْرَاد الْإِقَامَة، أخبرنَا أَبُو سعيد وَذكر إِسْنَادًا إِلَى الْحميدِي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سعد بن عمار بن سعد عَن أَبِيه سعد الْقرظ أَنه سَمعه يَقُول: " إِن هَذَا الْأَذَان أَذَان بِلَال الَّذِي أمره بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإقامته وَهُوَ " الله أكبر الله أكبر "، وَذكر الْأَذَان بالترجيع قَالَ وَالْإِقَامَة وَاحِدَة وَاحِدَة وَيَقُول: قد قَامَت الصَّلَاة مرّة وَاحِدَة، قَالَ: وَكَانَ إِذا لم يُؤذن لَهُ بِلَال بِالصَّلَاةِ وينادي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد جَاءَ فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فجَاء يَوْمًا فِي قلَّة من النَّاس وَلَيْسَ مَعَه بِلَال فَجعل زنج النَّضْح ينظرُونَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويرطن بَعضهم إِلَى بعض فَقَالَ سعد بن عَائِذ: فرقيت فِي عذق فَأَذنت فَاجْتمع النَّاس وَكَانَ ذَلِك أول مَا أذن سعد فَلَمَّا بلغ سعد إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: " يَا سعد مَا حملك على أَن تؤذن؟ قَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله رَأَيْتُك فِي قلَّة من النَّاس وَلم أر بِلَالًا وَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الزنج ينظرُونَ إِلَيْك ويرطن بَعضهم إِلَى بعض فَأَذنت لأجمع النَّاس إِلَيْك. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أصبت يَا سعد إِذا لم تَرَ بِلَالًا معي فَأذن فَمسح

(1/514)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأسه وَقَالَ: بَارك الله فِيك يَا سعد إِذا لم تَرَ بِلَالًا معي (فَأذن) .
وَأذن سعد لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقباء ثَلَاث مَرَّات، فَلَمَّا قبض رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى بِلَال إِلَى أبي بكر فَقَالَ: يَا خَليفَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " أَن أفضل عمل الْمُؤمن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله " قَالَ: فَمَا تشَاء يَا بِلَال. فَقَالَ أُرِيد أَن أربط نَفسِي فِي سَبِيل الله حَتَّى أَمُوت فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أنْشدك الله يَا بِلَال وحقي وحرمتي، فقد كَبرت سني واقترب أَجلي فَأَقَامَ بِلَال مَعَ أبي بكر حَتَّى هلك فَلَمَّا هلك أَبُو بكر. أَتَى بِلَال إِلَى عمر فَقَالَ يَا ابْن الْخطاب إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن أفضل عمل الْمُؤمن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله " قَالَ: فَمَا تُرِيدُ يَا بِلَال؟ فَقَالَ: أُرِيد أَن أربط نَفسِي فِي سَبِيل الله حَتَّى أَمُوت. فَقَالَ: أنْشدك الله وحقي وحرمتي وحبي أَبَا بكر وحبه إيَّايَ. فَقَالَ مَا أَنا بفاعل. فَقَالَ إِلَى من أدفَع الْأَذَان يَا بِلَال؟ فَقَالَ: إِلَى سعد فَإِنَّهُ قد أذن لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقباء. قَالَ: فَدَعَا عمر سَعْدا فَقَالَ لَهُ: الْأَذَان إِلَيْك وَإِلَى عقبك من بعْدك

(1/515)


وَأَعْطَاهُ عمر العنزة الَّتِي كَانَ يحمل بِلَال لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: امش بهَا بَين يَدي كَمَا كَانَ يمشي بهَا بَين يَدي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى تركزها بالمصلى حَيْثُ أُصَلِّي بِالنَّاسِ فَفعل قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَلم يزل يفعل ذَلِك أولونا إِلَى الْيَوْم. وَرُوِيَ عَن أبي الْمثنى عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ الْأَذَان على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثنى مثنى وَالْإِقَامَة مرّة مرّة غير أَن الْمُؤَذّن إِذا قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة قَالَ مرَّتَيْنِ " وَعَن أبي الْمثنى عَن ابْن عمر " أَنه كَانَ يَأْمر الْمُؤَذّن أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة ليعلم الْمَار الْأَذَان من الْإِقَامَة " أَبُو الْمثنى: هُوَ مُسلم بن مهْرَان الْقرشِي مُؤذن مَسْجِد الْجَامِع بِالْكُوفَةِ قَالَه البُخَارِيّ، حَدِيث أبي جُحَيْفَة وهب الله السوَائِي رَضِي الله عَنهُ وروى عَن أَبِيه عون عَنهُ قَالَ: " كَانَ الْأَذَان على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثنى مثنى وَالْإِقَامَة مرّة مرّة " وَرُوِيَ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن الْأَذَان كَانَ على عهد

(1/516)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثنى مثنى وَالْإِقَامَة وَاحِدَة وَاحِدَة، وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ الْإِقَامَة مثنى مثنى.
وروى إِفْرَاد الْإِقَامَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم مِنْهُم: عبد الله بن عمر رُوِيَ أَنه مر على مُؤذن فَقَالَ: أوتر الْإِقَامَة، وَمِنْهُم عبد الله بن عَبَّاس رُوِيَ عَنهُ أَن أَذَانه كَانَ مثنى مثنى وإقامته مرّة مرّة، وَمِنْهُم أنس بن مَالك رُوِيَ عَنهُ كَذَلِك أَن أَذَانه كَانَ مثنى مثنى وإقامته وَاحِدَة وَاحِدَة وَمِنْهُم سَلمَة بن الْأَكْوَع: رُوِيَ أَنه كَانَ إِذا أذن ثنى وَإِذا أَقَامَ أفرد حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى " قد قَامَت الصَّلَاة " ثنى وَجعل آخر آذانه " لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر " وَقد روينَا أَن بِلَالًا أَقَامَ لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فُرَادَى وَأَن سعد الْقرظ أَقَامَ فِي أَيَّام عمر وَعُثْمَان فُرَادَى فَصَارَ هَذَا إِجْمَاعًا وَلَا أعلم لَهُم من الصَّحَابَة مُخَالفا إِلَّا شَيْئا يرْوى عَن ثَوْبَان وَلَا يَصح لِأَن رِوَايَة حجاج بن أَرْطَأَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم " أَن ثَوْبَان كَانَ يُؤذن مثنى مثنى وَيُقِيم مثنى مثنى " وَهَذَا لَا

(1/517)


يثبت من أوجه أَحدهَا: أَن إِبْرَاهِيم لم يلق ثَوْبَان، وَالْآخر أَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان غير مُحْتَج بِهِ، وَالثَّالِث أَن الْحجَّاج بن أَرْطَأَة ضَعِيف وعَلى هَذَا فُقَهَاء التَّابِعين فقد ثَبت عَن سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد ابْن سِيرِين وَسَالم بن عبد الله وَالزهْرِيّ وَأبي قلَابَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَقَتَادَة وعراك وَغَيرهم أَنهم كَانُوا يرَوْنَ إِفْرَاد الْإِقَامَة وَمَا رُوِيَ عَن فطر قَالَ: " ذكرت لمجاهد: الْأُمَرَاء يُقِيمُونَ مرّة مرّة قَالَ: إِنَّمَا هَذَا شَيْء اسْتَحَقَّه الْأُمَرَاء الْإِقَامَة مرَّتَيْنِ " إِن ثَبت فيريد بِهِ وَالله أعلم كلمة الْإِقَامَة.
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فالعجب مِمَّن يَدعِي أَن بِلَال بن رَبَاح كَانَ يُؤذن لعَلي بن أبي طَالب بِالْكُوفَةِ فِي خِلَافَته وَيُقِيم مثنى مثنى، وَيرد الْأَخْبَار الصَّحِيحَة، وَمن زَعمه أَن هَذَا آخر أَذَان كَانَ لِبلَال وَلَا يعلم بجهله أَن بِلَالًا توفّي قبل ذَلِك ببضع عشرَة سنة وَرُوِيَ عَن

(1/518)


هَارُون بن سُلَيْمَان حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن الرّبيع بن صبيح أَن الْحسن وَمُحَمّد قَالَا: إِن الْإِقَامَة مرّة مرّة، قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: وَالْإِقَامَة مرّة مرّة سنة فَروِيَ عَن يُونُس عَن الْحسن قَالَ: الْإِقَامَة وَاحِدَة وَاحِدَة غير أَنه يَقُول: قد قَامَت الصَّلَاة، قد قَامَت الصَّلَاة فَإِنَّهُ مرَّتَيْنِ.
(مَسْأَلَة (66) :)

وَكلمَة التثويب: قَول الْمُؤَذّن: الصَّلَاة خير من النّوم

(1/519)


مرَّتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَنَّهُمَا إِعَادَة قَوْله حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ دليلنا مَا رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: " أَتَى بِلَال رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدعُوهُ إِلَى صَلَاة الْغَدَاة فَقيل لَهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَائِم فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوته الصَّلَاة خير من النّوم فأدخلت بعد فِي الآذان ". لذا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد وَالْمَحْفُوظ من حَدِيث الزُّهْرِيّ مَا أخبرنَا أَبُو عبد الله وَذكر إِسْنَادًا إِلَى يُونُس الزُّهْرِيّ عَن حَفْص بن عمر بن سعد الْمُؤَذّن أَن سَعْدا كَانَ يُؤذن لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ حَفْص: فَحَدثني أَهلِي أَن بِلَالًا أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليؤذن بِصَلَاة الْفجْر فَقَالُوا إِنَّه نَائِم فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: الصَّلَاة خير من النّوم فأقرت فِي صَلَاة الْفجْر ". وَحَدِيث الْحَرْث بن عبيد عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله عَلمنِي سنة الْأَذَان فَذكره وَقَالَ: " إِن كَانَ فِي الصُّبْح قلت الصَّلَاة خير من النّوم الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله " وَعند أبي دَاوُد

(1/520)


عَنهُ ألْقى على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَذَان حرفا حرفا فَذكره قَالَ: وَكَانَ يَقُول فِي الْفجْر الصَّلَاة خير من النّوم وَذكر عَن ابْن سِيرِين عَن أنس قَالَ من السّنة إِذا قَالَ الْمُؤَذّن فِي أَذَان الْفجْر حَيّ على الْفَلاح قَالَ الصَّلَاة خير من النّوم وَالله أعلم.
(مَسْأَلَة (67) :)

وَمَوْضِع التثويب قبل الْفَرَاغ من الْأَذَان. وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة. وَدَلِيلنَا من الْخَبَر مَا تقدم آنِفا وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا " قَالَ كَانَ فِي الْأَذَان الأول بعد الْفَلاح الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم "، وَمَا رُوِيَ عَنهُ من كَرَاهِيَة التثويب أَنما هُوَ فِي الظّهْر وَالْعصر، وَرُوِيَ عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك مرَّتَيْنِ يَقُول فِي

(1/521)


صَلَاة الصُّبْح إِذا قَالَ حَيّ على الْفَلاح الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ قَالَ فَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا هِيَ مرّة، قَالَ مُحَمَّد فَلَقِيت أنسا فَقلت لبَعْضهِم سَله فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مرَّتَيْنِ. وَمَسْأَلَة أَخذ الْأُجْرَة على الْأَذَان وَتَعْلِيم الْقُرْآن مخرجة فِي كتاب الصَدَاق إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(مَسْأَلَة (68) :)

والتعجيل بالصلوات كلهَا أفضل إِذا لم يكن هُنَاكَ عدد تتأخر بِهِ الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: التَّأْخِير بالصلوات أفضل من التَّعْجِيل بهَا إِلَّا الْمغرب وَالظّهْر فِي شدَّة الْحر. وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا أخبر الْحَاكِم أَبُو عبد الله حَدثنَا أَبُو عمر وَعُثْمَان بن أَحْمد الثِّقَة الْمَأْمُون حَدثنَا الْحسن بن مكرم حَدثنَا عُثْمَان بن عمر حَدثنَا مَالك بن مغول عَن

(1/522)


الْوَلِيد بن الْعيزَار عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَي الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا، قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: بر الْوَالِدين "، تَابعه مُحَمَّد بن بشار بنْدَار عَن عُثْمَان بن عمر فِي هَذِه اللَّفْظَة وَهُوَ صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم لِأَن رُوَاته مُتَّفق على عدالتهم وَالزِّيَادَة مَقْبُولَة عَن الثِّقَة عِنْدهمَا، وَعند الْفُقَهَاء إِذا انْضَمَّ إِلَى رِوَايَته مَا يؤكدها وَإِن كَانَ الَّذِي لم يَأْتِ بهَا أكبر عددا وَهَذِه الرِّوَايَة فِي الزِّيَادَة ولهن شَوَاهِد نذكرها إِن شَاءَ الله وَقد اتفقَا على إِخْرَاج حَدِيث عبد الله الصَّلَاة على صفاتها وَالصَّلَاة لوَقْتهَا بِهَذَا الْإِسْنَاد.
وشواهد مَا روى عُثْمَان بن عمر مَا أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا إِلَى حجاج بن الشَّاعِر حَدثنَا عَليّ بن حَفْص الْمَدَائِنِي حَدثنَا شُعْبَة عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار قَالَ: " سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ حَدثنَا صَاحب هَذِه الدَّار وَأَشَارَ إِلَى دَار عبد الله بن مَسْعُود وَلم يسمه، قَالَ: سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا، قلت: ثمَّ مَاذَا قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، قلت: ثمَّ مَاذَا، قَالَ: بر الْوَالِدين، وَلَو استزدته لزادني " رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات فَإِن حجاج بن

(1/523)


الشَّاعِر: حَافظ ثِقَة، وَاحْتج مُسلم بعلي بن حَفْص الْمَدَائِنِي. وَالْبَاقُونَ مُتَّفق على ثقتهم.
وَأما اللَّفْظ الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ فأخرجاه من حَدِيث شُعْبَة عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَخْبرنِي صَاحب هَذِه الدَّار وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ على دَار عبد الله، قَالَ سَأَلت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي الْعَمَل أحب إِلَى الله؟ قَالَ: " الصَّلَاة لوَقْتهَا "، قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: " بر الْوَالِدين " قلت: ثمَّ أَي قَالَ: " الْجِهَاد فِي سَبِيل الله "، وَرِوَايَة عُثْمَان بن عمر عَن الْحسن ابْن مغول عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار مَقْبُولَة فقد اتفقَا على الِاحْتِجَاج بِهِ وَهُوَ مِمَّن لَا يشك فِيهِ حَدثنِي فِي ثقته وَقد ذكرنَا من تَابعه فِي تِلْكَ اللَّفْظَة من حَدِيث شُعْبَة وَشَاهده من حَدِيث عبد الله بن عمر مَا أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا إِلَى نَافِع عَن ابْن عمر. قَالَ: " سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: " الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا " وَرُوِيَ عَن أم فَرْوَة. قَالَت سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَي الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: " الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا "، وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(1/524)


معنى مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر، وَرُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " مَا صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّلَاة لوَقْتهَا الآخر حَتَّى قَبضه الله عز وَجل " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: " يَا عَليّ ثَلَاثَة لَا تؤخرها الصَّلَاة إِذا أَتَت والجنازة إِذا حضرت والأيم إِذا وجدت كُفؤًا " وروى بَقِيَّة عَن عبد الله مولى عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: حَدثنِي عبد الْعَزِيز حَدثنِي مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول الْوَقْت رضوَان الله وَآخر الْوَقْت عَفْو الله " قَالَ ابْن عدي هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي يحدث بهَا بَقِيَّة عَن المجهولين لِأَن عبد الله مولى عُثْمَان وَعبد الْعَزِيز لَا يعرفان وَرُوِيَ عَن نَافِع مولى يُوسُف السّلمِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا،

(1/525)


قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول الْوَقْت رضوَان الله وَآخره عَفْو الله " نَافِع هَذَا أَبُو هُرْمُز ضعفه ابْن معِين وَابْن حَنْبَل وَغَيرهمَا.
وَرُوِيَ عَن يَعْقُوب بن الْوَلِيد عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر: قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول الْوَقْت رضوَان الله وَآخر وَقت الصَّلَاة عَفْو الله " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: الْحمل على يَعْقُوب بن الْوَلِيد فَإِنَّهُ شيخ من أهل الْمَدِينَة قدم عَلَيْهِم بَغْدَاد فَنزل الرصافة، حدث عَن هِشَام بن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة وَمَالك بن أنس وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين بِأَحَادِيث مَنَاكِير، فَأَما الَّذِي روى فِي أول الْوَقْت وَآخره فَإِنِّي لَا أحفظه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وَجه يَصح وَلَا عَن أحد من الصَّحَابَة إِنَّمَا الرِّوَايَة فِيهِ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ

(1/526)


الباقر، وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن أبي مَحْذُورَة بِإِسْنَاد شَاذ لَا يقوم بِمثلِهِ الْحجَّة، أخبرنَا وَذكره عَن إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا من أهل عبدس حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي مَحْذُورَة حَدثنِي أبي عَن جدي يَعْنِي أَبَا مَحْذُورَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول الْوَقْت رضوَان الله وأوسط الْوَقْت رَحْمَة الله وَآخر الْوَقْت عَفْو الله " قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا هَذَا هُوَ الْعجلِيّ الضَّرِير يكنى أَبَا إِسْحَق حدث عَن الثِّقَات بِالْبَوَاطِيل. قَالَه لنا الْمَالِينِي عَن أبي أَحْمد بن عدي، وَإِبْرَاهِيم بن أبي مَحْذُورَة، هُوَ إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة مَشْهُور.
وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظ الأول عَن ابْن عَبَّاس، وَجَرِير بن عبد الله وَأنس بن مَالك رَضِي الله عَنْهُم مَرْفُوعا، وَلَيْسَ بِشَيْء وَله أصل من قَول مُحَمَّد بن عَليّ الباقر رَضِي الله عَنهُ كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو أويس عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ

(1/527)


رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول الْوَقْت رضوَان الله وَآخره عَفْو الله " وَإِسْنَاده فِيمَا أَظن أصح مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب وَالله أعلم.
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِسْنَاد يعرف بِهِ حَدِيث أَن للصَّلَاة أَولا وآخرا، وَهُوَ أَيْضا مَعْلُول بِمَا ذكرنَا فِي غير هَذَا الْموضع والاعتماد على الْأَحَادِيث الَّتِي قدمنَا ذكرهَا. وَسَنذكر مَا رُوِيَ فِي الِاسْتِحْبَاب بتعجيل هَذِه الصَّلَوَات الثَّلَاث بِمَشِيئَة الله تَعَالَى.
أما صَلَاة الصُّبْح فَأخْبرنَا وَذكر الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته عِنْدهمَا عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " أَن كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليُصَلِّي الصُّبْح فينصرفن النِّسَاء متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من الْغَلَس " وَرُوِيَ بِإِسْنَاد رُوَاته ثِقَات لَكِن هَذَا الْمَتْن بِهِ غَرِيب عَن أم سَلمَة " كن النِّسَاء يشهدن الصُّبْح مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فينصرفن متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من الْغَلَس ".

(1/528)


وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك " أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَزيد بن ثَابت تسحرا فَلَمَّا فرغا من سحورهما قَامَ نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الصَّلَاة فصلى، قُلْنَا لأنس كم كَانَ بَين فراغهما من سحورهما ودخولهما فِي الصَّلَاة قَالَ قدر مَا يقْرَأ الرجل خمسين آيَة " وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سهل بن سعد " كنت أتسحر فِي أَهلِي ثمَّ أبكر سرعَة أَن أدْرك صَلَاة الصُّبْح مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "، واتفقا على صِحَة حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الظّهْر بالهجير أَو حِين تَزُول الشَّمْس وَيُصلي الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة وَيُصلي الْمغرب حِين تغرب الشَّمْس وَيُصلي الْعشَاء يُؤَخر أَحْيَانًا ويعجل أَحْيَانًا إِذا اجْتمع النَّاس عجل وَإِذا تَأَخّر أخر وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْح بِغَلَس أَو قَالَ كَانُوا يصلونها بِغَلَس " واتفقا على حَدِيث أبي مَسْعُود فِي الْمَوَاقِيت مُخْتَصرا وَقد رَوَاهُ أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن بشير بن أبي مَسْعُود عَن أَبِيه مُفَسرًا وَأُسَامَة ثِقَة قد

(1/529)


احْتج بِهِ مُسلم فِي الصَّحِيح فَذكره وَفِيه " وَصلى يَعْنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصُّبْح بِغَلَس ثمَّ صلى مرّة أُخْرَى وأسفر بهَا ثمَّ كَانَت صلَاته بعد ذَلِك بِغَلَس حَتَّى مَاتَ ثمَّ لم يعد إِلَى أَن يسفر ".
وَرُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن نهيك بن يريم قَالَ حَدثنِي مغيث بن سمي قَالَ: " صليت مَعَ ابْن الزبير صَلَاة الْفجْر فصلى بِغَلَس "، وَكَانَ يسفر بهَا فَلَمَّا سلم قلت لعبد الله بن عمر: مَا هَذِه الصَّلَاة؟ وَهُوَ إِلَى جَانِبي قَالَ: هَذِه صَلَاتنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر فَلَمَّا قتل عمر أَسْفر بهَا عُثْمَان "، قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ: حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ عَن نهيك بن يريم فِي التغليس بِالْفَجْرِ حَدِيث حسن.
وَرُوِيَ عَن حَرْمَلَة الْعَنْبَري: " أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ركب الْحَيّ فصلى بِنَا صَلَاة الصُّبْح فَجعلت أنظر إِلَى الَّذِي إِلَى جَنْبي فَمَا أكاد أعرفهُ أَي من الْغَلَس "، وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن مَحْمُود بن

(1/530)


لبيد عَن رَافع بن خديج، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أسفروا بِصَلَاة الْفجْر فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ أَو أعظم لأجركم "، وَفِي رِوَايَة: " أسفروا بالصبح فَإِن ذَلِك أعظم لأجوركم أَو قَالَ لِلْأجرِ " وَلَيْسَ بمخرج فِي الصَّحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي السّنَن، فَقَالَ: " أَصْبحُوا بالصبح " وَفِي إدارة رُوَاته لألفاظه كالدلالة على أَنه المُرَاد أَن يسفر بِالْفَجْرِ حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ طُلُوع الْفجْر الآخر مُعْتَرضًا أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا عَن رَافع قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نوروا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ ".
وَرُوِيَ عَن زيد بن أسلم عَن مَحْمُود بن لبيد عَن نفر من قومه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَصْبحُوا بالصبح " وَرُوِيَ عَن زيد عَن

(1/531)


عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن رجَالًا من قومه أَخْبرُوهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ، وَرُوِيَ عَن فليح بن سُلَيْمَان عَن عَاصِم بن عمر عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن هرير ابْن رَافع بن خديج قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أسفروا بِصَلَاة الصُّبْح حَتَّى يرى الْقَوْم مواقع نبلهم " وَقيل عَن هرير بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع عَن جده وَقيل عَن رِفَاعَة بن هرير بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع حَدثنِي أبي عَن جدي عَن أَبِيه " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا كَانَ فِي سفر لم يصل بالقوم حَتَّى يبصر الْقَوْم مواقع نبلهم " فَهَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده وَلَفظه، وَمثل ذَلِك لَا يُعَارض الْأَحَادِيث الثَّابِتَة الَّتِي وَردت

(1/532)


فِي التغليس فِي صَلَاة الصُّبْح وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَرُوِيَ عَن أَيُّوب بن سيار عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله عَن أبي بكر عَن بِلَال أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أسفروا بالصبح أجر لكم " وَأَيوب بن سيار ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَرُوِيَ عَن أبي الزَّاهِرِيَّة عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أسفروا بِالْفَجْرِ ". مُرْسل.

(1/533)


وَأما حَدِيث عبد الله مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الصَّلَاة إِلَّا لميقاتها إِلَّا هَاتين الصَّلَاتَيْنِ: صلى الْمغرب وَالْعشَاء بِمُزْدَلِفَة جَمِيعًا، وَصلى الْفجْر قبل ميقاتها فَقَط "، فَالْمُرَاد بِهِ وَالله أعلم غلس بهَا غَايَة التغليس يَوْمئِذٍ وَقد كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصليهَا فِي غير ذَلِك الْيَوْم بِغَلَس دون ذَلِك، وَقد روينَا عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ " أَنه كَانَ يُصليهَا بسواد وَيقْرَأ السورتين من المئيين: إِحْدَاهمَا بني إِسْرَائِيل " وَأما صَلَاة الْعَصْر فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس قَالَ: كُنَّا نصلي الْعَصْر فَيذْهب الذَّاهِب إِلَى قبَاء فيأتيهم وَالشَّمْس مُرْتَفعَة " وَعند البُخَارِيّ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يُصَلِّي صَلَاة الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة حَيَّة فَيذْهب الذَّاهِب إِلَى العوالي فيأتيها وَالشَّمْس مُرْتَفعَة ".
وروى أَبُو دَاوُد عَن يُوسُف بن مُوسَى حَدثنَا جرير عَن مَنْصُور

(1/534)


عَن خَيْثَمَة قَالَ: " حَيَاتهَا أَن تجدها " واتفقا على حَدِيث رَافع بن خديج " كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْعَصْر ثمَّ نَنْحَر الْجَزُور فَيقسم عشر قسم ثمَّ يطْبخ فنأكل لَحْمًا نضيجا قبل أَن تغيب الشَّمْس " واتفقا على حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. " كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس فِي حُجْرَتهَا قبل أَن تظهر " وَعند مُسلم عَن أنس " صلى لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَصْر، فَلَمَّا انْصَرف أَتَاهُ رجل من بني سَلمَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله. إِنَّا نُرِيد نحر جزور لنا وَنحن نحب أَن تحضرها قَالَ: " نعم " فَانْطَلق وانطلقنا مَعَه. فَوَجَدنَا الْجَزُور لم تنحر، فنحرت ثمَّ قطعت ثمَّ طبخ مِنْهَا ثمَّ أكلنَا قبل أَن تغيب الشَّمْس ".
وَفِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " شغل الْمُشْركُونَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْس واصفرت فَقَالَ: شغلونا عَن صَلَاة الْوُسْطَى مَلأ الله قُبُورهم

(1/535)


نَارا " وَعِنْدَهُمَا عَن أبي أُمَامَة قَالَ صلينَا مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز الظّهْر. ثمَّ خرجنَا حَتَّى دَخَلنَا على أنس بن مَالك، فوجدناه يُصَلِّي الْعَصْر، فَقلت: يَا عَم. مَا هَذِه الصَّلَاة الَّتِي صليت؟ قَالَ: الْعَصْر، وَهِي صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّتِي كُنَّا نصلي مَعَه وَعند مُسلم عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن أَنه دخل على أنس بن مَالك فِي دَاره بِالْبَصْرَةِ حِين انْصَرف من الظّهْر. قَالَ: وداره بِجنب الْمَسْجِد. قَالَ: فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ قَالَ: أصليتم الْعَصْر؟ قُلْنَا إِنَّمَا انصرفنا السَّاعَة من الظّهْر. قَالَ: فصلوا الْعَصْر. فقمنا فصلينا. فَلَمَّا صلينَا قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِقين، تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِقين يجلس أحدهم يرقب الشَّمْس حَتَّى إِذا كَانَ بَين قَرْني شَيْطَان. قَامَ فنقرها أَرْبعا لَا يذكر الله فِيهَا إِلَّا قَلِيلا وَقد بَقِي أَخْبَار تركتهَا اختصارا، وروى مَالك عَن عَمه أبي سُهَيْل بن مَالك عَن

(1/536)


أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: " أَن صل الظّهْر إِذا زاغت الشَّمْس وَالْعصر وَالشَّمْس بَيْضَاء نقية قبل أَن يدخلهَا صفرَة وَالْمغْرب إِذا غربت الشَّمْس وَالْعشَاء مَا لم تنم وصل الصُّبْح والنجوم بادية واقرأ فِيهَا سورتين طويلتين من الْمفصل " وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى الْعَبَّاس بن ذريح عَن زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن النَّخعِيّ كَذَا فِي كتاب الْبَيْهَقِيّ.
وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ بِنَحْوِهِ، زِيَاد بن عبد الله قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم والكوفة يَوْمئِذٍ أخصاص فَجَاءَهُ الْمُؤَذّن فَقَالَ: الصَّلَاة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ، ثمَّ عَاد فَقَالَ ذَلِك، فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: هَذَا الْكَلْب يعلمنَا بِالسنةِ فَقَامَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فصلى بِنَا الْعَصْر، ثمَّ انصرفنا فرجعنا إِلَى الْمَكَان الَّذِي كُنَّا فِيهِ جُلُوسًا فجثونا للركب لنزول الشَّمْس للمغيب نترآها " قَالَ عَليّ بن عمر: زِيَاد بن

(1/537)


عبد الله مَجْهُول لم يرو عَنهُ غير الْعَبَّاس بن ذريح قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالْعَبَّاس بن ذريح غير مُحْتَج بِهِ فِي الصَّحِيح، وروى عَن حَفْص بن عمر حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن نَافِع بن عَليّ الكلَاعِي، قَالَ سَمِعت شَيخا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ عبد الله بن رَافع بن خديج لقِيه بِنَاحِيَة الْمَدِينَة وَأذن مُؤذن الْعَصْر فَكَأَنَّهُ عجل فكرهه وَغَضب، وَقَالَ وَتلك أَن أبي أَخْبرنِي وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْمر بِتَأْخِير الْعَصْر ". قَالَ عَليّ بن عمر: ابْن رَافع هَذَا لَيْسَ بِقَوي، وَرَوَاهُ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد فكناه أَبَا الرماح وَخَالف فِي اسْم ابْن رَافع فَسَماهُ عبد الرَّحْمَن قَالَ: عَليّ بن عمر: وَرَوَاهُ حرمي بن عمَارَة عَن عبد الْوَاحِد هَذَا، وَقَالَ: عبد الْوَاحِد بن نفيع، خَالف فِي نسبه، وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد من جِهَة عبد الْوَاحِد هَذَا لِأَنَّهُ لم يروه عَن ابْن رَافع ابْن خديج غَيره، وَقد اخْتلف فِي اسْم ابْن رَافع هَذَا، وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن رَافع

(1/538)


وَالصَّحِيح عَن رَافع بن خديج وَعَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم ضد هَذَا، وَهُوَ التَّعْجِيل بِصَلَاة الْعَصْر والتبكير بهَا وَأخْبرنَا أَبُو بكر الْفَارِسِي حَدثنَا أَبُو إِسْحَق الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا أَبُو أَحْمد بن فَارس قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ رَحمَه الله فِي هَذَا الحَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَاحْتج على خطأه بِحَدِيث أبي النَّجَاشِيّ عَن رَافع بن خديج بِخِلَاف ذَلِك وَقد مضى ذكره وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن أبي الْمليح قَالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَة فِي يَوْم ذِي غيم فَقَالَ بَكرُوا بِالصَّلَاةِ فَإِن النَّبِي قَالَ: " من ترك الْعَصْر حَبط عمله ".
وَأما صَلَاة الْعشَاء فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَن التَّعْجِيل بهَا أفضل وَالثَّانِي أَن التَّأْخِير بهَا أفضل. فَوجه قَوْلنَا أَن التَّعْجِيل أفضل مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن الْحسن بن عَليّ قَالَ: قدم

(1/539)


الْحجَّاج فسألنا جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة وَالْعصر وَالشَّمْس بَيْضَاء نقية وَالْمغْرب إِذا وَجَبت الشَّمْس، وَالْعشَاء أَحْيَانًا، وَأَحْيَانا كَانَ إِذا رَآهُمْ قد اجْتَمعُوا عجل وَإِذا رَآهُمْ أبطأوا أخر وَالصُّبْح كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي بِغَلَس " وَلَفظ حَدِيث مُسلم. فَفِي هَذَا دلَالَة على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يعجل بهَا وَأَن التَّأْخِير كَانَ لِاجْتِمَاع النَّاس لِأَنَّهُ أفضل وَحَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ الْمُتَقَدّم سُؤَاله رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَي الْعَمَل أفضل؟ قَالَ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا " وَفِيمَا رُوِيَ عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " إِنِّي لأعْلم النَّاس بِوَقْت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصليهَا لسُقُوط الْقَمَر الثَّالِثَة ".

(1/540)


وَأما قَوْلنَا أَن التَّأْخِير بهَا أفضل، مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس " اعتم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات لَيْلَة بالعشاء حَتَّى رقد النَّاس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: الصَّلَاة فَخرج نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم أَن يصلوها كَذَلِك " وَعند مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " قَالَت: اعتم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات لَيْلَة ذهب عَامَّة اللَّيْل حَتَّى نَام أهل الْمَسْجِد ثمَّ خرج فصلى وَقَالَ: إِنَّه لوَقْتهَا لَوْلَا أَن أشق على أمتِي " وَعِنْده أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ " مكثنا لَيْلَة حَتَّى ذهب ثلث اللَّيْل أَو نصفه قَالَ: حِين خرج يَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَوْلَا أَن يثقل على أمتِي لصليت بهم هَذِه السَّاعَة، ثمَّ أَمر الْمُؤَذّن فَأَقَامَ فصلى " وَعِنْده أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِتَأْخِير الْعشَاء والسواك عِنْد كل صَلَاة " وَعند أبي دَاوُد عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " صلينَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْعَتَمَة فَلم يخرج حَتَّى مضى نَحْو من شطر اللَّيْل فَقَالَ: " خُذُوا مقاعدكم " فأخذنا مقاعدنا، فَقَالَ: " إِن النَّاس قد صلوا وَأخذُوا مضاجعهم، وَإِنَّكُمْ

(1/541)


لن تزالوا فِي صَلَاة مَا انتظرتم الصَّلَاة، وَلَوْلَا ضعف الضَّعِيف وسقم السقيم لأخرت هَذِه الصَّلَاة إِلَى شطر اللَّيْل " وَعند البُخَارِيّ عَن سيار بن سَلامَة قَالَ: دخلت أَنا وَأبي على أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فَقَالَ لَهُ أبي: أخبرنَا كَيفَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة فَذكر الحَدِيث وَفِيه " وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يُؤَخر من صَلَاة الْعشَاء الَّتِي تدعونها الْعَتَمَة قَالَ وَكَانَ يكره النّوم قبلهَا والْحَدِيث بعْدهَا "، وَعند مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الصَّلَاة نَحوا من صَلَاتكُمْ وَكَانَ يُؤَخر صَلَاة الْعَتَمَة بعد صَلَاتكُمْ شَيْئا، وَقَالَ إِنَّه كَانَ يُخَفف الصَّلَاة " وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ بن زيد عَن الْحسن عَن أبي بكرَة رَضِي الله عَنهُ: قَالَ: " أخر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْعشَاء ثَمَان لَيَال فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَو عجلت هَذِه الصَّلَاة كَانَ أمثل لقيامنا من اللَّيْل؟ فَفعل وَالله أعلم.

(1/542)


تمّ الْجُزْء الأول من الْقسم الأول من كتاب مُخْتَصر خلافيات الْبَيْهَقِيّ تَحْقِيق الدكتور ذياب عبد الْكَرِيم عقل ويليه الْجُزْء الثَّانِي وأوله مَسْأَلَة رقم (69)

(1/543)