مختصر
خلافيات البيهقي مَسْأَلَة (69) :
وَالْوتر سنة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ وَاجِب وَدَلِيلنَا من الْخَبَر
مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
جَاءَ أَعْرَابِي من أهل نجد ثَائِر الرَّأْس نسْمع دوِي صَوته وَلَا نفقه
مَا يَقُول حَتَّى دنا فَإِذا هُوَ يسْأَل عَن الْإِسْلَام، فَقَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خمس صلوَات فِي
الْيَوْم وَاللَّيْلَة " قَالَ: هَل عَليّ غَيرهَا؟ قَالَ: " لَا إِلَّا
أَن تطوع ". وَذكر لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- صِيَام شهر رَمَضَان، فَقَالَ هَل عَليّ غَيره، قَالَ: " لَا، إِلَّا أَن
تطوع " فَأَدْبَرَ الرجل وَهُوَ يَقُول وَالله لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا
أنقص مِنْهُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
" أَفْلح إِن صدق " وَعند أبي دَاوُد عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَفِي موطأ
مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن ابْن محيريز أَن
رجلا من بني كنَانَة يدعى المخدجي سمع رجلا بِالشَّام أَبَا مُحَمَّد
يَقُول: إِن الْوتر وَاجِب قَالَ المخدجي: فرحت إِلَى عبَادَة بن الصَّامِت
فَأَخْبَرته فَقَالَ عبَادَة:
(2/5)
كذب أَبُو مُحَمَّد، سَمِعت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " خمس صلوَات كتبهن الله على الْعباد
فَمن جَاءَ بِهن لم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن كَانَ لَهُ
عِنْد الله عهدا أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ
عِنْد الله عهد: إِن شَاءَ عذبه، وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة ". سَمِعت
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم يَقُول: أَبُو مُحَمَّد الَّذِي فِي الحَدِيث
كَذَّاب، أَبُو مُحَمَّد: اسْمه مَسْعُود بن أَوْس بن زيد بن أَصْرَم بن
زيد بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن النجار وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا والعقبة،
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد سَمَّاهُ أَبُو مُحَمَّد الْبَيْضَاوِيّ
الْمصْرِيّ عَن نَافِع بن أبي نعيم عَن مُحَمَّد بن يحيى ابْن حبَان فِي
الحَدِيث وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُقَال لَهُ رفيع وَالله أعلم.
(2/6)
وروى الطَّيَالِسِيّ عَن إِسْرَائِيل عَن
أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: "
الْوتر لَيْسَ بحتم وَلكنه سنة حَسَنَة من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الله وتر يحب الْوتر فأوتروا يَا أهل
الْقُرْآن " تَابعه الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَعَاصِم بن ضمره
لَيْسَ بساقط فِيمَا لَا يُخَالف الثِّقَات، وروى أَبُو جناب عَن عِكْرِمَة
عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ " ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَهِي لكم تطوع الْفجْر وَالْوتر وركعتا
الضُّحَى " أَبُو جناب الْكَلْبِيّ / يحيى بن أبي حَيَّة لَيْسَ
بِالْقَوِيّ والاعتماد على حَدِيث الْأَعرَابِي وَقد
(2/7)
رُوِيَ ذَلِك من وَجه آخر عَن عَائِشَة
مَرْفُوعا " هن عَليّ فَرِيضَة وَهِي سنة لكم: الْوتر والسواك وَقيام
اللَّيْل " وَرُوِيَ بِإِسْنَاد رُوَاته ثِقَات عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي
عمْرَة أَنه سَأَلَ عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ عَن الْوتر
فَقَالَ: " أَمر حسن جميل عمل بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - والمسلمون من بعده وَلَيْسَ بِوَاجِب ".
وروى ابْن عدي عَن يَعْقُوب بن عبد الله عَن عِيسَى بن جَارِيَة عَن جَابر
قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
رَمَضَان لَيْلَة ثَمَان رَكْعَات وَالْوتر فَلَمَّا كَانَ فِي الْقَابِلَة
اجْتَمَعنَا فِي الْمَسْجِد ورجونا أَن يخرج إِلَيْنَا، فَلم نزل فِيهِ
حَتَّى أَصْبَحْنَا قَالَ فَدَخَلْنَا على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقُلْنَا يَا رَسُول الله اجْتَمَعنَا فِي
الْمَسْجِد ورجونا أَن تخرج إِلَيْنَا فَقَالَ: " إِنِّي كرهت أَن يكْتب
عَلَيْكُم الْوتر " وَرَوَاهُ غَيره عَن يَعْقُوب عَنهُ بِمَعْنَاهُ
وَقَالَ " إِنِّي خفت إِن خرجت أَن يكْتب عَلَيْكُم الْوتر " أخرجه ابْن
خُزَيْمَة فِي كِتَابه من وَجْهَيْن آخَرين عَن يَعْقُوب القمي، وَقد صَحَّ
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كَانَ يُوتر
على الرَّاحِلَة وَلَو كَانَ وَاجِبا لما فعله
(2/8)
عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من
حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا ".
وروى عَن سُفْيَان عَن ثُوَيْر ابْن أبي فاخته عَن أَبِيه أَن عليا رَضِي
الله عَنهُ كَانَ يُوتر على رَاحِلَته يُومِئ إِيمَاء وَرُبمَا استدلوا
بِمَا رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ عَن أبي
أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا " أَن الْوتر حق فَمن
شَاءَ أوتر بِخمْس وَمن شَاءَ أوتر بِثَلَاث وَمن شَاءَ أوتر بِوَاحِدَة "
هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِي رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ مَرْفُوعا وَتَابعه
على ذَلِك يُونُس بن يزِيد من رِوَايَة حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَنهُ
(2/9)
وَمعمر بن رَاشد من رِوَايَة وهيب
وَمُحَمّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ من رِوَايَة عبد الله بن سَالم وَبكر بن
وَائِل وسُفْيَان بن حُسَيْن وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة ودويد بن نَافِع
وَغَيرهم عَن الزُّهْرِيّ وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَن أبي أَيُّوب
الْأنْصَارِيّ صَالح بن كيسَان وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَشُعَيْب بن أبي
حَمْزَة وَعَمْرو بن الْحَارِث وَعقيل بن خَالِد من رِوَايَة رشدين وَمعمر
بن رَاشد من رِوَايَة عبد الرَّزَّاق والزبيدي من رِوَايَة مُحَمَّد بن
حَرْب وَأَبُو
(2/10)
سعيد حَفْص بن غيلَان وَأَشْعَث بن سوار
وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار والنعمان بن رَاشد والوليد بن مُحَمَّد
الموقري وقرة بن عبد الرَّحْمَن وَيُونُس جَمِيعًا من رِوَايَة رشدين
عَنْهُمَا وَعبد الله بن بديل كلهم قَالُوا عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن
يزِيد عَن أبي أَيُّوب أَنه قَالَ الْوتر حق مَوْقُوف على أبي أَيُّوب
إِلَّا الْأَشْعَث بن سوار فَإِنَّهُ قَالَ: أرَاهُ رَفعه وَهَكَذَا
رَوَاهُ عُثْمَان بن عمر عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ مَوْقُوفا وَلِهَذَا
الِاخْتِلَاف تَركه البُخَارِيّ وَمُسلم فَلم يخرجَاهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن
يحيى الذهلي هَذَا الحَدِيث بِرِوَايَة يُونُس والزبيدي وَابْن عيينه
(2/11)
وَشُعَيْب وَابْن إِسْحَاق وَعبد
الرَّزَّاق عَن معمر أشبه أَن يكون غير مَرْفُوع وَأَنه ليتخالج فِي
النَّفس من رِوَايَة البَاقِينَ مَعَ رِوَايَة وهيب عَن معمر وَالله أعلم.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن الْعَبَّاس حَدثنَا مُحَمَّد بن
حسان الْأَزْرَق حَدثنَا سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن
عَطاء بن يزِيد عَن أبي أَيُّوب مَرْفُوعا " الْوتر حق وَاجِب فَمن شَاءَ
أَن يُوتر بِثَلَاث فليوتر وَمن شَاءَ أَن يُوتر بِوَاحِدَة فليوتر
بِوَاحِدَة " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَوْله وَاجِب لَيْسَ بِمَحْفُوظ لَا
أعلم تَابع ابْن حسان عَلَيْهِ أحد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وهم فِي رَفعه،
وَالصَّحِيح رِوَايَة الْحميدِي وَغَيره عَن ابْن عُيَيْنَة مَوْقُوفا عَن
أبي أَيُّوب وَقَالَ الْحميدِي فِي رِوَايَته " حق أَو وَاجِب بِالشَّكِّ "
من قَول أبي أَيُّوب وروى أَبُو الْمُنِيب الْعَتكِي عَن أبي
(2/12)
بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوتر حق فَمن لم يُوتر
فَلَيْسَ منا " أَبُو الْمُنِيب الْعَتكِي لَا يحْتَج بحَديثه، قَالَ
البُخَارِيّ رَحمَه الله عبيد الله بن عبد الله أَبُو الْمُنِيب الْعَتكِي
الْمروزِي سمع ابْن يزِيد وَعِكْرِمَة روى عَنهُ زيد ابْن الْحباب وَعلي بن
الْحسن عِنْده مَنَاكِير قَالَ أَبُو قدامَة: أَرَادَ ابْن الْمُبَارك أَن
يَأْتِيهِ فَأخْبر أَنه روى عَن عِكْرِمَة " لَا يجْتَمع الْخراج وَالْعشر
" فَلم يَأْته.
وروى الْمثنى بن الصَّباح عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الله
زادكم صَلَاة فحافظوا عَلَيْهَا وَهِي الْوتر " والمثنى لَيْسَ بِالْقَوِيّ
عِنْدهم، وَتَابعه الْعَرْزَمِي، وَابْن أَرْطَأَة وهما مَتْرُوكَانِ /
وَقَالَ الدَّارمِيّ قلت ليحيى بن معِين فمثنى بن
(2/13)
الصَّباح؟ قَالَ: ضَعِيف وَقَالَ الدوري:
سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله الْعَرْزَمِي لَيْسَ
بِشَيْء، وروى عَن خَارجه الْعَدوي مَرْفُوعا " أَن الله قد أمدكم بِصَلَاة
هِيَ خير لكم من حمر النعم وَهِي لكم مَا بَين صَلَاة الْعشَاء إِلَى
طُلُوع الْفجْر الْوتر، الْوتر مرَّتَيْنِ " وَهَذَا لَيْسَ بِمَشْهُور
ثمَّ لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ قَالَ وَهِي لكم وَلم يقل عَلَيْكُم،
وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن: أَحْمد بن مُصعب
(2/14)
أخبرنَا الْفضل بن مُوسَى حَدثنَا أَبُو
حنيفَة عَن أبي يَعْفُور عَن عبد الله بن أبي أوفى عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن الله زادكم صَلَاة وَهِي الْوتر "
أَحْمد هَذَا هُوَ ابْن مُحَمَّد بن مُصعب بن بشر بن فضَالة من أهل مرو
وَكَانَ مِمَّن يضع الْمُتُون للآثار، ويقلب الْأَسَانِيد للْأَخْبَار
وَلَعَلَّه قد قلب على الثِّقَات أَكثر من عشرَة آلَاف حَدِيث قَالَه أَبُو
حَاتِم فِي كتاب الْمَجْرُوحين وَضعف أمره.
وروى النَّضر أَبُو عمر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج
عَلَيْهِم يرى الْبشر وَالسُّرُور فِي وَجهه فَقَالَ: " إِن الله قد
أَمركُم بِصَلَاة وَهِي الْوتر " قَالَ عَليّ بن عمر: النَّضر أَبُو عمر
الخزاز ضَعِيف وَقَالَ البُخَارِيّ النَّضر بن
(2/15)
عبد الرَّحْمَن أَبُو عمر الْكُوفِي مُنكر
الحَدِيث وَقَالَ ابْن نمير: النَّضر أَبُو عمر مَتْرُوك الحَدِيث. وروى
حَمَّاد بن قِيرَاط عَن خَارِجَة عَن ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " إِن الله زادكم صَلَاة إِلَى صَلَاتكُمْ وَهُوَ الْوتر "
قَالَ أَبُو حَاتِم: حَمَّاد بن قِيرَاط، من أهل نيسابور يقلب الْأَسَانِيد
عَن الثِّقَات ويجئ عَن الْأَثْبَات بالطامات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ،
وَكَانَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ يمرض القَوْل فِيهِ وَهُوَ الَّذِي روى
عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا " نهى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نتبع جَنَازَة
وفيهَا صارخة " وَهَذَا لَا أصل لَهُ من حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا من حَدِيث ابْن عمر وخارجه بن مُصعب
أَيْضا لَيْسَ بِشَيْء جرحه
(2/16)
ابْن معِين وَغَيره.
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِي التَّارِيخ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد
الله بن الْمُبَارك حَدثنَا مَحْمُود بن محَارب حَدثنَا مكي بن إِبْرَاهِيم
حَدثنَا ابْن جريج عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله زادكم صَلَاة هِيَ خير
لكم من الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا وَهِي الْوتر " وَهَذَا بِهَذَا
الْإِسْنَاد بَاطِل لم يحدث بِهِ عَن مكي بن إِبْرَاهِيم غير مَحْمُود بن
محَارب هَذَا وَهُوَ بنيسابور وَلَعَلَّه غلط فِي إِسْنَاده إِن لم يعتمده
أَو غلط عَلَيْهِ، مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك وَالله أعلم.
وروى أَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله
الْأنْصَارِيّ عَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي
هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن الله
وتر يحب الْوتر فأوتروا يَا أهل الْقُرْآن " قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيل ذاكرت
بِهِ لبندار فَلم يكن عِنْده، فَكَتبهُ عني، هَذَا
(2/17)
الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ النَّاس من
حَدِيث عَليّ وَعبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا وَأما بِهَذَا الْإِسْنَاد
فَإِنَّهُ تفرد بِهِ أَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ وَأخْبرنَا الْحَاكِم
أَبُو عبد الله قَالَ: سَأَلت أَبَا الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي
إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: ثِقَة صَدُوق، قَالَ الْحَاكِم: تكلم
فِيهِ أَبُو حَاتِم يَعْنِي الرَّازِيّ أما حَدِيث عَليّ فقد سبق ذكره
وَأما حَدِيث عبد الله فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدِهِ إِلَى أبي
عُبَيْدَة عَن عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- بِمَعْنَاهُ وَزَاد: فَقَالَ أَعْرَابِي: مَا تَقول؟ قَالَ: " لَيْسَ لَك
وَلَا لأصحابك " وَفِي رِوَايَة غَيره عَنهُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فلست من أَهله " وَفِي هَذَا دَلِيل على
أَنه لَيْسَ بِوَاجِب إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لَكَانَ أهل الْقُرْآن
وَغَيرهم فِيهِ شُرَكَاء كَمَا زَعَمُوا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (70) :
وَالْفَرْض على كل مصل إِصَابَة عين الْقبْلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة
(2/18)
الْفَرْض عَلَيْهِ إِصَابَة جِهَة
الْكَعْبَة، وَهُوَ ظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي رَحمَه
الله فَوجه الأول مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث ابْن
عَبَّاس عَن أُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لما دخل الْبَيْت دَعَا فِي نواحيه كلهَا وَلم يصل فِيهِ
حَتَّى خرج مِنْهُ فَلَمَّا خرج ركع رَكْعَتَيْنِ فِي قبل الْكَعْبَة
وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة وَرُوِيَ بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة
مَرْفُوعا " مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة " وَرُوِيَ عَن أبي
جَعْفَر الرَّازِيّ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة، عَن أبي
هُرَيْرَة
(2/19)
مَرْفُوعا، وَزَاد فِي آخِره " لأهل
الْعرَاق، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن أبي معشر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو وَهَذَا
أشبه، وَأَبُو معشر هَذَا ضَعِيف.
وروى يَعْقُوب بن يُوسُف عَن شُعَيْب بن أَيُّوب حَدثنَا ابْن نمير عَن
عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا " مَا بَين الْمشرق
وَالْمغْرب قبله " / انْفَرد بِهِ يَعْقُوب بن يُوسُف، وَرُوِيَ عَن
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُجبر عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا
أَيْضا تفرد بِهِ ابْن الْمُجبر وَالْمَشْهُور رِوَايَة الْجَمَاعَة
حَمَّاد بن سَلمَة وزائدة بن قدامَة وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَغَيرهم عَن
عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر رَضِي الله عَنهُ من قَوْله.
(2/20)
وَرُوِيَ عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي
قلَابَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم من قَوْلهمَا
وَالْمرَاد بِهِ وَالله أعلم أهل الْمَدِينَة وَمن كَانَت قبلته على سبت
أهل الْمَدِينَة مِمَّا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يطْلب قبلتهم ثمَّ يطْلب
عينهَا، فقد أخبرنَا أَبُو عبد الله وَذكر إِسْنَادًا عَن نَافِع عَن ابْن
عمر عَن عمر مَرْفُوعا قَالَ: " مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبله " إِذا
تَوَجَّهت قبل الْبَيْت، وَرُوِيَ بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْبَيْت
قبْلَة لأهل الْمَسْجِد وَالْمَسْجِد قبْلَة لأهل الْحرم وَالْحرم قبْلَة
لأهل الأَرْض فِي مشارقها وَمَغَارِبهَا من أمتِي " وروى طَلْحَة بن عَمْرو
وَهُوَ ضَعِيف عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " الْحرم كُله هُوَ
الْمَسْجِد الْحَرَام " وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد قَالَ: " الْحرم كُله مقَام
إِبْرَاهِيم " وَالله أعلم.
(2/21)
مَسْأَلَة (71) :
وَمن اجْتهد فصلى إِلَى الْمشرق ثمَّ تَيَقّن أَن الْقبْلَة إِلَى الغرب
كَانَ عَلَيْهِ إِعَادَة مَا صلاه فِي أصح الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة والمزني: لَا إِعَادَة عَلَيْهِ، وَبِنَاء الْمَسْأَلَة لنا على
الْكتاب، قَالَ الله تَعَالَى: {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام
وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} وَقد بَان أَنه لم يستقبله
بِوَجْهِهِ فَتلْزمهُ الْإِعَادَة، وَبِنَحْوِ ذَلِك رُوِيَ عَن أبي
الزِّنَاد عَن الْفُقَهَاء من أهل الْمَدِينَة أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ من
صلى على غير طهر أَو إِلَى غَيره قبْلَة أعَاد الصَّلَاة كَانَ فِي
الْوَقْت أَو غير وَقت، إِلَّا أَن يكون خطأوه الْقبْلَة تحرفا أَو شَيْئا
يَسِيرا، وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن سَالم عَن عَطاء
عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مسير أَو سير فأصابنا غيم فتحرينا
فاختلفنا فِي الْقبْلَة وَصلى كل وَاحِد منا على حِدة، فَجعل كل وَاحِد منا
يخط بَين يَدَيْهِ لنعلم أمكنتنا الَّتِي صلينَا فِيهَا فَلَمَّا
أَصْبَحْنَا مُطِرْنَا فَإِذا نَحن قد صلينَا على غير الْقبْلَة فَذَكرنَا
ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يَأْمُرنَا
بِالْإِعَادَةِ
(2/22)
وَقَالَ: " قد أَجْزَأت صَلَاتكُمْ " وَعَن
مُحَمَّد بن عبد الله الْعَرْزَمِي عَن عَطاء عَن جَابر بِبَعْض مَعْنَاهُ
وَفِيه " فَلَمَّا أَصْبَحْنَا نَظرنَا فَإِذا نَحن قد صلينَا على غير
الْقبْلَة "، وَمُحَمّد بن سَالم والعرزمي هَذَانِ ضعفهما ابْن معِين
وَقَالَ الْجوزجَاني: مُحَمَّد بن عبيد الله سَاقِط وَمُحَمّد بن سَالم
أَبُو سهل غير ثِقَة وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن الْعَرْزَمِي عبد الْملك بن
أبي سَالم عَن عَطاء عَن جَابر إِلَّا أَن الطَّرِيق فِيهِ لَيْسَ بواضح.
وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري قَالَ وجدت فِي
كتاب أبي حَدثنَا عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي عَن عَطاء بن
(2/23)
أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - سَرِيَّة كنت فِيهَا فأصابتنا ظلمَة فَلم نَعْرِف الْقبْلَة فَقَالَ
طَائِفَة منا: الْقبْلَة هَاهُنَا فصلوا وَقَالَ بَعْضنَا: الْقبْلَة
هَاهُنَا وخطوا خطا فَلَمَّا طلعت الشَّمْس أَصبَحت تِلْكَ الخطوط لغير
الْقبْلَة فقدمنا من سفرنا فأتينا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِك فَسكت وَأنزل الله عز وَجل: {وَللَّه
الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} أَي حَيْثُ كُنْتُم،
وَهَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ لما فِيهِ من الوجادة وَالصَّحِيح بِهَذَا
الْإِسْنَاد عَن عبد الْملك عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا أَن هَذِه الْآيَة إِنَّمَا أنزلت فِي التَّطَوُّع خَاصَّة
وَذَلِكَ مَذْكُور فِي آخر هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَرُوِيَ عَن أَشْعَث بن السمان عَن عَاصِم بن عبيد الله عَن
(2/24)
عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أَبِيه
قَالَ: كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فِي سفر فِي لَيْلَة مظْلمَة فَلم ندر كَيفَ الْقبْلَة فصلى كل رجل منا على
خياله، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذكرنَا ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نزلت {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله}
أَشْعَث بن السمان لَا يحْتَج بِهِ وَعَاصِم بن عبيد الله ضَعِيف فِي
الحَدِيث تكلم فيهمَا ابْن معِين وَغَيره وَفِي صَحِيح مُسلم عَن القواريري
عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن سعيد بن جُبَير عَن
ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ
(2/25)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة على
رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه، قَالَ وَفِيه نزلت {فأينما توَلّوا فثم وَجه
الله} وَرُوِيَ عَن أَحْمد / بن عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري قَالَ:
وجدت فِي كتاب أبي حَدثنَا عبد الْملك الْعَرْزَمِي عَن سعيد بن جُبَير عَن
ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ إِنَّهَا نزلت يَعْنِي {وَللَّه
الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} فِي التَّطَوُّع خَاصَّة
حَيْثُ توجه بعيرك وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (72) :
والمراهق إِذا افْتتح صَلَاة الْوَقْت بِشَرْط صِحَّتهَا من طَهَارَة
الْفِعْل وَالْبدن واللباس وَالْعقد بِالنِّيَّةِ ثمَّ بلغ فِي خلالها
فَإِنَّهُ يتم مَا عقده وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَن تحلل من
هَذِه الصَّلَاة الَّتِي عقدهَا على استكمال شرائطها ثمَّ بلغ وَالْوَقْت
بَاقٍ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِ الْإِعَادَة
سَوَاء بلغ فِي خلال مَا عقد أَو بعد الْفَرَاغ مِنْهَا إِذا كَانَ
الْوَقْت بَاقِيا، وَدَلِيلنَا أَشْيَاء مِنْهَا أَنه مَأْمُور
بِالصَّلَاةِ قبل الْبلُوغ بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن عبد الْملك بن الرّبيع
بن سُبْرَة عَن أَبِيه عَن جده رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا بلغ أَوْلَادكُم سبع سِنِين فرقوا
بَين فرشهم وَإِذا
(2/26)
بلغُوا عشر سِنِين فاضربوهم على الصَّلَاة
" وَفِي رِوَايَة قَالَ: " مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين
" فإسناده صَحِيح فقد احْتج مُسلم بِعَبْد الْملك عَن أَبِيه عَن جده
وَرُوِيَ لَهُم فِي الصَّحِيح وَشَاهده مَا رُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب
عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " مروا الصّبيان لسبع سِنِين وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي
عشر وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (73) :
وَلَا تَنْعَقِد الصَّلَاة إِلَّا بقول الله أكبر وَالله أكبر وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: تَنْعَقِد بِجَمِيعِ الْأَسْمَاء وَالصِّفَات الْمُنَاسبَة
للتكبير وبالاسم دون الصّفة دليلنا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي
الصَّحِيحَيْنِ فِي شَأْن الرجل الَّذِي صلى فَقَالَ لَهُ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ثَلَاث
مَرَّات " وَقَوله فِي الثَّالِثَة: " إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر
ثمَّ قَرَأَ وَذكر صفة
(2/27)
الصَّلَاة " وَفِي صَحِيح مُسلم عَن
عَائِشَة كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
يستفتح بِالتَّكْبِيرِ " وَقد قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَقد سبق ذكره.
وروى همام عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة حَدثنَا يحيى بن عَليّ
بن يحيى بن خَلاد عَن أَبِيه عَن عَمه رِفَاعَة بن رَافع أَنه كَانَ
جَالِسا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ
جَاءَ رجل فَدخل الْمَسْجِد فصلى فَلَمَّا قضى صلَاته جَاءَ فَسلم على
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعَلى الْقَوْم
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْجع
فصل فَإنَّك لم تصل " قَالَ: فَرجع فصلى فَجعلنَا نرمق صلَاته لَا نَدْرِي
مَا يعيب مِنْهَا فَلَمَّا قضى صلَاته جَاءَ فَسلم على رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعَلى الْقَوْم فَقَالَ لَهُ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل
" قَالَ فَرجع فصلى فَجعلنَا نرمق صلَاته لَا نَدْرِي مَا يعيب مِنْهَا
فَلَمَّا قضى صلَاته، جَاءَ فَسلم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعَلى الْقَوْم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل " وَذكر ذَلِك
إِمَّا مرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثَة فَقَالَ الرجل: مَا أَدْرِي مَا عبت
من
(2/28)
صَلَاتي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّهَا لَا تتمّ صَلَاة أحدكُم
حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره الله تبَارك وَتَعَالَى يغسل وَجهه
وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ ثمَّ يكبر ويحمد الله ويمجده وَيقْرَأ من الْقُرْآن مَا أذن
الله لَهُ فِيهِ ثمَّ يكبر فيركع وَيَضَع كفيه على رُكْبَتَيْهِ حَتَّى
تطمئِن مفاصله وتستوي ثمَّ يَقُول سمع الله لمن حَمده وَيَسْتَوِي قَائِما
حَتَّى يَأْخُذ كل عظم مأخذه ثمَّ يُقيم صلبه ثمَّ يكبر فَيسْجد فَيمكن
جَبهته من الأَرْض حَتَّى تطمئِن مفاصله، وَيَسْتَوِي ثمَّ يكبر فيرفع
رَأسه، وَيَسْتَوِي قَاعِدا على مقعدته وَيُقِيم صلبه، فوصف الصَّلَاة
هَكَذَا حَتَّى فرغ ثمَّ قَالَ: " لَا تتمّ صَلَاة أحدكُم حَتَّى يفعل
ذَلِك ". قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط
الشَّيْخَيْنِ. بعد أَن أَقَامَ همام بن يحيى إِسْنَاده فَإِنَّهُ حَافظ
ثِقَة وكل من أفسد مَا بعده فَالْقَوْل قَول همام. قَالَ الْبَيْهَقِيّ:
عَليّ بن يحيى بن خَلاد وَأَبوهُ من شَرط البُخَارِيّ.
وَرُوِيَ بأسانيد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَالْمعْنَى وَاحِد قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مِفْتَاح
الصَّلَاة الْوضُوء وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها
(2/29)
التَّسْلِيم " وَأشهر إِسْنَاد فِيهِ
حَدِيث عبد الله / بن مُحَمَّد بن عقيل عَن ابْن الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: " مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وإحرامها التَّكْبِير وتحليلها
التَّسْلِيم " وَرُوِيَ عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله
: " إِذا قَالَ
الإِمَام الله أكبر فَقولُوا الله أكبر، وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده
فَقولُوا رَبنَا وَلَك الْحَمد " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (74) :
وَإِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى تحاذي كَفاهُ مَنْكِبَيْه
وَقَالَ أَبُو
(2/30)
حنيفَة: يرفعهما حَتَّى يُحَاذِي كَفاهُ
أُذُنَيْهِ وَدَلِيلنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ
رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا
افْتتح الصَّلَاة وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى تحاذي مَنْكِبَيْه وَإِذا أَرَادَ
أَن يرْكَع وَبعد مَا يرفع من الرُّكُوع وَلَا يرفع بعد السَّجْدَتَيْنِ "
وَمعنى ذَلِك فِي الرّفْع عِنْد الِافْتِتَاح رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَالب
وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَأَما حَدِيث وَائِل بن حجر فقد روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَاصِم بن
كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل بن حجر " حَذْو مَنْكِبَيْه " وَرَوَاهُ
(2/31)
بشر بن الْمفضل وَشريك عَن عَاصِم بن
كُلَيْب أَحدهمَا " حَتَّى حاذتا أُذُنَيْهِ " وَرَوَاهُ عبد الْجَبَّار بن
وَائِل عَن أَبِيه قَالَ: " رفع يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بحيال
مَنْكِبَيْه وحاذى بإبهاميه أُذُنَيْهِ ثمَّ كبر " فاتفقت الرِّوَايَات عَن
ابْن عَمْرو وَأبي حميد فِي عشرَة من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمَا رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ كلهم عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على رفع الْيَدَيْنِ
إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ مَعَ الْأَثر عَن عمر رَضِي الله عَنهُ بذلك فالمصير
إِلَيْهِ أولى من رِوَايَة من اخْتلفت الْأَلْفَاظ عَنهُ فِي ذَلِك
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
وَفِي صَحِيح مُسلم عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى
يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ وَإِذا رفع رَأسه من
(2/32)
الرُّكُوع وَقَالَ سمع الله لمن حَمده
مِمَّا فعل مثل ذَلِك وَإِنَّمَا أَرَادَ حَتَّى حاذت أَطْرَاف أَصَابِعه
فروع أُذُنَيْهِ فقد رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل عَن إِسْمَاعِيل عَن ابْن
أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن نصر بن عَاصِم عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ إِذا كبر رفع
يَدَيْهِ حَتَّى يجعلهما قَرِيبا من أُذُنَيْهِ وَإِذا ركع صنع مثل ذَلِك
وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع حاذتا فروع أُذُنَيْهِ " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (75) :
وَالسّنة أَن يضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى تَحت صَدره وَفَوق سرته.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يضعهما تَحت السُّرَّة، وَرُوِيَ عَن مُؤَمل عَن
سُفْيَان عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل قَالَ: " صليت مَعَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوضع يَده الْيُمْنَى
على يَده الْيُسْرَى على صَدره " رَوَاهُ الْجَمَاعَة عَن الثَّوْريّ لم
يذكر وَاحِد مِنْهُم على صَدره غير مُؤَمل بن
(2/33)
إِسْمَاعِيل. وَرُوِيَ عَن عقبَة بن
صهْبَان أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي هَذِه الْآيَة {فصل لِرَبِّك
وانحر} قَالَ وضع يَده الْيُمْنَى على الشمَال عِنْد النَّحْر فِي
الصَّلَاة، وروى سعيد بن زَرْبِي عَن ثَابت عَن أنس قَالَ: " من أَخْلَاق
النُّبُوَّة تَعْجِيل الْإِفْطَار وَتَأْخِير السّحُور ووضعك يَمِينك على
شمالك فِي الصَّلَاة تَحت السُّرَّة " تفرد بِهِ ذربي وَلَيْسَ
بِالْقَوِيّ. وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي وضعهما تَحت
السُّرَّة عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَاخْتلف عَلَيْهِ فِي إِسْنَاد
إِلَيْهِ
(2/34)
روى عَنهُ بِإِسْنَاد ثَالِث عَن أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَأَصَح أثر رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب عَن
التَّابِعين مَا رُوِيَ عَن أبي الزبير قَالَ: " أَمرنِي عَطاء أَن أسأَل
سعيدا يَعْنِي ابْن جُبَير: أَيْن تكون اليدان فِي الصَّلَاة فَوق
السُّرَّة أَو أَسْفَل من السُّرَّة؟ فَسَأَلته فَقَالَ: فَوق السُّرَّة.
وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي مخلد كَذَلِك وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (76) :
وَالْمُخْتَار أَن يستفتح بقوله " وجهت وَجْهي " وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
الِاخْتِيَار فِي قَوْله: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك " فِي
صَحِيح مُسلم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا استفتح الصَّلَاة كبر ثمَّ قَالَ: "
وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من
الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك
لَهُ وَبِذَلِك أمرت أَنا أول الْمُسلمين، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا
إِلَه إِلَّا أَنْت، أَنْت رَبِّي، وَأَنا عَبدك ظلمت نَفسِي / وَاعْتَرَفت
بذنبي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا
أَنْت، واهدني لأحسن الْأَخْلَاق لَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت، وأصرف عني
سيئها لَا يصرف سيئها إِلَّا أَنْت، لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر كُله فِي
يَديك وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك، أَنا بك
(2/35)
وَإِلَيْك، تَبَارَكت وَتَعَالَيْت استغفرك
وَأَتُوب إِلَيْك ".
وَعند أبي دَاوُد حَدثنَا عَمْرو بن عُثْمَان حَدثنَا شُرَيْح بن يزِيد
قَالَ: قَالَ لي شُعَيْب بن أبي حَمْزَة قَالَ لي ابْن الْمُنْكَدر وَابْن
أبي فَرْوَة وَغَيرهمَا من فُقَهَاء أهل الْمَدِينَة: فَإِذا قلت ذَلِك
فَقل: " وَأَنا من الْمُسلمين " يَعْنِي قَوْله " وَأَنا أول الْمُسلمين "
وَهَكَذَا ذكره إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ. وَرُوِيَ عَن طلق بن
غَنَّام عَن عبد السَّلَام بن حَرْب الْملَائي عَن بديل بن ميسرَة، عَن أبي
الجوزاء عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: كَانَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى
(2/36)
جدك وَلَا إِلَه غَيْرك " قَالَ أَبُو
دَاوُد هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمَشْهُور عَن عبد السَّلَام لم يروه إِلَّا
طلق بن غَنَّام.
وَقد روى قصَّة الصَّلَاة جمَاعَة عَن بديل لم يذكرُوا فِيهِ شَيْئا عَن
هَذَا وروى حَارِثَة بن مُحَمَّد عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا افْتتح
الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه ثمَّ يَقُول سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك "
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: كَانَ مَالك بن أنس لَا يرضى حَارِثَة بن
مُحَمَّد وَقَالَ الدوري سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: حَارِثَة بن أبي
الرِّجَال ضَعِيف وَرُوِيَ عَن سهل بن عَامر أبي عَامر البَجلِيّ حَدثنَا
مَالك بن مغول عَن عَطاء قَالَ: دخلت أَنا وَعبيد الله ابْن عمر على
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فسألتها عَن افْتِتَاح النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(2/37)
قَالَت: كَانَ إِذا كبر قَالَ: "
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا
إِلَه غَيْرك " تفرد بِهِ سهل هَذَا عَن ابْن مقول وَلَيْسَ بِمَشْهُور
عَنهُ وَلَا عَن عَطاء.
وروى أَبُو دَاوُد عَن عبد السَّلَام بن مطهر حَدثنَا جَعْفَر بن
سُلَيْمَان عَن عَليّ بن عَليّ الرِّفَاعِي عَن أبي المتَوَكل النَّاجِي
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَامَ من اللَّيْل كبر ثمَّ يَقُول: "
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا
إِلَه غَيْرك ثمَّ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله ثَلَاثًا ثمَّ يَقُول الله
أكبر كَبِيرا ثَلَاثًا أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان
الرَّجِيم من همزه ونفخه ثمَّ يقْرَأ " قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث
يَقُولُونَ هُوَ عَن عَليّ بن عَليّ عَن الْحسن: الْوَهم من جَعْفَر، قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: عَليّ بن عَليّ الرِّفَاعِي لَيْسَ بمذكور
(2/38)
فِي الصَّحِيح، وجعفر بن سُلَيْمَان
الضبعِي وَإِن اسْتشْهد بِهِ مُسلم فقد تكلمُوا فِيهِ، وَلَيْسَ فِي
الاستفتاح " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك " حَدِيث أسلم من هَذِه
الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة وفيهَا مَا فِيهَا، وَمَا روينَا مخرج فِي
الصَّحِيح فَالْأولى أَن يجمع بَينهمَا، فَإِن أَرَادَ الِاقْتِصَار على
أَحدهمَا فَيقْتَصر على مَا لَا شُبْهَة فِي صِحَّته عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَرَوَاهُ
الْحُسَيْن بن عَليّ الْعجلِيّ عَن مُحَمَّد بن الصَّلْت عَن أبي خَالِد
الْأَحْمَر عَن حميد عَن أنس قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى
يُحَاذِي إبهاماه أُذُنَيْهِ ثمَّ يَقُول: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِك تبَارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك " أَبُو
خَالِد الْأَحْمَر من الثِّقَات غير إِنَّه سَاءَ حفظه فِي آخر عمره فغلط
فِي أَحَادِيث
(2/39)
وَلَا أَدْرِي هَل رَوَاهُ غير هَذَا
الْعجلِيّ عَن مُحَمَّد بن الصَّلْت أم لَا فَيحْتَمل أَن يكون الْوَهم
مِنْهُ وَالله أعلم.
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن كَانَ
إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك
اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك " وَهَذَا عَن عمر رَضِي الله
عَنهُ وَقد رَفعه عبد الرَّحْمَن بن عمر بن شيبَة عَن أَبِيه عَن نَافِع
عَن ابْن عمر عَن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-، وَلَيْسَ بِالصَّحِيحِ وَالصَّوَاب مَا ذكرنَا وَالله أعلم.
(2/40)
مَسْأَلَة (77) :
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة من كل سُورَة خَاصَّة من الْفَاتِحَة
سُورَة بَرَاءَة، ويجهر بهَا عِنْد الْجَهْر بِالْفَاتِحَةِ وَقَالَ أَبُو
حنيفَة لَيست بِآيَة من كل سُورَة، وَيسر بهَا وَالْأَصْل فِيهِ عندنَا
إِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِنَّهُم أَجمعُوا على أَن مصحف عُثْمَان وَسَائِر
الْمَصَاحِف كتاب الله عز وَجل ووحيه وتنزيله من غير تَقْيِيد فِيهِ وَلَا
اسْتثِْنَاء وَكَذَلِكَ الناقلون عَنْهُم بعدهمْ لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا
اتَّفقُوا عَلَيْهِ ووجدناه مَكْتُوبًا فِي تِلْكَ الْمَصَاحِف كَسَائِر
الْقُرْآن. وَذكر الحَدِيث الْوَارِد فِي الصَّحِيح فِي كَيْفيَّة جمع
الْقُرْآن ثمَّ قَالَ وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ أَصْحَابنَا من الْأَخْبَار
وَذكر حَدِيث أنس الْمخْرج فِي صَحِيح مُسلم. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أنزلت عليّ آنِفا سُورَة وَذكر أَنه
قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر}
حَتَّى خَتمهَا وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن قَتَادَة قَالَ: سُئِلَ أنس
بن مَالك كَيفَ كَانَت قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " كَانَت مدا
(2/41)
ثمَّ قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم " يمد الرَّحْمَن، ويمد الرَّحِيم.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يعلم انْقِضَاء السُّورَة
حَتَّى تنزل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " هَذَا حَدِيث صَحِيح.
وَرُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام كَانَ " إِذا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ أول مَا يلقِي عَلَيْهِ فَإِذا قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الثَّانِيَة علم رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قد ختم السُّورَة وافتتح
أُخْرَى " وَرُوِيَ عَن عُرْوَة ابْن الزبير عَن نيار بن مكرم
الْأَسْلَمِيّ صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " لما نزلت {الم غلبت الرّوم} خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: {الم (1)
غلبت الرّوم (2) فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) } وَذكر
الحَدِيث.
(2/42)
وَرُوِيَ عَن أم هَانِئ بنت أبي طَالب أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فضل الله
قُريْشًا بِسبع خلال أَنِّي فيهم، وَأَن النُّبُوَّة فيهم، والحجابة،
والسقاية فيهم وَأَن الله نَصرهم على الْفِيل، وَأَنَّهُمْ عبدُوا الله عشر
سِنِين لَا يعبده غَيرهم، وَأَن الله أنزل فيهم سُورَة من الْقُرْآن ثمَّ
تَلَاهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم {لِإِيلَافِ قُرَيْش (1) إلافهم رحْلَة الشتَاء
والصيف (2) فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت (3) الَّذِي أطْعمهُم من جوع وآمنهم
من خوف (4) } .
وروى يُوسُف بن يَعْقُوب القَاضِي عَن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن ابْن أبي
خَليفَة عَن عبد الله بن أبي الْحُسَيْن الْمَكِّيّ قَالَ عبد الله بن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ " كُنَّا لَا نَعْرِف فصل مَا بَين السورتين ".
حَتَّى نزلت بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَرُوِيَ بِإِسْنَاد صَحِيح
رُوَاته ثِقَات عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: " قَالَت كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقطع قِرَاءَته (بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم (1) الْحَمد لله رب الْعَالمين (2)
(2/43)
الرَّحْمَن الرَّحِيم (3) مَالك يَوْم
الدّين (4) } وَفِي رِوَايَة " إِذا قَرَأَ يقطع قِرَاءَته آيَة آيَة ".
وَرُوِيَ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ فِي الصَّلَاة بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم فَعَدهَا آيَة الْحَمد لله رب الْعَالمين آيَتَيْنِ الرَّحْمَن
الرَّحِيم ثَلَاث آيَات، مَالك يَوْم الدّين أَربع آيَات وَقَالَ هَكَذَا
إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وَجمع خمس أَصَابِعه، وَرُوِيَ بِإِسْنَاد
كلهم ثِقَات مجمع على عدالتهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح عَن نعيم المجمر
قَالَ: كنت وَرَاء أبي هُرَيْرَة " فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم ثمَّ قَرَأَ بِأم الْقُرْآن حَتَّى بلغ وَلَا الضَّالّين قَالَ:
آمين، قَالَ النَّاس: آمين وَيَقُول كلما سجد الله أكبر وَإِذا قَامَ من
الْجُلُوس قَالَ: الله أكبر وَيَقُول إِذا سلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ
إِنِّي لأشبهكم صَلَاة برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- ".
(2/44)
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه كَانَ يَقُول الْحَمد لله رب
الْعَالمين سبع آيَات إِحْدَاهُنَّ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهِي
السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم وَهِي أم الْقُرْآن وَهِي فَاتِحَة
الْكتاب " وَعنهُ قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يجْهر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ تَركه النَّاس "
تفرد بِهِ إِسْحَاق عَن إِبْرَاهِيم السراج عَن عقبَة بن مكرم / عَن يُونُس
بن عُمَيْر عَن مسعر عَن مُحَمَّد بن قيس عَن أبي هُرَيْرَة وَرَوَاهُ
غَيره عَن عقبَة عَن يُونُس عَن أبي معشر عَن مُحَمَّد بن قيس وَرِوَايَة
أبي معشر عَن مُحَمَّد بن قيس يرتضيها الْحفاظ.
وَرُوِيَ عَن أنس قَالَ: " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " قَالَ الْحَاكِم
أَبُو عبد الله رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَن
(2/45)
آخِرهم ثِقَات وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن
أبي السّري الْعَسْقَلَانِي قَالَ: " صليت خلف الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان
مَا لَا أحصي صَلَاة الصُّبْح وَالْمغْرب وَكَانَ يجْهر بِبسْم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم قبل فَاتِحَة الْكتاب وَبعدهَا وَسمعت الْمُعْتَمِر
يَقُول: مَا آلوا أَن أقتدي بِصَلَاة أبي وَقَالَ أبي: مَا آلوا أَن أقتدي
بِصَلَاة أنس، وَقَالَ أنس مَا آلوا أَن أقتدي بِصَلَاة رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله:
رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَن آخِرهم ثِقَات.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم "، قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله عَن إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث
هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَلَيْسَ لَهُ عِلّة، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس "
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يزل يجْهر
بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حَتَّى قبض صلوَات الله عَلَيْهِ ".
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "
وَرُوِيَ عَن الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ: " كَانَ لرَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سكتتان سكتة إِذا قَرَأَ بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم، وسكتة إِذا فرغ من الْقِرَاءَة، فَأنْكر ذَلِك
عمرَان بن حُصَيْن
(2/46)
فَكَتَبُوا إِلَى أبي بن كَعْب فَكتب: أَن
صدق سَمُرَة " ورواة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات. وَكَانَ عَليّ بن
الْمَدِينِيّ يثبت سَماع الْحسن من سَمُرَة قَالَ: وَقد بَقِي فِي الْبَاب
عَن أَمِيري الْمُؤمنِينَ عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة بن عبيد الله وَجَابِر
بن عبد الله وَعبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وَالْحكم بن عُمَيْر
النعماني وَبُرَيْدَة بن خبيب وَمن النِّسَاء عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم
إِلَّا أَنِّي تركته اختصارا وانتخبت مِنْهُ مَا كَانَ أصح إِسْنَادًا.
وَرُوِيَ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَيفَ تقْرَأ إِذا افتتحت الصَّلَاة؟
قَالَ: قلت أَقُول الْحَمد لله رب
(2/47)
الْعَالمين قَالَ: قل بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم "، وَعَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا أخرج من الْمَسْجِد حَتَّى
أخْبرك بِآيَة أَو سُورَة لم تنزل على نَبِي بعد سُلَيْمَان غَيْرِي قَالَ:
فَمشى وتبعته حَتَّى انْتهى إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَأخْرج إِحْدَى
رجلَيْهِ من أُسْكُفَّة الْمَسْجِد وَبقيت الْأُخْرَى فِي الْمَسْجِد فَقلت
بيني وَبَين نَفسِي بِشَيْء قَالَ: فَأقبل عَليّ بِوَجْهِهِ قَالَ: بِأَيّ
شَيْء تفتتح الْقُرْآن إِذا افتتحت الصَّلَاة قَالَ: قلت: بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ: هِيَ هِيَ ثمَّ خرج " وَعَن عبد الله بن
بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، قَالَ: وَكَانَ عبد
الله بن عمر يجْهر بهَا وَعبد الله بن عَبَّاس وَابْن الْحَنَفِيَّة رَضِي
الله عَنْهُم ".
وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي
السورتين جَمِيعًا " وَرُوِيَ عَن ثُوَيْر عَن أَبِيه عَن عَليّ رَضِي الله
عَنهُ " أَنه كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرُوِيَ
ذَلِك من أوجه من حَدِيث أهل الْبَيْت عَن عَليّ
(2/48)
رَضِي الله عَنهُ وَرُوِيَ عَن النُّعْمَان
بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
" " أمني جِبْرِيل عِنْد الْكَعْبَة فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
" وَرُوِيَ عَن ابْن عمر قَالَ: " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَكَانُوا
يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرُوِيَ عَن طَلْحَة بن عبيد
الله قَالَ: " قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
من ترك بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فقد ترك آيَة من كتاب الله عز وَجل
وَقد عد فِيمَا عد عَليّ من أم الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "،
وَرُوِيَ عَن مُوسَى بن أبي حبيب الطَّائِفِي عَن الحكم بن عُمَيْر وَكَانَ
بَدْرِيًّا قَالَ: صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فجهر فِي الصَّلَاة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي صَلَاة
اللَّيْل وَصَلَاة الْغَدَاة وَصَلَاة الْجُمُعَة " / وَرُوِيَ عَن أنس
رَضِي الله عَنهُ
(2/49)
قَالَ: صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجهر فِي الصَّلَاة بِبسْم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم ".
وَرُبمَا اسْتدلَّ أَصْحَابنَا من طَرِيق الْآثَار بِمَا روى الشَّافِعِي
عَن عبد الْمجِيد عَن ابْن جريج أَخْبرنِي عبد الله بن عُثْمَان بن
خَيْثَمَة أَن أَبَا بكر بن حَفْص بن عمر أخبرهُ أَن أنس بن مَالك رَضِي
الله عَنهُ، قَالَ: " صلى مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ صَلَاة فجهر فِيهَا
بِالْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ فِيهَا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لأم
الْقُرْآن، وَلم يقل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم للسورة الَّتِي
بعْدهَا حَتَّى قضى الصَّلَاة فَلَمَّا سمع ناداه من سمع ذَلِك من
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من كل مَكَان، يَا مُعَاوِيَة: أسرقت
الصَّلَاة أم نسيت؟ فَلَمَّا صلى بعد ذَلِك قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم للسورة الَّتِي بعد أم الْقُرْآن " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد
الله: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم
(2/50)
فقد احْتج بِعَبْد الْمجِيد بن عبد
الْعَزِيز وَسَائِر رُوَاته مُتَّفق على عدالتهم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَتَابعه على ذَلِك عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج
وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أَبْزي قَالَ: " صليت خلف عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرُوِيَ عَن ابْن جريج
أَخْبرنِي أبي أَن سعيد بن جُبَير أخبرهُ فَقَالَ لَهُ: {وَلَقَد آتيناك
سبعا من المثاني} قَالَ هِيَ أم الْقُرْآن قَالَ أبي: " وَقَرَأَ عَليّ
سعيد بن جُبَير بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، حَتَّى خَتمهَا ثمَّ
قَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْآيَة السَّابِعَة، قَالَ سعيد بن
جُبَير: لأبي فقرأها عَليّ ابْن عَبَّاس كَمَا قرأتها عَلَيْك ثمَّ قَالَ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْآيَة السَّابِعَة، قَالَ ابْن عَبَّاس
فذخرها الله لكم فَمَا أخرجهَا لأحد قبلكُمْ ".
(2/51)
وَرُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} فَاتِحَة الْكتاب "
قيل لِابْنِ عَبَّاس فَأَيْنَ السَّابِعَة قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم " هَذَا حَدِيث مَشْهُور وَرُوَاته ثِقَات. وَرُوِيَ عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ مثل مَا روينَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم
وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا " كَانَ
يستفتح الصَّلَاة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ
شَيْء استرقه الشَّيْطَان من النَّاس " وروى الشَّافِعِي أخبرنَا مُسلم
وَعبد الْمجِيد عَن ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر الْعمريّ " لَا تدع
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لأم الْقُرْآن وَالسورَة الَّتِي بعْدهَا "
تَابعه عبد الله بن عمر الْعمريّ وَأَخُوهُ عبيد الله وَأُسَامَة بن زيد
عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَهُوَ عَنهُ مَشْهُور.
وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن شَيبَان الرَّمْلِيّ عَن عبد الْمجِيد بن عبد
الْعَزِيز بن أبي دَاوُد عَن أَبِيه عَن نَافِع عَن ابْن عمر " أَنه كَانَ
يقْرَأ فِي صلَاته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالْحَمْد وَقَالَ:
يجْهر فِيهَا بِبسْم الله
(2/52)
الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ سُورَة "
وَقَالَ عبد الله بن عمر فَلم كتبت فِي الْمَصَاحِف إِذا لم تقْرَأ
وَرُوِيَ عَن بكر بن عبد الله قَالَ: كَانَ ابْن الزبير يستفتح الْقِرَاءَة
فِي صلَاته بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَيَقُول: " مَا يمنعهُم
مِنْهَا إِلَّا الْكبر " وَرُوِيَ عَن سعيد بن أبي سعيد قَالَ: " كَانَ
أَبُو هُرَيْرَة يؤمنا إِذا غَابَ مَرْوَان فيفتتح الْقِرَاءَة بِبسْم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم وَإِذا فرغ من أم الْقُرْآن قَالَ: بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَقد روينَا عَن أبي هُرَيْرَة مثل هَذَا
بِإِسْنَاد صَحِيح.
وَرُوِيَ عَن حَمَّاد بن سَلمَة بن عَليّ بن زيد بن جدعَان أَن العبادلة
كَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يجهرون،
عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن
الزبير وَعبد الله بن صَفْوَان، وَرُوِيَ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن
(2/53)
يعلى بن شَدَّاد بن أَوْس عَن أَبِيه "
أَنه كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَرُوِيَ عَن عَليّ
بن مُوسَى الرِّضَا عَن أَبِيه عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَنه قَالَ: "
اجْتمع آل مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْجَهْر
بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وعَلى أَن يقضوا مَا فاتهم من صَلَاة
اللَّيْل وَالنَّهَار وعَلى أَن يَقُولُوا فِي أبي بكر وَعمر أحسن القَوْل
" وَعَن عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا سُئِلَ الصَّادِق عَن الْجَهْر
بِالتَّسْمِيَةِ فَقَالَ: أَحَق مَا جهر بِهِ الْآيَة الَّتِي ذكرهَا الله
(تَعَالَى) : {وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم
نفورا} . . وَرُوِيَ عَن ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ:
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي فواتح / السُّور من السُّورَة ".
وَرُوِيَ عَن معمر قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن قِرَاءَة بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ: اقْرَأ بهَا إِنَّهَا آيَة من كتاب الله
تَركهَا النَّاس، وَرُوِيَ عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعت
ليثا يذكر أَن عَطاء وطاوسا
(2/54)
ومجاهدا كَانُوا يجهرون بِبسْم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: صليت وَرَاء سعيد
بن جُبَير فَاسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَكلما فرغ من قَوْله وَلَا الضَّالّين قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم وَرُوِيَ عَن ابْن جريج قَالَ يَعْنِي عَطاء بن أبي رَبَاح " لَا
أدع أبدا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْمَكْتُوبَة والتطوع إِلَّا
نَاسِيا لأم الْقُرْآن وللسورة الَّتِي قَرَأَ بعْدهَا "، وَرُبمَا استدلوا
بِحَدِيث أنس الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا
سُفْيَان عَن أَيُّوب عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: كَانَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر وَعمر يفتتحون
الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ الشَّافِعِي: يَعْنِي
أَنهم يبدؤن بِقِرَاءَة أم الْقُرْآن قبل أَن يقْرَأ مَا بعْدهَا وَالله
أعلم. لَا يَعْنِي أَنهم يتركون بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْآيَة
السَّابِعَة فَإِن تَركهَا أَو بَعْضهَا لم تُجزئه الرَّكْعَة الَّتِي
تَركهَا فِيهَا.
وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَنهُ أَنه صلى خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر
(2/55)
وَعمر وَعُثْمَان فَكَانُوا يستفتحون
بِالْقِرَاءَةِ بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين، لَا يذكرُونَ بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أَوَائِل الْقِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا لفظ
الْأَوْزَاعِيّ عَن قَتَادَة كتب إِلَى قَتَادَة، خرجه مُسلم من حَدِيثه
وَاخْتلف فِي لَفظه فَأخْرج مُسلم عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن
أنس قَالَ: " صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- وَمَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فَلم أسمع أحد
مِنْهُم يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " انْفَرد مُسلم بإخراجهما
وَلم يخرجهما البُخَارِيّ وَإِنَّمَا اتفقَا على الْمَعْنى الأول فَقَط.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عقب حَدِيث غنْدر هَذَا: " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
معَاذ بن معَاذ وحجاج بن مُحَمَّد وَمُحَمّد بن بكر البرْسَانِي وَبشر بن
عمر وقراد بن أبي نوح وآدَم بن أبي إلْيَاس وَعبيد بن مُوسَى وَأَبُو
النَّضر وخَالِد بن
(2/56)
يزِيد المزرقي عَن شبعة مثل قَول غنْدر
وَعلي بن الْجَعْد سَوَاء.
وَرَوَاهُ وَكِيع وأسود بن عَامر عَن شُعْبَة بِلَفْظ آخر، يَعْنِي فَلم
يجهروا بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، وَرَوَاهُ زيد ابْن الْحباب عَن
شُعْبَة وَهَمَّام عَن قَتَادَة، وَرَوَاهُ يحيى بن سعيد الْقطَّان
وَالْحسن بن مُوسَى الأشيب وَيحيى بن السكن وَأَبُو عمر الحوضي وَعَمْرو بن
مَرْزُوق وَغَيرهم عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس فَقَالُوا " إِن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر
وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم يفتتحون الْقِرَاءَة
(2/57)
بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين "،
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن الْأَعْمَش عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة، وثابت عَن
أنس. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّة أَصْحَاب قَتَادَة هِشَام الدستوَائي
وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة وَأَبَان بن يزِيد الْعَطَّار وَحَمَّاد بن سَلمَة
وَحميد الطَّوِيل، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن
بشير وَغَيرهم، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ معمر وَهَمَّام، وَاخْتلف عَنْهُمَا فِي
لَفظه وَهُوَ الْمَحْفُوظ عَن قَتَادَة وَغَيره عَن أنس قَالَ
الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ فالأشبه وَالله أعلم أَن من رَوَاهُ على
اللَّفْظ الَّذِي اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته أَدَّاهُ على
اللَّفْظ الَّذِي سَمعه وَمن رَوَاهُ على اللَّفْظ الَّذِي تفرد بِهِ مُسلم
بِإِخْرَاجِهِ أَدَّاهُ على الْمَعْنى الَّذِي وَقع لَهُ. فقد روينَا عَن
أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ بأسانيد عدَّة فِي الْقِرَاءَة بِبسْم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم يشْهد الْقلب أَن القَوْل قَول من رَوَاهُ على
اللَّفْظَة الأولى وَفِي ذَلِك جمع بَين الْأَخْبَار وقبولها دون إِسْقَاط
بَعْضهَا. وَقد رُوِيَ عَن أنس مَا يُؤَيّد قَوْلنَا ويوقع شُبْهَة فِي
حَدِيث قَتَادَة.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكر يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْبَزَّاز
حَدثنَا الْعَبَّاس بن يزِيد حَدثنَا غَسَّان بن مُضر حَدثنَا أَبُو مسلمة
قَالَ:
(2/58)
سَأَلت أنس بن مَالك: " أَكَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يستفتح بِالْحَمْد لله رب
الْعَالمين أَو بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ: إِنَّك لتسألني
عَن شَيْء مَا أحفظه، وَمَا سَأَلَني عَنهُ أحد / قبلك، قلت: أَكَانَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِي
النَّعْلَيْنِ قَالَ: نعم " قَالَ عَليّ بن عمر: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح
هُوَ كَمَا قَالَ أَبُو الْحسن فَإِن أَبَا مسلمة هُوَ سعيد بن يزِيد احْتج
البُخَارِيّ وَمُسلم بِهِ وغسان بن مُضر قد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَقد
رَوَاهُ شُعْبَة وَابْن علية عَن أم سَلمَة بِمَعْنى رِوَايَة غَسَّان بن
مُضر عَنْهُم. ذكر ابْن خُزَيْمَة فِي كِتَابه وَذكر بِمَعْنَاهُ سوى ذكر
النَّعْلَيْنِ.
وَرُوِيَ عَن الْحسن عَن أنس رَضِي الله عَنهُ " أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
كَانُوا يسرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَهَذِه الرِّوَايَة تدل
على أَنهم كَانُوا يقرؤونها وَهُوَ توَافق رِوَايَة من رَوَاهَا عَن
قَتَادَة فِي ترك الْجَهْر إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي ترك
(2/59)
الْجَهْر فَالَّذِي سمع جهره بهَا شَاهد
وَالَّذِي لم يسمع غير شَاهد فرواية من سَمعه أولى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَرُبمَا استدلوا بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَقُول الله قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي
نِصْفَيْنِ. فَإِذا قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين يَقُول الله: حمدني
عَبدِي " الحَدِيث.
قَالَ الْحَلِيمِيّ رَحمَه الله فِي ابْتِدَاء الْقِسْمَة من قَوْله
الْحَمد لله دَلِيل يقطع أَن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لَيست الْآيَة
الأولى لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون أَرَادَ فَإِذا انْتهى العَبْد إِلَى
الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ الله تَعَالَى: " حمدني عَبدِي " إِلَّا
أَن ذَلِك جَمِيع الْجُزْء الأول من هَذِه السُّورَة كَمَا قَالَ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَإِذا قَالَ الإِمَام وَلَا
الضَّالّين فَقولُوا: آمين "، وَإِنَّمَا أَرَادَ فَإِذا انْتهى فِي
الْقِرَاءَة إِلَى هَذَا القَوْل لِأَن ذَلِك جَمِيع قِرَاءَته وَالله
أعلم. وَأما التَّقْسِيم فَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَن التصنيف بِالْآيِ
فَإِذا كَانَت تتنصف مَعَ انتدابها بِالتَّسْمِيَةِ بالْكلَام والحروف
نِصْفَيْنِ فقد وَقع بذلك الْخُرُوج عَن عُهْدَة الْخَبَر وَالله أعلم
وعَلى أَنه لَو ثَبت أَن المُرَاد بِهِ أَن تنصيف السُّورَة نِصْفَيْنِ
بِالْآيِ فقد يجوز أَن يكون نصفهَا الأول أطول من الثَّانِي كَمَا أَن
الشَّهْر إِذا لم يُجَاوز تسعا وَعشْرين لم
(2/60)
يخل من التصنيف وَيكون نصفه الأول خَمْسَة
عشر وَنصفه الآخر أَرْبَعَة عشر حَتَّى لَو قَالَ رجل لامْرَأَته فِي أول
الشَّهْر إِذا انتصف هَذَا الشَّهْر فَأَنت طَالِق، طلقت إِذا انْقَضتْ من
أَيَّامه خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَإِن نقص مِنْهُ يَوْمًا لم يبن أَن
الطَّلَاق كَانَ وَاقعا قبل الْوَقْت الَّذِي ذكرنَا.
وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين ضعيفين وَفِيه ذكر بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقد جعل بعض الروَاة النّصْف مَالك يَوْم الدّين
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا بُد أَن يكون بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
آيه مِنْهُ وَسَنذكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى الرِّوَايَات فِي مَسْأَلَة
تعْيين الْقِرَاءَة بِفَاتِحَة الْكتاب. وَرُبمَا استدلوا بِحَدِيث عَن أبي
نعَامَة قيس بن عَبَايَة عَن ابْن لعبد الله بن مُغفل قَالَ: " سمعني أبي
مرّة وَأَنا أَجْهَر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " الحَدِيث، ابْن
مُغفل لَا نعرفه بِمَا يثبت بِهِ حَدِيثه
(2/61)
والراوي عَنهُ أَبُو نعَامَة الْحَنَفِيّ
تفرد بِهِ وَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ فَرَوَاهُ الْجريرِي وَعُثْمَان بن غياث
هَكَذَا عَن ابْن عبد الله عَن أَبِيه وَرَوَاهُ خَالِد الْحذاء عَن أبي
نعَامَة عَن أنس وباثرين عَن عَليّ وَعبد الله رَوَاهُمَا أَبُو سعد سعيد
بن الْمَرْزُبَان الْأَعْوَر الْبَقَّال وَقد تكلمُوا فِيهِ وبأثر عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ " قِرَاءَة
الْجَهْر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قِرَاءَة الْأَعْرَاب " وَقَالَ
عَنهُ فِي رِوَايَة " كَانَ لَا يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي
الله عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ: " هُوَ اسْم من أَسمَاء الله عز
وَجل
(2/62)
وَمَا بَينه وَبَين اسْم الله الْأَعْظَم
إِلَّا كَمَا بَين سَواد الْعَينَيْنِ وبياضهما من الْقرب " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (78) :
ويجهر الإِمَام بالتأمين فِيمَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَقَالَ أَبُو
حنيفَة يسر بِهِ، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث أبي هُرَيْرَة
الْمُتَّفق على صِحَّته أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِنَّهُ من وَافق
تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. قَالَ ابْن
شهَاب وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /
يَقُول: آمين روينَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر
بن عَنْبَس عَن وَائِل بن حجر قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَالَ: آمين رفع بهَا صَوته " وَفِي رِوَايَة
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا قَالَ
غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين، رفع صَوته
(2/63)
بآمين وَطول بهَا " خَالفه شُعْبَة فِي
إِسْنَاده وَمَتنه وَذكر أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
خفض بهَا صَوته " وَقَالَ فِي إِسْنَاده أَخْبرنِي سَلمَة قَالَ: سَمِعت
حجرا أَبَا العنبس قَالَ: سَمِعت عَلْقَمَة بن وَائِل وَقد سَمعه من وَائِل
أَنه صلى مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَا أعلم خلافًا بَين أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن
سُفْيَان وشعبه إِذا اخْتلفَا فَالْقَوْل قَول سُفْيَان قَالَ ابْن معِين:
لَيْسَ أحد يُخَالف سُفْيَان الثَّوْريّ إِلَّا كَانَ القَوْل قَول
سُفْيَان وَقيل وَشعْبَة أَيْضا إِن خَالفه قَالَ: نعم. وَقَالَ يحيى بن
سعيد لَيْسَ أحد أحب إِلَيّ من شُعْبَة وَلَا يعدله أحد عِنْدِي وَإِذا
خَالفه سُفْيَان أخذت بقول سُفْيَان، وَقَالَ شُعْبَة: سُفْيَان أحفظ مني.
وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
البُخَارِيّ يَقُول: حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سَلمَة بن كهيل فِي
هَذَا الْبَاب أصح
(2/64)
من حَدِيث شُعْبَة. أَخطَأ فِي هَذَا
الحَدِيث فِي مَوَاضِع قَالَ حجر أبي العنبس " وَإِنَّمَا كنيته أَبُو
السكن وَزَاد فِيهِ " عَلْقَمَة بن وَائِل " وَإِنَّمَا هُوَ حجر ابْن
عَنْبَس عَن وَائِل بن حجر لَيْسَ فِيهِ عَلْقَمَة، وَقَالَ: " خفض بهَا
صَوته " وَالصَّحِيح أَنه جهر بهَا وَقَالَ أَبُو عِيسَى: وَسَأَلت أَبَا
زرْعَة عَن حَدِيث سُفْيَان وَشعْبَة فَقَالَ: حَدِيث سُفْيَان أصح من
حَدِيث شُعْبَة، وَقد روى الْعَلَاء بن صَالح عَن سَلمَة بن كهيل نَحْو
رِوَايَة سُفْيَان، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا قَالَ شُعْبَة وأخفى
بهَا صَوته، وَيُقَال: إِنَّه وهم فِيهِ، لِأَن سُفْيَان الثَّوْريّ
وَمُحَمّد بن سَلمَة بن كهيل وَغَيرهمَا رَوَوْهُ عَن سَلمَة فَقَالُوا:
وَرفع صَوته بآمين. وَهُوَ الصَّوَاب قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد روى أَبُو
الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ وَهُوَ من الثِّقَات عَن شُعْبَة بوفاق
الثَّوْريّ فِي مَتنه فَذكره ثمَّ قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون شُعْبَة
رَحمَه الله تنبه لذَلِك فَعَاد إِلَى الصَّوَاب فِي مَتنه وَترك ذكر
عَلْقَمَة فِي إِسْنَاده وَالله أعلم وَذكر أَسَانِيد أخر إِلَى وَائِل بن
حجر فِي الْجَهْر بآمين عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-.
(2/65)
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا فرغ من قِرَاءَة
أم الْقُرْآن رفع صَوته فَقَالَ: " آمين " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله
هَذَا حَدِيث صَحِيح وَعَن أبي دَاوُد عَنهُ بِمَعْنَاهُ وَزَاد بَيَانا
فَقَالَ: قَالَ آمين حَتَّى يسمع من يَلِيهِ فِي الصَّفّ الأول، وَفِي
رِوَايَة عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - إِذا قَالَ: " غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين " قَالَ: " آمين
"، يرفع بهَا صَوته وَيَأْمُر بذلك وروى الْجَهْر بهَا عَن ابْن عمر
مَرْفُوعا بَحر بن كنيز السقا وَهُوَ ضَعِيف. وَرُوِيَ فِي ذَلِك " عَن أم
الْحصين عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه سمعته
وَهِي فِي صف النِّسَاء " وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن عَليّ قَالَ: سَمِعت
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(2/66)
" يَقُول آمين إِذا قَرَأَ غير المغضوب
عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين "، وَفِي أُخْرَى عَنهُ بِمَعْنَاهُ " أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا قَرَأَ وَلَا
الضَّالّين رفع صَوته بآمين " وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه
صلى بهم صَلَاة الْمغرب فَلَمَّا فرغ من قِرَاءَة أم الْقُرْآن قَالَ: آمين
وَرفع بهَا صَوته وَعَن نَافِع عَنهُ " أَنه كَانَ يُؤمن وَرَاء الإِمَام
قَالَ وَرَأى ذَلِك من السّنة ".
وَعند أبي دَاوُد عَن بِلَال أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله لَا تسبقني
بآمين. قَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان: سُئِلَ الشَّافِعِي عَن الإِمَام إِذا
قَالَ غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين هَل يرفع صَوته بآمين؟
قَالَ: نعم وَيرْفَع بهَا من خَلفه أَصْوَاتهم فَقلت وَمَا الْحجَّة فِيمَا
يثبت من هَذَا فَقَالَ: أخبرنَا مَالك وَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة
الصَّحِيح عِنْدهمَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ فَفِي قَول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا " دلَالَة على أَن الإِمَام يجْهر بآمين من
خَلفه لَا نَعْرِف وَقت تأمينه إِلَّا بِأَن يسمع تأمينه ثمَّ بَينه ابْن
شهَاب فَقَالَ: وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يَقُول: " آمين " قَالَ الرّبيع: فَقلت للشَّافِعِيّ فَإنَّا نكره
للْإِمَام / أَن يرفع صَوته بآمين فَقَالَ: هَذَا خلاف مَا روى صَاحبكُم
(2/67)
وصاحبنا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَو لم يكن عِنْدهم وَعِنْدنَا علم إِلَّا هَذَا
الحَدِيث الَّذِي ذكرنَا عَن مَالك رَحمَه الله يَنْبَغِي أَن نستدل بِأَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر بآمين وَأَنه
أَمر الإِمَام أَن يجْهر بهَا فَكيف وَلم يزل أهل الْعلم عَلَيْهِ.
وروى وَائِل بن حجر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
كَانَ يَقُول آمين يرفع بهَا صَوته ويحكي مده إِيَّاهَا وَكَانَ أَبُو
هُرَيْرَة يَقُول للْإِمَام: لَا تسبقني بآمين وَكَانَ يُؤذن لَهُ قَالَ
الشَّافِعِي: أخبرنَا مُسلم بن خَالِد عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ: كنت
أسمع الْأَئِمَّة ابْن الزبير وَمن بعده يَقُولُونَ آمين وَمن خَلفهم آمين
حَتَّى أَن لِلْمَسْجِدِ للجة ثمَّ روى الْبَيْهَقِيّ
إِسْنَاده عَن ثَابت عَن أبي رَافع أَن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
كَانَ يُؤذن لمروان بن الحكم فَاشْترط أَن لَا يسْبقهُ بالضالين حَتَّى
يعلم أَنه قد دخل الصَّفّ. وَكَانَ إِذا قَالَ مَرْوَان وَلَا الضَّالّين
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: آمين يمد بهَا صَوته وَقَالَ: إِذا وَافق تَأْمِين
أهل الأَرْض تَأْمِين أهل السَّمَاء غفر لَهُم. وَرُوِيَ عَن عَطاء قَالَ:
أدْركْت مِائَتَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الْمَسْجِد إِذا قَالَ الإِمَام غير المغضوب
عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين سَمِعت لَهُم رجة بآمين.
(2/68)
مَسْأَلَة (79) :
وَرفع الْيَدَيْنِ سنة عِنْد الرُّكُوع والارتفاع مِنْهُ وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: لَا ترفع الْأَيْدِي فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ. وَدَلِيلنَا من
طَرِيق الْخَبَر، وَذكر الحَدِيث الصَّحِيح الْمَذْكُور فِي مَسْأَلَة رفع
الْيَدَيْنِ فِي افْتِتَاح التَّكْبِير وَذكر لَهُ طرقا كَثِيرَة
وَالْمعْنَى وَاحِد وَرُوِيَ عَن الْحَاكِم أبي عبد الله عَن أبي الْحسن بن
عَبدُوس عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ سَمِعت عَليّ بن الْمَدِينِيّ
يَقُول فِي حَدِيث سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي رفع الْيَدَيْنِ
عِنْد الرُّكُوع وَبَعْدَمَا يرفع رَأسه من الرُّكُوع. قَالَ سُفْيَان
حفظته عَن الزُّهْرِيّ كَمَا أَنَّك هَا هُنَا. قَالَ عَليّ: هَذَا
الحَدِيث عِنْدِي حجَّة على الْخلق كل من سَمعه فَعَلَيهِ أَن يعْمل بِهِ
لِأَنَّهُ فِي إِسْنَاده شَيْء قَالَ عَليّ: لم أزل أعمل بِهِ مُنْذُ أَنا
صبي قَالَ: أَبُو سعيد وَبِه نَأْخُذ. قَالَ أَبُو الْحسن وَبِه نَأْخُذ،
قَالَ أَبُو عبد الله: وَبِه نَأْخُذ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَبِه نَأْخُذ.
وَعند البُخَارِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة
كبر وَرفع يَدَيْهِ وَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن
حَمده رفع يَدَيْهِ وَإِذا قَامَ بَين الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ، وَرفع
ذَلِك ابْن عمر إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَرفع الْيَدَيْنِ عِنْد الْقيام من الرَّكْعَتَيْنِ سنة وَإِن لم يذكرهُ
(2/69)
الشَّافِعِي فَإِن إِسْنَاده صَحِيح
وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: "
إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقولُوا بِسنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ودعوا مَا قلت ". وَهُوَ مَذْكُور فِي حَدِيث أبي حميد فِي
عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَرَضي عَنْهُم، وَقد ذكر الشَّافِعِي حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ وَفِيه
هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ فِي آخِره وَبِه نقُول.
وَعند البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي قلَابَة أَنه رأى مَالك بن الْحُوَيْرِث
إِذا صلى كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع مَا يرفع وَإِذا
رفع رَأسه من الرُّكُوع رفع يَدَيْهِ وَحدث أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يفعل هَكَذَا وَعند مُسلم عَن وَائِل
بن حجر نَحوه فِي الرّفْع عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ الرّبيع قلت للشَّافِعِيّ
رَحمَه الله: مَا معنى رفع
(2/70)
الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع فَقَالَ مثل
معنى رفعهما عِنْد الِافْتِتَاح تَعْظِيمًا لله وَسنة متبعة نرجو فِيهَا
ثَوَاب الله، وَمثل رفع الْيَدَيْنِ على الصَّفَا والمروة وَغَيرهمَا وروى
حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ فِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صفة الصَّلَاة وَذكر فِيهِ رفع
الْيَدَيْنِ عِنْد الِافْتِتَاح وَعند الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ وَعند
الْقيام من الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي آخِره فَقَالُوا جَمِيعًا " صدق هَكَذَا
كَانَ يُصَلِّي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَرُوِيَ الرّفْع عِنْد الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَرفع الرَّأْس مِنْهُ
عَن أبي بكر وَعمر وَعلي وَأنس وَجَابِر بن عبد الله وَأبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ وَأبي هُرَيْرَة قَالَ: وَقد روينَا / رفع الْيَدَيْنِ عِنْد
الرُّكُوع وَرفع الرَّأْس مِنْهُ عَن أبي بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب
وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الله ابْن عمر وَمَالك بن الْحُوَيْرِث وَوَائِل
بن حجر وَأبي حميد السَّاعِدِيّ فِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم أَبُو قَتَادَة وَأَبُو
هُرَيْرَة وَمُحَمّد بن سَلمَة وَأَبُو أسيد وَسَهل بن سعد وَعَن أبي
مُوسَى
(2/71)
الْأَشْعَرِيّ وَأنس وَجَابِر رَضِي الله
عَنْهُم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأسانيد
صَحِيحَة مُحْتَج بهَا وَقد سَمِعت الْحَاكِم أَبَا عبد الله يَقُول: لَا
نعلم سنة اتّفق على رِوَايَتهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثمَّ الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْجنَّةِ مِمَّن
بعدهمْ من أكَابِر الصَّحَابَة على تفرقهم فِي الْبِلَاد غير هَذِه السّنة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ كَمَا قَالَ أستاذنا أَبُو عبد الله رَضِي الله
عَنهُ، فقد روى هَذِه السّنة عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَذكرنَا
فِي الْعشْرَة رَضِي الله عَنْهُم ومعاذ بن جبل وَزيد بن ثَابت وَأبي بن
كَعْب وَعبد الله بن مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَعبد الله بن عَبَّاس وَابْن
عمر وَابْن الْحُوَيْرِث وَالْحسن بن عَليّ والبراء بن عَازِب (ذكرهمَا)
الْحَاكِم وَلم أجد إِسْنَاده وَزِيَاد بن الْحَارِث الصدائي وَسَهل بن سعد
وَأبي سعيد وَأبي قَتَادَة وسلمان وَعبد الله بن عَمْرو وَعقبَة بن عَامر
وَبُرَيْدَة بن حصيب وَأبي هُرَيْرَة وَعبد الرَّحْمَن بن صَخْر الدوسي
وعمار وَأبي أُمَامَة وَعُمَيْر بن قَتَادَة اللَّيْثِيّ وَأبي مَسْعُود:
عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ وَعَائِشَة بنت الصّديق وأعرابي صَحَابِيّ
كلهم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَضي عَنْهُم
وَعَمن اقْتدى بِنَبِيِّهِ وَاتبع سنته.
وَرُوِيَ عَن طَاوس أَنه سُئِلَ عَن رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة فَقَالَ
رَأينَا
(2/72)
عبد الله وَعبد الله وَعبد الله يرفعون
أَيْديهم إِذا افتتحوا وَإِذا ركعوا وَإِذا رفعوا فعبد الله بن عَبَّاس،
وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُم.
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ رَحمَه الله قَالَ قد
روينَا عَن سَبْعَة عشر نَفرا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنهم كَانُوا يرفعون أَيْديهم عِنْد الرُّكُوع
مِنْهُم أَبُو قَتَادَة وَأَبُو أسيد وَمُحَمّد بن سَلمَة وَسَهل بن سعد
وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن الزبير وَوَائِل بن حجر الْحَضْرَمِيّ
وَمَالك بن الْحُوَيْرِث وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو حميد وَرُوِيَ ذَلِك عَن
جمَاعَة لم يذكرهم البُخَارِيّ وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، وَقد
ذَكرْنَاهُ أَيْضا وَطَلْحَة بن عبد الله بن مَسْعُود وَجَابِر بن عبد الله
وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَقد ذكرناهما وَأَبُو الدَّرْدَاء الْأنْصَارِيّ
وَعبد الله بن جَابر البياضي وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ.
(2/73)
وَرُوِيَ عَن الْحسن قَالَ: كَانَ أَصْحَاب
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَأَنَّمَا أَيْديهم
مراوح فِي صلَاتهم إِذا ركعوا وَإِذا رفعوا رؤوسهم وَعَن البُخَارِيّ
قَالَ: ويروى أَن عدَّة من أهل مَكَّة وَأهل الْحجاز وَالْعراق وَالشَّام
واليمن أَنهم كَانُوا يرفعون أَيْديهم عِنْد الرُّكُوع وَعند رفع الرَّأْس
مِنْهُ مِنْهُم: سعيد بن جُبَير وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَمُجاهد
وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله بن عمر وَعمر بن عبد الْعَزِيز
والنعمان بن أبي عَيَّاش وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَطَاوُس وَمَكْحُول
وَعبد الله بن دِينَار وَنَافِع وَعبد الله بن عمر وَالْحسن بن مُسلم وَقيس
بن سعد وَغَيرهم عدَّة كَثِيرَة.
وَرُوِيَ عَن وَكِيع سَأَلَ ابْن الْمُبَارك أَبَا حنيفَة عَن الرجل يرفع
يَدَيْهِ فِي كل رفع وَوضع فَقَالَ: يفعل ذَلِك يُرِيد أَن يطير،
فَأَجَابَهُ ابْن الْمُبَارك جَوَابا أعجبني فَقَالَ: إِن كَانَ يُرِيد أَن
يطير فِي الثَّانِيَة فَهُوَ يطير فِي الأولى قَالَ وَاسْتدلَّ من غفل عَن
هَذِه السّنة الصَّحِيحَة بِمَا أخبرنَا أَبُو عبد الله وَذكر عَن
(2/74)
عَلْقَمَة عَن عبد الله أَنه قَالَ: " أَلا
أريكم صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُلْنَا:
نعم فَقَامَ فَلم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي أول تَكْبِيرَة ثمَّ لم يعد ".
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ: لم يثبت عِنْدِي حَدِيث عبد
الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رفع يَدَيْهِ أول مرّة ثمَّ لم يرفع وَقد ثَبت
عِنْدِي حَدِيث من يرفع يَدَيْهِ عَنهُ إِذا ركع وَإِذا رفع ذكره عبيد الله
/ الْعمريّ وَمَالك وسُفْيَان وَمعمر وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة عَن
الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله عَن هَذَا الْخَبَر
مُخْتَصر من أَصله وَعَاصِم بن كُلَيْب لم يخرج حَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَذَلِكَ أَنه كَانَ يختصر الْأَخْبَار يُؤَدِّيهَا على الْمَعْنى وَهَذِه
اللَّفْظَة لم تعد غير مَحْفُوظَة فِي الْخَبَر يُرِيد وَالله
(2/75)
أعلم صَحِيح البُخَارِيّ لِأَن مُسلما قد
أخرج حَدِيثه عَن أبي بردة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَسْأَلَة الْحلِيّ السوَاد ثمَّ
ذكر سندا عَن عَلْقَمَة وَالْأسود عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ "
أَلا أريكم صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَكبر وَرفع يَدَيْهِ ثمَّ كبر فطبق يَدَيْهِ بَين فَخذيهِ فَذكرت ذَلِك
لسعد رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ قد كُنَّا نَفْعل ذَلِك فَأمرنَا بالركب ".
قَالَ أَبُو سعيد الدَّارمِيّ فَهَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ وَكِيع ابْن
إِدْرِيس كَمَا ذكرناهما فَإِن يكن الْمَحْفُوظ عنْدك مَا رُوِيَ عَن
وَكِيع وَصَحَّ عنْدك أَن ابْن مَسْعُود قَالَ: " صليت مَعَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا مرّة "
وَلم يكن يرد قَوْله قَول من قَالَ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرفعهما وَكَيف وَإِنَّمَا هُوَ قَول عَلْقَمَة
فَلَا تقبل من الْأَحَادِيث إِلَّا مَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن مَسْعُود رَضِي
الله عَنهُ فِيمَا يصف من صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الحَدِيث حَتَّى لقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: "
لكَأَنِّي أنظر إِلَى اخْتِلَاف أَصَابِع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين فَخذيهِ " وَأَنت لَا تَأْخُذ بِهِ وَلَا نَحن
فَإِن
(2/76)
قيل أترك التطبيق من فعله لما رُوِيَ أَن
وَائِل بن حجر وَأَبا حميد السَّاعِدِيّ وَأَبا مَسْعُود وَغَيرهم رووا عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وضع الْيَدَيْنِ على
الرُّكْبَتَيْنِ وَلما أَن سَعْدا قَالَ كُنَّا نفعله ثمَّ أمرنَا بالركب
قُلْنَا فَكيف وسعك أَن تتْرك خبر عبد الله الصَّحِيح الَّذِي حفظه عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرِوَايَة وَائِل بن
حجر وَأبي حميد وَأَبا مَسْعُود وَغَيرهم، وَلَا يسع هَؤُلَاءِ أَن يتبعوا
رِوَايَة بضعَة عشر رجلا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - رووا ذَلِك وأثبتوه مِنْهُم وَائِل بن حجر وَأَبُو حميد
وَابْن عمر وَغَيرهم وَلَيْسَ يرْوى عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَنه
أنكر ذَلِك من فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِنَّمَا قَالَ عَلْقَمَة صلى بِنَا عبد الله فَلم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا
مرّة وَاحِدَة، قَالَه الدَّارمِيّ: وَقد سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه
الله عَن حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا فَقَالَ يُمكن أَن يكون قد عَاد
لرفعهما فَلم يحفظ الْعود، قَالَ عُثْمَان: " وَالْحجّة أبدا وَالْحكم أَن
يحكم بقول من سمع لَا بقول من لم يسمع وَلم ير ".
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ثمَّ يُعَارضهُ وَذكر حَدِيثا مسلسلا عَن عَلْقَمَة
عَن عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذكر
فِيهِ الرّفْع عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ ذكر خَبرا فِي أَوْهَى
مِمَّا ذكرنَا، وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ إِسْحَاق بن أبي
(2/77)
إِسْرَائِيل عَن مُحَمَّد بن جَابر عَن
حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله
قَالَ " صليت خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي
بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَلم يرفعوا أَيْديهم إِلَّا عِنْد
افْتِتَاح الصَّلَاة ". قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا إِسْنَاد
مقلوب لَا نعلم أحدا حدث من أَصْحَاب حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَنهُ من
المشورين بِالْأَخْذِ عَنهُ وَلَو كَانَ مَحْفُوظًا لبادر بروايته أَبُو
حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ عَن حَمَّاد إِذا كَانَ يُوَافق مَذْهَبهمَا
فَأَما مُحَمَّد بن جَابر بن سيار السحيمي فَإِنَّهُ قد تكلم فِيهِ
أَئِمَّة أهل الحَدِيث، وَأما إِسْحَق بن أبي إِسْرَائِيل فَغير مُحْتَج
بِرِوَايَاتِهِ فَإِن مَا رُوِيَ عَن حَمَّاد فِي هَذَا الْبَاب
فَحَدَّثنَاهُ أَبُو الْحسن وَذكر إِسْنَاده إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة عَن
حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم " أَن ابْن مَسْعُود كَانَ إِذا
دخل فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ أول مرّة ثمَّ لَا
(2/78)
يرفع بعد ذَلِك " قَالَ أَبُو عبد الله
الْحَاكِم: فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لم ير ابْن
مَسْعُود والْحَدِيث مُنْقَطع، وَالْعجب من ابْن جَابر أَنه لم يرض بِأَن
وصل هَذَا الْمُنْقَطع حَتَّى زَاد أَيْضا فأسنده إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ لم يقنعه ذَلِك إِلَى أَن وَصله
بِذكر أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا.
ذكر خبر ثَالِث قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله / أخبرنَا سُفْيَان عَن
يزِيد بن أبي زِيَاد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الْبَراء بن
عَازِب قَالَ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ قَالَ سُفْيَان ثمَّ قدمت الْكُوفَة
فَلَقِيت يزِيد فَسَمعته يحدث بِهَذَا وَزَاد فِيهِ " ثمَّ لَا يعود "
فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ: سُفْيَان هَكَذَا سَمِعت يزِيد يحدثه ثمَّ
سمعته بعد يحدثه هَكَذَا وَيزِيد فِيهِ " ثمَّ لَا يعود ". قَالَ عُثْمَان
بن سعيد الدَّارمِيّ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ:
لَا يَصح عَنهُ هَذَا الحَدِيث قَالَ: وَسمعت يحيى بن معِين يضعف يزِيد بن
(2/79)
أبي زِيَاد. قَالَ الدَّارمِيّ: وَمِمَّا
يُحَقّق قَول سُفْيَان أَنهم لقنوه هَذِه الْكَلِمَة أَن سُفْيَان
الثَّوْريّ وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وهشيما وَغَيرهم من أهل الْعلم لم
يجيئوا بهَا إِنَّمَا جَاءَ بهَا من سمع مِنْهُ بِآخِرهِ وَذكر الْحَاكِم
أَبُو عبد الله أَنه كَانَ يذكر بِالْحِفْظِ فِي شبابه فَلَمَّا كبر سَاءَ
حفظه فَكَانَ يُخطئ فِي كثير من رواياته وَحَدِيثه وتنقلب الْأَسَانِيد
وَيزِيد فِي الْمُتُون فَلَا يُمَيّز. وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد
الشَّاذكُونِي قَالَ: سَمِعت سُفْيَان بن عينة يَقُول: اجْتمع
الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري بمنى، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للثوري: لم لَا
ترفع يَديك فِي خفض الرُّكُوع وَرَفعه، فَقَالَ الثَّوْريّ حَدثنَا يزِيد
بن أبي زِيَاد فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: أروي ذَلِك عَن الزُّهْرِيّ عَن
سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وتعارضني بِيَزِيد بن أبي زِيَاد وَيزِيد رجل ضَعِيف الحَدِيث وَحَدِيثه
مُخَالف للسّنة قَالَ فاحمر وَجه سُفْيَان فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ:
كَأَنَّك كرهت مَا قُلْنَا، قَالَ الثَّوْريّ: نعم، قَالَ الْأَوْزَاعِيّ:
قُم بِنَا إِلَى الْمقَام نلتعن أَيّنَا على الْحق، قَالَ: فَتَبَسَّمَ
الثَّوْريّ لما رأى الْأَوْزَاعِيّ قد احتد. ثمَّ يُعَارضهُ مَا رُوِيَ
إِبْرَاهِيم بن
(2/80)
بشار عَن سُفْيَان عَن يزِيد بِمَكَّة
بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْبَراء فَذكر الحَدِيث وَزَاد فِيهِ ذكر الرّفْع
عِنْد الرُّكُوع وَبعده قَالَ سُفْيَان فَلَمَّا قدمت الْكُوفَة سمعته
يَقُول ثمَّ لَا يعود فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد
الله: لَا أعلم سَاق هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ الزِّيَادَة عَن سُفْيَان بن
عُيَيْنَة عَن إِبْرَاهِيم بن بشار المنادى وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون من
الطَّبَقَة الأولى من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة جَالس ابْن عُيَيْنَة نيفا
وَأَرْبَعين سنة وَذكر عَن ابْن أبي ليلى عَن عِيسَى عَن عبد الرَّحْمَن بن
أبي ليلى عَن الْبَراء وَذكر حَدِيثا بِمَعْنى مَا استدلوا بِهِ. قَالَ
الْحَاكِم أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث توهمه من لَا يرجع إِلَى معرفَة
الحَدِيث أَنه مُتَابعَة لحَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد وَرُوِيَ عَن
مُحَمَّد هَذَا عَن الحكم عَن يزِيد بن أبي زِيَاد وَرُوِيَ فِي بعض طرقه
أَن يزِيد أنكر بِهَذِهِ الزِّيَادَة بعد أَن رويت عَنهُ وَالله أعلم.
ذكر خبر رَابِع: وَذكر الحَدِيث الصَّحِيح عِنْد مُسلم عَن جَابر بن
سَمُرَة، " رآنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن
رافعوا أَيْدِينَا فِي الصَّلَاة فَقَالَ
(2/81)
أَسْلمُوا فِي الصَّلَاة " وَلَيْسَ فِي
ذَلِك دلَالَة لَهُم إِنَّمَا هُوَ خبر مُجمل بَينه بِإِسْنَاد آخر عِنْد
مُسلم أَيْضا فِي الصَّحِيح عَنهُ قَالَ: " كُنَّا إِذا صلينَا خلف
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُلْنَا بِأَيْدِينَا
السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " مَا هَؤُلَاءِ الَّذين يرْمونَ بِأَيْدِيهِم كَأَنَّهَا
أَذْنَاب الْخَيل الشَّمْس أما يَكْفِي أحدكُم أَن يضع يَدَيْهِ على فَخذه
ثمَّ يسلم على أَخِيه عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله ".
ذكر خبر خَامِس: ذكر خَبرا عَن ابْن أبي ليلى إِلَى ابْن عَبَّاس وَابْن
عمر مَرْفُوعا: ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن فَلم يذكر فِيهَا رفع
الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عِنْد الرُّكُوع. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد
الله: هَذَا حَدِيث واه من أوجه أَولهَا: تفرد ابْن أبي ليلى بروايته وَقد
اتّفق أهل الحَدِيث على ترك الِاحْتِجَاج بروايته، وَالثَّانِي رِوَايَة
وَكِيع عَن ابْن أبي ليلى بِالْوَقْفِ على ابْن عَبَّاس الثَّالِث رِوَايَة
جمَاعَة من التَّابِعين
(2/82)
بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة عَن ابْن عمر
وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا كَانَا يرفعان
أَيْدِيهِمَا عِنْد الرُّكُوع وَبعد رفع الرَّأْس مِنْهُ كَمَا قدمنَا ذكره
وأسنداه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَالْوَجْه
الرَّابِع لوهن هَذَا الحَدِيث أَن شُعْبَة بن الْحجَّاج قَالَ: لم يسمع
الحكم من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث
مِنْهَا. وَالْوَجْه الْخَامِس أَن فِي / جَمِيع هَذِه الرِّوَايَات ترفع
الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة مِنْهَا لَا ترفع
الْأَيْدِي إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن، وَقد توافرت الْأَخْبَار المأثورة
بِأَن الْأَيْدِي ترفع فِي مَوَاطِن كَثِيرَة غير المواطن السَّبْعَة
فَمِنْهَا الاسْتِسْقَاء وَدُعَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لدوس وَرفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فِي الدُّعَاء للصَّلَاة وَأمر بهَا وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت،
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن جريج فَقَالَ حَدِيث عَن مقسم
وَبِذَلِك لَا تثبت الْحجَّة.
(2/83)
ذكر خبر سادس: وروى عَن بشر بن حَرْب عَن
ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " أَرَأَيْتُم رفعكم أَيْدِيكُم فِي
الصَّلَاة هَكَذَا إِنَّهَا لبدعة مَا زَاد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على هَذَا " وَرفع حَمَّاد يَده حَذْو
الْمَنْكِبَيْنِ أَو نَحْو ذَلِك، وَهَذَا مُجمل بَين فِي رِوَايَة أُخْرَى
عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن بشر عَن ابْن عمر " وَالله أَن رفعكم أَيْدِيكُم
فِي السَّمَاء لبدعة يحلف عَلَيْهَا ثَلَاثًا مَا زَاد رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على هَذَا وَرفع يَدَيْهِ حَذْو
ثدييه ". قَالَ الدَّارمِيّ فَهَذَا دَلِيل على أَنه فِي الدُّعَاء فِي
التَّكْبِير عِنْد الرُّكُوع فَإِن أَبيت أَلا يحْتَج بِهِ كَانَ عَلَيْك
وعلينا فَإِنَّهُ قد أَبَاحَ رفعهما على كل حَال وَلَو صَحَّ هَذَا عَن
ابْن عمر كَمَا رويت عِنْد الرُّكُوع لم يكن لَك كَبِير رَاحَة لِأَن بشر
بن حَرْب لَيْسَ لَهُ من التَّقَدُّم فِي الرِّوَايَة مَا يرفع بروايته
رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفعل أمة من أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالتَّابِعِينَ سَمِعت يحيى بن معِين يضعف بشرا فِي
الحَدِيث وروى الْحُسَيْن بن وَاقد عَن بشر بن حَرْب أبي
(2/84)
عَمْرو الندبي عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ " وَالله مَا رفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ فَوق صَدره فِي الدُّعَاء " قَالَ: أَبُو عبد الله
الْحَاكِم، فَهَذَا الْحُسَيْن بن وَاقد على صدقه وإتقانه قد أَتَى
بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ.
ذكر خبر سَابِع: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَالَّذِي
قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن حُصَيْن عَن مُجَاهِد مَا رَأَيْت ابْن عمر
رَافعا يَدَيْهِ فِي شَيْء من الصَّلَاة إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولى
فقد خُولِفَ فِي ذَلِك عَن مُجَاهِد قَالَ وَكِيع عَن الرّبيع بن صبيح.
قَالَ: " رَأَيْت مُجَاهدًا رفع يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من
الرُّكُوع " وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن الرّبيع " رَأَيْت
مُجَاهدًا رفع يَدَيْهِ "، وَقَالَ جرير عَن لَيْث عَن مُجَاهِد " أَنه
كَانَ يرفع يَدَيْهِ " وَهَذَا أحفظ عِنْد أهل الْعلم وَقَالَ صدقه: إِن
الَّذِي روى حَدِيث مُجَاهِد أَنه لم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي أول
تَكْبِيرَة وَكَانَ صَاحبه قد تغير بِآخِرهِ قَالَ البُخَارِيّ: وَالَّذِي
رَوَاهُ الرّبيع وَلَيْث أَولا مَعَ رِوَايَة طَاوس وَسَالم وَنَافِع وَأبي
الزبير ومحارب بن دثار وَغَيرهم وَقَالُوا: رَأينَا عمر يرفع يَدَيْهِ إِذا
(2/85)
كبر وَإِذا رفع، وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد
الله: أَن الْمَحْفُوظ فِي ذَلِك عَن أبي بكر بن عَيَّاش إِنَّمَا هُوَ عَن
عبد الله بن مَسْعُود لَا عَن عبد الله بن عمر.
ذكر خبر ثامن عَن أبي بكر النَّهْشَلِي عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَة
الأولى من الصَّلَاة ثمَّ لَا يرفع فِي شَيْء مِنْهَا قَالَ الدَّارمِيّ:
فَهَذَا قد رُوِيَ من هَذَا الطَّرِيق الواهي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وَقد روى عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن عبيد الله بن أبي رَافع
عَنهُ " أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرفعهما
عِنْد الرُّكُوع " فَلَيْسَ الظَّن بعلي رَضِي الله عَنهُ أَنه يخْتَار
فعله على فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَكِن
لَيْسَ أَبُو بكر النَّهْشَلِي مِمَّن يحْتَج بروايته
(2/86)
وَيثبت بِهِ سَنَده لم يَأْتِ بهَا غَيره
وَالصَّوَاب عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل بن حجر عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخِلَاف هَذَا كَمَا
رَوَاهُ النَّاس عَن عَاصِم.
ذكر خبر تَاسِع: عَن عبد الْملك بن أبجر عَن الزبير بن عدي عَن إِبْرَاهِيم
عَن الْأسود قَالَ: رَأَيْت عمر رَضِي الله عَنهُ يرفع يَدَيْهِ فِي أول
التَّكْبِير ثمَّ لم يعد " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذِه رِوَايَة
شَاذَّة لَا تقوم بهَا الْحجَّة وَلَا يُعَارض بهَا الْأَخْبَار
الصَّحِيحَة المأثورة عَن طَاوس بن كيسَان عَن ابْن عمر " أَن عمر كَانَ
يرفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع " وَقد روى سُفْيَان الثَّوْريّ هَذَا
الحَدِيث عَن الزبير بن عدي / فَقَالَ فِيهِ أَن عمر كَانَ يرفع يَدَيْهِ
إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَلم يزدْ.
ذكر خبر عَاشر: عَن سوار بن مُصعب عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ أَن أَبَا سعيد
الْخُدْرِيّ وَابْن عمر " كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا أول مَا يكبران ثمَّ
لَا
(2/87)
يفردان " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله:
هَذَا خبر لَا يسْتَحل الِاحْتِجَاج بِهِ من يرجع إِلَى أدنى معرفَة
بِالرِّجَالِ، فَإِن عَطِيَّة بن سعد الْعَوْفِيّ ذَاهِب بسره، وَأما سوارة
بن مُصعب فَإِنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ.
ذكر الْخَبَر الْحَادِي عشر: عَن الرّبيع أخبرنَا الشَّافِعِي فِي مناظرته
مَعَ مخالفه فِي رفع الْيَدَيْنِ. قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: لم يذكر
حَدِيث وَائِل بن حجر وَقَالَ: أرى وَائِل بن حجر أعلم من عَليّ وَعبد الله
رَضِي الله عَنْهُم؟ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: وروى إِبْرَاهِيم
من عَليّ وَعبد الله أَنَّهُمَا رويا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خلاف مَا روى على حجر. قَالَ: لَا وَلَكِن ذهب إِلَى
أَن قَالَ ذَلِك لَو كَانَ روياه وفعلاه؟ قلت: وروى إِبْرَاهِيم هَذَا عَن
عَليّ وَعبد الله نصا؟ قَالَ: لَا قلت: فخفى عَن إِبْرَاهِيم شَيْء رَوَاهُ
عَليّ وَعبد الله أَو فعلاه؟ قَالَ: مَا أَشك فِي ذَلِك قلت: فتدري لعلهما
قد فعلاه فخفي عَنهُ وروياه فَلم يسمعهُ قَالَ: إِن ذَلِك ليمكن. قَالَ:
أَفَرَأَيْت جَمِيع مَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم
(2/88)
فَحل بِهِ وَحرم؟ أرواه عَن عَليّ وَعبد
الله؟ قَالَ: لَا، قلت: فَلم احتججت بِأَنَّهُ ذكر عليا وَعبد الله وَقد
يَأْخُذ هُوَ وَغَيره عَن غَيرهمَا مَا لم يَأْتِ عَن وَاحِد مِنْهُمَا،
وَمن قَوْلنَا وقولك أَن وَائِل بن حجر إِذْ كَانَ ثِقَة لَو روى عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَيْئا فَقَالَ عدد من
أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن مَا روى،
كَانَ الَّذِي قَالَ أولى أَن يُؤْخَذ بِهِ من الَّذِي قَالَ لم يكن. وأصل
قَوْلنَا: أَن إِبْرَاهِيم لَو روى عَن عَليّ وَعبد الله لم يقبل مِنْهُ
لِأَنَّهُ لم يلق وَاحِدًا مِنْهُمَا إِلَّا أَن يُسَمِّي من بَينه
وَبَينهمَا وَيكون ثِقَة ثمَّ أردْت إبِْطَال مَا روى وَائِل عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَن لم يعلم إِبْرَاهِيم قَول
عَليّ وَعبد الله قَالَ: فَقَالَ وَائِل أَعْرَابِي قلت: أَفَرَأَيْت قرثع
الضَّبِّيّ وقزعه وَسَهْم بن منْجَاب حِين روى إِبْرَاهِيم عَنْهُم وروى
عَن
(2/89)
عبيد بن فَضِيلَة أهم أولى أَن يرْوى
عَنْهُم أَو وَائِل وَهُوَ مَعْرُوف عنْدكُمْ من الصَّحَابَة وَلَيْسَ
وَاحِد من هَؤُلَاءِ فِيمَا زعمت مَعْرُوفا عنْدكُمْ بِحَدِيث، وَلَا
شَيْء؟ قَالَ: لَا بل وَائِل بن حجر قلت: وَكَيف تُرِيدُ حَدِيث رجل من
الصَّحَابَة وتروي عَمَّن دونه، وَنحن إِنَّمَا قُلْنَا بِرَفْع
الْيَدَيْنِ عَن عدد لَعَلَّه لم يرو عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَيْئا قطّ أَكثر مِنْهُم غير وَائِل، وَوَائِل أهل
أَن يقبل عَنهُ، ويروون عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ إِذا ذكر عِنْده حَدِيث
وَائِل يَقُول لَعَلَّه فعل ذَلِك مرّة ثمَّ تَركه وَفِيمَا روينَا عَن
عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل إبِْطَال هَذَا القَوْل. قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: وَمِمَّا يدل على ذَلِك وَذكر خَبرا عَن ابْن عمر عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي رفع الْيَدَيْنِ
عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ وَقَالَ فِي آخِره فَمَا زَالَت تِلْكَ
صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى لَقِي
الله عز وَجل " وَرُبمَا تعلقوا بِخَبَر يَرْوُونَهُ عَن ابْن عمر على
رَأْيهمْ وَذَلِكَ
(2/90)
بَاطِل مَوْضُوع وَكَذَلِكَ أَيْضا بِخَبَر
عَن عباد بن عبد الله بن الزبير وَذَلِكَ مُرْسل وَقد روى عَن أَبِيه ضِدّه
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (80) :
وَمن رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: سمع الله لمن حَمده رَبنَا لَك الْحَمد
إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الإِمَام يَقُول سمع
الله لمن حَمده وَالْمَأْمُوم رَبنَا وَلَك الْحَمد. دليلنا من طَرِيق
الْخَبَر من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَالَ سمع الله لمن
(2/91)
حَمده قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك
الْحَمد " أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَعنهُ كَانَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة يكبر
حِين يقوم ثمَّ يكبر حِين يرْكَع ثمَّ يَقُول سمع الله لمن حَمده حِين يرفع
صلبه من الرَّكْعَة ثمَّ يَقُول وَهُوَ قَائِم رَبنَا وَلَك الْحَمد ثمَّ
يكبر حِين يهوي سَاجِدا ثمَّ يكبر حِين يقوم من الثِّنْتَيْنِ بعد
الْجُلُوس " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح. قَالَ وَرُوِيَ فِي
ذَلِك عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهُوَ مخرج فِي كتاب البُخَارِيّ وَرُوِيَ عَن ابْن أبي أوفى قَالَ: كَانَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا رفع رَأسه من
الرُّكُوع قَالَ: " سمع الله لمن حَمده اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء
السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد " أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح وَأخرجه أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع
قَالَ: " رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات / وملء الأَرْض وملء مَا
شِئْت من شَيْء بعد أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد كلنا
لَك عبد لَا نَازع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد
مِنْك الْجد "
(2/92)
ودليلهم: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا قَالَ الإِمَام
سمع الله لمن حَمده، فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد فَإِنَّهُ من
وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه " أخرجه
البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ أَمر
بِأَن يَقُول: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد وَنحن نقُوله فَأَما إِذا
قَالَ مَعَه غَيره فَلَيْسَ بمذكور فِي هَذَا الْخَبَر وَهُوَ مَذْكُور
فِيمَا روينَا والمصير إِلَيْهِ أولى وعَلى أَن هَذَا إِن كَانَ دَلِيلا
فِي الْمَأْمُوم فالأخبار الصَّحِيحَة كلهَا دَالَّة على أَن الإِمَام يجمع
بَينهمَا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (81) :
وجلسة الاسْتِرَاحَة بعد السَّجْدَة الثَّانِيَة من الرَّكْعَة الأولى
وَالثَّالِثَة سنة، وَإِذا قَامَ اعْتمد بيدَيْهِ على الأَرْض وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: لَا يجلس بل يصير من السُّجُود إِلَى الْقيام من غير
اعْتِمَاد. وَدَلِيلنَا: حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث " أَنه رأى النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا كَانَ فِي وتر من صلَاته لم
ينْهض حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدا " أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح قَالَ:
وَقد
(2/93)
روينَاهُ فِي حَدِيث أبي حميد، وروى
البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة. قَالَ: كَانَ
مَالك بن الْحُوَيْرِث يأتينا فِي مَسَاجِدنَا ليُصَلِّي بِنَا فَيَقُول:
إِنِّي لأصلي بكم وَمَا أُرِيد الصَّلَاة لكني أُرِيد أَن أريكم كَيفَ
رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي؟
قَالَ أَيُّوب: فَقلت لأبي قلَابَة كَيفَ كَانَت يَعْنِي صلَاته؟ قَالَ:
مثل صَلَاة شَيخنَا هَذَا - يَعْنِي: عَمْرو بن سَلمَة -.
قَالَ أَيُّوب: وَكَانَ ذَلِك الشَّيْخ يتم التَّكْبِير، وَكَانَ إِذا رفع
رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة جلس وَاعْتمد على الأَرْض قَالَ: وَأما
الَّذِي روى خَالِد بن إِيَاس وَيُقَال: إِيَاس عَن صَالح مولى
التَّوْأَمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهض فِي الصَّلَاة على صُدُور قَدَمَيْهِ "
(2/94)
فَإِنَّهُ حَدِيث ضَعِيف خَالِد مَتْرُوك
وَصَالح غير مُحْتَج بِهِ وَرُوِيَ عَن الْأَعْمَش فِي ذَلِك بأسانيد لَهُ
عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأبي سعيد
الْخُدْرِيّ، فَأَما أثر ابْن مَسْعُود فَصَحِيح وَأما ابْن عمر فقد رُوِيَ
عَنهُ أَنه قَالَ فِي ذَلِك أَنَّهَا لَيست بِسنة الصَّلَاة وَإِنَّمَا
أفعل ذَلِك من أجل أَنِّي أشتكي وَأما ابْن الزبير وَابْن عَبَّاس فراويه
عَنْهُمَا عَطِيَّة الْعَوْفِيّ وعطية غير مُحْتَج بِهِ ومتابعة فعل رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَوله أولى من مُتَابعَة
غَيره (وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق) .
مَسْأَلَة (82) :
وَيُشِير بالمسبحة فِي التَّشَهُّد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك،
وَدَلِيلنَا حَدِيث ابْن عمر فِي صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع كَفه الْيُمْنَى
على فَخذه الْيُمْنَى وَقبض أَصَابِعه
(2/95)
كلهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تلِي
الْإِبْهَام وَوَضعه كَفه الْيُسْرَى على فَخذه الْيُسْرَى " أخرجه مُسلم
فِي الصَّحِيح وَعِنْده أَيْضا عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع يَدَيْهِ على
رُكْبَتَيْهِ وَرفع إصبعه الَّتِي تلِي الْإِبْهَام فَدَعَا بهَا وَيَده
الْيُسْرَى على ركبته باسطها عَلَيْهَا " وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَيْضا
نَحوه وَقَالَ وَعقد ثَلَاثًا وَخمسين.
ثمَّ يَدْعُو وَعِنْده أَيْضا عَن عبد الله بن الزبير عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه كَانَ إِذا قعد فِي
الصَّلَاة وضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ " ثمَّ
روى فِي ذَلِك عَن خفاف بن إِيمَاء بن رحضة وَعَن وَائِل بن حجر وَعَن
ابْني عبَادَة عَن أَبِيهِمَا
(2/96)
وَعَن مَالك بن نمير الْخُزَاعِيّ عَن
أَبِيه كُله مَرْفُوع وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: هُوَ
الْإِخْلَاص وروى ابْن إِسْحَاق عَن يَعْقُوب بن عتبَة عَن أبي غطفان
الْمُزنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق
للنِّسَاء، وَمن أَشَارَ فِي صلَاته إِشَارَة تفهم عَنهُ فليعدها " قَالَ
عَليّ بن عمر: قَالَ لنا ابْن أبي دَاوُد: ابْن غطفان هَذَا مَجْهُول،
وَآخر الحَدِيث زِيَادَة فِي الحَدِيث وَلَعَلَّه من قَول ابْن إِسْحَق،
وَالصَّحِيح عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه
كَانَ يُشِير فِي الصَّلَاة رَوَاهُ أنس وَجَابِر وَغَيرهمَا عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: عَليّ وَرَوَاهُ ابْن عمر
وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم.
(2/97)
مَسْأَلَة (83) :
وَالْقعُود فِي التَّشَهُّد الْأَخير يكون بالتورك وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
يقْعد فِي التَّشَهُّد الْأَخير قعوده فِي التَّشَهُّد الأول دليلنا: مَا
عِنْد البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء أَنه
كَانَ جَالِسا مَعَ نفر من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَذكرُوا / صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَبُو حميد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ: أَنا كنت
أحفظكم لصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
رَأَيْته إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه وَإِذا ركع أمكن
يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يقصر ظَهره. وَإِذا رفع رَأسه اسْتَوَى
حَتَّى تعود كل فقار مَكَانَهُ فَإِذا سجد وضع يَده غير مفترش وَلَا قابضها
واستقبل بأطراف أَصَابِع رجلَيْهِ الْقبْلَة فَإِذا جلس فِي
الرَّكْعَتَيْنِ جلس على رجله الْيُسْرَى وَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة
الْأَخِيرَة وَجلسَ على مقعدته " قَالَ: وَالَّذِي روى أَن الزبير رأى
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قعد فِي الصَّلَاة فَجعل
قدمه الْيُسْرَى بَين فَخذه وَسَاقه وقوس قدمه الْيُمْنَى " مَحْمُول على
قعوده فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَفِي خبرنَا زِيَادَة بَيَان وحكاية سنة
لم يحكها وَرَوَاهُ عبد الحميد بن
(2/98)
جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء
عَن أبي حميد فِي عشرَة من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَمَا كتبناه قبل هَذَا.
وَأما حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي صَلَاة النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كَانَ يفرش رجله الْيُسْرَى فَإِنَّهُ
ورد فِي التَّشَهُّد الْأَخير، وَأما حَدِيث وَائِل بن حجر فِي صَلَاة
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ جلس فافترش رجله
الْيُسْرَى فَإِنَّهُ ورد فِي التَّشَهُّد الأول بَيَان ذَلِك فِي خبر أبي
حميد، وَعند البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن عبد الله بن عبد الله " أَنه
كَانَ يرى عبد الله بن عمر يتربع فِي الصَّلَاة إِذا جلس ففعلته وَأَنا
يَوْمئِذٍ حَدِيث السن فنهاني عبد الله بن عمر " وَقَالَ: إِنَّهَا سنة
الصَّلَاة أَن تنصب رجلك الْيُمْنَى وَتثني الْيُسْرَى فَقلت: إِنَّك تفعل
ذَلِك فَقَالَ: إِن رجْلي لَا تحملاني " وَهَذَا إِن كَانَ المُرَاد بقوله
تثني رجلك الْيُسْرَى أَن تثنيها وتقعد عَلَيْهَا فَيكون واردا فِي
التَّشَهُّد الأول وَإِن كَانَ المُرَاد أَن
(2/99)
يثنيها ويجعلها فرشا لليمنى وَيَضَع على
الأَرْض فَيكون واردا فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَالَّذِي يدل على هَذَا
الِاحْتِمَال الثَّانِي مَا روى مَالك عَن يحيى بن سعيد أَن الْقَاسِم بن
مُحَمَّد كَانَ إِذا جلس فِي التَّشَهُّد نصب رجله الْيُمْنَى، وثنى رجله
الْيُسْرَى وَجلسَ على وركه الْيُسْرَى وَلم يجلس على قَدَمَيْهِ ثمَّ
قَالَ: أَتَانِي عبد الله بن عبد الله بن عمر وحَدثني أَن أَبَاهُ كَانَ
يفعل ذَلِك.
مَسْأَلَة (84) :
وَقِرَاءَة السُّورَة سنة فِي الْأُخْرَيَيْنِ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيست بِسنة، فَوجه قَوْلنَا إِنَّهَا سنة حَدِيث
أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نحزر قيام رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الظّهْر وَالْعصر فحزرنا قِيَامه فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الظّهْر قدر قِرَاءَة ألم تَنْزِيل
السَّجْدَة وحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قدر
النّصْف من ذَلِك، وحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من
الْعَصْر على قدر قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فِي الظّهْر
وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ من الْعَصْر على النّصْف من ذَلِك. أخرجه
(2/100)
البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح. أَو وَجه
الدَّلِيل من هَذَا أَنه إِذا كَانَ قِيَامه فِي أولتي الظّهْر قدر
قِرَاءَة ثَلَاثِينَ آيَة وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر النّصْف من ذَلِك
وفاتحة الْكتاب سبع آيَات فَلَا بُد وَأَن يكون قد قَرَأَ السُّورَة حَتَّى
تكون خمس عشرَة آيَة.
وَرُوِيَ عَن الصنَابحِي أَنه قد قدم الْمَدِينَة فِي خلَافَة أبي بكر
الصّديق رَضِي الله عَنهُ فصلى وَرَاء أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
الْمغرب فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِأم الْقُرْآن وَسورَة
من قصار الْمفصل، ثمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة، فدنوت مِنْهُ،
حَتَّى أَن ثِيَابِي تمس ثِيَابه فَسَمعته، قَرَأَ بِأم الْقُرْآن وَهَذِه
الْآيَة {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك
رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع
عَن ابْن عمر " أَنه كَانَ إِذا صلى وَحده يقْرَأ فِي الْأَرْبَع من كل
رَكْعَة بِأم الْقُرْآن وَسورَة من الْقُرْآن قَالَ وَكَانَ يقْرَأ
أَحْيَانًا بالسورتين وَالثَّلَاث فِي الرَّكْعَة الْوَاحِدَة فِي صَلَاة
الْفَرِيضَة "، وَوجه القَوْل الآخر حَدِيث أبي قَتَادَة " أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الْأَوليين من الظّهْر وَالْعصر بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة ويسمعنا
الْآيَة أَحْيَانًا " أخرجه
(2/101)
البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح.
مَسْأَلَة (85) :
وَالْقِرَاءَة خلف الإِمَام فرض وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقْرَأ خلف
الإِمَام، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت
رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب " اتّفق
البُخَارِيّ على صِحَّته وَعند مُسلم أَيْضا عَن أبي السَّائِب أَيْضا عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
" من صلى صَلَاة وَلم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن فَهِيَ خداج فَهِيَ
خداج فَهِيَ خداج غير تَمام " فَقلت يَا أَبَا هُرَيْرَة إِنِّي أكون /
أَحْيَانًا وَرَاء الإِمَام فغمز ذراعي وَقَالَ: يَا فَارسي اقْرَأ بهَا
فِي نَفسك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - يَقُول: " قَالَ الله قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ "
وَذكر الحَدِيث
(2/102)
وَعِنْده أَيْضا عَن عَطاء عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
" لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَمَا أعلن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعلناه لكم وَمَا
أخْفى أخفيناه.
وروى أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره أَن يخرج فَنَادَى فِي النَّاس
" لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب فَمَا زَاد " وَقَالَ الْحَاكِم
أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ، فَإِن جَعْفَر بن
مَيْمُون الْعَبْدي من ثِقَات الْبَصرِيين، وَيحيى بن سعيد لَا يحدث إِلَّا
عَن الثِّقَات وروى أَبُو نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ: " أمرنَا رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نَقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب
وَمَا تيَسّر " رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَن آخِرهم ثِقَات فقد احْتج مُسلم
بِأبي نَضرة وَالْبَاقُونَ مجمع على عدالتهم وَعند أبي دَاوُد فِي كتاب
السّنَن عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: " كُنَّا خلف النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الْفجْر فقرا رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَثقلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة
فَلَمَّا فرغ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تقرأون خلف إمامكم قُلْنَا: نعم يَا
رَسُول الله قَالَ لَا تَفعلُوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِنَّهُ لَا
صَلَاة (لمن يقْرَأ بهَا) ".
(2/103)
وروى نَافِع بن مَحْمُود الرّبيع
الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَبْطَأَ عبَادَة عَن صَلَاة الصُّبْح، وَأقَام أَبُو
نعيم الْمُؤَذّن الصَّلَاة وَكَانَ أَبُو نعيم أول من أذن فِي بَيت
الْمُقَدّس فصلى بِالنَّاسِ أَبُو نعيم وَأَقْبل عبَادَة وَأَنا مَعَه
حَتَّى صففنا خلف أبي نعيم وَأَبُو نعيم يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فَجعل
عبَادَة يقْرَأ بِأم الْقُرْآن فَلَمَّا انْصَرف قلت لعبادة: قد صنعت
شَيْئا فَلَا أَدْرِي أسنة هِيَ أم سَهْو كَانَ مِنْك؟ قَالَ: وَمَا ذَاك
قَالَ: سَمِعتك تقْرَأ بِأم الْقُرْآن وَأَبُو نعيم يجْهر قَالَ أجل صلى
بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعض الصَّلَوَات
الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فالتبست عَلَيْهِ الْقِرَاءَة
فَلَمَّا انْصَرف: أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " هَل تقرأون إِذا جهرت
بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ بَعْضنَا إِنَّا لنصنع ذَلِك قَالَ: فَلَا وَأَنا
أَقُول مَالِي أنازغ الْقُرْآن فَلَا تقرأوا بِشَيْء من الْقُرْآن إِذا
جهرت إِلَّا بِأم الْقُرْآن " قَالَ عَليّ بن عمر: كلهم ثِقَات.
وروى الْمثنى بن الصَّباح عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن عبد الله
بن عَمْرو عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
إِذا كنت مَعَ الإِمَام فاقرأ بِأم الْقُرْآن قبله وَإِذا سكت " الْمثنى
غير مُحْتَج بِهِ، وروى ابْن لَهِيعَة قَالَ ابْن خُزَيْمَة: وَلَيْسَ من
شرطنا عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن
(2/104)
جده مَرْفُوعا بقريب من مَعْنَاهُ
وَزِيَادَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَيشْهد لروايتهما بِالصِّحَّةِ رِوَايَة
عبد الحميد بن جَعْفَر عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده " أَنه
كَانَ يقْرَأ خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا
أنصت فَإِذا قَرَأَ لم يقْرَأ فَإِذا أنصت قَرَأَ وَكَانَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: كل صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا
بِفَاتِحَة الْكتاب فَهِيَ خداج " كَذَا فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي
صَفْوَان عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ عَنهُ وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن بشار
بنْدَار عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ عَنهُ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه
عَمْرو قَالَ: " كَانَ يقْرَأ خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِذا أنصت وَإِذا قَرَأَ لم يقرأوا خَلفه فَإِذا أنصت قرأوا
".
وَبَاقِيه بِمَعْنَاهُ قَالَ وَقد صحت الرِّوَايَة عَن أَمِيري
الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنَّهُمَا كَانَا يأمرانا بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام وَذكر عَن يزِيد بن
شريك أَنه سَأَلَ
(2/105)
عمر رَضِي الله عَنهُ عَن الْقِرَاءَة خلف
الإِمَام فَقَالَ: " اقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب، قلت: وَإِن كنت أَنْت؟
قَالَ: وَإِن كنت أَنا، قلت: وَإِن جهرت، قَالَ: وَإِن جهرت " قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: رُوَاته كلهم ثِقَات وَصدق فَإِن البُخَارِيّ وَمُسلم قد
احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته.
وروى أَبُو نَافِع وَابْنه عبد الله عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ
يَأْمر أَن يقْرَأ خلف الإِمَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة
الْكتاب وَسورَة وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب، وَهُوَ
مَرْوِيّ عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن مَسْعُود، وَعبد الله بن
عمر، وَعمْرَان بن حُصَيْن، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأنس بن مَالك،
وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَأبي الدَّرْدَاء وَغَيرهم، وَرُوِيَ
عَن ابْن أبي الْهُذيْل قَالَ: سَأَلت أبي بن كَعْب: أقرا خلف الإِمَام؟
قَالَ: نعم. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ خلف الإِمَام فِي الظّهْر
وَالْعصر، قَالَ: وَلأَهل الْكُوفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَخْبَار واهية
رويت بأسانيد غير مُسْتَقِيمَة وَذكرهَا وَبَين عللها وأوفاها أحسن بَيَان
وأشفاه رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ فَمِنْهَا حَدِيث جَابر بن عبد الله
الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا بِأَلْفَاظ وأسانيد ذكرهَا وَبَين وهنها فِي
الرّفْع وَأَن
(2/106)
مَالك / ابْن أنس أخرجه فِي الْمُوَطَّأ
عَن جَابر مَوْقُوفا من قَوْله وَذكر عَن إِسْمَاعِيل ابْن بنت السّديّ قلت
لمَالِك رَحمَه الله فِي هَذَا الحَدِيث مَرْفُوع فَقَالَ: " خُذُوا
بِرجلِهِ " والْحَدِيث عَن جَابر من قَوْله " من صلى صَلَاة لم يقْرَأ
فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب فَلم يصل إِلَّا وَرَاء الإِمَام " قَالَ أَحْمد
بن عدي لم يرفعهُ عَن مَالك غير ابْن سَلام وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ
مَوْقُوف. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: وَيحيى بن سَلام كثير الْوَهم
وَقد رُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن مُوسَى السّديّ عَن مَالك مَرْفُوعا قَالَ
أَبُو عبد الله: وهم الرَّاوِي عَن إِسْمَاعِيل السّديّ فِي رَفعه بِلَا
شكّ فِيهِ فقد خَالفه الثبت عَن إِسْمَاعِيل وَأَوْقفهُ.
(2/107)
وَرُوِيَ عَن السّري بن خُزَيْمَة عَنهُ
مَوْقُوفا عَن جَابر قَالَ: " كل صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن
فَهِيَ خداج إِلَّا وَرَاء الإِمَام "، قَالَ السّري بن خُزَيْمَة: لَا
أجعَل فِي حل من روى عني هَذَا الْخَبَر مَرْفُوعا فَمن ذكره عني مُسْندًا
فقد كذب.
وَرُوِيَ من وَجه ثَان عَن جَابر وَلَيْث بن أبي سليم عَن أبي الزبير عَن
جَابر مَرْفُوعا قَالَ: " من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ
قِرَاءَة " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: لَيْث وَجَابِر بن يزِيد
الْجعْفِيّ مِمَّن لَا تقوم الْحجَّة بِرِوَايَة وَاحِد مِنْهُمَا، خُصُوصا
إِذا خالفا الثِّقَات وتفردا بِمثل هَذَا الْخَبَر الْمُنكر عَن مثل أبي
الزبير مُحَمَّد بن مُسلم الْمَكِّيّ فِي استشهاده وَكَثْرَة أَصْحَابه.
وَرُوِيَ من وَجه ثَالِث: عَن سهل بن الْعَبَّاس التِّرْمِذِيّ: عَن ابْن
عَلَيْهِ عَن أَيُّوب عَن أبي الزبير عَن جَابر مَرْفُوعا " من صلى خلف
(2/108)
الإِمَام فَإِن قِرَاءَة الإِمَام لَهُ
قِرَاءَة " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مُنكر وَسَهل بن الْعَبَّاس
مَتْرُوك.
وَرُوِيَ من وَجه رَابِع: عَن مُحَمَّد بن أَشْرَس وَهُوَ مَتْرُوك
الحَدِيث.
وَرُوِيَ من وَجه خَامِس: عَن أبي حنيفَة عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن
عبد الله بن شَدَّاد عَن جَابر بن عبد الله مَرْفُوعا " من كَانَ لَهُ
إِمَام فَإِن قِرَاءَة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة " قَالَ أَبُو عبد الله فِي
إِسْنَاد هَذَا الْخَبَر وهم من الروَاة عَن أبي حنيفَة فَإِن هَذَا خبر
مُرْسل عَن ابْن
(2/109)
أبي عَائِشَة عَن عبد الله بن شَدَّاد بن
الْهَاد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دون ذكر
جَابر فِي الْإِسْنَاد، وهما قصتان عِنْد أبي حنيفَة عَن ابْن أبي عَائِشَة
عَن ابْن شَدَّاد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِهَذَا والقصة الْأُخْرَى عَن ابْن أبي عَائِشَة عَن ابْن شَدَّاد عَن
جَابر انْصَرف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من
صَلَاة الظّهْر فَقَالَ: من قَرَأَ " سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى " الحَدِيث.
قَالَ وَالدَّلِيل على مَا ذكرته أَن أَبَا عبد الرَّحْمَن عبد الله بن
الْمُبَارك أحفظ الروَاة عَن أبي حنيفَة وَقد رُوِيَ هَذَا الْخَبَر فِي
كتاب الصَّلَاة عَن أبي حنيفَة فَأرْسلهُ، وَقد تَابعه زفر بن الْهُذيْل
على رِوَايَة هَذَا الْخَبَر عَن أبي حنيفَة مُرْسلا مَعَ استغنائه عَن
مُتَابَعَته فَإِن قيل الْحسن بن عمَارَة قد تَابع أَبَا حنيفَة فِيمَا
رُوِيَ عَنهُ من اتِّصَال هَذَا الْخَبَر، قُلْنَا مُتَابعَة الْحسن بن
عمَارَة لَا تعنى بل تزيد الحَدِيث، وَهنا فقد قَالَ سعيد بن الْحجَّاج:
مَا أُبَالِي حدثت عَن الْحسن بن عمَارَة بِحَدِيث أَو زَنَيْت فِي
الْإِسْلَام زنية وَرُوِيَ عَن اللَّيْث بن سعد عَن طَلْحَة عَن مُوسَى عَن
ابْن شَدَّاد عَن أبي الْوَلِيد عَن جَابر
(2/110)
مُتَّصِلا، قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد
الله: هَذِه الرِّوَايَة لَا تسوى سماعهَا وَلَا الْكَلَام عَلَيْهَا
فَإنَّا لَا نعلم من الروَاة من اسْمه طَلْحَة يروي عَن اللَّيْث ويروي عَن
مُوسَى وَابْن شَدَّاد وكنيته أَبُو الْوَلِيد وَقد أفحش فِي الْخَطَأ من
قَالَ عَن ابْن شَدَّاد عَن أبي الْوَلِيد قَالَ أَبُو عَليّ الْحَافِظ
هُوَ خطأ إِنَّمَا هُوَ عَن اللَّيْث بن سعد عَن يَعْقُوب أبي يُوسُف عَن
أبي حنيفَة، رَوَاهُ شيخ مَجْهُول عَن الثَّوْريّ عَن مُوسَى مُتَّصِلا
فَقَالَ لَهُ عبد الْعَزِيز بن خَالِد الْمَكِّيّ قَالَ أَبُو عبد الله
وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث كَافَّة أَصْحَاب الثَّوْريّ من الثِّقَات
وَالْأَئِمَّة عَن الثَّوْريّ فَأَرْسلُوهُ عَن آخِرهم وروى هَذَا الحَدِيث
مَنْظُور بن الْمُعْتَمِر وَسعد بن الْحجَّاج وزائدة بن قدامَة وسُفْيَان
بن عُيَيْنَة وَإِسْرَائِيل بن يُونُس، وَقيس بن الرّبيع، وَشريك بن عبد
الله النَّخعِيّ وَأَبُو إِسْحَق الْفَزارِيّ وَجَرِير بن عبد الحميد
وَغَيرهم عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة
(2/111)
فَأَرْسلُوهُ كَمَا أرْسلهُ الثَّوْريّ.
وَالدَّلِيل على مَا ذكرنَا من وَهن هَذَا الْخَبَر مَا أخبرنَا الْحَاكِم
أَبُو عبد الله وَذكر إِسْنَاده عَن جَابر قَالَ: " كُنَّا نَقْرَأ فِي
الظّهْر وَالْعصر خلف الإِمَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة
الْكتاب وَسورَة وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب " قَالَ أَبُو
عبد الله حَدِيث صَحِيح لست أعرف لَهُ عِلّة بِوَجْه وَهُوَ حَدِيث مُسْند
فَإِن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ كُنَّا نَفْعل كَذَا وأمرنا بِكَذَا ونهينا
عَن كَذَا وَكُنَّا نتحدث فَإِنِّي لَا أعلم بَين أهل النَّقْل خلافًا
فِيهِ أَنه مُسْند فقد بَطل بِهَذَا جَمِيع هَذِه الرِّوَايَات عَن جَابر
وَرجع الحَدِيث إِلَى الْمُرْسل الَّذِي ذكرنَا وَذَلِكَ الْمُرْسل
يُعَارضهُ مثله (وَالله أعلم) / أخبرنَا أَبُو عبد الله أخبرنَا أَبُو بكر
مُحَمَّد بن إِسْحَق الْفَقِيه، وَذكر إِسْنَاده عَن أبي قلَابَة عَن ابْن
أبي عَائِشَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ مُحَمَّد عَمَّن شهد ذَلِك قَالَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ "
تقرأون وَالْإِمَام يقْرَأ؟ قَالُوا: إننا لنفعل قَالَ: " فَلَا تَفعلُوا
إِلَّا أَن يقْرَأ أحدكُم فِي نَفسه أم الْكتاب "، قَالَ الْحَاكِم أَبُو
عبد الله: هَكَذَا وجدته فِي كتابي عَن
(2/112)
الشَّيْخ أبي بكر وَلَيْسَ فِي إِسْنَاده
إِلَّا ثِقَة وَثَبت.
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة لهَذَا الْخَبَر الواهي عَن ابْن عمر عَن
عُثْمَان بن سعد الْقرشِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا "
من صلى وَرَاء إِمَام فَإِن قِرَاءَة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة " قَالَ أَبُو
عبد الله: عُثْمَان بن عبد الله الَّذِي زعم أَنه قرشي هَذَا كَذَّاب وقح
ظَاهر الْكَذِب، وَرُوِيَ عَن خَارِجَة بن مُصعب عَن أَيُّوب بن نَافِع عَن
ابْن عمر مَرْفُوعا " من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة
". قَالَ يحيى بن معَاذ: " خَارِجَة بن مُصعب لَيْسَ هُوَ بِشَيْء "
وَمِمَّا يدل على ضعف سَنَد هَذَا الحَدِيث أَن مَالك بن أنس روى فِي
الْمُوَطَّأ عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِيمَا يجْهر فِيهِ الإِمَام هَذَا
الْخَبَر مَوْقُوفا، وَرَوَاهُ سُوَيْد بن سعيد أَبُو مُحَمَّد وَكَانَ
البُخَارِيّ يضعف أمره جدا وروى الْمُنْكَدر سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن
التَّمِيمِي يَقُول هُوَ ذَا أستخير الله أَن أضْرب على حَدِيث سُوَيْد
كُله من أجل هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد فِي الْقِرَاءَة خلف الإِمَام. هَذَا
رَوَاهُ
(2/113)
النَّاس عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع
عَن ابْن عمر مَوْقُوف فَأتى بِهِ سُوَيْد مَرْفُوعا وَرَوَاهُ أَبُو عصمَة
نوح بن أبي مَرْيَم الْجَامِع القَاضِي الْمروزِي عَن الْفضل بن عَطِيَّة
قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا كذب بَاطِل، أَبُو عصمَة: كَذَّاب، وَرُوِيَ
عَن أبي عمار الْمروزِي قيل لأبي عصمَة: من أَيْن لَك عَن عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس فِي فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة فَقَالَ: إِنِّي
رَأَيْت النَّاس قد أَعرضُوا عَن الْقُرْآن وَاشْتَغلُوا بِفقه أبي حنيفَة
وَمَغَازِي ابْن إِسْحَق فَوضعت هَذَا الحَدِيث حسنه وروى حَدِيثا عَن أبي
هُرَيْرَة مَرْفُوعا " نهى أَن يقطع الْخبز بالسكين وَقَالَ: أكْرمُوا
الْخبز فَإِن الله أكْرمه " حَدِيث مَوْضُوع وَله أَخَوَات كَثِيرَة
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة عَن أَبِيه وَهُوَ مَتْرُوك
لَا يحل
(2/114)
الِاحْتِجَاج بِهِ.
قَالَ أَبُو عبد الله وَقد ذكر حَدِيثا وضعوه على أبي حنيفَة عَن نَافِع
عَن ابْن عمر فِي هَذَا الْبَاب مَرْفُوعا " نهى عَن الْقِرَاءَة خلف
الإِمَام ". وَذكر إِسْنَاده ثمَّ قَالَ وَأَنا أتعجب من مُسلم يسْتَحل أَن
يضع على إِمَامه مثل هَذَا الْكَذِب الصراح ولسنا نَعْرِف مُحَمَّد بن
الْحسن الهمذاني وَلَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وَلَا الْقَاسِم بن عبد
الْوَاحِد وَلَا بكر بن حَمْزَة، وَأَبُو حنيفَة برِئ من هَذِه الرِّوَايَة
الْمَوْضُوعَة، فَإِن رِوَايَته عَن نَافِع أَحَادِيث مَعْدُودَة لَا يخفى
على أهل النَّقْل وَقد عيب نَقله الرِّوَايَة عَن نَافِع وَلَو كَانَ لمثل
هَذَا الْخَبَر أصل عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة مَتى كَانُوا يتعلقون بالمرسل
الَّذِي رَوَوْهُ عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة وَرُوِيَ من وَجه آخر أَوْهَى
من هَذَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا " سُئِلَ عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام
قَالَ: الإِمَام يقْرَأ " وَهَذَا بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد
(2/115)
وَالْحمل فِيهِ على أبي جَعْفَر مُحَمَّد
بن عبد الله الماستيني مَعَ أَنه لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لم يقل "
وَالْمَأْمُوم لَا يقْرَأ " وَقد روينَا عَن ابْن عمر عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يُعَارض جَمِيع هَذِه
الرِّوَايَات ويدافعها، وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا من قَوْله وَفعله رَضِي الله
عَنهُ.
وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة لهَذَا الحَدِيث الواهي عَن عَليّ بن أبي طَالب
رَضِي الله عَنهُ " أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَقرَأ خلف الإِمَام أَو أنصت؟ قَالَ: بلَى أنصت؟ قَالَ أَبُو
عبد الله: هَذَا خبر فِي إِسْنَاده وَسَنَده وهم من أوجه مِنْهَا: أَن
المحتج بِهِ قد أقرّ أَن صَوَابه من عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَوْقُوف ثمَّ
نَظرنَا فَلم نجد لَهُ رَاوِيا غير الْحَارِث بن عبد الله الهمذاني
وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: كَانَ الْحَارِث من الْكَذَّابين ثمَّ
نَظرنَا فَإِذا رَاوِي هَذَا الْخَبَر عَن الشّعبِيّ أَبُو سهل مُحَمَّد بن
سَالم وشأنه عِنْد أَئِمَّة الْعلم قريب من شَأْن الْحَارِث ثمَّ نَظرنَا
فَإِذا رَاوِي هَذَا الْخَبَر عَن مُحَمَّد بن سَالم: قيس بن الرّبيع وشأنه
(2/116)
يقرب من شَأْن صَاحبه وَقد روينَا عَن
عَليّ رَضِي الله عَنهُ ضد هَذَا، وَأما الْمَوْقُوف الَّذِي رُوِيَ عَن
عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّمَا رُوِيَ بأسانيد واهية لَا يَصح شَيْء من
ذَلِك فقد صَحَّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ " أَنه كَانَ يَأْمر
بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام " وَذكر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن أبي
رَافع عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ " اقْرَأ فِي صَلَاة الظّهْر
وَالْعصر خلف الإِمَام بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة " رُوَاة هَذَا الحَدِيث
كلهم عَن آخِرهم ثِقَات مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح.
وَالرِّوَايَة الرَّابِعَة: لهَذَا الْخَبَر الواهي عَن عبد الله بن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مُسْندًا وموقوفا أما الْمسند فَروِيَ عَنهُ /
قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَلَمَّا سلم " قَالَ أَيّكُم قَرَأَ خَلْفي فَقَالَ رجل أَنا يَا رَسُول
الله فَقَالَ: مَا لي أنازع الْقُرْآن إِذا صلى أحدكُم خلف الإِمَام فلينصت
فَإِن قِرَاءَته لَهُ قِرَاءَة وَصلَاته لَهُ صَلَاة " قَالَ أَبُو عبد
الله: " هَذَا حَدِيث لم يَكْتُبهُ إِلَّا عَن هَذَا الشَّيْخ بِهَذَا
الْإِسْنَاد وَلَا سمعنَا أحدا من فُقَهَاء أهل الْكُوفَة ذكره فِي هَذَا
الْبَاب، وَلَو ثَبت مثل هَذَا عَن الثَّوْريّ عَن مُغيرَة لَكَانَ لَا
يخفى على أَئِمَّة الْكُوفَة، وَأحمد بن مُحَمَّد بن الْعجْلَاني هَذَا لَا
نعرفه وَلم نسْمع بِذكرِهِ إِلَّا فِي هَذَا الْخَبَر
(2/117)
وأنما الْخَبَر الْمَرْوِيّ عَن عبد الله
بن مَسْعُود عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه
قَالَ: " اخلطتم على الْقُرْآن " فِي الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ خَلفه،
فَأَما الْمَوْقُوف فِيمَا رُوِيَ أَنه: اسْتغنى فِي الْقِرَاءَة خلف
الإِمَام قَالَ: أنصت لِلْقُرْآنِ كَمَا أمرت فَإِن فِي الصَّلَاة شغلا
وسيكفيك ذَاك الإِمَام ". قَالَ أَبُو عبد الله: فَقَالَ هَذَا الْفَتْوَى
من ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَهْر خلف
الإِمَام وَيَأْمُر بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام لَا فِي ترك الْقِرَاءَة
أصلا وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ كَانَ يقْرَأ
خلف الإِمَام وَيَأْمُر بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام.
وَالرِّوَايَة الْخَامِسَة: لهَذَا الْخَبَر الواهي عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ رَوَاهُ الرّبيع بن بدر عَن أبي هَارُون
الْعَبْدي عَن أبي سعيد مَرْفُوعا " من صلى خلف إِمَام فَإِن قِرَاءَة
الإِمَام لَهُ قِرَاءَة "
(2/118)
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا خبر
فِي إِسْنَاده وَمَتنه نظر وَذَلِكَ أَن الرّبيع بن بدر لَيْسَ مِمَّن يجوز
الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ سُئِلَ عَنهُ ابْن معِين: فَقَالَ كَانَ ضَعِيفا؟
قَالَ أَبُو عبد الله؟ فَإِن سلم هَذَا الْخَبَر من عليله ابْن بدر
فَإِنِّي مَا أرَاهُ يسلم من أبي هَارُون الْعَبْدي. قَالَ أَبُو دَاوُد:
سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: أَبُو هَارُون الْعَبْدي مَتْرُوك
الحَدِيث، قَالَ البُخَارِيّ عمَارَة بن جُوَيْن، أَبُو هَارُون الْعَبْدي
كَذَّاب مفتري. سَمِعت سعيد بن عَامر يَقُول: مِسْكين أَبُو هَارُون
الْعَبْدي وَالدَّلِيل على وَهن هَذَا الْخَبَر أَنا قد روينَا عَن أبي
سعيد أَنه قَالَ " أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَا تيَسّر " بِإِسْنَاد صَحِيح
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه أفتى بذلك عَن أبي نَضرة قَالَ: سَأَلت أَبَا سعيد
الْخُدْرِيّ عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فَقَالَ: اقْرَأ بِفَاتِحَة
الْكتاب.
وَالرِّوَايَة السَّادِسَة: لهَذَا الْخَبَر الواهي عَن أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله
(2/119)
عَنهُ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة
مَرْفُوعا " من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة " قَالَ
أَبُو عبد الله: وَهَذَا حَدِيث مَوْضُوع على سهل، وَأَبُو يحيى
التَّيْمِيّ مِمَّن لَا أَشك فِي ضعفه وَلَا أعلم خلافًا بَين أَئِمَّة أهل
النَّقْل فِي ترك حَدِيثه وهب أَن هَذَا الْخَبَر يسلم من أبي يحيى
التَّيْمِيّ، فَمن مُحَمَّد بن عباد الْمُزنِيّ من بَين خلق الله فينفرد
بِمثل هَذَا الْخَبَر الْمُنكر عَن أبي يحيى التَّيْمِيّ.
وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة الْوَاضِحَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخِلَاف هَذَا أَكثر وَأشهر من
أَن يُمكن ذكرهَا فِي هَذَا الْموضع، وروى خَالِد بن عبد الله عَن عبد
الرَّحْمَن بن إِسْحَق عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل صَلَاة لَا
يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن فَهِيَ خداج إِلَّا صَلَاة خلف إِمَام "
قَالَ الشَّيْخ أَبُو
(2/120)
بكر بن إِسْحَق: هَذَا خبر فِيهِ نظر لَا
يُثبتهُ أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ قَالُوا أَخطَأ فِيهِ خَالِد وقلب متن
الحَدِيث وَجعل قَوْله أَنى أكون أَحْيَانًا خلف الإِمَام فَقَالَ: "
إِلَّا خلف الإِمَام سَهوا مِنْهُ " وَالدَّلِيل على خطأه وقلب متن
الحَدِيث مَا أخبرنَا مُحَمَّد بن أَيُّوب أخبرنَا دَاوُد حَدثنَا شُعْبَة
عَن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " كل صَلَاة لَا يقْرَأ
فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب فَهِيَ خداج فَقلت: فَإِن كَانَ خلف إِمَام
فَقَالَ: اقْرَأ فِي نَفسك " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله رحم الله
شَيخنَا أَبَا بكر فَلَقَد وفْق لانتزاع عِلّة هَذَا الْخَبَر وَذكر مَوضِع
الْوَهم فِيهِ إِلَّا أَن الْوَهم عِنْدِي من عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَق
فَإِنَّهُ بِهِ أليق وخَالِد ثَبت مَأْمُون ومحال أَن يعاود الرَّاوِي
أَبَا هُرَيْرَة فِي رِوَايَته عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " إِنِّي أكون أَحْيَانًا وَرَاء الإِمَام فَيَقُول
اقْرَأ بهَا فِي نَفسك يَا فَارسي " ثمَّ يكون عِنْده خِلَافه عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ابْن أبي شيبَة سَأَلت
يحيى بن معِين: عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَق فَقَالَ كَانَ ضَعِيفا
وَهُوَ ابْن أُخْت النُّعْمَان بن سعد، وَقَالَ البُخَارِيّ:
(2/121)
عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَق بن الْحَارِث
أَبُو شيبَة الوَاسِطِيّ عَن أَبِيه، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ مُنكر
الحَدِيث وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن زيد بن أسلم، وَمصْعَب بن
شُرَحْبِيل عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّمَا الإِمَام ليؤتم بِهِ فَلَا
تختلفوا عَلَيْهِ فَإِذا كبر فكبروا فَذكر الحَدِيث. وَقَالَ فِيهِ "
وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا " قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا الْخَبَر وهم
الرَّاوِي فِيهِ لَا خلاف أعرفهُ بَين أهل النَّقْل فِيهِ.
وَالدَّلِيل الأول على وهنه: أَن أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة الأنجم الزهر قد
رووا هَذَا الْخَبَر عَنهُ فَلم يذكر وَاحِد مِنْهُم هَذِه اللَّفْظَة
فَإِن قيل إِن زيد بن أسلم عنْدكُمْ ثِقَة مَأْمُون بِلَا خلاف
وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة يُقَال إِن الزِّيَادَة مَقْبُولَة
من الثِّقَة إِذا تفرد بهَا عَنهُ ثِقَة مثله وَهَذِه الزِّيَادَة إِنَّمَا
تفرد بهَا عَن زيد بن أسلم، مُحَمَّد بن عجلَان وَإِنَّمَا أسقط حَدِيثه من
الصَّحِيح لسوء حفظه فَإِن قيل أَن مُحَمَّد بن عجلَان وَإِن لم يخرج فِي
الصَّحِيح يَعْنِي محتجا بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّن يرْمى بِجرح أَو
مِمَّن يتْرك حَدِيثه وَقد
(2/122)
روى عَنهُ مَالك بن أنس وأجمعت أئمتكم أَن
مَالِكًا لم يرو إِلَّا عَن ثِقَة. يُقَال: إِن فِي رِوَايَة هَذَا
الْخَبَر عَن مُحَمَّد بن عجلَان أَيْضا نظر فقد رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد
عَن ابْن عجلَان: فَلم يذكر فِيهِ هَذِه اللَّفْظَة ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَاد
عَن يحيى بن معِين فِي حَدِيث ابْن عجلَان، " إِذا قَرَأَ فأنصتوا " قَالَ
لَيْسَ بِشَيْء قَالَ أَبُو عبد الله: فَإِن قيل أَن يحيى بن الْعَلَاء
الرَّازِيّ ابْن الْعَلَاء يتفرد عَن الثِّقَات بِأَحَادِيث مَقْلُوبَة،
وَقد خرجه وَكِيع بن الْجراح وَهُوَ الَّذِي يروي حَدِيث كَانَ " إِذا
اكتحل جعل فِي كل عين ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَة بَينهمَا " فمتابعة من يكون
هَذِه حَاله لَا تؤيد الحَدِيث بل تزيده وَهنا فَإِن من اسْتحلَّ رِوَايَة
الْمُنكر والتفرد بِهِ أَحْرَى أَن يسْتَحل السّرقَة من غَيره وَرَوَاهُ
عمر بن هَارُون وَهُوَ ضَعِيف عَن خَارِجَة بن مُصعب، وَلَيْسَ بالمقوي عَن
زيد بن أسلم وَلَا يَصح، ثمَّ يحمل هَذَا على الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ
وَالْكَلَام فِي الصَّلَاة وَذكر فِي تَفْسِير الْآيَة عَن أبي هُرَيْرَة
وَقَتَادَة وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة مَا يُؤَيّد قَوْله هَذَا وَرويت هَذِه
اللَّفْظَة فِي حَدِيث عَن الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن
قَتَادَة عَن يُونُس بن جُبَير عَن حطَّان بن
(2/123)
عبد الله: قَالَ: " صلينَا مَعَ أبي مُوسَى
الْعشَاء " فَذكره بِطُولِهِ وَفِيه " وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا " وَهَكَذَا
رَوَاهُ جرير عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، قَالَ أَبُو عبد الله: سَمِعت
أَبَا عَليّ الْحَافِظ خَالف سُلَيْمَان التَّيْمِيّ أَصْحَاب أبي قَتَادَة
كلهم فِي هَذَا الحَدِيث فِي موضِعين قَوْله (وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا) وَصلى
بِنَا أَبُو مُوسَى صَلَاة الْعَتَمَة وَهُوَ عِنْدِي وهم مِنْهُ
وَالْمَحْفُوظ عَن قَتَادَة حَدِيث هِشَام الدستوَائي وَهَمَّام وَسَعِيد
بن أبي عروبه وَمعمر بن رَاشد وَأَبُو عوَانَة، وَالْحجاج بن الْحجَّاج،
قَالَ أَبُو عبد الله: أَن أَبَا الْمُعْتَمِر سُلَيْمَان التَّيْمِيّ
رَحمَه الله أحد أَئِمَّة أهل الْبَصْرَة إتقانا وورعا وَهُوَ قريب من
قَتَادَة فِي الْإِسْنَاد والمتن وَرِوَايَة الأقران بَعضهم عَن بعض
يرْتَفع فِيهَا الْوَهم قَالَ فَإِن من الْعَادة أَن المستفيد الْمُبْتَدِئ
بضبط الْخَبَر عَن الْعَالم بِخِلَاف مَا يضبطه من هُوَ مثله من أقرانه فِي
المذاكرة، وَقد وجدنَا كَافَّة الثِّقَات الْمَشْهُورين من أَصْحَاب
قَتَادَة بالرواية عَنهُ وملازمته وَحفظ حَدِيثه والتمييز بَين مَا دلّس
فِيهِ وَمَا سمع من شُيُوخه قد خالفوا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فِي ذكره
هَذِه اللَّفْظَة مثل شُعْبَة بن الْحجَّاج وَحَمَّاد بن سَلمَة وَأبي
هِلَال الرَّاسِبِي وَعمر بن إِبْرَاهِيم وَأَبَان بن يزِيد وَغَيرهم كَمَا
ذكره أَبُو
(2/124)
عَليّ، فَإِن قيل قد تَابعه عمر بن عَامر
وَابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، وَذكر حَدِيثهمَا عَن قَتَادَة
بِإِسْنَادِهِ عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا " إِذا كبر الإِمَام فكبروا وَإِذا
قَرَأَ فأنصتوا " قُلْنَا رَوَاهُ سَالم بن نوح وَهُوَ وهم مِنْهُ فقد
رَوَاهُ يزِيد بن زُرَيْع وَعَبده بن سُلَيْمَان وَابْن عَلَيْهِ ومروان بن
مُعَاوِيَة وَأَبُو أُسَامَة وَغَيرهم من الْحفاظ عَن ابْن أبي عرُوبَة دون
هَذِه الزِّيَادَة، قَالَ أَبُو عبد الله: سَمِعت أَبَا عَليّ الْحَافِظ
يَقُول وَلنَا رِوَايَة سَالم بن نوح فَإِنَّهُ أَخطَأ على عمر بن عَامر
كَمَا أَخطَأ على ابْن أبي عرُوبَة لِأَن حَدِيث سعيد رَوَاهُ يحيى بن
سعيدة وَيزِيد بن زُرَيْع وَإِسْمَاعِيل بن عَلَيْهِ وَابْن أبي عدي
وَغَيرهم فَإِذا جاؤوها فسالم بن نوح دونهم قَالَ عَليّ بن عمر: سَالم بن
نوح لَيْسَ بِالْقَوِيّ ثمَّ قد رُوِيَ عَن سَالم بن نوح عَن ابْن عَامر
بِطُولِهِ دون ذكر هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ إِنَّه يستمع لَهُ وينصت
وَيقْرَأ لنَفسِهِ بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت
(2/125)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة
الْكتاب خلف الإِمَام " قَالَ الْبَيْهَقِيّ: / هَذَا وجدته فِي كتابي
وَرُوَاته ثِقَات وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد بن صَالح بن هاني وَأَبُو
إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى وَأَبُو الطّيب مُحَمَّد بن
أَحْمد الذهلي قَالَ أَبُو الطّيب لمُحَمد بن سُلَيْمَان خلف الإِمَام،
قَالَ خلف الإِمَام.
وَالرِّوَايَة السَّابِعَة: لهَذَا الْخَبَر الواهي. مَا روى مُحَمَّد بن
حميد حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل عَن الْحجَّاج عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة بن
أوفى عَن عمرَان بن حُصَيْن مَرْفُوعا كَانَ ينْهَى عَن الْقِرَاءَة خلف
الإِمَام قَالَ
(2/126)
أَبُو زرْعَة: وَمُحَمّد بن مُسلم ابْن
واره صَحَّ عندنَا أَن مُحَمَّد بن حميد يكذب وَقَالَ ابْن معِين: مجَالد
وَالْحجاج بن أَرْطَأَة لَا يحْتَج بحديثهما، قَالَ ابْن صاعدة النَّهْي
عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام تفرد بروايته حجاج عَن قَتَادَة وَقد رَوَاهُ
شُعْبَة وَسَعِيد وَمعمر وَإِسْمَاعِيل بن مُسلم وحجاج بن حجاج وَأَيوب بن
مِسْكين وَهَمَّام وَأَبَان وَسَعِيد بن بشير كلهم لم يذكرُوا مَا تفرد
بِهِ الْحجَّاج بل قد قَالَ شُعْبَة سَأَلت قَتَادَة فَقلت كَأَنَّهُ كرهه،
قَالَ لَو كرهه لنهى عَنهُ وَرُوِيَ عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة سمع زُرَارَة
عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - صلى بِأَصْحَابِهِ الظّهْر فَقَالَ: " أَيّكُم قَرَأَ سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى " فَقَالَ رجل: أَنا فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قد عرفت أَن رجلا خالجنيها " قَالَ شُعْبَة: قلت
لعبادة كَأَنَّهُ كرهه فَقَالَ: لَو كرهه لنهى عَنهُ وَالدَّلِيل الْوَاضِح
على وَهن هَذَا الْخَبَر، مَا رُوِيَ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: " لَا
تجوز صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب وآيتين فَصَاعِدا " وَعنهُ قَالَ:
لَا تزكوا صَلَاة مُسلم إِلَّا بِطهُور وركوع وَسُجُود وفاتحة الْكتاب
وَرَاء الإِمَام وَغير الإِمَام ".
(2/127)
الثَّامِنَة: لهَذَا الْخَبَر الواهي مَا
رُوِيَ بِإِسْنَاد واه عَن إِسْمَاعِيل بن الْفضل أبي عَليّ عَن عِيسَى بن
جَعْفَر عَن الثَّوْريّ بِإِسْنَادِهِ عَن بِلَال قَالَ: " أَمرنِي رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن لَا أَقرَأ خلف الإِمَام
"، قَالَ أَبُو عبد الله: وَهَذَا خبر من النَّوْع الَّذِي يَقُول أَنه لَا
يسوى سَمَاعه، فَلَو صَحَّ مثله عَن الثَّوْريّ لما خَفِي وَلما وَقع
الْخلاف فِي صِحَّته فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَن عِيسَى بن
جَعْفَر قَاضِي الرّيّ ثِقَة ثَبت لَا يحْتَمل هَذَا الدنس فالراوي عَنهُ
لَا يَخْلُو من وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون صَدُوقًا دخل لَهُ حَدِيث فِي
حَدِيث أَو كذابا وضع هَذَا الحَدِيث على عِيسَى بن جَعْفَر فَإِن عِيسَى
شيخ قديم لم يُدْرِكهُ إِسْمَاعِيل بن الْفضل، وَإِسْمَاعِيل هُوَ أَخُو
عبد الصَّمد بن الْفضل الْبَلْخِي وَهَذَا الْوَهم من الرجل الَّذِي أسقط
ذكره وَمن الرَّاوِي عَن إِسْمَاعِيل إِن لم يكن عبد من عباد الله أَحسب
فِي وَصفه نَعُوذ بِاللَّه من الْجَهْل فَإِن لم يكن الرَّاوِي صَدُوقًا
فَإِنَّهُ أَرَادَ بِإِسْنَادِهِ عَن بِلَال عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَإِن كَانَ غير ذَلِك
فَإِنَّهُ مَوْضُوع لَا يحمل ذكره وَلَا يسوى الْكَلَام عَلَيْهِ.
وَالرِّوَايَة التَّاسِعَة: لهَذَا الْخَبَر حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ.
رَوَاهُ يُوسُف بن عدي عَن عبيد الله بن عَمْرو الرقي عَن أَيُّوب عَن
(2/128)
أبي قلَابَة عَنهُ مَرْفُوعا " أتقرأون
وَالْإِمَام يقْرَأ؟ فَسَكَتُوا فَسَأَلَهُمْ ثَلَاثًا فَقَالُوا: إِنَّا
لنفعل: قَالَ: فَلَا تَفعلُوا " وَرَوَاهُ الْحسن بن زُرَيْق عَن رَجَاء بن
أبي رَجَاء عَن أبي تَوْبَة عَن عبيد الله بن عَمْرو، وَقَالَ فِيهِ " من
كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة ". وَرَوَاهُ عبد الله بن
مُحَمَّد بن يَعْقُوب عَن الْحسن بن سهل الْبَصْرِيّ عَن فطر بن صَالح عَن
شُعْبَة عَن قَتَادَة، عَن أنس مَرْفُوعا
(2/129)
أَيْضا، أما حَدِيث يُوسُف بن عدي
فَإِنَّهُ قصر بِهِ وَأسْقط لَفظه من الْخَبَر، وَقد ذكرهَا غَيره وَذكر
عَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني عَن عبد الله بن جَعْفَر الرقي
بِإِسْنَادِهِ الأول وَذكر مَعْنَاهُ وَزَاد فَلَا تَفعلُوا عَن عبيد الله،
وليقرأ أحدكُم بِفَاتِحَة الْكتاب فِي نَفسه. وَأما حَدِيث ابْن زُرَيْق،
قَالَ أَبُو عبد الله: الْحُسَيْن بن زُرَيْق ورجاء بن أبي رَجَاء لَا
نعرفهما بعدالة وَلَا جرح، وَقد خالفا كل من روى هَذَا الْخَبَر وروياه على
ضد مَا روى الثِّقَات عَن أَيُّوب فَوَجَبَ بذلك إِسْقَاط خبرهما لِأَنَّهُ
مُنكر شَاذ فَخَالف الرِّوَايَة الْأَثْبَات وَهَذَا الْخَبَر مُرْسل فِي
الأَصْل عِنْد أبي قلَابَة، وَاخْتلف النَّاس عَلَيْهِ فَرَوَاهُ عبيد الله
بن عَمْرو الرقي عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس كَمَا تقدم وَرَوَاهُ
حَمَّاد بن زِيَاد وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَحَمَّاد بن سَلمَة، وسُفْيَان
بن عُيَيْنَة وَإِسْمَاعِيل بن عَلَيْهِ عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة
مُرْسلا. وَأما حَدِيث
(2/130)
عبد الله بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب
فَإِنَّهُ كَذَّاب لَا يحْتَج بِهِ وَأما الْحسن بن سُهَيْل، وقطن بن
صَالح: فَإِنِّي رَأَيْت الْحَاكِم لَا يقف على أَمرهمَا وَقد روينَا عَن
أنس أَنه / " كَانَ يَأْمر بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام " وَذكر إِسْنَاده
فِيهِ.
وَالرِّوَايَة الْعَاشِرَة لهَذَا الْخَبَر الواهي عَن عبد الله بن عَبَّاس
مَرْفُوعا " يَكْفِيك قِرَاءَة الإِمَام خَافت أَو جهر " وَفِي رِوَايَة "
خَافت أَو قَرَأَ " قَالَ أَبُو مُوسَى الْأنْصَارِيّ قلت لِأَحْمَد بن
حَنْبَل رَحمَه الله فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا فِي الْقِرَاءَة
فَقَالَ هَذَا مُنكر وَرَوَاهُ عَاصِم بن عبد الْعَزِيز، قَالَ عَليّ بن
عمر: لَيْسَ بِالْقَوِيّ قَالَ أَبُو عبد الله: عَاصِم بن عبد الْعَزِيز بن
عَاصِم أَبُو عبد الْعَزِيز الْأَشْجَعِيّ الْغَالِب على حَدِيثه الْوَهم
وَالْخَطَأ، وَرَوَاهُ عَليّ بن كيسَان شيخ مَجْهُول وَلَا يحْتَج بِحَدِيث
المجهولين وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " اقْرَأ خلف
(2/131)
الإِمَام بِفَاتِحَة الْكتاب " وَهُوَ
إِسْنَاد صَحِيح.
وَالرِّوَايَة الْحَادِيَة عشر: لهَذَا الْخَبَر عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي
الله عَنهُ رَوَاهُ، الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، عَن زيد بن الْحباب
عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة عَن كثير عَن أبي
الدَّرْدَاء، قَالَ سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - أَفِي الصَّلَاة قِرَاءَة؟ قَالَ: نعم فَقَالَ رجل وَجَبت وَكنت أدنى
الْقَوْم إِلَيْهِ فَقَالَ: وَذكر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " مَا أرى الرجل إِذا أم الْقَوْم إِلَّا قد كفاهم " قَالَ
أَبُو عبد الله: فِي متن هَذَا الْخَبَر وهم من الرَّاوِي فِي قَوْله: "
مَا أرى الإِمَام " فَإِنَّهُ من قَول أبي الدَّرْدَاء وَزيد بن الْحباب
حدث بِهَذَا الحَدِيث مرَّتَيْنِ حفظ مرّة هَذِه اللَّفْظَة عَن أبي
الدَّرْدَاء، وَوهم فِي رَفعه مرّة هَكَذَا. رَوَاهُ الْفضل بن أبي حسان
وَمُحَمّد بن أشكاب عَن زيد من قَول أبي الدَّرْدَاء وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
(2/132)
عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الإِمَام عَن
مُحَمَّد بن صَالح وَذكر إِسْنَاده فَذكره بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ،
فَقَالَ رجل: وَجَبت، وَجَبت، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء " مَا أرى
الإِمَام إِذا أم الْقَوْم إِلَّا قد كفاهم " قَالَ يحيى بن معِين: عبد
الرَّحْمَن بن مهْدي أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث، وَقد تَابعه على
ذَلِك عَن مُعَاوِيَة عبد الله بن وهب قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله:
وَقد رُوِيَ من وَجه آخر وَذكر إِسْنَاده عَن مُعَاوِيَة بن يحيى
الصَّدَفِي بِمَعْنى الأول مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: مُعَاوِيَة بن يحيى لَا
يحْتَج بِهِ وَقد روينَا عَن أبي الدَّرْدَاء مَا يُخَالِفهُ قَالَ " لَو
أدْركْت الإِمَام وَهُوَ رَاكِع لأحببت أَن أَقرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب ".
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عشرَة لهَذَا الْخَبَر الواهي: رَوَاهُ عَن
مُحَمَّد بن إِسْحَق الأندلسي قَالَ: هُوَ الْعُكَّاشِي عَن مَالك بن أنس
عَن
(2/133)
يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن ابْن
الْمسيب عَن النواس بن سمْعَان. وَذكر حَدِيثا مَرْفُوعا وَفِيه قَالَ "
فَلَا تفعل من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة " قَالَ:
وَمُحَمّد بن إِسْحَق هَذَا كَذَّاب يضع الحَدِيث على الْأَوْزَاعِيّ
وَغَيره من الْأَئِمَّة لَا يحل ذكره إِلَّا على سَبِيل الْقدح فِيهِ
وَرُوِيَ عَن أبي حَاتِم الرَّازِيّ إِسْنَاده عَن جَابر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الإِمَام ضَامِن
فَمَا يصنع فَاصْنَعُوا " قَالَ أَبُو حَاتِم هَذَا صَحِيح لمن قَالَ
بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام وَرُوِيَ عَن نفر من أَصْحَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم خَوات بن جُبَير " لَا
صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة وَلَو بِأم الْقُرْآن " وَعَن أبي هُرَيْرَة
وَعَائِشَة " أَنَّهُمَا كَانَا يأمران بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام فِي
الظّهْر وَالْعصر فِي الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وَشَيْء من الْقُرْآن
". وَكَانَت عَائِشَة تَقول " يقْرَأ فِي
(2/134)
الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب "
وَرويت الْقِرَاءَة خلف الإِمَام عَن هِشَام بن عَامر وَعَن عبد الله بن
مُغفل وَأما حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن ابْن أكيمَة اللَّيْثِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة وَذكر قرائتهم مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة وَأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ " إِنِّي أَقُول مَا لي أنازع الْقُرْآن "، قَالَ:
فَانْتهى النَّاس عَن الْقِرَاءَة مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا جهر فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْقِرَاءَةِ من الصَّلَوَات حِين سمعُوا ذَلِك من
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَإِلَى هَذَا ذهب
الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم ثمَّ رَجَعَ عَنهُ فِي
الْجَدِيد فَأوجب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فِيمَا جهر فِيهِ الإِمَام
وَأسر. وَابْن أكيمَة مَجْهُول وَقَوله فَانْتهى النَّاس عَن الْقِرَاءَة
فِيمَا جهر فِيهِ قَالَ: الزُّهْرِيّ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ فميزه من قَول
أبي هُرَيْرَة وَجعله من قَول الزُّهْرِيّ وَالَّذِي يدل على صِحَة
(2/135)
ذَلِك أَنا قد روينَا عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه كَانَ يَأْمر بِالْقِرَاءَةِ خلف / الإِمَام فِيمَا جهر وَأسر وروينا
عَن عبَادَة بن الصَّامِت فِي مثل الْقِصَّة الَّتِي رَوَاهَا ابْن أكيمَة
بَيَان مَا نهى عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
من الْقِرَاءَة وَمَا أَمر بِهِ مِنْهَا فَقَالَ " لَا تَفعلُوا " يَعْنِي
الْجَهْر وَمَا زَاد على الْفَاتِحَة؟ وليقرأ بِفَاتِحَة الْكتاب لِأَنَّهُ
لَا صَلَاة إِلَّا بهَا " قَالَ وَقد مضى حَدِيثه وشواهده وَذكرنَا سَائِر
شواهده فِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
مَسْأَلَة (86) :
ويقنت فِي صَلَاة الصُّبْح بعد الرُّكُوع من الرَّكْعَة الثَّانِيَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره الْقُنُوت فِيهَا، عَن أبي هُرَيْرَة أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لما رفع رَأسه من
الرَّكْعَة الثَّانِيَة من الصُّبْح قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن
(2/136)
الْوَلِيد " الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ
وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وَرُوِيَ عَن أبي سَلمَة عَنهُ أَنه قَالَ " وَالله
لأَنا أقربكم بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة " يقنت فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من صَلَاة
الصُّبْح بَعْدَمَا يَقُول سمع الله لمن حَمده فيدعو للْمُؤْمِنين ويلعن
الْكفَّار " وَعند البُخَارِيّ وَمُسلم عَن مُحَمَّد عَن أنس " أَنه سُئِلَ
هَل قنت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة
الصُّبْح؟ فَقَالَ: نعم، فَقيل لَهُ قبل الرُّكُوع أَو بعد الرُّكُوع،
قَالَ: بعد الرُّكُوع " وَعند مُسلم عَن الْبَراء أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقنت فِي الصُّبْح وَالْمغْرب "
وَعِنْده عَن خفاف بن إِيمَاء بن رحضه الْغِفَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الصُّبْح "
اللَّهُمَّ الْعَن بني لحيان " الحَدِيث وَرُوِيَ عَن الرّبيع بن أنس عَن
أنس قَالَ: " مَا زَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا ". قَالَ أَبُو
(2/137)
عبد الله الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح
فَإِن رُوَاته كلهم ثِقَات، وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرعه، عَن
الرّبيع صَدُوق ثِقَة وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن
مَسْعُود وَجَابِر بن عبد الله وعمار وَحُذَيْفَة بن أسيد الْغِفَارِيّ
وَعَائِشَة بنت الصّديق رَضِي الله عَنْهُم " أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قنت فِي صَلَاة الصُّبْح "، وروينا ذَلِك
عَن أبي بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب وَعُثْمَان وَعلي وَأبي هُرَيْرَة
والبراء رَضِي الله عَنْهُم وَذكر بعض أَسَانِيد ذَلِك ثمَّ قَالَ ودليلهم
فِي الْمَسْأَلَة حَدِيث أبي عَاصِم الْأَحول قَالَ: " سَأَلت أنسا عَن
الْقُنُوت قبل الرُّكُوع قَالَ: إِنَّمَا قنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شهرا يَدْعُو على أنَاس قتلوا أُنَاسًا من أَصْحَابه
يُقَال لَهُم الْقُرَّاء " رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح وَرَوَاهُ قَتَادَة
عَن أنس أَن
(2/138)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " قنت شهرا يَدْعُو على أَحيَاء من أَحيَاء الْعَرَب ثمَّ
تَركه ".
قُلْنَا هَذَا حَدِيث لَا شكّ بِصِحَّتِهِ إِلَّا أَنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ترك الدُّعَاء عَلَيْهِم واللعن وَلم يتْرك
الْقُنُوت أصلا أَو تَركه فِي سَائِر الصَّلَوَات دون صَلَاة الصُّبْح
بِدَلِيل مَا روينَا عَن أنس فِي أخباره عَن دوَام فعله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِك إِلَى أَن فَارق الدُّنْيَا، وروينا عَن
الْخُلَفَاء الرَّاشِدين ثمَّ عَن أبي هُرَيْرَة والبراء أَنهم قنتوا فِي
صَلَاة الصُّبْح، وَلَو كَانَ متروكا لما بقوا. وَرُوِيَ أَنه كَانَ يقنت
فيدعو لعباس وَسلمهُ والوليد، وعَلى مُضر فَأنْزل الله عز وَجل {لَيْسَ لَك
من الْأَمر شَيْء} . وَعند مُسلم عَن أنس أَنَّهَا إِنَّمَا نزلت حِين
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم أحد " كَيفَ يفلح قوم
شجوا نَبِيّهم فكسروا رباعيته وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله ".
وَفِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر قَالَ " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة
(2/139)
الصُّبْح يَوْم أحد فَلَمَّا رفع رَأسه من
الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَالَ سمع الله لمن حَمده قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَن
فَذكر جمَاعَة من الْكفَّار فَنزلت {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} وَقتل
أهل بِئْر مَعُونَة إِنَّمَا كَانَ بعد أحد، فَلَو كَانَت الْآيَة ناسخة
للقنوت لم يعد إِلَيْهِ بعد النّسخ وَالله أعلم، وروى بشر بن حَرْب الندبي
قَالَ " سَمِعت ابْن عمر يَقُول: " أَرَأَيْتُم قيامكم بعد فرَاغ الْقَارئ
من السُّورَة هَذَا الْقُنُوت وَالله إِنَّهَا لبدعة مَا فعله رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا شهرا وَاحِدًا ثمَّ تَركه
". بشر بن حَرْب مَتْرُوك الحَدِيث، وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر مَا رَوَاهُ
أَبُو الشعْثَاء وَأَبُو الْأسود وَأَبُو مجلز أَنه كَانَ لَا يرى
الْقُنُوت، وَقَالَ مَا أحفظه، عَن
(2/140)
أحد من أَصْحَابنَا قَالَ: وَهَذِه سنة
خفيت على ابْن عمر كَمَا خَفِي بعض السّنَن على بعض الصَّحَابَة وحفظها
غَيرهم وَالْقَوْل فِي ذَلِك قَول من يثبت ويحفظ لَا قَول من لَا يحفظه
وَإِن صَحَّ مَا روى بشر فَلَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ أنكر الْقُنُوت قبل
الرُّكُوع ومذهبنا بِخِلَافِهِ.
وَرُوِيَ فِي ذَلِك أَيْضا عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ وَهُوَ مِمَّا
ذكرنَا أَن الْحَاكِم لقَوْل من يسمع دون من لَا يعلم / وأصل قَوْلنَا
وَقَوْلهمْ أَن طَارق بن أَشْيَم الْأَشْجَعِيّ وَغَيره وَإِن كَانَ قد صحب
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لم يعلم سنة عَملهَا
غَيره فَعَلَيهِ وعَلى جَمِيع الْمُسلمين قبُوله فَهَذَا خَليفَة رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أمته من بعده لم يسمع من
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مِيرَاث الْجدّة
حَتَّى أخبرهُ الْمُغيرَة بذلك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقبله وَقضى بِهِ فَكيف طَارق بن أَشْيَم فَإِن استدلوا
بِمَا روى مُحَمَّد بن يعلى عَن عَنْبَسَة بن
(2/141)
عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن نَافِع عَن
أَبِيه عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا " نهى عَن الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح
". قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث بَاطِل من أوجه مِنْهَا أَن
مُحَمَّد بن يعلى وعنبسة وَابْن نَافِع غير مُحْتَج بِحَدِيث وَاحِد
مِنْهُم، وَمِنْهَا أَن نَافِعًا لم يسمع من أم سلمه، وَقد صحت الرِّوَايَة
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قنت فِي صَلَاة
الصُّبْح، وَقَالَ على ابْن عمر فِي بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: وَقَالَ هياج:
عَن عَنْبَسَة عَن ابْن نَافِع عَن أَبِيه عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَذَا. وَصفيه لم تدْرك
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ابْن معِين عبد
الله بن نَافِع ضَعِيف وَإِن استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود فِي
إِنْكَار الْقُنُوت عَن
(2/142)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -. قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث ينْفَرد بِهِ مُحَمَّد
بن جَابر السحيمي مَتْرُوك الحَدِيث بمره، وَقد صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود
رَضِي الله عَنهُ خلاف هَذَا وَإِن استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس بِأَنَّهُ بِدعَة فَإِنَّهُ لَا يثبت وَعبد الله
بن ميسرَة رَاوِيه يُقَال لَهُ أَبُو ليلى وَيُقَال أَبُو إِسْحَاق
الْكُوفِي، وَيُقَال أَبُو عبد الْجَلِيل وَهُوَ ضَعِيف جدا لَا يحل
الِاحْتِجَاج بِهِ وَالدَّلِيل على بطلَان هَذَا أَنا قد روينَا عَن ابْن
عَبَّاس بِخِلَاف هَذَا.
مَسْأَلَة (87) :
وَالْمُخْتَار من التَّشَهُّد قَول التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات
الطَّيِّبَات لله. كَذَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس. وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
الْمُخْتَار قَوْله " التَّحِيَّات لله والصلوات " كَذَا رَوَاهُ ابْن
مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم عَن
(2/143)
سعيد بن جُبَير وَطَاوُس عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا الْقُرْآن وَكَانَ يَقُول: "
التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله السَّلَام عَلَيْك
أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد
الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا
رَسُول الله " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح. وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود ذكر
مَا كَانُوا يَقُولُونَ؛ قَالَ: فسمعنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " إِن الله هُوَ السَّلَام فَإِذا جلس
أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلْيقل التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات
السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام
علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين فَإِذا قَالَهَا أَصَابَت كل عبد صَالح
فِي السَّمَاء وَالْأَرْض أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ يتَخَيَّر بعد من الدُّعَاء مَا شَاءَ "،
أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح.
فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَإِن أَصْحَابنَا رَضِي الله عَنْهُم
أخرجُوا مَعَاني حسانا لاختيار إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تشهد
ابْن عَبَّاس وَالَّذِي عِنْدِي أَنه إِنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَن إِسْنَاده
إِسْنَاد حجازي وَإسْنَاد حَدِيث عبد الله إِسْنَاد كُوفِي وَمهما وجد
أَئِمَّتنَا المتقدمون من أهل الْمَدِينَة للْحَدِيث طَرِيقا بالحجاز فَلَا
يحتجون بِحَدِيث يكون مخرجه من الْكُوفَة. أخبرنَا بِصِحَّة ذَلِك أَبُو
عبد الله وَذكر إِسْنَاده إِلَى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ لي
الشَّافِعِي: مَا أَتَاك من هَا هُنَا - وَأَشَارَ إِلَى الطّرق -
(2/144)
لَا يكون هَهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى
الْحجاز أَو إِلَى الْمَدِينَة - فَلَا نعتد بِهِ، وَعنهُ قَالَ: قَالَ
الشَّافِعِي فِي شَيْء ناظرته فِيهِ: وَالله مَا أَقُول لَك إِلَّا نصحا
إِذا وجدت أهل الْمَدِينَة على شَيْء فَلَا يدخلن قَلْبك شكّ أَنه حق
وَكلما جَاءَك وَإِن صَحَّ وَقَوي كل الْقُوَّة لم تَجِد لَهُ
بِالْمَدِينَةِ أصلا فَإِنَّهُ ضعف وَلَا تعبأ بِهِ وَلَا تلْتَفت
إِلَيْهِ.
وَهَذَا إِنَّمَا قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لما علم من مَذْهَب
أهل الْكُوفَة فِي أَخذهم الحَدِيث عَن كل ضرب التَّدْلِيس لما لم يسمعوا
أَو سمعُوا من مَجْهُول أَو مطعون فِيهِ وَهَذَا أَبُو إِسْحَق السبيعِي
يَقُول لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة حَدثنَا وَلَكِن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود
عَن أَبِيه، وَهَذَا إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يَقُول قَالَ عبد الله فِي
أَحَادِيث سَمعهَا من أَقوام مجهولين وَكَذَلِكَ الْأَعْمَش فَمن بعدهمْ
وَذكر من ذَلِك طرقا ثمَّ قَالَ فاستحب الشَّافِعِي رَحمَه الله الرُّجُوع
إِلَى حَدِيث يكون مخرجه الْحجاز ومجانبة أَحَادِيث أهل الْكُوفَة لما
خَافَ من مَذْهَبهم فِي التَّدْلِيس وَالله أعلم / وَقد رَجَعَ الشَّافِعِي
رَحمَه الله إِلَى قبُول رِوَايَة الثِّقَات من أهل الْحجاز وَمن أهل
الْعرَاق مَعَ تَرْجِيح رِوَايَة أهل الْحجاز فِي مَوضِع آخر، وَجوز
الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْإِتْيَان بِكُل تشهد رُوِيَ عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأشاد إِلَى رِوَايَة ابْن
مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَجَابِر وَذكر تشهد عمر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة
رَضِي الله عَنْهُم وَاخْتَارَ رِوَايَة ابْن عَبَّاس لِأَنَّهُ أكملها
وَفِيه زِيَادَة المباركات وَالله أعلم.
(2/145)
مَسْأَلَة (88) :
لم يذكرهَا الإِمَام، وَمَا جَازَ للْإِمَام أَن يَدْعُو فِي غير الصَّلَاة
جَازَ لَهُ أَن يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ
لَهُ ذَلِك إِلَّا مَا ورد بِهِ الْقُرْآن من الدُّعَاء، دليلنا من طَرِيق
الْخَبَر حَدِيث ابْن مَسْعُود الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد وَقَالَ فِي آخِره:
" ثمَّ يستخير أحدكُم من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو بِهِ " وَعند
مُسلم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- " فَأَنا نهيت أَن أَقرَأ رَاكِعا أَو سَاجِدا فَأَما الرُّكُوع
فَعَظمُوا الرب فِيهِ وَأما السُّجُود فاجتهدوا من الدُّعَاء فقمن أَن
يُسْتَجَاب لكم ". وَعِنْده عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " أقرب مَا يكون العَبْد من ربه
وَهُوَ ساجد فَأَكْثرُوا الدُّعَاء " وَعنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا فرغ أحدكُم من التَّشَهُّد فليعوذ
بِاللَّه من
(2/146)
أَربع: من عَذَاب جَهَنَّم، وَمن عَذَاب
الْقَبْر، وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال
ثمَّ ليَدع لنَفسِهِ مَا بدا لَهُ ". أخرج أَوله مُسلم فِي الصَّحِيح
وَهَذِه الزِّيَادَة أَيْضا صَحِيحه فَإِن الْوَلِيد بن يزِيد ثِقَة
وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، كَيفَ وَقد تَابعه على ذَلِك
جمَاعَة وَرُوِيَ عَن أبي رَافع أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " سلوا الله حَوَائِجكُمْ الْبَتَّةَ فِي صَلَاة
الصُّبْح " وَقد بَقِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَحَادِيث تركتهَا اختصارا.
مَسْأَلَة (89) :
وَمن ذكر صَلَاة وَهُوَ فِي فَرِيضَة الْوَقْت أتمهَا ثمَّ قضى مَا تذكر
سَوَاء كَانَ الْوَقْت متسعا أَو ضيقا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ أَن
يبْدَأ بالفائتة مَا لم يزدْ على صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة إِذا كَانَ
الْوَقْت موسعا، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا روينَا فِي حَدِيث
أَوْقَات الصَّلَوَات مَا بَين هذَيْن وَقت للصَّلَاة وَقد صلاهَا فِي
وَقتهَا فَلَا يلْزمه الْإِعَادَة بِأَن ذكر فَائِتَة وَيُمكن أَن يسْتَدلّ
بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أتيتم الصَّلَاة فَلَا تأتوها تسعون وأتوها
تمشون وَعَلَيْكُم السكينَة فصلوا مَا أدركتم ثمَّ اقضوا مَا فاتكم " أخرجه
مُسلم فِي الصَّحِيح وَهَذَا وَإِن ورد فِي صَلَاة الْمَسْبُوق، فَهَذَا
اللَّفْظ إِن كَانَ قد
(2/147)
حفظه سُفْيَان فَهُوَ عَام يتَنَاوَل
صَلَاة الْمَسْبُوق وَالَّذِي أَدْرَكته صَلَاة الْفَرِيضَة وَعَلِيهِ
فَائِتَة وَرُبمَا استدلوا بِحَدِيث يرد عَن ابْن عمر، قَالَه الْحَاكِم
أَبُو عبد الله، قَالَ مُوسَى بن هَارُون، وحدثناه أَبُو إِبْرَاهِيم
الترجماني رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَوهم فِي رَفعه فَإِن كَانَ قد رَجَعَ عَن رَفعه فقد وفْق للصَّوَاب
وَلَفْظَة هَذَا الْأَثر قَالَ: " من نسي صَلَاة فَلم يذكرهَا إِلَّا
وَهُوَ مَعَ الإِمَام فَليصل مَعَ الإِمَام فَإِذا فرغ من صلَاته فليعد
الصَّلَاة الَّتِي نسي ثمَّ ليعد الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا مَعَ الإِمَام "
قَالَ ثمَّ يُعَارضهُ مَا أخبرنَا وَذكره إِسْنَادًا عَن ابْن عَبَّاس
مَرْفُوعا " إِذا نسي أحدكُم صَلَاة فَذكرهَا وَهُوَ فِي صَلَاة مَكْتُوبَة
فليبدأ بِالَّتِي هُوَ فِيهَا فَإِذا فرغ مِنْهَا صلى الَّتِي نسي ".
وَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيح عَن جَابر قَالَ: " جَاءَ عمر رَضِي الله عَنهُ
إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الخَنْدَق
فَجعل يسب كفار قُرَيْش وَيَقُول يَا رَسُول الله: مَا صليت صَلَاة
الْعَصْر حَتَّى كَادَت أَن تغيب فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا وَالله مَا صليتها بعد قَالَ: فَنزل إِلَى
بطحان
(2/148)
وَتَوَضَّأ وَصلى الْعَصْر بعد مَا غَابَتْ
الشَّمْس ثمَّ صلى الْمغرب بعْدهَا، وَلَيْسَ أَنه صلى الْمغرب قبل
الْعَصْر ثمَّ يقضها بعد فَرَاغه من الْعَصْر ".
وَعند مُسلم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْأَحْزَاب " شغلونا عَن الصَّلَاة
الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَار " ثمَّ صلاهَا
بَين العشائين بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَيحْتَمل أَن يكون مَا رُوِيَ فِي
حَدِيث جَابر فعله فِي يَوْم وَالَّذِي فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ
فعله فِي يَوْم آخر وَالله أعلم. وَفِي الْمَسْأَلَة طَريقَة أُخْرَى وَهِي
أَن ندل على سَعَة وَقت الْقَضَاء بِمَا أخبرنَا وَذكر إِسْنَادًا عَن
عمرَان بن حُصَيْن " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كَانَ فِي سفر فَنَامَ عَن الصُّبْح حَتَّى طلعت الشَّمْس فَأمر بِلَالًا
فَأذن فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْتظر حَتَّى انْتَقَلت الشَّمْس ثمَّ أمره
فَأَقَامَ فصلى بهم " وَعَن أبي هُرَيْرَة: قَالَ: عرسنا مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى طلعت
الشَّمْس فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
ليَأْخُذ كل رجل / رَأس رَاحِلَته فَإِن هَذَا منزل حَضَرنَا فِيهِ
الشَّيْطَان فَفَعَلْنَا ثمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأ ثمَّ سجد
سَجْدَتَيْنِ ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فصلى الْغَدَاة " وَرَوَاهُ مُسلم
فِي الصَّحِيح. وَرُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذِه
الْقِصَّة وَزَاد فَقَالَ فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قَالَ " من نسي الصَّلَاة
فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله عز وَجل قَالَ {وأقم الصَّلَاة لذكري}
وَأما الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " من
(2/149)
نسي صَلَاة فوقتها إِذا ذكرهَا " كَذَا
رَوَاهُ حَفْص بن عمر بن أبي العطاف وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، قَالَه
البُخَارِيّ وَغَيره وَالصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة وَغَيره مَا ذكرنَا
لَيْسَ فِيهِ فوقتها إِذا ذكرهَا وَإِذا كَانَ وَقت الْقَضَاء موسعا لما
روينَا عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي قَتَادَة فَلم لَا يجوز تَأْخِيرهَا لتقديم
صَلَاة أُخْرَى عَلَيْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَتَأْخِير النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقَضَاء صَلَاة الصُّبْح لم يكن لتحل
الصَّلَاة بذهاب وَقت الْكَرَاهَة فَإِنَّمَا استيقظوا بَعْدَمَا طلعت
الشَّمْس وَذهب وَقت الْكَرَاهَة وَحُضُور الشَّيْطَان لَا يمْنَع
الصَّلَاة فقد خنق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
صلَاته شَيْطَانا وَلَوْلَا سَعَة وَقت الْقَضَاء لما أَخّرهُ بِحُضُور
الشَّيْطَان، وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (90) :
وللمصلي أَن يسبح فِي دفع الْمَار بَين يَدَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن
فعل ذَلِك بطلت صلَاته، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن
(2/150)
أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " التَّسْبِيح فِي الصَّلَاة
للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَعَن سهل بن
سعد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف ليصلح بَينهم وَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِي
آخِره فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا
لي أَرَاكُم أَكثرْتُم التصفيق؟ من يَأْته شَيْء فِي صلَاته، فليسبح،
فَإِنَّهُ إِذا سبح الْتفت إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء " أخرجه
البُخَارِيّ وَمُسلم وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا استؤذن على الرجل
وَهُوَ يُصَلِّي فإذنه التَّسْبِيح وَإِذا استؤذن على الْمَرْأَة وَهِي
تصلي فإذنها التصفيق " رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَن آخِرهم ثِقَات.
مَسْأَلَة (91) :
والسرة عندنَا لَيست بِعَوْرَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّهَا عَورَة لنا
مَا رُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ "
وَإِذا زوج أحدكُم عَبده أَو أمته أَو أجيره فَلَا تنظر الْأمة إِلَى شَيْء
من عَوْرَته فَإِن مَا تَحت السُّرَّة إِلَى ركبته
(2/151)
للعورة " وَمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه قبل سرة الْحسن وَالْحُسَيْن بعد رفع قَمِيصه عَنْهُمَا وَذكر أَنه
رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلهَا مِنْهُ
احْتَجُّوا بِحَدِيث عَن ابْن جريج عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " السُّرَّة من الْعَوْرَة " وَهَذَا لَا تقوم بِهِ حجَّة
لانقطاعه عَمَّا دون التَّابِعين وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (92) :
وَإِذا سلم على الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ يرد على الْإِشَارَة وَلَا يتَكَلَّم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يرد. عِنْد أبي دَاوُد عَن ابْن عمر عَن صُهَيْب
أَنه قَالَ: " مَرَرْت برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- وَهُوَ يُصَلِّي، فَسلمت عَلَيْهِ، فَرد إِشَارَة: قَالَ: وَلَا أعلمهُ
إِلَّا قَالَ: " ورد إِشَارَة بِأُصْبُعِهِ " وَرُوِيَ عَن ابْن عمر " فِي
رد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْأَنْصَار
حِين سلمُوا عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ " فِي رِوَايَة بقباء وَأخْبر بذلك
بِلَال وَفِي أُخْرَى فِي مَسْجِد بني عَمْرو بن عَوْف، وَأَخْبرنِي بذلك
صُهَيْب وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه سلم على رجل وَهُوَ يُصَلِّي فَرد
عَلَيْهِ الرجل كلَاما فَقَالَ إِذا سلم على أحدكُم
(2/152)
وَهُوَ يُصَلِّي فَلَا يتَكَلَّم " وَلَكِن
يُشِير بِيَدِهِ ".
مَسْأَلَة (93) :
وَإِذا انكشفت من عَورَة الرجل، وَهِي: مَا بَين السُّرَّة والركبتين،
وَالْمَرْأَة الحره، وَهِي: جَمِيع بدنهَا غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ
شَيْء وَإِن قل لم يجزهما صلاتهما، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا انكشفت من
الْعَوْرَة المخففة وَهِي مَا عدا الْقبل والدبر من الرجل أقل من ربع
الْعُضْو، وَمن الْعَوْرَة الْمُغَلَّظَة قدر دِرْهَم فَمَا دونه صحت
صلاتهما، روى مَالك عَن أبي النَّضر مولى ابْن عمر بن عبيد الله عَن زرْعَة
بن عبد الرَّحْمَن بن جرهد الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه أَن جرهد كَانَ من أهل
الصّفة قَالَ " جلس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وفخذي منكشفه: وَقَالَ: خمر عَلَيْك أَو مَا علمت: أَن الْفَخْذ عَورَة "
لفظ أبي أويس عَن مَالك
(2/153)
وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ القعْنبِي وَفِي
رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن
بن جرهد عَن أَبِيه وَكَانَ من أَصْحَاب الصّفة أَنه قَالَ: " جلس رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عندنَا فَرَأى فَخذي منكشفه
وَالْبَاقِي سَوَاء " وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ أبي بكير وَجَمَاعَة عَن مَالك
وَرُوِيَ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن جرهد عَن أَبِيه
" أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر عَلَيْهِ وَهُوَ
كاشف فَخذه فَقَالَ غطها فَإِنَّهَا من الْعَوْرَة " وَرُوِيَ عَن /
مُحَمَّد بن عبد الله بن جحش أَنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمر على معمر وَهُوَ جَالس عِنْد دَاره
بِالسوقِ وفخذاه مكشوفتان، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " يَا معمر غط فخذيك فَإِن الفخذين عَورَة ". وَعَن عبد الله
بن جَعْفَر سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول: " مَا بَين السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة عَورَة " وَعَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
الْفَخْذ عَورَة " وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة حَدِيث ابْن
عَبَّاس، وجرهد
(2/154)
وَابْن جحش بِلَا إِسْنَاد وَهَذِه
أَسَانِيد صَحِيحه يحْتَج بهَا، وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ دخل عليّ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا كاشف فَخذي
فَقَالَ: يَا عَليّ غط فخذيك فَإِنَّهَا من الْعَوْرَة ".
وَلَا يَصح احتجاجهم بِقصَّة عُثْمَان وكشف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن فَخذيهِ أَو سَاقيه حَتَّى دخل فَإِنَّهُ
مَشْكُوك فِيهِ، وَرُوِيَ من تِلْكَ الْقِصَّة أَنه كَانَ وضع ثَوْبه بَين
فَخذيهِ فَلَمَّا دخل عُثْمَان أَخذ ثَوْبه فتجلله وَكَانَ أَخذ بِطرف
ثَوْبه بَين فَخذيهِ وَإِنَّمَا ينْكَشف بذلك ركبتاه فِي الْغَالِب دون
فَخذه. وَقد روى أَبُو مُوسَى أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " كَانَ فِي مَكَان فِيهِ مَاء قد كشف عَن رُكْبَتَيْهِ،
فَلَمَّا أقبل عُثْمَان غطاهما " وَالَّذِي روى عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب
عَن أنس " فِي قصَّة خَيْبَر ودخوله فِي زقاق خَيْبَر وَأَن ركبته لتمس
فَخذ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "، قَالَ أنس:
ثمَّ حسر الْإِزَار عَن فَخذه حَتَّى " أَنِّي لأنظر إِلَى بَيَاض فَخذ
نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَالَ لَا حجَّة
لَهُم فِيهِ فَإِن انحسار الْإِزَار عَن فَخذيهِ لم يكن بِقَصْدِهِ
وَإِنَّمَا حصره ضيق الزقاق. وَقد رَوَاهُ حميد عَن أنس فَقَالَ: فِي
إِحْدَى
(2/155)
الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ " أَن ركبتي لتمس
ركبة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلم يذكر انكشاف
الْفَخْذ " وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " وَأَن قدمي لتمس قدم رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلم يذكر انكشاف الْفَخْذ
".
مَسْأَلَة (94) :
وعورة الْحرَّة جَمِيع بدنهَا غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ قَالَ أَبُو
حنيفَة: غير الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَالرّجلَيْنِ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ وَعنهُ فِي الْعَضُد رِوَايَتَانِ: قَالَ فَإِن انْكَشَفَ من
عورتها أقل من ربع الْعُضْو صحت صلَاتهَا، وَرُوِيَ عَن أم سَلمَة رَضِي
الله عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - " أَتُصَلِّي الْمَرْأَة فِي درع وخمار لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَار،
فَقَالَ: إِذا كَانَ الدرْع سابغا يُغطي ظُهُور قدميها " وَعند أبي دَاوُد
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله
عَنْهَا دخلت على
(2/156)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " يَا أَسمَاء إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض
لم يصلح أَن يرى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجهه وكفيه
"، قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا مُرْسل، خَالِد بن دريك لم يدْرك عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس " وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا
مَا ظهر مِنْهَا ". قَالَ: مَا فِي الْكَفّ وَالْوَجْه، وَعَن أنس: " وَلَا
يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا قَالَ: الْكحل والخاتم.
مَسْأَلَة (95) :
وَكَلَام الْمُخطئ وَالنَّاسِي وَالْجَاهِل: بِتَحْرِيمِهِ فِي الصَّلَاة
لَا يقطع الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقطعهَا، دليلنا من طَرِيق
الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف من اثْنَتَيْنِ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ
أقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول الله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصدق ذُو الْيَدَيْنِ. فَقَالَ النَّاس:
نعم، فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى
اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول،
ثمَّ رفع ثمَّ
(2/157)
كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع
" أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَقَول النَّاس: نعم، لم يقْدَح
فِي صلَاتهم لأَنهم قَالُوا جَوَابا لسؤال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإجابتهم كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِم فِي الصَّلَاة
وَغَيرهَا. وَذكر حَدِيث أبي سعيد بن الْمُعَلَّى لما دَعَاهُ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة " وَفِيه من
قَول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ألم يَقُول الله
عز وَجل " {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا
دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ} وَرُوِيَ حَدِيث ذُو الْيَدَيْنِ عَن ابْن عمر
وَعمْرَان بن حُصَيْن، وَرُوِيَ عَن عَطاء قَالَ: صلى بِنَا ابْن الزبير
صَلَاة الْمغرب فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَامَ إِلَى الْحجر يستلمه
فسبحنا، فَالْتَفت إِلَيْنَا فَقَالَ مَا أتممنا الصَّلَاة فَقُلْنَا
برؤسنا: سُبْحَانَ الله أَي لَا؟ فَرجع فصلى الرَّكْعَة الثَّالِثَة، ثمَّ
سلم، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قَالَ عَطاء فَلم أدر من ذَلِك.
فَخرجت من فوري حَتَّى أَدخل على ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته بصنيعه فَقَالَ:
مَا أَن عَن سنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
(2/158)
وَذكر حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم
السّلمِيّ قَالَ: قلت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَذكر الحَدِيث وَقَالَ: بَينا أَنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة إِذْ عطس رجل من الْقَوْم. فَقلت:
يَرْحَمك الله. قَالَ: فحذفني الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ / قَالَ: فَقلت:
واثكل أمِّياه مالكم تنْظرُون إِلَيّ؟ فَضرب الْقَوْم بِأَيْدِيهِم على
أَفْخَاذهم، فَلَمَّا رَأَيْتهمْ يسكتوني لكَي أسكت. فَلَمَّا انْصَرف
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَاني فبأبي هُوَ
وَأمي، مَا رَأَيْت معلما قبله وَلَا بعده أحسن تَعْلِيما مِنْهُ: وَالله
مَا ضَرَبَنِي وَلَا كَهَرَنِي وَلَا سبني، فَقَالَ: " إِن صَلَاتنَا هَذِه
لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح
وَالتَّكْبِير وتلاوة الْقُرْآن " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح، وَفِيه
دَلِيل على أَن كَلَام الْجَاهِل بِتَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة، لَا
يُبْطِلهَا إِذْ لم يَأْمُرهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بِإِعَادَة الصَّلَاة وَرُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ:
كَانَ إِسْلَام مُعَاوِيَة بن الحكم فِي آخر الْأَمر فَلم يَأْمُرهُ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِعَادَة الصَّلَاة فَمن
تكلم فِي صلَاته جَاهِلا أَو سَاهِيا مَضَت صلَاته وَمن تكلم عَامِدًا
اسْتَأْنف الصَّلَاة.
(2/159)
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله تجَاوز عَن
أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ " إِسْنَاده
مُسْتَقِيم، وَرُوَاته ثِقَات، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث عبد الله قَالَ "
كُنَّا نسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
الصَّلَاة. فَيرد علينا. فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ، سلمنَا
عَلَيْهِ فَلم يرد علينا. فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كُنَّا نسلم عَلَيْك
فَترد علينا قَالَ: إِن فِي الصَّلَاة شغلا " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم
وَذكره من وَجه آخر بِمَعْنَاهُ وَفِيه فَقَالَ " إِن الله عز وَجل يحدث من
أمره مَا شَاءَ وَإِن مِمَّا أحدث أَن لَا تكلمُوا فِي الصَّلَاة وَهَذَا
ورد فِي الْعمد ثمَّ إِنَّه كَانَ قبل هِجْرَة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْمَدِينَة وقصة ذِي الْيَدَيْنِ
بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة كَانَ بعد الْهِجْرَة وَأَبُو هُرَيْرَة من
آخِرهم إسلاما قَالَ: صَحِبت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ثَلَاث سِنِين فَصَارَ كَلَام النَّاسِي والمخطئ مُسْتَثْنى
عَن الْخَبَر الأول وَالله أعلم، عَن زيد بن أَرقم قَالَ: كُنَّا نتكلم فِي
(2/160)
الصَّلَاة، يكلم أَحَدنَا صَاحبه
بِالْحَاجةِ حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {حَافظُوا على الصَّلَوَات والصلوة
الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ (238) } فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ
حِينَئِذٍ، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح.
وَقد رَوَاهُ جمَاعَة وَقَالَ بَعضهم فِيهِ كَانَ الرجل يكلم صَاحبه لم
ينْسبهُ إِلَى نَفسه ثمَّ إِن زيدا كَانَ من مُتَقَدِّمي الْأَنْصَار
إسلاما فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا فِي ابْتِدَاء الْهِجْرَة، وَيحْتَمل أَن
يكون التَّحْرِيم ثَابتا من الْوَقْت الَّذِي ذكر ابْن مَسْعُود ثمَّ وَردت
الْآيَة على وفَاق ذَلِك تَأْكِيدًا لَهُ، وَقد روى زُهَيْر عَن أبي الزبير
عَن جَابر قَالَ: " أَرْسلنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَهُوَ منطلق إِلَى بني المصطلق. فَأَتَيْته وَهُوَ يُصَلِّي
على بعيره. فكلمته. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا (وَأَوْمَأَ زُهَيْر
بِيَدِهِ) ثمَّ كَلمته (وَأَوْمَأَ زُهَيْر بِيَدِهِ نَحْو الأَرْض) وَأَنا
أسمعهُ يقْرَأ، يُومِئ بِرَأْسِهِ. فَلَمَّا فرغ قَالَ: " مَا فعلت فِي
الَّذِي أرسلتك لَهُ؟ فَإِنَّهُ لم يَمْنعنِي أَن أُكَلِّمك إِلَّا أَنِّي
كنت أُصَلِّي " قَالَ زُهَيْر وَابْن الزبير جالسين مَعَه مُسْتَقْبل
الْكَعْبَة فَقَالَ بِيَدِهِ أَبُو الزبير إِلَى بني المصطلق، فَقَالَ
بِيَدِهِ إِلَى غير الْكَعْبَة " رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح، وَفِي هَذَا
دلَالَة على تَحْرِيم الْكَلَام كَانَ ثَابتا من بني المصطلق وَكَانَت
(2/161)
غَزْوَة بني المصطلق سنة خمس من الْهِجْرَة
وَإِسْلَام أبي هُرَيْرَة كَانَ زمن خَيْبَر بعد بني المصطلق وَقد قَالَ
فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ، صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَفِي رِوَايَة عَنهُ بَيْنَمَا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكره.
مَسْأَلَة (96) :
إِذا نفخ فِي الصَّلَاة وَلم يبين من كَلَامه حرفان لم تبطل صلَاته،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل، عِنْد أبي دَاوُد عَن عبد الله بن عَمْرو
وَقَالَ: " انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث قَالَ ثمَّ نفخ فِي آخر سُجُوده "، وَرُوِيَ
عَن أبي بن نابل، قَالَ: قلت لقدامة بن عبد الله بن عمار الْكلابِي صَاحب
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(2/162)
" إِنَّا نتأذى بريش الْحمام فِي
الْمَسْجِد الْحَرَام إِذا سجدنا فَقَالَ: انفخوا " احْتَجُّوا بِمَا روى
أَبُو حَمْزَة عَن أبي صَالح، قَالَ: سَأَلت أم سَلمَة عَن النفخ فِي
الصَّلَاة فَقَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول لغلام لنا: " إِذا سجدت يَا رَبَاح فترب وَجهك "
قَالُوا مَعْنَاهُ لَا تنفخ مَوضِع السُّجُود، وَأَبُو حَمْزَة: مَيْمُون
الْكُوفِي ضَعِيف فِي الحَدِيث.
وَرُوِيَ من وَجه آخر عَنْهَا قَالَت مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على غُلَام لنا يُقَال لَهُ رَبَاح وَهُوَ يُصَلِّي
فَلَمَّا سجد نفخ، وَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " يَا رَبَاح لَا تنفخ فَإِن من نفخ فقد تكلم ". هَذَا
أَضْعَف من الأول ثمَّ هُوَ مَجْهُول على نفخ يبلغ ثَلَاثَة أحرف
كَقَوْلِك: أُفٍّ فَمَا دونه فَلَا يكون كلَاما حَتَّى يشدد الْفَاء فَيكون
ثَلَاثَة أحرف، من التأفيف، قَالَ: والنافخ لَا يخرج الْفَاء فِي نغمته
مُشَدّدَة وَلَا يكَاد يُخرجهَا، فَاء صَادِقَة من مخرجها. قَالَه أَبُو
سُلَيْمَان الْخطابِيّ رَحمَه الله تَعَالَى، وَرُوِيَ
(2/163)
عَن خَالِد بن إِيَاس حَدثنَا مَرْفُوعا
عَن يزِيد بن ثَابت فِي النَّهْي عَن النفخ فِي التُّرَاب وَمَوْضِع
السُّجُود وخَالِد بن إِيَاس مَتْرُوك، وروى نوح بن أبي مَرْيَم عَن يزِيد
الرقاشِي عَن أنس مَرْفُوعا: " النفخ كَلَام " ونوح مَتْرُوك وَيزِيد لَا
يحْتَج بِهِ وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (97) :
وَمن سبقه الْحَدث فِي صلَاته اسْتَأْنف صلَاته فِي الصَّحِيح من
الْمَذْهَب، قَالَ أَبُو حنيفَة: يتَوَضَّأ وَيَبْنِي على صلَاته دليلنا من
طَرِيق الْخَبَر حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فيشكل
عَلَيْهِ أخرج مِنْهُ شَيْء أم لَا فَلَا يخرج من الْمَسْجِد حَتَّى يسمع
صَوتا أَو يجد ريحًا " أخرجه مُسلم فِي
(2/164)
الصَّحِيح من حَدِيثه وَأخرجه البُخَارِيّ
من حَدِيث عبد الله بن زيد وَقد سبق ذكره وَعند أبي دَاوُد عَن عَليّ بن
طلق قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
إِذا فسا أحدكُم فِي الصَّلَاة فلينصرف فَليَتَوَضَّأ وليعد صلَاته "
وَاحْتج الْبُوَيْطِيّ وَالربيع بِحَدِيث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تجزى صَلَاة بِغَيْر طهُور ".
وَرُوِيَ عَن ابْن شهَاب عَن الْمسور بن مخرمَة أَنه كَانَ يَقُول: "
يسْتَأْنف يَعْنِي فِي الرعاف " احْتج فِي الْبُوَيْطِيّ لما اخْتلف
أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ قَول
الْمسور وأشبههما لِأَنِّي لَا أعلم خلافًا أَن كل من ولي ظَهره الْقبْلَة
عَامِدًا أعَاد الصَّلَاة والراعف مولى ظَهره الْقبْلَة
(2/165)
عَامِدًا، وَقَالَ مُجَاهِد وَعمر بن عبد
الْعَزِيز " إِذا صرفت وَجهك عَن الْقبْلَة عَامِدًا "، وَاسْتَدَلُّوا
بِمَا رُوِيَ مَرْفُوعا " من قاء أَو رعف أَو أمذى فِي صلَاته " الحَدِيث
وَقد أبطلنا أسانيده فِي مَسْأَلَة الْوضُوء من الْقَيْء والرعاف، وبرواية
الْحَارِث عَن عَليّ والْحَارث لَا يحْتَج بِهِ وَيَرْوِيه ثُوَيْر بن سعيد
عَن أَبِيه عَن عَليّ وَهُوَ مَجْهُول وَهُوَ عَن ابْن عمر صَحِيح وَحَدِيث
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أولى أَن نتبع،
وَرَوَاهُ عمرَان بن ظبْيَان عَن حَكِيم بن سعد وليسا بالقويين عَن سلمَان
رَضِي الله عَنهُ.
مَسْأَلَة (98) :
وَمَا أدْركهُ الْمَسْبُوق فَهُوَ أول صلَاته، وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَا
أدْركهُ فَهُوَ آخر صلَاته، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن
أبي
(2/166)
هُرَيْرَة قَالَ: " قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَة فامشوا
إِلَى الصَّلَاة وَعَلَيْك السكينَة فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم
فَأتمُّوا " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وَقَالَ: رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَحْرِيمهَا التَّكْبِير
وتحليلها التَّسْلِيم " فِيمَا رُوِيَ عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، وَرُوِيَ معنى فتواه عَن عَليّ وَعمر وَأبي الدَّرْدَاء
رَضِي الله عَنْهُم، وَرُوِيَ أَنه قَول سعيد ابْن الْمسيب،
وَالْأَوْزَاعِيّ، وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز رَحِمهم الله وَكَذَلِكَ عَن
عَطاء وَالْحسن رحمهمَا الله تَعَالَى وَاحْتَجُّوا بالرواية الْأُخْرَى
عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا أتيتم الصَّلَاة فَلَا تأتوها تسعون وأتوها تمشون
وَعَلَيْكُم السكينَة فصلوا مَا أدركتم ثمَّ اقضوا مَا فاتكم " رَوَاهُ
مُسلم، وَرُوِيَ عَن أبي عبد الله الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو نصر بن عمر
قَالَ سَمِعت أَحْمد بن
(2/167)
سَلمَة يَقُول: سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج
يَقُول: لَا أعلم هَذِه اللَّفْظَة رَوَاهَا عَن الزُّهْرِيّ غير ابْن
عُيَيْنَة " واقضوا مَا فاتكم " قَالَ مُسلم أَخطَأ ابْن عُيَيْنَة فِي
هَذِه اللَّفْظَة، هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ يُونُس بن يزِيد والزبيدي وَابْن
أبي ذِئْب وَإِبْرَاهِيم بن سعد، وَمعمر وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَغَيرهم
عَن الزُّهْرِيّ " وَمَا فاتكم فَأتمُّوا " وَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بن
عَمْرو عَن أبي سَلمَة وجعفر بن ربيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة،
وَهَمَّام بن مُنَبّه وَعبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب عَن أبي هُرَيْرَة
قَالُوا: وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ " فاقضوا " وَقَالَ سعد
بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة " واقضوا مَا سبقكم "
وَكَذَا قَالَ ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة " وليقض " وَقَالَ ابْن
مَسْعُود عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو
قَتَادَة وَأنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
فَأتمُّوا " وَعَن أبي قَتَادَة فِي رِوَايَة أُخْرَى " فاقضوا "
(2/168)
وَعَن أنس فِي أُخْرَى " وليقض مَا سبقه "
وَالَّذين قَالُوا فَأتمُّوا أَكثر وأحفظ وَالله أعلم ثمَّ لفظ " الْقَضَاء
" فَمن ذكره مَحْمُول على الْفِعْل قَالَ الله عز وَجل: " فقضاهن سبع سموات
".
مَسْأَلَة (99) :
وَمن صلى فَرِيضَة من الْفَرَائِض الْخمس مُنْفَرد ثمَّ أدْرك فِيهَا
جمَاعَة يُصليهَا فِي الْجَمَاعَة، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الظّهْر
وَالْعشَاء الْآخِرَة. وَلم يجوز ذَلِك فِي الصُّبْح وَالْمغْرب وَالْعصر.
وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر: مَا رُوِيَ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: " إِن خليلي أَوْصَانِي أَن أُصَلِّي الصَّلَاة لوَقْتهَا فَإِن
أدْركْت الْقَوْم قد صلوا كنت قد أحرزت صَلَاتك وَإِلَّا كَانَت نَافِلَة "
أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح، وَفِي الْمُوَطَّأ عَن زيد بن أسلم عَن رجل من
بني الدئل يُقَال لَهُ بشر بن محجن عَن أَبِيه محجن أَنه كَانَ فِي مجْلِس
مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(2/169)
فَأذن بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى، ومحجن فِي مَجْلِسه، فَقَالَ
لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا مَنعك أَن
تصلي مَعَ النَّاس؟ أَلَسْت بِرَجُل مُسلم {قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله،
وَلَكِنِّي قد صليت فِي أَهلِي، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِذا جِئْت فصل مَعَ النَّاس وَإِن كنت قد صليت ".
وَفِي كتاب السّنَن عَن جَابر بن يزِيد بن الْأسود عَن أَبِيه قَالَ: "
صلينَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفجْر
بمنى، فجَاء رجلَانِ حَتَّى وَقفا على رواحلهما / فَقَالَ: فَأمر بهما
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجيء بهما ترْعد
فرائصهما} فَقَالَ لَهما: مَا منعكما أَن تصليا مَعَ النَّاس ألستما
مُسلمين؟ قَالَا: بلَى يَا رَسُول الله، إِنَّا كُنَّا صلينَا فِي رحالنا،
فَقَالَ: إِذا صليتما فِي رحالكما ثمَّ أتيتما الإِمَام فَصَليَا مَعَه
فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَة " وَرَوَاهُ يُونُس بن صعصعة عَن زيد بن عَامر
قَالَ: " جِئْت وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
الصَّلَاة،
(2/170)
فَجَلَست وَلم أَدخل مَعَهم فِي الصَّلَاة
" فَذكر الحَدِيث، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " إِذا جِئْت الصَّلَاة فَوجدت النَّاس فصل مَعَهم فَإِن كنت قد صليت
فَلْيَكُن ذَلِك نَافِلَة وَهَذِه مَكْتُوبَة ". عَن حميد قَالَ: قَالَ أنس
قدمنَا مَعَ أبي مُوسَى، " فصلى بِنَا الْغَدَاة بالمربد ثمَّ انتهينا
إِلَى الْمَسْجِد فأقيمت الصَّلَاة، وصلينا مَعَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة "
رُوَاته ثِقَات، وروينا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن الرجل الَّذِي دخل
الْمَسْجِد وَقد صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
أَلا رجل يتَصَدَّق على هَذَا فَيصَلي مَعَه فَقَامَ رجل فصلى مَعَه "
وَعَن الْحسن عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
هَذَا الْخَبَر فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فصلى، وَقد كَانَ صلى
مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ودليلهم فِي الْمَسْأَلَة: " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد
الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس " وَذَلِكَ مَنْسُوخ بِمَا روينَا فَإِن
حَدِيث يزِيد بن الْأسود وَكَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع، وَقد رُوِيَ عَن
ابْن عمر مَرْفُوعا: " لَا تصلوا صَلَاة فِي يَوْم مرَّتَيْنِ ". تفرد
(2/171)
بِهِ حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن
شُعَيْب وَقد رُوِيَ عَنهُ، وَرُوِيَ عَنهُ: " النَّهْي عَن إِعَادَة
الصَّلَاة مَعَ الإِمَام فِي الْمغرب وَالصُّبْح من صلى الْمغرب أَو
الصُّبْح ثمَّ أدركهما مَعَ الإِمَام فَلَا يعد لَهما " وروى مَالك عَن
نَافِع أَن رجلا سَأَلَ عبد الله بن عمر فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي
بَيْتِي ثمَّ أدْرك الصَّلَاة مَعَ الإِمَام أفأصلي مَعَه؟ فَقَالَ لَهُ
عبد الله بن عمر: وَذَلِكَ إِلَيْك؟ إِنَّمَا ذَلِك إِلَى الله يَجْعَل
أَيَّتهمَا شَاءَ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بقوله: فَلَا تعد لَهما، أَي لَا
يعدهما مقبولين ويعيدهما مَعَ الإِمَام أَو لَا يعد لَهما على طَرِيق
الْوُجُوب، وَإِنَّمَا هُوَ على طَرِيق الِاخْتِيَار وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (100) :
وَمن لم يقدر أَن يُصَلِّي قَاعِدا، وَقدر أَن يُصَلِّي مُسْتَقْبلا
مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ، وعَلى الْجنب صلى على جنبه، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ
عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كَانَ لي بواسير، فَسَأَلت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: " صل قَائِما،
(2/172)
فَإِن لم تستطع فجالسا، فَإِن لم تستطع
فعلى جنب " أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح، وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا، وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا،
وَالْمَحْفُوظ عَنهُ فِيهِ مَوْقُوف.
مَسْأَلَة (101) :
وَيسْتَحب أَنه إِذا قَرَأَ آيَة رَحْمَة أَن يسْأَل وَالنَّاس أَو آيَة
عَذَاب، أَن يستعيذ وَالنَّاس، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك عَن
حُذَيْفَة قَالَ: " صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: فَافْتتحَ الْبَقَرَة، فَقلت: يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة،
فَمضى، فَقلت: يرْكَع بهَا، ثمَّ افْتتح النِّسَاء فقرأها ثمَّ افْتتح آل
عمرَان فقرأها، يقْرَأ مترسلا، إِذا مر بِآيَة فِيهَا تَسْبِيح: سبح،
وَإِذا مر بسؤال: سَأَلَ، وَإِذا مر بتعوذ: تعوذ، ثمَّ ركع فَقَالَ: "
سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم "، وَكَانَ رُكُوعه نَحوا من قِيَامه ثمَّ
قَالَ: " سمع الله لمن حَمده "، ثمَّ قَامَ قَرِيبا مِمَّا ركع، ثمَّ سجد
فَقَالَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " وَكَانَ
(2/173)
سُجُوده قَرِيبا من قِيَامه ". رَوَاهُ
مُسلم فِي الصَّحِيح، وروى مُسلم بن مِخْرَاق قَالَ: " قلت لعَائِشَة رَضِي
الله عَنْهَا أَن رجَالًا يقْرَأ أحدهم الْقُرْآن فِي اللَّيْلَة
مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَقَالَت، أُولَئِكَ قرأوا، وَلم يقرأوا كنت أقوم
مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي اللَّيْل
التَّام، بآل عمرَان وَالنِّسَاء فَإِذا مر بِآيَة فِيهَا / دَعَا وترغب،
وَإِذا مر بِآيَة فِيهَا تخويف دَعَا واستعاذ "، قَالَ: وروينا فِي السّنَن
عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ: " قُمْت مَعَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة، فَقَامَ، فَقَرَأَ سُورَة
الْبَقَرَة لَا يمر بِآيَة رَحْمَة إِلَّا وقف وَسَأَلَ، وَلَا يمر بِآيَة
عَذَاب إِلَّا وقف فتعوذ "، وَذكر الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا قَرَأَ {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} قَالَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى "، وَعَن مُوسَى بن أبي
عَائِشَة
(2/174)
قَالَ: كَانَ رجل يُصَلِّي فَوق بَيته
وَكَانَ إِذا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيى الْمَوْتَى}
قَالَ: بلَى سُبْحَانَكَ، فَبكى، فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: سَمِعت
أبي هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " من قَرَأَ مِنْكُم {والتين وَالزَّيْتُون} فَانْتهى إِلَى
آخرهَا {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} فَلْيقل: " وَأَنا على ذَلِك
من الشَّاهِدين وَمن قَرَأَ {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} وانْتهى إِلَى
{أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيى الْمَوْتَى} فليقبل، بلَى، وَمن
قَرَأَ {والمرسلات} فَبلغ {فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ} . فَلْيقل آمنا
بِاللَّه "، ثمَّ رُوِيَ عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي
ليلى عَن أَبِيه قَالَ: صليت إِلَى جنب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي تَطَوّعا فَمر بِآيَة فَقَالَ: " أعوذ
بِاللَّه من الْبر،
(2/175)
ويل لأه الْبر من الْبر " قَالَ وَقد ورينا
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
فَقَالَ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
أَنه قَرَأَ فِي أجمعة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ سُبْحَانَ
رَبِّي الْأَعْلَى وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ كَانَ
يُصَلِّي من اللَّيْل {أفرءيتم مَا تمنون (58) ءأنتم تخلقونه أم نَحن
الْخَالِقُونَ} قَالَ: بل أَنْت يَا رب ثَلَاثًا. ثمَّ قَرَأَ {أفرءيتم مَا
تَحْرُثُونَ} {المَاء الَّذِي تشربون} فَذكر نَحوه ثَلَاثًا ".
(2/176)
مَسْأَلَة (102) :
وَسجْدَة التِّلَاوَة غير وَاجِبَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَنَّهَا
وَاجِبَة وَدَلِيلنَا، مَا رُوِيَ عَن عَطاء بن يسَار أَنه سَأَلَ زيد بن
ثَابت عَن الْقِرَاءَة مَعَ الإِمَام فَقَالَ: لَا قِرَاءَة مَعَ الإِمَام
فِي شَيْء، وَزعم أَنه قَرَأَ على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - والنجم فَلم يسْجد " رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح، وَرَوَاهُ
البُخَارِيّ، دون الْقِرَاءَة مَعَ الإِمَام، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: سجد فِي النَّجْم
وَهُوَ بِمَكَّة فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة تَركهَا، وَعنهُ " أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يسْجد فِي شَيْء من
الْمفصل مُنْذُ حول إِلَى الْمَدِينَة " قَالَ وَبِهَذَا اللَّفْظ أخرجه
أَبُو دَاوُد فِي السّنَن قَالَ: وَقد ثَبت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه سجد فِي الْمفصل وَهُوَ فِي الْمَدِينَة، فَإِن
صَحَّ حَدِيث ابْن عَبَّاس فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: يَدعهَا مرّة، ويسجدها أُخْرَى، وَفِي ذَلِك دلَالَة على
أَنَّهَا غير وَاجِبَة، وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجد فِي النَّجْم، وَسجد النَّاس
مَعَه إِلَّا رجلَيْنِ أَرَادَا أَن
(2/177)
يشهرا "، قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله
عَنهُ: وَالرجلَانِ لَا يدعان إِن شَاءَ الله الْفَرْض وَلَو تركاه
أَمرهمَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بإعادته.
وَرُوِيَ عَن عَطاء بن يسَار عَن زيد بن ثَابت " أَنه قَرَأَ على رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والنجم إِذا هوى، فَلم يسْجد
" أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيح، قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُقَال
إِن زيدا لم يسْجد وَهُوَ الْقَارئ، فَلم يسْجد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يكن فرضا فيأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهِ، وَقيل لعمران بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ
الرجل يسمع السَّجْدَة وَلم يجلس لَهَا؟ قَالَ أَرَأَيْت لَو قعد لَهَا؟
كَأَنَّهُ لم يُوجِبهُ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ فِي الْجَامِع
عَن عَاصِم عَن ابْن سِيرِين قَالَ: " سُئِلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
عَن سُجُود الْقُرْآن، فَقَالَت: حق الله يُؤَدِّيه أَو تطوع تطوعه "
الحَدِيث والاعتماد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حَدِيث عمر الْمخْرج فِي
الصَّحِيح البُخَارِيّ أَنه قَرَأَ على الْمِنْبَر سُورَة النَّحْل فَسجدَ
وَأَنه قَرَأَ بهَا فِي الْجُمُعَة الْقَابِلَة حَتَّى إِذا جَاءَ
السَّجْدَة قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا
(2/178)
نمر بِالسُّجُود فَمن سجد فقد أصَاب وَمن
لم يسْجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ / وَلم يسْجد عمر رَضِي الله عَنهُ وزاده
نَافِع عَن ابْن عمر " أَن الله لم يفْرض السُّجُود إِلَّا أَن نشَاء "
وَشَاهده مَا روى مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَرَأَ السَّجْدَة وَهُوَ على الْمِنْبَر يَوْم
الْجُمُعَة فَنزل، فَسجدَ، وسجدوا مَعَه، ثمَّ قَرَأَهَا يَوْم الْجُمُعَة
الْأُخْرَى فتهيئوا، فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: على رسلكُمْ
إِن الله لم يَكْتُبهَا علينا إِلَّا أَن نشَاء، فقرأها فَلم يسْجد ومنعهم
أَن يسجدوا.
مَسْأَلَة (103) :
وَإِذا لم يسْجد التَّالِي لآيَة السَّجْدَة، فَلَا يسْجد لَهَا السَّامع،
فِي أصح الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْجد السَّامع وَإِن لم
يسْجد التَّالِي دليلنا: حَدِيث زيد بن ثَابت هَذَا الْمَذْكُور آنِفا
وَرُوِيَ عَن عَطاء بن يسَار، قَالَ: بَلغنِي أَن رجلا قَرَأَ بِآيَة من
الْقُرْآن فِيهَا سَجْدَة عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، فَسجدَ الرجل، وَسجد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مَعَه ثمَّ قَرَأَ آيَة: فِيهَا سَجْدَة وَهُوَ عِنْد
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فانتظر الرجل أَن يسْجد
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يسْجد فَقَالَ
الرجل: يَا رَسُول الله قَرَأت السَّجْدَة فَلم تسْجد، فَقَالَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كنت إِمَامًا فَلَو سجدت سجدت
مَعَك " وَقد رُوِيَ
(2/179)
من وَجْهَيْن ضعيفين عَن أبي هُرَيْرَة
مَرْفُوعا بِبَعْض مَعْنَاهُ، وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن حَنْظَلَة قَالَ:
قَرَأت على عبد الله سُورَة فِيهَا سَجْدَة، فَلَمَّا أتيت على السَّجْدَة
سكت! فَقَالَ: أَنْت إمامنا فاسجد، يَعْنِي نسجد مَعَك. وَفِي رِوَايَة
قَرَأت السَّجْدَة عِنْد ابْن مَسْعُود فَنظر إِلَيّ، فَقَالَ: " أَنْت
إمامنا فاسجد: نسجد مَعَك " قَالَ البُخَارِيّ: وَقيل لعمران بن حُصَيْن
رَضِي الله عَنهُ الرجل يسمع السَّجْدَة، وَلم يجلس لَهَا، قَالَ:
أَرَأَيْت لَو قعد لَهَا كَأَنَّهُ لم يُوجِبهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ سلمَان
رَضِي الله عَنهُ، مَا لهَذَا غدونا، وَهَذَا كُله دَلِيل فِي
الْمَسْأَلَة، قبلهَا وانضم مَذْهَب هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة رَضِي الله
عَنْهُم إِلَى هَذَا الْمُرْسل فيقوى بهَا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (104) :
وَفِي الْحَج سَجْدَتَانِ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِيهَا سَجْدَة وَاحِدَة،
(2/180)
وَدَلِيلنَا: مَا روى أَبُو دَاوُد فِي
السّنَن عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ " أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقرأه خمس عشرَة سَجْدَة فِي الْقُرْآن
مِنْهَا ثَلَاثَة فِي الْمفصل، وَفِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَيْنِ " وَعَن
عقبَة بن عَامر، قَالَ: " قلت يَا رَسُول الله فِي سُورَة الْحَج:
سَجْدَتَانِ! قَالَ: نعم، وَمن يسجدهما فَلَا يقرأهما "، قَالَ هُوَ أَيْضا
فِي السّنَن وَأَنا إِنَّمَا أخرجته شَاهدا، وروى الشَّافِعِي
بِإِسْنَادِهِ، أَن عمر رَضِي الله عَنهُ صلى بالجابية فَقَرَأَ سُورَة
الْحَج، فَسجدَ فِيهَا: سَجْدَتَيْنِ، وروى مَالك عَن عبد الله بن دِينَار،
أَنه قَالَ: رَأَيْت عبد الله سجد فِي سُورَة الْحَج: سَجْدَتَيْنِ وروى
أَبُو الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فضلت هَذِه السُّورَة
بسجدتين يَعْنِي سُورَة الْحَج " وروينا فِي السّنَن بِالْأَسَانِيدِ عَن
عَليّ بن أبي طَالب، وَعبد الله بن مَسْعُود، وعمار بن يَاسر وَأبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ وَأبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنْهُم أَنهم سجدوا فِي
سُورَة الْحَج سَجْدَتَيْنِ، وَالله أعلم.
(2/181)
مَسْأَلَة (105) :
وَسجْدَة ص، سَجْدَة شكر وَلَيْسَت فِي سُجُود التِّلَاوَة. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: إِنَّهَا من سُجُود التِّلَاوَة، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر
مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " لَيْسَ " ص " من عزائم السُّجُود،
وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يسْجد
فِيهَا "، أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَعند أبي دَاوُد عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَهُوَ على الْمِنْبَر (ص) فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة نزل
فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا آخر، قَرَأَهَا
فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة تشزن النَّاس للسُّجُود، فَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا هِيَ تَوْبَة نَبِي
وَلَكِن رأيتكم تشزنتم للسُّجُود فَنزل فَسجدَ " رُوَاته ثِقَات وروى
الشَّافِعِي (عَن ابْن عُيَيْنَة) عَن عَبده عَن ذَر عَن ابْن مَسْعُود
رَضِي الله عَنهُ أَنه " كَانَ لَا يسْجد فِي (ص) وَيَقُول إِنَّمَا هُوَ
تَوْبَة نَبِي " وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: " لَا تسجدوا فِي ص
(2/182)
إِنَّمَا هِيَ تَوْبَة نَبِي " وروى
الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَن سُفْيَان عَن عمر بن ذَر عَن أَبِيه
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجدها /
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لتوبة، وَنحن نسجدها شكرا، يَعْنِي " ص " هَذَا
الْمَحْفُوظ وَقد رُوِيَ من أوجه عَن عمر بن ذَر عَن أَبِيه عَن سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس من طرق مَعْنَاهُ.
مَسْأَلَة (106) :
السَّجْدَة إِذا كَانَت فِي آخر السُّورَة وَكَانَ فِي الصَّلَاة فَالْأولى
أَن يسْجد ثمَّ يقوم فَيقْرَأ سُورَة أُخْرَى، وَقَالَ بعض الْعِرَاقِيّين
يرْكَع وَلَا يسْجد للتلاوة لنا مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
رَأَيْت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سجد فِي النَّجْم فِي صَلَاة
الْفجْر ثمَّ استفتح
(2/183)
بِسُورَة أُخْرَى قَالَ ورويناه أَيْضا عَن
عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ بِمَعْنَاهُ، وَعَن ابْن مَسْعُود
إِذا كَانَت السَّجْدَة فِي آخر السَّجْدَة فَإِن شَاءَ ركع وَإِن شَاءَ
سجد، وَعَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ إِذا قَرَأَ بِالنَّجْمِ أَو اقْرَأ
باسم رَبك ركع ثمَّ رفع رَأسه وَإِذا قَرَأَ فِي غير الصَّلَاة سجد. قَالَ
وروينا عَن ابْن عمر من وَجه آخر أَنه كَانَ إِذا وصل إِلَيْهَا قَرَأنَا
سجد، وَإِذا لم يصل إِلَيْهَا قَرَأنَا ركع.
مَسْأَلَة (107) :
وَيسْجد للتلاوة فِي صَلَاة يسر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا يسْجد فِيمَا
يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَحكي عَن أبي حنيفَة: أَنه لَا يسْجد.
دليلنا: مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - سجد فِي صَلَاة الظّهْر ثمَّ قَامَ، فيرون أَنه قَرَأَ سُورَة
فِيهَا سَجْدَة.
(2/184)
مَسْأَلَة (108) :
وَلَا يجوز الصَّلَاة على ظهر الْكَعْبَة، إِذا لم يكن بَين يَدي
الْمُصَلِّي شَيْء من بِنَاء الْكَعْبَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز،
رُوِيَ عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- " نهى أَن يُصَلِّي فِي سَبْعَة مَوَاطِن: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة،
وقارعة الطَّرِيق، وَالْحمام، ومعاطن الْإِبِل، وَفَوق ظهر بَيت الله ".
مَسْأَلَة (109) :
وعَلى الْمُرْتَد قَضَاء مَا ترك من الصَّلَوَات أَيَّام ردته، إِذا عَاد
إِلَى الْإِسْلَام، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا
وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من نسي
(2/185)
صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا، لَا كَفَّارَة
لَهَا غير ذَلِك " أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيح، وَالنِّسْيَان يعبر بِهِ عَن
التّرْك قَالَ الله عز وَجل: {نسوا الله فنسيهم} وَعند مُسلم فِي الصَّحِيح
أَيْضا: عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " إِذا رقد أحدكُم عَن الصَّلَاة وغفل عَنْهَا فليصلها إِذا
ذكرهَا " فَإِن الله عز وَجل يَقُول: {وأقم الصَّلَاة لذكري} وَهَذَا
الَّذِي ارْتَدَّ غفل عَن ذكر الله تَعَالَى وَاتبع هَوَاهُ قَالَ الله
تَعَالَى: {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا وَاتبع هَوَاهُ} .
فَإِذا عَاد إِلَى ذكر الله بهداه أعَاد مَا تبع من هَوَاهُ.
مَسْأَلَة (110) :
وَإِذا أَخذ الْمُصحف فِي صلَاته فَقَرَأَ مِنْهُ فَإِن كَانَ يتصفح
الأوراق متواليا، وَزَاد على ثَلَاثَة أوراق: بطلت صلَاته وَإِن كَانَ
يتصفح ورقة وَلم يوال ذَلِك أَو والى وَلَكِن كَانَت ثَلَاثًا فَمَا دونهَا
لم تبطل صلَاته وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَكْتُوبًا على حَائِط فقرأه فِي
الصَّلَاة لم تبطل صلَاته، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل ذَلِك يبطل صلَاته،
وَرُوِيَ عَن ابْن
(2/186)
أبي مليكَة، وَالقَاسِم عَن عَائِشَة رَضِي
الله عَنْهَا زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
أَنَّهَا كَانَ يؤمها غلامها ذكْوَان فِي الْمُصحف فِي رَمَضَان " وَالله
أعلم.
مَسْأَلَة (111) :
من شكّ فِي صلَاته فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا، لم تفْسد بِهِ
صلَاته وَإِن كَانَ ذَلِك أول مرّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ ذَلِك
أول مرّة فَإِن صلَاته تفْسد. دليلنا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمخْرج فِي
الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: " إِن أحدكُم إِذا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ
الشَّيْطَان فَلبس عَلَيْهِ حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى فَإِذا وجد ذَلِك،
فَيسْجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ".
مَسْأَلَة (112) :
ويبنى على مَا استيقن إِذا وَقع لَهُ هَذَا الشَّك سَوَاء كَانَ فِي الْمرة
الأولى وَالثَّانيَِة فَصَاعِدا، / وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا (وَقع لَهُ)
هَذَا الشَّك، تحرى وَبنى على أغلب ظَنّه دليلنا من طَرِيق الْخَبَر:
حَدِيث
(2/187)
أبي سعيد الْمخْرج فِي صَحِيح مُسلم قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا شكّ
أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا؟ فليطرح الشَّك
وليبن على مَا استيقن. ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم فَإِن كَانَ
صلى خمْسا شفعن لَهُ صلَاته، وَإِن كَانَ صلى [تَمامًا] لأَرْبَع كَانَتَا
ترغيما للشَّيْطَان "، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا صلى أحدكُم فَلَا يدْرِي كم
صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا ركع رَكْعَتَيْنِ يحسن سجودهما وركوعهما ثمَّ سجد
سَجْدَتَيْنِ ". رُوَاة هَذَا الحَدِيث هم ثِقَات.
وَرُوِيَ عَن ابْن إِسْحَق عَن مَكْحُول عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف مَرْفُوعا " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته، فَشك فِي
الْوَاحِدَة والثنتين فليجعلهما وَاحِدَة، وَإِذا شكّ فِي الاثنتين
وَالثَّلَاث، فليجعلهما اثْنَتَيْنِ، وَإِذا شكّ فِي الثَّلَاث والأربع
فليجعلها ثَلَاثًا حَتَّى يكون الْوَهم فِي الزِّيَادَة، وَيسْجد
سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ يسلم "
(2/188)
قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات،
إِلَّا أَن لَهُ عِلّة وَهِي أَنه رُوِيَ عَن ابْن إِسْحَق عَن مَكْحُول
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا شكّ
أحدكُم فِي صلَاته ". الحَدِيث بِمَعْنَاهُ. قَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَق
قَالَ لي حُسَيْن بن عبد الله أسْند لَك مَكْحُول هَذَا الحَدِيث، قلت: مَا
سَأَلته، قَالَ: فَإِنَّهُ ذكر عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف وحسين بن عبد الله هَذَا لَيْسَ بِثِقَة والاعتماد على
حَدِيث أبي سعيد.
وروى غير ابْن إِسْحَق عَن مَكْحُول عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد
الرَّحْمَن بِبَعْض مَعْنَاهُ، وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عَبَّاس من وَجه
آخر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس
عَن عبد الرَّحْمَن قَالَ: أشهد بِشَهَادَة الله أَنِّي سَمِعت رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا كَانَ أحدكُم على
شكّ من صلَاته فِي النُّقْصَان، حَتَّى يكون على الشَّك من الزِّيَادَة "
وروى مَالك عَن عفيف عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: سَأَلت عبد الله بن عَمْرو
بن الْعَاصِ
(2/189)
وَكَعب الْأَحْبَار عَن الَّذِي يشك فِي
صلَاته فَلَا يدْرِي أَثلَاثًا أم أَرْبعا، وَكِلَاهُمَا قَالَ: فَليقمْ
فَليصل رَكْعَة أُخْرَى وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ، إِذا صلى وَرُوِيَ أَيْضا
عَن عمر بن مُحَمَّد بن سَالم أَن عبد الله بن عمر كَانَ يَقُول: " إِذا
شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتوخ الَّذِي يظنّ أَنه نسي من صلَاته فليصله ثمَّ
يسْجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس وَاسْتَدَلُّوا: بِحَدِيث عبد الله
الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ: قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون، فَأَيكُمْ
شكّ فِي صلَاته فَلْينْظر أَحْرَى ذَلِك إِلَى الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ
وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَالْأَخْذ بِالصَّوَابِ هُوَ الْأَخْذ
بِالْيَقِينِ، قَالَ الله تَعَالَى: {فَمن أسلم فَأُولَئِك تحروا رشدا}
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (113) :
وَسُجُود السَّهْو قبل السَّلَام، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بعده، وروى مَالك
عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج عَن ابْن بحينه قَالَ " صلى بِنَا
(2/190)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - رَكْعَتَيْنِ من بعض الصَّلَوَات ثمَّ قَالَ فَلم يجلس
فَقَامَ النَّاس مَعَه، فَلَمَّا قضى صلَاته ونظرنا تَسْلِيمه كبر فَسجدَ
سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم ثمَّ سلم. أخرجه البُخَارِيّ
وَمُسلم فِي الصَّحِيح من حَدِيثه، وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ عَن مُعَاوِيَة
عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا شكّ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلَا يدْرِي كم صلى / ثَلَاثًا
أَو أَرْبعا فَليقمْ فَليصل رَكْعَة ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس
قبل السَّلَام فَإِن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلاهَا خَامِسَة شفعها
بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ وَإِن كَانَت رَابِعَة فالسجدتان ترغيم
للشَّيْطَان " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح.
وَرُوِيَ حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ عَن مَالك عَن دَاوُد بن حُصَيْن عَن أبي
سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه " ثمَّ سجد
سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم " وَفِي رِوَايَة " ثمَّ سلم
وَسجد سَجْدَتَيْنِ " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وكل قد روينَا حَدِيث
مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، " فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس
" وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة وَمعمر وَاللَّيْث، وَرَوَاهُ ابْن
أخي الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: " فليسجد سَجْدَتَيْنِ قل أَن يسلم
ثمَّ يسلم وَهُوَ جَالس ".
(2/191)
وَعند مُسلم فِي الصَّحِيح عَن عمرَان بن
حُصَيْن حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ وَفِيه " ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ
ثمَّ سلم " وَعِنْدَهُمَا جَمِيعًا عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ " وَإِذا شكّ أحدكُم
فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب وليتم عَلَيْهِ ثمَّ يسلم ثمَّ يسْجد
سَجْدَتَيْنِ " قَالَ قد روينَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " أَنه سجد للسَّهْو قبل السَّلَام وَأَنه أَمر بذلك قبل
السَّلَام، وروينا أَنه سجد بعد السَّلَام وَأَنه أَمر بِهِ بعد السَّلَام
" وَكِلَاهُمَا صَحِيحَانِ وَله شَوَاهِد يطول بذكرها الْكتاب، وَفِي
ألفاظهما منع تَأْوِيل أَحدهمَا وَالْأَخْذ بِالْآخرِ فالأشبه وَالصَّوَاب
جَوَاز الْأَمريْنِ جَمِيعًا وَإِلَى هَذَا ذهب كثير من أَصْحَابنَا،
وَهُوَ فِيمَا حَكَاهُ لي الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح أيده الله عَن صَاحب
التَّقْرِيب رَحمَه الله وَحمله الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب
الْقَدِيم على نسخ السُّجُود بعد السَّلَام بِالسُّجُود قبل السَّلَام
وَحَكَاهُ عَن الزُّهْرِيّ وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِرِوَايَة ابْن عُيَيْنَة
وَمُعَاوِيَة وهما من متأخري الصَّحَابَة وَمن أَصْحَابنَا من فعل فِي كل
حَادِثَة رويت مَا روى فِيهَا
(2/192)
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (114) :
وَإِن ذكر أَنه فِي الْخَامِسَة سجد أَو لم يسْجد، قعد فِي الرَّابِعَة أَو
لم يقْعد، فَإِنَّهُ يجلس للرابعة ويتشهد، وَيسْجد للسَّهْو ثمَّ يسلم،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ سجد فِي الْخَامِسَة، وَلم يكن قد قعد فِي
الرَّابِعَة وتذكر بَعْدَمَا سجد فِي الْخَامِسَة، أضَاف إِلَيْهَا رَكْعَة
أُخْرَى لتَكون لَهُ نَافِلَة، وَقد صحت فريضته، دليلنا من طَرِيق الْخَبَر
حَدِيث ابْن مَسْعُود " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - الظّهْر خمْسا، فَقيل لَهُ: أَزِيد فِي الصَّلَاة قَالَ:
وَمَا ذَاك؟ قَالَ: صليت خمْسا، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سلم " أخرجه
البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح.
مَسْأَلَة (115) :
وَمن أسر فِيمَا يجْهر أَو جهر فِيمَا يسر فَلَا سُجُود عَلَيْهِ وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: إِن فعله الإِمَام سجد للسَّهْو، دليلنا من طَرِيق الْخَبَر
حَدِيث أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " كَانَ يقْرَأ بِأم الْقُرْآن وبسورتين
(2/193)
مَعهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من
صَلَاة الظّهْر وَالْعصر ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا وَكَانَ يطول فِي
الرَّكْعَة الأولى " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وَرُوِيَ
عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
" لَا سَهْو فِي الصَّلَاة إِلَّا لقِيَام عَن جُلُوس أَو جُلُوس عَن قيام
وَسمع الصنَابحِي أَبَا بكر الصّديق قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة من
الْمغرب بِأم الْقُرْآن وَهَذِه الْآيَة {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد
إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} . روينَا
إِسْنَاده فِي السّنَن، وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ: سَمِعت من عمر
بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ نَغمَة من قَاف فِي الظّهْر، وَعبد الله بن
زِيَاد: سَمِعت ابْن مَسْعُود يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر، وَعَن قَتَادَة
أَن أنسا جهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الظّهْر أَو الْعَصْر فَلم يسْجد، وَعَن
سعيد بن الْعَاصِ أَنه جهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الظّهْر وَالْعصر، فسبح
النَّاس، فَمضى فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قَالَ: فِي كل صَلَاة قِرَاءَة
وَمَا دلَّنِي على ذَلِك خلاف السّنة، وَلَكِن قَرَأت نَاسِيا مكْرها أَن
أقطع
(2/194)
الْقُرْآن ".
مَسْأَلَة (116) :
وَسُجُود السَّهْو غير وَاجِب وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه وَاجِب رُوِيَ عَن
أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليلق الشَّك وليبن على الْيَقِين وَإِن
استيقن التَّمام سجد سَجْدَتَيْنِ / فَإِن كَانَت صلَاته تَامَّة كَانَت
الرَّكْعَة نَافِلَة والسجدتان وَإِن كَانَت نَاقِصَة كَانَت الرَّكْعَة
تَمامًا لصلاته والسجدتان ترغمان أنف الشَّيْطَان ".
مَسْأَلَة (117) :
وَسُجُود الشُّكْر عِنْد حَادث النِّعْمَة سنة مُؤَكدَة، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: إِنَّه بِدعَة، دليلنا مَا رُوِيَ عَن بكار بن عبد الْعَزِيز بن
(2/195)
أبي بكرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا أَتَاهُ أَمر
يسر بِهِ خر سَاجِدا شكرا لله ". قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بكار بن
عبد الْعَزِيز صَدُوق عِنْد الْأَئِمَّة وَهَذَا حَدِيث صَحِيح.
وَلِهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، وَعَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَمِنْهَا: - عَن
الْبَراء قَالَ: " بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أهل الْيمن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فَذكر
الحَدِيث فِي بعث عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وإقبال خَالِد، وَإِسْلَام همذان
قَالَ: فَكتب عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَرَأَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْكتاب خر سَاجِدا، ثمَّ رفع رَأسه
فَقَالَ: السَّلَام على همذان السَّلَام على همذان "، وَهَذَا حَدِيث
صَحِيح، قد أخرج البُخَارِيّ صدر الحَدِيث وَلم يسقه بِتَمَامِهِ وَسُجُود
الشُّكْر ثَابت على شَرطه.
وَمِنْهَا فِي حَدِيث كَعْب بن مَالك الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي
(2/196)
تخلفه عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتوبته، الحَدِيث الطَّوِيل وَقَالَ فِيهِ فَبينا
أَنا جَالس على الْحَال الَّذِي ذكر الله عز وَجل منا: " قد ضَاقَتْ عَليّ
نَفسِي وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ: سَمِعت صَوت (صارخ) أوفى
(على) جبل سلع يَقُول: بأعلا صَوته: يَا كَعْب بن مَالك أبشر قَالَ:
فَخَرَرْت سَاجِدا، وَعرفت أَن قد جَاءَ فرج "، وَذكر بَاقِي الحَدِيث.
وَمِنْهَا: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: " دخلت الْمَسْجِد وَرَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَارج من الْمَسْجِد فتبعته
أَمْشِي وَرَاءه وَهُوَ لَا يشْعر حَتَّى دخل نخلا فَاسْتقْبل الْقبْلَة،
فَسجدَ فَأطَال السُّجُود، وَأَنا وَرَاءه حَتَّى ظَنَنْت أَن الله قد
توفاه فَأَقْبَلت أَمْشِي وَرَاءه حَتَّى جِئْته فطأطأت رَأْسِي أنظر فِي
وَجهه فَرفع رَأسه فَقَالَ مَالك يَا عبد الرَّحْمَن فَقلت لما أطلت
السُّجُود يَا رَسُول الله خشيت أَن يكون توفى نَفسك فَجئْت أنظر فَقَالَ:
إِنِّي لما دخلت النّخل لقِيت جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ:
أُبَشِّرك أَن الله عز وَجل يَقُول: من سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ، وَمن
صلى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله رَحمَه الله
هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلَا أعلم فِي سَجْدَة الشُّكْر أصح من هَذَا
الحَدِيث.
وَعند أبي دَاوُد فِي كتاب السّنَن عَن سعد قَالَ: خرجنَا مَعَ
(2/197)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - من مَكَّة نُرِيد الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانَ قَرِيبا عزور
نزل فَرفع يَدَيْهِ فَدَعَا الله سَاعَة ثمَّ خر سَاجِدا، فَمَكثَ طَويلا
ثمَّ قَامَ فَرفع يَدَيْهِ سَاعَة، ثمَّ خر سَاجِدا ذكره ثَلَاثًا قَالَ:
إِنِّي سَأَلت رَبِّي وشفعت لأمتي فَأَعْطَانِي ثلث أمتِي، فَخَرَرْت لرَبي
سَاجِدا شكرا، ثمَّ رفعت رَأْسِي، فَسَأَلت رَبِّي لأمتي فَأَعْطَانِي ثلث
أمتِي فَخَرَرْت سَاجِدا لرَبي شكرا ثمَّ قُمْت فَسَأَلت رَبِّي لأمتي
فَأَعْطَانِي الثُّلُث الآخر فَخَرَرْت سَاجِدا لرَبي عز وَجل ".
وَرُوِيَ عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
بشر بحاجة فَخر سَاجِدا "، وَعَن أبي عون مُحَمَّد بن عبيد الله
الثَّقَفِيّ عَن عرْفجَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أبْصر رجلا لَهُ زمانة فَسجدَ " قَالَ مُحَمَّد بن عبيد الله:
" وَأَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ أَتَاهُ فتح فَسجدَ " وَعنهُ " أَن
أَبَا بكر لما أَتَاهُ فتح
(2/198)
الْيَمَامَة سجد "، وَعَن ابْن عمر " أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر بِرَجُل بِهِ زمانة،
فَنزل فَسجدَ ثمَّ مر بِهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَنزل فَسجدَ ثمَّ
مر عمر رَضِي الله عَنهُ فَنزل فَسجدَ ".
وَمِنْهَا: مَا رُوِيَ عَن جَابر قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا رأى رجلا متغير الْخلق خر سَاجِدا،
وَإِذا رأى القرد خر سَاجِدا وَإِذا قَامَ من مَنَامه خر سَاجِدا شكر لله
عز وَجل " وَمِنْهَا مَا رُوِيَ / عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث " شهِدت عليا
رَضِي الله عَنهُ يَوْم النهروان طلب المخدج فَلم يقدر عَلَيْهِ فَجعل
جَبينه يعرق وَيَأْخُذهُ الكرب ثمَّ إِنَّه قدر عَلَيْهِ فَخر سَاجِدا ثمَّ
قَالَ: وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت " وَفِي ذَلِك إِثْبَات هَذِه السّنة
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (118) :
وتحريمه الصَّلَاة من الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بهَا تَنْعَقِد
(2/199)
الصَّلَاة وَلَيْسَت مِنْهَا، وَذكر حَدِيث
مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ قَالَ: أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث فِي سُؤَاله رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن التطير وَغَيره، وَفِي كَلَامه فِي
الصَّلَاة وَقَالَ فِي آخِره فَلَمَّا فرغ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من صلَاته بِأبي وَأمي مَا رَأَيْت معلما قبله وَلَا
بعده أحسن تَعْلِيما مِنْهُ وَالله، مَا نهرني وَلَا سبني قَالَ: " إِن
صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هِيَ
التَّكْبِير وَالتَّسْبِيح وَقِرَاءَة الْقُرْآن " أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح، قَالَ: وَقد روينَا عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يستفتح صلَاته بِالتَّكْبِيرِ " وَإِذا كَانَ
التَّكْبِير فَاتِحَة الصَّلَاة كَانَ مِنْهَا كَمَا أَن فَاتِحَة الْكتاب
من الْكتاب وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (119) :
وَالْقِيَام بِقدر فرض الْقِرَاءَة فرض فِي الصَّلَاة مَعَ الْقُدْرَة
عَلَيْهِ، على عُمُوم الْأَحْوَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَحده فِي رَاكب
السَّفِينَة إِن صلى قَاعِدا أَجزَأَهُ، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر
مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر قَالَ: سُئِلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عَن الصَّلَاة فِي السَّفِينَة فَقَالَ: " كَيفَ أُصَلِّي فِي
السَّفِينَة قَالَ صل فِيهَا قَائِما إِلَّا أَن تخَاف الْغَرق " قَالَ:
رُوَاته ثِقَات
(2/200)
وَالله أعلم. وَحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ليصل
قَائِما " دَلِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَقد أَخْرجَاهُ قبل هَذَا،
وَرُوِيَ عَن عبيد الله بن أبي عتبَة مولى لأنس: سَافَرت مَعَ أبي
الدَّرْدَاء وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَجَابِر بن عبد الله، " يُصَلِّي
بِنَا إمامنا الْفَرْض قَائِما فِي السَّفِينَة وَنُصَلِّي خَلفه قيَاما
وَلَو شِئْنَا لخرجنا ". وَعَن النَّضر بن أنس عَن أنس قَالَ: " كَانَ إِذا
ركب السَّفِينَة فَحَضَرت الصَّلَاة والسفينة محبوسه صلى قَائِما، وَإِذا
كَانَت تسير صلى قَاعِدا فِي جمَاعَة " وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون أَنه
كَانَ يخْشَى دوران الرَّأْس عِنْد سَيرهَا فَلذَلِك صلى قَاعِدا وَالله
أعلم والحكاية حِكَايَة حَال.
مَسْأَلَة (120) :
وَلَا تصح صَلَاة من لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب فِي كل رَكْعَة مِنْهَا
إِذا أحْسنهَا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقْرَأ فِيهَا مَا شَاءَ من
الْقُرْآن وتجزئه صلَاته، دليلنا مَا عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(2/201)
" لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِأم الْقُرْآن
" أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: قَالَ الله
تَعَالَى: " قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي " وَهُوَ عِنْد مُسلم فِي
الصَّحِيح عَن أبي السَّائِب مولى هِشَام بن زهرَة عَن أبي هُرَيْرَة وَفِي
أَوله قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من صلى
صَلَاة لم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن فَهِيَ خداج، فَهِيَ خداج، فَهِيَ
خداج، غير تَمام " فَقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَة إِنِّي أكون أَحْيَانًا
وَرَاء الإِمَام، فغمز ذراعي وَقَالَ: اقْرَأ بهَا فِي نَفسك يَا فَارسي
فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول: " قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ: قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي "
وَذكر الحَدِيث وَذكر حَدِيث أبي ابْن كَعْب، قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلا أعلمك سُورَة " وَذكر
الحَدِيث، " قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: السُّورَة الَّتِي وَعَدتنِي؟
قَالَ: وَكَيف تقْرَأ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة، فَقَرَأت فَاتِحَة
الْكتاب فَقَالَ هِيَ هِيَ وَهِي السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم
الَّذِي أَعْطَيْت " وَعَن أبي هُرَيْرَة: " فِي كل صَلَاة قِرَاءَة، فَمَا
أسمعنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسمعناكم وَمَا
أخفاه منا أخفيناه مِنْكُم، من قَرَأَ بِأم الْقُرْآن فقد أَجْزَأت عَنهُ
وَمن زَاد فَهُوَ أفضل ". أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح.
(2/202)
وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أم الْقُرْآن / عوض
غَيرهَا، وَلَيْسَ غَيرهَا مِنْهَا عوض " قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم:
رُوَاة هَذَا الحَدِيث أَكْثَرهم أَئِمَّة وَكلهمْ ثِقَات، وَاسْتَدَلُّوا
بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ للرجل: " إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر
مَعَك من الْقُرْآن " وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ أمره أَن يقْرَأ
مَا تيَسّر مَعَه من الْقُرْآن وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الْفَاتِحَة لسهولتها
على الألسن وَابْتِدَاء المتعلمين بتعلمها، واستفتاح الْمُصَلِّين صلَاتهم
بِقِرَاءَتِهَا، حَتَّى لَا يكَاد يُوجد مصل يقْرَأ فِي صلَاته غير
الْفَاتِحَة، وإجماعهم على هَذَا دَلِيل على تعْيين الْقِرَاءَة فِي
الْفَاتِحَة، ثمَّ جَمِيع مَا روينَا لطوله " ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك
من الْقُرْآن " وَالرُّجُوع إِلَى الْمُفَسّر أولى وَالله أعلم. وَعَن قيس
بن أبي حَازِم قَالَ صليت خلف ابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ، " فَقَرَأَ لي
أول رَكْعَة بِالْحَمْد، وَأول آيَة من الْبَقَرَة ثمَّ قَامَ فِي
الثَّانِيَة فَقَرَأَ: الْحَمد لله، وَالْآيَة الثَّانِيَة من الْبَقَرَة،
ثمَّ ركع فَلَمَّا انْصَرف أقبل علينا فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى يَقُول
{فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ} قَالَ عَليّ بن عمر: هَذَا إِسْنَاد حسن
وَفِيه حجَّة لمن يَقُول إِن معنى قَوْله: {فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ} إِن
ذَلِك إِنَّمَا هُوَ بعد قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب وَالله أعلم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ: وَحَدِيث أبي سعيد " أمرنَا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(2/203)
أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَا
تيسير " حجَّة فِي ذَلِك أَيْضا، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا روى وهيب بن خَالِد
عَن جَعْفَر بن مَيْمُون عَن أبي عُثْمَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن أنادي
فِي الْمَدِينَة أَنه لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة وَلَو بِفَاتِحَة
الْكتاب " كَذَا رَوَاهُ غير وهيب عَن جَعْفَر بن مَيْمُون وَخَالفهُم
سُفْيَان الثَّوْريّ وَيحيى بن سعيد الْقطَّان فِي آخَرين عَن جَعْفَر
فَقَالَ الثَّوْريّ فِي رِوَايَته عَنهُ: " لَا صَلَاة إِلَّا بقرآن،
بِفَاتِحَة الْكتاب "، فَمَا زَاد، وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَته عَنهُ " لَا
صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب "، فَمَا زَاد وهما إمامان، لم يرد هَذَا
الحَدِيث عَن جَعْفَر أحد أحفظ وأتقن مِنْهُمَا لَا يشك فِي هَذَا إِلَّا
جَاهِل، فَإِذا خالفهما غَيرهمَا فِي لفظ الحَدِيث، والْحَدِيث وَاحِد وَجب
الرُّجُوع إِلَى قَوْلهمَا أَو الْجمع بَينهمَا فَنَقُول: أَرَادَ بقوله
وَلَو بِفَاتِحَة الْكتاب إِذا أَرَادَ الِاقْتِصَار عَلَيْهَا فَلَا يُجزئ
مَا دونهمَا، وَبَيَانه فِي حَدِيث عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة " من قَرَأَ
بِأم الْكتاب لهَذَا أَجْزَأت عَنهُ وَمن زَاد فَهُوَ أفضل " وَالَّذِي
يرْوى " لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب، وَقُرْآن " لَيْسَ بِشَيْء
لم يروه أحد يساوى ذكره وَالْمَحْفُوظ من رِوَايَات هَذِه الْأَحَادِيث مَا
كتبنَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَفِي مَسْأَلَة الْقِرَاءَة خلف الإِمَام
(2/204)
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (121) :
والطمأنينة فِي الرُّكُوع فرض وَكَذَلِكَ الِاعْتِدَال من الرُّكُوع حَتَّى
يطمئن قَائِما فرض، والقعدة بَين السَّجْدَتَيْنِ فَرِيضَة وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: شَيْء من ذَلِك لَيْسَ بفريضة دليلنا حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَوْله للرجل صلي
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْجع
فصل فَإنَّك لم تصل ثَلَاثًا، قَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر
ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن
رَاكِعا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن
سَاجِدا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن
سَاجِدا، ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا " أخرجه فِي الصَّحِيح
(2/205)
البُخَارِيّ وَمُسلم جَمِيعًا وَأَخْرَجَا
أَيْضا فِي الصَّحِيح عَن أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " أقِيمُوا الرُّكُوع وَالسُّجُود فوَاللَّه إِنِّي
لأَرَاكُمْ من بعدِي، وَرُبمَا قَالَ من بعد ظَهْري إِذا رَكَعْتُمْ
وَسَجَدْتُمْ " وَعند مُسلم عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَتموا الرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِنِّي أَرَاكُم بعد
ظَهْري " وَعند البُخَارِيّ عَن الصَّلْت عَن مهْدي بن مَيْمُون / عَن
وَاصل عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة أَنه مر على رجل يُصَلِّي لَا يتم
رُكُوعًا وَلَا سجودا فَقَالَ لَهُ مُنْذُ كم تصلي هَذِه الصَّلَاة قَالَ:
مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة أَو قَالَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، " فَقَالَ: مَا
صليت لله صَلَاة مُنْذُ كَذَا وَكَذَا "، قَالَ ابْن مهْدي وَأَحْسبهُ
قَالَ: إِن مت مت على غير سنة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -، وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تُجزئ صَلَاة لَا يُقيم الرجل فِيهَا
صلبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود " قَالَ عَليّ بن عمر: هَذَا إِسْنَاد
ثَابت صَحِيح، وَرُوِيَ عَن يحيى بن أبي بكر عَن
(2/206)
إِسْرَائِيل بن أبي يُونُس من حَدِيث
جَابر، قَالَ أَبُو الْفضل عَبَّاس بن مُحَمَّد: لم يروه إِلَّا يحيى بن
أبي بكير وَهُوَ حَدِيث غَرِيب جدا وَرُوِيَ عَن أبي قَتَادَة قَالَ: "
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَسْوَأ
النَّاس سَرقَة الَّذِي يسرق من صلَاته. قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ
يسرق صلَاته قَالَ: لَا يتم ركوعها وَلَا سجودها " رُوَاته ثِقَات،
وَرَوَاهُ عبد الحميد بن أبي الْعشْرين عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن
أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن عبد الرَّحْمَن بن شبْل، قَالَ نهى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَن ثَلَاث عَن نقرة
الْغُرَاب، وافتراش السَّبع، وَلَا يوطن الرجل الْمَكَان يُصَلِّي فِيهِ
كَمَا يوطن الْبَعِير.
(2/207)
مَسْأَلَة (122) :
وَلَا يجوز السُّجُود على كور الْعِمَامَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز
دليلنا من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظم
على الْجَبْهَة، وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَالْيَدَيْنِ والركبتين، وأطراف
الْقَدَمَيْنِ، وَلَا أكف الثَّوْب وَلَا الشّعْر " أخرجه البُخَارِيّ فِي
الصَّحِيح وَأخرجه مُسلم عَن خباب قَالَ: " شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حر الرمضاء فَلم يشكنا " وَرَوَاهُ
أَبُو زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن أبي إِسْحَق قَالَ فِيهِ عَنهُ: "
شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شدَّة
الرمضاء فِي مياهنا وأكفنا فَلم يشكنا "، زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة مجمع
على عَدَالَته وَكَذَلِكَ الطَّرِيق إِلَيْهِ سديد وَالزِّيَادَة من
الثِّقَة مَقْبُولَة وَحَدِيث رِفَاعَة " مكن جبهتك من الأَرْض قد سبق ذكره
فِي مَسْأَلَة التَّكْبِير، وَذكر عَن عِيَاض بن عبد الله الْقرشِي قَالَ:
" رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(2/208)
رجلا يسْجد على كور الْعِمَامَة فَأَوْمأ
بِيَدِهِ، ارْفَعْ عمامتك وَأَوْمَأَ إِلَى جَبهته " وَرُوِيَ عَن ابْن عمر
أَنه " كَانَ ينْزع الْعِمَامَة من جَبهته حَتَّى يسْجد على الأَرْض "،
وَعَن عبَادَة ابْن الصَّامِت " أَنه كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة حسر
الْعِمَامَة على جَبهته " وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَن أنس قَالَ: "
كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
شدَّة الْحر فَإِذا لم يسْتَطع أَحَدنَا أَن يُمكن وَجهه، فِي رِوَايَة
جَبهته من الأَرْض، بسط ثَوْبه فَسجدَ عَلَيْهِ " أخرجه البُخَارِيّ
وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ يُرِيد
بِهِ ثوبا مُنْفَصِلا عَنهُ وَبَيَانه فِيمَا روينَا، وَذكر عَن أنس
أَيْضا: " كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي شدَّة الْحر فَيَأْخُذ أَحَدنَا الْحَصَى فِي يَده وَإِذا
برد وَضعه وَسجد عَلَيْهِ " فَدلَّ أَن بسط الثَّوْب وسجودهم عَلَيْهِ
كَانَ ذَلِك فِي ثوب مُنْفَصِل عَن الْمُصَلِّي وَلَو جَازَ السُّجُود على
ثوب مُتَّصِل لَكَانَ ذَلِك أسهل من تبريد الحصي فِي الْكَفّ ووضعها
للسُّجُود عَلَيْهَا، وَرُوِيَ نَحْو هَذَا عَن جَابر " كنت أُصَلِّي مَعَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الظّهْر فآخذ
قَبْضَة من الْحَصَى فِي كفي حَتَّى تبرد وأضعها لجبهتي إِذا سجدت من شدَّة
الْحر ".
(2/209)
وروى مُحَمَّد بن عِيسَى عَن سَلام بن
سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن الْفضل مَرْفُوعا إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ: "
رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْجد على
ثَوْبه " وَهَؤُلَاء الثَّلَاث كلهم ضِعَاف وروى حُسَيْن بن عبد الله
وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "
كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِي
الثَّوْب الْوَاحِد يَتَّقِي حر الأَرْض وبردها بفضوله " وروى عبد الله بن
الْمُحَرر وَهُوَ مَتْرُوك عَن يزِيد عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يسْجد على كور الْعِمَامَة "،
وروى عبد الْعَزِيز بن عبيد الله بن حَمْزَة بن صُهَيْب حَدِيثا مَرْفُوعا
" فِي السُّجُود فِي أَعلَى الْجَبْهَة مَعَ قصاص الشّعْر وَفِي رِوَايَة
على قصاص الشّعْر "، قَالَ عَليّ بن عمر: تفرد بِهِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ
وروى مَعْنَاهُ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، روى
أَن عمر قَالَ: " إِذا اشْتَدَّ
(2/210)
الْحر فليسجد على ثَوْبه، وَإِذا اشْتَدَّ
الزحام فليسجد على ظهر أَخِيه "، وَهَذَا أَرَادَ بِهِ ثوبا مُنْفَصِلا،
وَالله أعلم وَرُوِيَ عَن كثير بن سليم قَالَ: " رَأَيْت أنس بن مَالك
يسْجد على عمَامَته " وَهَذَا يحْتَمل إِن صَحَّ أَن يكون أَرَادَ على
عمَامَته وجبهته كَمَا قُلْنَا فِي الْمسْح على الْعِمَامَة، أَرَادَ
عَلَيْهَا وعَلى الرَّأْس، وَعَامة مَا يحتجون بِهِ فِي جَوَاز السُّجُود
على كور الْعِمَامَة لَا يثبت، وَأقرب مَا رُوِيَ فِي ذَلِك قَول الْحسن
الْبَصْرِيّ " كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَسْجُدُونَ وأيديهم فِي ثِيَابهمْ، وَيسْجد الرجل مِنْهُم
على عمَامَته " وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ يسْجد على عمَامَته وجبهته،
كَمَا قُلْنَا فِي الْمسْح بِالِاحْتِيَاطِ لفرط السُّجُود أَولا وَالله
أعلم.
مَسْأَلَة (123) :
وَوضع الْيَدَيْنِ والركبتين فرض فِي السُّجُود كوضع الْجَبْهَة على أحد
الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة؛ لَيْسَ بِفَرْض دليلنا عَن ابْن
عَبَّاس
(2/211)
قَالَ: " أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يسْجد على سَبْعَة يَدَيْهِ، وركبتيه، وأطراف
أَصَابِعه، وجبهته، وَنهى أَن يكف مِنْهَا الشّعْر وَالثيَاب " أخرجه مُسلم
وَأخرجه البُخَارِيّ كَمَا سبق وروى مُسلم فِي الصَّحِيح عَن الْعَبَّاس بن
عبد الْمطلب / أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يَقُول: " إِذا سجد العَبْد سجد مَعَه سَبْعَة أراب وَجهه وَكَفاهُ
وركبتيه وَقَدمَاهُ " وَعِنْده أَيْضا عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا سجدت فضع كفيك
وارفع مرفقيك " وَعند أبي دَاوُد عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَفعه قَالَ: "
إِن الْيَدَيْنِ تسجدان كَمَا يسْجد الْوَجْه فَإِذا وضع أحدكُم وَجهه
فليضع يَدَيْهِ وَإِذا رَفعه فليرفعهما " وَدَلِيل القَوْل الثَّانِي: مَا
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِذا سجد قَالَ: " اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك آمَنت، وَلَك
أسلمت وَعَلَيْك توكلت، سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره
فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ ". أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح،
اقْتِصَاره على ذكر الْوَجْه لَا يدل على أَن الرُّكْبَتَيْنِ
وَالْيَدَيْنِ لَيْسَ من شَرَائِط السُّجُود، لِأَن بعض الشَّيْء يذكر
وَالْمرَاد بِهِ جملَته وَبَيَانه فِيمَا روينَا وَالله أعلم.
(2/212)
مَسْأَلَة (124) :
وَالْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَرِيضَة بمثابتها فِي
الأوليتين وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيست بفريضة وَدَلِيلنَا، عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رجلا دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نَاحيَة الْمَسْجِد فصلى، الحَدِيث " وَفِيه
إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبع الْوضُوء ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة ثمَّ
اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن، وَقَالَ فِي آخِره ثمَّ افْعَل
ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وَفِي
رِوَايَة عِنْدهمَا الحَدِيث وَقَالَ فِي آخِره، " ثمَّ كَذَلِك فِي كل
رَكْعَة وَسجْدَة "، وَحَدِيث أبي قَتَادَة أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ فِي الْأُخْرَيَيْنِ " بِفَاتِحَة
الْكتاب وَقَوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث مَالك
بن الْحُوَيْرِث " صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ". دَلِيل فِي هَذِه
الْمَسْأَلَة.
وروى عَاصِم بن أبي النجُود عَن ذكْوَان عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا "
أَنَّهَا كَانَت تَأمر بِالْقِرَاءَةِ بِفَاتِحَة الْكتاب فِي
الْأُخْرَيَيْنِ " وَعَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ مثله رَوَاهُ
وهب بن كيسَان أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: " من صلى رَكْعَة لم
يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن فَلم
(2/213)
يصل إِلَّا وَرَاء الإِمَام " وَقَوله
وَرَاء الإِمَام يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ إِذا أدْرك الإِمَام فِي
الرُّكُوع فَسقط عَنهُ الْقِرَاءَة كَمَا سقط عَنهُ الْقيام، احْتَجُّوا
بِمَا رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ " أَنه كَانَ لَا يقْرَأ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ وَيَقُول هما التسبيحتان " وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ،
وَإِنَّمَا يرويهِ الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَق عَن الْحَارِث والْحَارث غير
مُحْتَج بِهِ، قَالَ الشّعبِيّ حَدثنَا الْحَارِث، وَأشْهد بِاللَّه أَنه
أحد الْكَذَّابين ويوضح مَا ذكرنَا من ضعفه، مَا روينَا بِإِسْنَاد صَحِيح
عَن ابْن أبي رَافع عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ " أَنه كَانَ يَأْمر فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ من الظّهْر وَالْعصر بِفَاتِحَة الْكتاب
".
مَسْأَلَة (125) :
وَالتَّشَهُّد الْأَخير فِي الصَّلَاة وَاجِب قَالَ أَبُو حنيفَة: غير
وَاجِب، دليلنا: حَدِيث ابْن مَسْعُود كُنَّا إِذا صلينَا خلف رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحَدِيث فِي التَّشَهُّد وَقَالَ
فِيهِ: فَالْتَفت إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ: الله هُوَ السَّلَام، فَإِذا صلى أحدكُم فَلْيقل: "
التَّحِيَّات لله " الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَفِي رِوَايَة
فَقَالَ
(2/214)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " قُولُوا التَّحِيَّات لله " وَحَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا الْقُرْآن " أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح وَحَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي حَدِيث صفة الصَّلَاة أَن
نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطب لنا وَبَين لنا
سنتنا وَعلمنَا صَلَاتنَا فَإِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة الحَدِيث،
وَقَالَ فِيهِ: " فَإِذا كَانَ عِنْد الْقعدَة فَلْيَكُن من أول قَول
أحدكُم: التَّحِيَّات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات " وَذكرنَا فِي التَّشَهُّد
أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح وَفِي رِوَايَة عِنْده الحَدِيث وَفِيه " فَإِذا
كَانَ عِنْد الْقعُود فَلْيَكُن أول مَا يتَكَلَّم بِهِ التَّحِيَّات
الطَّيِّبَات الزاكيات لله ".
وَرُوِيَ عَن اللَّيْث بن سعد بِإِسْنَادِهِ عَن الْفضل بن الْعَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: " الصَّلَاة مثنى مثنى، يشْهد فِي كل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تضرع
وتخشع وتسكن (وَيرْفَع يَقُول تسْتَقْبل) بهما وَجهك وَيَقُول: يَا رب، يَا
رب، فَمن لم يفعل فَهِيَ خداج " خَالفه شُعْبَة فِي إِسْنَاده وَبَعض
مَتنه، قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ: سَمِعت البُخَارِيّ
(2/215)
يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث، رِوَايَة
اللَّيْث أصح من حَدِيث شُعْبَة وَشعْبَة أَخطَأ فِي هَذَا الحَدِيث فِي
مَوَاضِع قَالَ عَن أنس / بن أبي أويس وَإِنَّمَا هُوَ عمرَان بن أبي أويس،
وَقَالَ عبد الله بن الْحَارِث وَإِنَّمَا هُوَ عبد الله بن نَافِع عَن
ربيعَة بن الْحَارِث وَرَبِيعَة بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الْمطلب
فَقَالَ هُوَ عَن الْمطلب وَلم يذكر فِيهِ الْفضل بن الْعَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُم وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ " لَا تجوز صَلَاة إِلَّا بتشهد
"، وَعَن عبد الله قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن "
وَيَقُول: " تعلمُوا فَإِنَّهُ لَا صَلَاة إِلَّا
بتشهد " وَعنهُ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " التَّشَهُّد تَمام الصَّلَاة "،
وأدلتهم مخرجة فِي مَسْأَلَة التَّحْلِيل مجاب عَنْهَا وَالله أعلم.
(2/216)
مَسْأَلَة (126) :
وَالصَّلَاة على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَرِيضَة فِي التَّشَهُّد الْأَخير وركن من أَرْكَان الصَّلَاة، وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: إِنَّهَا سنة دليلنا: مَا عَن كَعْب بن عجْرَة أَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل علينا فَقُلْنَا: يَا رَسُول
الله إِنَّا قد عرفنَا السَّلَام، فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ: " قُولُوا
اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم
إِنَّك حميد مجيد، اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا
باركت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد "، أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي
الصَّحِيح، وَعِنْدَهُمَا أَيْضا: عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ لما نزلت
هَذِه الْآيَة {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} ، قُلْنَا يَا رَسُول
الله: كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك؟ قَالَ: " قُولُوا اللَّهُمَّ صل على
مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل
إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد ". وَعَن أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالُوا: يَا
رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: " قُولُوا اللَّهُمَّ صل على
مُحَمَّد وأزواجه وَذريته، كَمَا صليت على
(2/217)
إِبْرَاهِيم، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى
آل مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته، كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم إِنَّك
حميد مجيد ".
وَعند مُسلم عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ أَنه رأى يَعْنِي النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مجْلِس سعد بن عبَادَة، فَقَالَ
لَهُ بشير بن سعد: أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك يَا نَبِي الله! فَكيف
نصلي عَلَيْك؟ فَسكت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
حَتَّى تمنينا لم يسْأَله، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد
كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا
باركت على إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد وَالسَّلَام كَمَا
قد علمْتُم " وَرُوِيَ عَن فضَالة بن عبيد الْأنْصَارِيّ: أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى رجلا لم يحمد الله وَلم يمجده
وَلم يصل على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَانْصَرف فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
عجل هَذَا، فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ وَلغيره: إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتمجيد
ربه، وَفِي رِوَايَة تحميد ربه وَالثنَاء عَلَيْهِ، وَليصل على النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ "، قَالَ
الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
(2/218)
وروى عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل
بن سعد السَّاعِدِيّ عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول: " لَا صَلَاة لمن لم يصل على النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. عبد الْمُهَيْمِن لَيْسَ
بِالْقَوِيّ والاعتماد على مَا سبق، وَرُوِيَ عَن أبي مَسْعُود البدري
قَالَ: " لَو صليت صَلَاة لَا أُصَلِّي فِيهَا على مُحَمَّد وعَلى آل
مُحَمَّد مَا رَأَيْت أَنَّهَا تتمّ " وَقد روى جَابر الْجعْفِيّ، فِي
الْبَاب حَدِيثا مَرْفُوعا عَن أبي مَسْعُود " من صلى صَلَاة لم يصل عَليّ
وعَلى أهل بَيْتِي لم يقبل مِنْهُ " وَجَابِر ضَعِيف، وَقد اخْتلف عَنهُ
فَروِيَ عَن عَائِشَة مَرْفُوعا " لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور وبالصلاة
عَليّ "، وَعَن بُرَيْدَة " إِذا جَلَست فِي صَلَاتك فَلَا تتركن فِي
التَّشَهُّد لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله وَالصَّلَاة عَليّ
وعَلى جَمِيع أَنْبيَاء الله " روى الشّعبِيّ قَالَ: " من لم يصل على
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد الْأَخير
فليعد صلَاته أَو قَالَ: لَا تُجزئ صلَاته " فَهَذَا عَن الشّعبِيّ يبطل
قَوْلهم من الْعلمَاء لم يَقُولُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِوُجُوب
الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ
مذهبكم، وروينا عَن الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن
(2/219)
أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن
الْحُسَيْن يَعْنِي مَا روينَا عَن الشّعبِيّ وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (127) :
وَالْخُرُوج من الصَّلَاة بِالسَّلَامِ وَاجِب على من أحْسنه، وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: كل قطع الصَّلَاة / إِذا فعله فِي خلَافهَا عمدا خرج بِهِ من
الصَّلَاة إِذا فعله فِي غَيرهَا دليلنا من طَرِيق الْخَبَر: حَدِيث جَابر
بن سَمُرَة " كُنَّا إِذا صلينَا خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قُلْنَا يَعْنِي الْإِشَارَة بِأُصْبُعِهِ السبابَة،
السَّلَام عَلَيْكُم، قَالَ لنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مَا بَال أَقوام يومئون بِأَيْدِيهِم فِي الصَّلَاة كأذناب
خيل الشَّمْس أَلا يَكْفِي أحدهم أَن يضع يَده على فَخذه ثمَّ يسلم على
أَخِيه من عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح وَعِنْده
فِي رِوَايَة عَنهُ بِمَعْنَاهُ عَنهُ قَالَ " إِنَّمَا يَكْفِي أحدكُم أَن
يضع يَده على فَخذه ثمَّ يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله السَّلَام
عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله " وَعِنْده، عَن عَائِشَة: فِي صفة صَلَاة رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَت فِي آخِره " كَانَ
يخْتم الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ "، وَعِنْده عَن سعد
(2/220)
" كنت أرى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى أرى بَيَاض
خَدّه " اتفقَا على حَدِيث عتْبَان وَفِيه " ثمَّ سلم يَعْنِي رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسلمنَا حِين سلم "، وَقد أَمر -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالتَّسْلِيمِ، فِي حَدِيث عبد الله
فِي سَجْدَتي السَّهْو قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
إِذا شكّ أحدكُم فِي الصَّلَاة فليتحر الصَّوَاب ثمَّ يسلم ثمَّ يسْجد
سَجْدَتَيْنِ " اتفقَا على صِحَّته، وَرُوِيَ من طرق عَن عبد الله أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يسلم عَن
يَمِينه وَعَن يسَاره " وَعَن عبد الله بن عَمْرو عَن أبي سعيد، وَعَن
وَائِل الْحَضْرَمِيّ، وَعَن الْبَراء بن عَازِب ثمَّ قَالَ وَقد تَابع عبد
الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ على تسليمتي رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن عَمْرو،
وَوَائِل بن حجر وَجَابِر بن سَمُرَة والبراء وَعبد الله بن زيد وَسَهل بن
سعد وواثلة بن الْأَسْقَع ثمَّ روى عَن
(2/221)
عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة وَاحِدَة
تِلْقَاء وَجهه يمِيل إِلَى الشق الْأَيْمن شَيْئا " قَالَ الْحَاكِم أَبُو
عبد الله: هَذَا حَدِيث صَحِيح تَابعهمْ على ذَلِك أنس وَسمرَة وذكرهما
ثمَّ روى عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: " مِفْتَاح الصَّلَاة الْوضُوء وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها
التَّسْلِيم "، قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
وروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مِفْتَاح الصَّلَاة الْوضُوء، وتحريمها
التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم "، وَرُوِيَ عَن عبد الله قَالَ "
مِفْتَاح الصَّلَاة التَّكْبِير، وانقضاؤها بِالتَّسْلِيمِ إِذا سلم
الإِمَام فَقُمْ إِن شِئْت " وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث رُوِيَ عَن معلي بن
مَنْصُور الرَّازِيّ عَن يَعْقُوب يَعْنِي أَبَا يُوسُف، حَدثنَا أَبُو
حنيفَة حَدثنَا الْحسن بن الْحر
(2/222)
عَن الْقَاسِم ابْن مخيمرة قَالَ: " أَخذ
عَلْقَمَة بيَدي فَحَدثني أَن عبد الله بن مَسْعُود، أَخذ بِيَدِهِ وَأَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخذ بيد عبد الله
فَعلمه التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة فَقَالَ قل: التَّحِيَّات لله وَذكره
ثمَّ قَالَ: فَإِذا فعلت أَو قلت هَذَا، فقد قضيت صَلَاتك فَإِن شِئْت أَن
تقم فَقُمْ، وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ "، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس
ابْن عَبده: لَيْسَ هَذَا من حَدِيث أبي حنيفَة، إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو
يُوسُف عَن أبي خَيْثَمَة، وَهُوَ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة قَالَ أَبُو عَليّ
الْحَافِظ: هَذَا خطأ وَأَبُو يُوسُف إِنَّمَا أَرَادَ عَن أبي خَيْثَمَة
وَأَبُو حنيفَة لم يعرف لَهُ عَن الْحسن بن الْحر حَدِيث، قَالَ أَبُو عبد
الله الْحَاكِم: أَبُو حنيفَة وهم فِيهِ الرَّاوِي وَأَرَادَ أَبَا
خَيْثَمَة، وَقد يَقع التَّصْحِيف فِي مثله، إِنَّمَا رُوِيَ هَذَا
الْخَبَر فِي الْآثَار عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن
مَسْعُود مُرْسلا وَلَيْسَ فِيهِ هَذِه الزِّيَادَة، قَالَ أَبُو عبد الله
الْحَاكِم: إِن المدرج فِي هَذَا الْخَبَر إِذا فعلت هَذَا، أَو قضيت هَذَا
فقد قضيت صَلَاتك إِلَى الْآخِرَة من كَلَام
(2/223)
عبد الله بن مَسْعُود لَا من كَلَام
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ، أَن أَبَا خَيْثَمَة قد أقرّ
بِالشَّكِّ فِي ذَلِك الْموضع من الْخَبَر فِي الرِّوَايَات كلهَا عَنهُ،
فَأَما أَبُو النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه،
قَالَ أَبُو خَيْثَمَة: حَدثنِي من سَمعه قَالَ: يَعْنِي أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِذا فعلت
هَذَا فَذكره وَقَالَ عَاصِم بن عَليّ فِي حَدِيثه: قَالَ / أَبُو
خَيْثَمَة وَلَا أحسبني إِلَّا قد سمعته، وَقد يبْقى الإِمَام أَبُو
زَكَرِيَّا يحيى بن يحيى ريحانه أهل خراسانة رَحمَه الله بروايته عَن
زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وأتقن عَنهُ إرْسَاله هَذِه اللَّفْظَة عَن مَجْهُول
لم يذكرهُ، وَأما أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي فَإِنَّهُ قد
أخبر فِي رِوَايَته عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة أَن بعض هَذَا الحَدِيث
انمحى من كتاب زُهَيْر أَو عرف فَذَلِك شكّ فِيهِ، كَذَلِك هَذَا كُله
كَلَام أبي عبد الله رَحمَه الله تَعَالَى، قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله
عَنهُ: إِنَّمَا قَالَ يحيى بن يحيى عَن زُهَيْر بلغت حفظي عَن الْحسن
فَذكر الزِّيَادَة، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن
(2/224)
زُهَيْر مَوْقُوفا قَالَ أَبُو عَليّ
الْحَافِظ: وهم زُهَيْر بن مُعَاوِيَة فِي رِوَايَته عَن الْحسن بن الْحر
وأدرج فِي كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا
لَيْسَ من كَلَامه وَهُوَ قَوْله: " إِذا فعلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك
هَذَا إِنَّمَا هُوَ من قَول عبد الله بن مَسْعُود.
وَالدَّلِيل الْوَاضِح على صِحَة مَا ذكره أَبُو عَليّ الْحَافِظ وَأَبُو
عبد الله رحمهمَا الله، إِن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان، قد روى
هَذَا الْخَبَر عَن ابْن الْحر فميز هَذِه الْكَلِمَة من كَلِمَات رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: قَالَ عَليّ بن
مَسْعُود، قَالَ عَليّ بن عمر رَحمَه الله تَعَالَى: وَرَوَاهُ زُهَيْر بن
مُعَاوِيَة عَن الْحسن بن الْحر فَزَاد فِي آخِره كلَاما، فأدرجه بَعضهم
عَن زُهَيْر فِي الحَدِيث، وَوَصله بِكَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وفصله شَبابَة عَن زُهَيْر، وَحَوله عَن كَلَام
ابْن مَسْعُود، وَقَوله: أشبه بِالصَّوَابِ من قَول من أدرجه فِي حَدِيث
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَن ابْن ثَوْبَان
رَوَاهُ عَن الْحسن بن الْحر، كَذَلِك، وَجعل آخِره من قَول ابْن مَسْعُود،
ولاتفاق حُسَيْن الْجعْفِيّ وَابْن عجلَان وَغَيرهَا فِي روايتهم عَن
(2/225)
الْحسن بن الْحر على ترك ذكره فِي آخر
الحَدِيث مَعَ اتِّفَاق كل من روى التَّشَهُّد عَن عَلْقَمَة وَعَن غَيره
عَن عبد الله على ذَلِك، وَالله أعلم " وَهُوَ كَمَا قَالَ إمامنا أَبُو
الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى، فقد رَوَاهُ مَكْحُول فَقِيه أهل دمشق
وَيزِيد بن أبي مَرْيَم، عَن الْقَاسِم بن مخيمرة دون ذكر هَذِه
الزِّيَادَة وَرَوَاهُ عَامر الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعَمْرو
بن عبد الله السبيعِي، وَعبد الْملك بن عُمَيْر عَن عَلْقَمَة بن قيس دون
ذكر هَذِه الزِّيَادَة وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَإِن كَانَ عدلا ثِقَة
فقد أقرّ على نَفسه بِالشَّكِّ فِي آخر الحَدِيث وَلَا يذهب يَقِين غَيره
بشكه فقد حفظه ابْن ثَوْبَان وميز عَن كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَيْسَ مِنْهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى قَوْله أولى
وَالله أعلم.
قَالَ دُحَيْم: ابْن ثَوْبَان ثِقَة، وَقَالَ البُخَارِيّ: ابْن ثَوْبَان
الشَّامي الزَّاهِد وَقَالَ أَبُو عَليّ الْحَافِظ: ابْن ثَوْبَان حَافظ
مُمَيّز من
(2/226)
أَئِمَّة أهل الشَّام فَإِن قيل قد روى
مُحَمَّد بن أبان عَن الْحسن بن الْحَرْب وأدرجه فِي كَلَام النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُلْنَا: مُتَابعَة مُحَمَّد بن أبان
عَن الْحسن لشك زُهَيْر بن يزِيد الحَدِيث، وَهنا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّن
يقبل مِنْهُ، مَا يُوَافق الْأَثْبَات فَكيف مَا يُخَالف فِيهِ الثِّقَات؟
قَالَ ابْن معِين: مُحَمَّد بن أبان الْجعْفِيّ ضَعِيف، قَالَ البُخَارِيّ:
لَيْسَ بِالْقَوِيّ، فقد ظهر لمن وفْق أَن هَذِه الزِّيَادَة من قَول ابْن
مَسْعُود، لَا من قَول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
على أَنه كالشاذ من قَول عبد الله أَيْضا، وَإِن استدلوا بِمَا روى عبد
الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع عَن بكر بن
سوَادَة عَن عبد الله بن عَمْرو مَرْفُوعا: " إِذا رفع رَأسه من آخر
السُّجُود ثمَّ أحدث فقد تمت صلَاته " وَرُوِيَ عَنهُ بِأَلْفَاظ أخر
وَزِيَادَة، قَالَ أَبُو عبد الله الْحَافِظ: تقال للمتحج بِهَذَا الْخَبَر
إِنَّه خبر مُضْطَرب الْمَتْن والإسناد وَرُوَاته، الَّذِي تفرد بِهِ
بروايته، عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الأفريقي.
قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: " لَا يكْتب حَدِيث أَرْبَعَة مُوسَى ابْن
(2/227)
عُبَيْدَة، وَعبد الرَّحْمَن زِيَاد بن
أنعم، وجويبر بن سعيد، وَإِسْحَق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة " قَالَ
عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: سَأَلته يَعْنِي ابْن معِين عَن عبد
الرَّحْمَن الأفريقي فَقَالَ ضَعِيف، وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
حَدثنَا الْمقري عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم فِي حَدِيثه بعض
الْمَنَاكِير، وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني: عبد
الرَّحْمَن بن زِيَاد غير مَحْمُود فِي الحَدِيث وَكَانَ صَارِمًا خبيثا،
قَالَ أَبُو عبد الله: فَهَذَا حَال الأفريقي عِنْد من يرجع إِلَيْهِم فِي
الْجرْح وَالتَّعْدِيل من أَعْلَام الْمُسلمين وأئمة الدّين فَلْينْظر
امْرُؤ لدينِهِ أَن لَا يَجْعَل مثله حجَّة فِيمَا بَينه وَبَين الله فِي
ترك التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على نبيه الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعَلى آله /.
(2/228)
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر حَدِيث أَوْهَى
إِسْنَادًا من حَدِيث ابْن عَمْرو وَلَا تقوم الْحجَّة بِمثل رُوَاته فَإِن
أَكْثَرهم مَجْهُولُونَ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا
مَا انْتهى إِلَيْنَا، مِمَّا قَالَ أَئِمَّتنَا رَضِي الله عَنْهُم فِي
عِلّة هَذِه الْأَحَادِيث وجرح رواتها مَا أَقَمْنَا عَلَيْهِ من
الْبَرَاهِين على وجوب التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والتحليل من الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ وَفِي
ذَلِك غنية لمن تدبره وَلم يعاند الْحق وَأَهله ثمَّ لَو قابلنا الْيَقِين
بِالشَّكِّ، وَرِوَايَات الْحفاظ والمقبولين بروايات الضُّعَفَاء
والمجروحين، وَقَبلنَا هَذِه الرِّوَايَات الَّتِي رويناها لَهُم
وَكَأَنَّهُ كَانَ قبل أَن شرع التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة، وَالصَّلَاة على
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والتحليل مِنْهَا
بِالتَّسْلِيمِ، ثمَّ صَار مَنْسُوخا وَالدَّلِيل على صِحَة ذَلِك
الرِّوَايَة الثَّابِتَة من عَطاء بن أبي رَبَاح، قَالَ: كَانَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قعد فِي آخر صلَاته قدر
التَّشَهُّد أقبل على النَّاس بِوَجْهِهِ، وَذَلِكَ قبل أَن ينزل
التَّسْلِيم " وروى عَاصِم بن ضَمرَة من قَوْله: " إِذا قعد قدر
التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته "، وَعَاصِم لَيْسَ بِحجَّة وَإِن كُنَّا نروي
حَدِيثه على طَرِيق الِاسْتِئْنَاس والاستشهادات، قَالَ عَليّ بن سعيد
النسوي سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَمَّن ترك التَّشَهُّد، قَالَ: يُعِيد
الصَّلَاة قلت فَحَدِيث من قعد مِقْدَار التَّشَهُّد فَقَالَ: لَا
(2/229)
يَصح وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (128) :
وَمن لم يحسن قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَلَا غَيرهَا من الْقُرْآن فَإِنَّهُ
يذكر الله تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه الذّكر فَيقوم قدر
الْقِرَاءَة ثمَّ يرْكَع، وَرُوِيَ أَبُو دَاوُد عَن رِفَاعَة بن رَافع أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقص الحَدِيث وَفِيه "
فَتَوَضَّأ كَمَا أَمرك الله ثمَّ تشهد فأقم ثمَّ كبر فَإِن كَانَ مَعَك
قُرْآن فاقرأ بِهِ، وَإِلَّا فاحمد الله وَكبره، وَهَلله، وَقَالَ فِيهِ:
وَإِن انتقصت مِنْهُ شَيْئا انتقصت من صَلَاتك "، وَرُوِيَ عَن ابْن أبي
أوفى قَالَ: " أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل
فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا فعلمني مَا
يجزئني من الْقُرْآن، قَالَ: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه
إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، فَقَالَ
هَذَا لله فَمَا لي، قَالَ: قل اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وَعَافنِي
وارزقني "
(2/230)
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (129) :
وترجمة الْقُرْآن عندنَا لَيست بقرآن تجزي بهَا الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: إِنَّهَا تقوم مقَام الْقُرْآن فِي جَوَاز الصَّلَاة بهَا. عِنْد
مُسلم فِي الصَّحِيح عَن أبي بن كَعْب " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ عِنْد
أضاة بني غفار فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَنْت وَأمتك أَن تقْرَأ
الْقُرْآن على حرف فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: " أسأَل الله معافاته ومغفرته " وَذكر الحَدِيث إِلَى أَن " قَالَ:
ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَنْت وَأمتك أَن تقْرَأ
الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف، أَي حرف قرأوا عَلَيْهِ فقد أَصَابُوا "،
وَعِنْده أَيْضا: حَدِيث عمر بن الْخطاب: مَرَرْت بِهِشَام بن حَكِيم بن
حزَام يقْرَأ سُورَة الْفرْقَان وَبعده، حَدِيث ابْن
(2/231)
عَبَّاس، وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت قَالَ:
" الْقِرَاءَة سنة "، إِنَّمَا أَرَادَ وَالله أعلم: أَن اتِّبَاع من
قبلنَا فِي الْحُرُوف والقراءات سنة متبعة لَا يجوز مُخَالفَة الْمُصحف
الَّذِي هُوَ إِمَام وَلَا مُخَالفَة الْقرَاءَات الَّتِي هِيَ مَشْهُورَة،
وَإِن كَانَ غير ذَلِك شَائِعا فِي اللُّغَة وَأظْهر فِيهَا وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ.
مَسْأَلَة (130) :
وَإِذا صلى الْجنب بِقوم لم يعلمُوا بجنابته ثمَّ أخْبرهُم بهَا لم
يلْزمهُم الْإِعَادَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمهُم الْإِعَادَة
وأصحابنا يستدلون بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة: " أُقِيمَت
الصَّلَاة وصف النَّاس صفوفهم فَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - حَتَّى قَامَ مقَامه ثمَّ ذكر أَنه لم يغْتَسل فَقَالَ:
مَكَانكُمْ فَانْصَرف إِلَى منزله فاغتسل ثمَّ خرج حَتَّى قَامَ مَكَانَهُ
وَرَأسه ينطف المَاء " وَرَوَاهُ عبد الله بن وهب عَن يُونُس عَن
الزُّهْرِيّ، وَقَالَ فِيهِ: " فَأتى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى إِذا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قبل
(2/232)
أَن يكبر ذكر أَنه جنب وَانْصَرف "
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن أبي هُرَيْرَة " أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كبر " وَرَوَاهُ أَبُو
بكر " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل فِي
صَلَاة الْفجْر فأوصى بِيَدِهِ أَن مَكَانكُمْ ثمَّ جَاءَ وَرَأسه يقطر
فصلى بهم، وَفِي رِوَايَة عِنْد أبي دَاوُد بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِي أَوله
فَكبر وَقَالَ فِي آخِره فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قَالَ: " إِنَّمَا أَنا
بشر، وَإِنِّي كنت جنبا " رُوَاته ثِقَات، فقد احْتج البُخَارِيّ
بِزِيَادَة الأعلم وَاحْتج مُسلم بحماد بن سَلمَة، وروى الْحسن بن عبد
الرَّحْمَن بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة
مَعْنَاهُ تفرد الْحسن بِرَفْعِهِ وروى هِشَام عَن /، عبيد الله بن معَاذ
عَن أنس " دخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة
فَكبر، فكبرنا مَعَه، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْم أَي كَمَا أَنْتُم؟ فَلم
نزل قيَاما حَتَّى أَتَانَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " وَكَذَلِكَ عُثْمَان بن
(2/233)
سعيد الدَّارمِيّ عَن عبيد الله بن معَاذ،
وَرَوَاهُ عَطاء بن يسَار مُرْسلا " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كبر فِي صَلَاة من الصَّلَوَات ثمَّ أَشَارَ
بيدَيْهِ امكثوا ثمَّ رَجَعَ وعَلى جلده أثر المَاء "، وَهَذَا الْمُرْسل
لعطاء بن يسَار يقوى بانضمام مُرْسل مُحَمَّد بن سِيرِين عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَبِمَا يرويهِ عبد الْوَهَّاب بن
عَطاء عَن ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن بكر بن عبد الله عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.
وبإجماع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فقد روينَا عَن عمر وَعُثْمَان
رَضِي الله عَنْهُمَا فعلهمَا فِي خِلَافَتهمَا بمشهد من الصَّحَابَة
وصلاتهما بهم من غير نَكِير من أحد مِنْهُم وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن عمر
رَضِي الله عَنْهُمَا مثل مَا قُلْنَا وَعند البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " يصلونَ لكم فَإِن أَصَابُوا فلكم وَلَهُم وَأَن أخطئوا
فلكم وَعَلَيْهِم " وَقد صَحَّ عَن عمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا
مثل مَا قُلْنَا أَن عمر صلى بِالنَّاسِ وَهُوَ جنب، فَأَعَادَ وَلم
يَأْمُرهُم أَن يُعِيدُوا. وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن هِشَام عَن
أَبِيه عَن زبيد بن
(2/234)
الصَّلْت أَنه قَالَ خرجت مَعَ عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى الجرف فنظروا فَإِذا هُوَ قد احْتَلَمَ
وَصلى وَلم يغْتَسل فَقَالَ مَا أَرَانِي إِلَّا قد احْتَلَمت وَمَا شَعرت،
وَصليت وَمَا اغْتَسَلت، قَالَ فاغتسل وَغسل مَا رأى ونضح مَا لم ير وَأذن
وَأقَام ثمَّ صلى بعد ارْتِفَاع الضُّحَى مُتَمَكنًا وَرَوَاهُ أنس أبين من
هَذَا وَفِيه زِيَادَة أَلْفَاظ إِسْحَاق بن يحيى بِإِسْنَاد آخر عَن
مُطِيع بن الْأسود وَلَا بَأْس بِهِ فِيمَا يُوَافق الْأَثْبَات وَلَا
يُخَالف الْأَثْبَات قَالَ فِيهِ " وَلم يَأْمر أحدا بِإِعَادَة الصَّلَاة
"، وروى عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن هشيم عَن خَالِد بن سَلمَة عَن
مُحَمَّد بن عَمْرو بن الْحَارِث بن أبي ضرار " أَن عُثْمَان رَضِي الله
عَنهُ صلى بِالنَّاسِ وَهُوَ جنب فَلَمَّا أصبح نظر فِي ثَوْبه احتلاما
فَقَالَ: كَبرت وَالله لَا أَدْرِي أَنِّي أجنب ثمَّ لَا أعلم ثمَّ أعَاد
وَلم يَأْمُرهُم (أَن) يُعِيدُوا، قَالَ عبد الرَّحْمَن: سَأَلت سُفْيَان
عَنهُ فَقَالَ: قد سمعته من خَالِد بن سَلمَة وَلَا أجئ بِهِ كَمَا أُرِيد
قَالَ عبد الرَّحْمَن وَهَذَا الْمُجْتَمع عَلَيْهِ، الْجنب يُعِيد وَلَا
يعيدون مَا أعلم فِيهِ اخْتِلَافا.
(2/235)
وَرُوِيَ بِإِسْنَاد رُوَاته كلهم ثِقَات
عَن سَالم عَن أَبِيه فِي رجل صلى بِقوم وَهُوَ على غير وضوء قَالَ: يُعِيد
وَلَا يعيدون. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا روى أَبُو جَابر البياضي، عَن ابْن
الْمسيب " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى
بِالنَّاسِ وَهُوَ جنب فَأَعَادَ وأعادوا "، قَالَ عَليّ بن عمر: هَذَا
مُرْسل وَأَبُو جَابر مَتْرُوك الحَدِيث، قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله:
الرِّوَايَة عَن حرَام بن عمر بن حرَام، وَمن روى عَن أبي جَابر البياضي
بيض الله عَيْنَيْهِ وَقَالَ مَالك لم يكن رضَا، وَقَالَ ابْن معِين: كَانَ
كذابا، وروينا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ مثل مَذْهَبنَا وَعَن
الثَّوْريّ لَهُ قَالَ: " لَا نعلم أحدا قَالَ: يُعِيد ويعيدون، غير
حَمَّاد " ويروون ذَلِك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، بِإِسْنَاد لَا تقوم
بِهِ حجَّة، رَوَاهُ عَمْرو بن خَالِد أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ وَهُوَ
مَتْرُوك الحَدِيث، رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل
(2/236)
بِالْكَذِبِ، عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن
عَاصِم بن ضَمرَة، قَالَ الثَّوْريّ: إِن حبيب بن أبي ثَابت لم يرو عَن
عَاصِم بن ضَمرَة شَيْئا قطّ، وَعَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ لَيْسَ
فِي الحَدِيث قَوْله لمن يَقُول: " إِذا صلى الإِمَام بِغَيْر وضوء أَن
أَصْحَابه يعيدون " والْحَدِيث الآخر أثبت أَن لَا يعيدون الْقَوْم هَذَا
إِن أَرَادَ الْإِنْصَاف بِالْحَدِيثِ " والْحَدِيث. ثمَّ يعارضهما مَا
رُوِيَ عَن الْبَراء قَالَ: " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَلَيْسَ هُوَ على وضوء فتمت للْقَوْم وَأعَاد النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَعنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَيّمَا إِمَام صلى بِالنَّاسِ
وَهُوَ جنب أَو على غير وضوء فقد تمت صَلَاة الْقَوْم وَيُعِيد الإِمَام ".
مَسْأَلَة (131) :
وَبَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه وَمَا لَا يُؤْكَل لَحْمه فِي النَّجَاسَة
سَوَاء، وَوُجُوب غسل الثَّوْب وَالْبدن مِنْهُ، وَفرق أَبُو حنيفَة
بَينهمَا فَقَالَ: فِي بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه أَن مَا يُصِيب الْبدن أَو
الثَّوْب فمعفو مَا لم يكن
(2/237)
كَبِيرا فَاحِشا. دليلنا من طَرِيق
الْخَبَر حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - انْتهى إِلَى قبرين فَقَالَ: " إنَّهُمَا ليعذبان وَمَا
يعذبان فِي كَبِير كَانَ أَحدهمَا يمشي بالنميمة وَكَانَ الآخر لَا
يَتَّقِي الْبَوْل قَالَ: ثمَّ أَخذ جَرِيدَة فَكَسرهَا بقطعتين ثمَّ قَالَ
عَسى أَن يُخَفف عَنْهُمَا حَتَّى ييبسا " اتفقَا على صِحَّته، وَفِي
رِوَايَة عِنْد البُخَارِيّ " فَكَانَ لَا يسْتَتر من الْبَوْل " وَرُوِيَ
عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " أَكثر عَذَاب الْقَبْر فِي الْبَوْل " وَاسْتَدَلُّوا بِمَا روى
سوار بن مُصعب عَن مطرف عَن أبي الجهم عَن الْبَراء مَرْفُوعا " لَا بَأْس
ببول مَا أكل لَحْمه " / قَالَ عَليّ بن عمر: " خَالفه يحيى بن الْعَلَاء
يَعْنِي من رِوَايَة عمر بن الْحصين عَنهُ عَن مطرف عَن محَارب عَن جَابر،
وَعَمْرو بن الْحصين وَيحيى بن الْعَلَاء ضعيفان وسوار أَيْضا مَتْرُوك قد
اخْتلف عَنهُ فَقيل مَا أكل لَحْمه فَلَا بَأْس بسؤره "، قَالَ عَبَّاس
الدوري: قَالَ يحيى بن
(2/238)
معِين يَقُول " سوار الْأَعْمَى ضَعِيف،
وَقَالَ سوار بن مُصعب! كُوفِي وَقد رَأَيْته وَلَيْسَ بِشَيْء كَانَ
يجيئنا إِلَى منزلنا " وَقَالَ البُخَارِيّ: سوار بن مُصعب الهمذاني يعد
فِي الْكُوفِيّين مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ أَيْضا: يحيى بن الْعَلَاء
البَجلِيّ الرَّازِيّ: كَانَ وَكِيع يتَكَلَّم فِيهِ.
وَرُوِيَ عَن مَكْحُول: صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وعنان فرسه فِي ذراعه فَبَال الْفرس فانتضح عَلَيْهِ من
بَوْله وَلم ينْصَرف لذَلِك وَهَذَا مُرْسل وَفِي إِسْنَاده ضَعِيف
وَرُوِيَ عَن أبي قَتَادَة: " مَا أكل لَحْمه فَلَا بَأْس بسلخه " هَذَا
مَوْقُوف وَفِي ضعف، وَرُوِيَ عَن بكير بن عبد الله بن الأشبح قَالَ: "
كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلونَ
بحدق الْبَقر يَعْنِي سلخ الْبَقر يكون فِي الثَّوْب " قَالَ أَبُو بكر بن
إِسْحَق الْفَقِيه: خبر بكير مُرْسل لَا تقوم بِهِ حجَّة وَرُوِيَ عَن أبي
مجلز: " قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: إِنِّي تبِعت رَاحِلَتي
أصابني من بولها فَقَالَ: اغسل اغسل الثَّوْب
(2/239)
كُله، واغسله " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (132) :
لم يذكرهَا الإِمَام، ويرش على بَوْل الصَّبِي الَّذِي لم يَأْكُل
الطَّعَام وَلَا يجب غسله، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بَوْل الصَّبِي والصبية
سَوَاء فِي وجوب الْغسْل مِنْهُ، دليلنا: حَدِيث قيس بنت مُحصن أَنَّهَا
جَاءَت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِابْن لَهَا
صَغِير لم يَأْكُل الطَّعَام فأجلسه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي حجره، فَبَال عَلَيْهِ، فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنضحه وَلم
(2/240)
يغسلهُ " اتفقَا على صِحَّته، وَعَن
عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ
يُؤْتى بالصبيان فَينزل عَلَيْهِم ويحنكهم، فَأتى بصبي فَبَال عَلَيْهِ
فَدَعَا بِمَاء فَأتبعهُ وَلم يغسلهُ " اتفقَا على صِحَّته أَيْضا وَعند
أبي دَاوُد عَن لبَابَة بنت الْحَارِث رَضِي الله عَنْهَا، " قَالَت كَانَ
الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي حجر رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَبَال عَلَيْهِ، فَقَالَت: البس ثوبا،
وَأَعْطِنِي إزارك حَتَّى أغسله قَالَ: " إِنَّمَا يغسل من بَوْل
الْأُنْثَى وينضح من بَوْل الذّكر " وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فِي بَوْل
الصَّبِي " ينضح بَوْل الْغُلَام، وَيغسل بَوْل الْجَارِيَة " قَالَ أَبُو
عبد الله الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، فَإِن أَبَا الْأسود الديلِي
يَصح سَمَاعه من عَليّ رَضِي الله عَنهُ. وَفِي رِوَايَة
(2/241)
أُخْرَى بِنَحْوِهِ وَزَاد: قَالَ قَتَادَة
وَهَذَا مَا لم يطعما الطَّعَام فَإِذا أطعما الطَّعَام غسلا جَمِيعًا،
وَقد رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ. مَوْقُوفا قَالَ الْبَيْهَقِيّ
رَحمَه الله: فَكَأَنَّهُ أفتى مرّة، وَرَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُخْرَى، وروى أَبُو دَاوُد عَن الْحسن عَن
أمه " أَنَّهَا أَبْصرت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: تصب على بَوْل
الْغُلَام مَا لم يطعم، وَإِذا طعم غسلته، وَكَانَت تغسل بَوْل الْجَارِيَة
"، فقد صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ
عَن عَليّ وَأم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا. وَلَا يعرف لَهَا من
الصَّحَابَة مُخَالف.
مَسْأَلَة (133) :
ومني الْإِنْسَان طَاهِر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّه نجس يغسل رطبه
ويفرك يابسه، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن همام قَالَ: "
ضاف عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ضيف فَأرْسلت إِلَيْهِ تَدعُوهُ،
فَقَالُوا لَهَا: إِنَّه أَصَابَته جَنَابَة، فَذهب يغسل ثَوْبه فَقَالَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: وَلم يغسلهُ؟ إِن كنت لأفرك الْمَنِيّ من ثوب
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح، وَأخرج أَيْضا عَن الْأسود عَنْهَا قَالَت: " إِن كنت لأجده
يَعْنِي الْمَنِيّ فِي ثوب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - فأحته عَنهُ "، وَجه الِاسْتِدْلَال مِنْهُ مَا قَالَه الشَّيْخ
الإِمَام رَضِي الله عَنهُ: إِن مَا كفي فِي يابسة بعد
(2/242)
رطوبته الفرك لم يجب غسله كالبزاق والمخاط،
وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة بن عمار حَدثنَا عبد الله بن عبيد قَالَ: قَالَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَسْلت الْمَنِيّ من ثَوْبه بعرق الأذفر، ثمَّ
يُصَلِّي فِيهِ " قَالَ: وَقَالَ الْقَاسِم قَالَت عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يبصر
الْمَنِيّ فِي ثَوْبه ثمَّ يحته ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ " وَرُوِيَ عَن محَارب
بن دثار عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَت تَحت الْمَنِيّ من ثِيَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة " وَفِيمَا
قبله مَا يؤكده.
وروى إِسْحَاق الْأَزْرَق عَن شريك عَن مُحَمَّد بن أبي ليلى عَن عَطاء عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: " سُئِلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عَن الْمَنِيّ يُصِيب الثَّوْب قَالَ: إِنَّمَا هُوَ
بِمَنْزِلَة المخاط والبزاق إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تمسحه بِخرقَة أَو
بأذخرة "، لم يرفعهُ غير / إِسْحَق وَهُوَ
(2/243)
ثِقَة، وَخَالفهُ وَكِيع عَن مُحَمَّد وَلم
يرفعهُ وَلَو لم يكن ابْن أبي ليلى وَشريك على الطَّرِيق لَكنا نحكم
لرِوَايَة إِسْحَق بِالصِّحَّةِ إِلَّا أَنَّهُمَا لَا يصلحان للاحتجاج
بروايتهما والاعتماد فِيهِ على مَا صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار وَابْن
جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فِي الْمَنِيّ يُصِيب
الثَّوْب " أمطه عَنْك قَالَ أَحدهمَا: بِعُود وأذخر فَإِنَّمَا هُوَ
بِمَنْزِلَة البزاق والمخاط ".
وروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن مُصعب بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه،
أَنه كَانَ إِذا أصَاب ثَوْبه الْمَنِيّ إِن كَانَ رطبا مَسحه وَإِن كَانَ
يَابسا حته ثمَّ صلى فِيهِ وَرُبمَا استدلوا بِمَا عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا قَالَت: كنت أفركه من ثوب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فركا، فَإِن رَأَيْته أغسله وَإِن لم يره فأنضحه يَعْنِي
الْمَنِيّ "، أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح، وَهُوَ مَحْمُول على
الِاسْتِحْبَاب وَنحن نستحب غسله، وَأول الْخَبَر دَلِيل على
(2/244)
طَهَارَته إِذْ لَو كَانَ نجسا لما كفى فِي
يابسة فركه، كَسَائِر النَّجَاسَات، استدلوا بِمَا عَنْهَا " أَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا أصَاب ثَوْبه الْمَنِيّ
غسل مَا أصَاب مِنْهُ ثَوْبه ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة وَأَنا انْظُر إِلَى
أثر البقع فِي ثَوْبه ذَلِك فِي مَوضِع الْغسْل " أخرجه البُخَارِيّ فِي
الصَّحِيح وَهَذَا لَيْسَ بِخِلَاف لقولهما: " كنت أفرك الْمَنِيّ من
ثَوْبه ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ " وَلَا لحتها الْمَنِيّ من ثَوْبه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة، وَلَا لروايتها لسلت
الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعرق
الأذخر ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ، لَا يكون غسله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - خلافًا لمسحه على خفيه فِي يَوْم من أَيَّامه بل تحري
الصَّلَاة فيهمَا، كَذَلِك هَذَا، وَرُوِيَ عَن عمار حَدِيث مَرْفُوع فِي
غسل الثَّوْب من الْمَنِيّ، قَالَ ابْن عدي الْحَافِظ لَا أعلم روى هَذَا
الحَدِيث عَن عَليّ بن زيد غير ثَابت بن حَمَّاد وَأَحَادِيث مَنَاكِير
ومقلوبات وَقَالَ عَليّ بن عمر: لم يروه إِلَّا ثَابت بن حَمَّاد وَهُوَ
ضَعِيف جدا، ثمَّ
(2/245)
يُعَارضهُ حَدِيثه ابْن أبي ليلى، وَهُوَ
أصح من هَذَا بِكَثِير وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (134) :
ويطهر مَكَان الْبَوْل من الأَرْض بصب ذنُوب من المَاء عَلَيْهِ سَوَاء
كَانَت الأَرْض صلبة أَو رَملَة متخلخلة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت
صلبة لَا ينزل المَاء من ظَاهرهَا إِلَى بَاطِنهَا فَإِنَّهُ لَا يطهر
بِمَا يصب عَلَيْهِ، دليلنا " حَدِيث أنس الْمُتَّفق على صِحَّته جَاءَ
أَعْرَابِي إِلَى الْمَسْجِد فَبَال فصاح النَّاس بِهِ فَقَالَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اتركوه فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَال
ثمَّ أَمر بِدَلْو فصب عَلَيْهِ " وَأخرج البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قَامَ أَعْرَابِي فَبَال فِي الْمَسْجِد، فتناوله
النَّاس فَقَالَ
(2/246)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - دَعوه وأهرقوا على بَوْله سجلا من مَاء أَو ذنوبا من مَاء
فَإِنَّمَا بعثتم ميسرين وَلم تبعثوا معسرين "، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا اعْتد
أبي دَاوُد عَن عبد الله بن مُغفل بن مقرن قَالَ " صلى أَعْرَابِي مَعَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر قصَّة، فَقَالَ:
قَالَ يَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خُذُوا
مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فألقوه وأهرقوا على مَكَانَهُ مَاء " قَالَ
أَبُو دَاوُد: وَهُوَ مُرْسل، ابْن معقل لم يدْرك النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى مَعْنَاهُ سمْعَان بن مَالك والمعلى بن
عرفان. وفيهَا نظر عَن ابْن
(2/247)
مَسْعُود. قَالَ: روينَا عَن أبي زرْعَة
الرَّازِيّ أَنه ضعفه.
مَسْأَلَة (135) :
وَلَا تَزُول نَجَاسَة الأَرْض من الْبَوْل بِوُقُوع الشَّمْس عَلَيْهِ
وَضرب الرِّيَاح لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّهَا تطهر وَهُوَ القَوْل
الثَّانِي لنا، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا استدللنا بِهِ فِي
الْمَسْأَلَة قبلهَا، وَهُوَ أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بصب المَاء عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الْأَمر بَاقٍ إِلَى أَن يحصل الْمَأْمُور
بِهِ قَالَ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح: وَقَالَ أَحْمد بن شبيب وَذكر
حَدِيث ابْن عمر: " كَانَت الْكلاب تقبل وتدبر فِي الْمَسْجِد فَلم
يَكُونُوا يرشون شَيْئا من ذَلِك " كَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام
ثمَّ صَار مَنْسُوخا بِحَدِيث أبي
(2/248)
هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي إِيجَاب الْغسْل سبعا من ولوغ الْكَلْب وَقَالَ
أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ: معنى الْخَبَر أَن الْمَسْجِد لم يكن يغلق
عَلَيْهَا وَكَانَت تَتَرَدَّد فِيهِ وعساها كَانَت تبول إِلَّا أَن علم
بولها فِيهِ لم يكن عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأَصْحَابه وَلها عِنْد الرَّاوِي أَي مَوضِع هُوَ وَحَيْثُ أَمر - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَوْل الْأَعرَابِي بِمَا أَمر، دلّ على
أَن بَوْل مَا سواهُ فِي حكم النَّجَاسَة وَاحِد وَأَن اخْتلف غلظ نجاستها
وَسمعت وَاحِدًا من أَصْحَابه سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة، فَروِيَ عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه قَالَ زَكَاة
الأَرْض من يبسها " وَكذب، وَالله مَا قَالَ هَذَا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا يرْوى عَن أبي قلَابَة، وَهُوَ
من التَّابِعين أخبرناه أَبُو عبد الله / الْحَافِظ وَذكر إِسْنَاده
إِلَيْهِ وَالله أعلم.
(2/249)
مَسْأَلَة (136) :
وللجنب أَن يمر فِي الْمَسْجِد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهُ ذَلِك،
وَبِنَاء الْمَسْأَلَة على الْكتاب قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا جنبا إِلَّا
عابري سَبِيل} قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: قَالَ بعض أهل الْعلم
بِالْقُرْآنِ فِي قَول الله تَعَالَى: لَا تقربُوا مَوضِع الصَّلَاة،
قَالَ: وَمَا أشبه مَا قَالَ بِمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا يكون فِي الصَّلَاة
عبور سَبِيل، إِنَّمَا عبور السَّبِيل فِي موضعهَا وَهُوَ فِي الْمَسْجِد
فَلَا بَأْس أَن يمر الْجنب فِي الْمَسْجِد مارا وَلَا يُقيم فِيهِ لقَوْل
الله عز وَجل: {وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل} . وَقد روينَا هَذَا فِي
التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس وَأنس بن مَالك وَمُحَمّد بن عَليّ الباقر،
وَهَذَا الْمَذْهَب عَن جَابر بن عبد الله وَابْن مَسْعُود رَضِي الله
عَنْهُم، وَذكر أَسَانِيد ذَلِك. وَاسْتدلَّ بِمَا عِنْد أبي دَاوُد عَن
جسرة بنت دجَاجَة عَن عَائِشَة: جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ووجوه
(2/250)
بيُوت أَصْحَابه شارعة فِي الْمَسْجِد،
فَقَالَ: " وجهوا هَذِه الْبيُوت عَن الْمَسْجِد ثمَّ دخل النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يصنع الْقَوْم شَيْئا. رَجَاء
أَن تتْرك لَهُم رخصَة فَخرج إِلَيْهِم بعد فَقَالَ: وجهوا هَذِه الْبيُوت
عَن الْمَسْجِد فَإِنِّي لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب ". وَزَاد
فِيهِ بعض الروَاة إِلَّا لمُحَمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
قَالَ مُحَمَّد: رَوَاهُ البُخَارِيّ بِزِيَادَتِهِ، وَقَالَ: عِنْد جسرة
عجائب قَالَ: وَقَالَ عُرْوَة وَعبادَة وَعَائِشَة عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " سدوا هَذِه الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب أبي
بكر " وَهَذَا أصح، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا أصح من حَدِيث جسرة عَن
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَمَحْمُول على الْمكْث فِيهِ دون العبور
بِدَلِيل الْكتاب وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (137) :
وَيجوز لَهُ أَن يُصَلِّي فِي الْأَوْقَات الَّتِي نهي عَنْهَا فِيهَا
صَلَاة لَهَا
(2/251)
سَبَب ويحتسب بهَا لقَضَاء فَائِتَة أَو
صَلَاة جَنَازَة أَو خُسُوف أَو تَحِيَّة مَسْجِد أَو مَا أشبه ذَلِك،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز قَضَاء الْفَرِيضَة الْفَائِتَة بعد الصُّبْح
وَالْعصر، وَلَا يجوز سوى ذَلِك وَاسْتدلَّ بِمَا عِنْد أبي هُرَيْرَة أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن الصَّلَاة
بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَعَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى
تطلع الشَّمْس ". أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح وَأخرج أَيْضا عَن عقبَة بن
عَامر " ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ينهانا أَن نصلي فِيهِنَّ أَو نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا حِين
تطلع الشَّمْس بازغة حَتَّى ترْتَفع وَحين تقوم الظهيرة حَتَّى تميل وَحين
تضيف الشَّمْس للغروب حَتَّى تغرب " فَفِي هذَيْن الْخَبَرَيْنِ النَّهْي
عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَذْكُورَة، وَذَلِكَ النَّهْي عَام
وَهُوَ مَخْصُوص، بِمَا اتفقنا على صِحَّته عَن أنس أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من نسي صَلَاة فليصلها إِذا
ذكرهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك " وَقد روى حَفْص بن أبي العطاف
وَهُوَ مِمَّن لَا يحْتَج بِهِ عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن
(2/252)
أبي هُرَيْرَة يرفعهُ " من نسي صَلَاة
فوقتها إِذا ذكرهَا " واتفقنا على صِحَة حَدِيث أبي قَتَادَة أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا دخل أحدكُم
الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس " وَفِي حَدِيث جَابر
الصَّحِيح، قدمت بِالْغَدَاةِ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ادخل فصل رَكْعَتَيْنِ ".
وَعَن كريب مولى ابْن عَبَّاس أَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن
ابْن أَزْهَر والمسور بن مخرمَة أَرْسلُوهُ إِلَى عَائِشَة زوج النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا: أَقرَأ عَلَيْهَا
السَّلَام منا جَمِيعًا وسلها عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر وَقل:
إِنَّا أخبرنَا أَنَّك تصلينها، وَقد بلغنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَنْهَا فَدخلت عَلَيْهَا فبلغتها مَا
أرسلوني بِهِ فَقَالَت: سل أم سَلمَة. فَخرجت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ
بقولِهَا فردوني إِلَى أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا بِمثل مَا أرسلوني
بِهِ إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت أم سَلمَة رَضِي الله
عَنْهَا. فَقَالَت: " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، نهى عَنْهَا ثمَّ رَأَيْته يُصَلِّيهمَا أما حِين صلاهما
فَإِنَّهُ صلى الْعَصْر ثمَّ دخل وَعِنْدِي نسْوَة من بني حرَام من
الْأَنْصَار فصلاهما فَأرْسلت إِلَيْهِ الْجَارِيَة. فَقلت قومِي بجنبه
فَقولِي لَهُ بقول أم سَلمَة يَا رَسُول الله سَمِعتك تنْهى عَن هَاتين
الرَّكْعَتَيْنِ وأراك تصليهما فَإِن أَشَارَ بِيَدِهِ فاستأخري عَنهُ،
قَالَت: فَفعلت الْجَارِيَة، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فاستأخرت عَنهُ فَلَمَّا
انْصَرف قَالَ: " يَا بنت أبي أُميَّة سَأَلت عَن
(2/253)
الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر وَأَنه
أَتَانَا نَاس من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ فشغلوني عَن
الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر فهما هَاتَانِ " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم
فِي الصَّحِيح وَهَذَا دلَالَة على أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قضاهما بعد الْعَصْر بعد نَهْيه عَن الصَّلَاة فِي هَذِه
الْأَوْقَات فَلَا يجوز دَعْوَى النّسخ فِيهِ بأخبار النَّهْي وَالَّذِي
رُوِيَ عَن ذكْوَان عَن أم سَلمَة / رَضِي الله عَنْهَا فِي هَذِه
الْقِصَّة أَنَّهَا قَالَت: " أفنقضيهما يَا رَسُول الله إِذا فاتتا قَالَ:
لَا " وَهَذِه رِوَايَة ضَعِيفَة.
وَالَّذِي تدل عَلَيْهِ الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِي ذَلِك عَن عَائِشَة
وَأم سَلمَة رَضِي الله عَنْهُمَا " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دوَام على قضائهما، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا عمل عملا أثْبته "، وَلَيْسَ لغير
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فالتخصيص إِنَّمَا
يرجع إِلَى المداومة دون أصل الْقَضَاء بِدَلِيل حَدِيث قيس بن قهد وَغَيره
وَذَلِكَ فِيمَا روى يحيى بن سعيد عَن أَبِيه عَن جده " أَنه جَاءَ
وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي صَلَاة
الْفجْر فصلى مَعَه فَلَمَّا سلم قَامَ فصلى رَكْعَتي الْفجْر،
(2/254)
فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا هَاتَانِ الركعتان فَقَالَ: لم أكن صليتهما قبل
الْفجْر "، فَسكت وَلم يقل شَيْئا قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم رَحمَه
الله: قيس بن قهد صَحَابِيّ وَالطَّرِيق إِلَيْهِ صَحِيح، قَالَ: وَقد
رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن قيس وَذكر إِسْنَاده
إِلَيْهِ عَن قيس بن قهد قَالَ: " رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا يُصَلِّي بعد صَلَاة الصُّبْح، فَقَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أصلاة الصُّبْح مرَّتَيْنِ؟
فَقَالَ الرجل: لم أكن صليت الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهمَا فصليتهما
الْآن: فَسكت عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
أخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنَن وَقَالَ قيس بن عَمْرو وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
الدراقطني بِمثلِهِ، وَقَالَ قيس بن عَمْرو.
وَاحْتج الشَّافِعِي رَحمَه الله بِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أدْرك رَكْعَة من
الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وَمن أدْرك رَكْعَة من
الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر ". أخرجه البُخَارِيّ
فِي الصَّحِيح. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: وَالْعلم يُحِيط أَن
الْمُصَلِّي رَكْعَة من قبل طُلُوع الشَّمْس وَالْمُصَلي رَكْعَة قبل غرُوب
الشَّمْس، قد صليا مَعًا فِي وَقْتَيْنِ يجمعان تَحْرِيم وَقْتَيْنِ فَمَا
جعله مدْركا للصبح وَالْعصر. واستدللنا على أَن نَهْيه عَن
(2/255)
الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات على
النَّوَافِل الَّتِي لَا تلْزم. وروينا فِي الحَدِيث الثَّابِت عَن أبي
هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
إِذا أدْرك أول سَجْدَة من صَلَاة الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فليتم
صلَاته ".
وروى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر: كَانَ يُصَلِّي على الْجَنَائِز بعد
الْعَصْر وَبعد الصُّبْح إِذا صليتا لوقتهما فَإِن عارضوا بِمَا رُوِيَ عَن
سَالم أَنه شهد أَبَاهُ وَشهد جَنَازَة رَافع بن خديج حِين صلى عَلَيْهَا
قبل طُلُوع الشَّمْس فَقَالَ عبد الله: سُبْحَانَ الله أَلا تَتَّقُون
الله؟ أتصلون عَلَيْهِ هَذِه السَّاعَة؟ إِنَّه لَا يصلح أَن يُصَلِّي على
جَنَازَة هَذِه السَّاعَة حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغيب
الشَّمْس قُلْنَا: هَذَا لَا يُعَارض مَا روينَا فَإِن رَاوِيه عَن
الزُّهْرِيّ يحيى بن أبي أنيسَة وَهُوَ مِمَّن أجمع الْحفاظ على ترك
حَدِيثه، كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يذكرهُ بالذم، وَيثبت أَخَاهُ زيد بن أبي
أنيسَة وَكَانَ يسيء الرَّأْي فِيهِ
(2/256)
أَخِيه ويرميه بِالْكَذِبِ وَقَالَ عَنهُ
ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَعبد الله بن عمر إِنَّمَا كره الصَّلَاة
عِنْد طُلُوع الشَّمْس واستوائها وغروبها كَمَا روينَا فِي حَدِيث عقبَة بن
عَامر فِي النَّهْي عَن الْقَبْر فِي تِلْكَ السَّاعَات.
وروى مَالك عَن مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة مولى عبد الرَّحْمَن بن أبي
سُفْيَان بن حويطب أَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة توفيت وطارق أَمِير
الْمَدِينَة فَأتى بجنازتها بعدة صَلَاة الصُّبْح فَوضعت بِالبَقِيعِ قَالَ
وَكَانَ طَارق يغلس بالصبح. فَقَالَ ابْن أبي حَرْمَلَة فَسمِعت ابْن عمر
رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول لأَهْلهَا: " إِمَّا أَن تصلوا على جنازتكم
الْآن، وَإِمَّا أَن تتركوها حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس " فَمن منع من
الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم صَلَاة الْجِنَازَة أَو غَيرهَا فِي هَذِه
الْأَوْقَات، فَإِنَّمَا سمع النَّهْي، وَلم
(2/257)
يسمع مَا يدل على التَّخْصِيص، فَكَانَ
عَلَيْهِ الْمَنْع من ذَلِك، وَمن سمع النَّهْي وَسمع مَا يُوجب
التَّخْصِيص فَعَلَيهِ إجَازَة مَا دلّت السّنة على تَخْصِيصه من النَّهْي
الْمُطلق وَقد رُوِيَ عَن نَافِع أَنه صلى مَعَ أبي هُرَيْرَة على عَائِشَة
زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَضِي الله عَنْهَا
حِين صلوا الصُّبْح وَذكر يحيى بن معِين أَن يحيى الْقطَّان روى عَن
عَنْبَسَة الْوزان عَن أبي لبَابَة مَرْوَان عَن أبي هُرَيْرَة أَنه صلى
على جَنَازَة وَالشَّمْس على أَطْرَاف الْحِيطَان، وَعَن كَعْب بن مَالك
أَنه سجد للشكر حِين بشر بتوبة الله عَلَيْهِ وعَلى صَاحبه بعد صَلَاة
الصُّبْح، وَذَلِكَ فِي عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-.
وَله أَن يتَنَفَّل أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار إِذا كَانَ
بِمَكَّة وَذَلِكَ منزوع من عُمُوم / نهي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بِإِسْنَادِهِ عَن
جُبَير بن مطعم أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " يَا بني عبد منَاف من ولي مِنْكُم من أَمر النَّاس شَيْئا فَلَا
يمنعن أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت أَو صلى بِهِ
(2/258)
أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار "
أخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنَن، وَرُوِيَ عَن جَابر بِبَعْض مَعْنَاهُ
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَا بني عبد الْمطلب أَو يَا بني عبد منَاف لَا
تمنعوا أحدا يطوف بِالْبَيْتِ وَيُصلي فَإِنَّهُ لَا صَلَاة بعد الصُّبْح
حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس
إِلَّا عِنْد هَذَا الْبَيْت يطوفون وَيصلونَ، وَعَن مُجَاهِد قَالَ " قدم
علينا أَبُو ذَر فَأخذ بِحَلقَة بَاب الْكَعْبَة ثمَّ نَادَى بِصَوْتِهِ
أَلا عَليّ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول لَا صَلَاة بعد الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر
حَتَّى تغرب الشَّمْس إِلَّا بِمَكَّة يَقُولهَا ثَلَاثًا " وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، وَرُوِيَ عَن عبد الْعَزِيز ابْن
رفيع قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن الزبير يطوف بعد الْفجْر وَيُصلي
رَكْعَتَيْنِ، قَالَ وَرَأَيْت عبد الله بن الزبير يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
بعد الْعَصْر، ويخبر أَن عَائِشَة حدثته أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يدْخل بَيتهَا إِلَّا صلاهما " رَوَاهُ
البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح. روى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن
(2/259)
عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: رَأَيْت أَنا
وَعَطَاء بن أبي رَبَاح ابْن عمر طَاف بعد الصُّبْح وَصلى قبل أَن تطلع
الشَّمْس، وروى رَضِي الله عَنهُ عَن مُسلم وَعبد الْمجِيد عَن ابْن جريج
عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: " رَأَيْت ابْن عَبَّاس طَاف بعد الْعَصْر،
وَصلى، وَرُوِيَ عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: " رَأَيْت الْحسن وَالْحُسَيْن
رَضِي الله عَنْهُمَا يطوفان بعد الْعَصْر ويصليان "، وَرُوِيَ عَن أبي
الدَّرْدَاء " أَنه طَاف بعد الْعَصْر عِنْد مغارب الشَّمْس فصلى
الرَّكْعَتَيْنِ قبل غرُوب الشَّمْس فَقيل لَهُ يَا أَبَا الدَّرْدَاء
أَنْتُم أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
تَقولُونَ: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، فَقَالَ: إِن
هَذِه الْبَلدة بَلْدَة لَيست كَغَيْرِهَا ".
وَعَن ابْن أَيمن عَن أَبِيه طَاف مَعَ أبي سعيد الْخُدْرِيّ قبل صَلَاة
الْمغرب ثمَّ ركع رَكْعَتَيْنِ وَعَن ابْن أبي نجيح. عَن أَبِيه قَالَ: قدم
علينا أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ فَطَافَ بعد الصُّبْح فَقُلْنَا انْظُرُوا
الْآن كَيفَ نصْنَع أيصلي أم لَا؟ قَالَ: فَجَلَسَ حَتَّى طلعت الشَّمْس،
ثمَّ صلى "
(2/260)
وروى مَالك بِإِسْنَادِهِ أَن عبد
الرَّحْمَن بن عبد الْقَارئ أخبر أَنه طَاف مَعَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ بعد صَلَاة الصُّبْح بِالْكَعْبَةِ، فَلَمَّا قضى عمر طَوَافه نظر
فَلم ير الشَّمْس، فَركب حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طوى فسبح رَكْعَتَيْنِ،
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ سمع عمر رَضِي الله عَنهُ النَّهْي عَن
الصَّلَاة جملَة، وَضرب الْمُنْكَدر عَلَيْهَا بِالْمَدِينَةِ بعد
الْعَصْر، وَلم يسمع مَا يدل على أَنه إِنَّمَا نهى عَنْهَا الْمَعْنى
الَّذِي وَصفنَا وَكَانَ يجب عَلَيْهِ مَا فعل، وَكَذَلِكَ أَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ وَيجب على من علم الْمَعْنى الَّذِي نهى عَنهُ وَالْمعْنَى
الَّذِي أُبِيح فِيهِ أباحتها، فَالْمَعْنى الَّذِي أَبَاحَهَا فِيهِ قَالَ
الشَّافِعِي رَحمَه الله: فِي رِوَايَة الْمُزنِيّ وَعَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: نهى
عَن الصَّلَاة نصف النَّهَار وَحَتَّى تَزُول الشَّمْس إِلَّا يَوْم
الْجُمُعَة.
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى: وَالنَّهْي عَن الصَّلَاة فِي
هَذِه
(2/261)
الْأَوْقَات عَن التَّطَوُّع إِلَّا يَوْم
الْجُمُعَة للتهجير حَتَّى يخرج الإِمَام فَجعل الشَّافِعِي رَحمَه الله
تَعَالَى يَوْم الْجُمُعَة منزوعا عَن عُمُوم النَّهْي عَن تحري الصَّلَاة
عِنْد اسْتِوَاء الشَّمْس بِحَدِيث أبي سعيد، وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة
وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن عَنْبَسَة نَحْو مَا رُوِيَ عَن أبي سعيد، وَرُوِيَ
عَن أبي قَتَادَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
أَنه كره الصَّلَاة نصف النَّهَار إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة "، وَرُوِيَ عَن
مُجَاهِد عَن أبي الْخَلِيل عَنهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا مُرْسل، أَبُو
الْخَلِيل لم يسمع من أبي قَتَادَة وَمُجاهد أكبر من أبي الْخَلِيل قَالَ
الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ: واعتمادي فِي الْمَسْأَلَة على مَا
أخبرنَا أَبُو عبد الله وَذكر إِسْنَاده عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من اغْتسل يَوْم
الْجُمُعَة فصلى مَا قدر لَهُ ثمَّ أنصت حَتَّى يفرغ الإِمَام من خطبَته
ثمَّ يُصَلِّي مَعَه إِلَّا غفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة
الْأُخْرَى وَفضل ثَلَاثَة أَيَّام " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح وَعَن أبي
سعيد وَأبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: " من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَاسْتَاك / وَلبس أحسن ثِيَابه
وتطيب بِطيب إِن وجده ثمَّ جَاءَ وَلم يتخط النَّاس فصلى مَا شَاءَ الله
أَن يُصَلِّي فَإِذا خرج الإِمَام سكت فَذَلِك كَفَّارَة إِلَى
(2/262)
يَوْم الْجُمُعَة الْأُخْرَى ". رُوَاته
كلهم ثِقَات.
ووجهة الِاسْتِدْلَال من هَذَا هُوَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اسْتحبَّ التبكير إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة فِي
أَخْبَار كَثِيرَة وندبه إِلَى الصَّلَاة بعد مَجِيئه الْمَسْجِد إِلَى أَن
يخرج الإِمَام ثمَّ نَدبه الْإِمْسَاك والإنصات للخطبة، فَدلَّ ذَلِك على
جَوَاز فعل الصَّلَاة نصف النَّهَار إِذْ لَو كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ لما
مده إِلَى الْخُرُوج الإِمَام وَلما أطلق لَهُ جَوَاز فعل الصَّلَاة فِي
ذَلِك الْوَقْت كَمَا لم يُطلقهُ بعد خُرُوج الإِمَام وَالله أعلم،
وَالَّذِي يُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ ويؤكده الحَدِيث الَّذِي اتفقَا على
صِحَّته عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " ذكر يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ: فِيهِ سَاعَة لَا
يُوَافِقهَا عبد مُسلم وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا
أعطَاهُ إِيَّاه، وَأَشَارَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ يقللها " لفظ حَدِيث البُخَارِيّ وَفِي أُخْرَى
عِنْد مُسلم عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي الْجُمُعَة سَاعَة لَا يُوَافِقهَا مُسلم، وَهُوَ
يُصَلِّي سَأَلَ ربه شَيْئا إِلَّا أَتَاهُ إِيَّاه، فَيُسْتَحَب لَهُ أَن
يكثر الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة إِذا رَاح إِلَيْهَا طلبا لموافقته
السَّاعَة الْمَذْكُورَة فِي الْخَبَر وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي يسْأَل الله
شَيْئا فيؤتيه إِن شَاءَ "، وَمَا وعده على لِسَان نبيه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا لسَائِر الْأَيَّام وَالله أعلم.
(2/263)
مَسْأَلَة (138) :
والنوافل الرَّوَاتِب على الْفَرَائِض الْخمس مقضية بعد وَقتهَا فِي ظَاهر
الْمَذْهَب، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن فَاتَتْهُ مَعَ الْفَرِيضَة قضيتا
وَإِن فَاتَت دونهَا فَلَا تقضى. وَأكْثر مَا استدللنا بِهِ فِي
الْمَسْأَلَة قبلهَا دَلِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمِمَّا يُؤَيّدهُ مَا
عِنْد مُسلم فِي الصَّحِيح عَن أبي سَلمَة أَنه سَأَلَ عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا عَن السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّيهمَا بعد الْعَصْر فَقَالَت: "
كَانَ يُصَلِّيهمَا قبل الْعَصْر ثمَّ إِنَّه شغل عَنْهَا ونسيهما فصلاهما
بعد الْعَصْر ثمَّ أثبتها وَكَانَ إِذا صلى أثبتها وَرُوِيَ عَن أبي
هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
من نسي رَكْعَتي الْفجْر فليصلهما إِذا طلعت الشَّمْس "، قَالَ أَبُو عبد
الله الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَعند مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا: " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ
إِذا فَاتَتْهُ الصَّلَاة من اللَّيْل من وجع أَو غَيره صلى من النَّهَار
ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة ". وَصَحَّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُعِيد
رَكْعَتي الْفجْر بعد طُلُوع الشَّمْس
(2/264)
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (139) :
وَصَلَاة الصُّبْح لَا تفْسد على الْمُصَلِّي بِطُلُوع الشَّمْس عَلَيْهَا،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّهَا تفْسد. وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر مَا
أتفقا على صِحَّته عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع
الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح ". لفظ حَدِيث البُخَارِيّ، وَرُوِيَ عَنهُ
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أدْرك
من الصُّبْح رَكْعَة قبل أَن تطلع الشَّمْس وركعة بَعْدَمَا تطلع فقد
أدْركهَا، وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس،
وَثَلَاثًا بَعْدَمَا تغرب فقد أدْركهَا " وَعنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من صلى من صَلَاة الصُّبْح رَكْعَة
قبل أَن تطلع الشَّمْس فطلعت، فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى " وَعَن همام
قَالَ: سُئِلَ قَتَادَة عَن رجل صلى رَكْعَة من صَلَاة الصُّبْح ثمَّ طلع
قرن الشَّمْس؟ قَالَ: حَدثنِي خلاس عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة عَن
(2/265)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " يُتمهَا ". رُوَاة هَذِه الْأَحَادِيث كلهم ثِقَات،
وفتوى أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ بذلك بعد وَفَاة رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ أحد رُوَاة النَّهْي عَن
الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات دلَالَة على أَنه لَا يجوز دَعْوَى النّسخ
فِيهِ بأخبار النَّهْي وَأَن صَلَاة الصُّبْح لَا تبطل بِطُلُوع الشَّمْس
فِيهَا كَمَا لَا تبطل صَلَاة الْعَصْر بغروب الشَّمْس فِيهَا، وَالنَّهْي
عَن الصَّلَاة مُطلقًا فِيهَا وَاحِد، وروى الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة
عَن ابْن شهَاب عَن أنس أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ صلى بِالنَّاسِ
الصُّبْح فَقَرَأَ بِسُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: "
كَادَت " أَن تطلع فَقَالَ لَو طلعت لم تجدنا غافلين. وَرُوِيَ ذَلِك عَن
عمر رَضِي الله عَنهُ أَيْضا وَالله أعلم.
(2/266)
مَسْأَلَة (140) :
الْوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة صَحِيح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح نقصانه
على ثَلَاث، دليلنا مَا عَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صَلَاة اللَّيْل فَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى فَإِذا
خشِي / أحدكُم الصُّبْح صلى رَكْعَة وَاحِدَة توتر لَهُ مَا قد صلى " أخرجه
مُسلم فِي الصَّحِيح وَالْبُخَارِيّ وَعَن عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِيمَا بَين أَن يفرغ من صَلَاة
الْعشَاء إِلَى الْفجْر إِحْدَى عشرَة رَكْعَة يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ
ويوتر بِوَاحِدَة وَيسْجد سَجْدَة مِقْدَار خمسين آيَة قبل أَن يرفع رَأسه
فَإِذا سكت الْمُؤَذّن من صَلَاة الْفجْر وَتبين لَهُ الْفجْر قَامَ وَركع
رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ اضْطجع على شقَّه الْأَيْمن حَتَّى يَأْتِيهِ
الْمُؤَذّن للإقامة فَيخرج مَعَه وَبَعض الروَاة يزِيد على بعض فِي قصَّة
الحَدِيث. أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَعَن أبي مجلز قَالَ:
سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْوتر فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " رَكْعَة من آخر اللَّيْل " أخرجه
مُسلم فِي الصَّحِيح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى: سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام أَبَا
الطّيب سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان قدس الله روحه يسْتَدلّ فِي جَوَاز
الْوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة بقول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " صَلَاة الْقَاعِد على النّصْف من صَلَاة
(2/267)
الْقَائِم " فالنبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل رَكْعَتي الْقَاعِد مثل رَكْعَة يركعها
الْقَائِم، وَلَو لم تكن الرَّكْعَة الْوَاحِدَة صَلَاة لم تكن رَكعَتَا
الْقَاعِد الَّتِي جعلهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
على النّصْف من صَلَاة الْقَائِم. واتفاقنا على صِحَة الرَّكْعَة
الْوَاحِدَة وَكَونهَا صَلَاة محتسبا بهَا. هَذَا معنى كَلَامه فَإِنِّي
علقته حفظا.
والْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ عِنْد مُسلم عَن عبد الله بن عَمْرو وَعند
البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقْرَأ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الَّتِي يُوتر بعدهمَا {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {قل
يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَيقْرَأ فِي الْوتر ب {قل هُوَ الله أحد} وَقل
{قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} قَالَ وَقد روينَا
صِحَة الْوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة عَن أَمِير
(2/268)
الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان وَسعد بن
أبي وَقاص، وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس، وَأبي أَيُّوب،
وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنْهُم، ثمَّ ذكر ذَلِك
بأسانيده، أما حَدِيث سعد فَرَوَاهُ مَالك عَن ابْن شهَاب أَن سعد بن أبي
وَقاص كَانَ يُوتر بِوَاحِدَة وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُتَّصِلا بأسانيد:
أَحدهَا عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه أَنه كَانَ يَأْتِي بعض أرضه
فَيَأْتِي كسلانا فيوتر بِرَكْعَة وَعَن يُونُس بن زيد عَن ابْن شهَاب عَن
عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير العذري أَنه رأى سعد بن أبي وَقاص يُوتر
بِرَكْعَة وَاحِدَة لَا يزِيد عَلَيْهَا حَتَّى يقوم من جَوف اللَّيْل
وَعَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان أَن سعد بن أبي وَقاص صلى
الْعشَاء ثمَّ أوتر بِوَاحِدَة فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا إِسْحَاق لم
أرك أوترت بِوَاحِدَة أَنْت تعلمني ديني وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ
البُخَارِيّ: أَنه
(2/269)
كَانَ يسلم بَين الرَّكْعَة والركعتين فِي
الْوتر حَتَّى يَأْمر بِبَعْض حَاجته، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه أفتى بذلك وَأما
حَدِيث مُعَاوِيَة وَابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن
ابْن أبي مليكَة: أوتر مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بعد الْعشَاء بِرَكْعَة
وَعِنْده مولى لِابْنِ عَبَّاس فَأتى ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ: دَعه
فَإِنَّهُ قد صحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
وَفِي رِوَايَة عِنْده أَيْضا فِي الصَّحِيح عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ:
قيل لِابْنِ عَبَّاس: هَل لَك فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ مُعَاوِيَة مَا أوتر
إِلَّا بِوَاحِدَة؟ قَالَ: أصَاب إِنَّه فَقِيه.
قَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان سُئِلَ الشَّافِعِي رَحمَه الله عَن الْوتر:
أَيجوزُ أَن يُوتر الرجل بِوَاحِدَة لَيْسَ قبلهَا شَيْء؟ فَقَالَ: نعم.
وَالَّذِي أخْتَار أَن أُصَلِّي عشر رَكْعَات ثمَّ أوتر بِوَاحِدَة. فَقلت
للشَّافِعِيّ: فَمَا الْحجَّة فِي أَن الْوتر يجوز بِوَاحِدَة. فَقَالَ:
الْحجَّة فِيهِ السّنة والْآثَار وَأخْبرنَا مَالك عَن نَافِع وَعبد الله
بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى فَإِذا خشِي أحدكُم
الصُّبْح صلى رَكْعَة وَاحِدَة توتر لَهُ مَا صلى " وَأخْبرنَا مَالك عَن
ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ
إِحْدَى عشرَة رَكْعَة يُوتر مِنْهَا بِوَاحِدَة "، وَأخْبرنَا مَالك عَن
نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ يسلم
(2/270)
بَين الرَّكْعَة والركعتين من الْوتر
حَتَّى يَأْمر بِبَعْض حَاجته. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ:
وَكَانَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يحيي اللَّيْل بِرَكْعَة هِيَ وتره،
وأوتر مُعَاوِيَة بِوَاحِدَة، فَقَالَ ابْن عَبَّاس أصَاب. قَالَ
الشَّافِعِي أخبرنَا عبد الْمجِيد / عَن ابْن جريج أَخْبرنِي عتبَة بن
مُحَمَّد بن الْحَارِث أَن كريبا مولى ابْن عَبَّاس أخبرهُ أَنه رأى
مُعَاوِيَة صلى الْعشَاء ثمَّ أوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة لم يزدْ عَلَيْهَا
فَأخْبرهُ ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أصَاب أَي بني لَيْسَ أحد منا أعلم من
مُعَاوِيَة هِيَ وَاحِدَة أَو خمس أَو سبع فَصَاعِدا، إِلَى أَكثر من ذَلِك
الْوتر مَا شَاءَ.
وَاخْتَارَ بعض أَصْحَابنَا أَن يُوتر بِثَلَاث أَو خمس أَو سبع فَصَاعِدا
لَا يقْعد وَلَا يسلم إِلَّا فِي إِحْدَاهُنَّ، وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام
أَبُو الطّيب قدس الله روحه يختاره وَقد صَحَّ ذَلِك عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَورد بِهِ الْأَثر
(2/271)
رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يُصَلِّي من
اللَّيْل ثَلَاث عشرَة رَكْعَة وَكَانَ يُوتر بِخمْس سَجدَات لَا يجلس
بَينهُنَّ حَتَّى يجلس فِي الْأَخِيرَة، ثمَّ يسلم " أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح، وروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَنْهَا " أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُوتر بِخمْس رَكْعَات لَا
يجلس وَلَا يسلم إِلَّا فِي الْأَخِيرَة مِنْهُنَّ " وروى أَبُو دَاوُد
بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس فَذكر قصَّته فِي قيام النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ
رَكْعَتَيْنِ حَتَّى صلى ثَمَان رَكْعَات ثمَّ أوتر بِخمْس لم يجلس
بَينهُنَّ " وَرُوِيَ عَن حبيب الْمعلم قَالَ: قيل لِلْحسنِ أَن ابْن عمر
كَانَ يسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الْوتر، فَقَالَ كَانَ عمر رَضِي الله
عَنهُ أفقه مِنْهُ: كَانَ ينْهض فِي الثَّالِثَة بالتكبيرة وَرُوِيَ عَن
عَطاء: أَنه كَانَ يُوتر بِوَاحِدَة. لَا يجلس فِيهِنَّ ويتشهد إِلَّا فِي
آخِرهنَّ، وَحَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ وَيحْتَمل أَن يكون هَكَذَا أَو
يحْتَمل أَن يكون غَيره، وَهُوَ مُرْسل، الْحسن لم يدْرك عمر رَضِي الله
عَنهُ، وروينا عَن زيد بن ثَابت
(2/272)
رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يُوتر بِخمْس
لَا يسلم إِلَّا فِي الْخَامِسَة.
وَأما من ذهب إِلَى أَنه يقْعد فِي الثَّانِيَة وَلَا يسلم حَتَّى يرْكَع
رَكْعَة ثَالِثَة ثمَّ يسلم فاحتج بِحَدِيث سعد بن هِشَام الَّذِي فِيهِ،
فَقلت يَعْنِي لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يَا أم الْمُؤمنِينَ:
أَنْبِئِينِي عَن وتر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَت: " كُنَّا نعد لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
سواكه وَطهُوره فيبعثه الله مَا شَاءَ أَن يَبْعَثهُ من اللَّيْل يسوك
وَيتَوَضَّأ ثمَّ يُصَلِّي تسع رَكْعَات لَا يجلس فِيهِنَّ إِلَّا عِنْد
الثَّامِنَة فيدعو ربه " وَيُصلي على نبيه ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم ثمَّ
يُصَلِّي التَّاسِعَة فيقعد ثمَّ يحمد ربه وَيُصلي على نبيه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويدعوه، ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة يسمعنا. ثمَّ
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعْدهَا يسلم وَهُوَ قَاعد. فَتلك إِحْدَى عشرَة
رَكْعَة، فَلَمَّا أسن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأخذ اللَّحْم أوتر بِسبع (وَصلى) رَكْعَتَيْنِ بعد مَا سلم بِاثْنَتَيْنِ
وَكَانَ نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا غَلبه
قيام اللَّيْل صلى من النَّهَار اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة " أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح.
(2/273)
قد روينَا عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
فِي كَيْفيَّة وتر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من
ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا فِي
وتره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرَكْعَة وَاحِدَة بعد عشر
رَكْعَات مثنى مثنى الثَّانِي مَا رَوَاهُ هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه
عَنْهَا فِي وتره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخمْس لَا يقْعد
وَلَا يسلم إِلَّا فِي آخِرهنَّ الثَّالِث مَا رَوَاهُ سعد بن هِشَام
عَنْهَا، وَالرِّوَايَة عَنهُ فِيهِ متعارضة فَإِن ذَهَبْنَا إِلَى
الْمُرَجح، فَحَدِيث عُرْوَة بن الزبير أولى لِأَنَّهُ أعرف بِحَدِيث
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا من سعد بن هِشَام وكما أَظن لَا يخفى هَذَا
على عَالم لقُرْبه من عَائِشَة بِكَوْنِهِ ابْن أُخْتهَا وفقهه ودرايته
بِأُمُور الدّين وَهُوَ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة من التَّابِعين، ثمَّ
رِوَايَة الزُّهْرِيّ أولى من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة لِأَنَّهُ أحفظ
وأفقه من هِشَام بِكَثِير وَهَذَا أَيْضا مِمَّا لَا يخفى على عَالم،
وَرِوَايَته مُوَافقَة لما روينَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُم. وَهُوَ مُتَّفق على صِحَّته عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم، وَحَدِيث
هِشَام بن عُرْوَة وَسعد بن هِشَام انْفَرد بِهِ مُسلم فِي الصَّحِيح هَذَا
وَجه التَّرْجِيح وَإِن صرنا إِلَى الِاسْتِعْمَال فجوز لَهُ أَن يُوتر
بِوَاحِدَة أَو ثَلَاث لَا يقْعد إِلَّا فِي آخِرهنَّ أَو سبع أَو أقل
يقْعد فِيهَا مرَّتَيْنِ وَلَا يسلم إِلَّا فِي آخِرهنَّ أَو لَا يقْعد
إِلَّا فِي الْآخِرَة مِنْهُنَّ لما رَوَاهُ هِشَام إِلَّا أَن
الْمُسْتَحبّ أَن يفصل بَينهمَا بِسَلام، إِن قعد فِي الثَّانِيَة، لحَدِيث
ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَلما روينَا وَأخْبرنَا بذلك عَن الصَّحَابَة
رَضِي الله عَنْهُم فَنحْن نجد الْوتر على هَذِه الْأَوْجه الَّتِي صحت عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي رِوَايَة
الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة
(2/274)
وَرِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه
عَنْهَا وَرِوَايَة ابْن أبي عرُوبَة الَّتِي عِنْد مُسلم، وَأما إِذا
صلاهَا ثَلَاثًا وَقعد فِي الثَّانِيَة فَهِيَ قِيَاس حَدِيث سعد بن
هِشَام.
وَرُوِيَ / عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا توتروا بِثَلَاث فتشبهوه بِصَلَاة الْمغرب
وأوتروا بِسبع، أَو بِخمْس " رُوَاته كلهم ثِقَات وَله شَاهد آخر
بِإِسْنَاد صَحِيح، وَذكر بِمَعْنَاهُ وَزَاد " أوتروا بِخمْس أَو سبع أَو
بتسع أَو إِحْدَى عشرَة أَو أَكثر من ذَلِك " والكوفيون لَا يجيزون الْوتر
بِأَكْثَرَ من ثَلَاث وَلَا بِأَقَلّ ويخالفون هَذِه الرِّوَايَات
الصَّحِيحَة فِي عَددهَا بِأَقَلّ وَأكْثر من ثَلَاث وَاسْتَدَلُّوا بِمَا
روى يحيى بن زَكَرِيَّا بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وتر اللَّيْل
ثَلَاث كوتر النَّهَار صَلَاة الْمغرب " قَالَ
(2/275)
عَليّ بن عمر: يحيى بن زَكَرِيَّا هَذَا
يُقَال لَهُ ابْن أبي الحواجب ضَعِيف وَلم يروه عَن الْأَعْمَش مَرْفُوعا
غَيره، رَوَاهُ الثَّوْريّ فِي الْجَامِع وَغَيره عَن الْأَعْمَش مَوْقُوفا
على ابْن مَسْعُود وَهُوَ الصَّوَاب وَرَوَاهُ الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم
قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود الْوتر سبع أَو خمس وَلَا أقل من ثَلَاث
وَهُوَ مُرْسل إِبْرَاهِيم لم يُدْرِكهُ وروى الشَّافِعِي بلاغا
بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله أَنه كَانَ يُوتر بِخمْس أَو سبع قَالَ:
وسُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله أَنه كَانَ هُوَ يكره أَن يكون
ثَلَاثًا وترا وَلَكِن خمْسا أَو سبعا قَالَ الشَّافِعِي وَلَيْسوا
يَقُولُونَ بِهَذَا يَقُولُونَ صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى إِلَّا الْوتر
فَإِنَّهَا ثَلَاث متصلات لَا يُصَلِّي الْوتر أَكثر من ثَلَاث.
(2/276)
مَسْأَلَة (141) :
ويقنت فِي الْوتر من طَرِيق السّنة فِي النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان،
قَالَ أَبُو حنيفَة: فِي جَمِيع السّنة وَدَلِيلنَا: مَا روى أَبُو دَاوُد
عَن الْحسن أَن عمر جمع النَّاس على أبي وَكَانَ يُصَلِّي لَهُم عشْرين
رَكْعَة، وَلَا يقنت بهم إِلَّا فِي النّصْف الثَّانِي فَإِذا كَانَ
الْعشْر الْأَوَاخِر تخلف فصلى فِي بَيته وَكَانُوا يَقُولُونَ: أبق أبي "
وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن مُحَمَّد عَن بعض أَصْحَابه أَن أبي بن كَعْب
رَضِي الله عَنهُ أمّهم يَعْنِي فِي رَمَضَان فَكَانَ يقنت فِي النّصْف
الآخر من رَمَضَان " وروى الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَنه
كَانَ يقنت فِي النّصْف الْأَخير من رَمَضَان، وَرُوِيَ عَن قَتَادَة عَن
الْحسن قَالَ: أمنا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي زمن عُثْمَان
رَضِي الله عَنهُ عشْرين لَيْلَة ثمَّ احْتبسَ فَقَالَ بَعضهم قد تفرغ
لنَفسِهِ، ثمَّ أمّهم أَبُو حليمة معَاذ الْقَارئ فَكَانَ
(2/277)
يقنت، وَرُوِيَ عَن نَافِع أَن ابْن عمر
كَانَ لَا يقنت فِي الْوتر إِلَّا فِي النّصْف الْأَخير من رَمَضَان.
مَسْأَلَة (142) :
وَمَوْضِع الْقُنُوت بعد الِارْتفَاع من الرُّكُوع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
يقنت قبل الرُّكُوع فيكبر بعد الْفَرَاغ من الْقِرَاءَة ويقنت، وَدَلِيلنَا
مَا رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: سُئِلَ أنس: أقنت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الصُّبْح قبل الرُّكُوع أَو
بعده؟ قَالَ: بعد الرُّكُوع يَسِيرا. أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي
الصَّحِيح وروى البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن عَاصِم قَالَ: سَأَلت أنس بن
مَالك عَن الْقُنُوت فَقَالَ: " قد كَانَ الْقُنُوت؟ قلت: قبل الرُّكُوع
أَو بعده قَالَ: قبله، فَقلت فَإِن فلَانا أَخْبرنِي عَنْك أَنَّك قلت قبل
الرُّكُوع فَقَالَ: كذب إِنَّمَا قنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد الرُّكُوع شهرا أرَاهُ كَانَ بعث قوما يُقَال
لَهُم الْقُرَّاء زهاء سبعين رجلا إِلَى قوم من الْمُشْركين دون أُولَئِكَ
وَكَانَ بَينهم وَبَين رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
عهد فقنت
(2/278)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - شهرا يَدْعُو عَلَيْهِم " وَرُوِيَ عَن أبي جَعْفَر
الرَّازِيّ عَن عَاصِم بِخِلَاف هَذَا قَالَ: " قلت لأنس إِنَّهُم
يَقُولُونَ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَانَ
يقنت قبل الرُّكُوع. فَقَالَ: كذبُوا. قنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد الرُّكُوع يَدْعُو على حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب
وَكَانَ يقنت قبل ذَلِك قبل الرُّكُوع ". هَكَذَا وجدته فِي كتابي،
وَرُوَاته كلهم ثِقَات.
وَرُوِيَ فِي حَدِيث حميد الطَّوِيل عَن أنس كِلَاهُمَا قَالَ: " قلت لأنس:
كَيفَ كُنْتُم تقنتون أقبل الرُّكُوع أَو بعد؟ قَالَ: كل ذَلِك يفعل قبل
وَبعد " رُوَاته ثِقَات فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الِاخْتِلَاف عَن أنس فِي
(2/279)
أخباره عَن قنوت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الصُّبْح فَوَجَدنَا آخر
الْأَمريْنِ من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْقُنُوت بعد الرُّكُوع، وَذَلِكَ لأَنا روينَا عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَنه سَأَلَ أنس بن مَالك عَن قنوت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قبل الرُّكُوع أَو بعده؟ قَالَ: بعده، وَلم يزدْ على ذَلِك.
وَهُوَ مخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَة ابْن علية عَن أَيُّوب عَن
مُحَمَّد قَالَ ثمَّ سُئِلَ بعد ذَلِك. هَل قنت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الصُّبْح؟ قَالَ: نعم بعد
الرُّكُوع يَسِيرا وَتَابعه على ذَلِك أَخُوهُ أنس بن سِيرِين / وَأَبُو
مجلز لَاحق بن حميد عَن أنس بن مَالك وَهُوَ أَيْضا مخرج فِي الصَّحِيح،
وروينا فِي مَسْأَلَة الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح، عَن ابْن عَبَّاس
وَأبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قنت
فِي صَلَاة الصُّبْح بعد الرُّكُوع وتابعهما على ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب
وَعبد الله بن عمر وَجَابِر بن عبد الله وخفاف بن إِيمَاء والبراء بن
عَازِب وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم فرووا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قنت بعد الرُّكُوع، وروينا عَن الْخُلَفَاء
الرَّاشِدين فَمن بعدهمْ من الصَّحَابَة أَنهم قنتوا بعد الرُّكُوع.
فَأَما رِوَايَة عَاصِم عَن أنس فَإِنَّهَا مُعَارضَة، كَمَا تقدم وَقد
روينَا عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ وَهُوَ صَدُوق عَن عَاصِم بِخِلَافِهِ
فَأَما أَن نعرض عَن الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا ونقبل على سَائِر
الرِّوَايَات بِالِاسْتِعْمَالِ وَذَلِكَ إِن
(2/280)
علمناه يَقْتَضِي الْقُنُوت فِي الصُّبْح
بعد الرُّكُوع وَإِن استعملنا روايتي عَاصِم وجمعنا بَينهمَا فَيحْتَمل
أَمريْن أَحدهمَا أَن نقُول: بِجَوَاز الْقُنُوت قبل الرُّكُوع وَبعده،
ونختار بعده لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره وَفعل الصَّحَابَة وَالْآخر أَن
نقُول الْقُنُوت قبل الرُّكُوع حِين لم تقتل أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة
فَلَمَّا قتلوا رد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْقُنُوت إِلَى مَا بعد الرُّكُوع ودعا على أَحيَاء من أَحيَاء الْعَرَب
فِي قنوته شهرا ثمَّ ترك الدُّعَاء عَلَيْهِم وَلم يتْرك الْقُنُوت وَلم
يردهُ إِلَى مَا بعد الرُّكُوع حَتَّى فَارق الدُّنْيَا " وَحَدِيث أبي
جَعْفَر الرَّازِيّ يدل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَكَانَ يقنت قبل ذَلِك
قبل الرُّكُوع فَأخْبر أَن قنوته قبله كَانَ قبل دُعَائِهِ عَلَيْهِم وَأما
إِنْكَار أنس للقنوت بعد الرُّكُوع ثمَّ إخْبَاره عَن قنوت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: شهرا بعد الرُّكُوع فَيحْتَمل أَن
يُرِيد بِهِ قنوته قبل ذَلِك لَا بعده كَمَا فسره أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ
عَن عَاصِم وَهَذَا كُله كَلَام على مَذْهَبنَا.
فَأَما أَبُو حنيفَة لَا يَقُول بالروايتين جَمِيعًا فِي صَلَاة الصُّبْح
إِلَّا أَنه إِذا ثَبت لنا الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح بعد الرُّكُوع
قسنا عَلَيْهِ الْقُنُوت فِي الْوتر، وَأما الَّذِي يخْتَص بِهَذِهِ
الْمَسْأَلَة، فَمَا رُوِيَ عَن هِشَام عَن
(2/281)
أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَعَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " عَلمنِي رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي وتر إِذا رفعت رَأْسِي وَلم
يبْق إِلَّا السُّجُود: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن
عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أتيت وقني شَرّ مَا قضيت
إِنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك إِنَّه لَا يذل من واليت تَبَارَكت رَبنَا
وَتَعَالَيْت " قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم رَحمَه الله: هَذَا
إِسْنَاد صَحِيح للمدنيين وَرُوِيَ عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن أبي رَافع
قَالَ: " صليت خلف عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فقنت بعد الرُّكُوع
وجهر بِالدُّعَاءِ قَالَ قَتَادَة وَكَانَ الْحسن يفعل مثل ذَلِك " رُوَاته
ثِقَات وَاسْتَدَلُّوا بِمَا روى أبان بن أبي عَيَّاش عَن إِبْرَاهِيم عَن
عَلْقَمَة عَن عبد الله أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " كَانَ يقنت قبل رُكُوعه قَالَ وَبت لَيْلَة مَعَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأنظر كَيفَ يقنت فقنت قبل
الرُّكُوع " هَذَا حَدِيث لم يَكْتُبهُ إِلَّا من حَدِيث أبان وَأَبَان
مَتْرُوك الحَدِيث لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَقد سبق ذكرنَا لَهُ فِي
كتاب الطَّهَارَة وَقد رُوِيَ عَن
(2/282)
سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم
وَهُوَ غلط وَالْمَشْهُور رِوَايَة الْجَمَاعَة عَن سُفْيَان عَن
الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم، والْحَدِيث يَدُور على أبان رَوَاهُ عَنهُ
أَبُو حنيفَة وَهَمَّام وَزفر وَجَمَاعَة وَغَيرهم وَأَبَان مَتْرُوك.
وَرُوِيَ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ بِإِسْنَادِهِ عَن سعيد بن عبد
الرَّحْمَن بن أَبْزَى قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يُوتر: {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {قل يَا أَيهَا
الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} وَكَانَ يقنت قبل الرُّكُوع قَالَ
أَبُو الْأَعْلَى الْحَافِظ: لم يسْندهُ غير مخلد يَعْنِي ابْن يزِيد، إِن
كَانَ حفظه، وروى وَكِيع وَابْن الْمُبَارك وَأَبُو نعيم وَغَيرهم عَن
الثَّوْريّ عَن زبيد عَن ذَر عَن سعيد بِمَعْنَاهُ وَلم يذكرُوا أبي بن
كَعْب قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم يذكرُوا أَيْضا الْقُنُوت قبل الرُّكُوع
وَرُوِيَ عَن فطر عَن زبيد عَن سعيد، وَعَن مسعر عَن زبيد عَن سعيد
بِمَعْنَاهُ وَزِيَادَة، قَالَ أَبُو عَليّ: وَكِلَاهُمَا وهم، وزبيد
إِنَّمَا سَمعه من ذَر بن عبد الله عَن سعيد عَن أَبِيه دون ذكر أبيّ قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: وَدون ذكر الْقُنُوت، وَحدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن سعيد
بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن عُرْوَة عَن سعيد وهم رُوَاة شُعْبَة
وَغَيره عَن قَتَادَة دون ذكر أبيّ فِيهِ وَدون ذكر الْقُنُوت.
(2/283)
وَقد ذكر أَبُو دَاوُد عِلّة هَذَا
الحَدِيث / قَالَ روى عِيسَى بن يُونُس عَن سعد عَن قَتَادَة عَن سعيد عَن
أَبِيه عَن أبيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قنت فِي الْوتر قبل الرُّكُوع وروى عِيسَى بن يُونُس هَذَا الحَدِيث أَيْضا
عَن فطر بن خَليفَة عَن زبيد عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي عَن
أَبِيه عَن أبيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله
وَرُوِيَ عَن حَفْص بن غياث عَن مسعر عَن زبيد عَن سعيد عَن أَبِيه عَن
أبيّ مثله، وَحَدِيث سعيد عَن قَتَادَة رَوَاهُ يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد
عَن قَتَادَة عَن عُرْوَة عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يذكر الْقُنُوت وَلَا
ذكر أَبَيَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الْأَعْلَى وَمُحَمّد بن بشر
الْعَبْدي وسماعهما بِالْكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بن يُونُس وَلم يذكر
الْقُنُوت وَرَوَاهُ أَيْضا هِشَام الدستوَائي وَشعْبَة عَن قَتَادَة لم
يذكر الْقُنُوت وَحَدِيث زبيد رَوَاهُ سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَشعْبَة
وَعبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان وَجَرِير بن حَازِم عَن زبيد لم يذكر أحد
مِنْهُم الْقُنُوت إِلَّا مَا رُوِيَ عَن حَفْص بن غياث عَن مسعر عَن زبيد
فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه وَأَنه قنت قبل الرُّكُوع وَلَيْسَ هُوَ
بالمشهور من حَدِيث حَفْص يخَاف أَن يكون عَن حَفْص عَن غير مسعر وَضعف
أَبُو دَاوُد حَدِيث أبيّ أَن
(2/284)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قنت قبل الرُّكُوع، وروى عَطاء بن مُسلم الْخفاف وَهُوَ
ضَعِيف عَن الْعَلَاء عَن حبيب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: نبئت عَن خَالَتِي مَيْمُونَة فَذكر حَدِيثا وَقَالَ فِي آخِره قنت
وَركع.
مَسْأَلَة (143) :
ويقنت بِالدُّعَاءِ الَّذِي علمه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة
يقنت بِسُورَة الْحَمد وَذكر إِسْنَاده إِلَى أبي الْحَوْرَاء السَّعْدِيّ
واسْمه ربيعَة بن شَيبَان، قَالَ:
(2/285)
قلت: لِلْحسنِ بن عَليّ رَضِي الله
عَنْهُمَا: مَا تذكر من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ: كَانَ يعلمنَا هَذَا الدُّعَاء " اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت
وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِي مَا أَعْطَيْت
وقني شَرّ مَا قضيت إِنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من
واليت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت " وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ:
عَلمنِي كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن خَالِد
بن أبي عمرَان قَالَ: " بَينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَدْعُو على مُضر إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيل فَأَوْمأ إِلَيْهِ
أَن اسْكُتْ: فَسكت فَقَالَ يَا مُحَمَّد: إِن الله لم يَبْعَثك سبابا
وَلَا لعانا وَإِنَّمَا بَعثك رَحْمَة وَلم يَبْعَثك عذَابا {لَيْسَ لَك من
الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} .
ثمَّ علمه هَذَا الْقُنُوت: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك
ونخضع لَك ونخلع ونترك من يكفرك اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد
وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الْجد إِن عذابك بالكافرين
مُلْحق "، وروى عَطاء بن
(2/286)
عبيد بن عُمَيْر أَن عمر بن الْخطاب قنت
بعد الرُّكُوع وَذكر دُعَاء طَويلا وَهَذَا الَّذِي روينَاهُ فِيهِ وَمَا
روينَا أثبت إِسْنَادًا، وَهَذَا مُرْسل وَمَوْقُوف إِن ثَبت وَيجوز الْجمع
بَينهمَا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (144) :
وَسنَن الصَّلَاة مثاني وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي سنة الظّهْر وَالْعصر
الْأَفْضَل فيهمَا أَربع بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وَفِي سنة الْعشَاء
الْأَخِيرَة إِنَّهَا مثنى إِن شَاءَ وَأَرْبع إِن شَاءَ وَكَذَلِكَ يَقُول
فِي صَلَاة اللَّيْل. وَدَلِيلنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب
السّنَن عَن أبي عَمْرو عَن شُعْبَة عَن يعلى عَن عَليّ بن عبد الله
الْبَارِقي عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى
(2/287)
وَهَكَذَا رَوَاهُ غنْدر وَهُوَ الحكم بَين
أَصْحَاب شُعْبَة ومعاذ الْعَنْبَري وَدَاوُد بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم عَن
شُعْبَة وَهَذَا حَدِيث صَحِيح رُوَاته ثِقَات فقد احْتج مُسلم بعلي بن عبد
الله الْبَارِقي الْأَزْدِيّ وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَقد
سُئِلَ البُخَارِيّ عَن حَدِيث يعلى بن عَطاء أصحيح هُوَ؟ قَالَ: نعم،
قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ سعيد بن جُبَير كَانَ ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا لَا يُصَلِّي أَرْبعا لَا يفصل بَينهُنَّ إِلَّا الْمَكْتُوبَة،
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن ابْن عمر
مَوْقُوفا من رِوَايَة، وَمَرْفُوعًا فِي أُخْرَى، والموقوفة أصح قَالَ:
وَلَا يجوز توهين حَدِيث عَليّ الْبَارِقي رِوَايَة.
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه صلى بِالنَّهَارِ أَرْبعا لَا يفصل بَينهُنَّ
بِسَلام لجَوَاز الْأَمريْنِ عِنْد من يحْتَج بِحَدِيث الْبَارِقي وَيكون
(2/288)
قَول سعيد مَحْمُولا على أَنه كَذَلِك رأى
ابْن عمر وَهُوَ أفضل عِنْده حَتَّى كَانَ أَكثر صلَاته مثنى مثنى، وَيجْبر
أَكثر مِنْهُمَا إِن كَانَ عَنهُ مَحْفُوظًا، وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن
سِيرِين عَن ابْن عمر قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى وَالْوتر رَكْعَة
من آخر اللَّيْل / قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث غَرِيب بِهَذَا
الْإِسْنَاد وَلم يَكْتُبهُ إِلَّا عَن هَذَا الشَّيْخ وَرُوَاته كلهم
ثِقَات وَلَا أعرف لَهُ عِلّة، وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَلَاة اللَّيْل
وَالنَّهَار مثنى مثنى ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة ".
وَعَن الْفضل بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الصَّلَاة مثنى مثنى فَيشْهد فِي
كل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تضرع وتخشع وتمسكن وترفع يَديك تَقول تسْتَقْبل بهما
وَجهك، وَتقول يَا رب، يَا رب، فَمن لم يفعل فَهِيَ خداج " وَرَوَاهُ
شُعْبَة مُخَالف فِي إِسْنَاده وَبَعض لَفظه وَذكر أَبُو عِيسَى
التِّرْمِذِيّ: أَن البُخَارِيّ قَالَ: تِلْكَ
(2/289)
الرِّوَايَة أصح من رِوَايَة شُعْبَة
فَإِنَّهُ أَخطَأ فِيهِ فِي مَوَاضِع قَالَ فِيهِ عَن أنس بن أبي أنس
وَإِنَّمَا هُوَ عمرَان بن أبي أنس، وَقَالَ عبد الله بن الْحَارِث،
وَإِنَّمَا هُوَ عبد الله بن نَافِع عَن ربيعَة بن الْحَارِث وَرَبِيعَة بن
الْحَارِث هُوَ ابْن الْمطلب وَقَالَ هُوَ عَن الْمطلب، وَلم يذكر فِيهِ
الْفضل بن الْعَبَّاس.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَن أَيُّوب " نزل على رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ يُصَلِّي أَرْبعا قبل الظّهْر،
فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن أَبْوَاب السَّمَاء تفتح فَمَا تغلق
حَتَّى يصلى الظّهْر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله أيسلم بَينهُنَّ قَالَ:
لَا إِلَّا فِي آخِرهنَّ " ومداره عَن ابْن عُبَيْدَة الضَّبِّيّ وَهُوَ
ضَعِيف قَالَ
(2/290)
عَمْرو بن عَليّ: كَانَ يحيى بن سعيد وَعبد
الرَّحْمَن بن مهْدي لَا يحدثان عَن عُبَيْدَة الضَّبِّيّ. قَالَ عَمْرو:
سَمِعت يحيى يذكر عُبَيْدَة بن معتب فَحدث عَنهُ بِحَدِيث أبي أَيُّوب عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من صلى أَرْبعا قبل
الظّهْر ثمَّ رَآنِي أكتبه فَقَالَ: لَا تكتبه، لَا تكتبه أما أَنه من
عَتيق حَدِيثه وَقَالَ ابْن معِين: عُبَيْدَة الضَّبِّيّ: لَيْسَ بِشَيْء،
وَقَالَ البُخَارِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن
أَيُّوب بِبَعْض مَعْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ ذكر التَّسْلِيم وروى عَمْرو بن
هَارُون حَدثنَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا " صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار
أَربع أَربع " وَعَمْرو بن هَارُون ضَعِيف الحَدِيث جدا: كذبه يحيى بن
معِين من رِوَايَة ابْن الْجُنَيْد عَنهُ والاعتماد على حَدِيث الْبَارِقي
ثمَّ على حَدِيث ابْن عمر وَالله أعلم.
(2/291)
مَسْأَلَة (145) :
وَمن حضر صَلَاة فَرِيضَة ووجدها أُقِيمَت دخل فِيهَا وَلم يشْتَغل بسنتها
قبلهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِي صَلَاة الصُّبْح إِذا دخل رحبة
الْمَسْجِد وَالْإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى مِنْهَا أَنه يُصَلِّي
رَكْعَتي الْفجْر فِي رحبة الْمَسْجِد ثمَّ يتَّصل بِالْجَمَاعَة.
دليلنا: حَدِيث عبد الله بن سرجس. قَالَ: " دخل رجل الْمَسْجِد وَرَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الصُّبْح فصلى
رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يصل إِلَى الصَّفّ فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: يَا فلَان بِأَيّ صلاتيك
اعْتدت بِالَّتِي صليت وَحدك أَو بِالَّتِي صليت مَعنا " أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح وَأَخْرَجَا جَمِيعًا فِي الصَّحِيح حَدِيث عبد الله بن مَالك
ابْن بُحَيْنَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مر بِرَجُل فَكَلمهُ بِشَيْء لَا يدْرِي مَا هُوَ فَلَمَّا انْصَرف أحطنا
بِهِ مَاذَا قَالَ لَك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: قَالَ لي: يُوشك أَن يُصَلِّي أحدكُم الصُّبْح أَرْبعا " وَعند
مُسلم عَنهُ قَالَ: " أُقِيمَت الصَّلَاة، صَلَاة الصُّبْح فَرَأى رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا يُصَلِّي والمؤذن يُقيم
فَقَالَ أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبعا " وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كنت أُصَلِّي
(2/292)
وَأخذ الْمُؤَذّن فِي الْإِقَامَة فجذبني
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ أَتُصَلِّي
أَرْبعا " وَعند أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا
صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح وروينا عَن عمر
بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا رأى رجلا يُصَلِّي وَهُوَ
يسمع الْإِقَامَة ضربه استدلوا: بِمَا روى حجاج بن نصير عَن عباد بن كثير
عَن لَيْث عَن عَطاء أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ: " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة
وَزَاد إِلَّا رَكْعَتي الصُّبْح " وَهَذِه الزِّيَادَة لَا أصل لَهَا:
عباد وحجاج ضعيفان وروى مَا قَالُوهُ عَن أبي الدَّرْدَاء وَعبد الله
أَنَّهُمَا فعلاه وَقد روينَا عَن عمر خلاف ذَلِك وَعَن ابْنه مَعَ مَا
روينَا من السّنة الصَّحِيحَة فَهُوَ أولى وَالله أعلم.
(2/293)
مَسْأَلَة (146) :
وَيجوز صَلَاة الْفَرِيضَة خلف من يُصَلِّي النَّافِلَة، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: لَا يجوز، وَدَلِيلنَا: حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ " كَانَ
معَاذ رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ يَأْتِي فيؤم قومه " أخرجه (البُخَارِيّ)
وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَعند مُسلم أَيْضا: " عَنهُ كَانَ معَاذ رَضِي الله
عَنهُ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْعشَاء وَالْعَتَمَة ثمَّ يرجع فيصليهما بقَوْمه / فِي بني سَلمَة "
وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَعِنْده أَيْضا أَن معَاذًا رَضِي الله عَنهُ
كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْعشَاء ثمَّ ينْصَرف فَيَأْتِي قومه فَيصَلي بهم تِلْكَ الصَّلَاة
وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر "
أَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعشَاء ثمَّ ينْصَرف إِلَى قومه فَيصَلي
بهم هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم فَرِيضَة وَرَوَاهُ عَن ابْن جريج أَيْضا عبد
الرَّزَّاق بِمثلِهِ إِلَّا أَنه قَالَ فَيصَلي بهم تِلْكَ الصَّلَاة هِيَ
لَهُ نَافِلَة وَلَهُم فَرِيضَة وَالزِّيَادَة من الثِّقَة
(2/294)
مَقْبُولَة وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي
رَضِي الله عَنْهُمَا أخبرنَا مُسلم عَن ابْن جريج أَن عَطاء كَانَ يفوتهُ
الْعَتَمَة فَيَأْتِي النَّاس فِي الْقيام فَيصَلي بهم رَكْعَتَيْنِ ثمَّ
يَبْنِي عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ وَأَنه رَآهُ فعل ذَلِك ويعتد بِهِ من
الْعَتَمَة.
قَالَ الشَّافِعِي: وَكَانَ وهب بن مُنَبّه، وَالْحسن وَأَبُو رَجَاء
العطاردي يَقُولُونَ هَذَا وَعَن طَاوس مثل مَذْهَبنَا وَرُوِيَ عَن عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَرجل من الْأَنْصَار مثل هَذَا الَّذِي
قُلْنَاهُ، ويروى عَن أبي الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس قريب مِنْهُ وَلَا
يَصح
(2/295)
قَوْلهم على حَدِيث جَابر هِيَ لَهُ أَي
لِمعَاذ تطوع وَلَهُم فَرِيضَة أَنه قَول بعض الروَاة بل هُوَ قَول جَابر
فَإِن الأَصْل أَن مَا كَانَ مَوْصُولا بِالْحَدِيثِ كَانَ مِنْهُ إِلَّا
أَن يقوم دلَالَة على التَّمْيِيز وَلما شكا الرجل من معَاذ تطويله صلَاته
لم يفصل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْحَال فِي
الْإِمَامَة وَلَو كَانَ تَفْصِيل بَين أَن يكون الإِمَام مُتَطَوعا أَو
مُؤديا فرضا لاستفصل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
وَلَا يَصح قَول من ادّعى نسخ مَا قُلْنَاهُ فَإِن ذَلِك بِبَطن النّخل
حِين كَانَ يفعل الْفَرْض مرَّتَيْنِ فِي الْيَوْم الْوَاحِد، ثمَّ نسخ
فَإِنَّهُ دَعْوَى لَا تعرف وَلَا يشْهد لَهَا تَارِيخ وَلَا نقل وَعَن
جَابر " أَنه صلى مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
صَلَاة الْخَوْف فصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِإِحْدَى
(2/296)
الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ صلى
بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ فصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَربع رَكْعَات وَصلى بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ "
أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح قَالَ الشَّافِعِي وَالْآخِرَة من هَاتين
للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَافِلَة وَالْأُخْرَى
فَرِيضَة، وَرُوِيَ عَن ابْن عَائِذ، قَالَ: دخل ثَلَاثَة نفر من أَصْحَاب
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَسْجِد وَالنَّاس
فِي صَلَاة الْعَصْر قد فرغوا من صَلَاة الظّهْر فصلوا (مَعَ النَّبِي)
فَلَمَّا فرغوا قَالَ بَعضهم لبَعض كَيفَ صَنَعْتُم قَالَ أحدهم جَعلتهَا
الظّهْر ثمَّ صليت الْعَصْر، وَقَالَ الآخر جَعلتهَا للعصر ثمَّ صليت
الظّهْر، وَقَالَ الآخر جَعلتهَا لِلْمَسْجِدِ ثمَّ صليت الظّهْر وَالْعصر
فَلم يعب بَعضهم على بعض وَالله أعلم.
(2/297)
مَسْأَلَة (147) :
إِذا أخرج الْمَأْمُوم نَفسه من صَلَاة الإِمَام فصلى لنَفسِهِ جَازَ لعذر،
وَإِن كَانَ لغير عذر فعلى قَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاته
بِكُل حَال. لنا قصَّة معَاذ حِين قَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة فِي الْعشَاء
الْآخِرَة، فَأخْرج رجل نَفسه وتمم لنَفسِهِ ثمَّ لما جَاءَ إِلَى النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِمعَاذ " أفتان أَنْت "
وَلم يَأْمر الرجل بِإِعَادَة الصَّلَاة الَّتِي أتمهَا لنَفسِهِ مُنْفَردا
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (148) :
إِذا صلى فِي بَيته بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَبَينهمَا حَائِل لم
يجز وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح مَا لم يكن بَينه وَبَين الْمَسْجِد شَارِع
أَو نهر لنا حَدِيث عَليّ وَعَائِشَة وَأنس رَضِي الله عَنْهُم قَالَ
الشَّافِعِي: قد صلى نسْوَة مَعَ عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حُجْرَتهَا، فَقَالَت لَا تصلين بِصَلَاة
الإِمَام فَإِنَّكُنَّ دونه فِي حجاب قَالَ الشَّافِعِي: وكما قَالَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي حُجْرَتهَا إِن كَانَت قائلة قُلْنَا
ورويناه
(2/298)
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: "
لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد " وَرُوِيَ ذَلِك عَن
أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَرْفُوعا وروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن صَالح بن إِبْرَاهِيم قَالَ:
" رَأَيْت أنس بن مَالك صلى الْجُمُعَة فِي بيُوت حميد بن عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف، يُصَلِّي بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَبَين بيُوت حميد
وَالْمَسْجِد الطَّرِيق "، وَرُوِيَ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن هِشَام بن
عُرْوَة عَن أَبِيه " أَنه كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة فِي بيُوت حميد بن
عبد الرَّحْمَن عَام حج الْوَلِيد وَكثر النَّاس بَينهمَا وَبَين
الْمَسْجِد الطَّرِيق " وَهَذَا يدل على أَنهم كَانُوا لَا يعدون الطَّرِيق
حَائِلا يمْنَع الْإِتْمَام وَالله أعلم.
(2/299)
مَسْأَلَة (149) :
وإمامة الْكَافِر بِالْمُسْلِمين لَا يكون إسلاما مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة يكون إسلاما دليلنا من الْخَبَر حَدِيث ابْن عمر أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس
حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
ويقيمون الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة فَإِذا فعلوا ذَلِك عصموا مني
دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَق الْإِسْلَام وحسابهم على الله " /
أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح، وَعِنْده أَيْضا فِي الصَّحِيح عَن أنس
بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن
مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَإِذا شهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن
مُحَمَّدًا رَسُول الله وصلوا صَلَاتنَا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا
حرمت علينا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا لَهُ مَا
للْمُسلمِ وَعَلِيهِ مَا على الْمُسلم وَالله أعلم.
(2/300)
مَسْأَلَة (150) :
وَإِذا ابْتَدَأَ صَلَاة مُنْفَردا ثمَّ دخل فِي جمَاعَة صحت صلَاته من أحد
الْقَوْلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح دليلنا حَدِيث عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا حِين قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ "، فَفِيهِ أَن أَبَا بكر
دخل فِي الصَّلَاة وَأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- جَاءَ فَأومى إِلَيْهِ مَكَانك وَجلسَ عَن يسَاره قَالَت: " وَكَانَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ
جَالِسا وَأَبُو بكر قَائِما يَقْتَدِي بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويقتدي النَّاس بِصَلَاة أبي بكر "
وَحَدِيث أبي بكر وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا فذكرناه فِي
مَسْأَلَة الْجنب إِذا صلى بِالنَّاسِ فَإِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما خرج للطَّهَارَة بقوا هم فِي الصَّلَاة منفردين
إِلَى أَن رَجَعَ وعلقوا صلَاتهم على صلَاته وَالله أعلم.
(2/301)
مَسْأَلَة (151) :
لم يذكرهَا الإِمَام. وَالصَّبِيّ يجوز أَن يكون إِمَامًا للبالغ فِي
صَلَاة الْفَرِيضَة سوى الْجُمُعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز فِي
الْفَرِيضَة وَيجوز فِي النَّافِلَة، دليلنا حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فليؤمكم أحدكُم وليؤمكم أقرأوكم "
أخرجه مُسلم. احْتج فِي كتاب الْبُوَيْطِيّ فِي جَوَاز إِمَامَته وَإِن
كَانَ الِاخْتِيَار أَن لَا يؤم إِلَّا بَالغ فَحَدِيث معَاذ رَضِي الله
عَنهُ حِين كَانَ يُصليهَا فصلى مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ يُصليهَا بقَوْمه نَافِلَة وَأَقل مَا فِي
صَلَاة الْغُلَام أَن يكون نَافِلَة وَبِحَدِيث عَمْرو بن أم سَلمَة
الْجرْمِي أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَفِيه بعد ذكر قصَّة
إسْلَامهمْ " فنظروا فِي حوائنا فَلم يَجدوا أَكثر قُرْآنًا مني قدموني
وَأَنا ابْن سبع سِنِين أَو سِتّ سِنِين فَلَبثت أُصَلِّي بهم " وَرُوِيَ
عَن ابْن عَبَّاس
(2/302)
" لَا يُؤمر الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم "
وَرُوِيَ عَنهُ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعا إِلَّا أَنه قَالَ: قَالَ: " لَا
يُؤذن غُلَام حَتَّى يَحْتَلِم وليؤذن لكم خياركم " وَهَذِه الزِّيَادَة
تدل على أَنه فِي الْأَذَان وَهُوَ ضَعِيف سَوَاء كَانَ مَوْقُوفا أَو
مَرْفُوعا وَرُوِيَ بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
مَرْفُوعا " لَا تقدمُوا سفهاءكم وَصِبْيَانكُمْ فِي صَلَاتكُمْ وَلَا على
جنائزكم فَإِنَّهُ وفدكم إِلَى الله " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (152) :
لم يذكرهَا الإِمَام وَيسْتَحب للنِّسَاء الْجَمَاعَة وتقف إمامهن وسطهن.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره لَهُنَّ الْجَمَاعَة دليلنا من الْخَبَر
(2/303)
حَدِيث ابْن عمر الْمُتَّفق على صِحَّته
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَلَاة
الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة " وَرُوِيَ أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن لأم ورقة بنت عبد
الله بن الْحَارِث أَن تؤم أهل دارها وَكَانَت قد قَرَأت الْقُرْآن على عهد
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرُوِيَ عَن عَائِشَة
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا خير
فِي جمَاعَة النِّسَاء إِلَّا فِي صَلَاة أَو جَنَازَة " ويروى عَنْهَا "
أَنَّهَا أمت نسْوَة فِي الْمَكْتُوبَة فأمتهن بَينهُنَّ وسطا " وروى
الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن حجيرة عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا "
أَنَّهَا أمتهن فَقَامَتْ وسطا " وَالله أعلم.
(2/304)
مَسْأَلَة (153) :
وحد السّفر القاصد سِتَّة عشر فرسخا وَهُوَ مسيرَة يَوْمَيْنِ بليلتيهما
سير الثّقل. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: حَده ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهما
دليلنا: مَا روى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس:
أقصر إِلَى عَرَفَة قَالَ: لَا وَلَكِن إِلَى جدة وَعُسْفَان والطائف وَإِن
قدمت على
(2/305)
أهل أَو مَاشِيَة فَأَتمَّ قَالَ
الشَّافِعِي: فَهَذَا قَول ابْن عمر وَبِه نَأْخُذ وروى مَنْصُور عَن
مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِذا سَافر يَوْمًا إِلَى الْعشَاء
فأتمم فَإِن زِدْت فأقصر وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن
عمر أَن عبد الله ركب إِلَى ذَات النصب وَيقصر الصَّلَاة فِي مسيره ذَلِك.
قَالَ مَالك: وَبَين ذَات نصب وَالْمَدينَة أَربع برد كل بريد يكون اثْنَي
عشر ميلًا فَيكون جملَة أَربع برد ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ميلًا بالهاشمي
كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب الْبُوَيْطِيّ فِي
الصّيام وكل ثَلَاثَة أَمْيَال يكون فرسخا وَاحِدًا بِالسَّفرِ الَّذِي
يجوز / عندنَا فِيهِ قصر الصَّلَاة سِتَّة عشر فرسخا، وَقد روى عبد
الْوَهَّاب بن مُجَاهِد عَن أَبِيه وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح عَن ابْن
عَبَّاس فَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
" يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا الصَّلَاة فِي أدنى من أَربع برد من مَكَّة
إِلَى عسفان " رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش قَالَ: وَلَا اعْتَمدهُ
بِأَن
(2/306)
إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لَيْسَ بِالْقَوِيّ
وَعبد الْوَهَّاب: ضَعِيف جدا، وَقد ذهب بعض أَصْحَابنَا إِلَى جَوَاز
الْقصر فِي مسيرَة الْيَوْم التَّام وَله وَجه، وَرُوِيَ عَن سَالم أَن
ابْن عمر كَانَ يقصر الصَّلَاة مسيرَة الْيَوْم التَّام "، وَهَذَا عَن
ابْن عمر صَحِيح لَا شكّ فِيهِ فقد أخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ فَيكون
مَحْمُولا على تَعْجِيله فِي السّير فَسَار فِي يَوْم وَلَيْلَة مَا سَار
فِي يَوْمَيْنِ وليلتين سير الثّقل.
وَأما مَا رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يُسَافر مسيرَة الْيَوْم واليومين فَلم
يكن يقصر الصَّلَاة وَلكنه كَانَ إِذا خرج إِلَى خَيْبَر قصر الصَّلَاة
وَذَلِكَ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَهُوَ ضَعِيف وَلَا نَتْرُك رِوَايَة
الْأَئِمَّة عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِرِوَايَة خصيف وَالَّذِي لَا يحْتَج
بِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث ابْن عمر
(2/307)
الْمُتَّفق على صِحَّته قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تُسَافِر
الْمَرْأَة ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ،
فقد رُوِيَ مسيرَة يَوْم وَرُوِيَ مسيرَة لَيْلَة، وَرُوِيَ مسيرَة
يَوْمَيْنِ، وَرُوِيَ بريدا. فَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن
بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة وَلَيْسَ
مَعهَا حُرْمَة " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وكل هَذِه
الرِّوَايَات صَحِيحَة وَعِنْدَهُمَا عَن أبي سعيد: " لَا تُسَافِر
الْمَرْأَة يَوْمَيْنِ من الدَّهْر إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم وَمَعَهَا
زَوجهَا " وَعِنْدَهُمَا أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس سَمِعت النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يخلون رجلا بِامْرَأَة وَلَا
تُسَافِر امْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم " وَأطلق وَلم
(2/308)
يذكر مُدَّة وَفِي كل هَذَا دلَالَة على
أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّمَا قصد بِهَذِهِ
الْأَخْبَار الحياطة على الْمَرْأَة دون تَحْدِيد السّفر بِشَيْء من ذَلِك،
وَرُوِيَ عَن الْحسن فِي التَّقْصِير قَالَ: فِي لَيْلَتَيْنِ وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (154) :
وَالْقصر فِي السّفر مُبَاح وَلَيْسَ بِفَرْض وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فرض
السّفر رَكْعَتَانِ وَمَا زَاد عَلَيْهِمَا فَهُوَ تطوع. وَبِنَاء
الْمَسْأَلَة لنا على الْكتاب قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ " وَإِذا
ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة
" وَعَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ "
فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ وَقد أَمن
النَّاس "، فَقَالَ: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ فَسَأَلت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك فَقَالَ: صَدَقَة تصدق
الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح. قَالَ
الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فَدلَّ
(2/309)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - على أَن الْقصر فِي السّفر بِلَا خوف صَدَقَة من الله
وَالصَّدَََقَة رخصَة لَا حتم من الله أَن تقصرُوا.
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كل ذَلِك فعل رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أتم فِي السّفر وَقصر وَرُوِيَ عَن
طَاوس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَامَ فِي
السّفر وَأفْطر وَأتم وَقصر وَهُوَ مُرْسل صَحِيح شَاهد للمسند وَقصر
عُثْمَان وَأتم وَقصرت عَائِشَة وأتمت، وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم فِي
الصَّحِيح عَن ابْن عمر قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمنى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُثْمَان
رَضِي الله عَنهُ صَدرا من إمارته ثمَّ أتمهما وَعِنْدَهُمَا أَيْضا فِي
الصَّحِيح عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة وَعَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أول مَا فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ
رَكْعَتَيْنِ فزيد فِي صَلَاة الْحَضَر وأقرت صَلَاة السّفر. قلت فَمَا
شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تتمّ الصَّلَاة: قَالَ: إِنَّهَا تأولت
مَا تَأَول عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ. وروى الدراقطني عَن عبد الرَّحْمَن
بن الْأسود عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَعنهُ عَن
(2/310)
عَائِشَة قَالَت: " خرجت مَعَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عمْرَة رَمَضَان فَأفْطر
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصمت وَقصر فأتممت،
فَقلت يَا رَسُول الله بِأبي وَأمي أفطرت وَصمت وَقصرت وَأَتْمَمْت.
فَقَالَ: " أَحْسَنت يَا عَائِشَة " ثمَّ قَالَ الأول مُتَّصِل. وَهُوَ
إِسْنَاد صَحِيح حسن، وَعبد الرَّحْمَن قد أدْرك عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا وَدخل عَلَيْهَا وَهُوَ مراهق.
وَفِي الصَّحِيح عَن مُسلم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " فرض الله جلّ
ثَنَاؤُهُ الصَّلَاة على لِسَان نَبِيكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - / فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَفِي
الْخَوْف رَكْعَة " وَعِنْدَهُمَا فِي الصَّحِيح عَن ابْن مَسْعُود رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: " صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بمنى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تَفَرَّقت بكم الطّرق وددت أَن
(2/311)
حظى من أَربع رَكْعَات رَكْعَتَيْنِ
مُتَقَبَّلَتَيْنِ ". قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَابْن مَسْعُود
" عَابَ إتْمَام الصَّلَاة بمنى فَقَامَ فأتمهما فَقيل لَهُ فِي ذَلِك
فَقَالَ الْخلاف شَرّ " وَلَو كَانَ ذَلِك يفْسد الصَّلَاة لم يتم.
وَرُوِيَ بِإِسْنَاد مُنْقَطع ضَعِيف أَن عُثْمَان قَالَ لما أَنْكَرُوا
عَلَيْهِ الْإِتْمَام: يَا أَيهَا النَّاس لما قدمت مَكَّة تأهلت بهَا
وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول: " إِذا تأهل الرجل بِبَلَد فَليصل صَلَاة مُقيم ". وَرُوِيَ عَن
الزُّهْرِيّ أَن عُثْمَان " إِنَّمَا صلى بمنى أَرْبعا لِأَنَّهُ أجمع
الْإِقَامَة
(2/312)
بعد الْحَج " وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا: قَالَ
" لما اتخذ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ الْأَمْوَال بِالطَّائِف وَأَرَادَ
أَن يُقيم بهَا صلى أَرْبعا "، وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: " إِن
عُثْمَان صلى أَرْبعا لِأَنَّهُ اتخذها وطنا " وكل هَذَا مَدْخُول
لِأَنَّهُ لَو كَانَ إِتْمَامه لهَذَا الْمَعْنى لما خَفِي ذَلِك عَن
الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، وَلما أَنْكَرُوا عَلَيْهِ ترك السّنة،
وَلما صلاهَا عبد الله بن مَسْعُود فِي منزله أَرْبعا وَهُوَ لم ينْو من
الْإِقَامَة مَا نوى عُثْمَان، وَقد رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ " أَن عُثْمَان
أتم الصَّلَاة بمنى من أجل الْأَعْرَاب لأَنهم كَثُرُوا عامئذ فصلى
بِالنَّاسِ أَرْبعا ليعلمهم أَن الصَّلَاة أَربع " وَهَذَا من قَول
الزُّهْرِيّ يدل على أَن الأول إِن صَحَّ لم يقلهُ، عَن رِوَايَة صَحِيحَة
عِنْده إِذْ لَو كَانَت فِي ذَلِك رِوَايَة صَحِيحَة لم يخْتَلف قَوْله
فِيهِ وكل ذَلِك من قَول الزُّهْرِيّ وَإِبْرَاهِيم مُنْقَطع دون عُثْمَان
رَضِي الله عَنهُ وَقد روينَا
(2/313)
بِإِسْنَاد حسن عَن عبد الرَّحْمَن بن حميد
عَن أَبِيه عَن عُثْمَان أَنه أتم الصَّلَاة بمنى ثمَّ خطب النَّاس
فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس إِن السّنة سنة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسنة صَاحِبيهِ وَلكنه حدث الْعَام من
النَّاس فَخفت أَن يستنوا " فَهُوَ يُؤَكد قَول الزُّهْرِيّ، وَفِي ذَلِك
دلَالَة على أَن صَلَاة السّفر على رَكْعَتَيْنِ ثمَّ هِيَ كَانَت تتمّ
وتأولت مَا تَأَول عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ، وَتَأَول عُثْمَان رَضِي
الله عَنهُ فِي ذَلِك أَنه رأى الْقصر رخصَة والرخصة بِخِلَاف الْعَزِيمَة،
فَيجوز تَركهَا غير رَاغِب عَن قبُول الرُّخْصَة كَمَا يَقُول فِي الْفطر
فِي السّفر وَترك الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَغير ذَلِك من الرُّخص،
وَكَذَلِكَ تَأْوِيلهَا مَعَ رِوَايَتهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه أتمهَا فِي السّفر وقصرها ".
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: وَلَو كَانَت فَرِيضَة رَكْعَتَيْنِ
مَا صلى مُسَافر خلف مُقيم. وَفِي الصَّحِيح عِنْد مُسلم عَن نَافِع عَن
ابْن عمر
(2/314)
قَالَ: كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي بمنى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بكر وَعمر
وعمثان ثمَّ صلى عُثْمَان بعد أَربع وَكَانَ ابْن عمر يُصَلِّي مَعَ
الإِمَام بِصَلَاتِهِ وَإِذا صلى وَحده صلى رَكْعَتَيْنِ " وَرُوِيَ عَن
أبي مجلز قَالَ: سَأَلت ابْن عمر الْمُسَافِر يدْرك رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة
المقيمين أفتجزآنه. قَالَ " بلَى: يُصَلِّي بصلاتهم "، وَعَن أبي قلَابَة
قَالَ: " من صلى فِي السّفر أَرْبعا فَحسن وَعَن عَائِشَة قَالَت: من صلى
فِي السّفر أَرْبعا فَحسن وَمن صلى رَكْعَتَيْنِ: فَحسن، إِن الله لَا يعذب
على الزِّيَادَة إِنَّمَا يعذب على النُّقْصَان، وَأما مَا رُوِيَ عَن أبي
هُرَيْرَة مَرْفُوعا " المتم الصَّلَاة فِي السّفر كالمقصر فِي الْحَضَر "
فإسناده ضَعِيف وَهُوَ مَتْرُوك بِالْإِجْمَاع والمتم فِي السّفر لَا يكون
كالمقصر فِي الْحَضَر، فَإِن عِنْدهم إِذا أتم فِي السّفر يكون رَكْعَتَانِ
فَرِيضَة وَمَا زَاد عَلَيْهَا تَطَوّعا وَإِذا قصر فِي الْحَضَر لم يكن
مُؤديا للْفَرض وَالله أعلم.
(2/315)
مَسْأَلَة (155) :
وَمن نوى مقَام أَربع أتم، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا لم ينْو خَمْسَة عشر
يَوْمًا فَلهُ أَن يقصر عَن الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يمْكث المُهَاجر بعد قَضَاء
نُسكه ثَلَاثًا " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَعَن عمر أَنه
أجلى أهل الذِّمَّة من الْحجاز وَضرب لمن يقدم مِنْهُم تَاجِرًا مقَام
ثَلَاثَة أَيَّام. قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: فَأشبه مَا وصفت / أَن
يكون ذَلِك مقَام السّفر، مَا جاوزه مقَام الْإِقَامَة، وروى قَتَادَة عَن
عُثْمَان " من أَقَامَ أَرْبعا أتم " حَكَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ فِي
الْقَدِيم وروى مَالك عَن عَطاء بن عبد الله الْخُرَاسَانِي أَنه سمع سعيد
بن الْمسيب يَقُول: " من أجمع على إِقَامَة أَربع لَيَال وَهُوَ مُسَافر
أتم الصَّلَاة "، قَالَ مَالك: " وَذَلِكَ الْأَمر الَّذِي لم يزل عَلَيْهِ
أهل الْعلم
(2/316)
ببلدنا ".
وَأما مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح عَن أنس " خرجنَا مَعَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقصر حَتَّى أَتَى
مَكَّة فَأَقَامَ بهَا عشرا يقصر حَتَّى رَجَعَ " فَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ
وَذَلِكَ لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قدم
مَكَّة لأَرْبَع مضين من ذِي الْحجَّة فَلم يحْسب الْيَوْم الَّذِي قدم
فِيهِ ثمَّ أَقَامَ بهَا ثَلَاثًا ثمَّ خرج يَوْم التَّرويَة وَلم يحسبه
إِلَى منى فصلى بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح
فَلَمَّا طلعت الشَّمْس سَار مِنْهَا إِلَى عَرَفَات فَلَمَّا غربت
الشَّمْس دفع مِنْهَا حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فَلَمَّا صلى الصُّبْح
بِغَلَس أَتَى الْمشعر الْحَرَام وَدفع قبل طُلُوع الشَّمْس حَتَّى أَتَى
منى وَقضى نُسكه فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر الآخر نزل بالمحصب فَأذن فِي
أَصْحَابه بالرحيل وَهَذَا معنى قَول الشَّافِعِي أَقَامَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمنى ثَلَاثًا يقصر وَقدم فَأَقَامَ
بِمَكَّة قبل خُرُوجه إِلَى عَرَفَة ثَلَاثًا يقصر فَلم يحْسب الْيَوْم
الَّذِي قدم فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ سائرا ويصحبه ذَلِك فِي قدومه.
(2/317)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح
عَن ابْن عَبَّاس قدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأَصْحَابه لأَرْبَع خلون من الْعشْر وهم مهلون الْحَج " فَأَمرهمْ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يحلوا " وَفِي حَدِيث
عَائِشَة " لأَرْبَع أَو لخمس مضين من ذِي الْحجَّة " وَعِنْدَهُمَا عَن
أنس " أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر يَوْم
التَّرويَة بمنى وَصلى الْعَصْر يَوْم النَّفر بِالْأَبْطح وَفِي حَدِيث
عَائِشَة عِنْدهمَا قَالَت: " فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة النَّفر قلت يَا
رَسُول الله إِنِّي لم أكن تطوفت بِالْبَيْتِ قَالَ: انطلقي مَعَ أَخِيك
إِلَى التَّنْعِيم فاعتمري " وحاضت صَفِيَّة لَيْلَة النَّفر فَقَالَ لَهَا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا كنت تطوفت
بِالْبَيْتِ يَوْم النَّحْر. قَالَت: بلَى. قَالَ: فانفري، قَالَت:
فَلَقِيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مدلجا على
الْعقبَة
(2/318)
وَهُوَ منهبط على أهل الْمَدِينَة، وَأما
منهبطه على أهل مَكَّة. قَالَ مَوْعدكُمْ كَذَا وَكَذَا " فَثَبت بذلك أَنه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يمْكث بِموضع وَاحِد أَرْبَعَة
أَيَّام يقصر الصَّلَاة ثمَّ إِن هَذَا ورد فِيمَن أَقَامَ بِموضع وَلم
يجمع مكثا وكلامنا وَقع فِيمَن أجمع مقَام أَرْبَعَة أَيَّام، وَقد روينَا
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِخِلَاف مَذْهَبهم وَعَن ابْن عمر قَالَ: "
إِذا أزمعت بِالْإِقَامَةِ ثِنْتَيْ عشرَة فَأَتمَّ الصَّلَاة " وَعَن
سَالم عَن أَبِيه أَنه كَانَ إِذا أجمع الْمقَام صلى أَرْبعا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (156) :
وَإِذا نوى مقَام أَكثر من أَرْبَعَة عشر أَو ثَمَانِيَة عشر، مَعَ
الْخَوْف وَالْحَرب صَار مُقيما على أحد الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا إِذا انْتهى
إِلَى بلد فَأَقَامَ يقصر مَا لم يجمع مكثا بهَا لَا يجمع مقَام أَربع
وَلكنه أَقَامَ على شَيْء يرَاهُ بِحَجّ فِي الْيَوْم واليومين فاستأخر
بِهِ ذَلِك فَلَا يزَال يقصر مَا لم يبلغ مقَامه مَا أَقَامَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام الْفَتْح بِمَكَّة نَص عَلَيْهِ
الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِمْلَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا
يصير
(2/319)
بنية الْمقَام على الْخَوْف وَالْحَرب
مُقيما. رُوِيَ بِإِسْنَاد رُوَاته كلهم ثِقَات عَن ابْن عَبَّاس أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَقَامَ سبع عشرَة
بِمَكَّة يقصر الصَّلَاة. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَمن أَقَامَ سبع عشرَة قصر
وَمن أَقَامَ أَكثر أتم، كَذَا قَالَ سبع عشرَة وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد
وَكَذَا فِي رِوَايَة وَفِي أُخْرَى خمس عشرَة وَعند البُخَارِيّ عَن ابْن
عَبَّاس: " أَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
تِسْعَة عشر يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَنحْن نصلي رَكْعَتَيْنِ
تِسْعَة عشر يَوْمًا فَإِن أَقَمْنَا أَكثر من ذَلِك أتممنا " وَهَذِه
الرِّوَايَة أثبت الرِّوَايَات وَعند أبي دَاوُد عَن عمرَان بن حُصَيْن
ثَمَان عشرَة لَيْلَة " وَإسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس أصح بِكَثِير
وَيُمكن الْجمع بَين الرِّوَايَات من قَالَ تسع عشرَة عد الْيَوْم الَّذِي
خرج فِيهِ وَمن قَالَ سبع عشرَة لم يعدهما وَمن قَالَ ثَمَان عشرَة عد
أَحدهمَا وَالله أعلم.
وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن ثَوْبَان عَن جَابر قَالَ: " أَقَامَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بتبوك عشْرين يَوْمًا يقصر
الصَّلَاة "، قَالَ أَبُو دَاوُد:
(2/320)
غير معمر لَا يسْندهُ قَالَ الْبَيْهَقِيّ:
رَوَاهُ عَليّ بن الْمُبَارك وَغَيره عَن ابْن ثَوْبَان عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا وَرُوِيَ عَن ابْن أبي
أنيسَة أَظُنهُ يحيى عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: " غزوت مَعَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / غَزْوَة تَبُوك فَأَقَامَ
بهَا بضع عشرَة فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ "، وَرُوِيَ عَن
أنس قَالَ: " غزا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَبُوك
فَأَقَامَ بضع عشرَة لَيْلَة يُصَلِّي صَلَاة مُسَافر " وَهَذَا أشبه
وَالله أعلم، وروى الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ ضَعِيف مَرْفُوعا عَن ابْن
عَبَّاس أَقَامَ بِخَيْبَر أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر قَالَ: " أَقمت بِأَذربِيجَان سِتَّة أشهر فِي
أَمارَة عُثْمَان فَكنت أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " وَعَن أنس أَنه أَقَامَ
بِالشَّام شَهْرَيْن يُصَلِّي صَلَاة مُسَافر وَعَن سعد كَذَلِك. أذربيجان
بِلَاد وقرى مُتَفَرِّقَة وَكَذَلِكَ الشَّام فكأنهم لم يقيموا فِي مَوضِع
وَاحِد قدرا لم يلْزمهُم إتْمَام الصَّلَاة وَالله أعلم، وَأما مَا رُوِيَ
عَن ابْن عمر أَنه أَقَامَ حِين قتل عُثْمَان بِمَكَّة سنة إِذا صلى وَحده
قصر فإسناده ضَعِيف
(2/321)
ومجهول وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (157) :
لم يذكرهَا الإِمَام وَالْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ جَائِز بعد السّفر
والمطر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا
بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة والمزدلفة لَيْلَة النَّحْر وَعند البُخَارِيّ
وَمُسلم فِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا عجل فِي السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء
". وَعند مُسلم عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ إِذا " جد بِهِ السّير
جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بعد أَن يغيب الشَّفق " وَيذكر أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا جد بِهِ السّير
جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء " وَفِي رِوَايَة عَن نَافِع أَن ابْن عمر "
صلاهما حِين نصف اللَّيْل أَو قَرِيبا من نصف اللَّيْل " وَفِي رِوَايَة
قَرِيبا من ربع اللَّيْل وَفِي رِوَايَة حَتَّى
(2/322)
ذهب هوى من اللَّيْل وَفِي رِوَايَة عَنهُ
عَن ابْن عمر قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء إِلَى ربع
اللَّيْل " اتّفقت رِوَايَة عبد الله بن عمر وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ
وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عمر بن مُحَمَّد بن زيد
عَن نَافِع على أَن الْجمع من ابْن عمر كَانَ بعد غيبوبة الشَّفق، وروايتهم
أولى من رِوَايَة مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن أَبِيه عَن نَافِع أَن ابْن عمر
صلى الْمغرب قبل غرُوب الشَّفق ثمَّ انْتظر حَتَّى غَابَ الشَّفق فصلى
الْعشَاء. فَإِن رِوَايَة الْجَمَاعَة المختصين بِنَافِع أولى من رِوَايَة
غَيرهم مَعَ مَا روينَا عَن سَالم بن عبد الله وَعبد الله بن دِينَار
وَإِسْمَاعِيل بن أبي ذُؤَيْب وَأسلم مولى عمر عَن ابْن عمر مثل رِوَايَة
الْجَمَاعَة عَن نَافِع فَإِن قابلوه بِمَا رُوِيَ عَن سلمَان بن أبي يحيى
عَن ابْن عمر قَالَ: " مَا جمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بَين الْمغرب وَالْعشَاء قطّ فِي سَفَره إِلَّا مرّة ".
(2/323)
قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا يرْوى عَن
أَيُّوب عَن نَافِع مَوْقُوفا على ابْن عمر أَنه لم ير ابْن عمر جمع
بَينهمَا قطّ إِلَّا تِلْكَ اللَّيْلَة يَعْنِي لَيْلَة استصرخ على
صَفِيَّة، وَرُوِيَ من حَدِيث مَكْحُول عَن نَافِع أَنه رأى ابْن عمر فعل
ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ
بواضح وَقد روينَا عَن ابْن عمر بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة أخباره عَن
دوَام فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقوله كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعلم.
وَعند البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح عَن أنس قَالَ: " كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا ارتحل قبل ترفع الشَّمْس
أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر ثمَّ ترك فَجمع بَينهمَا فَإِن زاغت
الشَّمْس قبل أَن يرتحل صلى الظّهْر ثمَّ ركب " وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سهل
البُخَارِيّ فَزَاد " وَإِذا زاغت الشَّمْس وَهُوَ فِي منزله صلى الظّهْر
وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ ركب " وَعند مُسلم فِي الصَّحِيح عَن أنس عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه كَانَ إِذا عجل
بِهِ السّير يُؤَخر الظّهْر إِلَى أول وَقت الْعَصْر فَيجمع بَينهمَا
وَيُؤَخر الْمغرب حَتَّى يجمع بَينهمَا وَبَين الْعشَاء حِين يغيب الشَّفق
" وَعِنْده أَيْضا عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أَرَادَ أَن يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي
السّفر
(2/324)
أخر الظّهْر حَتَّى يدْخل أول وَقت
الْعَصْر ثمَّ يجمع بَينهمَا " وَرُوِيَ عَن أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا كَانَ فِي سفر فَزَالَتْ
الشَّمْس صلى الظّهْر وَالْعصر ثمَّ ارتحل " قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا
تَمام الحَدِيث الأول لَا أَنه يُخَالِفهُ وَالله أعلم وَعند مُسلم عَن
معَاذ / قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - فِي غَزْوَة تَبُوك فَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا
وَالْمغْرب وَالْعَتَمَة جَمِيعًا " وَعِنْده أَيْضا عَنهُ أَنهم خَرجُوا
مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام تَبُوك
فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجمع بَين
الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء قَالَ: " فَأخر الصَّلَاة يَوْمًا
ثمَّ خرج فصلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ دخل ثمَّ خرج فصلى الْمغرب
وَالْعشَاء جَمِيعًا " وَعند أبي دَاوُد عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا ارتحل قبل
زيغ الشَّمْس أخر الظّهْر حَتَّى يجمعها إِلَى الْعَصْر فيصليهما جَمِيعًا
وَإِذا ارتحل بعد زيغ الشَّمْس صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا وَكَانَ إِذا
ارتحل قبل الْمغرب أخر الْمغرب حَتَّى يُصليهَا مَعَ الْعشَاء وَإِذا ارتحل
بعد الْمغرب عجل الْعشَاء فَصلاهَا مَعَ الْمغرب ".
وَرُوِيَ نَحْو من ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَ وَقد أخرجناه فِي
كتاب السّنَن، وَعند مُسلم فِي الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس " قَالَ صلى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر وَالْعصر
جَمِيعًا وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا من غير خوف وَلَا سفر " قَالَ
مَالك فِي الْمُوَطَّأ أرى ذَلِك فِي
(2/325)
مطر، وَعند أبي دَاوُد عَن جَابر " أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَابَتْ لَهُ الشَّمْس
بِمَكَّة فَجمع بَينهَا بسرف " وَقَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَاق رَحمَه الله
وبسرف من مَكَّة تِسْعَة أَمْيَال وَلَا خلاف أعلمهُ أَنه لَا ينهانا أَن
يسَار من عِنْد غرُوب الشَّفق تِسْعَة أَمْيَال على شَيْء من الدَّوَابّ
فَدلَّ على أَنه جمع بَينهمَا بعد ذهَاب بعض اللَّيْل وَعند أبي دَاوُد عَن
هِشَام بن سعد أَن بَينهمَا عشرَة أَمْيَال وَقد روينَا عَن عمر بن الْخطاب
وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن
زيد وَأُسَامَة وَعبد الله بن زيد وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر
وَأنس بن مَالك وَغَيرهم أَنهم كَانُوا يجمعُونَ بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي
السّفر. استدلوا بِمَا روى البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح عَن عبد الله
بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى صَلَاة لغير ميقاتها إِلَّا صَلَاتَيْنِ
جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع وَصلى الْفجْر قبل
(2/326)
ميقاتها وَمن جمع بَين صَلَاتَيْنِ فِي
وَقت أَحدهمَا فَلَا يَقُول أَنه صلاهَا فِي غير وَقتهَا ثمَّ الحكم لقَوْل
من رأى لِأَنَّهُ شَاهد لَا لقَوْل من لم ير وَالله أعلم.
(2/327)
صفحة فارغة.
(2/328)
وَمن كتاب الْجُمُعَة
مَسْأَلَة (158) :
وَالْجُمُعَة تجب على أهل الْقرْيَة إِذا بلغُوا أَرْبَعِينَ وَكَانُوا
مستوطنين: وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب الْجُمُعَة إِلَّا فِي مصر جَامع:
دليلنا من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي صَحِيح البُخَارِيّ
قَالَ: إِن أول جُمُعَة جمعت بعد جُمُعَة فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَسْجِد عبد الْقَيْسِي بجواثاء من
الْبَحْرين، وَفِي رِوَايَة عِنْد أبي دَاوُد بجواثاء قَرْيَة من قرى
الْبَحْرين، وَفِي أُخْرَى " قَرْيَة من قرى
(2/329)
عبد الْقَيْسِي " وَكَانُوا لَا يستبدون
بِأُمُور الشَّرْع فالأشبه أَنهم لم يقيموها فِي هَذِه الْقرْيَة إِلَّا من
أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَرُوِيَ عَن
ابْن إِسْحَاق حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي أُمَامَة بن سهل عَن أَبِيه عَن عبد
الرَّحْمَن بن كَعْب يَعْنِي ابْن مَالك قَالَ: كنت قَائِد أبي حِين ذهب
بَصَره فَإِذا خرجت بِهِ إِلَى الْجُمُعَة. فَسمع الْأَذَان صلى على أبي
أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة واستغفر لَهُ يَعْنِي فَلبث كثيرا لَا يسمع
أَذَان الْجُمُعَة إِلَّا فعل ذَلِك فَقلت لَهُ يَا أَبَت أَرَأَيْت
استغفارك لأبي أُمَامَة كلما سَمِعت الْأَذَان للْجُمُعَة مَا هُوَ؟ قَالَ
أَي بني؟ كَانَ أول من جمع بِنَا فِي هزم من حرَّة بني بَيَاض يُقَال لَهُ
نَقِيع الْخضمات قَالَ قلت: كم كُنْتُم يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رجلا
" ابْن إِسْحَاق إِذا ذكر سَمَاعه وَكَانَ الرَّاوِي
(2/330)
ثِقَة استقام الْإِسْنَاد وَعند أبي دَاوُد
عَن أبي الْجَعْد الضمرِي وَكَانَت لَهُ صُحْبَة أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من ترك ثَلَاث جمع متهاونا طبع
الله على قلبه " وَعِنْده عَن طَارق بن شهَاب عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " الْجُمُعَة حق وَاجِب على كل
مُسلم فِي جمَاعَة إِلَّا أَرْبَعَة عبد مَمْلُوك أَو امْرَأَة أَو صبي أَو
مَرِيض " قَالَ أَبُو دَاوُد طَارق قد رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا. وَذكر الْبَيْهَقِيّ لَهُ
إِسْنَادًا مُتَّصِلا عَن طَارق عَن أبي مُوسَى فَذكره بِنَحْوِهِ وَالله
أعلم. قَالَ وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عبيد الله بن عتبَة بن مَسْعُود
وَهُوَ من أكَابِر التَّابِعين أَنه قَالَ: " كل قَرْيَة فِيهَا
أَرْبَعُونَ رجلا فَعَلَيْهِم الْجُمُعَة " وَمثله عَن عمر بن
(2/331)
عبد الْعَزِيز وَرُوِيَ عَن الْوَلِيد بن
مُسلم قَالَ: سَأَلت اللَّيْث بن سعد فَقَالَ: " كل مَدِينَة أَو قَرْيَة
فِيهَا جمَاعَة وَعَلَيْهِم أَمِير أمروا بِالْجمعَةِ {فليجمع بهم، فَإِن
أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَمَدَائِن مصر وَمَدَائِن سواحلها كَانُوا يجمعُونَ
الْجُمُعَة على عهد عمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا بأمرهما وفيهَا
رجال من الصَّحَابَة ". وَعنهُ قَالَ أَخْبرنِي شَيبَان قَالَ: حَدثنِي
مولى لآل سعيد بن الْعَاصِ أَنه سَأَلَ عبد الله بن عمر بن الْخطاب عَن
الْقرى الَّتِي بَين مَكَّة وَالْمَدينَة} مَا ترى فِي الْجُمُعَة؟ قَالَ:
نعم: إِذا كَانَ عَلَيْهِم أَمِير فليجمع " وَعَن جَعْفَر بن برْقَان قَالَ
كتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عدي بن عدي الْكِنْدِيّ.
انْظُر لكل قَرْيَة أهل خزار لَيْسُوا هم بِأَهْل عَمُود ينتقلون
(2/332)
فَأمر عَلَيْهِم أَمِير فليجمع بهم
وَأَرَادُوا بالأمير من يكون إِمَامًا يجمعهُمْ ويخطب بهم وَيُصلي وَيكون
كَافِيا للْقِيَام بهَا وَالْأَشْبَه بأقاويل السّلف وأفعالهم فِي إِقَامَة
الْجُمُعَة فِي الْقرى الَّتِي أَهلهَا أهل قَرَار لَيْسُوا بِأَهْل عَمُود
ينتقلون، إِن ذَلِك مُرَاد عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بِمَا
رَوَاهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَنهُ قَالَ: لَا تَشْرِيق وَلَا
جُمُعَة إِلَّا فِي مصر جَامع " وَهُوَ عَنهُ ثَابت فَلَا يَصح عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (159) :
لم يذكرهَا الإِمَام: تجب الْجُمُعَة على من كَانَ خَارج الْمصر يسمع
النداء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزم إِلَّا أهل الْبَلَد. وَدَلِيلنَا:
مَا عِنْد أبي دَاوُد فِي كتاب السّنَن عَن عبد الله بن عَمْرو عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْجُمُعَة على
من يسمع النداء " وَمَا رُوِيَ عَن شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت عَن سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -
(2/333)
قَالَ: " من سمع النداء فَلم يجب فَلَا
صَلَاة لَهُ " قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم هَذَا حَدِيث رَفعه هشيم بن
بشير وقراد أَبُو نوح عبد الرَّحْمَن بن غَزوَان عَن شُعْبَة وهما ثقتان
وَالطَّرِيق إِلَيْهِمَا صَحِيح فَلَا يضرهما من خالفهما فِي رَفعه.
وَرَوَاهُ معراء الْعَبْدي عَن عدي بن ثَابت هَكَذَا مَرْفُوعا فَزَاد فَلم
يمنعهُ من اتِّبَاعه عذر قَالُوا وَمَا الْعذر؟ قَالَ: خوف أَو مرض
وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّمَا الْجُمُعَة على من
سمع النداء " رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: " لَا صَلَاة
لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد. قيل: وَمن جَار الْمَسْجِد؟
قَالَ: من أسمعهُ الْمُنَادِي ". وَعند مُسلم فِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر
وَأبي هُرَيْرَة أَنَّهُمَا سمعا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول على أَعْوَاد منبره " لينتهين أَقوام عَن ودعهم
الْجُمُعَات أَو ليختمن الله على قُلُوبهم ثمَّ لَيَكُونن من الغافلين ".
وَأَخْرَجَا جَمِيعًا فِي الصَّحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله
(2/334)
عَنْهَا قَالَت: كَانَ النَّاس ينتابون
الْجُمُعَة من مَنَازِلهمْ، وَمن العوالي فَيَأْتُونَ فِي العباء ويصيبهم
الْغُبَار والعرق، فَأتى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- نَاس مِنْهُم وَهُوَ عِنْدِي فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو تطهرتم ليومكم هَذَا ".
مَسْأَلَة (160) :
وَالْجُمُعَة لَا تَنْعَقِد بِأَقَلّ من أَرْبَعِينَ. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: تَنْعَقِد بِثَلَاثَة وَإِمَام، دليلنا: حَدِيث كَعْب بن مَالك
حِين سُئِلَ عَن ترحمه على أسعد بن زُرَارَة، فَذكر " أَنه أول من جمع بهم،
وَكَانُوا أَرْبَعِينَ " أخرجه أَبُو دَاوُد فِي كتاب السّنَن وَرُوَاته
كلهم ثِقَات، وَقد رُوِيَ فِي ذَلِك عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ وَلَا
أرَاهُ يَصح أَنه قَالَ: " مَضَت السّنة أَن فِي كل ثَلَاثَة إِمَام، وَفِي
كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوق ذَلِك جُمُعَة وأضحى وَفطر ". وَلم يَأْتِ بِهِ
غير عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن شيخ
(2/335)
من / أهل الْيمن يُضعفهُ أَصْحَاب الحَدِيث
وَالله أعلم. وَيصْلح ذَلِك لمعارضة مَا روى الْوَلِيد بن مُحَمَّد
وَمُعَاوِيَة وَالْحكم بن عبد الله بن سعد سعد عَن الزُّهْرِيّ عَن أم عبد
الله الدوسية يرفعهُ وَالْجُمُعَة وَاجِبَة على كل قَرْيَة فِيهَا إِمَام
وَإِن لم يَكُونُوا إِلَّا أَرْبَعَة وَلَا يَصح هَذَا عَن الزُّهْرِيّ كل
من رَوَاهُ عَنهُ مَتْرُوك وجرح هَؤُلَاءِ أشهر من أَن يذكر. قَالَ عَليّ
بن عمر: وَالزهْرِيّ لَا يَصح سَمَاعه من الدوسية وروى جَعْفَر بن الزبير
عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: على الْخمسين جُمُعَة وَفِي رِوَايَة الْجُمُعَة على
الْخمسين وَلَيْسَ على من دون الْخمسين جُمُعَة " تفرد بِهِ جَعْفَر وَهُوَ
مَتْرُوك الحَدِيث وللأربعين تَأْثِير فِيمَا يقْصد فِيهِ الْجَمَاعَة
بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن كاتبين يكتبان يَوْم
الْجُمُعَة الأول فَالْأول حَتَّى يكتبا أَرْبَعِينَ رجلا تطوى الصُّحُف
ثمَّ يَقْعُدُونَ يَسْتَمِعُون الذّكر " وَعَن ابْن مَسْعُود " جَمعنَا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكنت آخر
(2/336)
من أَتَاهُ وَنحن أَرْبَعُونَ رجلا
فَقَالَ: إِنَّكُم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم فَمن أدْرك ذَلِك فليتق الله
وليأمر بِالْمَعْرُوفِ وَلينه عَن الْمُنكر وَليصل الرَّحِم، من كذب عَليّ
مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " لَا يجْتَمع أَرْبَعُونَ رجلا من الْمُسلمين يدعونَ الله
فِي أَمر وَاحِد إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُم حَتَّى لَو دعوا على جبل لأزالوه
". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قبَّة نَحوا من أَرْبَعِينَ فَقَالَ:
أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة؟ قَالُوا: نعم الحَدِيث وَعند
مُسلم عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس أَنه مَاتَ ابْن لَهُ بِقديد أَو أَبُو
بعسفان فَقَالَ يَا كريب انْظُر مَا اجْتمع لَهُ من النَّاس. قَالَ فَخرجت
فَإِذا بأناس قد اجْتَمعُوا، فَأَخْبَرته فَقَالَ: تَقول هم أَرْبَعُونَ؟
قلت: نعم، قَالَ اخْرُجُوا بِهِ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " مَا من رجل مُسلم يَمُوت فَيقوم
على جنَازَته أَرْبَعُونَ رجلا لَا يشركُونَ بِاللَّه شَيْئا إِلَّا شفعهم
الله فِيهِ " وَعِنْدَهُمَا عَن جَابر " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ قَائِما يَوْم الْجُمُعَة يخْطب فَجَاءَت عير
من الشَّام، فَانْفَتَلَ النَّاس إِلَيْهَا حَتَّى لم يبْق مَعَه إِلَّا
اثْنَي عشر رجلا فأنزلت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة {وَإِذا
رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما}
وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لجَوَاز انصرافهم بعد انقضائهم أَو
اقْتِصَاره على الظّهْر وَالله أعلم. وَقد
(2/337)
رُوِيَ مَعْنَاهُ وَفِيه وَتركُوا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ مَعَه إِلَّا
أَرْبَعِينَ رجلا. قَالَ عَليّ بن عمر: " لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث إِلَّا
أَرْبَعِينَ رجلا غير عَليّ بن عَاصِم عَن حُصَيْن وَخَالفهُ أَصْحَاب
حُصَيْن فَقَالُوا لم يبْق مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَّا اثْنَي عشر رجلا " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (161) :
تَحِيَّة الْمَسْجِد عندنَا جَائِزَة فِي حَال مَا يخْطب الإِمَام وَقَالَ
أَبُو حنيفَة لَا يجوز، دليلنا حَدِيث أبي قَتَادَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا دخل أحدكُم
الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس "
(2/338)
وَعِنْدَهُمَا أَيْضا عَن جَابر " دخل رجل
يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يخْطب فَقَالَ: أصليت؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُم فصل رَكْعَتَيْنِ " وَعند
مُسلم عَن جَابر قَالَ: جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي وَالنَّبِيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب يَوْم الْجُمُعَة. فَقَالَ لَهُ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أصليت
الرَّكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا قَالَ: قُم فصل رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا
" وَقَالَ: " إِذا جَاءَ أحدكُم وَالْإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ
وليتجوز فيهمَا " وروى عبيد بن مُحَمَّد الْعَبْدي عَن مُعْتَمر عَن أَبِيه
عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: " دخل رجل من قيس الْمَسْجِد وَرَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب فَقَالَ لَهُ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ وَأمْسك عَن
الْخطْبَة حَتَّى فرغ من صلَاته " قَالَ عَليّ بن عمر: أسْندهُ عبيد وَوهم
فِيهِ: الصَّوَاب عَن معمر عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / مُرْسل كَذَلِك رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره
عَن مُعْتَمر، وَرَوَاهُ أَبُو معشر عَن مُحَمَّد بن قيس عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ عَليّ بن عمر: هَذَا مُرْسل
وَأَبُو
(2/339)
معشر: ضَعِيف واسْمه نجيح وروى خلف بن عبد
الْعَزِيز بن عُثْمَان بن جبلة عَن أَبِيه عَن جده عَن شُعْبَة عَن
إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أَبِيه " أَنه جَاءَ
وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب فَأَوْمأ
بِيَدِهِ إِلَيْهِ أَن اجْلِسْ: فَجَلَسَ " وَقد رَوَاهُ مَالك بن
إِسْمَاعِيل الْهَرَوِيّ عَن شُعْبَة بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ " أَن أَبَاهُ
ذكر أَنه كَانَ فِي الشَّمْس وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَأْمُرهُ أَن يتَحَوَّل إِلَى الظل فَأمر بِهِ فحول إِلَى
الظل " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (162) :
لم يذكرهَا الإِمَام وَالْكَلَام لَا يحرم مَا لم يَأْخُذ الإِمَام فِي
الْخطْبَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا صعد الإِمَام الْمِنْبَر حرم
الْكَلَام وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا قلت لصاحبك: أنصت
يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فقد لغوت " وروى
(2/340)
الشَّافِعِي: عَن مَالك عَن أبي النَّضر
عَن مَالك بن أبي عَامر أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ كَانَ
يَقُول فِي خطبَته: قَلما يدع ذَلِك إِذا خطب " إِذا قَامَ الإِمَام يخْطب
يَوْم الْجُمُعَة فَاسْتَمعُوا وأنصتوا فَإِن ذَلِك للمنصت الَّذِي لَا
يسمع مثل مَا للسامع مَعَ المنصت فَإِذا قُمْت الصَّلَاة فاعدلوا الصُّفُوف
وحاذوا بالمناكب فَإِن اعْتِدَال الصُّفُوف من تَمام الصَّلَاة ثمَّ لَا
يكبر عُثْمَان حَتَّى يَأْتِيهِ رجال قد وَكلهمْ بتسوية الصُّفُوف فيخبرونه
قد اسْتَوَت فيكبر " وَرُوِيَ أَيْضا: عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن
ثَعْلَبَة بن أبي مَالك " أَنه أخبرهُ أَنهم كَانُوا فِي زمَان عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجُمُعَة يصلونَ حَتَّى يخرج عمر فَإِذا
خرج وَجلسَ على الْمِنْبَر وَأذن جَلَسُوا يتحدثون حَتَّى إِذا سكت
المؤذنون وَقَامَ عمر رَضِي الله عَنهُ سكتوا فَلم يتَكَلَّم أحد "
وَرُوِيَ عَن ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن
ثَعْلَبَة أَن قعُود الإِمَام يقطع التسبيحة وَإِن كَلَامه يقطع الْكَلَام
وَإِنَّهُم كَانُوا يتحدثون يَوْم الْجُمُعَة وَعمر جَالس على الْمِنْبَر
فَإِذا سكت الْمُؤَذّن قَامَ عمر فَلم يتَكَلَّم
(2/341)
أحد حَتَّى يقْضِي الْخطْبَتَيْنِ كلتاهما
فَإِذا قَامَت الصَّلَاة وَنزل عمر تكلمُوا " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (163) :
وَالْقِيَام فرض فِي حَالَة الْخطْبَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ
بِفَرْض. وَدَلِيلنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر قَالَ: " كَانَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب يَوْم
الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يقْعد ثمَّ يقوم، قَالَ: كَمَا يَفْعَلُونَ
الْيَوْم " وَعند مُسلم عَن سماك قَالَ نَبَّأَنِي جَابر بن سَمُرَة " أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَانَ يخْطب قَائِما
ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم فيخطب. فَمن نبأك أَنه كَانَ يخْطب جَالِسا فقد كذب!
فقد وَالله صليت مَعَه أَكثر من ألفي صَلَاة " وَعِنْده أَيْضا عَن أبي
عُبَيْدَة: أَن كَعْب بن عجْرَة دخل الْمَسْجِد وَعبد الرَّحْمَن بن أم
الحكم يخْطب قَاعِدا. فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث يخْطب
قَاعِدا وَقد قَالَ الله عز وَجل: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا
انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} وَبَيَان الْجُمُعَة أَخذ من
(2/342)
فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَلم يخْطب إِلَّا قَائِما قَالَ: وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ
قَالَ: أول من أحدث الْقعُود على الْمِنْبَر مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ
وَيحْتَمل أَنه إِنَّمَا فعل ذَلِك لضعف أَو مرض وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (164) :
والجلسة بَين الْخطْبَتَيْنِ فَرِيضَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ سنة
دلينا مَا سبق ذكره من فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: استدلوا بِمَا روى الْحسن ابْن عمَارَة عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يخْطب يَوْم الْجُمُعَة خطْبَة وَاحِدَة. قَائِما فَلَمَّا ثقل خطب خطبتين
وَجلسَ بَينهمَا يستريح " وَالْحسن بن عمَارَة ضَعِيف مَتْرُوك الحَدِيث.
وَالْحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث وَهَذَا لَيْسَ
مِنْهَا وَمَا رُوِيَ عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: رَأَيْت عليا رَضِي الله
عَنهُ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ لم يجلس حَتَّى فرغ يحْتَمل أَن يكون
أَرَادَ
(2/343)
لم يجلس فِي حَال الْخطْبَة خلاف مَا أَخذ
غَيره من الْجُلُوس فِيهَا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (165) :
وَلَا تصح الْخطْبَة بِكَلِمَة وَاحِدَة / وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَو قَالَ
الْحَمد لله أَو لَا إِلَه إِلَّا الله صحت خطبَته. وَدَلِيلنَا من
الْخَبَر مَا عِنْد مُسلم فِي الصَّحِيح عَن جَابر قَالَ كَانَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب النَّاس فيحمد الله ويثني
عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ يَقُول: " من يهده الله فَلَا مضل لَهُ
وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَخير الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهَدْي هدى
مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَشر الْأُمُور محدثاتها
وكل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وَكَانَ إِذا ذكر السَّاعَة علا
صَوته واحمرت وجنتاه وَاشْتَدَّ غَضَبه كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش صبحكم مساكم
من ترك مَالا فلورثته وَمن ترد دينا أَو ضيَاعًا فَإِلَيَّ وَعلي وَأَنا
ولي الْمُؤمنِينَ ". رَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد
عَن أَبِيه عَن جَابر وَقَالَ كَانَت خطْبَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ أَيْضا صَحِيح وَعند مُسلم
عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَت للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - خطبتان يجلس بَينهمَا وَيقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس "،
(2/344)
وَعِنْده أَيْضا عَن عمْرَة عَن أُخْت
لعمرة قَالَت " أخذت {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} من فيّ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ يقْرَأ بهَا على
الْمِنْبَر فِي كل جُمُعَة " أُخْت عمْرَة هِيَ أم هِشَام بنت حَارِثَة بن
النُّعْمَان وَكَأَنَّهَا أُخْت عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن لأمها وَعِنْده
أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن معن عَن أَبِيه لحارثة بن النُّعْمَان
قَالَت: مَا حفظت " ق " إِلَّا من فيّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب بهَا كل جُمُعَة قَالَت: وَكَانَ تنورنا وتنور
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاحِدَة وَرَوَاهُ
مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن أبي بكر عَن يحيى بن عبد الله عَن أم
هِشَام بنت حَارِثَة بن النُّعْمَان. وَعَن أبي دَاوُد عَن الحكم بن حزن
فَذكر وفادته على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ
قَالَ: فأقمت بهَا إِمَامًا شَهِدنَا فِيهَا
(2/345)
الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَامَ مُتكئا على عَصا أَو قَوس فَحَمدَ
الله وَأثْنى عَلَيْهِ كَلِمَات خفيفات طَيّبَات مباركات ثمَّ قَالَ أَيهَا
النَّاس: إِنَّكُم لن تُطِيقُوا أَو لن تَفعلُوا كلما أمرْتُم بِهِ وَلَكِن
سددوا وَأَبْشِرُوا " وَعند مُسلم عَن ابْن عَبَّاس: أَن ضمادا قدم مَكَّة
فَذكر قصَّة فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
" إِن الْحَمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فَلَا مضل لَهُ. وَمن يضلل
فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ.
وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. أما بعد " وَعِنْدَهُمَا جَمِيعًا فِي
الصَّحِيح عَن ابْن عمر قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب يَوْم الْجُمُعَة خطبتين بَينهمَا جلْسَة "
وَفِي أَكثر مَا روينَا أَخْبَار على دوَام فعل رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأَصْل وجوب الظّهْر أَرْبعا فَلَا نعدل
مِنْهُ إِلَّا بِيَقِين وَالْيَقِين مَا فعله رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى فَارق الدُّنْيَا وَالله أعلم. وَفِي وجوب
ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخطْبَة قَالَ
عز وَجل: {ورفعنا لَك ذكرك} ، وروى الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة عَن
ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله عز وَجل {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ:
اذكر إِلَّا ذكرت معي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن
مُحَمَّدًا رَسُول الله وَيذكر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ مثل ذَلِك.
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(2/346)
" مَا جلس قوم لم يذكرُوا رَبهم وَلم يصلوا
فِيهِ على نَبِيّهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا كَانَت
عَلَيْهِم ترة يَوْم الْقِيَامَة إِن شَاءَ أَخذهم الله وَإِن شَاءَ عَفا
عَنْهُم "، وَفِي وجوب الْوَصِيَّة فِي الْخطْبَة وَالْمَوْعِظَة روينَا
مَا تيَسّر. وَكَذَلِكَ التَّحْمِيد وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَكَذَلِكَ
الدُّعَاء وَورد فِيهِ مَا عِنْد مُسلم فِي الصَّحِيح عَن حُصَيْن عَن
عمَارَة بن رويبة رأى بشر بن مَرْوَان رَافعا يَدَيْهِ فَقَالَ: فتح الله
هَاتين الْيَدَيْنِ لقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لَا يزِيد على أَن يَقُول بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ
بِأُصْبُعِهِ " وَالْقَصْد من ذَلِك إِثْبَات الدُّعَاء فِي الْخطْبَة
قَالَ الشَّافِعِي وَأَقل مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم / خطْبَة من
الْخطْبَتَيْنِ أَن يحمد الله وَيُصلي على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويوصي بتقوى الله وَيقْرَأ شَيْئا من الْقُرْآن فِي
الأولى ويحمد الله وَيُصلي على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يُوصي بتقوى الله وَيَدْعُو فِي الْآخِرَة لِأَن معقولا أَن
الْخطْبَة جمع بعض الْكَلَام من وُجُوه إِلَى بعض وَهَذَا أوجز مَا يجمع من
الْكَلَام. وَقَالَ فِي خلال كَلَام لَهُ فِي الْقَدِيم وَأَقل مَا يَقع
عَلَيْهِ اسْم الْخطْبَة كَلَام كَقدْر أقصر سُورَة من الْقُرْآن وَالله
أعلم.
(2/347)
مَسْأَلَة (166) :
لم يذكرهَا الإِمَام وَهل للخطيب والمستمع أَن يتَكَلَّم بِمَا يعنيه فِي
حَال الْخطْبَة أم لَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا: يحل مَا لم يقل لَغوا
وَالْآخر لَا يحل وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس
أَن رجلا يدْخل الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَائِم يخْطب، فَاسْتقْبل رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَائِما فَقَالَ: يَا رَسُول الله
هَلَكت الْأَمْوَال، وانقطعت السبل فَادع الله أَن يغيثنا قَالَ: فَرفع
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ:
" اللَّهُمَّ اغثنا. اللَّهُمَّ اغثنا. اللَّهُمَّ اغثنا ". قَالَ أنس
وَلَا وَالله مَا نرى فِي السَّمَاء من السَّحَاب وَلَا قزعة وَمَا
بَيْننَا وَبَين سلع من بَيت وَلَا دَار. قَالَ فطلعت علينا من وَرَائه
سَحَابَة مثل
(2/348)
الترس فَلَمَّا توسطت السَّمَاء انتشرت
ثمَّ أمْطرت. قَالَ: فَلَا وَالله مَا رَأينَا السَّمَاء سبتا. قَالَ: ثمَّ
دخل رجل من ذَلِك الْبَاب فِي الْجُمُعَة الْمُقبلَة وَرَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَائِم يخْطب فَاسْتَقْبلهُ قَائِما
فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَلَكت الْأَمْوَال وانقطعت السبل فَادع الله عز
وَجل يمْسِكهَا عَنَّا قَالَ فَرفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا
اللَّهُمَّ على الأكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشّجر قَالَ: "
فانغلقت وَخَرجْنَا نمشي فِي الشَّمْس "، وَقد تقدم حَدِيث سليك
الْغَطَفَانِي قبل، وَرُوِيَ عَن بُرَيْدَة قَالَ: " وَكَانَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب فَأقبل الْحسن وَالْحُسَيْن
عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثرَانِ وَيقومَانِ فَنزل
فَأَخذهُمَا فوضعهما بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ صدق الله وَرَسُوله: {أَنما
أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} رَأَيْت وَلَدي هذَيْن فَلم أَصْبِر
حَتَّى نزلت فأخذتهما ثمَّ أَخذ فِي خطبَته ". قَالَ
(2/349)
أَبُو عبد الله الْحَاكِم هَذَا حَدِيث
صَحِيح وَعَن أبي رِفَاعَة الْعَدوي قَالَ: انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يخْطب قَالَ: فَقلت يَا
رَسُول الله: رجل غَرِيب جَاءَ يسْأَل عَن دينه لَا يدْرِي مَا دينه فَأقبل
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَترك الْخطْبَة فَأتى
بكرسي قوائمه حَدِيد فَقعدَ عَلَيْهِ فَجعل يعلمني مَا علمه الله ثمَّ
أَتَى خطبَته فَأَتمَّ آخرهَا " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح. وَاحْتج
الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِحَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله
عَنهُ حَيْثُ جَاءَ يَوْم الْجُمُعَة وَعمر يخْطب فَقَالَ: مَا حَبسك؟
قَالَ: كنت فِي السُّوق، وَمَا زِدْت على أَن تَوَضَّأت وَجئْت. قَالَ:
الْوضُوء أَيْضا وَقد علمت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَمر بِغسْل الْجُمُعَة ". وَذكر الشَّافِعِي فِيمَا بلغه عَن
أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن منهال عَن عباد أَن عليا رَضِي الله
عَنهُ كَانَ يخْطب فجَاء الْأَشْعَث وَقد امْتَلَأَ الْمَسْجِد وَأخذُوا
مجَالِسهمْ فَجعل يتخطى حَتَّى دنا وَقَالَ: غلبتنا عَلَيْك هَذِه
الْحَمْرَاء فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا بَال هَذِه الضياطر يخلف
أحدهم قَالَ: ثمَّ ذكر كلَاما. قَالَ الشَّافِعِي وَقد تكلم الْأَشْعَث
فَلم يَنْهَهُ عَليّ رَضِي الله
(2/350)
عَنهُ وَتكلم عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وَرُوِيَ عَن جرير بن عبد الله قَالَ: لما دَنَوْت من مَدِينَة رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنخت رَاحِلَتي وحللت عَيْني
فَلبِست حلتي فَدخلت وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يخْطب فَسلم عَليّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَرَمَانِي النَّاس بالحدق فَقلت لجليسي يَا عبد الله هَل ذكر رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَمْرِي شَيْئا قَالَ: نعم.
ذكرك بِأَحْسَن الذّكر قَالَ: إِنَّه سيدخل عَلَيْكُم من هَذَا الْبَاب أَو
من هَذَا الْفَج من خير ذِي يمن فَإِن وَجهه لمسحة ملك فحمدت الله على مَا
أبلاني قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم هَذَا حَدِيث صَحِيح
وَعَن أبي دَاوُد / عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ كُنَّا مَعَ عبد الله بن
بسر صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم
الْجُمُعَة فَدخل يتخطى رِقَاب النَّاس فَقَالَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ
جَاءَ رجل يتخطى رِقَاب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اجْلِسْ فقد آذيت " قد روينَا عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كلم الرجل فِي
خطبَته وكلم
(2/351)
بعض أَصْحَابه جليسه فِي حَال الْخطْبَة
وَأجَاب سَأَلَهُ عَنهُ وَالله أعلم. وروى فِي حَدِيث قتل ابْن أبي الْحقيق
أَن ابْن عتِيك وَأَصْحَابه وافوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَخَطب فَقَالَ: " أفلحت الْوُجُوه فَقَالُوا أَفْلح وَجهك
يَا رَسُول الله. فَقَالَ قَتَلْتُمُوهُ؟ فَقُلْنَا: نعم " وَمَا روى عَن
أبي الدَّرْدَاء أَو عَن أبي ذَر فِي سُؤال أحدهم الآخر حِين قَرَأَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَرَاءَة فِي الْخطْبَة مَتى
أنزلت فَلم يجبهُ حَتَّى فَلَمَّا انصرفوا قَالَ لَهُ لَيْسَ لَك من
صَلَاتك إِلَّا مَا لغوت وَإنَّهُ أخبر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك فَقَالَ صدق، قَالَ: وَهَذَا حَدِيث مُخْتَلف
فِي اسْم الَّذِي سَأَلَ وَاسم الَّذِي سُئِلَ قد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب
الْمعرفَة أَن يكون المُرَاد بقوله لَا جُمُعَة لَك أَي لَيْسَ لَك أجر من
اسْتمع الْخطْبَة وَقَوله: " إِذا قلت لصاحبك أنصت وَالْإِمَام يخْطب فقد
لغوت " قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي مَعْنَاهُ مَا وصفت من كَلَام
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَلَام من كلم
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِكَلَامِهِ، فَيدل
على مَا وصفت وَأَن الْإِنْصَات للْإِمَام اخْتِيَار، وَإِن قَوْله لغوت
(2/352)
تَكَلَّمت بِهِ فِي مَوضِع الْأَدَب فِيهِ
أَلا يتَكَلَّم، وَالْأَدب فِي مَوضِع الْكَلَام أَن يتَكَلَّم بِمَا
يعنيه، وَفرق الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى بَين كَلَام الإِمَام
وَكَلَام من كلم الإِمَام فِي حَال الْخطْبَة. وَبَين رجل من الْمَأْمُومين
مثله وَحمل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك على هَاتين الْحَالَتَيْنِ
وَأَنه لَيْسَ بَينهمَا اخْتِلَاف وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (167) :
وَالْجُمُعَة لَا تدْرك بِأَقَلّ من رَكْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا
أدْرك التَّشَهُّد فقد أدْركهَا. دليلنا من طَرِيق الْخَبَر حَدِيث أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة
".
أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح فَجعله رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مدْركا بِإِدْرَاك رَكْعَة مِنْهَا. وَفِي
رِوَايَة عِنْد مُسلم " من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة فقد أدْركهَا كلهَا
". وَرُوِيَ من طرق عدَّة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا
أُخْرَى " وَفِي
(2/353)
بضعهَا " وَمن أدركهم جُلُوسًا فَليصل
أَرْبعا " وَعَن ابْن عمر أَيْضا بِمَعْنَاهُ، وَأما الَّذِي عَن عبد الله
مَرْفُوعا " من أدْرك يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام فِي التَّشَهُّد
يُصَلِّي ثِنْتَيْنِ " فَإِنَّهُ لَا يَصح وَمُحَمّد بن جَابر لَا يحْتَج
بِهِ، وَحمله عِنْدِي على من دونه فَكيف يكون ذَلِك صَحِيحا وَقد صَحَّ عَن
عبد الله أَنه قَالَ: " إِذا أدْركْت رَكْعَة من الْجُمُعَة فأضف إِلَيْهَا
أُخْرَى وَإِذا فاتك الرُّكُوع فصل أَرْبعا " استدلوا بِمَا روى نوح بن أبي
مَرْيَم أَبُو عصمَة عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من
أدْرك الإِمَام جَالِسا قبل أَن يسلم فقد أدْرك الصَّلَاة ". قَالَ عَليّ
بن عمر: لم يروه هَكَذَا غير نوح وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث مَتْرُوك، أَبُو
عصمَة أقرّ على نَفسه بِالْكَذِبِ وَصدق فِي إِقْرَاره بذلك فَإِنَّهُ
ظَاهر فِي رِوَايَته ثمَّ يُعَارضهُ مَا هُوَ أسلم طَرِيقا مِنْهُ عَن
ياسين بن معَاذ عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة من
أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة صلى إِلَيْهَا أُخْرَى وَإِن أدركهم جُلُوسًا
صلى
(2/354)
الظّهْر أَرْبعا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (168) :
وَالْجُمُعَة تصح بِغَيْر سُلْطَان وَلَا أحد من جِهَته وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: لَا تصح روى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أبي
عُبَيْدَة مولى ابْن أَزْهَر قَالَ: شهِدت الْعِيد مَعَ عَليّ رَضِي الله
عَنهُ وَعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ مَحْصُور زَاد فِي رِوَايَة ابْن بكير
عَن مَالك فجَاء فصلى ثمَّ انْصَرف فَخَطب. قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَلم يعلم عُثْمَان أمره بذلك وَالله أعلم.
(2/355)
صفحة فارغة.
(2/356)
كتاب صَلَاة الْخَوْف
ذكر حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة فِي صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وَذكر حَدِيث أبي
عَيَّاش الزرقي فِي صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعسفان،
أخرجه أَبُو دَاوُد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح مَشْهُور
إِلَّا أَن الْمُحدثين تَقول فِيهِ إرْسَال، فكأنهم يَشكونَ فِي سَماع
مُجَاهِد من أبي عَيَّاش زيد بن الصَّامِت الزرقي وَقد رَوَاهُ قُتَيْبَة
عَن جرير فَذكر فِيهِ سَماع مُجَاهِد من أبي عَيَّاش وَنحن روينَاهُ من
حَدِيث جَابر وَهُوَ صَحِيح لَا شكّ فِيهِ، وَذكره عَنهُ أخرجه مُسلم فِي
الصَّحِيح وَرَوَاهُ عِكْرِمَة عَن ابْن
(2/357)
عَبَّاس بِمَعْنى حَدِيث جَابر وَذكر
حَدِيث جَابر أَيْضا فِي صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِذَات الرّقاع، أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح، وَذكر حَدِيث ابْن عمر الَّذِي
عِنْد مُسلم، وَحَدِيثه الَّذِي عِنْد البُخَارِيّ، وَذكر حَدِيث ابْن
عتبَة عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ، قَالَ جَمِيع هَذِه
الرِّوَايَات فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف صَحِيحَة مَعْمُول بهَا على
اختلافها باخْتلَاف الْخَوْف، وَإِن كَانَ للشَّافِعِيّ رَحمَه الله فِي
جَوَاز صَلَاة الْخَوْف على نَحْو رِوَايَة ابْن عمر قَولَانِ: فَإِن
مذْهبه اتِّبَاع مَا صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَّا أَنه يخْتَار رِوَايَة صَالح بن خَوات لموافقته
الْآيَة ولمعان حسان يذكرهَا أَصْحَابنَا، وَاخْتَارَ أَبُو حنيفَة
رِوَايَة ابْن عمر وَحَدِيث ابْن عَبَّاس يحْتَمل أَن يكون حَدِيث جَابر
إِلَّا أَن حَدِيث جَابر أبين وَقد رَوَاهُ دَاوُد بن الْحصين عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس بِمَعْنى حَدِيث جَابر وَالله أعلم، فَإِذا
كَانَ الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة أَو جِهَتهَا غير مأمومين، فالمستحب
للْإِمَام أَن يُصَلِّي بهم مثل صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - بِذَات الرّقاع أَو مثل صلَاته بِبَطن
(2/358)
النّخل أَو مثل رِوَايَة ابْن عمر وَإِذا
كَانَ الْعَدو وجاه الْقبْلَة فِي صحراء لَا يواريهم شَيْء فِي قلَّة
مِنْهُم وَكَثْرَة من الْمُسلمين صلى بهم مثل صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعسفان وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (169) :
وَالصَّلَاة جَائِزَة مَعَ شدَّة الْقِتَال والتحام الْحَرْب رجَالًا
وركبانا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبلها بِالْإِيمَاءِ وَلَا يجوز
تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا لأجل ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُؤَخر
الصَّلَاة عَن وَقتهَا وَلَا تصح مَعَ الْمُحَاربَة. عَن ابْن جريج عَن عبد
الله بن كثير عَن مُجَاهِد قَالَ: " إِذا اختلطوا فَإِنَّمَا هُوَ
الْإِشَارَة بِالرَّأْسِ وَالتَّكْبِير " قَالَ ابْن جريج
(2/359)
وَأَخْبرنِي مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع
عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثل
قَول مُجَاهِد وَزَاد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
" فَإِن كَثُرُوا فليصلوا ركبانا أَو قيَاما على أَقْدَامهم ". أخرجه
البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن ابْن جريج عَن مُوسَى، وَعند مُسلم عَن
سُفْيَان عَن مُوسَى عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: " صلى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة الْخَوْف فِي بعض أَيَّامه
فَقَامَتْ طَائِفَة مَعَه وَطَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو فصلى بالذين مَعَه
رَكْعَة ثمَّ ذَهَبُوا وَجَاء الْآخرُونَ فصلى بهم رَكْعَة ثمَّ قَضَت
الطائفتان رَكْعَة رَكْعَة قَالَ: وَقَالَ ابْن عمر فَإِذا كَانَ خوف أَكثر
من ذَلِك فصلى رَاكِبًا أَو قَائِما يُومِئ إِيمَاء، وروى الشَّافِعِي عَن
مَالك عَن نَافِع أَن عبد الله بن عمر كَانَ إِذا سُئِلَ عَن صَلَاة
الْخَوْف قَالَ يتَقَدَّم الإِمَام وَطَائِفَة ثمَّ قصّ الحَدِيث. وَقَالَ
ابْن عمر فِي الحَدِيث: " فَإِن كَانَ خوفًا أَشد من ذَلِك صلوا رجَالًا
وركبانا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها ". قَالَ مَالك: قَالَ نَافِع:
لَا أرى عبد الله ذكر ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا حَدِيث مُسْند فقد أسْندهُ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز عَن ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَصَححهُ البُخَارِيّ
رَحمَه الله تَعَالَى وَقد روى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن
أنيس قَالَ بَعَثَنِي
(2/360)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَى خَالِد بن سُفْيَان الْهُذلِيّ وَكَانَ نَحْو عرنه
وعرفات فَقَالَ: اذْهَبْ فاقتله، قَالَ: فرأيته وَحَضَرت صَلَاة الْعَصْر
فَقلت: إِنِّي لَا أَخَاف أَن يكون بيني وَبَينه مَا أَن أؤخر الصَّلَاة
فَانْطَلَقت أَمْشِي وأصلي أومئ إِيمَاء نَحوه فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ
قَالَ: من أَنْت؟ قلت رجل من الْعَرَب / بَلغنِي أَنَّك تجمع لهَذَا الرجل
فجئتك فِي ذَاك، فمشيت مَعَه سَاعَة حَتَّى إِذا أمكنني علوته بسيفي حَتَّى
برد ". وَرُوِيَ عَن ابْن الزبير قَالَ: سَمِعت جَابِرا سُئِلَ عَن صَلَاة
المسايفة قَالَ: رَكْعَتَانِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهت على دابتك تؤمي إِيمَاء
وَالله أعلم.
(2/361)
مَسْأَلَة (170) :
لبس الْحَرِير وَالنَّوْم عَلَيْهِ وَالْجُلُوس والتدثر بِهِ محرم. وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: إِنَّمَا يحرم اللّبْس فَحسب. عِنْد أبي دَاوُد عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ " أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَخذ حَرِيرًا فَجعله فِي يَمِينه وَأخذ ذَهَبا فَجعله فِي شِمَاله ثمَّ
قَالَ: إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي " وَعند البُخَارِيّ فِي
الصَّحِيح فِي حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَانَا أَن نشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة
وَأَن نَأْكُل فِيهَا وَعَن لبس الْحَرِير والديباج وَأَن نجلس عَلَيْهِ
وَقَالَ هُوَ لَهُم فِي الدُّنْيَا وَلكم فِي الْآخِرَة وَالله أعلم.
(2/362)
وَمن كتاب الْعِيدَيْنِ
مَسْأَلَة (171) :
التَّكْبِير فِي لَيْلَة الْفطر وَيَوْم الْفطر حَتَّى يخرج الإِمَام
مسنون. وأظن أَن أَبَا حنيفَة يَقُول: غير مسنون قَالَ الله عز وَجل
{ولتكملوا الْعدة ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} قَالَ الشَّافِعِي
سَمِعت من أرْضى من أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ يَقُول لتكملوا عدَّة صَوْم
شهر رَمَضَان، ولتكبروا الله عِنْد إكماله على مَا هدَاكُمْ وإكماله لَهُ
مغيب الشَّمْس من آخر يَوْم من أَيَّام شهر رَمَضَان، وَعَن سعيد بن جُبَير
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل {وَذكر اسْم ربه فصلى} قَالَ ذكر الله
وَهُوَ ينْطَلق إِلَى الْعِيد وَعَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يخرج
فِي الْعِيدَيْنِ من الْمَسْجِد فيكبر حَتَّى يَأْتِي الْمصلى وَعَن أبي
عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ
(2/363)
قَالَ: كَانُوا فِي التَّكْبِير فِي الْفطر
أَشد مِنْهُم فِي الْأَضْحَى وَأَبُو عبد الرَّحْمَن: عبد الله بن حبيب
السّلمِيّ من أكَابِر التَّابِعين مِمَّن أدْرك عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي
الله عَنهُ وَسمع مِنْهُ فِي قَول كثير من الْمُحدثين وَأدْركَ عليا رَضِي
الله عَنهُ وَسمع مِنْهُ فَمن بعده من الصَّحَابَة وَهَذَا إِخْبَار عَن
فعلهم، وَقد رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُحَمَّد الموقري مَرْفُوعا أَيْضا عَن
الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - نَحْو رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر إِلَّا أَن الموقري
مَتْرُوك لَا نقر بِهِ وَرُوِيَ بِإِسْنَاد أمثل من حَدِيث الموقري
مَرْفُوعا أَيْضا أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يخرج
فِي الْعِيدَيْنِ رَافعا صَوته بالتهليل وَالتَّكْبِير فَيَأْخُذ طَرِيق
الحدادين حَتَّى يَأْتِي الْمصلى وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي
الله عَنهُ وَجَمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مثل مَا روينَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا عَن التَّكْبِير عِنْد
الغدو إِلَى الْمصلى،
(2/364)
وروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن
جمَاعَة من التَّابِعين أَنهم كَانُوا يكبرُونَ لَيْلَة الْفطر فِي
الْمَسْجِد يجهرون وَعَن جمَاعَة مِنْهُم جهرهم بِهِ عِنْد الغدو إِلَى
الْمصلى وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (172) :
وَيُصلي النَّوَافِل قبل صَلَاة الْعِيد من سبق الإِمَام إِلَى محلهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تطوع قبل صَلَاة الْعِيد. وَعند البُخَارِيّ
وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - نهى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَعَن
الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس ". وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان
التَّيْمِيّ قَالَ: " رَأَيْت أنس بن مَالك وَالْحسن بن أبي الْحسن
وَجَابِر بن زيد وَسَعِيد بن أبي الْحسن يصلونَ قبل الإِمَام فِي الْعِيد "
وَعنهُ عَن عبد الله الداناج قَالَ: " رَأَيْت أَبَا بردة يُصَلِّي يَوْم
الْعِيد قبل الإِمَام " وَثَبت عَن الْقَاسِم بن
(2/365)
مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير " أَنَّهُمَا
كَانَا يصليان قبل الْعِيد " وروينا عَن ابْن بُرَيْدَة قَالَ كَانَ
بُرَيْدَة " يُصَلِّي يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر قبل الإِمَام "،
استدلوا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا " أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج يَوْم الْفطر فصلى رَكْعَتَيْنِ
لم يصل قبلهمَا وَلَا بعدهمَا " أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح
وَهَكَذَا يجب للْإِمَام أَن لَا يُصَلِّي قبلهَا للْخَبَر، فَأَما
الْمَأْمُوم فمخالف للْإِمَام فقد تنفل قوم قبل صَلَاة الْعِيد وَبعدهَا،
وَآخَرُونَ قبلهَا وَآخَرُونَ بعْدهَا وَآخَرُونَ تَرَكُوهُ كَمَا يكونُونَ
فِي كل يَوْم يتنفلون وَلَا يتنفلون وَرُوِيَ عَن سهل بن سعد وَرَافِع بن
خديج وَعُرْوَة بن الزبير أَنهم كَانُوا يصلونَ قبل صَلَاة الْعِيد
وَبعدهَا.
وَحَدِيث جرير فِي الْأَرْبَع الَّتِي حفظهَا من رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفيهَا " لَا صَلَاة فِي الْعِيدَيْنِ قبل
الإِمَام " فإسناده ضَعِيف، وَحَدِيث سعيد بن جُبَير عَن عقبَة بن عَامر
فِي رِوَايَة وَعَن أبي مَسْعُود فِي أُخْرَى
(2/366)
ذَلِك مَجْهُول الْإِسْنَاد وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (173) :
تَكْبِيرَات الْعِيد سبع فِي الأولى / سوى تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح، وَفِي
الثَّانِيَة خمس سوى تَكْبِيرَة الْقيام، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: ثَلَاث فِي
الأولى وَثَلَاث فِي الثَّانِيَة رُوِيَ عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن
عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كبر فِي الْعِيد يَوْم الْفطر سبعا،
وخمسا: فِي الأولى سبع وَفِي الْآخِرَة خمس سوى تَكْبِيرَة الصَّلَاة "
وَرَأَيْت حِكَايَة عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ رَحمَه الله
أَنه قَالَ حَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن فِي هَذَا الْبَاب صَحِيح
وَعَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يكبر فِي
الْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَة الأولى سبع تَكْبِيرَات وَفِي الثَّانِيَة خمس
تَكْبِيرَات قبل الْقِرَاءَة " قَالَ أَبُو عِيسَى
(2/367)
التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي
البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث: قَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب شَيْء
أصح من هَذَا وَبِه أَقُول، قَالَ وَحَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن
الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده فِي هَذَا الْبَاب
هُوَ صَحِيح أَيْضا، وَعند أبي دَاوُد عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة " أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يكبر فِي الْفطر
والأضحى فِي الأول سبع تَكْبِيرَات وَفِي الْآخِرَة خمس تَكْبِيرَات قبل
الْقِرَاءَة " وروى عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة وَعنهُ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا
وَلَا يَصح، وَالْمَوْقُوف على أبي هُرَيْرَة لَا شكّ فِي صِحَّته وَعَن
ابْن عَبَّاس " كَانَ يكبر ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة سبعا فِي الأولى
وخمسا فِي الْآخِرَة " رُوَاته ثِقَات وَفِي
(2/368)
رِوَايَة ثَلَاث عشرَة وَقَالَ سِتا فِي
الْآخِرَة وَالْمرَاد بِهِ وَالله أعلم مَعَ تَكْبِيرَة الْقيام، فقد
رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب عَن حميد وزائدة عَن عبد الْملك، وَقَالا: خمْسا،
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِإِسْنَاد ضَعِيف وَأما حَدِيث
عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان فِي استفتاء سعيد بن الْعَاصِ
حُذَيْفَة وَأَبا مُوسَى فِي ذَلِك وَإِن أَبَا مُوسَى أفتاه بِأَرْبَع
تَكْبِيرَات يرفع ذَلِك وَصدقه حُذَيْفَة، فقد خُولِفَ رُوَاته فِي موضِعين
أَحدهمَا فِي رَفعه وَالْآخر فِي جَوَاب أبي مُوسَى وَالْمَشْهُور من هَذِه
الْقِصَّة أَنهم أسندوا أَمرهم إِلَى ابْن مَسْعُود فأفتاه ابْن مَسْعُود
فِي ذَلِك وَلم يرفعهُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَقَالَ الثَّانِيَة
يقْرَأ ثمَّ يكبر وَعبد الرَّحْمَن بن ثَابت ضعفه يحيى بن معِين وَقَالَ:
وَكَانَ رجلا صَالحا. قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم وَقَالَ
بعض النَّاس يكبر أَرْبعا فِي الأولى بِالَّتِي يفْتَتح بهَا الصَّلَاة
ثمَّ يقْرَأ ثمَّ يكبر فيركع ثمَّ يقوم فَيقْرَأ ثمَّ يكبر أَرْبعا وَعَابَ
علينا قَوْلنَا وَزعم أَنا إِنَّمَا روينَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة لَا عَن
غَيره وَأَحْسبهُ
(2/369)
قد علم أَن قد روينَاهُ من غير أبي
هُرَيْرَة وَقَالَ قَول ابْن مَسْعُود أَحَق أَن يُؤْخَذ بِهِ فَقيل لَهُ:
إِن تَكْبِيرَة الْعِيدَيْنِ من الْأَمر الَّذِي لَا يجهله الْعلمَاء وَلَا
نحسب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يُخَالف أَصْحَابه وَلَو فعل رَحْمَة
الله عَلَيْهِ: كَانَ الثَّابِت عندنَا من أهل الْإِمَامَة قَول أهل
الْمَدِينَة وَلَو لم يكن عندنَا فِيهِ إِلَّا قَول أبي هُرَيْرَة
تَكْبِيرَة فِي دَار الْهِجْرَة وَالسّنة (وَمن) أَصْحَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ علمه وعلمهم بِهِ علمنَا أَنه
لم يكبر خلاف تَكْبِير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِن شَاءَ الله وَلَو خَفِي عَلَيْهِ تَكْبِير رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - علموه إِيَّاه وأنكروا عَلَيْهِ خِلَافه
وَلم يكن ذَلِك كَفعل رجل فِي بلد كلهم يتَعَلَّم مِنْهُ لَيْسُوا كَأَهل
الْمَدِينَة وتكبير أبي هُرَيْرَة عَام لِأَنَّهُ بَين ظهراني
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأهل الْعلم وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَحمَه
الله بِإِسْنَادِهِ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأَبا بكر وَعمر وعليا كبروا فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاء سبعا
وخمسا وجهروا بِالْقِرَاءَةِ وَالله تَعَالَى أعلم.
مَسْأَلَة (174) :
وَالتَّكْبِير فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قبل الْقِرَاءَة كَهُوَ فِي
الرَّكْعَة الأولى وَقَالَ أَبُو حنيفَة: التَّكْبِير فِي الثَّانِيَة بعد
الْقِرَاءَة عِنْد أبي دَاوُد عَن
(2/370)
عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " التَّكْبِير فِي الْفطر سبع فِي
الأولى وَخمْس فِي الْآخِرَة، وَالْقِرَاءَة بعدهمَا كلتاهما " وَرُوِيَ
معنى ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر مَرْفُوعا وَعَن أبي هُرَيْرَة من
فعله وَقد تقدم، استدلوا بِمَا روى مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة
النَّيْسَابُورِي عَن ابْن لَهِيعَة عَن خَالِد عَن الزُّهْرِيّ عَن
عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يكبر فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة سبعا فِي
الأولى وخمسا فِي الْآخِرَة ويوالي بَين الْقِرَاءَتَيْن، وَمُحَمّد بن
مُعَاوِيَة مِمَّن رَمَاه غير وَاحِد من أهل الحَدِيث بِالْكَذِبِ. وَقد
رَوَاهُ ابْن وهب وَعَمْرو بن خَالِد / وَمعلى بن مَنْصُور وَغَيرهم عَن
ابْن لَهِيعَة لم يقل " ويوالي بَين الْقِرَاءَتَيْن " غَيره ثمَّ
يُعَارضهُ مَا رُوِيَ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة أَنه
سَأَلَهَا عَن تَكْبِير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فَقَالَت: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يكبر سبعا ثمَّ يقْرَأ ثمَّ يكبر خمْسا
(2/371)
ثمَّ يقْرَأ ". قَالَ الْقَاسِم: سَأَلت
عبد الله بن عمر عَن تَكْبِير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يكبر سبعا ثمَّ يقْرَأ ثمَّ يكبر خمْسا ثمَّ يقْرَأ ".
وَقَالَ: سَأَلت أمك عَائِشَة فقد فعلت. قَالَ: فَكَأَنَّهُ وجد عَليّ إِذْ
لم أكتف بقولِهَا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (175) :
يقف بَين تكبيرتين بِذكر الله تَعَالَى بِقدر آيَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
لَا يقف بل يَأْتِي بهما مُتَوَالِيَة، وَرُوِيَ عَن عبد الله قَالَ: يحمد
الله بَين التكبيرتين من الْعِيد وَيُصلي على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ: مَضَت السّنة أَن
يكبروا للصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ سبعا وخمسا بِذكر الله مَا بَين كل
تكبيرتين وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (176) :
ومبتدأ تَكْبِير أَيَّام التَّشْرِيق بعد صَلَاة الظّهْر من يَوْم النَّحْر
إِلَى
(2/372)
صَلَاة الصُّبْح من آخر أَيَّام
التَّشْرِيق وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبتدأ بعد الصُّبْح من يَوْم عَرَفَة
وَيقطع بعد الْعَصْر من يَوْم النَّحْر وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله
تَعَالَى عَن بعض السّلف: أَنه كَانَ يبتدأ التَّكْبِير خلف صَلَاة
الصُّبْح من يَوْم عَرَفَة وأسأل الله التَّوْفِيق. عَن الْفضل بن عَبَّاس
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أردفه من جمع إِلَى
منى فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة " أخرجه البُخَارِيّ
وَمُسلم، وَعند مُسلم عَن بثينة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله ". قَالَ
الشَّافِعِي رَحمَه الله " وبلغنا نَحْو ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس يَعْنِي
نَحْو القَوْل الأول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله وَرَوَاهُ خصيف
الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر
وَجَمَاعَة، وَذكر إِسْنَاده عَنهُ وَعَن زيد بن ثَابت وَأبي سعيد
الْخُدْرِيّ وَعُثْمَان بن عَفَّان وَذكره أَيْضا عَن شُرَيْح بن أَبْرَهَة
مَرْفُوعا قَالَ: وَأما وَجه قَوْلنَا الآخر فَالَّذِي حَدثنَا
(2/373)
أَبُو عبد الله وَذكر إِسْنَاده عَن
مُحَمَّد بن أبي بكر الثَّقَفِيّ قَالَ: قلت لأنس وَنحن غاديان من منى
إِلَى عَرَفَة: كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْم مَعَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: " كَانَ يُلَبِّي
الملبي فَلَا يُنكر عَلَيْهِ، وَيكبر المكبر فَلَا يُنكر عَلَيْهِ " أخرجه
البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح، وَرُوِيَ عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: "
كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يكبر بعد صَلَاة الصُّبْح من يَوْم
عَرَفَة إِلَى صَلَاة الظّهْر فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق ". وَعَن
شَقِيق: " كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يكبر بعد صَلَاة الْفجْر غَدَاة
عَرَفَة ثمَّ لَا يقطع حَتَّى يُصَلِّي الْعَصْر من آخر أَيَّام
التَّشْرِيق ثمَّ يكبر بعد الْعَصْر وَعَن عُمَيْر بن سعيد النَّخعِيّ "
كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يكبر دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة " يبْدَأ فِي
يَوْم عَرَفَة من صَلَاة الْغَدَاة إِلَى آخر يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق
من صَلَاة الْعَصْر يكبر بعد فَرَاغه من صَلَاة الْعَصْر ثمَّ يقطع
التَّكْبِير وَذَلِكَ خَمْسَة أَيَّام وَكَانَ تكبيره الله أكبر الله أكبر
لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد " وَعَن
عِكْرِمَة عَن ابْن
(2/374)
عَبَّاس: أَنه كَانَ يكبر من غَدَاة
عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق كَمَا كبر
عَليّ وَعبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَن أبي الطُّفَيْل عَن
عَليّ وعمار رَضِي الله عَنْهُمَا " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم، وَكَانَ يقنت فِي صَلَاة الْفجْر وَكَانَ يكبر من يَوْم عَرَفَة
صَلَاة الْغَدَاة ويقطعها صَلَاة الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق " قَالَ
الْحَاكِم أَبُو عبد الله: لَا أعلم فِي رُوَاته مَنْسُوبا إِلَى الْجرْح
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (177) :
التَّكْبِير عندنَا ثَلَاثًا نسقا، وَعند أبي حنيفَة ثِنْتَيْنِ. عِنْد
مُسلم فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل فِي صفة الْحَج " أَنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صعد على الصَّفَا، وَكبر ثَلَاثًا،
وَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله
الْحَمد يحيي وَيُمِيت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء
(2/375)
قدير ". . وَمثل ذَلِك على الْمَرْوَة،
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - " كَانَ إِذا اسْتَوَى على بعيره خَارِجا إِلَى سفر كبر ثَلَاثًا ".
وَعَن ابْن عمر " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كَانَ إِذا قفل من غَزْو أَو حج أَو عمْرَة كبر على كل شرف ثَلَاث
تَكْبِيرَات " فالابتداء بِثَلَاث تَكْبِيرَات نسقا أشبه / بسنن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الِابْتِدَاء بهَا مرَّتَيْنِ
وَإِن كَانَ الْكل وَاسِعًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَرُوِيَ عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس يكبر من غَدَاة عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام
النَّفر لَا يكبر فِي الْمغرب " الله أكبر الله أكبر الله أكبر وَللَّه
الْحَمد الله أكبر وَأجل الله أكبر على مَا هدَانَا " وَرَوَاهُ
الْوَاقِدِيّ عَنهُ وَعَن جَابر بن عبد الله وَبِه قَالَ الْحسن بن أبي
الْحسن، وروينا عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه قَالَ: يكبر الله ثَلَاث
مَرَّات وَعَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: كَانَ سلمَان رَضِي الله
عَنهُ يعلمنَا التَّكْبِير يَقُول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كَبِيرا
أَو قَالَ: تَكْبِيرا اللَّهُمَّ أَنْت أعلا وَأجل من أَن يكون لَك
صَاحِبَة أَو يكون لَك ولد أَو يكون لَك شريك فِي الْملك أَو يكون لَك ولي
من الذل وَكبره تَكْبِيرا،
(2/376)
اللَّهُمَّ ارحمنا، ثمَّ قَالَ وَالله
لتكتبن هَذِه لَا تتْرك هَاتَانِ ولتكونن شفعا لهاتين وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (178) :
التَّكْبِير مسنون للمقيم وَالْمُسَافر وَأهل الْقرى والأمصار
وَالْمُنْفَرد وَالْمُصَلي فِي جمَاعَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّمَا
تسن للحاضر إِذا صلى فَرِيضَة فِي جمَاعَة لقَوْل الله تَعَالَى:
{واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} فَعم وَلم يخص وَقَالَ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى: {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أَو
أَشد ذكرا} وروينا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
أَنه قَالَ أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله " وَأَنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كبر على الصَّفَا وَكَانَ مُسَافِرًا
". وروينا عَن ابْن عمر وَأنس فِي تكبيرهم يَوْم عَرَفَة عِنْد الغدو من
منى إِلَى عَرَفَة وَكَانُوا مسافرين وَعَن أم عَطِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
فِي الْحيض يخْرجن يَوْم
(2/377)
الْعِيد فيكُن خلف النَّاس يكبرن مَعَ
النَّاس " وَكَانَت مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا تكبر يَوْم النَّحْر
وَكَانَ النَّاس يكبرن خلف أبان بن عُثْمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز
ليَالِي التَّشْرِيق مَعَ الرِّجَال فِي الْمَسْجِد وَكَانَ الشّعبِيّ
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يَقُولَانِ هَذَا القَوْل وَكَانَ أَبُو جَعْفَر
مُحَمَّد بن عَليّ يكبر بمنى أَيَّام التَّشْرِيق وَالله أعلم.
(2/378)
وَمن كتاب صَلَاة الخسوف
مَسْأَلَة (179) :
صَلَاة الخسوف رَكْعَتَانِ: فِي كل رَكْعَة ركوعان، وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
كَسَائِر الصَّلَوَات، إِن شَاءَ صلى رَكْعَتَيْنِ وَإِن شَاءَ أَرْبعا
وَإِن شَاءَ سِتا، يسلم فِي كل رَكْعَتَيْنِ وَلَا يزِيد فِي الرُّكُوع.
وَدَلِيلنَا: الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين خسفت الشَّمْس، وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا
(2/379)
وَعند مُسلم عَن جَابر أَيْضا وَالْأَخْذ
بذلك أولى لِأَنَّهَا مفسرة زَائِدَة على غَيرهَا من الرِّوَايَات وَإِن
صحت وأسانيد حَدِيث الرَّكْعَتَيْنِ وَإِن كَانَت عِنْد البُخَارِيّ لَا
تقاوم أَسَانِيد من روى فِيهَا ركوعين فِي كل رَكْعَة فَهِيَ أصح
إِسْنَادًا وَأثبت رجَالًا وَرَوَاهُ سِتَّة من أَصْحَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَجَابِر،
وَعَائِشَة، وَابْن عَمْرو، وَأبي مُوسَى رَضِي الله عَنْهُم عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهم أَكثر عددا وأثبتوا فِي صلَاته
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لم يُثبتهُ غَيرهم والمثبت
أولى. قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يحْكى عَن مناظره فَقَالَ: "
روى بَعْضكُم أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى
ثَلَاث رَكْعَات فِي كل رَكْعَة " قلت هُوَ من وَجه مُنْقَطع وَنحن لَا
نثبت الْمُنْقَطع على الِانْفِرَاد وَوجه نرَاهُ وَالله أعلم غَلطا قَالَ
وَهل يرْوى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ صَلَاة ثَلَاث رَكْعَات؟
قُلْنَا: نعم أخبرنَا سُفْيَان عَن سُلَيْمَان الْأَحول يَقُول: سَمِعت:
طاووسا يَقُول خسفت الشَّمْس فصلى بِنَا ابْن عَبَّاس فِي صفة زَمْزَم سِتّ
رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات. قَالَ: فَمَا جعل زيد بن أسلم عَن عَطاء بن
يسَار عَن ابْن
(2/380)
عَبَّاس أثبت من سُلَيْمَان الْأَحول عَن
طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قلت: الدّلَالَة عَن ابْن عَبَّاس مُوَافقَة حَدِيث
زيد بن أسلم عَنهُ رُوِيَ عَن عبد الله بن أبي بكر عَن صَفْوَان بن عبد
الله بن صَفْوَان، قَالَ: رَأَيْت ابْن عَبَّاس صلى على ظهر زَمْزَم فِي
كسوف الشَّمْس رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة رَكْعَتَيْنِ، وَابْن عَبَّاس
لَا يُصَلِّي فِي الخسوف خلاف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن شَاءَ الله، وَإِذا كَانَ عَطاء بن يسَار
وَصَفوَان بن عبد الله وَالْحسن يروون عَن ابْن عَبَّاس خلاف مَا روى
سُلَيْمَان الْأَحول كَانَت رِوَايَة ثَلَاثَة أولى أَن تقبل وَعبد الله بن
أبي بكر وَزيد بن أسلم أَكثر حَدِيثا وَأشهر بِالْعلمِ بِالْحَدِيثِ من
سُلَيْمَان. قَالَ فقد روى عَن ابْن عَبَّاس / أَنه صلى فِي زَلْزَلَة
ثَلَاث رَكْعَات فِي كل رَكْعَة. قلت لَو ثَبت عَن ابْن عَبَّاس أشبه أَن
يكون ابْن عَبَّاس فرق من خُسُوف الشَّمْس وَالْقَمَر والزلزلة وَإِن سوى
بَينهمَا فأحاديثها أَكثر
(2/381)
وَأثبت مِمَّا رويت فأخذنا بِالْأَكْثَرِ
والأثبت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِي بالمنقطع:
حَدِيث عبيد بن عُمَيْر حَيْثُ قَالَه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
بالتوهم وَأَرَادَ بِأَلْفَاظ حَدِيث عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان فَإِن
ابْن جريج خَالفه فَرَوَاهُ عَن عَطاء عَن عبيد بن عُمَيْر وَقَالَ أَحْمد
بن حَنْبَل: أَقْْضِي بِابْن جريج على عبد الْملك فِي حَدِيث عَطاء
وَفِيمَا حكى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل عَن مُحَمَّد
بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ رحمهمَا الله أَنه قَالَ: أصح الرِّوَايَات
عِنْدِي فِي صَلَاة الْكُسُوف أَربع رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات. قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: وَمن أَصْحَابنَا من ذهب إِلَى تَصْحِيح الْأَخْبَار
الْوَارِدَة فِي هَذِه الْأَعْدَاد وَإِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فعلهَا مَرَّات، وَأَن الْجَمِيع جَائِز
وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُرِيد فِي
الرُّكُوع إِذا لم ير الشَّمْس قد تجلت ذهب إِلَى هَذَا إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه وَمن بعده مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَأَبُو بكر
أَحْمد بن إِسْحَاق بن أَيُّوب الصبغي وَأَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ
(2/382)
وَاسْتَحْسنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن
إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر صَاحب الخلافيات وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَالَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي رَحمَه الله من التَّرْجِيح أصح وَهُوَ
اخْتِيَار البُخَارِيّ رَحمَه الله أَيْضا وَالله أعلم. وَذَلِكَ أَنه
ظَاهر بَين فِي طرق أَحَادِيث صَلَاة الخسوف: أَنَّهَا ترجع إِلَى صَلَاة
وَاحِدَة وَهِي يَوْم توفّي ابْنه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَا
يُمكن حمل هَذِه الْأَخْبَار الْمُخْتَلفَة على الْفَرد، وَلَا وَجه فِيهَا
إِلَّا التَّرْجِيح وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي ركوعين فِي رَكْعَة
من أثبت الْأَحَادِيث وأصحها فالأخذ بهَا أولى وَالْأَحَادِيث الَّتِي رويت
فِي الرَّكْعَتَيْنِ دون عدد الرُّكُوع يحْتَمل أَن يكون مُرَاد الرَّاوِي
بهَا حِكَايَة الصَّلَاة عَن الخسوف دون كيفيتها وكيفيتها مَوْجُودَة فِي
أخبارنا فالأخذ بهَا
(2/383)
أولى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
مَسْأَلَة (180) :
ويخطب لصَلَاة الْكُسُوف بعد الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَدْعُو بعد
مَا ينْصَرف وَلَا يخْطب، دليلنا الْأَحَادِيث الْمُتَّفق على صِحَّتهَا
عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَأَسْمَاء بنت أبي
بكر وَأبي مُوسَى وَللَّه الْحَمد على التَّوْفِيق.
مَسْأَلَة (181) :
لم يذكرهَا الإِمَام، وَيسر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة خُسُوف الشَّمْس
ويجهر بهَا فِي صَلَاة خُسُوف الْقَمَر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجْهر
فيهمَا، دليلنا: قَول ابْن عَبَّاس فِي حَدِيثه خسفت يَعْنِي الشَّمْس
(2/384)
فصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّاس مَعَه فَقَامَ قيَاما طَويلا بِنَحْوِ من
سُورَة الْبَقَرَة ثمَّ ركع " قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَو سَمعه مَا
قدر قِرَاءَته وَقد رُوِيَ عَنهُ صَرِيحًا قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْكُسُوف فَلم أسمع مِنْهُ
فِيهَا حرفا من الْقِرَاءَة وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَن سَمُرَة أَيْضا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد فِي كتاب السّنَن وَفِيه صفة خُسُوف الشَّمْس وَصَلَاة رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وخطبته وَرُوِيَ بِإِسْنَاد
رُوَاته ثِقَات عَن عَائِشَة فِي حَدِيث كسوف الشَّمْس وَفِيه " فَخرج
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى بِالنَّاسِ
فَقَامَ فحزرت قِرَاءَته فَرَأَيْت أَنه قَرَأَ بِسُورَة الْبَقَرَة وسَاق
الحَدِيث. قَالَت ثمَّ قَالَ فَأطَال الْقِرَاءَة فحزرت قِرَاءَته
فَرَأَيْت أَنه قَرَأَ سُورَة آل عمرَان " وروينا عَنْهَا خلاف ذَلِك "
أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جهر " قَالَ البُخَارِيّ
رَحمَه الله حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي الْجَهْر أصح من
حَدِيث سَمُرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله لكنه لَيْسَ بأصح من
حَدِيث ابْن
(2/385)
عَبَّاس أَنه قَالَ فِي قِرَاءَة النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بِنَحْوِ من سُورَة الْبَقَرَة
". قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيهِ دَلِيل على أَن لم يسمع مَا قَرَأَ
لِأَنَّهُ لَو سَمعه لم يقدره بِغَيْرِهِ، قَالَ: وَرُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس أَنه قَرَأَ: " قُمْت إِلَى جنب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي خُسُوف الشَّمْس فَمَا سَمِعت مِنْهُ حرفا وَقد
مضى هَذَا عَن ابْن لَهِيعَة والواقدي وَغَيرهمَا وَابْن لَهِيعَة وَإِن
كَانَ غير مُحْتَج بِهِ فِي الرِّوَايَة، وَكَذَلِكَ الْوَاقِدِيّ وَالْحكم
بن أبان فهم عدد وروايتهم هَذِه توَافق الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَن ابْن
عَبَّاس وتوافق رِوَايَة لمُحَمد بن إِسْحَاق بن يسَار وَإِسْنَاده عَن
عَائِشَة ويوافق رِوَايَة سَمُرَة بن جُنْدُب وَإِنَّمَا الْجَهْر عَن
الزُّهْرِيّ فَقَط، وَهُوَ إِن كَانَ حَافِظًا فيشتبه أَن يكون الْعدَد
أولى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (182) :
/ وَيصلى للاستسقاء بِالْجَمَاعَة فِي الْمصلى كَصَلَاة الْعِيد فِي
التَّكْبِيرَات والجهر والخطبتين بعْدهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يخرجُون
إِلَى الْمصلى فَيدعونَ فَإِن صلوا فُرَادَى فَلَا بَأْس وَلَا جمَاعَة
فِيهَا. فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عبد الله بن زيد قَالَ: " خرج النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْمصلى
(2/386)
فَاسْتَسْقَى واستقبل الْقبْلَة فحول
رِدَاءَهُ فصلى رَكْعَتَيْنِ " وَفِي رِوَايَة عَن البُخَارِيّ قَالَ: "
خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمًا يَسْتَسْقِي
فَاسْتقْبل الْقبْلَة وحول رِدَاءَهُ وَصلى رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ وجهر
بِالْقِرَاءَةِ " وَرُوِيَ عَن طَلْحَة بن يحيى قَالَ: أَرْسلنِي مَرْوَان
إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن سنة الاسْتِسْقَاء. فَقَالَ: سنة
الاسْتِسْقَاء سنة الصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ إِلَّا أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلب رِدَاءَهُ فَجعل يَمِينه على
يسَاره ويساره على يَمِينه. وَصلى الرَّكْعَتَيْنِ فَكبر فِي الأولى سبع
تَكْبِيرَات وَقَرَأَ: {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَقَرَأَ فِي
الثَّانِيَة {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} وَكبر فِيهَا خمس تَكْبِيرَات "
قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَرُوِيَ
عَن أبي بكر وَعمر وَعلي " أَنهم كبروا فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاء
سبعا وخمسا وصلوا قبل الْخطْبَة وجهروا بِالْقِرَاءَةِ " وَرُوِيَ عَن أبي
(2/387)
هُرَيْرَة قَالَ: خرج النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَسْتَسْقِي فصلى رَكْعَتَيْنِ بِلَا آذان
وَلَا إِقَامَة ثمَّ خَطَبنَا وحول وَجهه نَحْو الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ
ثمَّ قلب رِدَاءَهُ فَجعل الْأَيْمن من الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن.
رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات، استدلوا بِحَدِيث أنس " فِي الرجل
الَّذِي دخل وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب
فَشَكا إِلَيْهِ الْقَحْط فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَمُطِرُوا " الحَدِيث وَالِاسْتِسْقَاء عندنَا على أَنْوَاع
مِنْهَا أَن يَدْعُو وَلَا يُصَلِّي وَمِنْهَا أَن يَدْعُو خلال الْخطْبَة
مثل الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَلَا يُصَلِّي لَهَا وَمِنْهَا أَن
يُصَلِّي لَهَا ويخطب وَيَدْعُو كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ وَهُوَ
أكملها وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (183) :
يسْتَحبّ للْإِمَام وَالْمَأْمُوم إِذا أَرَادَ الدُّعَاء أَن يقلب
رِدَاءَهُ ويحوله. وَقَالَ فِي الْقَدِيم: يجوز وَلَا يقلب وَهُوَ قَول
مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد: يَفْعَله الإِمَام
دون الْمَأْمُوم وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَفْعَله أحد، لَا الإِمَام
وَلَا الْمَأْمُوم وَدَلِيلنَا فِي ذَلِك من
(2/388)
فعل الرَّسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مضى فِي الْمَسْأَلَة آنِفا وَرُوِيَ عَن جَابر أَنه
قَالَ: استسقى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحول
رِدَاءَهُ لتحول الْقَحْط وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (184) :
وتارك الصَّلَاة عمدا من غير عذر يقتل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضْرب حَتَّى
يُصَلِّي وَلَا يقتل، فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس
حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة فَإِذا فعلوا عصموا مني دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالهمْ وحسابهم على الله " وَعِنْدَهُمَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي
مُرَاجعَة عمر أَبَا بكر فِي قتال مانعي الزَّكَاة وَفِيه فَقَالَ أَبُو
بكر " لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، قَالَ عمر: " فوَاللَّه
مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله قد شرح صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ فَعرفت
أَنه الْحق "، وَعند مُسلم وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ بِلَفْظ آخر عَن عبد
الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " لَا يحل دم امْرِئ مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأَنِّي رَسُول الله إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاث رجل كفر بعد إِسْلَامه أَو
زنى بعد إحْصَانه أَو نفس بِنَفس "
(2/389)
وَجه الِاسْتِدْلَال مِنْهُ هُوَ أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَاحَ دم الْمُسلم
الَّذِي يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
بِإِحْدَى ثَلَاث فَذكر مِنْهَا كفره بعد إِسْلَامه وَفِي بعض الرِّوَايَات
" بعد إيمَانه " فَيُشبه أَن يرْتَد بِتَرْكِهِ للصَّلَاة بعد أَن كَانَ
يَفْعَلهَا فقد سمى الله الصَّلَاة إِيمَانًا بقوله عز وَجل {وَمَا كَانَ
الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} أَي صَلَاتكُمْ وسمى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ترك الصَّلَاة كَقَوْلِه فِي الصَّحِيحَيْنِ
عَن الْبَراء قَالَ قيل هَذَا الَّذين مَاتُوا قبل أَن تحول الْقبْلَة
وَرِجَال قتلوا قبل بدر مَا نقُول فيهم؟ فَأنْزل الله عز وَجل {وَمَا كَانَ
الله لِيُضيع إيمَانكُمْ إِن الله بِالنَّاسِ لرءوف رَحِيم} . وَعند مُسلم
عَن جَابر سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول: " بَين الرجل وَبَين الشّرك وَالْكفْر ترك الصَّلَاة " وَرُوِيَ
عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبَيْنكُم الصَّلَاة
فَمن تَركهَا فقد كفر " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث
صَحِيح الْإِسْنَاد لَا
(2/390)
يعرف لَهُ عِلّة بِوَجْه من الْوُجُوه،
وَهَذَا الحَدِيث على شَرطهمَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ أَصْحَاب
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا يرَوْنَ شَيْئا
عَن الْأَعْمَال تَركه كفر غير الصَّلَاة وَفِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن شهَاب
عَن عَطاء بن يزِيد عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار أَنه حَدثهُ عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر حَدِيثا عَن رجل
فِي قتل مُنَافِق فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - " أَلَيْسَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول
الله قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله، وَلَا شَهَادَة لَهُ فَقَالَ: أَلَيْسَ
يُصَلِّي؟ قَالَ وَلَا صَلَاة لَهُ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أُولَئِكَ الَّذين نهاني عَن قَتلهمْ " وَفِي
رِوَايَة الشَّافِعِي بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: " أُولَئِكَ الَّذين نهاني الله
عَن قَتلهمْ " وَهَذَا مُرْسل وَقد رَوَاهُ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء
عَن عبيد الله عَن عبد الله بن عدي الْأنْصَارِيّ مَوْصُولا، وَعَن أبي
دَاوُد عَن إِبْرَاهِيم ورد الحَدِيث فِي نفي المخنث
(2/391)
وَفِيه قَالُوا يَا رَسُول الله أَلا
نَقْتُلهُ؟ قَالَ: إِنِّي نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين وَالله أعلم.
(2/392)
من كتاب الْجَنَائِز
مَسْأَلَة (185) :
سرته الْغَاسِل مَا بَين سترته إِلَى ركبته، وَإِن غسله فِي قَمِيصه كَانَ
أحسن وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي ستر فرجه بخرقه، ذكر أَحَادِيث فِي
غسل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَمِيصه وَذكر
عَن أبي دَاوُد حَدِيثا رَوَاهُ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تبرز فخذك وَلَا تنظر
فَخذ حَيّ وَلَا ميت ".
مَسْأَلَة (186) :
وَإِذا مَاتَ الْمحرم لم يخمر رَأسه وَلم يقرب طيبا، وَقَالَ
الْعِرَاقِيُّونَ: يفعل بِهِ مَا يفعل بِسَائِر الْمَوْتَى، دليلنا مَا
عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا كَانَ وَاقِفًا مَعَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعَرَفَة
(2/393)
على نَاقَة فوقصته أَو قَالَ فأقعصته
فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
اغسلوه بِمَاء وَسدر وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ أَو قَالَ: فِي ثوبيه وَلَا
تحنطوه وَلَا تخمروا رَأسه، فَإِن الله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة
يُلَبِّي " وَمَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من خلاف ذَلِك فقد قَالَ الشَّافِعِي
رَحمَه الله وَلَعَلَّ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ لم يسمع هَذَا الحَدِيث
بل لَا شكّ إِن شَاءَ الله وَلَو سَمعه مَا خَالفه، وَقد ثَبت عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْلنَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ:
وبلغنا مثله وَمَا ثَبت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فَلَيْسَ لأحد خِلَافه وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (187) :
الزَّوْج يغسل امْرَأَته، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يغسلهَا. وروى
الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم عَن عمَارَة عَن أم مُحَمَّد بنت مُحَمَّد بن
(2/394)
جَعْفَر بن أبي طَالب عَن جدَّتهَا أَسمَاء
بنت عُمَيْس: أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أوصت أَن تغسلها إِذا مَاتَت هِيَ وَعلي رَضِي الله عَنهُ
فغسلتها هِيَ وَعلي رَضِي الله عَنْهُم " هَذَا عَجِيب فَإِن أَسمَاء
كَانَت فِي ذَلِك الْوَقْت عِنْد أبي بكر وَقد ثَبت أَنه لم يعلم بوفاة
فَاطِمَة بِمَا فِي الصَّحِيح أَن عليا دَفنهَا لَيْلًا وَلم يعلم أَبَا
بكر فَكيف يُمكن أَن تغسلها زَوجته وَلَا يعلم، وورع أَسمَاء يمْنَعهَا أَن
تفعل ذَلِك وَلَا تستأذن زَوجهَا إِلَّا أَن يُقَال أَنه يحْتَمل أَن يكون
علم وَاجِب أَن لَا يرد عرض عَليّ فِي كِتْمَانه مِنْهُ، لَكِن الْأَشْبَه
أَن يتَحَقَّق على أَن أَسمَاء ستعلمه وَأَنه علم أَنه علم وَلَو نوى
حُضُوره وَالْأولَى إِن ثَبت هَذَا أَن يُقَال مُحْتَمل وَالله أعلم أَن
أَبَا بكر علم وَأَن عليا علم بِعِلْمِهِ بذلك وَظن أَنه سيحضر من غير
استدعاء مِنْهُ لَهُ وَظن أَبُو بكر أَنه سيدعوه وَأَنه لَا يرى حُضُوره
وَالله أعلم.
(2/395)
وَرُوِيَ أَن ابْن مَسْعُود غسل امْرَأَته
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرجل أَحَق بِغسْل امْرَأَته وروينا فِي حَدِيث
مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يَعْقُوب بن عتبَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله
عَن عَائِشَة قَوْلهَا " وارأساه " " وَمَا ضرك لَو مت قبلي فغسلتك وكفنتك
وَصليت عَلَيْك ثمَّ دفنتك " وَعَن أبي قلَابَة " أَنه غسل امْرَأَته "
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (188) :
يمضمض الْمَيِّت وينشق، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يفعل، فِي
الصَّحِيحَيْنِ عَن أم عَطِيَّة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - حِين أمرهَا أَن تغسل ابْنَته قَالَ " ابدئي بميامنها ومواضع
الْوضُوء وَزَاد البُخَارِيّ مِنْهَا " وَالله أعلم.
(2/396)
مَسْأَلَة (189) :
يظفر شعر الْمَرْأَة ثَلَاثَة قُرُون فيلقين خلفهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة
لَا تظفر وتطرح بَين ثدييها / دليلنا حَدِيث أم عَطِيَّة فِي غسلهَا ابْنة
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فظفرنا
رَأسهَا وناصيتها وقرنيها ثَلَاث قُرُون وألقينا خلفهَا " وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (190) :
يسْتَحبّ أَن يَجْعَل فِي الغسلة الْأَخِيرَة كافورا وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
لَا يسْتَحبّ ذَلِك، فِي حَدِيث أم عَطِيَّة أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: واجعلن فِي الْآخِرَة كافورا.
مَسْأَلَة (191) :
ويكفن الرجل فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة.
(2/397)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُكفن فِي إِزَار
وقميص ورداء. دليلنا حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عِنْد البُخَارِيّ
وَمُسلم أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كفن فِي
ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة، لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة،
وَفِي رِوَايَة عِنْد مُسلم " سحُولِيَّة من كُرْسُف " وَفِي أُخْرَى عِنْد
البُخَارِيّ " سحُولِيَّة كُرْسُف " استدلوا بِمَا روى أَبُو دَاوُد عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض نجرانية: الْحلَّة ثَوْبَان وقميصه الَّذِي
مَاتَ فِيهِ " وَفِي رِوَايَة " فِي ثَلَاثَة أَثوَاب حلَّة حَمْرَاء
وقميصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ " هَذَا لَا يُعَارض مَا روينَا لأمور مِنْهَا
أَن يزِيد بن أبي زِيَاد الرَّاوِي هَذَا الحَدِيث غير مُحْتَج بِهِ، وَمَا
روينَا اتّفق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ على صِحَّته. قَالَ ابْن معِين فِي
التَّارِيخ: وَلَا يحْتَج بِحَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد وَمِنْهَا أَن
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
(2/398)
أعلم بذلك فَإِنَّهَا زوج النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد مَاتَ فِي بَيتهَا وَبَين سحرها
ونحرها وأجابت عَن قَول من زعم أَنه كفن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب فِيهَا حلَّة بقولِهَا فِي الصَّحِيح
عِنْد مُسلم " فَأَما الْحلَّة فَإِنَّمَا شبه على النَّاس فِيهَا أَنَّهَا
اشْتريت لَهُ حلَّة ليكفن فِيهَا فَتركت فَأَخذهَا عبد الله بن أبي بكر
فَقَالَ: لاحتسبنها لنَفْسي حَتَّى أكفن فِيهَا ثمَّ قَالَ لَو رضيها الله
لنَبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لكفنه فِيهَا فَبَاعَهَا
وَتصدق بِثمنِهَا " فكفتنا رَضِي الله عَنْهَا مُؤنَة الْجَواب عَن ذَلِك
وَللَّه الْحَمد. وَقد رُوِيَ من وَجه آخر لَا يَصح أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " زر عَلَيْهِ قَمِيصه الَّذِي كفن
فِيهِ ". رَوَوْهُ عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم:
وَكَيف يجوز أَن يَصح مثله، وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَن عَليّ بن أبي
طَالب رَضِي الله عَنهُ وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو
وَجَابِر بن عبد الله وَعبد الله بن معقل وَعَائِشَة بنت الصّديق رَضِي
الله عَنْهُم فِي تكفين النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَمَا
رُوِيَ فِي الحَدِيث صَحِيح من
(2/399)
إلباس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عبد الله بن أُبي: قَمِيصه فَإِن ذَلِك عندنَا
جَائِز. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِن قمصه وعممه جَازَ، ثمَّ
إِنَّمَا فعله رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لسَبَب
وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن سُفْيَان عَن عَمْرو
عَن جَابر لما كَانَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ بِالْمَدِينَةِ طلبت لَهُ
الْأَنْصَار ثوبا يكسونه فَلم يَجدوا قَمِيصًا يصلح لَهُ إِلَّا قَمِيص عبد
الله بن أُبي فكسوه إِيَّاه " وَزَاد بعض الروَاة عَن سُفْيَان أَنه قَالَ:
فَلَعَلَّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جازاه بذلك،
وَيَكْفِي فِي التَّرْجِيح، أَن مَا اخْتَارَهُ الله تَعَالَى لرَسُوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أولى من غَيره وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (192) :
والشهيد لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يغسل
وَلَكِن يصلى عَلَيْهِ. وَدَلِيلنَا حَدِيث جَابر الصَّحِيح عِنْد
البُخَارِيّ " أَن
(2/400)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ يجمع بَين الرجلَيْن من قَتْلَى أحد، وَذكر الحَدِيث
وَفِيه " يدفنهم بدمائهم وَلم يصل عَلَيْهِم وَلم يغسلهم " وروى عَن أنس بن
مَالك " أَن شُهَدَاء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم وَلم يصل عَلَيْهِم ".
قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث صَحِيح والاعتماد على حَدِيث جَابر
فَإِنَّهُ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَلَا يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / أَنه صلى على أحد من شُهَدَاء أحد لَا على حَمْزَة
وَلَا على غَيره وَقد رُوِيَ عَن أنس حَدِيث فِي قَتْلَى أحد وَذكره
حَمْزَة وَقَالَ: وَلم يصل على أحد من الشُّهَدَاء غَيره قَالَ عَليّ بن
عمر الدَّارَقُطْنِيّ: هَذِه اللَّفْظَة وَلم يصل على أحد من الشُّهَدَاء
غَيره لَيست مَحْفُوظَة، وَإِن استدلوا بِحَدِيث عقبَة بن عَامر الْمُتَّفق
على صِحَّته " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج
يَوْمًا فصلى على أهل أحد صلَاته على الْمَيِّت ثمَّ انْصَرف إِلَى
الْمِنْبَر ". الحَدِيث قُلْنَا: لَا حجَّة لكم فِيهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا صلى على قُبُورهم بعد ثَمَان
سِنِين وَأَنْتُم لَا تَقولُونَ بِهِ عِنْد البُخَارِيّ فِي
(2/401)
الصَّحِيح عَنهُ " أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى على قَتْلَى أحد بعد ثَمَان
سِنِين كَالْمُودعِ للأحياء والأموات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- " والْحَدِيث الَّذِي يرْوى " فِي صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - على قَتْلَى أحد مَعَ حَمْزَة حَتَّى صلى عَلَيْهِ اثْنَيْنِ
وَسبعين صَلَاة قَائِما " رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار عَن رجل
من أَصْحَابه لم يسمه عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ رحمنا الله وإياه
إِذا روى عَن مَشْهُور مَنْسُوب وَلَا يذكر سَمَاعه مِنْهُ يكون فِيهِ نظر
لما اشْتهر من تدليسه وَرِوَايَته عَن الْمَجْرُوحين حَتَّى تكلم فِيهِ
مَالك وَيحيى بن سعيد وَلم يحْتَج بِهِ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح
وَإِنَّمَا اسْتشْهد بِهِ مُسلم فِي خَمْسَة أَحَادِيث وَافق فِيهَا
الثِّقَات أفيعارض مثل ذَلِك الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَرَوَاهُ الْحسن
بن عمَارَة قيل عَن سعيد وَقيل عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلى عَلَيْهِم وغسلهم ". وَالْحسن ضَعِيف
لَا يحْتَج بِهِ وَهَذَا أحد مَا أنكر عَلَيْهِ شُعْبَة بن الْحجَّاج.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ: قَالَ لي شُعْبَة اذْهَبْ إِلَى جرير بن
حَازِم فَقل لَهُ لَا يحل لَك أَن تروي عَن الْحسن بن عمَارَة فَإِنَّهُ
يكذب، روى أَشْيَاء عَن الحكم لَهُ
(2/402)
يجد لَهَا أصلا قلت لشعبة أَي شَيْء؟
قَالَ: قلت للْحكم صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
على قَتْلَى أحد فَقَالَ: لم يصل على قَتْلَى أحد وَذكر بَقِيَّة كَلَامه
وَرُوِيَ عَن أبي مَالك مُرْسلا لَا يَصح، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن
عَيَّاش عَن عبد الْملك أَو غَيره، وَإِسْمَاعِيل لَا يحْتَج بِهِ، فِي
إِسْنَاده شكّ. وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن أبي عمرَان، أَبُو ثَابت وَعبد
الْعَزِيز: ضَعِيف. قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِثِقَة، إِنَّمَا هُوَ صَاحب
شعر وَرَوَاهُ أَبُو حَمَّاد الْمفضل بن صَدَقَة الْحَنَفِيّ الْكُوفِي.
قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ هُوَ بِشَيْء فَهَذَا حَال الْأَحَادِيث
الْوَارِدَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِم، وحديثنا عَن جَابر أَنه لم يصل
عَلَيْهِم من أصح الْأَحَادِيث. حكم بِصِحَّتِهِ البُخَارِيّ رَحمَه الله
تَعَالَى. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ
أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى على شُهَدَاء أحد تِسْعَة
تِسْعَة، وَحَمْزَة عاشرهم، شُهَدَاء أحد اثْنَان وَسَبْعُونَ فَإِذا
كَانُوا قد صلى عَلَيْهِم عشرَة
(2/403)
عشرَة فَالصَّلَاة لَا تكون أَكثر من سبع
وثمان. فنجعله أَنه صلى على اثْنَيْنِ صَلَاة وعَلى حَمْزَة صَلَاة
فَهَذِهِ تسع صلوَات. فَمن أَيْن جَاءَت سبعين صَلَاة؟ وَإِن كَانَ عَنى
سبعين تَكْبِيرَة فَنحْن وهم بزعم أَن التَّكْبِير على الْجَنَائِز أَربع
فَهِيَ إِذا كَانَت تسع صلوَات سِتّ وَثَلَاثِينَ فَمن أَيْن جَاءَت أَربع
وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة؟ قد كَانَ يَنْبَغِي لمن روى هَذَا الحَدِيث أَن
يستحي على نَفسه وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُعَارض بِهِ الْأَحَادِيث
كلهَا عيان، فقد جَاءَت من وُجُوه متواترة: بِأَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يصل عَلَيْهِم وَقَالَ زملوهم بكلومهم
وَأما حَدِيث عقبَة بن عَامر قَالَ فِيهِ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - صلى عَلَيْهِم بعد ثَمَان سِنِين كَالْمُودعِ للأحياء
والأموات وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقف على
قُبُورهم ودعا لَهُم واستغفر لَهُم كَمَا كَانَ يَدْعُو لغَيرهم من
الْمَوْتَى حِين علم قرب أَجله كَالْمُودعِ وَلَا يدل ذَلِك على نسخ الحكم
فِي غير مَا ورد فِيهِ إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي حملنَا الْخَبَر
عَلَيْهِ لم ينتسخ بِهِ مَا ثَبت من أَحْكَامه فَأَما الَّذِي رُوِيَ عَن
شَدَّاد بن الْهَاد فِي الْأَعرَابِي الَّذِي أَصَابَهُ السهْم بِخَيْبَر.
فصلى عَلَيْهِ وَفِي آخِره قَالَ عَطاء: وَزَعَمُوا أَنه لم يصل على أهل
أحد فَابْن جريج ذكره عَن عَطاء: وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الرجل بَقِي /
حَيا حَتَّى انْقَطَعت الْحَرْب ثمَّ مَاتَ فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالَّذِي لم يصل عَلَيْهِم بِأحد
مَاتُوا قبل انْقِضَاء الْحَرْب
(2/404)
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (193) :
ومقتول قطاع الطَّرِيق وَمن قتل فِي دَفعه نَفسه مغسول مصلى عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنه شَهِيد لَا يغسل، وَحكى صَاحب الإفصاح عَن
أبي حنيفَة أَنه قَالَ من قتل من الْمصر ظلما لم يغسل إِلَّا أَنه يقتل
بخشبه، قَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا قتل بمحدد لم يغسل، وروى الشَّافِعِي عَن
نَافِع عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ غسل وكفن وَصلى عَلَيْهِ، وَقد ثَبت أَنه قتل بمحدد، وَرُوِيَ أَن
الْحسن صلى على عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَالله أعلم.
(2/405)
مَسْأَلَة (194) :
وَحمل الْجِنَازَة بَين العمودين سنة وَهُوَ أَن يحملهَا أَرْبَعَة من
جوانبها الْأَرْبَعَة وَيقف خَامِس بَين العمودين فِي الْمُقدم ويحملها على
كتفه وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِسنة وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم عَن
أَبِيه عَن جده قَالَ: رَأَيْت سعد بن أبي وَقاص فِي جَنَازَة عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنْهُمَا بَين العمودين قد حمل السرير على
كاهليه، وَعَن مُحَمَّد بن صَالح: توفّي أسيد بن الْحضير حمله عمر رَضِي
الله عَنْهُمَا بَين العمودين حَتَّى وَضعه بِالبَقِيعِ وَصلى عَلَيْهِ
بِالبَقِيعِ. وروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن عِيسَى بن طَلْحَة قَالَ:
رَأينَا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ يحمل بَين عمودي سَرِير أمه
فَلم يُفَارِقهُ حَتَّى وَضعه،
(2/406)
وَعَن يُوسُف بن مَاهك أَنه رأى ابْن عمر
رَضِي الله عَنهُ فِي جَنَازَة رَافع قَائِما بَين قائمتي السرير وَعَن عبد
الله بن ثَابت عَن أَبِيه قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة يحمل بَين عمودي
سَرِير سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ، وَعَن شُرَحْبِيل بن أبي عون
قَالَ رَأَيْت ابْن الزبير يحمل بَين عمودي سَرِير الْمسور بن المخرمة
رَضِي الله عَنْهُمَا، وَرُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ: إِن
من السّنة أَن نَأْخُذ بقوائم السرير الْأَرْبَع ثمَّ من شَاءَ زَاد أَو
ترك وَهَذِه فِي الْحمل بَين العمودين وقف عَلَيْهَا من الصَّحَابَة فالأخذ
بِهِ أولى وَالله أعلم، وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا اتبعت الْجِنَازَة
فَخذ بجوانبها وَإِن شِئْت تَطَوَّعت بعد أَو تركت وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (195) :
إِذا وجد بعض من الْمَيِّت غسل وَصلى عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن
وجد أَكثر الْبدن غسل وَصلى عَلَيْهِ، وَإِن وجد الْأَقَل لم يغسل وَلم
يُصَلِّي عَلَيْهِ، لنا مَا روى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِسَنَدِهِ
عَن خَالِد بن معدان أَن أَبَا
(2/407)
عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ صلى على
رُؤُوس، قَالَ وبلغنا أَن طائرا ألْقى يدا بِمَكَّة فِي وقْعَة الْجمل
فعرفوها بالخاتم فغسلوها وصلوا عَلَيْهَا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (196) :
وَالْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمَشْي خلفهَا
أفضل لنا حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن
أَبِيه قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة وَفِي
بعض الرِّوَايَات وَعُثْمَان وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مُرْسلا وَوَصله
سُفْيَان وَتَابعه مَنْصُور وَبكر بن وَائِل وَزِيَاد بن سعد من رِوَايَة
هِشَام عَنْهُم وَكلهمْ ثِقَات، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن عقيل بن خَالِد فِي
بعض الرِّوَايَات عَنهُ، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة فِي إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَابْن أخي الزُّهْرِيّ، وَزَمعَة بن صَالح
وَغَيرهم عَن
(2/408)
الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَرُوِيَ عَن
الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك أَيْضا، وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن ابْن
الْمُنْكَدر عَن ربيعَة بن عبد الله بن الهدير أَنه رأى عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ تقدم النَّاس أَمَام جَنَازَة زَيْنَب بنت جحش، وروى
ذَلِك أَيْضا عَن أبي قَتَادَة وَأبي أسيد وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهم رَضِي
الله عَنْهُم أَنهم كَانُوا يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة، وَعَن أبي
حَازِم رَأَيْت ابْن عمر وَحسن بن عَليّ وَابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُم
يَمْشُونَ أمامها حَتَّى وضعت، وَعَن زِيَاد بن قيس الْأَشْعَرِيّ قَالَ:
أتيت الْمَدِينَة، فَرَأَيْت أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار / يَمْشُونَ أَمَام
الْجِنَازَة، وَعَن ابْن أبي ليلى
(2/409)
قَالَ: كُنَّا نمشي مَعَ أَصْحَاب رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَام الْجِنَازَة وَعَن
الْمُغيرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
الْمَاشِي أَمَام الْجِنَازَة والراكب خلفهَا والطفل يُصَلِّي عَلَيْهِ "
وَفِي رِوَايَة: الرَّاكِب يسير خلف الْجِنَازَة وَالْمَشْي عَن يَمِينهَا
وَعَن شمالها قريبان، والسقط يصلى عَلَيْهِ ويدعى لوَالِديهِ بالعافية
وَالرَّحْمَة وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
رَوَاهُ الثَّوْريّ وَغَيره عَن يُونُس بِإِسْنَادِهِ والماشي خلفهَا
وأمامها وَعَن يَمِينهَا ويسارها قَرِيبا مِنْهَا وَهَذَا حَدِيث مَحْفُوظ
وَرُوَاته ثِقَات احْتج بهم البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح، وروى يحيى بن عبد
الله الْكُوفِي الجابر التَّيْمِيّ عَن أبي ماجد عَن ابْن مَسْعُود. قَالَ:
سَأَلنَا نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْمَشْي
مَعَ الْجِنَازَة فَقَالَ: مَا دون الْجنب، أَن يكون خيرا يعجل إِلَيْهِ
وَإِن يكن غير ذَلِك فبعدا لأهل الشَّرّ، والجنازة متبوعة وَلَا
(2/410)
تتبع لَيْسَ مَعهَا من يقدمهَا " قَالَ
أَبُو دَاوُد: يحيى ضَعِيف، وَقَالَ يحيى بن معِين وَقد سُئِلَ عَنهُ،
فَقَالَ: لَا شَيْء، وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب يحيى الجابر: غير
مَحْمُود، وَأَبُو ماجد غير مَعْرُوف، وروى أَبُو معشر بِسَنَدِهِ جَاءَ
ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَن أمه توفيت وَهِي نَصْرَانِيَّة وَهُوَ يحب أَن يحضرها
فَقَالَ اركب دابتك وسر أمامها فَإنَّك إِذا ركبت أمامها لم تتبعها " هَذَا
لَا يثبت، وَأَبُو معشر نجيح ضَعِيف، وروى يحيى بن سعيد الْقطَّان
بِسَنَدِهِ عَن سهل بن سعد أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ يمشي خلف الْجِنَازَة ويطيل الْفِكر " قَالَ أَبُو
أَحْمد بن عدي: وَهَذَا لَا يعرف إِلَّا من رِوَايَة يحيى وَله
(2/411)
أَحَادِيث وَلَا يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ
بَين الضعْف، وَمَا رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه مَشى خلف
الْجِنَازَة فَقيل لَهُ إِن أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ
يمشيان أمامها، قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ رحمهمَا الله إنَّهُمَا
كَانَا سهلين يسهلان للنَّاس الْمَشْي خلفهَا أفضل من الْمَشْي أمامها،
فَهُوَ شَيْء ذهب إِلَيْهِ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَالَّذِي فعله: أَبُو
بكر وَعمر وَعُثْمَان وَغَيرهم من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم مُوَافق
فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَشْي
أمامها وَالْأَخْذ بِهِ أولى وَقد كَانُوا أَئِمَّة بِموضع الْقدْوَة بهم
فَلَا يَفْعَلُونَ فِي الظَّاهِر إِلَّا مَا هُوَ الْأَفْضَل عِنْدهم
وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (197) :
وَالْوَلِيّ أولى بِالصَّلَاةِ على الْمَيِّت من الْوَالِي وَقَالَ أَبُو
حنيفَة
(2/412)
وَمُحَمّد: الْوَالِي أولى، فَوجه قَوْلنَا
قَول الله عز وَجل {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} . وَرُوِيَ
عَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ أَن رجلا من بني سَاعِدَة قَالَ يَا رَسُول
الله: إِن أَبَوي قد هلكا فَهَل بَقِي من برهما شَيْء أَفعلهُ بعد
مَوْتهمَا. قَالَ: " نعم أَرْبَعَة أَشْيَاء: الصَّلَاة عَلَيْهِمَا من بعد
مَوْتهمَا، وإكرام صديقهما، وصلَة رحمهمَا الَّتِي لَا رحم لَك إِلَّا من
قبلهمَا " استدلوا بِحَدِيث أبي مَسْعُود وَعند مُسلم قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب
الله " الحَدِيث فِي تَرْتِيب الْأَئِمَّة وَفِيه " وَلَا يُؤمن الرجل فِي
سُلْطَانه " وَهَذَا ورد فِي الصَّلَاة الَّتِي هِيَ من الْأُمُور
الْعَامَّة الَّتِي تكون ولايتها إِلَى الْأَئِمَّة، فَأَما الصَّلَاة على
الْجِنَازَة فَإِنَّهَا من الْأُمُور الْخَاصَّة الَّتِي يكون الْوَلِيّ
فِيهَا أولى من الْوَالِي: كولاية النِّكَاح وَغَيره وَهَذَا لِأَن
الْقَصْد من صَلَاة الْجِنَازَة الدُّعَاء للْمَيت، فَكل من يكون أقرب
إِلَى الْمَيِّت يكون أشْفق عَلَيْهِ ودعاؤه لَهُ أَرْجَى للإجابة وَالله
أعلم. وَرُوِيَ عَن أبي حَازِم قَالَ: رَأَيْت حُسَيْن بن عَليّ قدم على
سعيد بن الْعَاصِ على الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم فصلى
عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنَّهَا سنة مَا
(2/413)
قَدمته. فَإِن صَحَّ هَذَا عَن الْحُسَيْن
بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَيحْتَمل أَن يكون قِيَاسا مِنْهُ على سَائِر
الصَّلَوَات، وَقد ذكرنَا أَن الصَّلَاة على الْجِنَازَة من الْأُمُور
الْخَاصَّة الَّتِي يكون الْوَلِيّ فِيهَا أولى من الْوَالِي وَقد روى
الْحسن بن عمَارَة عَن أبي سعيد قصَّة عَن الصَّلَاة / عَن الْحسن وفيهَا
أَن الْحُسَيْن قَالَ: إِنَّه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: إِذا اجْتمعت الْجِنَازَة وَالْإِمَام، فالإمام أولى
من الْوَالِي بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وفيهَا إِن مَرْوَان هُوَ الَّذِي صلى
وَهَذَا لَا يَصح فَإِن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح لَهُ عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَماع، وَابْن عمَارَة
مَتْرُوك الحَدِيث وَأَبُو سعيد: ضَعِيف وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (198) :
وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة فَرِيضَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: لَا
(2/414)
قِرَاءَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة، لنا عَن
طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف، قَالَ: " صليت خلف ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا على جَنَازَة وَأَنا يَوْمئِذٍ شَاب فَسَمعته يقْرَأ عَلَيْهَا
بِفَاتِحَة الْكتاب، فَلَمَّا صليت جِئْت وَأخذت بِيَدِهِ فَقلت لَهُ: يَا
أَبَا الْعَبَّاس مَا هَذَا، قَالَ: حق وَسنة أَو سنة وَحقّ " أخرجه
البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَفِي رِوَايَة عِنْده بِمَعْنَاهُ، قَالَ:
وَقَالَ " أَنَّهَا من السّنة "، وروى عَن جَابر الْقِرَاءَة بِمَا فِيهَا
مَرْفُوعَة، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس غنية فَإِنِّي لَا أعلم خلافًا بَين
أهل النَّقْل أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ: من السّنة كَذَا وَكَذَا أَنه
يُرِيد سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَيكون
مُسْندًا وَقد روينَا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - أَنه قَالَ: " لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب " فَهُوَ
الْعُمُوم وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (199) :
وترفع الْيَد فِي تَكْبِيرَات الْجِنَازَة، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ:
(2/415)
أَنَّهَا لَا ترفع، روى الشَّافِعِي
بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ كلما كبر على
الْجِنَازَة وروى عَن ابْن سِيرِين أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا دخل فِي
الصَّلَاة وَإِذا رفع من الرُّكُوع حَذْو مَنْكِبَيْه وَكَانَ يفعل ذَلِك
فِي تكبيره على الْجَنَائِز وَرَوَاهُ مُجَاهِد بن مُوسَى عَن معَاذ
وَقَالَ فِيهِ: يفعل ذَلِك مَعَ كل تكبيره على الْجَنَائِز رَوَاهُ ابْن
جريج عَن عَطاء قَالَ ترفع يَديك فِي كل تَكْبِيرَة وَمَا روى عَن ابْن
عَبَّاس يرفعهُ: كَانَ يرفع يَدَيْهِ على الْجِنَازَة فِي أول تَكْبِيرَة
ثمَّ لَا يعود فَإِنَّهُ حَدِيث مُنكر وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (200) :
وَمن فَاتَتْهُ صَلَاة الْجِنَازَة وَكَانَ من أهل فرض الْكِفَايَة فِي
الصَّلَاة عَلَيْهَا، صلاهَا على الْقَبْر على قرب الْعَهْد بالدفن وَقَالَ
أَبُو حنيفَة:
(2/416)
لَا يُصَلِّي على الْقَبْر بعد قَضَاء حق
الصَّلَاة على الْجِنَازَة. دليلنا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن
عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى قبرا
مَنْبُوذًا فصفهم وَتقدم فصلى عَلَيْهِ وَكبر أَرْبعا وَعند أبي دَاوُد عَن
أبي هُرَيْرَة: " إِن امْرَأَة سَوْدَاء أَو رجلا كَانَ يقم الْمَسْجِد
فَفَقدهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَ عَنهُ
فَقيل: مَاتَ، فَقَالَ أَلا أذنتموني لَهُ، دلوني على قَبره، فدلوه فصلى
عَلَيْهِ ". أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَعند مُسلم عَن أنس
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى على قبر
امْرَأَة بَعْدَمَا دفنت " وروى هَذَا الحَدِيث عَن زيد بن ثَابت وأخيه
يزِيد بن ثَابت وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا وعامر بن زَمعَة بِمَعْنى
حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وروى مَذْهَبنَا عَن ابْن عمر وَعَائِشَة وَغَيرهم
من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالله أعلم.
(2/417)
مَسْأَلَة (201) :
وَيصلى على الْغَائِب بِالنِّيَّةِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تصح
الصَّلَاة على الْغَائِب لنا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ "
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نعى للنَّاس
النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخرج إِلَى الْمصلى وَكبر
أَربع تَكْبِيرَات " وَعِنْدَهُمَا أَيْضا عَن جَابر أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى على أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ
فَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا ". وَعند مُسلم عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أَخا لكم مَاتَ
فَقومُوا فصلوا عَلَيْهِ يَعْنِي النَّجَاشِيّ " وَرُوِيَ عَنهُ بِإِسْنَاد
رُوَاته ثِقَات أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِن أَخا لكم النَّجَاشِيّ مَاتَ فصلوا عَلَيْهِ " قَالَ فصففنا
خَلفه كَمَا يصف على الْمَيِّت وصلينا عَلَيْهِ كَمَا يصلى على الْمَيِّت
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: وصلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا على قبر
أَخِيهَا وَغير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - من حَدِيث الثِّقَات عِنْد مَالك، وَإِنَّمَا الصَّلَاة
دُعَاء للْمَيت وَهُوَ إِذا كَانَ ملففا بَيْننَا نصلي عَلَيْهِ فَإِنَّمَا
يَدْعُو لَهُ بِالصَّلَاةِ بِوَجْه علمناه فَكيف لَا
(2/418)
يَدْعُو لَهُ غَائِبا وَفِي الْخَبَر بذلك
الْوَجْه وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (202) :
وَالصَّلَاة على الْجِنَازَة فِي الْمَسْجِد غير مَكْرُوهَة وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: إِنَّهَا مَكْرُوهَة، لنا حَدِيث عَائِشَة فِي الصَّحِيح عِنْد
مُسلم عَن أبي سَلمَة عَنْهَا قَالَت: " وَالله / لقد صلى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على ابْني بَيْضَاء فِي الْمَسْجِد
سُهَيْل وأخيه " وَعِنْده " أَنَّهَا صلت على سعد بن أبي وَقاص فِي
الْمَسْجِد وروى مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر أَنه صلى عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي
(2/419)
الْمَسْجِد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله:
" وَلَا نرى أحدا من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم حَضرمَوْت عمر رَضِي
الله عَنهُ " فَتخلف عَن جنَازَته فَهَذَا عمل مُجْتَمع عَلَيْهِ عنْدكُمْ،
قَالَه لبَعض المالكيين وَرُوِيَ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن
أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ صلي عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد وَأما مَا رُوِيَ
عَن ابْن أبي ذِئْب عَن صَالح مولى التؤمة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من صلى على
جَنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ ". قَالَ صَالح وَأدْركت رجَالًا
مِمَّن أدركوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر
إِذا جاؤكم يَجدوا إِلَّا أَن يصلوا فِي الْمَسْجِد رجعُوا فَلم يصلوا
فَغير ثَابت. رِوَايَة صَالح بن نَبهَان مولى التؤمة فِيهَا نظر، فَإِنَّهُ
مِمَّن تغير فِي آخر عمره وَاخْتَلَطَ حَدِيثه فَلَا تميز قديمه من
حَدِيثه. قَالَ البُخَارِيّ: فِيمَا سَأَلَهُ التِّرْمِذِيّ كَانَ
(2/420)
أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: من سمع من صَالح
قَدِيما فسماعه حسن وَمن سمع مِنْهُ أخيرا كَأَنَّهُ يصف سَمَاعه، قَالَ
مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل: وَابْن أبي ذِئْب سمع مِنْهُ أخيرا يرْوى عَنهُ
مَنَاكِير وَسُئِلَ عَنهُ مَالك فَقَالَ: لم يكن ثِقَة وَلَو كَانَ هَذَا
عَن أبي هُرَيْرَة صَحِيحا نَاسِخا مَا روته عَائِشَة لذكره يَوْم صلى على
أبي بكر وَيَوْم صلى على عمر فِي الْمَسْجِد ولذكره غَيره وَلم يتفقوا على
فعل خِلَافه وَأما إِنْكَار بَعضهم على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
صلَاتهَا فِي الْمَسْجِد فَلَا يهم وَالله أعلم. خَفِي عَنْهُم جَوَازه
أَلا ترى أَنَّهَا لما رَوَت لَهُم صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على ابْني بَيْضَاء فِي الْمَسْجِد سكتوا وَلم
يعارضوا بِغَيْرِهِ وَالله أعلم وَله الْحَمد.
مَسْأَلَة (203) :
وسل الْمَيِّت من قبل رَأسه وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يوضع على شَفير
(2/421)
الْقَبْر من قبل الْقبْلَة ثمَّ ينزلوه
دفْعَة وَاحِدَة عرضا، روى الشَّافِعِي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سل من قبل رَأسه. وَقَالَ أخبرنَا الثِّقَات من
أَصْحَابنَا أَن قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على
يَمِين الدَّاخِل من الْبَيْت لاصق بالجدار والجدار الَّذِي تَحْتَهُ
قبْلَة الْبَيْت فَإِن لحده تَحت الْجِدَار فَكيف يدْخل مُعْتَرضًا واللحد
لاصق بالجدار وَلَا يقف عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يُمكن إِلَّا أَن يسل سلا أَن
يدْخل من خلاف الْقبْلَة وَقَالَ: أُمُور الْمَوْتَى وإدخالهم من الْأُمُور
المشهودة عندنَا لِكَثْرَة الْمَوْت وَحُضُور الْأَئِمَّة وَأهل الْفِقْه
وَهُوَ من الْأُمُور الْعَامَّة الَّتِي يَسْتَغْنِي فِيهَا عَن الحَدِيث،
وَيكون الحَدِيث فِيهَا كالتكليف بِعُمُوم معرفَة النَّاس لَهَا وَرَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والمهاجرون وَالْأَنْصَار
بَين أظهرنَا ينْقل إِلَيْنَا الْعَامَّة عَن الْعَامَّة لَا يَخْتَلِفُونَ
فِي ذَلِك أَن الْمَيِّت يسل سلا ثمَّ جَاءَ آتٍ من غير بلدنا يعلمنَا
كَيفَ ندخل الْمَيِّت ثمَّ لم يرض حَتَّى روى عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَدخل مُعْتَرضًا.
أخبرنَا الثِّقَة من أَصْحَابنَا عَن
(2/422)
عَمْرو بن عَطاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ سل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من
قبل رَأسه وَقَالَ أخبرنَا بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الزِّنَاد وَرَبِيعَة
وَأبي النَّضر اخْتِلَاف بَينهم فِي ذَلِك أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سل من قبل رَأسه وَأَبُو بكر وَعمر رَضِي
الله عَنْهُمَا وروى أَبُو دَاوُد عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن
شُعْبَة عَن أبي إِسْحَق قَالَ: أوصى الْحَرْث أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ عبد
الله بن زيد فصلى عَلَيْهِ ثمَّ أدخلهُ الْقَبْر من قبل رجل الْقَبْر،
وَقَالَ: هَذَا من السّنة، عبد الله بن زيد هَذَا قد أدْرك النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَحكى ابْن الْمُنْذر: سل الْمَيِّت
من قبل رجل الْقَبْر، عَن ابْن عمر، وَأنس وَعبد الله بن زيد
الْأنْصَارِيّ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس وَعَن
ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِخِلَاف
(2/423)
ذَلِك وَمَا روينَا أشهر فِي أَرض الْحجاز
وَرُوِيَ بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن ابْن بُرَيْدَة أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَدخل من قبل الْقبْلَة وَالله أعلم وَله
الْحَمد وَبِه الِاسْتِعَانَة.
(2/424)
ذكر مَا اخْتلف فِيهِ الشَّافِعِي وَأَبُو
حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا
من كتاب الزَّكَاة
مِمَّا ورد فِيهِ خبر أَو أثر /.
مَسْأَلَة (204) :
إِذا زَادَت الْإِبِل على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ ابْنة
لبون، وَفِي كل خمسين: حَقه، وَقَالَ أَبُو حنيفَة تسْتَأْنف الْفَرِيضَة.
دليلنا: إِسْنَاد أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ذَلِك إِلَى رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ غَيره من الزكوات فِي
كِتَابه الَّذِي كتبه لأنس حِين ولاه صَدَقَة
(2/425)
الْبَحْرين وختمه بِخَاتم رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَوَاهُ عَنهُ وَهُوَ فِي صَحِيح
البُخَارِيّ وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن ابْن عمر فِي كتاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَعَن أبي الرِّجَال مُحَمَّد بن
عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ عَن كتاب عمر إِلَى عماله بِمثل كتاب وجده
عمر بن عبد الْعَزِيز عِنْد آل عَمْرو بن حزم ذكرُوا أَنه كتاب رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَعَن الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر بن
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كتب إِلَى أهل الْيمن بِكِتَاب فِيهِ
الْفَرَائِض وَالسّنَن والديات وَبعث بِهِ مَعَ عَمْرو بن حزم وَذكر ذَلِك
كُله بِطُولِهِ ثمَّ قَالَ: وَاعْلَم أَن مَا روينَا بعد حَدِيث مُحَمَّد
بن عبد الله الْأنْصَارِيّ الَّذِي أخرجه إِمَام أهل الحَدِيث فِي عصره
مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح، وَحَدِيث حَمَّاد بن
سَلمَة الثَّابِت الْمَشْهُود كُله تكلّف والتماس ظُهُور قَول إمامنا
الشَّافِعِي رَحمَه الله، وعوار قَول مخالفيه لمن لَيْسَ الحَدِيث من
شَأْنه، فَإِن فِي حَدِيث أنس بن مَالك غنية وَالله أعلم استدلوا بِمَا
رُوِيَ عَن
(2/426)
سُفْيَان عَن أبي إِسْحَق عَن عَاصِم بن
ضَمرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: فِي خمس وَعشْرين من الْإِبِل: خمس
يَعْنِي شياها، فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة، قَالَ: ترد الْفَرَائِض
إِلَى أَهلهَا فَإِذا كثرت الْإِبِل فَفِي كل خمسين حقة وَهَذَا أحب إِلَى
سُفْيَان من قَول أهل الْحجاز، رُوِيَ عَن الْمفضل بن غَسَّان الْغلابِي.
قَالَ ذكر يحيى بن معِين أَن يحيى بن سعيد الْقطَّان حدث بِحَدِيث تفرد
بِهِ عَن أبي إِسْحَق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: إِذا زَادَت الْإِبِل على عشْرين وَمِائَة تسْتَأْنف الْفَرِيضَة
على الْحساب الأول. فَقَالَ هَذَا غلط، قَالَ وَذكر ليحيى حَدِيث وَكِيع
عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِذا زَادَت الْإِبِل
على عشْرين وَمِائَة تسْتَأْنف الْفَرِيضَة على الْحساب الأول فَقَالَ:
هَذَا صَحِيح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله قَول يحيى فِي هَذِه
الرِّوَايَة يحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا غَابَ على يحيى بن سعيد رِوَايَته
عَن سُفْيَان حَدِيثا تفرد بِهِ سُفْيَان وَهُوَ عِنْد أهل الْعلم
بِالْحَدِيثِ غلط وَهُوَ يَنْفِي أَمْثَال ذَلِك فَلَا يروي إِلَّا مَا
هُوَ صَحِيح عِنْده وَالله أعلم. وَأما أَبُو
(2/427)
يُوسُف يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَارِسِي
وَغَيره من الْأَئِمَّة فَإِنَّهُم أحالوا بالغلط على عَاصِم بن ضَمرَة
وَاسْتَدَلُّوا على خطائه بِمَا فِيهِ من الْخلاف للروايات الْمَشْهُورَة
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الصَّدقَات، وَأما الشَّافِعِي رَحمَه الله
فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه الْقَدِيم روى هَذَا مَجْهُول عَن عَليّ رَضِي
الله عَنهُ وَأكْثر الروَاة عَن ذَلِك الْمَجْهُول يزْعم أَن الَّذِي روى
هَذَا غلط عَلَيْهِ وَأَن هَذَا لَيْسَ من حَدِيثه نُرِيد قَوْله فِي
الِاسْتِئْنَاف وَاسْتدلَّ على هَذَا فِي كتاب آخر بِرِوَايَة من روى عَن
أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِخِلَاف ذَلِك قَالَ:
قَالَ شريك عَن أبي إِسْحَق عَن عَاصِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِذا
زَادَت الْإِبِل على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل خمسين حقة وَفِي كل
أَرْبَعِينَ بنت لبون قَالَ: وَقَالَ عَمْرو بن الْهَيْثَم وَغَيره عَن
شُعْبَة عَن أبي إِسْحَق عَن عَاصِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مثله.
قَالَ الشَّافِعِي وَبِهَذَا نقُول وَهُوَ مُوَافق للسّنة وهم لَا
يَأْخُذُونَ بِهَذَا ويخالفون مَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا، وَالثَّابِت
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى قَول إِبْرَاهِيم وَشَيْء يغلط بِهِ على
عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رَوَاهُ زُهَيْر بن
مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَن
(2/428)
عَاصِم، والحرث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
فِي الزَّكَاة. الحَدِيث، وَلَيْسَ فِيهِ مَا فِي رِوَايَة سُفْيَان عَن
أبي إِسْحَاق من الِاسْتِئْنَاف قَالَ: إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب
الْجوزجَاني: عَاصِم بن ضَمرَة عِنْدِي قريب مِنْهُ، يَعْنِي من الْحَارِث
الْأَعْوَر وَذكر لَهُ حديثين أنكرهما عَلَيْهِ وَقَالَ حَدثنِي أَحْمد بن
حَنْبَل حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش، حَدثنَا مُغيرَة قَالَ: لم يكن يصدق
على عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الحَدِيث عَنهُ أَصْحَاب عبد الله رَضِي
الله عَنهُ، وَأما الْأَثر الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ: قَالَ حَمَّاد قلت لقيس بن سعد خُذ لي كتاب
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَأَعْطَانِي كتابا أخبر أَنه أَخذه من أبي بكر
بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم. إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كتبه لجده فَقَرَأته فَكَانَ فِيهِ ذكر مَا يخرج من فَرَائض
الْإِبِل فنص الحَدِيث إِلَى أَن يبلغ عشْرين وَمِائَة فَإِذا / كَانَت
أَكثر من ذَلِك فعد فِي كل خمسين حَقه، وَمَا فضل فَإِنَّهُ يُعَاد إِلَى
أول فَرِيضَة الْإِبِل " فَهُوَ مُنْقَطع بَين أبي بكر إِلَى النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقيس بن سعد أَخذه عَن كتاب لَا عَن
سَماع وَكَذَلِكَ حَمَّاد بن سَلمَة. وهما وَإِن كَانَا من الْحفاظ
فروايتهما
(2/429)
هَذِه بِخِلَاف رِوَايَة الْحفاظ عَن كتاب
عَمْرو ابْن حزم وَغَيره وَحَمَّاد سَاءَ حفظه فِي آخر عمره، فالحفاظ لَا
يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ ويتجنبون مَا ينْفَرد بِهِ عَن قيس بن سعد
خَاصَّة وَأَمْثَاله وَهَذَا الحَدِيث قد جمع الْأَمريْنِ مَعَ مَا فِيهِ
من الِانْقِطَاع وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق عَن عبد الله بن أَحْمد بن
حَنْبَل قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: ضَاعَ كتاب حَمَّاد بن سَلمَة عَن قيس
بن سعد فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ عَن حفظَة وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا
عَفَّان قَالَ: قَالَ حَمَّاد بن سَلمَة استعاد مني حجاج بن الْأَحول كتاب
قيس ابْن سعد فَذهب بِهِ إِلَى مَكَّة فَقَالَ: ضَاعَ، وَأما حَدِيث خصيف
الْجَزرِي عَن أبي عُبَيْدَة وَزِيَاد بن أبي مَرْيَم عَن عبد الله فموقوف
ومنقطع بَينهمَا وَبَين عبد الله رَضِي الله عَنهُ وخصيف غير مُحْتَج بِهِ
وَالله أعلم.
(2/430)
مَسْأَلَة (205) :
وجبر أَن مَا بَين السنين شَاتين أَو عشْرين درهما لَا يُزَاد عَلَيْهِ،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتَبر فِيهِ الْقيمَة فَإِن زَاد مَا بَين السنين
على قدر الشاتين لزمَه إِخْرَاج الزِّيَادَة. لنا حَدِيث أنس أَن أَبَا بكر
لما اسْتخْلف وَجه أنس بن مَالك إِلَى الْبَحْرين. فَكتب لَهُ بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فرض رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْمُسلمين، فَذكر الحَدِيث على
وفْق مَا قُلْنَا بِهِ أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (206) :
وَفِي أَرْبَعِينَ من الْبَقر مُسِنَّة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَفِي خمسين
سنة وَربع سنة لنا عَن معَاذ: أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بَعثه إِلَى الْيمن وَأمره أَن يَأْخُذ من الْبَقَرَة من كل
ثَلَاثِينَ بقرة تبيعا وَمن كل أَرْبَعِينَ بقرة سنة وَمن كل حالم دِينَارا
(2/431)
أَو عدله ثوب معافر " وَقَالَ الْحَافِظ
أَبُو عبد الله الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان
بن دَاوُد عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن
أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
أَنه كتب إِلَى أهل الْيمن قَالَ فِيهِ: وَفِي كل ثَلَاثِينَ باقورة تبيع
جذع، وَفِي كل أَرْبَعِينَ باقورة بقرة "، وروى الشَّافِعِي أخبرنَا مَالك
عَن حميد بن قيس عَن طَاوس الْيَمَانِيّ أَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ
أَخذ من ثَلَاثِينَ بقرة تبيعا وَمن أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وأتى بِمَا
دون ذَلِك فَأبى أَن يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ لم أسمع من رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ شَيْئا حَتَّى
أَلْقَاهُ وأسأله فَتوفي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قبل أَن يقدم معَاذ "
(2/432)
قَالَ الشَّافِعِي وَطَاوُس عَالم بِأَمْر
معَاذ وَإِن كَانَ لم يلقه لِكَثْرَة من لقِيه مِمَّن أدْرك معَاذًا من أهل
الْيمن وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (207) :
والجذع من الضَّأْن مَأْخُوذ من زَكَاة الْغنم، وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا
يقبل فِيهَا أدنى من الثني ضأنا كَانَ أَو معزا. عِنْد أبي دَاوُد عَن شيخ
يُقَال لَهُ سعر بن ديسم عَن رجلَيْنِ جاءاه على عهد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَا: إِنَّا رَسُولا رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيْك لتؤدي صَدَقَة غنمك، فَذكر
الحَدِيث وَفِيه فَقَالَ: هَذِه شَاة الشافع وَقد نَهَانَا
(2/433)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَن نَأْخُذ شافعا قلت: فَأَي شَيْء تأخذان قَالَا: عنَاقًا
جَذَعَة أَو ثنية وروى مَالك بِإِسْنَادِهِ عَن سُفْيَان بن عبد الله أَن
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بعث مُصدقا وَكَانَ يعد على النَّاس
بالسخل، فَقَالُوا أتعد علينا وَلَا تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا؟ فَلَمَّا قدم
على عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ عمر رَضِي
الله عَنهُ: نعم تعد عَلَيْهِم بالسخله يحملهَا الرَّاعِي، وَلَا تأخذها،
وَلَا تَأْخُذ الأكولة وَلَا الربى وَلَا الماخض وَلَا فَحل الْغنم، ونأخذ
الْجَذعَة والثنية وَذَلِكَ عدل بَين غذَاء المَال وخياره وَالله أعلم.
(2/434)
مَسْأَلَة (208) :
والمستفاد من غير نتاج الأَصْل مزكى بحول نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مزكى
بحول مَا عِنْده من جنسه روى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن
عمر قَالَ: لَا تجب فِي مَال زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول، وَقد
رُوِيَ مَرْفُوعا وَالْمَوْقُوف أصح، وروى مَالك عَن مُحَمَّد بن عقبَة
مولى الزبير عَن الْقَاسِم أَن أَبَا بكر الصّديق لم يكن يَأْخُذ من مَاله
زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول وَذكر أَحَادِيث أخر مِنْهَا
الْمَجْهُول والمتروك وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (209) :
وَإِذا مَاتَت الْأُمَّهَات وَبقيت السخال بقيت فِي حق الزَّكَاة وَيُؤْخَذ
(2/435)
مِنْهَا إِذا كَانَت السخال نِصَابا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن لم يبْق مِنْهَا وَاحِد من الْأُمَّهَات فَلَا
زَكَاة فِيهَا / فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ عَن أبي بكر
فِي قتال أهل الرِّدَّة " وَالله لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانَ يؤدنه إِلَى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقاتلتهم على منعهَا "
وَالَّذِي روى عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: سرت أَو قَالَ أَخْبرنِي من
سَار مَعَ مُصدق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَإِذا فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن
لَا نَأْخُذ من راضع لبن " فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَالله أعلم أَن راضع
اللَّبن لَا يُؤْخَذ فِي زَكَاة الْغنم إِذا بَقِي من الْأُمَّهَات شَيْء
فَإِذا لم يبْق من الْأُمَّهَات شَيْء جَازَ أَخذهَا بِدَلِيل مَا ذكرنَا
فِي حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي العناق، وروى الشَّافِعِي عَن
سُفْيَان عَن بشر بن عَاصِم عَن أَبِيه أَن عمر اسْتعْمل أَبَا سُفْيَان بن
عبد الله فَذكر الحَدِيث وَفِيه من قَول عمر وَمد العناق والجذعة
(2/436)
والثنية فَذَلِك عدل بَين غذَاء المَال
وخياره وَقد روينَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَنه قَالَ: فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (210) :
والخلطة فِي بَاب الزَّكَاة صَحِيحَة تزيد بهَا الزَّكَاة مرّة وتنقص
أُخْرَى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حكم للخلطة وَلَا تَتَغَيَّر بهَا
الزَّكَاة لنا حَدِيث أنس عَن أبي بكر فِي فَرِيضَة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفيهَا " لَا يجمع بَين متفرق وَلَا يفرق
بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا
يتراجعان بِالسَّوِيَّةِ " أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَرُوِيَ عَن
حميد قَالَ قدم الْحسن مَكَّة فَسَأَلُوهُ عَن أَرْبَعِينَ شَاة بَين
رجلَيْنِ فَقَالَ: فِيهَا شَاة، وَرُوِيَ عَن عَطاء نَحْو هَذِه الْفَتْوَى
وَالله أعلم.
(2/437)
مَسْأَلَة (211) :
وَالزَّكَاة تجب فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون. وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
لَا تجب، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْكتاب وَالْخَبَر والأثر، قَالَ
الشَّافِعِي: رَضِي الله عَنهُ فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {خُذ من
أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ} بَين أَن كل مَالك قَامَ الْملك من حوله
قَالَ فِيهِ زَكَاة سَوَاء أَكَانَ بَالغا أَو صَبيا أَو صَحِيحا أَو
معتوها وَاحْتج فِي مَوضِع آخر بِأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة
وَلَا فِيمَا دون خمس ذود صَدَقَة وَلَا فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة "
فَدلَّ على أَنه إِذا كَانَ وَاحِد مِنْهُمَا لحر مُسلم فَفِيهِ الصَّدَقَة
فِي المَال نَفسه لَا فِي الْمَالِك، وروى عَن عبد الحميد عَن ابْن جرير
عَن ابْن مَاهك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " ابْتَغوا فِي مَال الْيَتِيم أَو فِي مَال الْيَتَامَى لَا تذهبها
وَلَا تستهلكها الزَّكَاة أَو الصَّدَقَة " فأكد
(2/438)
رَضِي الله عَنهُ هَذَا الْمُرْسل بالْخبر
الأول وبأقاويل الصَّحَابَة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عَمْرو بن
شُعَيْب عَن ابْن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
ابْتَغوا بأموال الْيَتَامَى لَا تأكلها الصَّدَقَة ثمَّ ذكر إِسْنَاده
فِيهِ وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَله شَوَاهِد، عَن عمر وَرَوَاهُ
بِمَعْنَاهُ مثنى بن الصَّباح عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده
مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ كَذَلِك منْدَل بن عَليّ عَن أبي إِسْحَاق
الشَّيْبَانِيّ عَن عَمْرو والمثنى ومندل غير قويين، وروى الشَّافِعِي عَن
مَالك عَن ابْن إِسْحَق عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا تليني وأخا لي يَتِيم فِي حجرها وَكَانَت تخرج من أَمْوَالنَا
الزَّكَاة وَعنهُ أخبرنَا سُفْيَان عَن أَيُّوب بن مُوسَى وَيحيى بن سعيد
وَعبد الْكَرِيم كلهم يُخبرهُ عَن
(2/439)
الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: كَانَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تزكي أَمْوَالنَا وَإِنَّهَا لتتجر بهَا فِي
الْبَحْرين، وكلا الإسنادين صَحِيحا وروى أَيْضا عَن سُفْيَان عَن أَيُّوب
عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُزكي مَال الْيَتِيم وَعَن سُفْيَان
أَيْضا عَن ابْن أبي ليلى عَن الحكم بن عتيبة أَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي
الله عَنهُ كَانَت عِنْده أَمْوَال بني رَافع فَكَانَ يزكيها فِي كل عَام
وروينا ذَلِك عَن الْحسن بن عَليّ وَجَابِر رَضِي الله عَنْهُم وَالله
أعلم. استدلوا بِمَا روى ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " لَا تجب على مَال الصَّغِير
زَكَاة حَتَّى تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة " قَالَ عَليّ بن عمر: ابْن لَهِيعَة
لَا يحْتَج بِهِ، وَرَوَاهُ لَيْث وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن مُجَاهِد عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: أعلمهُ إِذا بلغ مَا حل فِيهِ من الزَّكَاة فَإِن
شَاءَ زَكَّاهُ وَإِن شَاءَ لم يزكه، وَفِي رِوَايَة بِمَعْنَاهُ عَن لَيْث
بن أبي سليم عَن مُجَاهِد مُرْسل، مُجَاهِد لَا يَصح لَهُ عَن ابْن
مَسْعُود سَماع قَالَ الشَّافِعِي: إِن هَذَا لَيْسَ بِثَابِت عَن ابْن
(2/440)
مَسْعُود من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَنه
مُنْقَطع وَإِن الَّذِي رَوَاهُ لَيْسَ بحافظ قَالَ وَلَو كَانَ ابْن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ لَا يرى عَلَيْهِ زَكَاة لم يَأْمُرهُ بالإحصاء
كَمَا لم يُؤمر الصَّبِي بإحصاء سنه فِي صغره للصَّلَاة / وَلَكِن ابْن
مَسْعُود كَانَ يرى عَلَيْهِ الزَّكَاة وَكَانَ يرى أَلا يزكيها الْوَلِيّ
وهم يَقُولُونَ: لَيْسَ فِي مَال الصَّبِي زَكَاة: وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (212) :
وَلَا تُؤْخَذ الْقيمَة فِيمَا يجب من الزَّكَاة فَكَانَ الْوَاجِب مَعَ
الْقُدْرَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُؤْخَذ لنا مَا عِنْد البُخَارِيّ
وَمُسلم فِي الصَّحِيح وَاللَّفْظ لمُسلم: " عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان على
النَّاس صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على كل حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى
من الْمُسلمين " وَعِنْدَهُمَا عَن أبي سعيد قَالَ: " كُنَّا نخرج زَكَاة
الْفطر صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من
أقط أَو صَاعا من
(2/441)
زبيب وَعند أبي دَاوُد فِي هَذَا الحَدِيث
فِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَقَالَ: " أَو صَاعا من دَقِيق "
قَالَ: فانكروا عَلَيْهِ فَتَركه سُفْيَان قَالَ أَبُو دَاوُد فَهَذِهِ
الزِّيَادَة وهم من ابْن عُيَيْنَة، وَفِي حَدِيث أنس عَن أبي بكر فِي
الصَّدقَات، " فَإِن لم يكن فِيهَا ابْنة مَخَاض فَابْن لبون ذكر " فَلَا
يُجزئ غير مَا سمى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
وَورد بِهِ الْخَبَر وَرُوِيَ بِإِسْنَاد رُوَاته ثِقَات عَن معَاذ أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعثه إِلَى الْيمن
فَقَالَ: " خُذ الْحبّ من الْحبّ والشاه من الْغنم وَالْبَعِير من الْإِبِل
وَالْبَقَرَة من الْبَقر " استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن طَاوس قَالَ: قَالَ
معَاذ بن جبل لأهل الْيمن: " أئتوني بخميس أَو لبيس أَخذ مِنْكُم فِي
الصَّدَقَة. فَهُوَ أَهْون عَلَيْكُم وَخير للمهاجرين بِالْمَدِينَةِ وَفِي
رِوَايَة ائْتُونِي بِعرْض ثِيَاب " قَالَ أَبُو
(2/442)
بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ الْحَافِظ: حَدِيث
طَاوس عَن معَاذ لم يكن مُرْسلا. فَلَا حجَّة فِيهِ فَلَقَد قَالَ بَعضهم:
من الْجِزْيَة بدل الصَّدَقَة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا هُوَ الْأَلْيَق
بمعاذ رَضِي الله عَنهُ وَالْأَشْبَه بِمَا أمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهِ من أَخذ الْجِنْس فِي الصَّدقَات وَأخذ
الدِّينَار أَو عدله معافر فِي الْجِزْيَة، فَإِن رد الصَّدقَات على
فقرائهم إِلَّا أَن ينقلها إِلَى الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ الَّذين
أَكْثَرهم أهل فَيْء لَا أهل صَدَقَة ثمَّ يُعَارضهُ مَا رُوِيَ عَن أبي
سعيد قَالَ: جَاءَ رجال من أهل الْبَادِيَة إِلَى النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا أهل
أَمْوَال فَهَل تجوز عَنَّا من زَكَاة الْفطر قَالَ: " لَا فأدوها صَاعا من
تمر أَو صَاعا من زبيب أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من أقط " استدلوا بِمَا
روى مجَالد عَن ابْن أبي حَازِم عَن الصنابح الأحمسي أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبْصر نَاقَة مُسِنَّة فِي أبل
الصَّدَقَة فَقَالَ: قَاتل الله صَاحب هَذِه النَّاقة فَقَالَ: يَا
(2/443)
رَسُول الله إِنِّي ارتجعتها ببعيرين من
مواشي الصَّدَقَة قَالَ: فَنعم إِذن "، قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ
سَأَلت عَنهُ البُخَارِيّ فَقَالَ روى هَذَا الحَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي
خَالِد عَن قيس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى
فِي إبل الصَّدَقَة فَذكره مُرْسلا وَضعف مجالدا وَأما مَا روى أَبُو معشر
عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: " فَإِذا انْصَرف رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الصَّلَاة قسمه بَينهم وَقَالَ: " اغنوهم
عَن طواف هَذَا الْيَوْم " قَالَ فالقصد من ذَلِك أَن يغنيهم وَذَلِكَ
حَاصِل بِدفع قيمَة مَا وَجب عَلَيْهِ فَهَذَا خبر غير ثَابت. أَبُو معشر
مِمَّن اخْتَلَط فِي آخر عمره حَتَّى كثرت الْمَنَاكِير فِي رواياته كَانَ
يحيى بن سعيد لَا يحدث عَنهُ ويستضعفه جدا وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر
الحَدِيث ويعارضه مَا رُوِيَ عَن أبي سعيد قَالَ: " نهى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن شري الصَّدقَات حَتَّى تقبض "
(2/444)
وَعَن أبي هُرَيْرَة مثله وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (213) :
وَمن منع زَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِر فللإمام أَخذهَا قهرا وَإِذا
أَخذهَا قهرا وَقعت موقعها، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ أَخذهَا
قهرا وَلَكِن يحبس حَتَّى تُؤَدّى من يَده، وَدَلِيلنَا من طَرِيق الْخَبَر
قتال أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مانعي الزَّكَاة وَقَوله: " لَو مَنَعُونِي
عقَالًا كَانُوا يؤدونه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لقاتلتهم عَلَيْهِ " وَعَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده
قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
يَقُول فِي كل إبل سَائِمَة فِي كل أَرْبَعِينَ ابْنة لبون لَا تفرق إبل
عَن حِسَابهَا من أعْطى مُؤْتَجِرًا فَلهُ أجرهَا وَمن منعهَا فَأَنا آخذها
وَشطر إبِله عَزمَة من عَزمَات رَبنَا لَا يحل لآل مُحَمَّد مِنْهَا شَيْء
" قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد وَفِي هَذَا
الحَدِيث دلَالَة على أَخذهَا مِنْهُ قهرا، فَأَما أَخذ غَيرهَا مَعهَا
فَيحْتَمل أَنه كَانَ ذَلِك فِي الْوَقْت الَّذِي يضعف الغرامة على من غلّ
أَو سرق
(2/445)
وَقد صَار تَضْعِيف الغرامة مَنْسُوخا /
وَبَقِي جَوَاز الْأَخْذ دون التَّضْعِيف على ظَاهره، وروى الشَّافِعِي عَن
مَالك عَن عمر بن حُسَيْن عَن عَائِشَة بنت قدامَة عَن أَبِيهَا قَالَ: كنت
إِذا جِئْت عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ أَقبض مِنْهُ عطائي
سَأَلَني: هَل عنْدك من مَال وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة؟ فَإِن قلت نعم: أَخذ
من عطائي زَكَاة ذَلِك المَال فَإِن قلت: لَا دفع إليّ عطائي " وَالله
أعلم.
مَسْأَلَة (214) :
وَلَا زَكَاة فِي سَائِمَة الْخَيل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِي كل فرس
(2/446)
سَائِمَة إِذا كَانَ ذُكُورا أَو إِنَاثًا
دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم. لنا مَا عِنْد مُسلم وَالْبُخَارِيّ
وَاللَّفْظ لَهُ: عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ فِي عبد الْمُسلم وَلَا فِي فرسه
صَدَقَة "، وَفِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة وعَلى هَذَا
إِجْمَاع التَّابِعين رَضِي الله عَنْهُم وَذكر فِيهِ آثارا عَن عمر وَأبي
عُبَيْدَة وَعلي وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم، وَعَن ابْن الْمسيب وَعمر بن
عبد الْعَزِيز واعتمادهم فِي الْمَسْأَلَة على حَدِيث رَوَوْهُ مَرْفُوعا
عَن جَابر " فِي الْخَيل السَّائِمَة فِي كل فرس دِينَار " وَنَفس
الْمُعْتَمد حَدِيث مُنكر يرويهِ مَجْهُول لَا تعرف عَدَالَته قَالَ عَليّ
بن عمر: تفرد بِهِ غورك عَن جَعْفَر وَهُوَ ضَعِيف جدا وَمن دونه ضعف هَذَا
وَقد احْتَالُوا فِي الِاسْتِدْلَال بأخبار رويت لأسباب مَعْلُومَة ونقلت
لمعان مَعْرُوفَة وسيقت لأحكام أخر سوى مَا زَعَمُوا لما لم يقبل مِنْهُم،
رِوَايَة غورك لكَونهَا ضَعِيفَة وَلَا يشك فِيهَا، حَدثنِي، وَتركُوا
الحَدِيث الصَّحِيح الْمَشْهُور والصريح الْمَذْكُور فِيهِ وَالْمَقْصُود
بِهِ، وَأما قَول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي خَالِد حِين
(2/447)
قيل إِنَّه منع، " وَأما خَالِد فَإِنَّكُم
تظْلمُونَ خَالِدا وَقد احْتبسَ أدراعه وأعتده فِي سَبِيل الله " فَلَا
حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الْقَصْد بذلك تَحْسِين أمره، وَإِظْهَار عذره،
وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن خَالِدا،
قد احْتبسَ أدراعه وأعتده فِي سَبِيل الله فَلَا أرَاهُ يبخل بِدفع
الزَّكَاة وَيمْتَنع من أَدَائِهَا، وَهُوَ وَإِن تَأَخّر دَفعهَا، فَعَن
قريب يستدركها وَأَن خَالِدا قد احْتبسَ أَمْوَاله حَتَّى أدراعه وأعتده
فِي سَبِيل الله، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، ويؤكده جمعه بَين أدراعه وأعتده،
وإجماعنا على أَن لَا زَكَاة فِي الدروع حسب مَا يوجبونه فِي الْخَيل، أَو
كَأَنَّهُ طلب زَكَاة التِّجَارَة، وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي صَحِيح
مُسلم عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كي
مَانع حق الذَّهَب
(2/448)
وَالْفِضَّة بهَا وَأَن مَانع حق الْإِبِل
وَالْبَقر وَالْغنم " يبطح لَهَا بقاع قرقر الحَدِيث الْمَشْهُور، وَقَالَ
فِيهِ عَن الْخَيل وَأما الَّتِي هِيَ لَهُ ستر فَرجل ربطها فِي سَبِيل
الله ثمَّ لم ينس حق الله فِي ظُهُورهَا وَلَا فِي رقابها فَهِيَ لَهُ ستر
" وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الْقَصْد من ذَلِك الْحَث على الْخَيْر
وَفعل الْمَعْرُوف أَلا ترى أَنه لما ذكر الْإِبِل قَالَ: " وَمن حَقّهَا
حلبها يَوْم وردهَا " وَقَالَ فِي حَدِيث جَابر قُلْنَا: يَا رَسُول الله
وَمَا حَقّهَا؟ يَعْنِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. قَالَ: إطراق فَحلهَا
وإعارة دلوها وهجتها وحلبها على المَاء وَحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله "،
وَإِذا كَانَ هَذَا الْخَبَر مُحْتملا لما ذكرنَا فنحمله عَلَيْهِ
(2/449)
بِدَلِيل قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ على الْمُسلم فِي فرسه صَدَقَة " وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق، استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن يعلى بن أُميَّة " أَن أَخَاهُ
ابْتَاعَ فرسا أُنْثَى بِمِائَة قلُوص " فَذكر الحَدِيث وَأَن عمر قَالَ:
خُذ من كل فرس دِينَارا قَالَ: فَضرب على الْخَيل دِينَارا دِينَارا
قُلْنَا فِي ثُبُوته كَلَام وَنظر فَإِن ثَبت فَإِنَّمَا أَمر عمر رَضِي
الله عَنهُ بذلك حِين أحبه أَرْبَابهَا وَالله أعلم روى مَالك عَن ابْن
شهَاب عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن أهل الشَّام قَالُوا لأبي عُبَيْدَة
رَضِي الله عَنهُ خُذ من خَيْلنَا ورقيقنا صَدَقَة فَأبى ثمَّ كتب إِلَى
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَأبى فكلموه أَيْضا فَكتب إِلَى عمر
فَكتب إِلَيْهِ عمر إِن أَحبُّوا فَخذهَا مِنْهُم وارددها عَلَيْهِم وارزق
رقيقهم قَالَ مَالك: ارددها عَلَيْهِم أَي ارددها على فقرائهم، وَرُوِيَ
عَن حَارِثَة بن مضرب قَالَ: جَاءَ نَاس من أهل الشَّام إِلَى عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا: إِنَّا قد أصبْنَا أَمْوَالًا خيلا
ورقيقا فَنحب أَن يكون لنا فِيهَا زَكَاة وطهور قَالَ مَا فعله
(2/450)
صَاحِبَايَ قبله فافعله بعدِي فَاسْتَشَارَ
عمر عليا رَضِي الله عَنهُ فِي جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: هُوَ حسن
إِن لم يكن جِزْيَة يؤخذون بهَا راتبة وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (215) :
/ وَالْعشر لَا يجب فِيمَا دون خَمْسَة أوسق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب فِي
الْكثير والقليل. لنا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي سعيد عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة
أوسق صَدَقَة " وَفِي
(2/451)
رِوَايَة عِنْد مُسلم عَنهُ عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَدَقَة فِي حب وَلَا تمر دون
خَمْسَة أوسق " وَعِنْده أَيْضا عَن جَابر عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ من
الْوَرق صَدَقَة وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود من الْإِبِل صَدَقَة وَلَيْسَ
فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة ".
استدلوا بِحَدِيث ابْن عمر فِي الصَّحِيح عِنْد البُخَارِيّ عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه سنّ فِيمَا سقت
السَّمَاء والعيون أَو مَا كَانَ عثريا الْعشْر وَفِيمَا سقى بالنضج نصف
الْعشْر " وَالْقَصْد من هَذَا الْخَبَر بَيَان مَا يجب فِيهِ الْعشْر أَو
نصف الْعشْر فإمَّا بَيَان النّصاب الَّذِي يجب فِيهِ الْعشْر أَو نصف
الْعشْر فَهُوَ مُسْتَفَاد مِمَّا تقدم وَالله أعلم.
(2/452)
مَسْأَلَة (216) :
ويخرص الْكَرم وَالنَّخْل إِذا بدا صَلَاحهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْخرص
كالقمار وَالْميسر لَا يَصح الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ: فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي
حَدِيث أبي حميد فِي غَزْوَة تَبُوك وَقَالَ فِيهِ: فأتينا وَادي الْقرى
على حديقة لامْرَأَة فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " اخرصوها فخرصناها وخرصها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشر أوسق وَقَالَ: احصيها حَتَّى نرْجِع إِلَيْك إِن
شَاءَ الله " وقص الحَدِيث وَقَالَ: " ثمَّ أَقبلنَا حَتَّى قدمنَا وَادي
الْقرى. فَسَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمَرْأَة عَن حديقتها كم بلغ؟ فَقَالَت: بلغت عشرَة أوسق " وروى
الشَّافِعِي عَن عبد الله بن نَافِع عَن مُحَمَّد بن صَالح التمار عَن ابْن
شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن عتاب بن أسيد
(2/453)
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ فِي زَكَاة الْكَرم: " يخرص كَمَا يخرص النّخل ثمَّ
تُؤَدّى زَكَاته زبيبا كَمَا تُؤَدّى زَكَاة النّخل تَمرا " وبإسناده: "
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يبْعَث من
يخرص على النَّاس كرومهم وتمارهم " وَرُوِيَ عَن سهل بن أبي حثْمَة أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا خرصتم
فدعوا الثُّلُث وَإِن لم تدعوا الثُّلُث فدعوا الرّبع " قَالَ أَبُو عبد
الله الْحَاكِم هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد
بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: " إِذا خرصتم فجدوا ودعوا الثُّلُث " وَعِنْده عَن
عَائِشَة: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يبْعَث
عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود فيخرص النّخل حِين يطيب قبل أَن يُؤْكَل
مِنْهُ ثمَّ يُخَيّر يهود فيأخذونه بذلك الْخرص أم يدفعونه إِلَيْهِم بذلك
الْخرص لكَي تحصى الزَّكَاة قبل أَن تُؤْكَل الثِّمَار وتفرق. وروى
الشَّافِعِي عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ليهود خَيْبَر حِين افْتتح
خَيْبَر: " أقركم على مَا
(2/454)
أقركم الله على أَن التَّمْر بَيْننَا
وَبَيْنكُم قَالَ: وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة فيخرص عَلَيْهِم ثمَّ يَقُول إِن شِئْتُم
فلكم، وَإِن شِئْتُم فلي، فَكَانُوا يأخذونه وَرُوِيَ عَن سهل بن أبي
حثْمَة أَن عمر بن الْخطاب بَعثه على خرص التَّمْر وَقَالَ: " إِذا أتيت
أَرضًا فاخرصها ودع لَهُم قدر مَا يَأْكُلُون " هَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل
وَرُوَاته ثِقَات وَأكْثر مَا يسْتَدلّ بِهِ فِي مسالة الْعَرَايَا. دَلِيل
فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ مخرج فِي كتاب الْبيُوع وَكَذَلِكَ فِي
مَسْأَلَة الْمُسَاقَاة وَالله أعلم.
(2/455)
مَسْأَلَة (217) :
وَلَا شَيْء فِي الخضروات، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِيهَا الْعشْر وَنصف
الْعشْر إِلَّا فِي الْقصب والحطب والتبن روى سُفْيَان عَن عَمْرو بن
عُثْمَان عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ: عندنَا كتاب لِمعَاذ بن جبل رَضِي
الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه: "
إِنَّمَا آخذ الصَّدَقَة من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر "
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: هَذَا حَدِيث قد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ
بِجَمِيعِ رُوَاته ومُوسَى بن طَلْحَة تَابِعِيّ كَبِير، لَا يُنكر لَهُ
أَن يدْرك أَيَّام معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ وَرَوَاهُ الثَّوْريّ فِي
الْجَامِع بِهَذَا الْإِسْنَاد وَزَاد فَقَالَ: بعث الْحجَّاج مُوسَى بن
الْمُغيرَة على الْخضر والسواد فَقَالَ مُوسَى بن طَلْحَة فَذكر وَشَاهده
مَا رُوِيَ عَن وَكِيع عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن مُوسَى بن طَلْحَة أَن
معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ لما أَتَى الْيمن لم يَأْخُذ الصَّدَقَة
إِلَّا من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب، وَرُوِيَ عَن عبد
الله بن نَافِع عَن إِسْحَق بن يحيى بن طَلْحَة بن
(2/456)
عبيد الله عَن مُوسَى بن طَلْحَة / عَن
معَاذ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
فِيمَا سقت السَّمَاء والبعل والسيل الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف
الْعشْر "، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي التَّمْر وَالْحِنْطَة والحبوب
فَأَما القثاء والبطيخ وَالرُّمَّان والقصب فقد عَفا عَنهُ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله شَاهد آخر بِإِسْنَاد صَحِيح
عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى ومعاذ رَضِي الله عَنْهُمَا حِين بعثهما
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْيمن يعلمَانِ
النَّاس أَمر دينهم " لَا تَأْخُذ الصَّدَقَة إِلَّا من هَذِه الْأَرْبَعَة
الشّعير وَالْحِنْطَة وَالزَّبِيب وَالتَّمْر " رُوَاته ثِقَات وَهُوَ
مُتَّصِل فَإِن سَماع أبي بردة بن أبي مُوسَى صَحِيح من أَبِيه وَذكر
أَخْبَارًا وآثارا عَن ابْن عمر وَعَائِشَة وَعلي وَطَلْحَة بن عبيد الله
وَعمر بن الْخطاب وَابْن عَبَّاس وَغَيرهم: استدلوا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح
عِنْد مُسلم عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: " فِيمَا سقت الْأَنْهَار
(2/457)
العشور وَفِيمَا سقت السانية نصف الْعشْر
وَالْقَصْد من هَذَا الْخَبَر بَيَان مِقْدَار الْوَاجِب فَأَما الَّذِي
يجب فِيهِ فمستفاد من خبرنَا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (218) :
وَالْعشر وَاجِب فِيمَا يستنبت فِي أَرض الْخراج وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا
يجب وَالدَّلِيل وَالْكَلَام فِيهِ من طَرِيقين أَحدهمَا أَن يدل على وجوب
الْعشْر من طَرِيق الْخَبَر بِمَا عِنْد البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن
سَالم عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار والعيون أَو كَانَ بعلا
الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالسواقي والنضح فَنصف
(2/458)
الْعشْر " وَالثَّانِي: أَن يدل على أَن
لَا خراج على أَرض مُسلم خلاف مَا زعم أَبُو حنيفَة أَن مُسلم إِذا اشْترى
أَرضًا خَرَاجِيَّة فِي دَار الْحَرْب بَقِي عَلَيْهَا خراجها وَأَن الرجل
إِذا أسلم على أَرض خَرَاجِيَّة بَقِي عَلَيْهِ خراجها من طَرِيق الْخَبَر
عِنْد أبي دَاوُد عَن مُسَدّد عَن أبي الْأَحْوَص عَطاء عَن حَرْب بن عبيد
الله عَن جده أبي أمه عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِيمَا سقت السَّمَاء على الْيَهُود
وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ على الْمُسلمين عشور وَعِنْده عَن مُحَمَّد بن عبيد
عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عَطاء بن السَّائِب عَن جرير بن عبيد الله عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ: " إِخْرَاج "
مَكَان " عشور "، وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ فِي أهل
الذِّمَّة " لَهُم مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ من أَمْوَالهم وعبيدهم " أرضيهم
وماشيتهم لَيْسَ عَلَيْهِم فِيهِ إِلَّا صَدَقَة " وَالَّذِي يُؤْخَذ من
أَرَاضِي الْعرَاق فَإِنَّمَا هُوَ كرا أَو ثمن لَهَا على مَا نذكرهُ فِي
تَفْصِيل الْمَذْهَب وَلَيْسَ بخراج، وأصل هَذَا أَن أَرض السوَاد فتحت
عنْوَة ثمَّ وَقفهَا عمر رَضِي الله عَنهُ على الْمُسلمين، والمأخوذ
عَنْهَا لجَمِيع
(2/459)
الْمُسلمين وَيجْرِي مجْرى الْأُجْرَة
وَالثمن، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّهَا فتحت صلحا وَللْإِمَام أَن يضْرب
عَلَيْهَا خراجا. روى الشَّافِعِي عَن الثِّقَة عَن ابْن خَالِد عَن قيس،
عَن جرير قَالَ: كَانَت بجليه ربع النَّاس فقسم لَهُم ربع السوَاد
واستعملوا ثَلَاث أَو أَربع سِنِين الشَّك من بعض الروَاة ثمَّ قدمنَا على
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَمَعِي فُلَانَة بنت فُلَانَة امْرَأَة
مِنْهُم سَمَّاهَا فَقَالَ عمر: " لَوْلَا أَنِّي قَاسم مسؤول، لتركتكم على
مَا قسم لكم وَلَكِنِّي أرى أَن تردوا على النَّاس " استدلوا بِمَا روى
يحيى بن عَنْبَسَة عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن
عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يجْتَمع على الْمُسلم خراج وعشور " وَهَذَا
بَاطِل وَصله وَرَفعه يحيى بن عَنْبَسَة مُتَّهم بِالْوَضْعِ قَالَ ابْن
عدي الْحَافِظ: إِنَّمَا يرويهِ أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم
من قَوْله فَرَوَاهُ يحيى فأوصله إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " وَيحيى، مَكْشُوف الْأَمر فِي ضعفه لرواياته عَن الثِّقَات
بالموضوعات. استدلوا بِمَا عِنْد مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " منعت الْعرَاق
قفيزها
(2/460)
ودرهمها، ومنعت الشَّام: مديها ودينارها،
ومنعت مصر أردبها. ودينارها وعدتم من حَيْثُ بدأتم " قَالُوا أَرَادَ
بِمَنْع القفيز وَالدِّينَار
(2/461)
وَالْخَرَاج وَكَأَنَّهُ ذمّ / [امتناعهم]
من أَدَاء الْخراج بَعْدَمَا مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك دلَالَة
على أَن الرجل إِذا أسلم على خراج لم يسْقط عَنهُ الْخراج بِإِسْلَامِهِ
وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن القفيز ظَاهره الْمِكْيَال وَإِن كَانَ
يتَنَاوَل الدِّينَار والعدول عَن الظَّاهِر بِلَا حجَّة محَال وَإِنَّمَا
المُرَاد بِهِ وَالله أعلم الْحُقُوق الَّتِي تجب فِي مَال الْمُسلم من
الْعشْر وَسَائِر الزكوات وَتَفْسِير هَذَا الحَدِيث فِيمَا رُوِيَ عَن
جَابر بن عبد الله قَالَ: " يُوشك أهل الْعرَاق لَا يَجِيء إِلَيْهِم
دِرْهَم وَلَا قفيز، فَقَالُوا بِمَ ذَاك يَا أَبَا عبد الله؟ قَالَ: من
قبل الْعَجم يمْنَعُونَ ذَاك ثمَّ سكت هنيهة ثمَّ قَالَ يُوشك أهل الشَّام
أَن لَا يَجِيء إِلَيْهِم دِينَار وَلَا مدى. قَالُوا: مِم ذَاك؟ قَالَ: من
قبل الرّوم يمْنَعُونَ ذَاك، ثمَّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يكون فِي أمتِي خَليفَة يحثي المَال لَا
يعده " الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح قَالَ وَفِي كتاب الغريبين عَن
أبي عُبَيْدَة
(2/462)
الْهَرَوِيّ رَحمَه الله أَنه حمله على
أَخْبَار النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا وظف على أهل
الذِّمَّة فِي هَذِه الْبِلَاد فِي زمن عمر رَضِي الله عَنهُ من الْجِزْيَة
وَأَنَّهُمْ إِذا أَسْلمُوا سَقَطت عَنْهُم تِلْكَ الْجِزْيَة وَقَوله
منعت: مَعْنَاهُ ستمنع بِإِسْلَامِهِمْ مَا وظف عَلَيْهِم وَفِي هَذَا
الْمَعْنى يصير الْخَبَر حجَّة لنا فِي سُقُوط الْخراج وَالَّذِي يكون على
طَرِيق الْجِزْيَة عَن أَرَاضِي أهل الذِّمَّة إِذا أَسْلمُوا وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (219) :
وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير إِذا بلغت نِصَابا كَانَ فِيمَا زَاد على
النّصاب بِحِسَابِهِ، قلت الزِّيَادَة أَو كثرت، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا
لم تبلغ الزِّيَادَة أَرْبَعِينَ درهما وَمن الذَّهَب أَربع مَثَاقِيل
فَلَا شَيْء فِيهَا. لنا مَا فِي حَدِيث أنس عَن أبي بكر الصّديق فِي
الصَّدقَات وَفِي آخِره: وَفِي الرقة ربع الْعشْر فَإِذا لم يكن المَال
إِلَّا تسعين وَمِائَة فَلهم فِيهَا صَدَقَة
(2/463)
إِلَّا أَن يشار بهَا " وَعند مُسلم عَن
أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود
صَدَقَة ". قَالَ سُفْيَان: والوقية أَرْبَعُونَ درهما وَوجه
الِاسْتِدْلَال من هَذَا أَنا لَو خليناه وَقَوله: " وَفِي الرقة ربع
الْعشْر " لَكنا نوجبه فِي قليلها وكثيرها إِلَّا أَن الشَّرْع دلّ أَن
لَيْسَ ذَلِك فِيمَا نقص عَن خمس أَوَاقٍ فَعلمنَا أَنه فِي خمس أَوَاقٍ من
الْوَرق فَمَا زَاد فأوجبناه فِيهَا قلت الزِّيَادَة أَو كثرت لتناولها
قَوْله، وَفِي الرقة ربع الْعشْر وروى ابْن إِسْحَق عَن أبي العطوف الْجراح
بن منهال وقلب اسْمه خَبرا مَرْفُوعا عَن معَاذ قَالَ فِيهِ: " وَلَا
يَأْخُذ مِمَّا زَاد شَيْئا حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ فَيَأْخُذ مِنْهَا
درهما " وَأَبُو العطوف مِمَّن أجمع أَئِمَّة الحَدِيث على ترك حَدِيثه:
وَعبادَة بن نسيء لم يسمع من معَاذ وروى إِسْحَق بن بشر عَن الْمثنى بن
صباح عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده عَن
(2/464)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَذكر حَدِيثا فِي الزَّكَاة قَالَ فِيهِ: " من كل مِائَتي
دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم. فَإِن زَاد على الْمِائَتَيْنِ فَفِي كل
أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم " وَهَذَا لَو ثَبت لم يكن فِيهِ حجَّة فَكيف
وَإِسْحَق بن بشر الْكَاهِلِي مَنْسُوب إِلَى الْوَضع والمثنى لَا يحْتَج
بِهِ، وَرُوِيَ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا يكون فِي الْوَرق زَكَاة حَتَّى يبلغ
خمس أَوَاقٍ. فَإِذا بلغت فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، ثمَّ فِي كل
أَرْبَعِينَ دِرْهَم ". وَهُوَ مُرْسل وَلَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لم يقل
لَيْسَ فِيمَا دون الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ شَيْء وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (220) :
كل مَا تجب الزَّكَاة فِي عينه إِذا نقص عَن النّصاب فِي بعض الْحول
انْقَطع حكم الْحول فَإِذا كمل نِصَابا استؤنف الْحول. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: إِذا وجد النّصاب كَامِلا فِي طرفِي الْحول لم يُؤثر نقصانه
(2/465)
فِي أَثْنَائِهِ. لنا فِيهِ قَول النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى
يحول عَلَيْهِ الْحول " وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مَسْأَلَة الزَّكَاة فِي
الْمُسْتَفَاد فِي أثْنَاء الْحول وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (221) :
وَلَا زَكَاة فِي الْحلِيّ الْمُبَاح على أحد الْقَوْلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: فِيهِ الزَّكَاة، وَهُوَ القَوْل الآخر، فَوجه قَوْلنَا: لَا
زَكَاة فِيهِ من طَرِيق الْأَثر مَا روى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع
عَن ابْن عمر " أَنه يحلي بَنَاته وجواريه الذَّهَب ثمَّ لَا يخرج مِنْهُ
الزَّكَاة "، وَرُوِيَ عَنهُ قَالَ: " زَكَاة الْحلِيّ عاريته ". وَرُوِيَ
نَحوه عَن ابْن الْمسيب وَالشعْبِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ
وروى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن عَمْرو / قَالَ: " سَمِعت رجلا يسْأَل
جَابر بن عبد الله عَن الْحلِيّ أفيه الزَّكَاة؟ فَقَالَ جَابر: لَا.
فَقَالَ وَإِن كَانَ يبلغ ألف دِينَار فَقَالَ جَابر: كثير " وَكَذَلِكَ
(2/466)
رَوَاهُ الثَّوْريّ وَغَيره عَن عَمْرو
وَرَوَاهُ عافيه بن أَيُّوب عَن اللَّيْث عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ فِي الْحلِيّ
زَكَاة ". وَهَذَا لَا أصل لَهُ مَرْفُوعا، وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف على
جَابر وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا: " كَانَت بَنَات أَخِيهَا يتامى فِي حجرها لَهُنَّ
الْحلِيّ فَلَا تخرج مِنْهُ الزَّكَاة ". وَرُوِيَ عَن أَسمَاء بَيت أبي
بكر أَنَّهَا كَانَت تحلي بناتها بِالذَّهَب وَلَا تزكيه، وَعَن أنس سُئِلَ
عَن الْحلِيّ فَقَالَ: " لَيْسَ فِيهِ زَكَاة " وَأما وَجه قَوْلنَا أَن
فِيهِ الزَّكَاة مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة " دخل عَليّ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَأى فِي يَدي سخابا من ورق فَقَالَ: مَا
هَذَا يَا عَائِشَة؟ فَقلت: صنعتهن أتزين لَك فِيهِنَّ يَا رَسُول الله.
فَقَالَ أتؤدين زكاتهن؟ فَقلت: لَا أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك. قَالَ
هِيَ حَسبك من الْبر " وَرَوَاهُ حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن شُعَيْب
عَن عُرْوَة عَن
(2/467)
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا
قَالَت: " لَا بَأْس بِلبْس الْحلِيّ إِذا أعطي زَكَاته " وَقد رُوِيَ عَن
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: " أَنَّهَا كَانَت تحلي بَنَات أَخِيهَا
وَكَانَت لَا تخرج زَكَاته " مَعَ مَا روينَا عَنْهَا فِيمَا تقدم مِمَّا
يدل على وجوب الزَّكَاة فِي مَال الْيَتِيم وَفِي ذَلِك تَضْعِيف مَا
رُوِيَ عَنْهَا مَرْفُوعا أَو مَوْقُوفا وَالله أعلم. فإسنادهما عَنْهَا
فِي وجوب الزَّكَاة لَا يُقَاوم رِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد وروى أَبُو
دَاوُد عَن عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: " أَن امْرَأَة أَتَت
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَهَا ابْنة لَهَا
وَفِي يَد ابْنَتهَا مسكتان غليظتان من ذهب فَقَالَ لَهَا: أتعطين زَكَاة
هَذَا؟ قَالَت: لَا. قَالَ: أَيَسُرُّك أَن يسورك الله بهما يَوْم
الْقِيَامَة سِوَارَيْنِ من نَار " قَالَ فخلعتهما فألقتهما إِلَى النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: " هما لله وَلِرَسُولِهِ
" وَعِنْده أَيْضا عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " كنت ألبس
أَوْضَاحًا من ذهب فَقلت: يَا رَسُول الله: أكنز هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بلغ
أَن تُؤدِّي زَكَاته فَزكِّي فَلَيْسَ بكنز ". وروى أَبُو بكر الْهُذلِيّ
حَدِيثا عَن فَاطِمَة
(2/468)
بنت قيس أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بطوق فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالا من ذهب، فَقلت يَا
رَسُول الله خُذ مِنْهُ الْفَرِيضَة فَأخذ مِثْقَالا وَثَلَاثَة أَربَاع
مِثْقَال. قلت يَا رَسُول الله أَفِي المَال حق سوى الزَّكَاة؟ قَالَ: نعم
ثمَّ قَرَأَ: {وَآتى المَال على حبه ذَوي الْقُرْبَى واليتامى} قَالَ عَليّ
بن عمر: أَبُو بكر الْهُذلِيّ مَتْرُوك الحَدِيث وَلم يَأْتِ بِهِ غَيره،
وَرَوَاهُ أَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر القصاب عَن الشّعبِيّ عَن
فَاطِمَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
فِي الْحلِيّ زَكَاة " وَأَبُو حَمْزَة ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، وَرُوِيَ
عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله " أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: إِن لي حليا وَأَن
زَوجي خَفِيف ذَات الْيَد وَإِن لي بني أَخ أفيجزي عني أَن أجعَل زَكَاة
الْحلِيّ فيهم؟ قَالَ: نعم " قَالَ عَليّ بن عمر هَذَا وهم وَالصَّوَاب عَن
إِبْرَاهِيم عَن عبد الله مُرْسل، مَوْقُوف، وَرُوِيَ عَن يحيى بن أبي
أنيسَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: قلت
للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن لامرأتي حليا من
عشْرين مِثْقَالا. قَالَ: فأد
(2/469)
زَكَاته نصف مِثْقَال " قَالَ عَليّ: يحيى
مَتْرُوك وَهَذَا وهم وَالصَّوَاب مُرْسل مَوْقُوف وَالصَّحِيح من هَذِه
الرِّوَايَات فِي قصَّة امْرَأَة عبد الله مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن
عَمْرو بن الْحَارِث عَن زَيْنَب الثقفية: امْرَأَة عبد الله أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: تصدقن وَلَو من حليكن،
فَذكر الحَدِيث. وَفِيه أَنَّهَا قَالَت لِبلَال: سُئِلَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أتجزئ عني أَن أَضَع صدقتي فِي بني
أخي أَيْتَام وَبني أُخْتِي أَيْتَام فِي حجري وَأَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: أخْبرهَا أَن لَهما أَجْرَيْنِ أجر
الْقَرَابَة، وَأجر الصَّدَقَة وَمَا رُوِيَ عَن يعلى قَالَ: " دخلت على
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي يَدي خَاتم من ذهب
فَقَالَ: أتزكي هَذَا؟ قلت وَهل فِيهِ الزَّكَاة؟ قَالَ: جَمْرَة عَظِيمَة
فَإِنَّهُ مَحْظُور وَالزَّكَاة فِيهِ وَاجِبَة " قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ
لي زَكَرِيَّا حَدثنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنِي شُعَيْب بن يسَار أَن عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كتب أَن تزكّى الحلى قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا
(2/470)
مُرْسل وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (222) :
مَا يُؤْخَذ من الْبَحْر فَلَا زَكَاة فِيهِ إِلَّا أَن يكون ذَهَبا أَو
فضَّة فَيكون كَمَا لَو وجد فِي الْبر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا أَخذ
العنبر من الْبَحْر فَفِيهِ الْخمس، روى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن
عَمْرو عَن أُذُنَيْهِ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " لَيْسَ فِي العنبر
زَكَاة إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر، فَإِن قيل مَا رُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن العنبر أفيه
(2/471)
زَكَاة؟ فَقَالَ إِن كَانَ فِيهِ شَيْء
فَفِيهِ الْخمس قُلْنَا علق القَوْل فِيهِ فِي هَذِه الرِّوَايَة وَقطع
بِأَن لَا زَكَاة فِي الرِّوَايَة الأولى وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (223) :
اعْتِبَار النّصاب فِي أَمْوَال التِّجَارَة عِنْد تَمام الْحول وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: يعْتَبر فِيهِ طرفا الْحول، روى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان
عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الله بن أبي سَلمَة عَن أبي عَمْرو بن حماس أَن
أَبَاهُ قَالَ: مَرَرْت بعمر بن الْخطاب وعَلى عنقِي أدمة أحملها فَقَالَ:
أَلا تُؤدِّي زكاتك يَا حماس؟ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: مَا لي غير
هَذِه الَّتِي على ظَهْري وأهبة فِي الْقرظ.
(2/472)
قَالَ: ذَاك مَال فضع فَوَضَعتهَا بَين
يَدَيْهِ فحسبتها فَوجدَ قد وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة فَأخذ مِنْهَا
الزَّكَاة وَعَن سُفْيَان عَن ابْن عجلَان عَن أبي الزِّنَاد عَن أبي
عَمْرو عَن أَبِيه مثله وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (224) :
وَزَكَاة الْفطر وَاجِبَة فِي العَبْد وَإِن كَانَ للتِّجَارَة، وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: لَا تجب فَيَقُول قد أجمعنا على وجوب زَكَاة التِّجَارَة
فَيدل على وجوب زَكَاة الْفطر عِنْد مُسلم وَالْبُخَارِيّ، وَاللَّفْظ
لَهُ، عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَنه فرض صَدَقَة الْفطر صَاعا من شعير أَو تمر عَن الصَّغِير وَالْكَبِير
وَالْحر والمملوك وَعند مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَيْسَ فِي العَبْد صَدَقَة
إِلَّا صَدَقَة الْفطر ". وَمَا رُوِيَ عَن فَاطِمَة بنت حُسَيْن يبلغ بِهِ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَا ثنيا
(2/473)
فِي الصَّدَقَة " فَإِنَّهُ مُرْسل والثنيا
إِنَّمَا هِيَ الِاسْتِثْنَاء يَعْنِي وَالله أعلم أَنه لَا تتْرك بَعْضهَا
وَلَا يُؤَخر بَعْضهَا عَن الْعَام الَّذِي وَجَبت فِيهِ ثمَّ زَكَاة
التِّجَارَة تجب فِي قيمَة العَبْد لَا فِي عينه وَزَكَاة الْفطر إِنَّمَا
تجب على السَّيِّد بِسَبَب العَبْد فَلَيْسَ هَهُنَا تَثْنِيَة الصَّدَقَة
فِي مَال وَاحِد وَهَذَا كَمَا أَن المتاجر يخرج زَكَاة التِّجَارَة عَن
قيمَة مَال التِّجَارَة وَزَكَاة الْفطر عَن نَفسه فَلَا يُقَال إِن
الصَّدَقَة ثنيت عَلَيْهِ وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (225) :
وَالدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة أَنه يمْنَع وُجُوبهَا. فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي سعيد قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ فِيمَا دون خمس
أَوَاقٍ صَدَقَة. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- لِمعَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ حِين بَعثه إِلَى الْيمن: فَذكر
الحَدِيث وَفِيه " فَإِن هم أطاعوك فَأخْبرهُم إِن الله قد فرض عَلَيْهِم
صَدَقَة تُؤْخَذ من أغينائهم وَترد على فقرائهم " قَالُوا وَمن كَانَ فِي
يَده مَال وَعَلِيهِ مَال مثله فَلَا
(2/474)
يُسمى غَنِيا فَلَا تُؤْخَذ مِنْهُ
الزَّكَاة قُلْنَا هُوَ غَنِي بِمَا فِي يَده وَقد يسْقط عَنهُ الدّين
بإبداء أَو مِيرَاث أَو غَيره وَقد يَقع اسْم الْغَنِيّ على غير المَال
بِدَلِيل مَا عِنْد مُسلم فِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة يبلغ بِهِ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ الْغَنِيّ عَن
كَثْرَة الْعرض وَلَكِن الْغنى غنى النَّفس " وَعند البُخَارِيّ فِي
الصَّحِيح عَن السَّائِب بن يزِيد " أَنه سمع عُثْمَان بن عَفَّان خَطِيبًا
على مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: "
هَذَا شهر زَكَاتكُمْ فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليقض دينه حَتَّى تخلص
أَمْوَالكُم فتؤدوا مِنْهَا الزَّكَاة ". قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله
عَنهُ وَحَدِيث عُثْمَان يشبه وَالله أعلم أَن يكون إِنَّمَا أَمر بِقَضَاء
الدّين قبل حُلُول الصَّدَقَة فِي المَال، وَقَوله " هَذَا شهر زَكَاتكُمْ
" يجوز أَن يَقُول هَذَا الشَّهْر الَّذِي إِذا مضى حلت زَكَاتكُمْ كَمَا
يُقَال شهر ذِي الْحجَّة وَإِنَّمَا الْحجَّة بعد مُضِيّ أَيَّام مِنْهُ
وَهَذَا على
(2/475)
قَوْله أَن الدّين لَا يمْنَع وجوب
الزَّكَاة وَبِه قَالَ ربيعَة وَحَمَّاد بن أبي سَلمَة وَابْن أبي ليلى،
وَرُوِيَ عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر فِي الرجل يستقرض
فينفق على ثَمَرَته وعَلى أَهله. قَالَ: قَالَ ابْن عمر " يبْدَأ بِمَا
اسْتقْرض فيقضيه فيزكى مَا بَقِي وَقَالَ ابْن عَبَّاس: " يقْضِي مَا أنْفق
على ثَمَرَته، ثمَّ يزكّى مَا بَقِي " وَمن قَالَ بقول الشَّافِعِي رَحمَه
الله أَن الدّين / لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة رغم أَنَّهُمَا محجوجان
بالظواهر الَّتِي وَردت فِي وجوب الْعشْر فِي الثِّمَار والزروع وَوُجُوب
الزَّكَاة فِي سَائِر الْأَمْوَال وَقد فرق الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي
الْقَدِيم بَين الْأَمْوَال الظَّاهِرَة وَبَين الْأَمْوَال الْبَاطِنَة
فَقَالَ: فِي الْمُصدق إِذا قدم أَخذ الصَّدَقَة مِمَّا ظهر من مَاله مثل
الْحَرْث والمعدن والماشية وَلم يَتْرُكهَا لدين وَلكنه يَتْرُكهَا إِذا
أحَاط الدّين بِمَالِه من الزَّكَاة وَالتِّجَارَة الَّتِي إِلَيْهِ أَن
نؤديها، وَقد روينَا عَن ابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ فِي الْفرق بَين
الثِّمَار والزروع وَبَين الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي ذَلِك وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (226) :
وَمن لَهُ دين على آخر إِلَّا أَنه جَحده ثمَّ أقرّ بِهِ لزمَه أَن يخرج
عَنهُ زَكَاة مَا مضى حوله على جحوده إِذا أَخذه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ.
(2/476)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ عَلَيْهِ
زَكَاة مَا مضى حوله على جحوده. قَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي
الله عَنهُ فِي الرجل يكون لَهُ الدّين المظنون. قَالَ يُزَكِّيه لما مضى
إِذا قَبضه إِن كَانَ صَادِقا قَالَ أَبُو عبيد المظنون هُوَ الدّين لَا
يدْرِي صَاحبه أيقضيه الَّذِي عَلَيْهِ الدّين أم لَا. كَأَنَّهُ الَّذِي
لَا يرجوه، وَرُوِيَ عَن سُفْيَان عَن ابْن عون وَهِشَام عَن ابْن سِيرِين
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن الرجل يكون لَهُ الدّين
فَقَالَ مَا يمنعهُ أَن يُزَكِّيه؟ قَالُوا لَا يقدر عَلَيْهِ قَالَ فَإِن
كَانَ صَادِقا فَإِذا أدّى إِلَيْهِ فليزكه لما غَابَ عَنهُ. وَبِه يَأْخُذ
سُفْيَان وَرُوِيَ عَن ابْن عمر قَالَ: " زكوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيكُم،
وَمَا كَانَ من دين فِي ثِقَة فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا فِي أَيْدِيكُم،
وَمَا كَانَ من دين ظنون فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يقبضهُ " وَرُوِيَ عَن
عمر بن عبد الْعَزِيز بِخِلَافِهِ عَن مَالك عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة
السّخْتِيَانِيّ أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب فِي مَال قَبضه بعض
الْوُلَاة ظلما يَأْمر برده إِلَى أَهله وَتُؤْخَذ زَكَاته لما مضى من
السنين ثمَّ أعقب ذَلِك بِكِتَاب أَلا يُؤْخَذ مِنْهُ إِلَّا زَكَاة
وَاحِدَة فَإِنَّهُ كَانَ ضمارا، قَالَ أَبُو عبيد: الضمار الْغَائِب
الَّذِي لَا
(2/477)
يُرْجَى وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (227) :
وَلَا شَيْء فِيمَا يسْتَخْرج من الْمَعَادِن إِلَّا فِي الذَّهَب
وَالْفِضَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة كل مَا ينطبع فَفِيهِ الْخمس كالحديد
والنحاس وَمَا أشبهه وأصل هَذَا أَن الْوَاجِب فِيمَا يسْتَخْرج مِنْهُ
الزَّكَاة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ ربع الْعشْر فَلَا يجب إِلَّا فِيمَا تجب
فِيهِ الزَّكَاة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوَاجِب فِيهِ الْخمس وَقد قَالَه
الشَّافِعِي أَيْضا، وَفرق فِي مَوضِع آخر بَين مَا يسْتَخْرج مِنْهُ
الْعَمَل وَمَا يُؤْخَذ مِنْهُ ندرة فَقَالَ فِي الأول: فِيهِ ربع الْعشْر
وَفِي الندرة: الْخمس وروينا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه أَشَارَ إِلَى
هَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة، وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك غير مَا كتب
لَهُ أَبُو بكر فِي الصَّدقَات وَفِيه: " وَفِي الرقة ربع الْعشْر فَإِن لم
يكن المَال إِلَّا تسعين وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء إِلَّا أَن يَشَاء
بهَا، وَعَن أبي دَاوُد عَن ربيعَة عَن غير وَاحِد " أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقطع بِلَال بن الْحَارِث
(2/478)
الْمُزنِيّ معادن الْقبلية هِيَ من نَاحيَة
الْفَرْع فَتلك الْمَعَادِن لَا تُؤْخَذ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاة إِلَى
الْيَوْم " وَقد رُوِيَ مَوْصُولا عَن ربيعَة عَن الْحَارِث بن بِلَال بن
الْحَارِث عَن أَبِيه " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَخذ من الْمَعَادِن الْقبلية الصَّدَقَة ". وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " جرح العجماء جَبَّار والتبر جَبَّار
والمعدن جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس " وَإِنَّمَا أخرجت هَذَا الحَدِيث
لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمع فِي هَذَا
الْخَبَر بَين ذكر الْمَعْدن والركازة وأضاف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا
حِكْمَة فَلَو كَانَ الْمَعْدن والركاز وَاحِد فِي وجوب الْخمس فِيهِ لجمع
بَينهمَا فِي الحكم وأضاف إِلَيْهِمَا إِيجَاب الْخمس وَالله أعلم
وَرَوَاهُ عبد الله بن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن جده عَن أبي
هُرَيْرَة وَزَاد
(2/479)
" فَقيل وَمَا الرِّكَاز يَا رَسُول الله؟
قَالَ الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّذِي خلقه الله فِي الأَرْض يَوْم خلقت "
والمقبري هَذَا ضَعِيف قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: قد اتَّقى النَّاس
حَدِيثه، قَالَ الشَّافِعِي وَقد روى ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري "
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَاهُ رجل بِخمْس
أَوَاقٍ من مَعْدن فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ
موصلا عَن ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رجلا
جَاءَ بِخمْس أَوَاقٍ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِنِّي أصبت هَذَا من مَعْدن فَخذ
مِنْهُ الزَّكَاة قَالَ: لَا شَيْء فِيهِ " وَذكره: هَذَا مَوْصُول
وَشَاهده وَذكر / إِسْنَاده عَن ابْن أبي أُميَّة عَن المَقْبُري قَالَ:
أَحْسبهُ عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِقِطْعَة فضَّة فَقَالَ: خُذ مني
زَكَاتهَا، فَقَالَ من أَيْن جِئْت بهَا؟ قَالَ: من مَعْدن. قَالَ: لَا بل
نعطيك مثل مَا جِئْت بِهِ وَلَا ترجع إِلَيْهِ " لَيْسَ فِي هَذَا بَيَان
مِقْدَار مَا جَاءَ بِهِ وَفِيه مَا دلّ على أَنه لم يَأْخُذ مِنْهَا
شَيْئا وَفِيه النَّهْي عَن الرُّجُوع إِلَيْهِ. وَكَأَنَّهُ أحب
التَّنَزُّه عَنهُ لما روينَا عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " سَتَكُون معادن
وَيكون فِيهَا من شرار خلق الله " قَالَ
(2/480)
الشَّافِعِي رَحمَه الله وَهَذَا خلاف
رِوَايَة عبد الله بن سعيد عَن أَبِيه عَن جده وَذَاكَ أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا وَلَو
كَانَ فِيهَا شَيْء لأَخذه وَهَذَا على قَوْله فِي رِوَايَة أبي عبد
الرَّحْمَن، والبويطي عَنهُ أَن الْحول شَرط فِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ
وَأجَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله عَن قَوْلهم تَقول الْعَرَب. قد أركز
الْمَعْدن فَإِن قَالَ إِنَّمَا يُقَال أركز الْمَعْدن عِنْد الندرة تَأتي
مِنْهُ بَائِنَة مِمَّا يَأْتِي مِنْهُ بِالْعَمَلِ وَهُوَ يَقُول فِي
الندرة، تَأتي مِنْهُ وَفِي الْقَلِيل يَأْتِي مِنْهُ، بِخمْس مَعًا فَلَو
كَانَ يَقُول لَا يُخَمّس إِلَّا قيل أركز الْمَعْدن كَانَ قد ذهب إِلَى
ضَعِيف من القَوْل أَيْضا وَذَلِكَ أَنه قد يُقَال للرجل يُوهب لَهُ
الشَّيْء وللرجل مَرْكَز أذرعه، وللرجل يَأْتِيهِ فِي تِجَارَته أَكثر
مِمَّا كَانَ يَأْتِيهِ وَمن ثمره أَكثر مِمَّا كَانَ يَأْتِيهِ أركزت
فَإِن كَانَ باسم الرِّكَاز، اعتل فَهَذَا كُله وَأكْثر مِنْهُ يَقع
عَلَيْهِ اسْم الرِّكَاز وَإِن كَانَ بالْخبر فَالْخَبَر على دفن
الْجَاهِلِيَّة، وَقد حكى البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة من كتاب الْجَامِع
الصَّحِيح، مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله فِي الْمَعْدن وَحكى
مَا احْتج بِهِ الشَّافِعِي
(2/481)
رَحمَه الله فِي أَن الْمَعْدن لَيْسَ
بركاز وَإِنَّمَا أَخذه من قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله. استدلوا بِمَا
رُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رجلا من مزينة أَتَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر حَدِيثا فِيهِ طول فِي الضوال
وَغَيرهَا وَفِيه وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيق غير الميتاء والقرية غير
المسكونة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس قَالُوا فَقَوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيق غير الميتاء الْقرْيَة
غير المسكونة قَالُوا أَرَادَ بِهِ الْمَعْدن ثمَّ قَالَ فَفِيهِ وَفِي
الرِّكَاز الْخمس. دلّ على أَنَّهُمَا يستويان فِي وجوب الْخمس فيهمَا.
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله: فَإِن كَانَ حَدِيث عمر وَيكون حجَّة
فَالَّذِي روى الْحجَّة عَلَيْهِ فِي غير حكم، وَإِن كَانَ حَدِيث عَمْرو
غير حجَّة فالحجة بِغَيْر حجَّة جهل. رُوِيَ فِي حَدِيث عَمْرو الَّذِي
رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه سُئِلَ
عَن التَّمْر الْمُعَلق. فَقَالَ غرامته وَمثله مَعَه، وَجلد أَو نكال
فَإِذا أَواه الجرين فَفِيهِ الْقطع، وَهُوَ يَقُول: غرامته فَقَط وَلَيْسَ
مثله مَعَه وَيَقُول: لَا يقطع فِيهِ إِذا أَواه الجرين رطبا والجرين يؤويه
رطبا، وَرُوِيَ فِي ضَالَّة الْإِبِل غرامتها وَمثلهَا مَعهَا، وَيَقُول
غرامتها وَحدهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فَشَأْنه بهَا وَهُوَ
يَقُول: إِذا كَانَ مُوسِرًا: لم يكن لَهُ أَن
(2/482)
يأكلها ويتصرف بهَا. فَخَالف حَدِيث عَمْرو
الَّذِي رَوَاهُ فِي أَحْكَام وَاحْتج مِنْهُ بِشَيْء وَاحِد إِنَّمَا هُوَ
توهم فِي الحَدِيث فَإِن كَانَ حجَّة فِي شَيْء فَلْيقل فِيمَا تَركه فِيهِ
" قَوْله رَحمَه الله هُوَ توهم يشتبهه أَن يكون أَرَادَ بِهِ لَيْسَ
بمنصوص عَلَيْهِ فِي مَوضِع النزاع وَقد يكون المُرَاد بِهِ مَا يُؤْخَذ من
أَمْوَال الْجَاهِلِيَّة ظَاهرا فِي الأَرْض فِي الطَّرِيق غير المئتاء
والقرية غير المسكونة، فَقَالَ فِيهِ: وَفِي الرِّكَاز الْخمس. قَالَ
الشَّافِعِي: أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي
خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ: إِنِّي وجدت ألفا وخمسماية دِرْهَم فِي خربة بِالسَّوَادِ.
فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " أما لأقضين فِيهَا قضاءا بَينا: إِن كنت
وَجدتهَا فِي قَرْيَة تُؤدِّي خراجها قَرْيَة أُخْرَى فَهِيَ لأهل تِلْكَ
الْقرْيَة وَإِن كنت وَجدتهَا فِي قَرْيَة لَيْسَ تُؤدِّي خراجها قَرْيَة
أُخْرَى فلك أَرْبَعَة أخماسه وَلنَا الْخمس ثمَّ الْخمس لَك " وَهَذَا لَا
حجَّة فِيهِ فَإِنَّهُ ورد فِي الرِّكَاز الَّذِي هُوَ دفن الْجَاهِلِيَّة
وكلامنا وَقع فِي الْمَعْدن وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (228) :
والنصاب مُعْتَبر فِي الْمُسْتَخْرج من الْمَعْدن على أحد الْقَوْلَيْنِ،
(2/483)
قَالَ أَبُو حنيفَة يجب فِي الْقَلِيل
وَالْكثير عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي سعيد قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ
صَدَقَة "، زَاد فِي رِوَايَة عِنْد البُخَارِيّ: من الْوَرق، وَرُوِيَ عَن
جَابر بن عبد الله قَالَ: كُنَّا / عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ جَاءَهُ رجل بِمثل بَيْضَة من ذهب فَقَالَ: يَا
رَسُول الله أصبت هَذِه من مَعْدن فَخذهَا فَهِيَ صَدَقَة، مَا أملك
غَيرهَا فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- ثمَّ أَتَاهُ من قبل رُكْنه الْأَيْمن. فَقَالَ: مثل ذَلِك فَأَعْرض
عَنهُ ثمَّ أَتَاهُ من رُكْنه الْأَيْسَر فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ أَتَاهُ من خَلفه فَأَخذهَا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَحَذفهُ بهَا فَلَو
أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ أَو عقرته فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَأْتِي أحدكُم بِمَا يملك فَيَقُول هَذِه
صَدَقَة ثمَّ يقْعد
يستكفي النَّاس، خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى " لَو لم يكن
النّصاب مُعْتَبرا لأخذ مِنْهُ الْخمس مَعَ كَثْرَة إِعَادَته لَهُ وَعرضه
عَلَيْهِ وَلكنه امْتنع عَن أَخذ الْوَاجِب مِنْهَا لكَونهَا نَاقِصَة عَن
النّصاب وَالله أعلم، وَأَبُو حنيفَة كَانَ يزْعم للْفَقِير خمس حق مَا
يجده على نَفسه فَإِذا بذله الإِمَام يَأْخُذ وَالله أعلم.
(2/484)
مَسْأَلَة (229) :
الْحق الْوَاجِب فِي الْمَعْدن والركاز مصرفه مصرف الزَّكَاة وَيعْتَبر
بِحَال الْوَاجِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مصرفه مصرف الْفَيْء وَالْغنيمَة
وَلَا يعْتَبر حَال الْوَاجِد عِنْد أبي دَاوُد عَن ضباعة بنت الزبير بن
عبد الْمطلب بن هَاشم قَالَت: ذهب الْمِقْدَاد لِحَاجَتِهِ ببقيع الخبجبة
وَإِذا جرذ يخرج من حجر دِينَارا ثمَّ لم يزل يخرج دِينَارا دِينَارا
حَتَّى أخرج سَبْعَة عشر دِينَارا ثمَّ أخرج خرقَة حَمْرَاء يَعْنِي فِيهَا
دِينَار فَكَانَت ثَمَانِيَة عشر دِينَارا فَذهب بهَا إِلَى النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأخْبرهُ بهَا وَقَالَ لَهُ: خُذ
صدقتها، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
هَل هويت إِلَى الْحجر " قَالَ: لَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بَارك الله لَك فِيهَا " إِنَّمَا لم
يَأْخُذ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لنُقْصَان ذَلِك
عَن النّصاب، وَلم يقل لَيْسَ فِيهِ زَكَاة لما قَالَ خُذ صدقتها وَالله
أعلم.
(2/485)
مَسْأَلَة (230) :
وَتجب زَكَاة الْفطر على من عِنْده فضل من قوت يَوْمه، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: لَا تجب إِلَّا على من ملك نِصَابا تجب فِيهِ الزَّكَاة. لنا
حَدِيث ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
فرض زَكَاة الْفطر فِي رَمَضَان على كل نفس من الْمُسلمين حر أَو عبد، رجل
أَو امْرَأَة صَغِيرا أَو كَبِيرا صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير ". أخرجه
مُسلم فِي الصَّحِيح، وَعند أبي دَاوُد عَن ابْن أبي صعير عَن أَبِيه
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَاعا
من بر أَو قَمح على كل صَغِير أَو كَبِير حر أَو عبد ذكر وَأُنْثَى، غَنِي
أَو فَقير. أما غنيكم فيزكيه الله وَأما فقيركم فَيرد الله عَلَيْهِ أَكثر
مِمَّا أعْطى " وروى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ زَكَاة الْفطر على كل حر وَعبد ذكر
وَأُنْثَى صَغِير
(2/486)
وكبير فَقير وغني " وَذكر الْأَثر
بِتَمَامِهِ وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (231) :
وَلَا تجب على الْمُسلم صَدَقَة الْفطر عَن عَبده الْكَافِر، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: تجب لنا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان صَاعا من
تمر أَو صَاعا من شعير على كل حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين "
وَعند أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " فرض
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَكَاة الْفطر طهرة
للصيام من اللَّغْو والرفث وطعمة للْمَسَاكِين من أَدَّاهَا قبل الصَّلَاة
فَهِيَ زَكَاة مَقْبُولَة وَمن أَدَّاهَا بعد الصَّلَاة فَهِيَ صَدَقَة من
الصَّدقَات " وَفِي حَدِيث ابْن عمر دَلِيل فِي مسَائِل أخر مِنْهَا أَن
وَقت وجوب زَكَاة الْفطر مُنْتَهى رَمَضَان ومبتدأ هِلَال شَوَّال. لقَوْله
فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان خلاف مَا زعم أَبُو حنيفَة من أَن وقته
طُلُوع الْفجْر
(2/487)
من أول يَوْم من شَوَّال، وَمِنْهَا أَن
على الشَّرِيكَيْنِ فِي العَبْد زَكَاة الْفطر فِيهِ بِحِسَاب الشِّرَاء
خلاف مَا زعم أَبُو حنيفَة أَن الشّركَة مسقطة لَهَا وَغير ذَلِك
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَمَا رُوِيَ عَن نَافِع عَن ابْن عمر: " أَنه
كَانَ يخرج صَدَقَة الْفطر عَن كل حر وَعبد صَغِير وكبير ذكر وَأُنْثَى،
كَافِر وَمُسلم حَتَّى إِن كَانَ يخرج عَن مكاتبيه فَهَذَا إِن صَحَّ
فَهُوَ شَيْء تبرع بِهِ ابْن عمر أَلا ترى أَنه كَانَ يُخرجهَا عَن مكاتبيه
وَذَلِكَ لَا يجب عَلَيْهِ وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (232) :
وَزَكَاة فطر الْمَرْأَة على زَوجهَا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهَا دون
زَوجهَا رُوِيَ عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه قَالَ أَمر رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِزَكَاة الْفطر تُؤَدّى قبل أَن
يخرج النَّاس إِلَى الصَّلَاة، قَالَ فَكَانَ عبد الله يُؤَدِّيهَا قبل
ذَلِك بِالْيَوْمِ وباليومين قَالَ وَكَانَ عبد الله يُؤَدِّيهَا عَن كل
مَمْلُوك لَهُ فِي أرضه وَغير أرضه عَن كل إِنْسَان يعوله صَغِيرا أَو
كَبِيرا وَعَن رَقِيق امْرَأَته وَكَانَ لَهُ مكَاتب بِالْمَدِينَةِ
وَكَانَ لَا يُؤَدِّي عَنهُ
(2/488)
إِسْنَاده صَحِيح وَعنهُ عَن ابْن عمر أَنه
كَانَ يُعْطي صَدَقَة الْفطر عَن جَمِيع أَهله صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ
عَمَّن يعول وَعَن رَقِيقه وَعَن رَقِيق نِسَائِهِ " وَهَذَا أَيْضا صَحِيح
وَعَلِيهِ اعتمادي من طَرِيق الْخَبَر وَلَا اعْتمد السَّنَد الَّذِي قدمت
ذكره لِأَن إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (233) :
وَلَا يُجزئ من الْبر إِلَّا صَاع وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ نصف صَاع.
لنا حَدِيث / أبي سعيد الصَّحِيح قَالَ كُنَّا نعطي زَكَاة الْفطر فِي زمن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَاعا من طَعَام أَو
صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من أقط وَالطَّعَام فِي هَذَا
الحَدِيث المُرَاد بِهِ الْحِنْطَة بِدَلِيل تنَاولهَا من طَرِيق
الْعَرَبيَّة وَبِمَا روى أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُسْنده عَن عِيَاض بن عبد
بن أبي سرح قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد وَذكر عِنْده صَدَقَة الْفطر فَقَالَ:
لَا أخرج إِلَّا مَا كنت أخرجه فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَاعا من تمر أَو صَاعا من حِنْطَة أَو صَاعا من
شعير أَو صَاعا من أقط فَقَالَ لَهُ رجل من الْقَوْم أَو مد من قَمح
فَقَالَ: لَا تِلْكَ قيمَة مُعَاوِيَة
(2/489)
لَا أقبلها وَلَا أعمل بهَا " وَقد رَوَاهُ
غَيره فَلم يذكر الْحِنْطَة، وَقد ذكرهَا هُوَ وَالطَّرِيق إِلَيْهِ
صَحِيح، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة فَكيف عَن إِمَام مثله رَضِي
الله عَنهُ وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد قَالَ:
" كُنَّا نخرج إِذْ كَانَ فِينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - زَكَاة الْفطر على كل صَغِير وكبير حرا ومملوكا صَاعا من
طَعَام أَو صَاعا من أقط أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من
زبيب فَلم نزل نخرجهُ حَتَّى قدم مُعَاوِيَة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا يكلم
النَّاس على الْمِنْبَر، فَكَانَ فِيمَا كلم بِهِ النَّاس، أَن قَالَ
إِنِّي أرى مَدين من تمر الشَّام تعدل صَاعا من تمر فَأخذ بذلك النَّاس
فَقَالَ أَبُو سعيد: فَأَما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه أبدا مَا عِشْت
وَعِنْده أَيْضا عَن أبي سعيد أَن مُعَاوِيَة لما جعل نصف الصَّاع من
الْحِنْطَة عدل صَاع من تمر أنكر ذَلِك أَبُو سعيد وَقَالَ: لَا أخرج
فِيهَا إِلَّا الَّذِي كنت أخرج فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَاع من تمر أَو صَاع من زبيب أَو صَاع من شعير
أَو صَاع من أقط ". وَزعم بعض من نصر قَول من قَالَ: يُجزئ نصف صَاع من بر
أَن لَا حجَّة فِي حَدِيث أبي سعيد لِأَنَّهُ قد يجوز أَن يُعْطوا من ذَلِك
مَا عَلَيْهِم ويريدون فضلا لَيْسَ عَلَيْهِم وَاسْتشْهدَ بِرِوَايَة
رَوَاهَا عَن الْحسن: " أَن مَرْوَان بعث إِلَى أبي سعيد أَن ابْعَثْ
إِلَيّ زَكَاة رقيقك. فَقَالَ أَبُو سعيد: إِن مَرْوَان لَا يعلم أَن علينا
أَن نعطي لكل رَأس عبد كل فطر صَاعا من تمر أَو نصف صَاع من بر وَهَذَا إِن
صَحَّ فَلِأَن
(2/490)
مَرْوَان كَانَ يطالبهم عَن كل رَأس صَاع
من تمر أَو نصف صَاع من بر على تَعْدِيل مُعَاوِيَة. فَقَالَ أَبُو سعيد:
قد أَعْطَيْت ذَلِك فَلم يطالبني بِالزِّيَادَةِ وَقد أخبر فِي حَدِيث
عِيَاض بِمَا كَانَ يُخرجهُ، وَأنكر تَعْدِيل مُعَاوِيَة فَكيف يَصح هَذَا
عَنهُ إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا، وَلَو جَازَ لقَائِل أَن يَقُول
فِي الطَّعَام كَانُوا يخرجُون بعضه فرضا وَبَعضه فضلا لجَاز لغيره أَن
يَقُول مثله فِي سَائِر الْأَجْنَاس ولجاز لغيره أَن يَقُول فِي الْمَدِين
إِنَّمَا قَالَه فِي من لم يجز أَكثر من ذَلِك وَلَكِن الْأَمر على مَا
شَاءَ وَالله أعلم. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن نَافِع أَن ابْن عمر قَالَ: "
إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر بِزَكَاة
الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير " قَالَ عبد الله: فَجعل النَّاس
عدله مَدين من حِنْطَة يَعْنِي مُعَاوِيَة وَمن تَابعه عَلَيْهِ بِدَلِيل
حَدِيث أبي سعيد الصَّرِيح فِي ذَلِك، وبدليل مَا رُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فرض زَكَاة الْفطر
صَاعا من تمر أَو صَاعا من بر على كل حر وَعبد ذكرا أَو أُنْثَى من
الْمُسلمين " قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: " هَذَا حَدِيث صَحِيح فَإِن
قيل قد رَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن نَافِع فِي هَذَا الحَدِيث
قَالَ " عبد الله فَلَمَّا كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَثُرت الْحِنْطَة
جعل عمر نصف صَاع حِنْطَة مَكَان صَاع من تِلْكَ الْأَشْيَاء "، قيل عبد
الْعَزِيز بن أبي رواد ضَعِيف الحَدِيث كثير الْوَهم يروي على التَّوَهُّم
وَيحدث على الحسبان وَكَانَ يرى الإرجاء مَاتَ
(2/491)
وسُفْيَان الثَّوْريّ بِمَكَّة فَلم يصل
عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَبُو حَمَّاد الْمفضل بن صدقه فِي هَذَا الحَدِيث
وَذكر أَن عبد الله بن عمر هُوَ الَّذِي (عدل) الْمَدِين بالصاع وَأَبُو
حَمَّاد هَذَا قد تكلمُوا فِيهِ وَقد خَالف رِوَايَة عبد الْعَزِيز أَيْضا
وَالصَّحِيح مَا مضى أَن ابْن عمر قَالَ: فَجعل النَّاس عدله مَدين لم يعزه
إِلَى أحد وَقد بَينه الحَدِيث الآخر الصَّحِيح عَن أبي سعيد وَالله أعلم.
استدلوا بِحَدِيث عَن ابْن عمر أَنه قَالَ أَمر رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي زَكَاة الْفطر نصف صَاع من حِنْطَة أَو
صَاعا من تمر وَذكر فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا ثمَّ قَالَ وَفِي الْجُمْلَة
لَا يَصح هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد إِذْ لَو كَانَ عِنْد ابْن
عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرض فِي زَكَاة
الْفطر نصف صَاع من حِنْطَة لما كَانَ يَقُول فَجعل النَّاس عدله مَدين من
حِنْطَة / وَرُوِيَ بِإِسْنَاد آخر عَن ابْن عمر مَرْفُوعا " صَدَقَة
الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير أَو مَدين من حِنْطَة " إِسْنَاده
مظلم، وَفِيه بَقِيَّة عَن دَاوُد بن الزبْرِقَان وَقد تكلمُوا فيهمَا
وَالطَّرِيق إِلَيْهِمَا فيهمَا لَيْسَ بواضح وَالله أعلم ثمَّ يُعَارضهُ
مثله وَذكر حديثين فِي أَحدهمَا " أَو صَاع من بر " وَفِي الآخر " أَو
صَاعا من قَمح " وَكِلَاهُمَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا قَالَ فِيهِ " أَو
نصف صَاع من بر " وَذكر فِيهِ اخْتِلَافا
(2/492)
كَبِيرا على الزُّهْرِيّ فِي إِسْنَاده
وَمَتنه مِنْهَا مَا أخرجه الدراقطني فِي سنَنه وَقَالَ فِيهِ: " صَاعا من
بر " وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي بِمَعْنى حَدِيث فِيهِ
" أَو صَاع من قَمح " وَقَالَ هَكَذَا رِوَايَة بكر لم يقم هَذَا الحَدِيث
غَيره قد أصَاب الْإِسْنَاد والمتن، وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن ابْن
عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن أبي صعير قَالَ " كُنَّا نخرج على عهد
عمر رَضِي الله عَنهُ " نصف صَاع من تمر " قَالَ مُحَمَّد بن يحيى: لَا
أَدْرِي مَا هَذَا؟ هَذَا مُنكر الْإِسْنَاد والمتن وَهَذَا مِمَّا أرَاهُ
لم يسمعهُ عَن الزُّهْرِيّ ثمَّ قَالَ: وَقد ذكرنَا مَا انْتهى إِلَيْنَا
من الِاخْتِلَاف فِيهِ على الزُّهْرِيّ فِي إِسْنَاده وَمَتنه وبمثل ذَلِك
لَا تقوم الْحجَّة، وَرُبمَا استدلوا بِحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة رُوِيَ
عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن هُرْمُز عَن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ مَوْقُوف،
وَالَّذِي هُوَ مَرْفُوع مُرْسل، وَقد رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن
الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِخِلَافِهِ وَرُبمَا استدلوا بِمَا
رُوِيَ عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَهُوَ وهم
وَالصَّوَاب عَن عَطاء من قَوْله كَذَا رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن عَطاء
وَغَيره عَن ابْن جريج، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن
شُعَيْب وَهُوَ مخرج بعد هَذَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ
عَن عبد الحميد عَن
(2/493)
أَبِيه عَن أبي سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس
والواقدي ضَعِيف الحَدِيث جدا. قَالَ الشَّافِعِي: كتب الْوَاقِدِيّ كذب،
وَقَالَ ابْن معِين: الْوَاقِدِيّ: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ ابْن
الْمَدِينِيّ الْوَاقِدِيّ: يضع الحَدِيث، وَرَوَاهُ سَلام الطَّوِيل عَن
زيد الْعمي عَن عِكْرِمَة عَنهُ مَرْفُوعا، قَالَ عَليّ بن عمر: سَلام
الطَّوِيل مَتْرُوك الحَدِيث، وَلم يسْندهُ غَيره وَالصَّوَاب من هَذِه
الرِّوَايَات عَن ابْن عَبَّاس مُرْسل كَمَا عِنْد أبي دَاوُد عَن الْحسن:
قَالَ خطب ابْن عَبَّاس فَذكر الحَدِيث مَرْفُوعا وَفِيه " أَو نصف صَاع
قَمح "، وَقَالَ فَلَمَّا قدم عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَرَأى رخص السّعر
وَقَالَ: قد أوسع الله عَلَيْكُم لَو جعلتموه صَاعا من كل شَيْء. قَالَ
حميد: وَكَانَ الْحسن يرى صَدَقَة رَمَضَان على من صَامَ، وَهَذَا مُرْسل
الْحسن لم يسمع من ابْن عَبَّاس، قَالَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء
سَمِعت عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي زَكَاة الْفطر.
فَقَالَ: حَدِيث بَصرِي وَإِسْنَاده مُرْسل رَوَاهُ الْحسن
(2/494)
وَمُحَمّد بن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ شُعْبَة أَحَادِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس إِنَّمَا
سَمعهَا مُحَمَّد عَن عِكْرِمَة وَلم يسمع من ابْن عَبَّاس لقِيه أَيَّام
الْمُخْتَار، الْحسن لم يسمع من ابْن عَبَّاس وَلَا رَآهُ قطّ وَرُوِيَ عَن
ابْن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس بِخِلَافِهِ قَالَ أمرنَا أَن نعطى صَدَقَة
رَمَضَان فَذكر الحَدِيث، وَقَالَ: فِيهِ صَاعا من طَعَام من أدّى برا قبل
مِنْهُ وَمن أدّى شَعِيرًا قبل مِنْهُ " وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا أَن فِيهِ
إرْسَالًا، مُحَمَّد لم يسمع من ابْن عَبَّاس فِي قَول أَكثر أَئِمَّة
الحَدِيث، وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى أبان بن أبي عَيَّاش عَن أنس قَالَ:
" أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نعطي
صَدَقَة الْفطر نصف صَاع حِنْطَة وصاعا مِمَّا سواهُ ". أبان مَتْرُوك
الحَدِيث، قَالَ حَمَّاد بن زيد جَاءَنِي إبان فَقَالَ أحب أَن تكلم
شُعْبَة أَن يكف عني قَالَ: فكلمته فَكف عَنهُ أَيَّامًا فَأَتَانِي فِي
بعض اللَّيْل فَقَالَ: إِنَّك سَأَلتنِي أَن أكف عَن أبان وَأَنه لَا يحل
الْكَفّ عَنهُ، فَإِنَّهُ يكذب على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى عمر بن صهْبَان عَن ابْن
الْمُنْكَدر عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان عَن أَبِيه قَالَ: " فرض
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: صَدَقَة الْفطر على
كل صَغِير وكبير حر وَعبد صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير أَو نصف صَاع من
قَمح " هَذَا مُنكر، عمر
(2/495)
ابْن صهْبَان: ضَعِيف وَالطَّرِيق إِلَيْهِ
لَيْسَ بواضح قَالَ ابْن معِين: عمر بن صهْبَان مدنِي لَا يُسَوِّي فلس،
وَقَالَ البُخَارِيّ عمر بن صهْبَان: مُنكر الحَدِيث وَقد رُوِيَ
بِإِسْنَاد سديد عَن ابْن صهْبَان عَن الزُّهْرِيّ بِالْإِسْنَادِ خلاف
ذَلِك وَإِنَّمَا استدلوا / بِمَا رُوِيَ عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن
شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بعث مناديا فَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ: " مدان من قَمح "
وَابْن جريج لم يسمع من عَمْرو بن شُعَيْب وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى ابْن
لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: "
كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاة الْفطر على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَدين من قَمح بِالْمدِّ الَّذِي تقتاتون بِهِ "
ابْن لَهِيعَة لَا يحْتَج بِهِ وَالصَّحِيح عَن أَسمَاء بِغَيْر هَذَا
اللَّفْظ عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن أمه أَنهم كَانُوا يخرجُون زَكَاة
الْفطر فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِالْمدِّ الَّذِي يقتات بِهِ أهل الْبَيْت أَو الصَّاع الَّذِي تقتاتون
بِهِ يفعل ذَلِك أهل الْمَدِينَة كلهم، وَرُبمَا استدلوا بِمَا رُوِيَ عَن
عصمَة بن مَالك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي
صَدَقَة
(2/496)
الْفطر نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر "
وَرُوِيَ مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّوَاب، وَرُوِيَ بِخِلَاف ذَلِك مَرْفُوعا
أَو مَوْقُوفا وَرُبمَا استدلوا بِمَا روى سُلَيْمَان بن أَرقم عَن
الزُّهْرِيّ عَن قبيصَة عَن زيد بن ثَابت قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ: "
بِنصْف صَاع من بر " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه بِهَذَا الْإِسْنَاد
وَهَذِه الْأَلْفَاظ غير سُلَيْمَان بن أَرقم، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث
وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا بِالْإِسْنَادِ خلاف ذَلِك وَرُبمَا استدلوا بِمَا
رُوِيَ عَن الحكم عَن قيس بن سعد بن عبَادَة قَالَ: كُنَّا نَصُوم
عَاشُورَاء، فَلَمَّا فرض الله رَمَضَان لم ينهنا عَنهُ وَكُنَّا نصومه
وَكُنَّا نعطي عَن كل إِنْسَان صَاعا يَوْم الْفطر فَلَمَّا نزلت الزَّكَاة
لم ينهنا عَنهُ وَنحن نفعله " هَذَا مُرْسل الحكم لم يسمع من قيس،
وَرَوَاهُ الْقَاسِم بن مخيمرة عَن أبي عمار الهمذاني عَن قيس بن سعد
لَيْسَ فِيهِ ذكر الْمِقْدَاد، وروى عبد الْكَرِيم أَبُو أُميَّة عَن
إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة وَالْأسود عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: " مدان من
قَمح أَو صَاع من تمر " وَأَبُو أُميَّة ضَعِيف الحَدِيث، وَرُوِيَ فِي
ذَلِك عَن جَابر بن عبد الله وَعُثْمَان بن عَفَّان وَرُوِيَ عَن أبي بكر
أَنه أدّى إِلَيْهِ نصف صَاع، وَهُوَ مُرْسل قَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا
يثبت ذَلِك عَن أبي بكر وَعُثْمَان رَضِي الله
(2/497)
عَنْهُمَا وروى جَابر الْجعْفِيّ عَن
الشّعبِيّ. قَالَ: كَانُوا يعطونها على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ: نصف صَاع من بر
وَهُوَ مُرْسل، وَجَابِر مَتْرُوك وَالله أعلم. بِالصَّوَابِ، استدلوا
بمرسل عَن سعيد بن الْمسيب فِي ذَلِك. قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله
تَعَالَى حَدِيث مَدين خطأ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: فقد ثَبت أَن التَّعْدِيل
بمدين إِنَّمَا كَانَ بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - وَالله أعلم.
مَسْأَلَة (234) :
لم يذكرهَا الإِمَام والصاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، وَقَالَ أَبُو
(2/498)
حنيفَة: ثَمَانِيَة لنا مَا رُوِيَ عَن
عَطاء عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " الْمِيزَان على ميزَان أهل مَكَّة، والمكيال مكيال أهل
الْمَدِينَة " وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالُوا لرَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا رَسُول الله إِن صاعنا أَصْغَر الصيعان
ومدنا أَصْغَر الأمداد، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي صاعنا ومدنا " فَذكر الحَدِيث،
وَعَن إِسْحَق بن سُلَيْمَان الرَّازِيّ قَالَ: قلت لمَالِك: " يَا أَبَا
عبد الله كم وزن صَاع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي، أَنا حزرته، قلت يَا أَبَا عبد
الله: خَالف شيخ الْقَوْم يَقُول ثَمَانِيَة أَرْطَال، فَغَضب ثمَّ قَالَ
لبَعض جُلَسَائِهِ يَا فلَان هَات صَاع جدك، وَيَا فلَان صَاع عمك، وَيَا
فلَان هَات صَاع جدتك، قَالَ إِسْحَق: فاجتمعت آصَع، فَقَالَ مَالك: مَا
تحفظون فِي هَذِه؟ فَقَالَ هَذَا حَدثنِي أبي عَن أَبِيه أَنه كَانَ
يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاع إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، وَقَالَ: الآخر حَدثنِي أبي عَن أمه: أَنَّهَا كَانَت
تُؤدِّي بِهَذَا الصَّاع إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ مَالك: " إِنَّمَا حزرت هَذِه فَوَجَدتهَا: خَمْسَة
أَرْطَال وَثلث، فَقلت يَا أَبَا عبد الله: أحَدثك بِأَعْجَب من هَذَا
عَنهُ أَنه يزْعم أَن صَدَقَة الْفطر نصف صَاع، والصاع ثَمَانِيَة أَرْطَال
/ فَقَالَ هَذِه أعجب من
(2/499)
الأولى يُخطئ فِي الْحِرْز وَينْقص من
الْعَطِيَّة بل صَاع تَامّ على كل إِنْسَان هَكَذَا أدركنا علماءنا ببلدنا
هَذَا، وَعند البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَن بندر حَدثنَا أَبُو قُتَيْبَة
حَدثنَا مَالك عَن نَافِع قَالَ كَانَ ابْن عمر يُعْطي زَكَاة رَمَضَان
بِمد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ لي مَالك: "
لَو جَاءَكُم أَمِير فَضرب مدا أَصْغَر من مد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَيّ شَيْء كُنْتُم تعطون قلت كُنَّا نعطى بِمد
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "، قَالَ: أَفلا ترى أَن
الْأَمر إِنَّمَا يعود إِلَى مد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - "، وَرُوِيَ عَن الْحُسَيْن بن الْوَلِيد قَالَ: قدم علينا
أَبُو يُوسُف من الْحَج فأتيناه فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أفتح عَلَيْكُم
بَابا من الْعلم همني، تفحصت عَنهُ فَقدمت الْمَدِينَة فَسَأَلت عَن
الصَّاع فَقَالُوا صاعنا صَاع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، قلت لَهُم مَا حجتكم فِي ذَلِك فَقَالُوا نَأْتِيك
بِالْحجَّةِ غَدا فَلَمَّا أَصبَحت أَتَانِي: نَحْو من خمسين شَيخا من
أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار مَعَ كل رجل
(2/500)
مِنْهُم الصَّاع تَحت رِدَائه كل رجل
مِنْهُم يخبر عَن أَبِيه أَو أهل بَيته أَن هَذَا صَاع رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَنَظَرت فَإِذا هِيَ سَوَاء
فَعَيَّرْته فَإِذا هُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث ينقصان مَعَه يسير
فَرَأَيْت أمرا قَوِيا، فقد تركت قَول أبي حنيفَة فِي الصَّاع وَأخذت بقول
أهل الْمَدِينَة، قَالَ الْحُسَيْن: فحججت من عَامي ذَلِك فَلَقِيت مَالك
بن أنس فَسَأَلته عَن الصَّاع، فَقَالَ: صاعنا هَذَا صَاع رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت كم رَطْل هُوَ؟ فَقَالَ: إِن
الْمِكْيَال لَا يرطل هُوَ هَذَا، قَالَ الْحُسَيْن: فَلَقِيت عبد الله بن
زيد بن أسلم فَقَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي أَن هَذَا صَاع عمر رَضِي الله
عَنهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث كَعْب بن عجْرَة فِي قدمه الْحَج
وَقَالَ فِيهِ فَأمرنِي يَعْنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَن أَصوم ثَلَاثَة أَيَّام أَو أنسك مَا تيَسّر أَو فرق من
طَعَام بَين سِتَّة مَسَاكِين، وَرَوَاهُ مُجَاهِد عَن ابْن أبي ليلى
وَقَالَ فِيهِ: " وَأطْعم فرقا بَين سِتَّة مَسَاكِين، وَالْفرق ثَلَاثَة
آصَع "، ومعهود أَن الْفرق سِتَّة عشر رطلا. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعت
أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: " الْفرق سِتَّة عشر رطلا وسمعته يَقُول: صَاع
ابْن أبي ذِئْب خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، قَالَ فَمن
(2/501)
قَالَ ثَمَانِيَة أَرْطَال قَالَ: لَيْسَ
ذَاك بِمَحْفُوظ، وَسمعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: من أعْطى صَدَقَة
الْفطر خَمْسَة أَرْطَال وَثلث فقد أوفى " وَأما مَا روى صَالح بن مُوسَى:
" جرت السّنة من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
الْغسْل من الْجَنَابَة صَاع وَالْوُضُوء رطلين، والصاع ثَمَانِيَة
أَرْطَال. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه عَن مَنْصُور غير صَالح وَهُوَ
ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ البُخَارِيّ: صَالح بن مُوسَى مُنكر الحَدِيث وروى
ابْن أبي ليلى وَهُوَ ضَعِيف عَن عبد الْكَرِيم عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ برطلين ويغتسل
بِصَاع ثَمَانِيَة أَرْطَال، وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ من وَجه آخر عَن أنس
وَالصَّحِيح عَنهُ مَا عِنْد مُسلم فِي الصَّحِيح عَنهُ كَانَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يتَوَضَّأ بِالْمدِّ ويغتسل
بالصاع " قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد عَن أُميَّة بن خَالِد
(2/502)
قَالَ: لما ولى خَالِد الْقَسرِي أَضْعَف
الصَّاع فَصَارَ الصَّاع: سِتَّة عشرَة رطلا " ثمَّ قد أخْبرت أَسمَاء بنت
أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم " أَنهم كَانُوا يخرجُون زَكَاة الْفطر فِي عهد
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمدِّ الَّذِي
يقتات بِهِ أهل الْبَيْت أَو الصَّاع الَّذِي يقتاتون بِهِ يفعل ذَلِك أهل
الْمَدِينَة كلهم " فَدلَّ ذَلِك على مُخَالفَة صَاع الزَّكَاة والقوت صَاع
الْغسْل، ثمَّ قد رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَت
تَغْتَسِل هِيَ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
إِنَاء وَاحِد قدر الْفرق " وَقد دللنا أَن الْفرق ثَلَاثَة آصَع فَإِذا
كَانَ الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث كَانَ قدر مَا يغْتَسل بِهِ كل
وَاحِد مِنْهُمَا ثَمَانِيَة أَرْطَال وَهُوَ صَاع وَنصف وَقدر مَا يغْتَسل
بِهِ كَانَ يخْتَلف باخْتلَاف الِاسْتِعْمَال فَلَا معنى لترك الْأَحَادِيث
الصَّحِيحَة فِي قدر الصَّاع الْمعد لزكاة الْفطر بِمثل هَذَا وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق وَهُوَ أعلم بِالصَّوَابِ وَله الْحَمد وَالشُّكْر.
(2/503)
تمّ الْجُزْء الثَّانِي من الْقسم الأول من
الْكتاب بتحقيق الدكتور ذياب عبد الْكَرِيم عقل ويليه الْجُزْء الأول من
الْقسم الثَّانِي من الْكتاب بتحقيق الدكتور إِبْرَاهِيم الخضير وأوله
مُقَدّمَة الْمُحَقق ويليه كتاب الصّيام وَالله الْمُوفق.
(2/504)
|