منهج
السالكين وتوضيح الفقة في الدين مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم فضيلة الشيخ العلامة: عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل
رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الأمين القائل: "من
يردِ الله به خيراً فقهه في الدين" وآله وصحبه الغُرِّ الْمَيَامِين.
وبعد، فإن شيخنا العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ممن فقهه الله في
الدين، حتى صار شغله الشاغل في معظم أوقاته، تعلمًا وتعليمًا ودرسًا
وتدريسًا وتصنيفًا، ومن أهم مصنفاته في الفقه كتاب: منهج السالكين وتوضيح
الفقه في الدين، هذا الكتاب المختصر لفظاً، المستوعب معنى، وقد اهتمَّ به
-رحمه الله- قبل تصنيفه، واعتنى به حال تصنيفه، وأعجب به بعد تصنيفه، فصار
يمدحه لدى تلاميذه، ترغيبًا لهم في الإقبال عليه، حفظًا ودرسًا وتعلمًا
وتعليمًا، وقد كتب إليَّ عنه كتاباً مؤرخًا: 13 محرم 1360 هـ، وبعثه إلي
في: أبي عريش حينما كنت قاضيًا هناك، وقال فيه: اختصرناه فصار أقل من جميع
المختصرات التى تعرفونها من: مختصر المقنع، ومن: العمدة، وأخصر المختصرات،
أصغر منها كلها، اقتصارًا على ما يحتاج إليه في كل باب، ومع هذا فهو واضح
ومشتمل على الدليل.
(1/1)
...إلخ. أهـ. من الأجوبة النافعة ص 90، 91.
ومن مزاياه: أنه اقتصر فيه على المسائل التى يكثر وقوعها، ويحتاج الناس
إليها، وأنه يعتني بالدليل دون تطويل، بل ربما جعل المسألة هى نص الحديث
الوارد فيها، فهي المستدل له والمستدل به، وبالجملة، فَمَخْبَرُ الكتاب
أبلغ من منظره، وقد طبع الكتاب عدة طبعات، ولا تخلو كل نسخة من الأغلاط
والنقص والتقديم والتأخير.
لهذا سَمَتْ همة الأستاذ: محمد بن عبد العزيز الخضيري، المحاضر في كلية
المعلمين في الرياض، قسم الدراسات القرآنية، إلى الاعتناء به، وطبعه ونشره
بعد مقابلته على نسختين خطيتين، إحداهما مصورة من خط المؤلف -رحمه الله-
فجاءت هذه الطبعة من أصح نسخ هذا الكتاب، مع ما امتازت به من جودة الطبع،
حرفًا وورقًا وتجليدًا، مُنَمَّقَة بعلامات الترقيم، والوقف والابتداء،
والتقسيم، وعزو الآيات القرآنية، وتخريج الأحاديث النبوية، وشرح بعض
الكلمات الغامضة، وضبطها بالشكل، مع ترقيم مسائله، وبدء كل مسألة في أول
السطر؛ إبرازًا لها، وتسهيلاً للوقوف عليها، ورقمها أرقامًا مسلسلة، بلغت
679، كما نقل ترجيحات شيخنا من كتبه الأخرى، سواء كانت زائدة على ما في هذا
الكتاب، أو إيضاحًا، أو استدراكًا عليه، فخدم بهذا الصنيع الكتاب ومؤلفه
وقارئيه، واستحق بذلك الأجر والثواب العاجل والآجل إن شاء الله، وفي
الحديث: "إن الله ليدخل بالسهم
(1/2)
الواحد ثلاثة الجنة: صانعه، والرامي به،
ومنبله الممد به" رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، فلهذا أنصح إخواني،
وأبنائي الطلبة، بالاهتمام به، وحفظه عن ظهر قلب؛ لأنه يعتبر خلاصة
الخلاصة، وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
قال ذلك: الفقير إلى الله
عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل
رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلي سابقًا.
(1/3)
تقديم فضيلة الشيخ العلامة: عبد الله بن
عبد الرحمن البسام
عضو هيئة كبار العلماء
الحمد لله المفقه من شاء من خلقه في الدين، والصلاة والسلام على من أرسله
الله رحمة للعالمين، وسراجًا منيرًا للسائرين، وعلى آله وصحبه الغُرِّ
الميامين.
أما بعد، فهذه مقدمة لهذا المختصر المفيد المسمى: منهج السالكين، نتحدث عن
أمرين:
الأمر الأول: عن الكتاب.
الأمر الثاني: عن تحقيقه.
فأما الحديث عن الكتاب فإن لتأليفه قصة، هي أنه في عام 1359هـ، تخرجت أول
دفعة من المدرسة العزيزية الابتدائية، في مدينة عنيزة، ولم يكن في عنيزة
ذلك الوقت مدرسة متوسطة، ولا معهد علمي، فالشهادة الابتدائية هي أرقى شهادة
ينالها الطالب في تلك المدينة، مع أن أغلب أولئك الشباب يرغبون مواصلة
الدراسة، لكنهم في سن لا يصلح معها مفارقتهم أهليهم؛ ليدرسوا في المدن
الكبرى من المملكة، وكان من الصدف الطيبة أن المكتبة العامة في عنيزة
-حرسها الله- قد انتهى بناؤها ذلك العام 1359هـ، وشيخنا عبد الرحمن الناصر
السعدي -رحمه الله- قد عزم أن يكون تدريسه العالي
(1/4)
لتلاميذه المدركين في هذه المكتبة الغنية
بالمراجع، فأمر-رحمه الله تعالى-كلاً من الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع
والشيخ على الحمد الصالحي أن يدرِّسا هؤلاء الطلاب الصغار في المكتبة، في
الأوقات التي لا تكون فيها دروس الشيخ لتلاميذه، وإن اتفق الدرسان في وقت
واحد فيدرس الصغار في أحد أركان المسجد الجامع، وكانت دروس هؤلاء الطلاب
الصغار في التوحيد والحديث والفقه والنحو. فأما التوحيد ففي: ثلاثة الأصول،
وأمثاله، وأما الحديث ففي: الأربعين النووية، وأما النحو ففي:
الآجُرُّومِيَّة، وأما الفقه فإن مختصرات المذهب الحنبلي يمنع من تدريسها
لهؤلاء الناشئة أمران:
أحدهما: أنها لا تتجاوز القول المشهور في مذهب الإمام أحمد، وبعض مسائل
المشهور من هذا المذهب مرجوحة، وفي روايات المذهب الأخرى ما هو أقوى منها.
الثاني: أن في تلك المختصرات من تعقيد العبارة، وصعوبة الوصول إلى المعني،
ما يمنع الطالب المبتدئ من فهمها وهضمها.
لذا صنف شيخنا -رحمه الله- هذا المختصر المفيد على قول واحد في المذهب،
سواء وافق المشهور من المذهب، أو وافق القول الآخر، مما يمتاز عن غيره من
الأقوال بصحة الدليل وجودة التعليل، وهو لا يخرج عن قول أحد مذاهب الأئمة
الثلاثة.
(1/5)
وهذا المختصر يمتاز بأمور مهمة هي:
أولاً: سهولة العبارة ووضوحها، مما قرب معها فهم المعني وبسط صورته للقارئ.
ثانيًا: أن كثيرًا من جمله وعباراته مدرجة ومضمنة من القرآن الكريم ومن
صحيح السنة المطهرة، وبهذا جمعت تلك الجمل الحكم والدليل، كما ضمنت العصمة
من خطأ اللفظ والمعني.
ثالثًا: أن المؤلف -رحمه الله- لم يتقيد بالمشهور من المذهب، وإنما اختار
منه أصح الأقوال دليلاً، مما يوافق المذاهب الثلاثة أو بعضها.
رابعًا: أنه اقتصر على أهم المسائل والأحكام مما هو مجال العمل في العبادة
والعادة.
خامسًا: أن المؤلف -رحمه الله- ألف الكتاب لطلاب العلم المبتدئين، وجعله
بيد تلميذه الكبير محمد بن عبد العزيز المطوع؛ ليكرر تدريسه وقراءته على
أولئك الطلاب، ويراجع مؤلفه في كل ما يرى أن الحاجة داعية إلى إبدال لفظة
بلفظة، أو تغيير معني بآخر، حتى جاء الكتاب منقحًا محررًا، سليم اللفظ
والمعني.
أما الحديث عن تحقيق الكتاب فهو أن المحقق الشيخ: محمد بن عبد العزيز
الخضيري -حفظه الله تعالى- خدم مبادئ الفقه بهذا الكتاب خدمة جليلة،
(1/6)
حينما أبرزه بهذه الصورة الجميلة، وذلك
الثوب القشيب الذي منها تحليته بهذه السموط الآتية:
أولاً: كان المؤلف -رحمه الله- قد تخفف من تخريج أحاديث الكتاب؛ تسهيلاً
لحفظه على الطلاب الصغار، فاستدرك ذلك المحقق، فخرج آياته وأحاديثه تخريجًا
أراح به القارئ من عناء المراجعة والبحث، كما وثَّقَ نصوصه وأصوله بصورة لا
يضل سالكها.
ثانيًا: المحقق ألحق جملًا في الهامش إما أنها تكميل لمعنى، وإما تقييد
لجملة، وعَزَا هذه الهوامش إلى مصادرها من كتب المؤلف -غالبًا- وبعضها من
غيرها، وبهذا أكمل عمل المؤلف من علمه وكتبه.
ثالثًا: المحقق أخرج الكتاب بتنسيق وترتيب، صار هذا الإخراج كالْمَعْلَم
لقارئه، وكالمفسر لتاليه، مما سهل معناه وقرب أقصاه، وبهذا كله فإنني أنصح
المسئولين بتدريس الكتاب بالفصول التى تناسبه، كما أنصح الطلاب الشادين أن
يعتمدوه السلم إلى دراسة الفقه، وأن يجعلوه المدخل إلى ما بعده من الكتب
الكبار، والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
كتبه: عبد الله بن عبد الرحمن البسام
عضو هيئة كبار العلماء
25/4/1421هـ
(1/7)
مقدمة
المقدمة
...
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد الله، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ
إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلَا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن حاجة المسلمين إلى الكتب النافعة السهلة المختصرة ماسة، إذا لم تعد
بكثير منهم قوة على قراءة المطولات، ولا نشاط على التحصيل، ومن هنا نشأت
فكرة البحث عن كتاب مختصر، واضح العبارة، قريب المأخذ، فيه عناية بالدليل،
وبعد عن التطويل، مكتوب بيد عالم معروف بطول الباع في فقه الشريعة، وسعة
الاطلاع في علوم الملة، مشهور باتباع الدليل، وسلامة المعتقد، فوجدت بغيتي
في هذا الكتاب: منهج السالكين، وتوضيح الفقه في الدين، لفضيلة الشيخ
العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ت 1376هـ، رحمه الله
(1/5)
رحمه واسعة، حيث وجدته كتابًا مفيدًا في
بابه، مقتصرًا على أهم المسائل، مع ذكر الدلائل، قد ذلل لقارئه الصعاب، لا
يحتاج من قارئه عناء كبيرًا في الفهم والدرس، ينتفع به المبتدي أيما
انتفاع، ويستفيد منه العالم في تفقيه الطلاب، ويمكن جعله مقررًا دراسيًّا
في المعاهد الإسلامية، كما يمكن وضعه مقررًا في الدورات التى تعقد في أطراف
البلاد على أيدى الدعاة، وعلى كلٍ فالكتاب قليل النظير في كتب الفقه، ولذا
فقد قمت بخدمته في هذا العمل المتواضع؛ ليعم الانتفاع به، ويسهل الاطلاع
عليه، ويتضح المراد من مسائله.
وكانت خلاصة ما عملته فيما يلي:
1- حصلت -بحمد الله- على نسختين خطيتين من الكتاب، أتحفني بهما أخي فضيلة
الشيخ الدكتور: عبد الرحمن بن معلا اللويحق -وفقه الله ورعاه- حين اطلع على
عملي في الكتاب، وكنت قد اقتصرت أول الأمر على النسخة التي نشرها فضيلة
الشيخ عبد الله الجار الله، رحمه الله، فحثني مشكورًا على الرجوع إلي
الأصول الخطية، ثم تفضل بالاتصال بالأخ الكريم: مساعد بن عبد الله السعدي،
سبط الشيخ -جزاه الله خيراً- الذي قام مأجورًا بتصوير النسختين وإيصالهما
للشيخ، فكانت فرحتى بهذه التحفة كبيرة، وانتفاعي بها عظيمًا، فبارك الله
فيهما وجزاهما كل
(1/6)
خير، وإليك وصف النسختين:
أما النسخة الأولي: فهي بخط الشيخ، وخطها واضح جدًّا، وعليها تصحيحات، وتقع
في: 22 لوحة، في كل لوحة 38 سطرًا، بيد أن اللوحة الثالثة ساقطة من التصوير
والترقيم، وهي تبدأ -في هذه الطبعة- من المسألة: 35، وحتى المسألة: 57.
وهذه النسخة قد نقلها الشيخ من أصل الكتاب الذي كتبه أول مرة، ولذلك لما مر
بالأحاديث الطويلة: كحديث أبي بكر في فريضة الصدقة، وحديث جابر في صفحة
الحج، لم ينقلهما، وأحال على الأصل، كما ستلاحظ من التعليقات في هذه
الطبعة، وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز: أ.
وأما النسخة الثانية: فهي بخط أحد تلاميذ الشيخ، وخطها عصري واضح، وعليها
تصحيحات، وتقع في: 109 صفحات، في كل صفحة 14 سطرًا. وقد رمزت لهذه النسخة
بالرمز: ب.
وقد قابلت بين هاتين النسختين والمطبوع الذي أصدره الشيخ عبد الله الجار
الله، ولعل الأصل الخطي الذي نقلت منه النسخة: ب، ومطبوع الشيخ عبد الله
كان واحدًا؛ لكثرة الاتفاق بينهما، وأثبت عند الاختلاف ما في النسخة: أ،
التي بخط الشيخ، إلا إذا ترجح لدي ما في النسختين، أو
(1/7)
كانت فيهما زيادة مفيدة فإني أثبت ذلك،
وأشير إليها في الهامش، ولم أشر إلى الفروق الطفيفة التي لا أثر لها، كذكر
الصلاة على النبي في إحداها، أو الترضي عن صاحبٍ، ونحو ذلك.
2- خرجت الآيات القرآنية، وجعلتها في صلب الكتاب بين معكوفتين لئلا أثقل
الحواشي، كما خرجت الأحاديث مقتصرًا في تخريج الأحاديث على الصحيحين إن كل
فيهما، وإن كان في غيرهما ذكرت أهم من خرجه من الأئمة، وإذا وجدت كلامًا
على الحديث من أحدهم ذكرته وقد أؤيده بأقوال من جاء بعدهم، وإلا عرجت على
أحكام المتأخرين.
3- شرحت الغامض من كلماته، وبينت المراد من مصطلحاته، كما ضبطت بالشكل كل
ما يحتاج إلى ضبط.
4- نقلت ترجيحات الشيخ السعدي الفقهية من كتبه الأخرى، مما رأيته مهمًا
للقارئ، سواء كانت تلك الترجيحات زيادة على ما في هذا الكتاب، أو تأكيدًا
لما فيه، أو مخالفة للقول الذي اختاره الشيخ في هذا الكتاب، وأهم كتب الشيخ
التي اعتمدتُ عليها في نقل آرائه واختياراته:
أ- المختارات الجلية في المسائل الفقهية، وهو استدراكات من الشيخ على
المسائل المرجوحة في كتاب: الروض المربع، أكثر كتب المذهب الحنبلي تداولاً
بين الطلبة.
(1/8)
ب- نور البصائر والألباب في أحكام العبادات
والمعاملات والحقوق والآداب، ألَّفه الشيخ عام 1374هـ، ولم يطبع إلا عام
1420هـ، بتحقيق الدكتور: خالد بن عثمان السبت.
جـ- إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب،
بطريق مرتب على السؤال والجواب.
د- القواعد والأصول الجامعة، والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.
5- رقمت المسائل، وبدأت كل مسالة بسطر جديد، تيسيرًا للفهم، وإعانة على
القراءة والتعليق لمن استشرح الكتاب، أو أراد تدوين الفوائد والشوارد عليه،
وإذا وضعت للحديث رقمًا مستقلًا فإن هذا يعني أن الحديث ليس دليلًا لمسألة
سابقة أو حكم متقدم، أما إذا وضعت أمامه نجمة فيعني أن الحديث دليل لمسألة
متقدمة على عادة المؤلف في جمع الأدلة أحيانًا في آخر الفصل.
6- عنونت لما أغفل المؤلف وضع عنوان له، قصدًا للبيان عن مضامين الكتاب
بأيسر الأسباب، وجعلت تلك العناوين بين مركنين [] .
7- ترجمت للمؤلف ترجمة وسيطة؛ لا مختصرة ولا بسيطة.
وقد بذلت جهدي، فإن أصبت فمن الله وحده، وإن
(1/9)
أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله أسأل أن
يتوب علي ويتجاوز عني، ورجائي ممن رأي فيه نقصًا أو عيبًا أن يبلغني به،
ويرشدني إليه، وله مني جزيل الشكر وخالص الدعاء.
وختامًا: أتوجه بالشكر لله العلي القدير الذي مكنني من القيام بهذا العمل،
وأعانني عليه، له الحمد أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.
ثم أثني بالشكر لكل من قدم لي عونًا على إخراج هذا الكتاب، وأخص بالذكر
منهم الأخ: موسى بن يوسف بن عيسى، حيث أعانني على المقابلة بين المخطوطتين،
والأخ: محمد صلاح صالح، والأخ: وليد الغامدي، وشقيقي علي، حيث تكرموا
بإبداء ملاحظات مهمة، كانت محل الاستحسان والعناية، كما لا أنسى الجهد الذي
بذلته أم عبد الله لخدمة هذا العمل، فجزاهم الله جميعًا عني كل خير، وأجزل
لهم المثوبة.
اللهم اجعل عملي لوجهك خالصًا، ولعبادك نافعًا، ولي قربة وذخرًا، يا حي يا
قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الخضيري
ص. ب/ 360398، الرياض/ 11313.
E mail: mkh @ islamway. net
E mail: moakha @ hotmail. com
(1/10)
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة المؤلف: اسمه ونسبه:
هو أبو عبد الله، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي،
من نواصر بني تميم.
نشأته:
ولد في عنيزة 1: 1307/1/12، وتوفيت والدته وعمره أربع سنين، ثم توفي والده
وعمره سبع سنوات، فنشأ يتيم الأبوين، وكفلته زوجة والده، وأحبته كثيرًا،
فلما شب صار في بيت أخيه الأكبر: حمد، الذي دفع به إلى حلقات العلم، وكفاه
مئونة العيش. أما والده فقد كان حافظًا للقرآن، محبًّا للعلم وأهله،
مشهورًا بالبذل والإحسان، وكان يقرأ على الناس الكتب النافعة أدبار
الصلوات، وينوب عن إمام المسجد وخطيبه، وأما أمه فهي من آل عثيمين، من
الوهبة.
نشأ الشيخ نشأة صالحة، فحفظ القرآن ولم يتجاوز الثانية
__________
1 جميع التواريخ المذكورة إنما هي بالتاريخ الهجري القمري، وهو الأصل عند
المسلمين، ولذا لم نضع رمز "هـ" عُقَيب العام.
(1/11)
عشرة من عمره، ثم انصرف إلى طلب العلم
وتحصيله بهمة عالية على شيوخ بلده وغيرهم ممن وفدوا إليها، ومن أبرزهم.
1- إبراهيم بن حمد بن جاسر ت 1338.
2- إبراهيم بن صالح بن عيسى ت 1343.
3- صالح بن عثمان القاضي ت 1351.
4- صعب بن عبد الله التويجري ت 1339.
5- عبد الله بن عايض العويضي الحربي ت 1322.
6- علي بن محمد السناني ت 1339.
7 - علي بن ناصر أبو وادي ت 1361.
8- محمد الأمين محمود الشنقيطي ت 1351.
9- محمد بن عبد العزيز بن مانع ت 1385.
10- محمد بن عبد الكريم الشبل ت 1343.
وقد أعجب به مشايخه؛ لذكائه ونبله واستقامته، وحرصه على الطلب، وسمو
أخلاقه، وكان يحفظ كثيرًا من المتون عن ظهر قلب، وإذا استشهد بها لم يعنته
الاستشهاد، يهذها هذًّا؛ لأنه كان يتعاهدها دائمًا، وقد تأثر الشيخ كثيرًا
بمدرسة الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، فقرأ كتبهما،
ولخصها، وشرحها، وحث الطلاب على قراءتها، وبَدَا أثر تتلمذه على مؤلفاتهما
واضحًا في كلامه واختياراته الفقهية، وطريقة استنباطه، وتحرره من ربقة
التقليد، وحرصه على اتباع الدليل.
(1/12)
أعماله وتعليمه:
لما ظهر نبوغ الشيخ وهو في رَيعَانِ الشباب صار أقرانه يرجعون إليه،
ويستفيدون منه، ولما بلغ الثالثة والعشرين من عمره جلس للتدريس مع عدم
انقطاعه عن الطلب، ومن عام 1350 هـ، صار مرجع الناس في بلده في التدريس
والفُتْيَا، وأصبح عليه المعول في أخذ العلوم، ومن تلاميذه:
1- إبراهيم بن عبد العزيز الغرير ت 1401.
2- إبراهيم بن محمد العامود ت 1394.
3- حمد بن إبراهيم القاضي ت 1395.
4- حمد بن محمد البسام.
5- حمد بن محمد المرزوقي.
6- سليمان بن إبراهيم البسام ت 1377.
7- سليمان بن محمد الشبل ت 1386.
8- صالح بن عبد الله الزغيبي، إمام المسجد النبوي ت 1372.
9- عبد العزيز بن على بن مساعد ت 1411.
10- عبد العزيز بن محمد السلمان، صاحب المؤلفات المشهورة ت 1422.
11- عبد الله بن عبد الرحمن البسام، عضو هيئة كبار العلماء، ومجمع الفقه
الإسلامي.
(1/13)
12- عبد الله بن عبد العزيز الخضيري ت
1393.
13- عبد الله بن عبد العزيز العقيل، عضو مجلس القضاء الأعلى سابقًا.
14- علي بن حمد الصالحي ت 1415.
15- علي بن زامل آل سليم ت 1418.
16- محمد بن سليمان البسام.
17- محمد بن صالح الخزيم ت 1394.
18- محمد بن صالح العثيمين، أشهر تلاميذ الشيخ، وعضو هيئة كبار العلماء ت
1421.
19- محمد بن عبد العزيز المطوع ت 1387.
20- محمد بن عثمان القاضي.
21- محمد بن منصور الزامل ت 1413.
وغيرهم كثير، رحم الله الميت، ومتع ونفع بالحي، ومع هذه المهمة الأساسية
كان يقوم بأعمال جمة: كإمامة الجامع، والفتيا، وكتابة الوثائق، وتحرير
الأوقاف والوصايا، وعقود الأنكحة، وكان مستشارًا أمينًا لكل من استشاره
واستنصحه، ولم يكن يأخذ على شيء مما كان يعمله شيئًا من حطام الدنيا، كما
كان أحد المساهمين في تأسيس المكتبة الوطنية بعنيزة عام 1359، وتأمين
المراجع العلمية؛ لتكون في متناول الطلبة، كما قام بالإشراف على المعهد
العلمي بعنيزة لما افتتح عام
(1/14)
1373، وقد عين له راتب شهري مقابل إشرافه،
فتركه الشيخ احتسابًا، كما عُرِضَ عليه القضاء عام 1360، فامتنع تورعًا
وحرصًا على عدم الالتزام بعمل رسمي يشغله عن العلم والتعليم، وكرر عليه
العرض مرارًا فلم يقبل.
أما عن تنظيمه لوقته، فقد كان يجلس أربع جلسات في اليوم، حيث كان يصلي
الفجر بالناس، ثم يجلس لأداء الدرس حتى تطلع الشمس، ويذهب بعد ذلك إلى بيته
حتى ارتفاع الضحى، ثم يعود إلى المسجد ليُدَرِّسَ للطلبة فنونًا متنوعة على
ترتيبٍ اختاره الشيخ، ويستمر حتى صلاة الظهر، فيصلي بالناس، ثم يعود إلى
بيته إلى صلاة العصر، وبعد صلاة العصر يلقي درسًا في بعض ما يهم الناس
معرفته من دينهم في بضع دقائق، وبعد صلاة المغرب يلقي على طلابه درسًا حتى
يصلي العشاء، وذلك كل يوم.
وكان من هديه مع طلابه أنه يستشيرهم في الكتاب الذي يريدون قراءته، ويعقد
المناظرات بينهم لإحياء التنافس في الطلب، وترسيخ المسائل في الذهن، ويطرح
عليهم المسائل؛ ليستخرج منهم الجواب، وأحيانًا يتعمد تغليط نفسه؛ ليعرف
المنتبه والفاهم من بين الحضور، وقد يصور المسألة الخلافية بين الطالبين،
كل واحد يتبنى قولًا ويدافع عنه، ثم يرجح الشيخ القول الصحيح بالدليل أو
التعليل، وكان كثيرًا ما يطلب
(1/15)
من التلاميذ إعادة ما فهموه من الدرس، ولم
يكن يغفل في بداية الدرس مناقشة الطلبة فيما أخذوه في الدرس السابق، مما
يدفعهم إلى الاستذكار والمراجعة.
وكان -رحمه الله- يخصِّص المكافآت لهم؛ تشجيعًا على طلب العلم، وإعانةً لهم
على العيش.
صفاته الخَلْقية والخُلُقِية:
كان الشيخ قصير القامة، ممتلئ الجسم، أبيض اللون، مشربًا بالحمرة، مدور
الوجه، طلقه، كث اللحية بيضاء، قد ابيضت مع رأسه وهو صغير، ووجهه حسن، عليه
نور في غاية الحسن، وصفاء اللون.
أما أخلاقه فكان آية في مكارم الأخلاق، أوفى فيها على الغاية، وله اليد
الطولى -بفضل الله- في كل سجية، لا يكاد يشق له غبار في هذا الميدان، مع ما
أوتيه من التواضع الجم للصغير والكبير، والقريب والبعيد، والزهد في الدنيا،
والإعراض عنها مع إقبالها إليه، عرضت عليه المناصب فأباها، وأقبلت عليه
الدنيا فنفاها، وكان -رحمه الله- كثير الحج، عفيفًا، عزيز النفس مع قلة ذات
يده، يسلم على الصغير والكبير، يجيب الدعوة، ويعود المرضى، ويشيع الجنائز،
تستوقفه العجوز والطفل الصغير فيقضي حوائجهم، ويجيب مسائلهم،
(1/16)
وكان يكلم كل إنسان بما يصلحه ويصلح له،
أوتي قدرة على حل المعضلات التي تحل بالناس بيسر وسهولة، وعلى فضِّ
المنازعات بذكاء وحنكة.
قال تلميذه الشيخ عبد الله البسام، له أخلاق أرق من النسيم، وأعذب من
السلسبيل، لا يعاتب على الهفوة، ولا يؤاخذ بالجفوة، يتودد ويتحبب إلي
البعيد والقريب، يقابل بالبشاشة، ويحيي بالطلاقة، ويعاشر بالحسنى، ويجالس
بالمنادمة، ويجاذب أطراف الحديث بالأنس والود، ويعطف على الفقير والصغير،
ويبذل طاقته ووسعه، ويساعد بماله وجاهه وعلمه ورأيه ومشورته ونصحه، بلسان
صادق، وقلب خالص، وسر مكتوم.
كما كان جريئًا في الحق، ناصحًا للخلق، لا تأخذه في الله لومة لائم، نحسبه
كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدًا.
وقد مدحه واصفوه بقوة الحافظة، وسرعة الاستحضار، ودقة الاستنباط، وسهولة
المأخذ، وصفاء القريحة، وحضور البديهة، وحسن الصوت، مما جعل لأحاديثه
ومحاوراته وقعًا في قلوب الخلق، حملهم على محبته والثقة به، ومن قرأ كتبه
عرف أن وراءها فحلًا من فحول العلم.
(1/17)
وكان من شدة حرصه على نفع الخلق، ونشر
العلم، ودعوة الناس، يكثر الاجتماع بالناس، لا ينقطع عن زيارتهم في بيوتهم،
ومشاركتهم في مناسباتهم، مع دعابة لا تسقط من حرمته، ولا تخل بوقاره، مع ما
كان عليه من شدة الحب والرحمة للفقراء، خصوصًا من طلاب العلم؛ حرصًا منه
على تفريغهم له، وقطع ما يشغلهم عنه، من الكسب والكد.
وكان يستمع إلى نصح الناس واقتراحاتهم، ويأخذها مأخذ الجد، ويتقبلها بصدر
رحب، جاءه أحد الصالحين فأشار عليه بأن يضع مكبر صوتٍ في المسجد؛ ليسمع
الناس النداء والخطبة بلا عناء، وبين له فوائد هذا الصنيع، فشرح الله صدر
الشيخ، وشكر الناصح، ووعده أن يتم ما اقترحه خلال الأسبوع، فكان الشيخ أول
من أدخل هذا الجهاز إلي مساجد بلده.
يقر له بالفضل من كان منصفًا ... إذا قال قولًا كان بالقول أمثلا
وقد حُدِّثْتُ أن أحد تلاميذه رآه بعد موته، فسأله عما صنع الله به، فبشر
بخير. قال التلميذ: بم نلت ذلك؟ فقال: بحسن الخلق، فهنيئًا له، فليس في
ميزان المؤمن شيء أثقل يوم القيامة من حسن الخلق، كما أخبر النبى صلى الله
عليه وسلم.
(1/18)
مؤلفاته:
عنى الشيخ بالتأليف، وتقريب العلوم للعامة والخاصة، وقد أُلِينَت له
الكتابة، وذُلِّلَ له التصنيف، فلم يكن متكلفًا في هديه كله، ولا في
تآليفه، ومن طالع كتبه تعجب من سهولة عبارته، وقرب مأخذه، وفخامة المعاني
التي يحوم حولها، ويريد تقريرها، ولم يشغل نفسه في شيء من فضول العلم
وزغله، مما لا يحتاج إليه في فهم الإسلام، والسير إلى الملك العلام، وقد
نَيَّفَت مؤلفاته على الأربعين كتابًا، ما بين كبير في مجلدات، وصغير في
ورقات، ومن أهمها:
1- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، أشهر كتب الشيخ، وقد كتبه
قبل بلوغه الأربعين، ويقع في ثمانية مجلدات، وطبع مؤخرًا في مجلد واحد،
بتحقيق الدكتور: عبد الرحمن اللويحق.
2- القواعد الحسان لتفسير القرآن.
3- تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، وهذه الثلاثة في التفسير.
4- بهجة قلوب الأبرار، وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، وهو في
الحديث.
5- القول السديد في مقاصد التوحيد.
6- سؤال وجواب في أهم المهمات.
(1/19)
7- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
8- الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية.
9- الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية
الشافية.
وهذه الخمسة كلها في العقيدة.
10- منهج السالكين وتوضيخ الفقه في الدين، وهو كتابنا هذا.
11- المختارات الجلية في المسائل الفقهية.
12- الإرشاد إلي معرفة الأحكام.
13- المناظرات الفقهية.
14- نور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات والحقوق والآداب،
بتحقيق: د. خالد السبت.
وهذه كلها في الفقه.
15- القواعد والأصول الجامعة، والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.
16- رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة.
17- تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب، تحقيق: د. خالد المشيقح.
وهذه في أصول الفقه وقواعده.
(1/20)
18- الرياض الناضرة والحدائق الزاهرة في
العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.
19- الخطب المنبرية.
20- الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
وهذه كلها في محاسن الإسلام وقضايا المسلمين.
21- الفتاوي السعدية، وقد جمعت بعد وفاته.
22- طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول. ضمنه:
1015 فائدة وقاعدة وضابطًا من كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم.
23- التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد الإعراب، بتحقيق تلميذ الشيخ: محمد
بن سليمان البسام، وقد ضمنه ترجمة مفيدة لشيخه.
وكانت للشيخ عناية بالنظم والشعر، وبعض ما سبق من كتبه منظومات، وقد نيفت
منظومته في الفقه على: 400 بيت، وقد نظمها في مقتبل عمره، وله منظومة في
القواعد الفقهية في: 47 بيتًا، نظمها وهو لم يتجاوز الرابعة والعشرين من
العمر، وله أشعار جميلة، ومراثٍ مؤثرة، وأبيات طريفة.
وقد طبعت كتب الشيخ مجموعة في: 16 مجلدًا، تولى جمعها وطبعها: مركز ابن
صالح في الجمعية الصالحية بعنيزة.
(1/21)
وفاته:
أصيب الشيخ في آخر حياته بمرض ضغط الدم، فكان لابد لعلاجه من السفر خارج
البلاد، وقد أرسلت الدولة السعودية طائرة خاصة نقلته إلى بيروت، فعولج بها،
وبقي هناك قرابة الشهرين حتى شفاه الله، وذلك عام 1372، ثم عاد إلى عنيزة،
وأعاد جميع أعماله التي كان يزاولها، رغم نهي الأطباء له عن الإجهاد، مما
كان له أثر على معاودة الضغط.
وفي ليلة الأربعاء 1376/6/22 بعد أن صلى العشاء في الجامع الكبير في عنيزة،
وبعد أن أملى الدرس المعتاد على جماعة المسجد، أحس بثقل وضعف حركة، فأشار
إلى أحد تلاميذه بأن يمسك بيده ويذهب به إلى بيته، ففعل لكنه أغمي عليه
فَورَ وصوله البيت، ثم أفاق وطمأن الحاضرين على صحته، ثم عاد إليه الإغماء
فلم يتكلم بعدها حتى مات، وفي الصباح دعوا له الطبيب، فقرر أن نزيفًا في
المخ قد حصل له، فأبرقوا لولي العهد، فأصدر أمرًا بإسعافه بالطائرة، لكن
حال دون نزولها السحاب الكثيف والمطر الغزير، وعادت مرة أخرى صبيحة الخميس
لعلها تتمكن من الهبوط، لكنها تلقت نبأ وفاته وهي في الجو فعادت أدراجها.
وكانت وفاته قبيل فجر الخميس 1376/6/23، عن: 69 عاماً قضاها في العلم
والتعليم والدعوة والتأليف والتوجيه والإرشاد.
(1/22)
وقد صلي عليه بعد ظهر ذلك اليوم، صلاة لم
تشهد عنيزة لها مثيلًا من قبل، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الفردوس
الأعلى من جناته.
وقد رثي بمراثٍ كثيرة، وتركت وفاته فراغًا هائلًا في نفوس أهل بلده وفي
نفوس المسلمين، وعرف الناس بموته كم هي الأعمال التي كان يقوم بها،
والأعباء التي كان يتحملها، وصدقات السر التي كان يتعاهد بها فقراء بلده،
فلله دَرُّهُ ما أعظم أثره على الناس، وما أحسن خبره فيهم.
ما مات من نشر الفضيلة والتقى ... وأقام صرحًا أُسُّهُ لا يكسر1
__________
1 هذه الترجمة ملخصة من ترجمة الدكتور عبد الله الطيار التي دَبَّجَ بها
كتابه: "فقه الشيخ السعدي" ومن مقدمة الشيخ محمد بن سليمان البسام لكتاب:
"التعليق وكشف النقاب" مع زيادات أخرى، وللاستزادة ينظر في ترجمته: "علماء
نجد" "422/2" و"روضة الناظرين" "220/1" وكتاب "سيرة العلامة السعدي" ومقال
للعدوي في مجلة الجامعة الإسلامية، السنة الحادية عشرة، العدد الرابع، ص:
205، ومشاهير علماء نجد، ص: 396، ودراسات مفصلة عن السعدي، مقالات للدكتور
عبد الله بن محمد الرميان في جريدة الجزيرة، أعداد شهر شوال 1421، ومقدمات
مؤلفات الشيخ، ففيها تراجم مختلفة من طلابه ومحبيه.
(1/23)
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين1
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا،
وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ،
وَمَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَّى اَللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ،
فَهَذَا كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ فِي اَلْفِقْهِ، جَمَعْتُ فِيهِ بَيْنَ
اَلْمَسَائِلِ وَالدَّلَائِلِ، (وَاقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى أَهُمِّ
اَلْأُمُورِ، وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا؛ لِشِدَّةِ اَلضَّرُورَةِ إِلَى هَذَا
اَلْمَوْضُوعِ، وَكَثِيرًا مَا أَقْتَصِرُ عَلَى اَلنَّصِّ إِذَا كَانَ
اَلْحُكْمُ فِيهِ وَاضِحًا؛ لسهولة حفظه وفهمه على المبتدئين) 2؛ لِأَنَّ
العلمَ معرفةُ اَلْحَقِّ بِدَلِيلِهِ.
وَالْفِقْهَ: مَعْرِفَةُ اَلْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَّةِ اَلْفَرْعِيَّةِ
بِأَدِلَّتِهَا مِنْ اَلْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ،
وَالْقِيَاسِ اَلصَّحِيحِ، وَأَقْتَصِرُ عَلَى اَلْأَدِلَّةِ
اَلْمَشْهُورَةِ؛ خَوْفًا مِنْ اَلتَّطْوِيلِ، (وَإِذَا كَانَتِ
اَلْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةً، اِقْتَصَرْتُ عَلَى اَلْقَوْلِ اَلَّذِي
تَرْجَّحَ عِنْدِي، تَبَعًا للأدلة الشرعية)
__________
1 زيادة من "ب".
2 ليست في "ب، ط".
3 زيادة من "ب".
(1/29)
1- الأحكام خمسة1:
أ- اَلْوَاجِبُ: وَهُوَ مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ، وَعُوقِبَ تَارِكُه2.
ب- والحرام: ضده.
ج- وَالْمَكْرُوهُ3: مَا أُثِيبَ تَارِكُهُ، وَلَمْ يُعَاقَبْ فَاعِلُهُ.
د- والمسنون: ضده.
هـ- وَالْمُبَاحُ: وَهُوَ اَلَّذِي فِعْلُهُ وتَرْكُهُ عَلَى حدٍ سواء.
2- ويجب على المكلف أن يتعلم منه4 كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي
عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ وَغَيْرِهَا. قَالَ صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" 5. متفق عليه.
__________
1 عرف المؤلف الأحكام ببيان حكمها وهو ما يسميه الأصوليون "التعريف بالرسم"
والتعريف المنضبط عندهم تعريفه بالحد وهو بيان حقيقة الشيء وماهيته،
فيقولون في تعريف الواجب: ما طلب الشارع فعله جازما. والمندوب: ما طلب
الشارع فعله طلبا غير جازم، والمحرم: ما طلب الشارع تركه طلبا جازما،
والمكروه: ما طلب الشارع تركه طلبا غير جازم، والمباح: ما لا يتعلق به أمر
ولا نهي لذاته.
2 قوله: "ما أثيب فاعله" ليس على إطلاقه بل لابد أن يقيد بالامتثال، فيقال:
ما أثيب فاعله امتثالاً؛ لأن من فعل الواجب على غير وجه الامتثال كالمنافق
لا يثاب، وقوله: "وعوقب تاركه" ليس على إطلاقه، بل ينبغي أن يقال: ويستحق
العقاب تاركه؛ لأنه قد يترك الواجب ولا يعاقب؛ لقوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: من الآية: 116] وقس بقية التعريفات
للأحكام على هذا.
3 في "ب" والمطبوع: عرَّف المسنون ثم قال: والمكروه: ضده.
4 في المطبوع: من الفقه.
5 أخرجه البخاري "164/1".
(1/30)
|