منهج
السالكين وتوضيح الفقة في الدين كتاب الحج وحديث جَابِرٍ فِي صِفَةُ حَجِّ
اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
مدخل
...
كِتَابُ الحَجِّ
269- والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] 1.
270- وَالِاسْتِطَاعَةُ أَعْظَمُ شُرُوطِهِ، وَهِيَ مِلْكُ اَلزَّادِ
وَالرَّاحِلَةِ، بَعْدَ ضَرُورَاتِ اَلْإِنْسَانِ وَحَوَائِجِهِ
اَلْأَصْلِيَّةِ.
271- وَمِنْ اَلِاسْتِطَاعَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ إِذَا
اِحْتَاجَ لِسَفَرٍ2.
272- وَحَدِيثُ جَابِرٍ3 فِي حَجِّ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يشتمل
على أعظم
__________
1 فائدة: قرر الشيخ، أن العبد إذا حج بعد بلوغه وقبل حريته، أن حجته هي حجة
الإسلام، ولا يلزمه إعادتها بعد حريته. كما قرر الشيخ أن النائب في الحج لا
يلزمه أن يكون من بلد المنوب عنه. "المختارات الجلية، ص: 64".
2 في "ط": "احتاجت"، وفي "ب، ط": "إلى سفر".
3 في نسخة "أ" ما نصه: وقد ذكر في الأصل المنقول منه هذا، حديث جابر بكماله
الذي رواه مسلم، وهو يشتمل على معظم أحكام الحج فليرجع إليه. اهـ. ولم يذكر
حديث جابر، وهذا يبين أن النسخة التي بأيدينا قد نقلها الشيخ -رحمه الله-
بِخَطِّهِ عن نسخة سابقة، هي أصل الكتاب.
(1/117)
أَحْكَامِ اَلْحَجِّ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ1 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا،
1- أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَكَثَ فِي اَلْمَدِينَةِ
تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي اَلنَّاسِ فِي
اَلْعَاشِرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ حَاجٌّ، فَقَدِمَ اَلْمَدِينَةَ
بَشَرٌ كَثِيرٌ (كُلُّهُمْ يلتمس أن يأتم الناس بِرَسُولِ اَللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- وَيَعْمَلُ مثله) 2.
2- فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا: ذَا الْحُلَيْفَةِ،
فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ،
فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ أَصْنَعُ؟
قَالَ: "اِغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي3 بثوب، وأحرمي".
__________
1 مسلم "1218". قال النووي "170/8" عن هذا الحديث: "وهو حديث عظيم، مشتمل
على جمل من الفوائد، ونفائس من مهمات القواعد، وهو من أفراد مسلم، لم يروه
البخاري في صحيحه، ورواه أبو داود كرواية مسلم، قال القاضي: وقد تكلم الناس
على ما فيه من الفقه وأكثروا، وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا، وخرج
فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا، ولو تقصّى لزيد على هذا القدر قريب
منه ... ".
2 ليست في: "ب".
3 استثفار المرأة، أن تشد على وسطها شيئا، ثم تأخذ خرقة عريضة تجعلها في
محل الدم، وتشدها من ورائها وقدامها؛ ليمنع الخارج، وفي معناها: الحفائظ
الآن. "توضيح الأحكام: للبسام، 322/3".
(1/118)
3- (فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فِي اَلْمَسْجِدِ) 1، ثُمَّ رَكِبَ اَلْقَصْوَاءَ2 حَتَّى إِذَا اِسْتَوَتْ
بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى اَلْبَيْدَاءِ3 أهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: "لَبَّيْكَ4
اَللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ
اَلْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ".
4- وأهلَّ5 اَلنَّاسُ بِهَذَا اَلَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ
رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ،
5- وَلَزِمَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَلْبِيَتَهُ.
6- قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا اَلْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ
اَلْعُمْرَةَ.
7- حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا اَلْبَيْتَ مَعَهُ اِسْتَلَمَ الركن،
8- فطاف سبعًا6،
__________
1 ليست في: "ط".
2 اسم لناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكرت باسم العضباء والجدعاء.
وقيل: وهي التي هاجر عليها.
3- البيداء: الفلاة، جمعها: بِيد.
4- لبيك، أي: إجابة لك بعد إجابة، وإقامة على طاعتك دائمة، والتثنية
للتأكيد والتكثير.
5- الإهلال: رفع الصوت بالتلبية.
6- في هامش "ب" ليس في مسلم "فطاف سبعا" وما بعدها يغني عنها.
(1/119)
9- فرمل ثلاثًا1، ومشى أربعًا،
10- ثُمَّ نَفَذَ2 إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا
مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} [اَلْبَقَرَةِ: 125] .
11- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجَعَلَ اَلْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اَلْبَيْتِ.
12- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ} {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
13- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى اَلرُّكْنِ وَاسْتَلَمَهُ،
14- ثُمَّ خَرَجَ مِنْ اَلْبَابِ إِلَى اَلصَّفَا،
15- فَلَمَّا دَنَا مِنْ اَلصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ
مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [اَلْبَقَرَةِ: 158] .
16- فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى اَلْبَيْتَ،
17- فَاسْتَقْبَلَ اَلْقِبْلَةَ،
18- فَوَحَّدَ الله وكبره، قال: "لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، لَهُ اَلْمُلْكُ وَلَهُ اَلْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ،
وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ اَلْأَحْزَابَ وَحْدَهُ". ثُمَّ دَعَا بَيْنَ
ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هذا ثلاث مرات.
__________
1 الرمل: الإسراع في المشي مع مقاربة الْخُطا.
2 في "ب": "تقدم".
(1/120)
19- ثم نزل ومشي إلى المروة،
20- حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى،
21- حتى إذا صعدتا مشى،
22- حَتَّى أَتَى اَلْمَرْوَةَ1، فَفَعَلَ عَلَى اَلْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ
عَلَى اَلصَّفَا،
23- حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى اَلْمَرْوَةِ، فَقَالَ:
"لَوْ أَنِّي اِسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ
اَلْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ
هدي فليحل وليجعلها عمرة".
24- فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اَللَّهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اَللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم- أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي اَلْأُخْرَى، وَقَالَ:
"دَخَلَتْ اَلْعُمْرَةُ فِي اَلْحَجِّ -مَرَّتَيْنِ- لَا، بَلْ لِأَبَدِ
أَبَدٍ".
25- وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ اَلْيَمَنِ بِبُدْنِ اَلنَّبِيِّ2 صلى الله عليه
وسلم (فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ، وليست ثيابًا3 صبيغًا واكتحلت،
__________
1 ذكر في هامش "ب": في الأصل مكان هذه الزيادة: "فنادى وهو على المروة
والناس تحته" ولا أصل لها في مسلم ولا في غيره.
2 في المطبوع "للنبي"، والمثبت من مسلم، ونسخة "ب".
3 ليست في المطبوع، وأثبته من مسلم.
(1/121)
فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني
بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- محرشًا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيًا لرسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت عليها، فقال: "صَدَقَتْ،
صَدَقَتْ) 1، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ اَلْحَجَّ؟ " قَالَ: قُلْتُ:
اَللَّهُمَّ إِنِّي أهلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: فَإِنَّ
مَعِيَ اَلْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ.
26- قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ اَلْهَدْيِ اَلَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ
مِنْ اَلْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-
مِائَةً.
27- قَالَ: فَحَلَّ اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقَصَّرُوا، إِلَّا اَلنَّبِيَّ
-صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ.
28- فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ اَلتَّرْوِيَةِ2 تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى،
29- فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ.
30- وَرَكِبَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى بِهَا اَلظُّهْرَ
وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ،
31- ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ اَلشَّمْسُ،
__________
1 ليست هذه القطعة من الحديث مذكورة في نسخة "ب" وهي في "ط".
2 هو اليوم الثامن من ذي الحجة.
(1/122)
32- وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مَنْ شَعَرٍ
تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ1، فَسَارَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
وَلَا تَشُكَّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ اَلْمَشْعَرِ
اَلْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ،
فَأَجَازَ2 رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ،
فَوَجَدَ اَلْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا،
33- حَتَّى إِذَا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له،
34- فَأَتَى بَطْنَ اَلْوَادِي3 فَخَطَبَ اَلنَّاسَ: وَقَالَ: "إِنَّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ
هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ
مِنْ أَمْرِ اَلْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ
اَلْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ
دِمَائِنَا: دَمُ اِبْنِ رَبِيعَةَ بْنِ اَلْحَارِثِ -كَانَ مُسْتَرْضِعًا
فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ- وَرِبَا اَلْجَاهِلِيَّةِ
مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنَ
عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اَللَّهَ
فِي اَلنِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اَللَّهِ،
وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله، ولكم عليهم ألا يوطئن
فرشكم
__________
1 موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات.
2 أي: جاوز المزدلفة ولم يقف بها، بل توجه إلى عرفات.
3 أي: وادي عُرَنة، يحد عرفة من الجهة الغربية، وليس من عرفة.
(1/123)
أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ
ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا
لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اِعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اَللَّهِ.
وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ " قَالُوا:
نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ، فَقَالَ
بِإِصْبُعِهِ اَلسَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى اَلسَّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا1
إِلَى اَلنَّاسِ: "اَللَّهُمَّ اشهد، اللهم اشهد"، ثلاث مرات،
35- ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى اَلظُّهْرَ، ثُمَّ
أَقَامَ فَصَلَّى اَلْعَصْرَ،
36- وَلَمْ يصلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
37- ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى اَلْمَوْقِفَ،
38- فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ اَلْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ2،
وَجَعَلَ حَبْلَ المشاة3 بين يديه، واستقبل القبلة،
__________
1 في "ط" وكذلك في مسلم: "ينكتها". وقد بيَّن الشراح أن بعض الطرق وردت
بالتاء وبعضها بالباء، والباء أقرب في المعنى.
2 هي صخرات ملتصقة بالأرض، تقع خلف جبل عرفات، فهي عنه شرقا، فالواقف عندها
يستقبل الجبل "جبل الإل" الذي يسميه العامة "جبل الرحمة" والقبلة معا.
3 حبل المشاة بالحاء، هو الطريق الذي يسلكه المشاة، ويكون هذا الحبل أمام
الواقف على الصخرات وبين يديه.
(1/124)
39- فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت
الصفرة قليلًا حتى غاب القرص،
40- وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ
شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ اَلزِّمَامَ1، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا يصيب مَوْرِكَ
رَحْلِهِ2،
41- وَيَقُولُ بِيَدِهِ اَلْيُمْنَى: "أَيُّهَا اَلنَّاسُ، اَلسَّكِينَةَ،
اَلسَّكِينَةَ"، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا3 مِنْ اَلْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا
قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ،
42- حَتَّى أَتَى اَلْمُزْدَلِفَةَ،
43- فَصَلَّى بِهَا اَلْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ
وَإِقَامَتَيْنِ،
44- وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا،
45- ثُمَّ اِضْطَجَعَ حتى طلع الفجر4،
__________
1 شنق: ضمَّ وضيق، والزمام: هو الخيط الذي يشد إلى الحلقة التي في أنف
البعير ليقاد به ويمنع به.
2 المورك: الموضع من الرحل يجعل عليها الراكب رجله، والرحل: ما يوضع على
ظهر البعير للركوب.
3 الحبل: بالحاء، التل اللطيف من الرمل الضخم.
4 صوَّب الشيخ: أنه لا يجوز الدفع من مزدلفة قبل الفجر، إلا لأهل العذر،
فيرخص لهم قبيل الفجر. "المختارات الجلية، ص: 65".
(1/125)
46- وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان
وإقامة،
47- ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام،
48- فاستقبل القبلة،
49- فدعاه، وكبرَّه، وهَلَّلَهُ، ووحده،
50- فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا،
51- فدفع قبل أن تطلع الشمس،
52- وَأَرْدَفَ اَلْفَضْلَ بْنَ اَلْعَبَّاسِ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ
مُحَسِّر1، فَحَرَّكَ قَلِيلًا،
53- ثُمَّ سَلَكَ اَلطَّرِيقَ اَلْوُسْطَى اَلَّتِي تَخْرُجُ عَلَى
اَلْجَمْرَةِ اَلْكُبْرَى،
54- حَتَّى أَتَى اَلْجَمْرَةَ اَلَّتِي عِنْدَ اَلشَّجَرَةِ2، فَرَمَاهَا
بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ3،
55- يكبر مع كل حصاة منها،
__________
1 مُحَسِّر: وادٍ يقع بين مزدلفة ومنى، أسرع النبي -صلى الله عليه وسلم-
فيه، فكان الإسراع فيه سُنَّة.
2 كانت عند الجمرة الكبرى -جمرة العقبة- شجرة، لكنها أزيلت قديما.
3 بيَّن الشيخ أن الصواب، أن الرامي يستقبل الجمرة وقت الرمي؛ لفعل النبي
-صلى الله عليه وسلم- فيجعل البيت عن يساره، ومِنَىً عن يمينه في جمرة
العقبة والوسطى، والبيت عن يمينه ومنى عن يساره في الجمرة الصغرى.
"المختارات الجلية، ص: 66".
(1/126)
56- مثل حصى الْخَذْف،
57- رمى من بطن الوادي،
58- ثم انصرف إلى المنحر،
59- فنحر ثلاثًا وستين بيده،
60- ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه،
61- ثم أمر من كل بُدنة بِبَضْعة، فجعلت في قدر، وطبخت، فأكلا من لحمها،
وشربا من مرقها.
62- ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَأَفَاضَ إِلَى اَلْبَيْتِ1،
63- فَصَلَّى بِمَكَّةَ اَلظُّهْرَ،
64- فَأَتَى بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ،
فَقَالَ: "اِنْزِعُوا بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ
يَغْلِبَكُمْ اَلنَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ،
فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ2.
273- وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ اَلْمَنَاسِكَ، وَيَقُولُ
لِلنَّاسِ: "خُذُوا عني مناسككم" 3.
__________
1 ردَّ الشيخ على القائلين بجواز تأخير طواف الإفاضة عن أيام منى
"المختارات، ص: 65".
2 أخرجه مسلم "1218". وقد اختصره الشيخ هنا.
3 رواه أحمد "318/3، 332، 337، 367"، ومسلم "1297"، وغيرهما.
(1/127)
فَأَكْمَلُ مَا يَكُونُ مِنْ اَلْحَجِّ:
اَلِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ وَأَصْحَابِهِ،
رَضِيَ الله عنهم.
(1/128)
أَرْكَانُ اَلْحَجِّ وَوَاجِبَاتُهُ
...
274- وَلَوْ اِقْتَصَرَ اَلْحَاجُّ عَلَى:
أ- اَلْأَرْكَانِ اَلْأَرْبَعَةِ اَلَّتِي هِيَ:
1- اَلْإِحْرَامُ،
2- وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ،
3- وَالطَّوَافُ،
4- وَالسَّعْيُ.
ب- وَالْوَاجِبَاتِ اَلَّتِي هِيَ:
1- اَلْإِحْرَامُ مِنْ اَلْمِيقَاتِ،
2- وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إِلَى اَلْغُرُوبِ،
3- وَالْمَبِيتُ لَيْلَةَ اَلنَّحْرِ بِمُزْدَلِفَةَ1،
4- وَلَيَالِي أَيَّامِ اَلتَّشْرِيقِ بِمِنًى،
5- وَرَمْيُ اَلْجِمَارِ،
6- وَالْحَلْقُ أَوْ اَلتَّقْصِيرُ2، لأَجْزَأَهُ ذَلِكَ.
275- وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِ اَلرُّكْنِ فِي اَلْحَجِّ، وترك الواجب:
__________
1 والمبيت الواجب إلى جزء من النصف الثاني من الليل. "نور البصائر، ص: 31".
2 والسابع من الواجبات: طواف الوداع. "نور البصائر، ص: 31".
(1/128)
أن تارك الركن لا يصح حجه حتى يفعله على
صفته الشرعية، وتارك الواجب، حجة صحيح، وعليه إثم، ودم لتركه.
(1/129)
أَنْسَاكُ اَلْحَجِّ
276- وَيُخَيَّرُ مَنْ يُرِيدُ اَلْإِحْرَامِ بَيْنَ اَلتَّمَتُّعِ -وَهُوَ
أَفْضَلُ- وَالْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ.
277- فَالتَّمَتُّعُ هُوَ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ
الْحَجُّ، وَيَفْرُغُ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ،
وَعَلَيْهِ دَمٌ1 إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي اَلْمَسْجِدِ
اَلْحَرَامِ.
278- وَالْإِفْرَادُ هُوَ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا2.
279- وَالْقِرَانُ:
أَ- أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا.
بِ- أَوْ يَحْرُمُ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ اَلْحَجَّ عَلَيْهَا
قَبْلَ اَلشُّرُوعِ فِي طَوَافِهَا.
280- وَيُضْطَرُّ اَلْمُتَمَتِّعِ3 إِلَى هذه الصفة4.
أ- إذا خاف فوات الوقوف بعرفة إذا اشتغل بعمرته.
__________
1 في "ط": "هدي".
2 في "ط": "من الميقات مفردا".
3 زيادة من "ب، ط".
4 أي: الصفة الثانية للقِران.
(1/129)
ب- وإذا حاضت المرأة أو نفست، وعرفت أنها
لا تطهر قبل وقت الوقوف بعرفة.
281- والْمُفْرِد والقارن فعلهما واحد، وعلى القارن هدي دون الْمُفْرِد.
(1/130)
محظورات الإحرام
282- وَيَجْتَنِبُ اَلْمُحْرِمُ وَقْتَ1 إِحْرَامِهِ2:
1- حَلْقَ اَلشَّعْرِ،
2- وَتَقْلِيمَ اَلْأَظْفَارِ،
3- وَلُبْسَ اَلْمِخْيَطِ، (إِنْ كَانَ رَجُلاً) 3،
4- وَتَغْطِيَةَ رَأْسِهِ إِنْ كَانَ رَجُلاً،
5- وَالطِّيبَ4 رَجُلاً وَاِمْرَأَةٌ،
6- وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَى اَلْمُحْرِمِ: قَتْلُ صَيْدِ اَلْبَرِّ
اَلْوَحْشِيِّ اَلْمَأْكُولِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ، وَالْإِعَانَةُ
عَلَى قَتْلِهِ.
7- وَأَعْظَمُ مَحْظُورَاتِ اَلْإِحْرَامِ: اَلْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ
مُغَلَّظٌ تَحْرِيمُهُ5، مفسد للنسك، موجب لفدية بدنة.
__________
1 في "ب، ط": ويجتنب المحرم جميع محظورات الإحرام من.
2 صحح الشيخ: أن من فعل محظورا ناسيا فلا فدية عليه، ولو كان إزالة شعر أو
ظفر، بل ولو كان صيدا. "المختارات الجلية ص 65".
3 زيادة من: "ب، ط".
4 في "ب، ط": "ومن الطيب".
5 في "ط": "تحريمه مغلظ".
(1/130)
283- وَأَمَّا فِدْيَةُ اَلْأَذَى:
إِذَا غَطَّى رَأْسَهُ، أَوْ لَبِسَ اَلْمَخِيطَ، أَوْ غَطَّتْ
اَلْمَرْأَةُ وَجْهَهَا، أَوْ لبست القفازين، أو استعمال اَلطِّيبَ،
فَيُخَيَّرُ بَيْنَ:
1- صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،
2- أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ،
3- أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ.
284- وَإِذَا قَتَلَ اَلصَّيْدَ خُيِّرَ بَيْنَ:
1- ذَبْحِ مِثْلِهِ، إِنْ كَانَ لَهُ مثلٌ مِنَ اَلنَّعَمِ.
2- وَبَيْنَ تَقْوِيمِ اَلْمِثْلِ بِمَحَلِّ اَلْإِتْلَافِ، فَيَشْتَرِي
بِهِ طَعَامًا فَيُطْعِمَهُ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ
صاعٍ مِنْ غَيْرِهِ،
3- أَوْ يَصُومُ عَنْ إِطْعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا.
285- وَأَمَّا دَمُ اَلْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَيَجِبُ فيهما ما يجزئ في
الأضحية.
286- فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي
اَلْحَجِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ اَلتَّشْرِيقِ عنها1، وسبعة
إذا رجع.
287- وكذلك حكم:
__________
1 في "ط": "منها".
(1/131)
أَ- مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا،
بِ- أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ اَلْفِدْيَةُ لِمُبَاشَرَةٍ.
288- وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعَامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إِحْرَامٍ:
فَلِمَسَاكِينِ اَلْحَرَمِ مِنْ مقيمٍ وَأُفُقِيٍّ.
289- وَيُجْزِئُ اَلصَّوْمُ بِكُلِّ مَكَانٍ.
290- وَدَمُ النسك كالمتعة والقران والهدي المستحب1 يَأْكُلُ مِنْهُ
وَيُهْدِي وَيَتَصَدَّقُ2.
291- وَالدَّمُ اَلْوَاجِبُ لِفِعْلِ اَلْمَحْظُورِ، أَوْ تَرْكِ
اَلْوَاجِبِ -وَيُسَمَّى دَمَ جُبْرَان- لَا يُأكل مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ
يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ؛ لأنه يجري مجرى الكفارات.
__________
1 في "ب، ط": "المستحب أن يأكل".
2 ضبط الشيخ ابن عقيل هذه الفقرة على هذا النحو: "دم النسك كالمتعةِ
والقرانِ والهديِ المستحبِ يأكل منه ويهدي ويتصدق".
(1/132)
شروط الطواف وأحكامه
...
292- وَشُرُوطُ اَلطَّوَافِ مُطْلَقًا:
1- اَلنِّيَّةُ،
2- وَالِابْتِدَاءُ1 بِهِ مِنْ الْحَجَر،
وَيُسَنُّ2 أَنْ يَسْتَلِمَهُ وَيُقَبِّلَهُ، فَإِنْ لَمْ يستطع أشار إليه،
__________
1 في "ب، ط": "وأن يبدأ".
2 في "ب": "وسن له". وفي "ط": "يسن له".
(1/132)
وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: (بِسْمِ
اَللَّهِ) 1، اَللَّهُ أَكْبَرُ، اَللَّهُمَّ إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا
بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
3- وَأَنْ يَجْعَلَ اَلْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ.
4- ويكمِّل اَلْأَشْوَاطَ اَلسَّبْعَةَ.
5- وَأَنْ يَتَطَهَّرَ مِنْ اَلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ.
293- وَالطِّهَارَةُ فِي سَائِرِ اَلْأَنْسَاكِ -غَيْرَ اَلطَّوَافِ-
سُنَّةٌ غير واجبة.
وَقَدْ وَرَدَ فِي اَلْحَدِيثِ: "اَلطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إِلَّا
أَنَّ اَللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ اَلْكَلَامَ" 2.
294- وَسُنَّ3:
1- أن يَضْطَبِع في طواف القدوم، بأن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن،
وطرفه على عاتقه الأيسر،
__________
1 زيادة من "ب، ط".
2 رواه الترمذي "960"، والنسائي "222/5"، والحاكم "266/2"، وقال: صحيح على
شرط الشيخين، وصححه الحافظ ابن حجر في التلخيص "138/1"، ونقل تصحيحه عن ابن
السكن وابن خزيمة وابن حبان. وصححه الألباني "الإرواء برقم 121".
3 في "ب": "ويسن"، وفي "ط": "ويسن له".
(1/133)
2- وأن يرمل في الثلاثة أشواط الأُوَل1
مِنْهُ، وَيَمْشِيَ فِي اَلْبَاقِي.
295- وَكُلُّ طَوَافٍ سِوَى هَذَا لَا يُسَنُّ فِيهِ رَمَلٌ وَلَا اضطباع.
__________
1 في "ط": "الأوائل".
(1/134)
296- وَشُرُوطُ اَلسَّعْيِ:
1- اَلنِّيَّةُ،
2- وَتَكْمِيلُ اَلسَّبْعَةِ،
3- وَالِابْتِدَاءُ مِنْ اَلصَّفَا.
297- وَالْمَشْرُوعُ، أَنْ يُكْثِرَ اَلْإِنْسَانُ فِي طَوَافِهِ
وَسَعْيِهِ وَجَمِيعِ مَنَاسِكِهِ مِنْ ذِكْرِ اَللَّهِ وَدُعَائِهِ؛
لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا جُعِلَ اَلطَّوَافُ بِالْبَيْتِ،
وَبِالصَّفَا وَاَلْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ اَلْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ
اَللَّهِ" 2.
298- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا فَتَحَ
اَللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مكةقام فِي اَلنَّاسِ، فَحَمِدَ اَللَّهَ،
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
"إِنَّ اَللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ اَلْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا
رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأحد كان قبلي، وإنما
__________
1 في "ط": "الأوائل".
2 أخرجه أحمد "64/6، 75، 139"، وأبو داود "1888"، والترمذي "902" وصححه،
والدارمي "50/2".
(1/134)
أُحِلَّتْ1 لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ،
وَإِنَّمَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي:
فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا.
وَلَا يختلى شوكها.
وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ.
وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ اَلنَّظَرَيْنِ".
فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ: إِلَّا اَلْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، فَإِنَّا
نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ: "إِلَّا اَلْإِذْخِرَ"
مُتَّفَقٌ عليه2.
299- وقال: "المدينة حرام مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ" رَوَاهُ
مُسْلِمٌ3.
__________
1 في "ط": "حلت".
2 أخرجه البخاري "197/1، 41/4، 20/8"، ومسلم "1354"، ومعنى لا يختلى أي: لا
يُحْصَد، والإِذْخَر: واحده إِذْخِرَة، وهو شجر صغار، عروقه تمضي في الأرض،
وقضبانه دقاق، ورائحته طيبة، يسدون به خلل اللَّبِنِ في القبور، ويجعلونه
تحت الطين وفوق الخشب عند تسقيف البيوت؛ ليسد الخلل ويمسك الطين فلا يسقط.
3 أخرجه البخاري "81/4، 279/6، 41/12"، ومسلم "1370"، و"عَيرٌ": جبل أسود
بحمرة، مستطيل من الشرق إلى الغرب، يشرف على المدينة النبوية من الجنوب،
وبسفحه الشمالي وادي العقيق الذي فيه بئر عروة بن الزبير، و "ثور": جبل
صغير مستدير أحمر يقع شمال المدينة، وموقعه خلف جبل أحد، وعليه فجبل أحد من
الحرم.
(1/135)
300- وقال: "خمس من الدواب كلهن فاسق،
يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة1، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور"
متفق عليه2.
__________
1 الحدأة: طائر من الجوارح ينقض على الجرذان والدواجن والأطعمة.
جمعه: حدأ وحداء، وحدآن.
2 أخرجه البخاري "355/6"، ومسلم "1199". والعقور: هو العادي الذي تغلبت فيه
صفة السباع، فصار كثير العض والجرح للناس والحيوان.
(1/136)
بَابُ الْهَدْي والأُضْحِيَةِ والعَقِيقَةِ
301- تَقَدَّمَ مَا يَجِبُ مِنَ اَلْهَدْيِ، وَمَا سِوَاهُ سُنَّةٌ،
وَكَذَلِكَ اَلْأُضْحِيَّةُ واَلْعَقِيقَةُ.
302- وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إِلَّا:
1- اَلْجَذَعُ مِنْ اَلضَّأْنِ، وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ نِصْفُ سُنَّةٌ.
2- وَالثَّنِيُّ:
مِنْ اَلْإِبِلِ: مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ.
وَمِنْ اَلْبَقَرِ: مَا لَهُ سَنَتَانِ.
وَمِنْ اَلْمَعْزِ: ما له سنة
(1/136)
303- قال صلى الله عليه وسلم: "أربع لا
تجوز في الأضاحي1:اَلْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ
اَلْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ البين ضلعها، وَالْكَبِيرَة
اَلَّتِي لَا تُنْقِي" صَحِيحٌ رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ2.
304- وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرِيمَةً، كاملةَ اَلصِّفَاتِ3، وَكُلَّمَا
__________
1 في "ب، ط": "الضحايا".
2 رواه مالك "482/2"، وأحمد "289/4"، وأبو داود "2802"، والترمذي "1497"
وصححه، وابن ماجه "3144"، وابن حبان "موارد 1046"، والنسائي "215/7"، وصححه
الحاكم "223/4"، وقال الحافظ ابن حجر في "التهذيب، 182/4": "صحيح، أخرجه
أصحاب السنن بأسانيد صحيحة، وحسنه أحمد بن حنبل، فقال: ما أحسنه من حديث
... " قوله: "الكبيرة" هكذا ورد أيضًا في "بلوغ المرام، ط السبل 191/4".
والذي ورد في الكتب السابقة وغيرها "الكسير، الكسيرة، الكسراء"، وفي أكثر
الروايات: "العجفاء"، ووجدت في مسند الشاميين "277/1" في حديث عتبة بن عبد
السلمي: والكسراء: الكبيرة.
ومعنى لا تنقي، أي: لا نِقي فيها، والنِّقِي بكسر النون: هو مخ العظم،
جمعه: أنقاء. وقوله: الْبَينُ ضلعها أي: ميلها.
3 قرر الشيخ أن عضباء الأذن والقرن تجزئ، إذا لم يبلغ العضب منها أن يجرحها
جرحًا تكون به معيبةًَ أو مريضة. "المختارات الجلية، ص: 67".
(1/137)
كانت أكمل فهي أحب إلى الله، وأعظم لأجر
صاحبها.
305- وقال جابر: نحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة
عن سبعة، والبقرة عن سبعة. رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.
306- وَتُسَنُّ اَلْعَقِيقَةُ فِي حَقِّ اَلْأَبِ،
307- عَنْ اَلْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنْ اَلْجَارِيَةِ شَاةٌ.
308- قَالَ صلى الله عليه وسلم: "كُلِّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بعقيقته، تذبح
عنه يَوْمِ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ2، وَيُسَمَّى" صَحِيحٌ، رَوَاهُ
اَلْخَمْسَةُ3.
309- ويأكل من المذكورات، ويهدي، ويتصدق.
310- وَلَا يُعْطِي اَلْجَازِرَ أُجْرَتَهُ مِنْهَا4، بَلْ يُعْطِيهِ هديةً
أو صدقةً.
__________
1 أخرجه مسلم "1318".
2 في "ط": "ويحلق رأسه".
3 أخرجه أحمد "12/5"، وأبو داود "2838"، والترمذي "1522" وصححه، والنسائي
"166/7"، وابن ماجه "1365"، والحاكم "237/4".
4 زيادة من: "ب، ط".
(1/138)
|