منهج السالكين وتوضيح الفقة في الدين

كِتَابُ البُيُوعِ
[شُرُوطُ اَلْبَيْعِ]
311- اَلْأَصْلُ فِيهِ1 الحِلُّ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [اَلْبَقَرَة: 275] .
312- فَجَمِيعُ اَلْأَعْيَانِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَأَثَاثٍ وَغَيْرِهَا، يَجُوزُ إِيقَاعُ اَلْعُقُودِ عَلَيْهَا إِذَا تَمَّتْ شُرُوطُ اَلْبَيْعِ2.
313- فَمِنْ أَعْظَمِ اَلشُّرُوطِ:
[اَلشَّرْطُ اَلْأَوَّلُ] :
اَلرِّضَا: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [اَلنِّسَاء: 29] .
[اَلشَّرْطُ اَلثَّانِي] :
314- وَأَنْ لَا يَكُونَ3 فِيهَا غَرَرٌ وَجَهَالَةٌ؛ لِأَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "نهى
__________
1 في "ط": "فيها".
2 قرر الشيخ، جواز بيع المصحف وشرائه، إذا لم يكن في ذلك امتهان وقلة احترام؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، كما قرر أنه يجوز بيع ما فتح عنوة ولم يقسم بين الفاتحين، كأرض مصر والشام والعراق، ولو كان من غير المساكن، وتكون عند المشتري كما كانت عند البائع بخراجها، وعليه عمل المسلمين. وكذلك بيوت مكة، فإنه يصح بيعها وإجارتها. ينظر "المختارات الجلية، ص: 69، 70".
3 في "ط": "إلا أن يكون".

(1/139)


عن بيع الغرر" رواه مسلم1.
315- فيدخل فيه:
1- بَيْعُ اَلْآبِقِ2، وَالشَّارِدِ.
2- وَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ إِحْدَى اَلسِّلْعَتَيْنِ.
3- أَوْ بِمِقْدَارِ مَا تَبْلُغُ اَلْحَصَاةُ مِنْ اَلْأَرْضِ وَنَحْوِهِ.
4- أَوْ مَا تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ شَجَرَتُهُ.
5- أَوْ مَا فِي بَطْنِ اَلْحَامِلِ3.
وَسَوَاءٌ كَانَ اَلْغَرَرُ فِي اَلثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّن.
316-[اَلشَّرْطُ اَلثَّالِثُ] :
وَأَنْ يَكُونَ اَلْعَاقِدُ مَالِكًا لِلشَّيْءِ (أَوْ مأذونًا له فيه) 4 وهو بالغ رشيد.
__________
1 رَوَاهُ مُسْلِمٌ "1513".
2 الآبق: الهارب من سيده.
3 قرر الشيخ، أن الأشياء المستترة كالمسك في فأرته، والفجل ونحوه في أرضه، إن كان ليس فيه غرر بَيِّن، فالصواب قول المجوِّزين لبيعه، وإن كان فيه غرر ظاهر فالصواب قول المانعين. "المختارات الجلية، ص: 71".
4 ليست في: "ب، ط"، وفيهما: "أو له عليه ولاية".

(1/140)


317-[اَلشَّرْطُ اَلرَّابِعُ] :
وَمِنْ شُرُوطِ اَلْبَيْعِ أَيْضًا: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ رِبًا1،
عَنْ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اَلذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فَإِذَا اِخْتَلَفَتْ هَذِهِ اَلْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اِسْتَزَادَ فَقَدْ أربى" رواه مسلم2.
318- فَلَا يُبَاعُ مَكِيلٌ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ إِلَّا بِهَذَيْنِ اَلشَّرْطَيْنِ، وَلَا مَوْزُونٌ بِجِنْسِهِ إِلَّا كَذَلِكَ.
319- وَإِنْ بِيعَ مَكِيلٌ بِمَكِيلٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ مَوْزُونٌ بِمَوْزُونٍ مِنْ غَيْرِ جنسه: جاز3 بشرط التقابض قبل التفرق.
320- وإن بيع مكيل بموزون أو عكسه جاز، ولو كان القبض بعد التفرق.
__________
1 ذكر الشيخ أن الربا ثلاثة أنواع: "ربا الفضل"، وهو المذكور في حديث عبادة، و"ربا النسيئة"، وهو بيع الأصناف الربوية بغير قبض، وأشد أنواع ربا النسيئة، بيع ما في الذمة إلى أجل. و"ربا القرض" وهو أن يشترط على من يقترض منه نفعا، فكل قرض جرَّ نفعا فهو ربا. "نور البصائر، ص: 33".
2 رواه مسلم "1587".
3 أي: جاز التفاضل في البيع.

(1/141)


321- والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.
322- كَمَا نَهَى اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن بيع المزابنة: وهو شراء التمر بالتمر في رءوس النخل. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
323- وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ اَلْعَرَايَا، بِخَرْصِهَا، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، لِلْمُحْتَاجِ إِلَى اَلرُّطَبِ، وَلَا ثَمَنَ عِنْدَهُ يَشْتَرِي بِهِ، بِخَرْصِهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ2.
[اَلشَّرْطُ اَلْخَامِسُ] :
324- وَمِنَ اَلشُّرُوطِ: أَنْ لَا يَقَعَ اَلْعِقْدُ عَلَى مُحَرَّمٍ شَرْعًا:
1- إِمَّا لِعَيْنِهِ، كَمَا نَهَى اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ اَلْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْأَصْنَامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3.
2- وإما لما يترتب عليه من قطيعة المسلم، كما نهى
__________
1 أخرجه البخاري "403/4"، ومسلم "1542".
2 أخرجه البخاري "387/4"، ومسلم "1541". والعرايا: جمع عرية، وهي بيع الرطب في رءوس النخل خرصا بمثله من التمر كيلا، فيما دون خمسة أوسق، لمن به حاجة إلى أكل الرطب، ولا ثمن معه.
"المبدع 140/4" وهي مستثناة من تحريم المزابنة، ولها صور كثيرة، ذكرها ابن حجر في الفتح "391/4". والْخَرْصُ: هو الحزر والتخمين، فيقوم الخراص بتقدير ما على رءوس النخل من الرطب وما يئول إليه تمرًا.
3 أخرجه البخاري "424/4"، ومسلم "1581" بلفظ: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ... " الحديث.

(1/142)


النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ اَلْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ اَلْمُسْلِمِ، وَالشِّرَاءِ عَلَى شرائه، والنَّجْش1" متفق عليه2.
3- (وَمِنْ ذَلِكَ) 3: نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ اَلتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذِي4 اَلرَّحِمِ فِي اَلرَّقِيقِ5.
4- ومن ذلك: إذا كان المشتري تَعْلَم مِنْهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ اَلْمَعْصِيَةَ بِمَا اِشْتَرَاهُ، كَاشْتِرَاءِ اَلْجَوْزِ وَالْبَيْضِ لِلْقِمَارِ، أَوْ اَلسِّلَاحِ لِلْفِتْنَةِ، وَعَلَى قطاع الطرق،
5- وَنَهْيُهُ6 صلى الله عليه وسلم عَنْ تَلَقِّي الْجَلَب، فَقَالَ: "لَا تَلَقَّوْا اَلْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار" رواه مسلم7.
__________
1 زيادة من: "ب، ط".
2 أخرجه البخاري "353/4"، ومسلم "1515"، والنَّجْش: هو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، بل لنفع البائع، أو للإضرار بالمشتري، أو العبث.
3 زيادة من: "ب، ط".
4 في "ب، ط": "ذوي".
5 كقوله صلى الله عليه وسلم: "من فرق بين والدةٍ وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة". رواه أحمد " 413/5"، والترمذي "1301" وحسنه، والدارقطني "256"، والحاكم "55/2" وصححه.
6 في "ب، ط": "ونهى النبي".
7 أخرجه مسلم "1519"، والجلب بمعنى المجلوب، والسيد في الحديث هو البائع جالب السلعة.

(1/143)


6- وَقَالَ: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.
325- وَمِثْلُ اَلرِّبَا اَلصَّرِيحِ:
أَ- التَّحَيُّل عَلَيْهِ بِالْعِينَةِ، بِأَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا بِأَقَلَّ مِنْهَا نَقْدًا، أَوْ بالعكس2.
بِ- أَوْ اَلتَّحَيُّلُ3 عَلَى قَلْبِ الدَّين4.
ج- أَوْ اَلتَّحَيُّل عَلَى اَلرِّبَا بِقَرْضٍ5، بِأَنْ يُقْرِضَهُ
__________
1 أخرجه مسلم "102".
2 وهذا هو المراد بالنهي عن بيعتين في بيعة، كما قرره الشيخ. "في المختارات الجلية، ص: 72".
3 في "ب، ط": "بالتحيل".
4 مثل: "أن يكون لشخص على آخر دين، فإذا حل قال له: إما أن توفي دينك أو تذهب لفلان يدينك وتوفيني، ويكون بين الدائن الأول والثاني اتفاق مسبق في أن كل واحد منهما يدين غريم صاحبه ليوفيه ثم يعيد الدين عليه مرة أخرى ليوفيه الدائن الجديد. أو يقول: اذهب إلى فلان لتستقرض منه وتوفيني، ويكون بين الدائن الأول والمقرض اتفاق أو شبه اتفاق على أن يقرض المدين، فإذا أوفى الدائن الأول قلب عليه الدين ثم أوفى المقرض ما اقترض منه، وهذه حيلة لقلب الدين بطريقة ثلاثية". أهـ. بنصه من رسالة "المداينات: للشيخ ابن عثيمين، ص: 15".
5 في "ب، ط": "بالقرض".

(1/144)


وَيَشْتَرِطَ اَلِانْتِفَاعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ إِعْطَاءَهُ 1 عَنْ ذَلِكَ عِوَضًا، فَكُلُّ قَرْضٍ جرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا.
دُ- وَمِنْ اَلتَّحَيُّلِ: بَيْعُ حُلِيِّ فِضَّةٍ مَعَهُ غَيْرُهُ بِفِضَّةٍ، أَوْ مُدّ عَجْوَةٍ ودرهم بدرهم2.
326- وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع اَلتَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ: "أَيَنْقُصُ إِذَا جَفَّ؟ " قَالُوا: نعم، فنهى عن ذلك. رواه الخمسة3.
__________
1 في "أ": إعطاؤه.
2 قال الشيخ ابن بسام في "توضيح الأحكام 30/4": إن بيع نوعي الجنس أحدهما بالآخر ومعهما أو مع أحدهما صنف آخر من غير جنسه، وهي ما يسميها الفقهاء: "مد عجوة ودرهم" وهو أقسام ثلاثة:
الأول: أن يكون المقصود بيع ربوي بجنسه متفاضلا، أو يضم إلى الأقل غير جنسه حيلة، فالصواب الجزم بالتحريم.
الثاني: أن يكون المقصود بيع غير الربوي، كبيع شاة ذات لبن بشاة غير ذات لبن، فالصحيح الجواز، وهو مذهب مالك والشافعي.
الثالث: أن يكون كلاهما مقصودًا مثل: مد عجوة ودرهم بمثلهما، فهذا فيه نزاع مشهور، فأبو حنيفة يجوزه، وحرمه مالك والشافعي وأحمد. أهـ.
3 أخرجه مالك "22"، والشافعي في ترتيب المسند "551"، وأبو داود "3359"، والترمذي "1225"، وقال: حسن صحيح، والنسائي "268/7"، وابن ماجه "2264"، والحاكم "38/2"، والبيهقي "294/5".

(1/145)


327- ونهى عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها، بالكيل المسمى بالتمر رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.
328- وَأَمَّا بَيْعُ مَا فِي اَلذِّمَّةِ:
أَ- فَإِنْ كَانَ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَازَ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ قَبْضِ عِوَضِهِ قَبْلَ اَلتَّفَرُّقِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا، وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ2.
بِ- وَإِنْ كَانَ على غيره لا يصح؛ لأنه غرر3.
__________
1 أخرجه مسلم "1530".
2 أخرجه أحمد "83/2، 139، 154"، والدارمي "259/2"، وأبو داود "3354"، والترمذي "1242"، والنسائي "282/7"، وابن ماجة "2262"، والدارقطني "81"، والحاكم "44/2"، وصححه، والبيهقي "284/5".
3 في "ب، ط": "لأنه من الغرر".

(1/146)


بَابُ بَيعِ الأُصُولِ والثِّمَارِ
329- قَالَ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ بَاعٍ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّر فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع" متفق عليه1.
__________
1 أخرجه البخاري "49/5"، ومسلم "1543". ومعنى: تؤبر، تُلَقَّح.

(1/146)


330- وَكَذَلِكَ سَائِرُ اَلْأَشْجَارِ إِذَا كَانَ ثَمَرُهُ بَادِيًا.
331- وَمِثْلُهُ إِذَا ظَهَرَ اَلزَّرْعُ اَلَّذِي لَا يُحْصَدُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
332- فَإِنْ كَانَ يُحْصَدُ مِرَارًا فَالْأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي، وَالْجَزَّةُ اَلظَّاهِرَةُ عِنْدَ اَلْبَيْعِ لِلْبَائِعِ.
333- ونهى رسول- الله -صلى الله عليه وسلم- عن بَيْعِ (اَلثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا: نَهَى اَلْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ1.
334- وَسُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا، فَقَالَ: "حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ"، وَفِي لَفْظِ: "حَتَّى تَحْمَارَّ أَوْ تَصْفَارَّ" 2.
335- ونهى عَنْ بَيْعِ اَلْحَبِّ3 حَتَّى يَشْتَدَّ. رَوَاهُ أَهْلُ السنن4.
336- وقال: "لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل
__________
1 أخرجه البخاري "351/3"، ومسلم "1536".
2 أخرجه البخاري "351/3"، ومسلم "1536".
3 من قوله: "بيع الثمار" إلى قوله: "بيع الحب" سقطت من: "أ".
4 أخرجه أحمد "221/3"، وابن ماجة "2217"، والحاكم "19/2" وصححه، وأبو داود "3371"، والترمذي
"1228"، وقال: حسن غريب. وقد قرر الشيخ، أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بدو صلاحه، ولا الزرع قبل اشتداد حبه لمالك الأرض والأصل؛ لأن الحديث عام والعلة عامة، وأما بيعه مع الأرض والشجر فإنه يدخل بالتبعية؛ لوقوع العقد على الأمرين. "المختارات الجلية، ص: 76".

(1/147)


لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " رواه مسلم1.
__________
1 "1554". وقد قرر الشيخ، أن الجائحة موضوعة عن المشتري في جميع الثمار؛ لعموم العلة في الحديث. "المختارات الجلية، ص: 76".

(1/148)


بَابُ الْخِيَارِ وغَيرِهِ
337- وَإِذَا وَقَعَ اَلْعِقْدُ صَارَ لازمًا، إلا بسبب1 من الأسباب الشرعية:
338- فَمِنْهَا: خِيَارُ اَلْمَجْلِسِ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَبَايَعَ اَلرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا اَلْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا اَلْآخَرَ فَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اَلْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ اَلْبَيْعُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
339- وَمِنْهَا: خِيَارُ اَلشَّرْطِ، إِذَا شَرَطَ اَلْخِيَارَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا مدةً معلومة3.
__________
1 في "ط": "لسبب".
2 أخرجه البخاري "332/4"، ومسلم "1531".
3 قرر الشيخ: صحة ثبوت خيار الشرط في الإجارة مطلقا، وفي الصرف والسلم والضمان والكفالة؛ لعدم المحذور في ذلك: ثم فصل هذه المسائل. ينظر: "المختارات الجلية، ص: 73".

(1/148)


قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اَلْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا أحلَّ حَرَامًا أَوْ حرَّم حَلَالاً" رَوَاهُ أَهْلُ اَلسُّنَنِ1.
340- وَمِنْهَا: إِذَا غُبِنَ غِبْنًا يَخْرُجُ عَنِ اَلْعَادَةِ، إِمَّا بِنَجْشٍ، أَوْ تَلَقِّي الْجَلَب أَوْ غَيْرِهِمَا2.
341- وَمِنْهَا: خِيَارُ اَلتَّدْلِيسِ: بِأَنْ يُدَلِّسَ اَلْبَائِعُ عَلَى اَلْمُشْتَرِي مَا يَزِيدُ بِهِ اَلثَّمَنَ، كَتَصْرِيَة اَللَّبَنِ فِي ضَرْعِ بهيمة الأنعام،
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَرُّوا اَلْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ اِبْتَاعَهَا بَعْدُ فَهُوَ بِخَيْرِ اَلنَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: "فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ" 3.
342- وإذا اشترى معيبًا لم يعلم عيبه فله الخيار بين ردِّه
__________
1 أخرجه الترمذي "1352" وصححه، وابن حبان "2353"، وأحمد "366/2"، وأبو داود "3594، وابن حبان "موارد 1199"، والحاكم "49/2".
2 في "ب، ط": غيرها.
3 أخرجه البخاري "361/4"، ومسلم "1524". والتصرية: حبس اللبن في الضرع.

(1/149)


وإمساكه، فإن تعذر رده تعين أرشه1.
343- وَإِذَا اِخْتَلَفَا فِي اَلثَّمَنِ تَحَالَفَا، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا اَلْفَسْخُ2.
344- وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتِهِ أَقَالَهُ اَللَّهُ عَثْرَتَهُ" رَوَاهُ أبو داود وابن ماجه3.
__________
1 قال ابن قدامة في "المغني" "229/6": معني أرش العيب: أن يقوم المبيع صحيحًا، ثم يقوم معيبًا، فيؤخذ قسط ما بينهما من الثمن، فنسبته إلى الثمن نسبة النقصان بالعيب من القيمة، مثاله: أن يقوّم المعيب صحيحًا بعشرة ومعيبًا بتسعة، والثمن خمسة عشر، فقد نقصه العيب عُشر قيمته، فيرجع على البائع بعشر الثمن، وهو درهم ونصف.
2 وإذا اختلفا في عين المبيع فكذلك، كما قرره الشيخ في "المختارات الجلية، ص: 75".
3 أخرجه أحمد "252/2"، وأبو داود "3460"، وابن ماجه "2199"، وابن حبان "موارد 1103، 1104"، والحاكم "45/2"، وقال: صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي "27/6" والإقالة: رفع العقد، وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين.

(1/150)


بَابُ السَّلَمِ1
345- يَصِحُّ اَلسَّلَمُ فِي كُلِّ مَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ:
1- إِذَا ضَبَطَهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ اَلَّتِي يختلف بها الثمن.
2- وذكر أجله.
__________
1 السَّلَم لغة: الإعطاء، واصطلاحا: بيع موصوف في الذمة ببدل يُعْطى عاجلًا.

(1/150)


3- وأعطاه الثمن قبل التفرق.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسْلِفُون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" 1.
346- وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ اَلنَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّاهَا اَللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اَللَّهُ" رَوَاهُ البخاري2.
__________
1 أخرجه البخاري "428/4"، ومسلم "1604". والسَّلَف والسَّلَم بمعنى واحد.
2 أخرجه البخاري "53/5".

(1/151)


بَابُ الرَّهْنِ والضَّمَانِ والكَفَالَةِ
347- وَهَذِهِ وَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ الثابتة.
348- فالرهن1، يَصِحُّ بِكُلِّ عَيْنٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا2.
349- فَتَبْقَى أَمَانَةٌ عِنْدَ اَلْمُرْتَهِنِ3، لَا يَضْمَنُهَا، إِلَّا إِنْ تَعَدَّى
__________
1 الرهن لغة: الثبوت، واصطلاحا: توثقة دين بعين، يمكن استيفاء الدين منها أو من ثمنها.
2 قرر الشيخ أن الرهن يجوز في كل عين ودين ومنفعة، وانه إذا رضي الراهن بشيء من ذلك أن الحق له، فيلزم ما تراضيا عليه. "المختارات الجلية، ص: 80".
3 الراهن: دافع الرهن وهو المدين، والمرتهن: آخذ الرهن، وهو الدائن.

(1/151)


أَوْ فَرَّطَ، كَسَائِر اَلْأَمَانَاتِ.
350- فَإِنْ حَصَلَ اَلْوَفَاءُ اَلتَّامُّ اِنْفَكَّ اَلرَّهْنُ.
351-وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ، وَطَلَبَ صَاحِبُ اَلْحَقِّ بَيْعَ اَلرَّهْنِ وَجَبَ بَيْعُهُ وَالْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ اَلثَّمَنِ بَعْدَ وَفَاءِ اَلْحَقِّ فَلِرَبِّهِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ اَلدَّيْنِ شَيْءٌ يَبْقَى دَيْنًا مُرْسَلاً بِلَا رَهْنٍ.
352- وَإِنْ أَتْلَفَ اَلرَّهْنَ أَحَدٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ يَكُونُ رَهْنًا1.
353- وَنَمَاؤُهُ تَبَعٌ لَهُ، وَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَبِّهِ.
354- وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ اَلِانْتِفَاعُ بِهِ إِلَّا بِإِذْنِ اَلْآخَرِ، أَوْ بِإِذْنِ اَلشَّارِعِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "اَلظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ اَلدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى اَلَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ اَلنَّفَقَةُ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ2.
355- والضمان3: أن يضمن الحق عن4 الذي
__________
1 قرر الشيخ أن عتق الراهن للعين المرهونة لا يحل ولا ينفذ، سواء كان موسرا أو معسرًا. "المختارات الجلية، ص: 81".
2 "143/5".
3 قال الشيخ ابن عقيل: اقتضب الكلام على الضمان والكفالة اقتضابًا مخلًّا لا يحصل به المقصود، ولو ذكر مسألة أو مسألتين لكان أولى وأوضح.
4 ليست في "أ".

(1/152)


عليه1.
356- والكفالة2: أن يلتزم بإحضار بدن الخصم3.
357- قَالَ صلى الله عليه وسلم: "اَلزَّعِيمُ غَارِمٌ" 4.
358- فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ5 إِلَّا:
1- إِنْ قَامَ بِمَا اِلْتَزَمَ بِهِ،
2- أَوْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُ اَلْحَقِّ،
3- أَوْ برئ الأصيل.
والله أعلم.
__________
1 قال الشيخ ابن عقيل تعليقًا: وهو التزام الإنسان ما في ذمة شخص آخر، ولا يعتبر معرفة الضامن للمضون عنه، ويصح ضمان المعلوم والمجهول إذا آل إلى العلم.
2 قال الشيخ ابن عقيل تعليقًا: الكفالة: التزام الإنسان بإحضار من عليه حق مالي، لا حد من حدود الله، وإن ضمن معرفته أخذ به، وإن سلم المكفول نفسه أو مات، أو تلفت العين المكفولة برئ الكفيل.
3 في "أ": "بدنه".
4 رواه أبو داود "3565"، والترمذي "1265"، وقال: هذا حديث حسن، والزعيم: الكفيل والضمين، والغرامة: إعطاء ما تضمنه وتكفل به.
5 قرر الشيخ: أن صاحب الحق لا يمكنه مطالبة الضامن حتى يعجز عن الاستيفاء من الغريم، إلا إذا شرط، وكان العرف أن الضامن يطالب بالحق ولو لم يتعذر، فالمؤمنون على شروطهم. "المختارات الجلية، ص: 82".

(1/153)


بَابُ الْحَجْرِ لِفَلَسٍ أَوْ غَيرِهِ1
359- وَمَنْ لَهُ الحق فعليه أن ينظر المعسر.
360- وينبغي أن ييسر على الموسر.
361- ومن عليه الحق فعليه الوفاء كاملًا بالقدر والصفات.
362- قال صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم، وإذا أحيل بدَينه على مليء فليحتل" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2، وَهَذَا مِنْ اَلْمُيَاسَرَةِ.
363- فَالْمَلِيءُ: هُوَ اَلْقَادِرُ عَلَى اَلْوَفَاءِ، اَلَّذِي لَيْسَ مُمَاطِلاً، وَيُمْكِنُ تَحْضِيرُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ.
364- وَإِذَا كَانَتِ اَلدُّيُونُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ اَلْإِنْسَانِ، وَطَلَبِ اَلْغُرَمَاءُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنَ اَلْحَاكِمِ أَنْ يَحْجِرَ عَلَيْهِ، حَجَرَ عَلَيْهِ، وَمَنَعَهُ مِنْ اَلتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، ثُمَّ يصفي ماله،
__________
1 الحجر: منع الإنسان من التصرف في ماله، وهو قسمان:
الأول: حجر لحظ غير المحجور عليه، كالحجر على مفلس لحق الغرماء، وعلى مريض بما زاد على الثلث.
الثاني: حجر لحظ النفس، وهو الحجر على المجنون والصغير والسفيه.
2 أخرجه البخاري "464/4"، ومسلم "1564".

(1/154)


وَيُقَسِّمُهُ عَلَى اَلْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ1.
365- وَلَا يُقَدِّمُ منهم إلا:
1- صَاحِبَ اَلرَّهْنِ بِرَهْنِهِ.
2- وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ما له عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ من غيره" متفق عليه2.
366- ويجب على ولي الصغير والسفيه والمجنون، أن يمنعهم من التصرف في مالهم الذي يضرهم.
قال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] .
367- وعليه ألا يقرب ما لهم إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِنْ حفظِه، والتصرفِ اَلنَّافِعِ لَهُمْ، وصرفِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهُ3.
368- وَوَلِيُّهُمْ أَبُوهُمُ اَلرَّشِيدُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَعَلَ اَلْحَاكِمُ اَلْوَكَالَةَ4 لَأَشْفَقَ مَنْ يَجِدُهُ 5 مِنْ أَقَارِبِهِ، وأعرفهم، وآمنهم.
__________
1 قرر الشيخ أن المفلس إذا لم يعلم غرماؤه بفلسه، ولم يحجروا عليه، وتصرف تصرفا يضرهم، وأعطى بعضا وحرم آخرين، أن تصرفه ليس بنافذ؛ لأنه ظلم. "المختارات الجلية، ص: 85".
2 أخرجه البخاري "62/5"، ومسلم "1559".
3 في "ب، ط": والصرف عليهم منه ما يحتاجون إليه.
4 في "ط": الولاية.
5 في "ب، ط": "يكون".

(1/155)


369- وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَتَعَفَّفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ: (وَهُوَ اَلْأَقَلُّ مِنْ أجرةِ مِثْلِهِ أو كفايته) 1. والله أعلم.
__________
1 زياده من: "ب، ط".

(1/156)


بَابُ الصُّلْحِ
370- قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اَلصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حرَّم حلالًا أو أحل حرامًا" 1. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ 2، 3.
371- فَإِذَا صَالَحَهُ عَنْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ أخرى، أبو بدَين: جَازَ.
372- وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَصَالِحْهُ عَنْهُ بِعَيْنٍ، أَوْ بدَين قَبَضَهُ قَبْلَ التفرق: جاز.
373- أَوْ صَالَحَهُ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي عَقَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ مَعْلُومَةٍ، أَوْ صَالَحَ عَنِ اَلدَّيْنِ اَلْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالاًّ، أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَعْلَمَانِ قَدْرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ: صَحَّ ذلك 4.
__________
1 في "ط": قدم "أحل حراما".
2 تقدم تخريجه في الفقرة "399".
3 في "أ" لم يذكر الحديث، وإنما قال: تقدم الحديث الذي رواه الترمذي: الصلح جائز بين المسلمين.
4 قرر الشيخ جواز الصلح عن المؤجل ببعضه حالًا، وهي مسألة "ضع =

(1/156)


374- وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمْنَعَنَّ جارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ" رواه البخاري1.
__________
= وتعجل"؛ لأنه لا دليل على المنع، ولا محذور في هذا. كما قرر صحة الصلح عن حق الشفعة والخيار. "المختارات الجلية، ص: 84، 85".
1 أخرجه البخاري "11/5"، ومسلم "1609". وقوله: "خشبه" جاءت في بعض روايات البخاري بالإفراد، والأكثر بالجمع، وقال ابن عبد البر: اللفظان في الموطأ، والمعنى واحد؛ لأن المراد برواية الإفراد الجنس. "توضيح الأحكام: للبسام، 108/4".

(1/157)


بَابُ الوَكَالَةِ والشَّرِكَةِ والْمُسَاقَاةِ والْمُزَارَعَةِ
[اَلْوَكَالَةُ] :
375- كَانَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُوَكِّلُ فِي حوائجه الخاصة، وحوائج المسلمين المتعلقة به.
376- فهي عقد جائز1 من الطرفين.
__________
1 بَيَّن الشيخ السعدي "في الإرشاد، ص: 145" بأن أنواع العقود من حيث اللزوم وعدمه ثلاثة:
1- عقود لازمة، وهي نوعان:
أحدهما: يلزم بمجرد عقده، فلا يثبت فيه خيار مجلس ولا شرط، وقد يثبت في بعضه خيار العيب، وذلك كعقد الوقف والنكاح ونحوها.
وثانيهما: عقد لازم، ولكن جعل الشارع فيه خيار المجلس والشرط، كالبيع بأنواعه، إلا أن الأصحاب لم يجعلوا خيار الشرط فيما قبضه =

(1/157)


377- تدخل في جميع الأشياء التي تصح النيابة فيها:
أ- من حقوق الله: كتفريق الزكاة، والكفارة، ونحوها.
ب- ومن حقوق الآدميين: كالعقود والفسوخ، وغيرها.
378- وما لا تدخله النيابة من الأمور التي تتعين على الإنسان وتتعلق ببدنه خاصة؛ كالصلاة، والطهارة، والحلف، والقسم بين الزوجات، ونحوها: لا تجوز الوكالة فيها.
379- وَلَا يَتَصَرَّفُ اَلْوَكِيلُ فِي غَيْرِ مَا أُذِنَ له فيه نطقًا أو
__________
= شرط لصحته، كالسلم وبيع الربويات بعضها ببعض، وشيخ الإسلام يجوِّز ذلك، وكذا الإجارة وما أشبهها من العقود، وكذا المساقاة والمزارعة على الصحيح عقود لازمة.
2- عقود جائزة، لكل من الطرفين فسخه، كالوكالة والولاية وأنواع الشركة -سوى المساقاة والمزارعة- والجعالة قبل العمل، وبعده فيه خلاف. فهذا النوع ينفسخ بموت أحدهما، واختلال تصرفه.
3- لازم من أحد الطرفين جائز في حق الآخر: كالرهن جائز في حق المرتهن لازم في حق الراهن، وكذا الضمان والكفالة، في حق المضمون له والمكفول له جائز، وفي حق الضامن والكافل لازم. أهـ بتصرف. وللسيوطي "في الأشباه والنظائر، ص: 275" تفصيل جيد فانظره.

(1/158)


عرفًا1.
380- ويجوز اَلتَّوْكِيلُ بِجُعْل2 أَوْ غَيْرِهِ.
381- وَهُوَ كَسَائِرِ اَلْأُمَنَاءِ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّفْرِيطِ.
382- وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي عَدَمِ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ.
383- وَمَنِ اِدَّعَى اَلرَّدَّ مِنْ اَلْأُمَنَاءِ:
فَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ،
وَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا، قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ.
[اَلشَّرِكَةُ] :
384- وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ اَلشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ3.
__________
1 قرر الشيخ أن الوكالة لا تنفسخ إلا بعد علم الوكيل بعزله، وأن تصرفه قبل علمه نافذ صحيح، كما قرر أنه يجوز توكيله في كل قليل وكثير، أو شراء ما شاء؛ لعدم الدليل المانع، وقرر أنه إن قال: اقبض حقي من زيد، أنه يقبضه من وارثه، إن ظهر من مراده أنه يريد استحصال حقه بقطع النظر عمن يقبض منه. "المختارات، ص: 87".
2 الْجُعْل والْجِعَالة: سيأتي بيانها في فقرة "398".
3 رواه أبو داود "3383"، والدارقطني "303"، والحاكم "52/5" وصححه، والبيهقي "78/6"، وأقره المنذري في الترغيب "31/3"، =

(1/159)


385- فالشركة بجميع أنواعها كلها جائزة1.
__________
= قال الحافظ في "التلخيص، 49/3": "وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان، والد أبي حيان، لكن أعله الدارقطني بالإرسال". ولهاتين العلتين ضعفه الألباني "الإرواء 1468".
1 الشركة نوعان: الأول: شركة أملاك، وهي اجتماع في استحقاق مالي: إما عقار، وإما منقول، وإما منفعة، يكون ذلك مشتركًا بين اثنين فأكثر، ملكاه بطريق الشراء أو الهبة أو الإرث أو غيرها، فهذا النوع من الشركة كل واحد من الشريكين أجنبي في نصيب شريكه، لا يجوز له التصرف فيه إلا بإذنه.
الثاني: شركة عقود: وهي اجتماع في التصرف من بيع ونحوه، وهذا القسم هو المراد هنا، فهنا ينفذ تصرف كل واحد من الشريكين، بحكم الملك في نصيبه، وبحكم الوكالة في نصيب شريكه، وقد قسمها الفقهاء إلى خمسة أقسام:
1- شركة عنان: وهي أن يشترك اثنان فأكثر بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما، أو يعمل أحدهما ويكون له من الربح أكثر من ربح الآخر.
2- شركة مضاربة: وهي أن يدفع شخص مالًا معلومًا ليتجر فيه شخص آخر، بجزء مشاع معلوم من ربحه.
3- شركة وجوه: وهي أن يشترك اثنان فأكثر بربح ما يشتريانه بذمتيهما من عروض التجارة، من غير أن يكون لهما مال، فما ربحاه فهو بينهما على ما اتفقا عليه.
4- شركة أبدان: وهي أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما من مباح، أو يشتركا فيما يتقبلانه في ذمتيهما من عمل =

(1/160)


386- وَيَكُونُ اَلْمُلْكُ فِيهَا وَالرِّبْحُ بِحَسْبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، إِذَا كَانَ جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا 1.
387- فَدَخَلَ في هذا:
1- شَرِكَةُ اَلْعِنَانِ، وَهِيَ: أَنْ يَكُونَ مِنْ كلٍّ مِنْهُمَا مَالٌ وَعَمَلٌ.
2- وشَرِكَةُ الْمُضَارَبَةِ: بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا اَلْمَالُ وَمِنْ اَلْآخَرِ اَلْعَمَلُ.
3- وشَرِكَةُ اَلْوُجُوهِ: بِمَا يَأْخُذَانِ بِوُجُوهِهِمَا مِنْ اَلنَّاسِ.
4- وشَرِكَةُ اَلْأَبْدَانِ: بِأَنْ يَشْتَرِكَا بِمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ اَلْمُبَاحَاتِ مِنْ حَشِيشٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا يَتَقَبَّلَانِهِ مِنْ اَلْأَعْمَالِ.
5- وشَرِكَةُ اَلْمُفَاوَضَةِ: وَهِيَ اَلْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ،
__________
= 5- شركة مفاوضة: وهي أن يفوض كل منهما الآخر في كل تصرف مالي وبدني بيعا وشراء في الذمة، وفي كل ما يثبت لهما أو عليهما، من غير أن يدخلا فيه كسبًا أو غرامة مالية خاصة.
بتصرف من "توضيح الأحكام: للبسام، 127/4".
1 قرر الشيخ أن الشركة والمضاربة تصح ولو كان رأس المال من غير النقدين المضروبين، فإنه لا مانع منه، والحاجة داعية إليه، وعليه يقوَّم رأس المال بأحد النقدين، ويُرْجع إلى هذا التقويم عند المحاسبة. "المختارات الجلية، ص: 88".

(1/161)


388- وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ.
389- وَيُفْسِدُهَا إِذَا دَخَلَهَا اَلظُّلْمُ وَالْغَرَرُ لِأَحَدِهِمَا، كَأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا رِبْحُ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَلِلْآخَرِ رِبْحُ وَقْتٍ آخَرَ، أَوْ رِبْحُ إِحْدَى1 اَلسِّلْعَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَى1 اَلسَّفْرَتَيْنِ، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ.
390- كما يفسد ذلك المساقاة والمزارعة.
وَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: وَكَانَ اَلنَّاسُ يُؤَاجِرُونَ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ اَلْجَدَاوِلِ، وَشَيْءٌ2 مِنْ اَلزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا،
(فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ) 3. فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ4.
وعامل النبي -صلى الله عليه عليه وسلم- أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ منها من
__________
1 في "أ": "أحد". في الموضعين.
2 في "ب، ط": "أشياء".
3 زيادة من: "ب، ط".
4 أخرجه مسلم "1547". والماذيانات: بكسر الذال، وحكى عياض فتحها: جمع ماذية، وهي ما ينبت على حافة النهر ومسايل المياه، وليست الكلمة عربية، و"أقبال الجداول": أوائل المسايل ورءوسها.

(1/162)


ثمر أو زرع" متفق عليه1.
391- فالمساقاة عَلَى اَلشَّجَرِ: بِأَنْ يَدْفَعَهَا لِلْعَامِلِ، وَيَقُومَ عَلَيْهَا، بجزء مشاع معلوم من الثمرة.
392- والمزارعة: بأن يدفع الأرض لمن يزرعها بجزء مشاع معلوم من الزرع.
393- وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا: مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ2، وَالشَّرْطُ اَلَّذِي لَا جَهَالَةَ فِيهِ3.
394- وَلَوْ دَفَعَ دابة إِلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَمَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا: جاز.
__________
1 أخرجه البخاري "10/5"، ومسلم "1551".
2 قرر الشيخ أن المساقاة والمزارعة عقدان لازمان. "المختارات الجلية، ص: 88".
3 زيادة من: "ب، ط".

(1/163)


بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ
395- وَهِيَ اَلْأَرْضُ اَلْبَائِرَةُ اَلَّتِي لا يعلم لها مالك.
396- فَمَنْ أَحْيَاهَا بِحَائِطٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ، أَوْ إِجْرَاءِ مَاءٍ إِلَيْهَا، أَوْ مَنْعِ مَا لَا تُزْرَعُ مَعَهُ: مَلَكَهَا بِجَمِيعِ مَا فِيهَا، إِلَّا اَلْمَعَادِنَ اَلظَّاهِرَةَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ

(1/163)


أَحَقُّ بِهَا" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ1
397- وَإِذَا تَحَجَّرَ مَوَاتًا: بِأَنْ أَدَارَ حَوْلَهُ أَحْجَارًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لَمْ يَصِلْ إِلَى2 مَائِهَا، أَوْ أُقطِع أَرْضًا: فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَلَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يُحْيِيَهَا بما تقدم3.
__________
1 أخرجه البخاري "18/5"، وهذا لفظه: "من أعمر أو عمّر أرضا ... "
واللفظ الذي ذكره المؤلف رواه أبو داود "3073" وغيره، عن سعيد بن زيد وغيرِه.
2 زيادة من: "ب، ط".
3 ويمنع من التحجر الذي لا ينتفع به ويمنعها من الغير، ومن سبق إلى شيء من المباحات كالأراضي، والحطب، والجلوس في المساجد، وسكنى الأوقاف التي لا تحتاج إلى ناظر، فهو أحق به من غيره. "نور البصائر، ص: 39".

(1/164)


بَابُ الْجَِعَالَةِ والإِجَارَةِ
398- وَهْمًا: جَعْلُ مَالٍ مَعْلُومٍ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلاً مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولاً فِي اَلْجَعَالَةِ، وَمَعْلُومًا فِي اَلْإِجَارَةِ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي اَلذِّمَّةِ.
399- فَمَنْ فَعَلَ مَا جُعِلَ عليه فيهما، استحق العوض، وإلا فلا1.
__________
1 قرر الشيخ أن فسخ الجعالة إذا كات من الجاعل كان للعامل حصته من المسمى لا من أجرة المثل. "المختارات الجلية، ص: 95".

(1/164)


400- إلا إذا تعذر العمل في الإجارة، فإنه يتقسط العوض.
401- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ مَرْفُوعًا1: "قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اِسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ2.
402- وَالْجَعَالَةُ أَوْسَعُ مِنْ اَلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ عَلَى أَعْمَالِ القُرب، وَلِأَنَّ اَلْعَمَلَ فِيهَا يَكُونُ مَعْلُومًا وَمَجْهُولاً3، وَلِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، بِخِلَافِ اَلْإِجَارَةِ4.
403- وَتَجُوزُ إِجَارَةُ اَلْعَيْنِ اَلْمُؤَجَّرَةِ لِمَن5 يَقُومُ مَقَامَهُ، لَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ ضَرَرًا.
404- وَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا، بِدُونِ تعدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ6.
__________
1 في " ب، ط": قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 أخرجه البخاري "417/4"، وقد تابعَ المصنفُ ابنَ حجر في "بلوغ المرام" حيث عزاه لمسلم، ولم أجده في مسلم.
3 في "ب، ط": "أو مجهولا".
4 فالإجارة عقد لازم.
5 في "ب، ط": "على من".
6- قرر الشيخ أن الأجير إذا عمل لغيره عملا بصناعة أو حمل شيء، ثم تلف ذلك المصنوع أو المحمول بغير تفريط وتعدٍّ من الأجير، أن له من الأجر بقدر عمله، ولو لم يسلمه إلى ربه. "المختارات الجلية، ص: 89".

(1/165)


405- وفي الحديث: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه".
رواه ابن ماجه1.
__________
1 أخرجه ابن ماجة "2443"، والبيهقي "121/6"، قال المنذري في الترغيب "58/3": "وبالجملة فهذا المتن مع غرابته يكتسب بكثرة طرقه قوة، والله أعلم" وذكر نحوه المناوي في "فيض القدير"، وصححه الألباني "الإرواء 1498".

(1/166)


بَابُ اللُّقَطَةِ واللَّقِيطِ
406- وَهِيَ عَلَى1 ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: مَا تُقِلُّ قِيمَتُهُ، كَالسَّوْطِ وَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِمَا، فَيُمْلَكُ بِلَا تَعْرِيفٍ.
وَالثَّانِي: اَلضَّوَالُّ اَلَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ اَلسِّبَاعِ، كَالْإِبِلِ، فَلَا تُمْلَكُ بِالِالْتِقَاطِ مُطْلَقًا.
وَالثَّالِثُ: مَا سِوَى ذَلِكَ، فَيَجُوزُ اِلْتِقَاطُهُ، وَيَمْلِكُهُ إِذَا عَرَّفَهُ سَنَةً كَامِلَةً.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ اَلْجُهَنِيِّ، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة، فقال: "اعرف عِفَاصها ووكاءَها، ثم عَرِّفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا
__________
1 زيادة من: "ب، ط".

(1/166)


فشأنك بها".
قال: فضالة الغنم؟ قال: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"، قال: فضالة الإبل؟ قال: "ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربُّها". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
407- واِلْتِقَاطُ اَللَّقِيطِ، وَالْقِيَامُ بِهِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ.
408- فَإِنْ تَعَذَّرَ بيتُ اَلْمَالِ فَعَلَى مَنْ علم بحاله.
__________
1 أخرجه البخاري "91/5"، ومسلم "1722".

(1/167)


بَابُ الْمُسَابَقَةِ والْمُغَالَبَةِ
409- وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
نَوْعٌ: يَجُوزُ بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ: مُسَابَقَةُ اَلْخَيْلِ وَالْإِبِلِ والسهام1.
__________
1 بيَّن الشيخ السعدي "في الإرشاد، ص: 150": أن شيخ الإسلام اختار أنه يحلق بهذه الثلاثة ما كان في معناها، مما يقوي على طاعة الله والجهاد في سبيله والمراهنة في المسائل العلمية؛ لأن الحكمة المبيحة لأخذ العوض في الثلاثة السابقة موجودة فيما كان في معناها، وهو الراجح دليلًا. أهـ. بتصرف. كما قرر "في المختارات الجلية، ص: 90": جواز المسابقة على الخليل والإبل والسهام بعوض، ولو كان المستابقان كل منهما مخرج للعوض، وأنه لا يشترط محلِّل، وأن القمار كله محرم إلا هذه الثلاثة؛ لرجحان مصلحتها. والحديث الذي فيه المحلِّل ضعفه كثير من الأئمة.

(1/167)


ونوع: يَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ، وَلَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ، وَهِيَ: جَمِيعُ اَلْمُغَالِبَاتِ بِغَيْرِ اَلثَّلَاثَةِ اَلْمَذْكُورَةِ، وَبِغَيْرِ اَلنَّرْدِ وَالشَّطْرَنْجِ1 وَنَحْوِهِمَا، فَتُحَرَّمُ مُطْلَقًا، وَهُوَ اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثُ؛ لِحَدِيثِ: "لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ" 2 رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ3.
410- وَأَمَّا مَا سِوَاهَا: فَإِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي اَلْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ.
__________
1 النرد: لعبة ذات صندوق وحجارة وفصين، تعتمد على الحظ، وتنقل فيها الحجارة على حسب ما يأتي به الفص -الزهر- وتعرف عند العامة بالطاولة. "المعجم الوسيط".
والشطرنج: لعبة تلعب على رقعة ذات أربعة وستين مربعا، وتمثل دولتين متحاربتين باثنتين وثلاثين قطعة، تمثل الملكين والوزيرين والخيالة والقلاع والفيلة والجنود. "المعجم الوسيط".
2 في "ب، ط": "حافر أو نصل".
3 أخرجه أحمد "474/2"، وأبو داود "2564"، والترمذي "1700" وحسنه، والنسائي "226/6".

(1/168)


بَابُ الغَصْبِ
411- وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ اَلْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
412- وَهُوَ مُحَرَّمٌ،

(1/168)


لِحَدِيثِ: "مَنْ اِقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ اَلْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ اَللَّهُ1 بِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
413- وَعَلَيْهِ: رَدُّهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ غرم أضعافه3.
414- وَعَلَيْهِ: نَقْصُهُ4 وَأُجْرَتُهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِيَدِهِ، وضمانُه إذا تلف مطلقًا 5.
__________
1 زيادة من: "ب، ط".
2 أخرجه البخاري "392/6"، ومسلم "1610".
3 قرر الشيخ أن الصواب أن الغاصب يضمن نقص المغصوب بأي حالة كان، حتى ولو كان النقص بالسعر. "المختارات الجلية، ص: 92".
4 في "ب، ط": "نفقته".
5 قال الشيخ عبد الرحمن السعدي "في الإرشاد، ص: 148": الأيدي التي تضمن النفوس والأموال ثلاث:
الأولى: يد متعدية، وضابطها، كل من وضع يده على مال غيره ظلمًا.
الثانية: اليد المباشرة، فمن أتلف نفسًا أو مالًا بغير حق عمدًا أو سهوًا أو جهلًا فإنه ضامن.
الثالثة: اليد المتسببة، فمن فعل ما ليس له فعله في ملك غيره، أو في الطرق، أو تسبب لإتلافه بفعل غير مأذون فيه فتلف بسبب فعله شيء: ضمنه. لكن لو اجتمع المباشر والمتسبب كان الضمان على المباشر، فإن تعذر تضمينه ضمن المتسبب. أهـ، بتصرف.
فائدة: من كان في ملكه أو حوزته بهيمة فجناياتها على الغير هدر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "العجماء جبار" إلا إذا كان غاصبًا، أو بهيمة معروفة بالأذي إذا فرّط صاحبها، أو أتلفت في الليل، أو كان صاحبها متصرفًا فيها، أو أطلقها بقرب ما تتلفه عادة، فإنه متعدٍّ في هذه الصور، وعليه الضمان. "نور البصائر، ص: 37".

(1/169)


415- وزيادته لربه1.
416- وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَغَرَسَ أَوْ بَنَى فِيهَا، فَلِرَبِّهِ قلعُه؛ لِحَدِيثِ "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" رواه أبو داود2.
417- ومن انتقلت إليه العين من الغاصب، وهو عالم، فحكمه حكم الغاصب.
__________
1 قرر الشيخ، أن المغصوب إذا انتقل من حالة إلى أخرى، كما إذا نجر الخشب بابا، أو جعل الحديدَ أوانيَ، فإنه على ملك المغصوب منه، وأما إذا استحال بالكلية بأن كانت البيضة فرخا أو النوى غرسا فإن الظاهر أن هذا نوع من الإتلاف فيضمن الغاصب مثل المغصوب إن أمكن، وإلا فالقيمة. "المختارات الجلية، ص: 92".
2 أخرجه أبو داود "3073"، والترمذي "1378"، وقال: هذا حديث حسن غريب، وحسَّن الحافظ ابن حجر إسناده، كما في البلوغ، وقال في الفتح "14/5" بعد ذكر طرق الحديث: "وفي أسانيدها مقال، لكن يتقوى بعضها ببعض". قال الشيخ في "نور البصائر، ص: 36": وأما غير الظالم: كغِراس المستأجر وبنيانه فإنه مستحق الإبقاء، لكن يتفق هو ومالك الأرض إما على إبقائه بأجرة، أو يتملكه صاحب الأرض بقيمته، أو بما اتفقا عليه.

(1/170)


بَابُ العَارِيَةِ والوَدِيعَةِ
[اَلْعَارِيَّةُ]
418- اَلْعَارِيَّةُ1: إِبَاحَةُ اَلْمَنَافِعِ.
419- وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِدُخُولِهَا2 فِي اَلْإِحْسَانِ3 وَالْمَعْرُوفِ.
قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ" 4.
420- وَإِنْ شرِط ضمانُها ضَمِنَها.
421- أَوْ5 تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ فِيهَا، ضَمِنَهَا، وَإِلَّا فَلَا.
[اَلْوَدِيعَةِ] :
422- ومَنْ أُودع وَدِيعَةً فَعَلَيْهِ حَفِظُهَا فِي حِرْزٍ6 مِثْلِهَا.
423- ولا ينتفع بها بغير إذن ربها.
__________
1 في "ب، ط": "وهي".
2 ليست في: "ط".
3 ليست في: "ب".
4 أخرجه البخاري "447/10"، ومسلم "1005".
5 في "ط": "وإن".
6 الحرز: الموضع الحصين.

(1/171)


بَابُ الشُّفْعَةِ
424- وَهِيَ: اِسْتِحْقَاقُ اَلْإِنْسَانِ اِنْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ يَدِ مَنْ اِنْتَقَلَتْ إِلَيْهِ بِبَيْعٍ ونحوه.
425- وَهِيَ خَاصَّةٌ فِي اَلْعَقَارِ اَلَّذِي لَمْ يُقَسَّمْ1؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه: "قَضَى اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقَسَّمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ اَلْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ اَلطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
426- وَلَا يَحِلُّ التحيل لإسقاطها3.
__________
1 أجمع العلماء على ثبوت الشفعة في العقارات التي تقسم قسمة إجبار، "وهو العقار الواسع"، واختلفوا في الدار الصغيرة والحانوت مما مساحته قليلة، ولا تجب قسمته قسمة إجبار، وقد اختار القول بثبوت الشفعة فيها: ابن تيمية والسعدي وهيئة كبار العلماء بالسعودية؛ لعموم الأخبار في ثبوت الشفعة، ولما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "الشريك شفيع في كل شيء"، ولأن الشفعة تثبت لإزالة ضرر الشراكة، وهي في هذا النوع من العقار أكثر ضررًا.
وقد قرر الشيخ السعدي أن الشفعة لا تسقط بموت من له أخذها، وأن ورثته يقومون مقامه. "المختارات الجلية، ص: 94"
2 أخرجه البخارى "436/4"، ومسلم "1608".
3 قرر الشيخ أن حق الشفعة كغيره من الحقوق، لا يسقط إلا بما يدل =

(1/172)


427- فَإِنْ تَحَيَّلَ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِحَدِيثِ: "إِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بالنيات".

(1/173)


بَابُ الوَقْفِ
428- وَهُوَ تَحْبِيسُ اَلْأَصْلِ وَتَسْبِيلَ اَلْمَنَافِعِ.
429- وهو من أَفْضَلُ القُرَب وَأَنْفَعُهَا إِذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ بر، وسلم من الظلم1؛ لحديث: "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له"
__________
= على الرضا بإسقاطه؛ لأن الشارع أثبته لدفع الضرر عن الشريك في العقار، فلا يسقط ما أثبته الشارع إلا بما يدل على إسقاطه، من قول أو فعل دال على الرضا بالإسقاط، وقد لا يبادر من له حق الشفعة لينظر في أمره ويتروى، فمعاجلته في هذه الحال مخالفة لما أثبته الشارع من الرفق، وأما حديث: "الشُّفْعَةُ كَحَلِّ العِقَالِ" وحديث: "الشُّفْعَةُ لمن واثبها" فلم يثبتا. "المختارات الجلية، ص: 93".
1 اشتراط الفقهاء أن يكون الوقف على جهة بر يدل على أن الوقف على بعض الورثة دون بعض يحرم، ولا ينفذ كما صَوّبه الشيخ "في المختارات الجلية، ص: 96"، وقال أيضًا: وإذا كان الوقف شرطه القربة، باتفاق الفقهاء، فالوقف ممن عليه ديون يضر بها غير نافذ، ولو كان لم يحجر عليه.

(1/173)


رَوَاهُ مُسْلِمُ1.
وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ: أَصَابَ عمرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بخيبرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، قَالَ: فَتَصْدَّقَّ بِهَا عُمَرُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ، فَتَصْدَّقَ بِهَا فِي اَلْفُقَرَاءِ، وَفِي اَلْقُرْبَى2، وَفِي اَلرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اَللَّهِ، وَابْنِ اَلسَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالّاً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3.
430- وَأَفْضَلُهُ أَنْفَعُهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
431- وَيَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ اَلدَّالِّ عَلَى اَلْوَقْفِ.
432- وَيُرْجِعُ فِي مَصَارِفِ اَلْوَقْفِ وَشُرُوطه إِلَى شرط الواقف حيث وافق الشرع.
433- ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه، فيباع، ويجعل في مثله، أو بعض مثله.
__________
1 أخرجه مسلم "1631".
2 زيادة من: "ب، ط".
3 أخرجه البخاري "354/5"، ومسلم "1632".

(1/174)


بَابُ الْهِبَةِ والعَطِيَّةِ والوَصِيَّةِ
434- وَهِيَ مِنْ عُقُودِ اَلتَّبَرُّعَاتِ.
435- فَالْهِبَةُ: اَلتَّبَرُّعُ بِالْمَالِ فِي حَالِ اَلْحَيَاةِ والصحة.
436- وَالْعَطِيَّةُ: اَلتَّبَرُّعُ بِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوف.
437- والوصية: التبرع بِهِ بَعْدَ اَلْوَفَاةِ.
438- فَالْجَمِيعُ دَاخِلٌ فِي اَلْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ.
439- فَالْهِبَةُ مِنْ رَأْسِ اَلْمَالِ.
440- وَالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ مِنْ اَلثُّلُثِ فَأَقَلُّ لِغَيْرِ وَارِثٍ،
441- فَمَا 1 زَادَ عَنْ اَلثُّلُثِ، أَوْ كَانَ لِوَارِثٍ تَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَةِ اَلْوَرَثَةِ اَلْمُرْشِدِينَ2.
442- وَكُلُّهَا يَجِبُ فِيهَا اَلْعَدْلُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ؛ لِحَدِيثِ: "اِتَّقُوا اَللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ" 3 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
443- وَبَعْدَ تَقْبِيضِ اَلْهِبَةِ وَقَبُولِهَا لا يحل الرجوع فيها4؛
__________
1 في "ب، ط": "فإن".
2 في "ب، ط": "الراشدين".
3 أخرجه البخاري "211/5"، ومسلم "1623".
4 فائدة: العقود العينية: هي التي لا تعتبر تامة الالتزام إلا إذا حصل تسليم العين المعقود عليها، وهي خمسة: الهبة، والرهن، والإعارة، والإيداع، والقرض.

(1/175)


لِحَدِيثِ: "اَلْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1، وَفِي اَلْحَدِيثِ اَلْآخَرِ: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُعْطِيَ اَلْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا؛ إِلَّا اَلْوَالِدِ فِيمَا يُعْطِي لِوَلَدِهِ" رَوَاهُ أَهْلُ اَلسُّنَنِ2.
444- وَكَانَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُ اَلْهَدِيَّةَ، وَيُثِيبُ عليها3.
445- وَلِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، مَا لَمْ يَضُرُّهُ، أَوْ يُعْطِيهِ4 لِوَلَدٍ آخَر، أَوْ يَكُونَ5 بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِحَدِيثِ: "أنت ومالك لأبيك" 6.
446- وعن ابن عمر مرفوعًا: "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة
__________
1 أخرجه البخاري "234/5"، ومسلم "1622".
2 أخرجه أحمد "182/2"، وأبو داود "3539"، والنسائي "264/6"، وابن ماجة "2378"، والبيهقي "178/6"، وصححه الألباني في الإرواء "1622، 1624".
3 أخرجه البخاري "210/5".
4 هكذا في النسختين والمطبوعة.
5 هكذا في النسختين والمطبوعة.
6 أخرجه أبو داود "3530"، وابن ماجه "2292"، من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه ابن ماجه "2291"، من حديث جابر، وصححه البوصيري وابن القطان، قال الحافظ في "الفتح، 115/5": فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة وجواز الاحتجاج به.

(1/176)


عنده" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
447- وَفِي اَلْحَدِيثِ: "إِنَّ اَللَّهَ قَدْ2 أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" رَوَاهُ أَهْلُ اَلسُّنَنِ3، وَفِي لَفْظِ: "إِلَّا أن يشاء الورثة" 4.
__________
1 أخرجه البخاري "355/5"، ومسلم "1627".
2 زيادة من: "ب، ط".
3 أخرجه أبو داود الطيالسي "1127"، وعبد الرزاق "16306"، وأحمد "167/5"، وأبو داود "2870"، والترمذي "2120"، وصححه، وابن ماجه "2713"، والبيهقي "264/6"، وصححه البوصيري والطحاوي، وجعله السيوطي وغيره من المتواتر.
4 رواه الدارقطني في سننه "ص: 466"، ومن طريقه البيهقي "263/6" عن عطاء عن ابن عباس مرفوعًا، وعطاء هو الخراساني لم يدرك ابن عباس، كما قال البيهقي، قال الحافظ في "التقريب" عنه: "صدوقٌ يَهِمُ كثيرا ويرسل ويدلس" وأخرجه البيهقي "264/6" من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن عمرو بن خارجة مرفوعًا بنحوه. وقال: "ضعيف، وروي من وجه آخر"، وقد حكم الألباني في "إرواء الغليل" "96/6" على الحديث بالنكارة؛ لأنه روي عن ابن عباس وعمرو بن خارجة، وجاء من طرق أخرى عن جماعة من الصحابة، وليس فيه هذه الزيادة وقد روى هذه اللفظة الدارقطني "ص: 466" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا نحوه. قال ابن عبد الهادي في "التنقيح" "247/2": "ولم يخرجه أحد من أصحاب السنن، وفي رجاله سهل بن عثمان، كذبه الحاكم". وقال الحافظ في "التلخيص" "92/3": "وإسناده واهٍ".

(1/177)


448- وَيَنْبَغِي لِمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَحْصُلُ فِيهِ إِغْنَاءُ وَرَثَتِهِ أَنْ لَا يُوصِيَ، بَلْ يَدَعَ التَّرِكَةَ كلَّها لورثته1؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَالْخَيْرُ مَطْلُوبٌ فِي جَمِيعِ اَلْأَحْوَالِ.
__________
1 قال الشيخ: ومن كان عنده مال كثير، وورثته أغنياء، سُنَّ له أن يوصي بخمس ماله في أعمال البر التي يخرجها عن ورثته، ليتم الأجر والثواب، وينحسم الشر والنزاع بين الورثة المتعلقين بالوصايا، وإذا كان قصده بر أولاده فلا يوصي بشيء، بل يجعل ماله ميراثًا بينهم على مواريثهم من كتاب الله، ولا عبرة بما اعتاده جمهور الناس من حصر الوصية على الأولاد ثم على أولاد البنين فقط، فإن هذا خلاف الشرع، وخلاف العقل، وقد أضر بنفسه وبهم إذ تسبب لإحداث البغضاء والعداوة بينهم، والاتكال عليها والكسل. "نور البصائر، ص: 42".
2 أخرجه البخاري "363/5"، ومسلم "1628".

(1/178)