منهج السالكين وتوضيح الفقة في الدين

كتاب الصداق
مدخل
...
كِتَابُ الصَّدَاقِ
535- يَنْبَغِي تَخْفِيفُهُ
وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ، كَمْ كَانَ صَدَاقُ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ونَشَّا، أَتَدْرِي مَا اَلنَّشُّ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمَائَة دِرْهَمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.
536- وَأَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
537- وَقَالَ لِرَجُلٍ: "التَمِسْ وَلَو خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3، فَكُلُّ مَا صَحَّ ثَمَنًا وَأُجْرَةً -وَإِنْ قَلَّ- صَحَّ صَدَاقًا4.
538- فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لها صداقًا، فلها مهر الْمِثْلِ.
539- فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ اَلدُّخُولِ، فَلَهَا اَلْمُتْعَةُ، عَلَى الموسع قدره، وعلى المقتر 5 قدره،
__________
1 مسلم "1426" والأوقية، أربعون درهما. قال الشيخ: وينبغي تخفيف الصداق مع موافقتها وموافقة وليها، وإلا فلابد له أن يعطي في الصداق ما يعطي أمثاله في بلده. "نور البصائر، ص: 48".
2 أخرجه البخاري "132/9"، ومسلم "1365".
3 أخرجه البخاري "131/9، 205"، ومسلم "1425".
4 في "أ": "صداقها".
5 في "ب، ط": "المعسر".

(1/203)


لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:236] .
540- ويتقرر الصداق كاملًا بالموت أو الدخول.
541- ويتنصف بكل فرقة قبل الدخول من جهة الزوج، كطلاقه.
542- ويسقط:
أ- بِفُرقة من قِبَلِهَا.
ب- أو فَسْخهِ لعيبها.
543- وينبغي لمن طلق زوجته أن يمتعها بشيء يحصل به جبر خاطرها؛ لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] .

(1/204)


بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ1
544- يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اَلزَّوْجَيْنِ مُعَاشَرَةُ اَلْآخَرَ بِالْمَعْرُوفِ، مِنْ اَلصُّحْبَةِ اَلْجَمِيلَةِ، وكفِّ الأذى، وألا يمطله
__________
1 في "ط": "الزوجين".

(1/204)


بحقه1.
545- ويلزمها:
أ- طاعته في الاستمتاع.
ب- وعدم الخروج والسفر إلا بإذنه.
ج- والقيام بالخبز والعجن والطبخ ونحوها.
546- وعليه نفقتها وكسوتها بالمعروف.
كما قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] .
وفي الحديث: "اسْتَوصُوا بِالنِّسَاءِ خَيرًا" 2.
وَفِيهِ: "خَيرُكُمْ خَيرُكُمْ لأَهْلِهِ" 3.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ4.
547- وَعَلَيْهِ: أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي القسْم، وَالنَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، وَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ اَلْعَدْلِ.
وَفِي اَلْحَدِيثِ: "مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ" متفق
__________
1 في "ط": "حقه".
2 أخرجه البخاري "253/9"، ومسلم "1468".
3 أخرجه الدارمي "159/2"، والترمذي "3895"، وقال: حسن غريب صحيح، وابن حبان "موارد 1312"، والحاكم "173/4" وصححه.
4 أخرجه البخاري "293/9"، ومسلم "1436".

(1/205)


عليه1.
548- وعن أنس: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعًا، ثم قسم، وإذا تزوج الثيب، أقام عندها ثلاثًا، ثم قسم. متفق عليه2.
549- وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد سفرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3.
550- وَإِنْ أَسْقَطَتْ اَلْمَرْأَةُ حَقَّهَا مِنْ اَلْقَسَمِ، أَوْ مِنْ اَلنَّفَقَةِ أَوْ اَلْكِسْوَةِ (بِإِذْنِ اَلزَّوْجِ) 4، جَازَ ذَلِكَ.
وَقَدْ وَهَبَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5.
551- وَإِنْ خَافَ نُشُوزَ اِمْرَأَتِهِ، وظهرت منها قرائن
__________
1 رواه أحمد "347/2"، وأبو داود "2133"، وابن ماجه "1969"، والنسائي "63/7"، والترمذي "1150"، والبيهقي "297/7"، والحاكم "186/2"، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن دقيق العيد والحافظ ابن حجر. "التلخيص 227/3"، ولم يروه الشيخان.
2 أخرجه البخاري "314/9"، ومسلم "1461".
3 أخرجه البخاري "293/5"، ومسلم "2770".
4 وضعت هذه الجملة في "ب، ط" بعد كلمة القسم.
5 أخرجه البخاري "312/9"، ومسلم "1463".

(1/206)


معصيته1:
أ- وعظها.
ب- فإن أصرت هجرها في المضجع.
ج- فإن لم ترتدع ضربها ضربًا غير مُبَرِّحٍ.
552- ويمنع من ذلك إن كان مانعًا لحقها.
553- وإن خيف الشقاق بينهما، بعث الحاكم حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها يعرفان الأمور والجمع والتفريق، يجمعان إن رأيا بعوض أو غيره، أو يفرقان، فما فعلا جاز عليهما، والله أعلم.
__________
1 ومن عصت زوجها ونشزت وتركت طاعته الواجبة بلا تقصير منه سقط حقها من القسم والنفقة حتى ترجع إلى طاعته، ويقوِّمها بالوعظ. "نور البصائر، ص: 51".

(1/207)


بَابُ الْخُلْعِ
554- وَهُوَ فِرَاقُ زَوْجَتِهِ بِعِوَضٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا.
555- وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [اَلْبَقَرَة: 229] .

(1/207)


556- فَإِذَا كَرِهَتْ اَلْمَرْأَةُ خُلُق زَوْجِهَا أَوْ خَلْقه، وَخَافَتْ أَلَّا تُقِيمَ حُقُوقَهُ اَلْوَاجِبَةَ بِإِقَامَتِهَا مَعَهُ، فلا بأس أن تبذل له عِوَضًا لِيُفَارِقَهَا1.
557- وَيَصِحُّ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِمَّنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ.
558- فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ خَوْفِ أَلَّا تُقِيمَ2 حُدُودَ اَللَّهِ فَقَدْ وَرَدَ فِي اَلْحَدِيثِ: "مَنْ سَأَلَتْ زَوجَهَا الطَّلاقَ مِنْ غَيرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ" 3.
__________
1 ولا يحسب من الطلاق، ولو كان بلفظ الطلاق ونيته، كما صححه الشيخ في "المختارات الجلية، ص: 108". قال الشيخ: ومثل ذلك من فسخها الحاكم لموجب، كتقصيره فيما يجب من نفقة أو وطءٍ، فالفسوخ كلها لا ينقص بها عدد الطلاق، ويكون ذلك بائنا إلا أنه ليس كالطلاق الثلاث، بل يحل أن يتزوجها بنكاح جديد برضاها وولي وشهود، ولو في عدتها؛ لأن العدة لمبينها أو للمفسوخة منه. "نور البصائر، ص: 51".
2 في "ب": "يقيم"، وفي "ط": "يقيما".
3 أخرجه أحمد "277/5"، والدارمي "162/2"، وأبو داود "2226"، والترمذي "1187" وحسنه، وابن ماجه "2055"، وابن حبان "موارد 321"، والحاكم "200/2"، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

(1/208)