موسوعة
الفقه الإسلامي الباب السابع عشر
كتاب القصاص والديات
ويشتمل على ما يلي:
1 - أحكام الجنايات والعقوبات.
2 - أقسام الجنايات، ويشمل ما يلي:
1 - الجناية على النفس، وتشمل:
1 - قتل العمد.
• القصاص في النفس.
2 - قتل شبه العمد.
3 - قتل الخطأ.
2 - الجناية على ما دون النفس، وتشمل:
1 - قطع العضو.
2 - ذهاب المنفعة.
3 - جرح العضو.
4 - كسر العظم.
• القصاص فيما دون النفس.
3 - أقسام الديات: وتشمل:
1 - دية النفس.
2 - الدية فيما دون النفس، وتشمل:
1 - دية الأعضاء ومنافعها.
2 - دية الشجاج والجروح.
3 - دية العظام.
(5/5)
1 - أحكام الجنايات
والعقوبات
- الجنايات: جمع جناية.
والجناية: هي كل فعل محرم شرعاً زجر الله عنه بحد أو تعزير.
وأصل الجناية الاعتداء على النفس، أو البدن، أو العرض، أو العقل، أو المال،
بما يوجب قصاصاً، أو حداً، أو مالاً.
وتطلق الجريمة على الجناية، والجناية على الجريمة.
- أسباب الجرائم:
حرَّم الله عز وجل على الإنسان أن يعتدي على غيره في نفسه، أو بدنه، أو
عرضه، أو ماله.
ومن رحمة الله أنْ جعل الإيمان بالله يمنع الإنسان من ارتكاب المحرمات
والكبائر والصغائر، وكلما زاد الإيمان ازدادت قوة الامتناع عن الجريمة.
ولا يعتدي الإنسان على غيره إلا إذا ضعف عنده الإيمان الذي يدفعه لطاعة
الله، ويحجزه عن محارم الله.
فيندفع إلى الشر والجريمة:
إما بسبب الشيطان الذي يزين له ويغريه بكل محرم، أو بسبب نفسه الأمارة
بالسوء، أو بسبب قرين سوء يحرِّضه على الجريمة، أو بسبب مجتمع فاسد يهيء له
سهولة ارتكاب الجريمة، أو بسبب الحسد والحقد الذي يدعوه للتشفي، أو بسبب
الغضب والسكر الذي يجعله لا يبالي بمن أمامه.
أو بسبب الهموم والغموم التي لا يطيق الصبر عليها، ونحو ذلك من
(5/7)
الأسباب التي تبعث على الجريمة، وتستخف
بالدين والأخلاق.
ومن رحمة الله بعباده أن جعل لكل جريمة عقوبة رادعة تقطع دابرها، وتطفئ
نارها، وتغسل آثارها.
ومن أفلت من العقاب في الدنيا فلن يفلت في الآخرة.
- أعظم الذنوب:
أعظم الذنوب ثلاثة:
الشرك .. والقتل .. والزنا.
فأعظم أنواع الشرك أن يجعل العبد لله نداً.
وأعظم أنواع القتل أن يقتل الإنسان ولده خشية أن يَطْعم معه.
وأعظم أنواع الزنا أن يزني بحليلة جاره.
فهذه أمهات الجرائم على الترتيب.
ففي الشرك فساد الأديان .. وفي القتل فساد الأنفس .. وفي الزنا فساد
الأنساب.
فهذه كلها جنايات محرمة؛ لما فيها من الفساد والضرر وتعدي الحدود.
ومن اقترف منها شيئاً فقد جنى على نفسه العقوبة، وجنى على غيره الضرر،
وتجاوز العدل والإحسان والرحمة إلى الظلم والإساءة والقسوة.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا
(69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا
(5/8)
فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا
(71)} ... [الفرقان: 68 - 71].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ،
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ
الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ،
وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ:
«أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ
لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ
أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ
حَلِيلَةَ جَارِكَ». متفق عليه (2).
- حفظ الضروريات الخمس:
اعتنى الإسلام أعظم عناية بحفظ الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع
السماوية على حفظها، وهي:
حفظ الدين .. والنفس .. والعِرض .. والعقل .. والمال.
وجعل الإسلام التعدي عليها جناية وجريمة تستلزم عقاباً مناسباً، وبحفظ هذه
الضروريات يسعد المجتمع، ويطمئن كل فرد فيه.
- عقاب المعرضين عن الإسلام:
سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة باتباع شريعة الله؛ لأن الهدى محصور فيها،
وغير موجود في غيرها.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4477) , واللفظ له، ومسلم برقم (86).
(5/9)
وشقاء الإنسان في الدنيا والآخرة بالإعراض
عن شريعة الله عز وجل.
وكل من أعرض عن شريعة الله من الأمم والأفراد عاقبه الله في الدنيا بنوعين
من العقاب:
الأول: عقاب يصيب كل من أعرض أو انحرف عن شريعة الله من العصاة.
وأشكال هذا العقاب مختلفة بحسب حجم الجريمة.
فقد يكون بهلاك الأمة .. أو بتسلط أعدائها عليها .. أو تسلط الظلمة والطغاة
على الناس .. أو إصابة الناس بالشدة والضيق وغلاء الأسعار .. أو النقص في
الأموال والأنفس والثمرات .. أو الخوف وقلة الأمن .. أو انتشار الأمراض.
وكل ذلك سنة ماضية من الله في خلقه.
وهذا النوع من العقوبات إذا نزل بالأمة أصاب الطالح والصالح الذي لم ينكر.
1 - قال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ
وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت:40].
2 - وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(25)} ... [الأنفال: 25].
3 - وَعَنْ زينب عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ
رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، مِثْلُ هَذِهِ» وَعَقَدَ سُفْيَانُ،
بِيَدِهِ عَشَرَةً. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلِكُ
(5/10)
وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ
إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». متفق عليه (1).
الثاني: عقوبات شرعية نصت عليها الشريعة، وأمرتْ بتنفيذها في حق كل من
ارتكب ما حرمَتْه، أو ترك ما أوجَبَتْه كقتل الجاني، وقطع يد السارق،
وتعزير الخائن.
وأما العقاب في الآخرة فهو الأصل، ويكون بخلود الكفار في جهنم، وتعذيب عصاة
المؤمنين بقدر ذنوبهم ثم إخراجهم منها.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى
رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72].
2 - وقال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
(24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} ...
[ق: 24 - 26].
- أقسام الجنايات:
1 - تنقسم الجرائم بالنظر إلى نوع عقوبتها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: جرائم القصاص:
وهي جرائم قتل النفس، وجرح البدن، وقطع الأطراف.
وفي عَمْد هذه الجرائم القصاص، وهو أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني
عليه، فإن اختاروا الدية فلهم ذلك.
الثاني: جرائم الحدود:
وهي جرائم القذف والزنا والسرقة ونحوها.
والحد: عقوبة مقدرة شرعاً وجبت لحق الله تعالى، صيانة للمجتمع.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3346)، ومسلم برقم (2880)، واللفظ له.
(5/11)
الثالث: جرائم التعزير:
وهي كل جناية ليس فيها حد كالخلوة بالأجنبية، وأكل الربا ونحو ذلك.
والتعزير: هو تأديب على معاص لم تُشرع فيها عقوبات مقدرة ابتداء، يقدرها
القاضي.
2 - تنقسم الجنايات من حيث نوعها إلى قسمين:
الأول: جناية على النفس بالقتل.
الثاني: جناية فيما دون النفس بالجرح أو القطع أو الضرب.
- شروط اعتبار الفعل جريمة:
يكون الفعل جريمة بثلاثة شروط:
1 - أن يكون الفعل أو الترك مما نهى الله ورسوله عنه.
2 - أن يكون الفعل أو الترك محرماً من الله ورسوله.
3 - أن يكون للفعل عقوبة في الشرع:
مقدرة في الشرع: كالقصاص والحدود .. أو مفوضة إلى القاضي: كالتعزير.
وأساس اعتبار الفعل جريمة هو ما فيه من الأضرار والمفاسد والشرور للأفراد
والجماعات والأمم.
- حكمة مشروعية العقوبات:
شرع الله العقوبات في الإسلام لما يلي:
رحمة العباد .. وتحقيق المصلحة لهم .. ودرء المفسدة عنهم.
وبذلك يحصل لهم كل خير، ويندفع عنهم كل شر، وتحصل الحياة
والسعادة في الدنيا والآخرة.
(5/12)
فأحكام الشريعة الإسلامية كلها مبنية على
جلب المصالح، ودرء المفاسد في الدنيا والآخرة، وهي عدل الله بين عباده،
ورحمته بين خلقه.
فكل حادثة أو مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى القسوة، ومن
المصلحة إلى المفسدة، فليست من الإسلام.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي
الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة: 179].
- أصول العقوبات الشرعية:
العقوبات في الإسلام مبنية على الأصول الآتية:
1 - رحمة العباد والإحسان إليهم بكف الشر عنهم.
2 - المساواة بين الجريمة والعقوبة فلا ظلم ولا جور.
3 - المساواة بين الناس، فيعاقب كل مجرم، سواء كان حاكماً أو محكوماً،
غنياً أو فقيراً، شريفاً أو وضيعاً، رجلاً أو امرأة.
4 - كفاية العقوبة للردع والزجر لقطع دابر الشر.
5 - أن العقوبة لا يؤاخَذ بها إلا من ارتكب موجبها.
6 - إذا ثبتت الجريمة وجب على ولي الأمر تنفيذ عقوبتها؛ إقامة للعدل.
7 - أن تكون العقوبة مشروعة من الله ورسوله بحد أو تعزير.
- أقسام العقوبات الشرعية:
1 - تنقسم العقوبات من حيث النوع إلى قسمين:
(5/13)
الأول: عقوبة أصلية: وهي العقوبة المقدرة
شرعاً لكل جريمة كقتل الجاني، وقطع يد السارق.
الثاني: عقوبة بدلية: وهي العقوبة التي تكون بدلاً عن العقوبة الأصلية إذا
امتُنع تطبيقها لمانع شرعي كالتعزير.
2 - تنقسم العقوبات من حيث تقديرها إلى قسمين:
الأول: عقوبات مقدرة كالجلد في الزنا، والقطع في السرقة ونحوهما.
الثاني: عقوبات غير مقدرة كعقوبات التعزير التي يقدرها القاضي بحسب الحال.
3 - تنقسم العقوبات من حيث المحل الذي تصيبه إلى أربعة أقسام:
1 - عقوبة بدنية تصيب جسم الجاني كالقتل، والقطع، والجلد.
2 - عقوبة مالية تصيب مال الجاني كالديات.
3 - عقوبة مقيَّدة للحرية كالحبس.
4 - عقوبة نفسية تسبب له ألماً نفسياً كالتوبيخ.
4 - تنقسم العقوبات من حيث نوع الجرائم إلى ثلاثة أقسام:
1 - عقوبات القصاص والديات:
وهي العقوبات المفروضة على جرائم الاعتداء على النفس أو ما دون النفس.
2 - عقوبات الحدود:
وهي العقوبات المفروضة على جرائم الحدود كالزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها.
3 - عقوبات التعزير:
(5/14)
وهي العقوبات المفروضة على جرائم التعازير،
وهي كل ما سوى جرائم القصاص والحدود، مثل جريمة الخلوة بالأجنبية، وأكل
الربا، والغش، والخيانة ونحو ذلك.
5 - تنقسم العقوبات من حيث تنفيذها إلى ثلاث:
الأول: عقوبة أصلية: وهي عقوبة كل جريمة.
الثاني: عقوبة تبعية: وهي التي تصيب الجاني تبعاً للحكم عليه بالعقوبة
كحرمان القاتل من الميراث.
الثالث: عقوبة تكميلية: لتحقيق قوة الردع، كتعليق يد السارق في رقبته، وصلب
قاطع الطريق بعد قتله.
فما أجمل أحكام هذه الشريعة المبنية على العدل والإنصاف، المشتملة على
الرحمة والإحسان، المتميزة بالكمال والتمام.
1 - قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا
مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام:
115].
2 - وقال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} ... [المائدة:
50].
- حكم إقامة العقوبات الشرعية:
شرع الله عز وجل العقوبات لتنفذ إذا وجد موجبها؛ حفظاً للأمة، وصيانة لها
من الشرور والمفاسد.
فإذا ثبتت الجريمة على أحد وجب على ولي الأمر تنفيذ عقوبتها، ولا يجوز
لأحد أن يشفع لمجرم لإسقاط عقوبة الحد عنه، ولا يجوز لولي الأمر أو
(5/15)
غيره أن يأخذ من المجرم مالاً لإسقاط الحد
عنه، سواء كان المال له، أو لبيت المال.
فتعطيل حدود الله يوجب سخطه، وفساد المجتمع، واضطراب الأمن، وحصول الخوف،
وتوالي النقم.
فيجب على ولاة أمور المسلمين أن يقيموا حدود الله في عباده، ولا تأخذهم
لومة لائم؛ طاعة لله ورسوله، ورحمة بالعباد، وإحساناً إليهم، لكف الناس عن
المنكرات، وزجرهم عن الفواحش، وتخليصهم من الإثم والخطيئة، ولا يجوز أن
يكون قصدهم من إقامتها إشفاء غيظ قلوبهم، ولا إرادة العلو والفساد.
إن ولي الأمر بمنزلة الوالد الذي يؤدب ولده رحمة به وإصلاحاً له.
1 - قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا
مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} ... [المائدة: 49].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ قُرَيْشاً أهَمَّتْهُمُ
المَرْأةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا
أسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ
اللهِ». ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قال: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ
مَنْ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ،
وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ
اللهِ، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ
يَدَهَا». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6788) , واللفظ له، ومسلم برقم (1688).
(5/16)
2 - أقسام الجنايات
1 - الجناية على النفس
- أقسام القتل:
ينقسم القتل إلى ثلاثة أقسام:
قتل العمد .. قتل شبه العمد .. قتل الخطأ.
1 - قتل العمد
قتل العمد: هو أن يقصد الجاني من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على
الظن موته به.
- صور قتل العمد:
قتل العمد له صور كثيرة منها:
1 - أن يجرح الجاني أحداً بمالَهُ نفوذ في البدن كسكين، وبندقية، فيموت
بسبب ذلك.
2 - أن يدهسه بسيارة، أو يلقي عليه حائطاً، أو يضربه بحجر كبير، أو عصاً
غليظة، فيموت بسبب ذلك.
3 - أن يلقيه بما لا يمكنه التخلص منه كأن يلقيه في ماء فيغرق، أو نار
فيحترق، أو يسجنه ويمنعه الطعام والشراب فيموت بسبب ذلك.
4 - أن يلقيه بزبية أسد، أو يُنهشه حية، أو يُمسكه لكلب عقور فيموت بسبب
ذلك.
5 - أن يسقيه سماً لا يعلم به شاربه فيموت.
(5/17)
6 - أن يخنقه أو يشنقه بحبل أو غيره، أو
يسد فمه فيموت.
7 - أن يلقيه من شاهق كرأس جبل أو حائط عال فيموت.
8 - أن يصعقه بالكهرباء فيموت بسبب ذلك.
9 - أن يقتله بسحر يقتل غالباً، أو يكرر فعلاً يؤدي إلى الوفاة.
10 - أن يشهد رجلان على أحد بما يوجب قتله فيُقتل، ثم يقولان عمدنا قتله
فيُقتص منهما.
ونحو ذلك من الصور التي يكون فيها قتل العمد جلياً.
- أركان القتل العمد:
أركان قتل العمد ثلاثة:
الأول: أن يكون القتيل آدمياً حياً معصوم الدم.
الثاني: أن يموت بسبب فعل الجاني.
الثالث: أن يقصدا لجاني موت المجني عليه.
- الآثار المترتبة على قتل العمد:
القتل العمد يوجب أموراً ثلاثة:
1 - الإثم العظيم الموجب لغضب الله ولعنته.
2 - القود، أو العفو إلى الدية، أو العفو مطلقاً وهو أفضل.
3 - الحرمان من الميراث والوصية.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ
لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} ... [النساء: 93].
(5/18)
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ
عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ
إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ
اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} [البقرة: 178].
- حكم قتل النفس عمداً:
قتل النفس المعصومة عمداً من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، وجريمة قتل
العمد ذنب عظيم موجب للعقاب في الدنيا والآخرة.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ
لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ
لاَ إلَهَ إلاّ اللهُ، وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، إلاّ بِإِحدَى ثَلاَثٍ:
الثّيّبُ الزَّانِي، وَالنّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ،
المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قال: «أكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ،
وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، أوْ قال:
وَشَهَادَةُ الزُّورِ». متفق عليه (2).
- حكم قتل الإنسان نفسه متعمداً:
يحرم على الإنسان أن يقتل نفسه، وهو ذنب عظيم موجب للخلود في النار.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ
نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً
مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَحَسَّى سُمّاً
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878) , ومسلم برقم (1676)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6871) , واللفظ له، ومسلم برقم (88).
(5/19)
فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ
يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً،
وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ
بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا
أَبَداً». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ جُنْدَب بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأخَذَ سِكِّيناً فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ،
فَمَا رَقَأ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قال اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي
بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (2).
- حكم قتل الغِيْلة:
قتل الغيلة: هو ما كان عمداً وعدواناً على وجه الحيلة والخداع، أو على وجه
يأمن معه المقتول من غائلة القاتل.
كمن يخدع إنساناً ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد ثم يقتله.
فهذا القتل غيلة من كبائر الذنوب، يُقتل فيه القاتل حداً لا قصاصاً، مسلماً
كان القاتل أو كافراً، ولا يصح فيه العفو من أحد، ولا خيرة فيه لأولياء
الدم.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33].
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ رَأْسَ
جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ
فَعَلَ هَذَا بِكِ، أفُلانٌ؟ أفُلانٌ حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ،
فَأوْمَأتْ بِرَأْسِهَا، فَأخِذَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5778) , واللفظ له، ومسلم برقم (109).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3463) , واللفظ له، ومسلم برقم (113).
(5/20)
اليَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأمَرَ بِهِ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.
متفق عليه (1).
- حكم قتل الصائل:
الصائل: هو من يعتدي على نفس الغير، أو عرضه، أو ماله.
ويجوز للمصول عليه أن يدافع عن نفسه بما يرد شره عنه.
ويشترط لدفع الصائل بقتله:
1 - أن يعتدي الصائل في وقت لا يجد فيه المصول عليه فرصة لإبلاغ الجهات
الأمنية التي تقوم بحمايته ودفع الصائل عنه.
2 - أن يدفعه بالأسهل، فإن لم يندفع فله قتله إن رآه جازماً على قتله.
ويجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه أي اعتداء إزالة للمنكر، ونصرة للمظلوم.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ!
أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ
مَالَكَ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلْهُ». قال: أرَأيْتَ
إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟
قال: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم
(3).
3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «انْصُرْ أخَاكَ ظَالِماً أوْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2413) , واللفظ له، ومسلم برقم (1672).
(2) أخرجه مسلم برقم (140).
(3) أخرجه مسلم برقم (49).
(5/21)
مَظْلُوماً». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ،
هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُوماً، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِماً؟ قال:
«تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ». أخرجه البخاري (1).
- كيفية دفع الصائل:
يجب على المصول عليه أن يدفع الصائل بأيسر ما يندفع به؛ لأن الإذن له
بالدفاع عن نفسه إنما أبيح للضرورة، فيقدَّر بقدْرها.
فيدفعه أولاً بالكلام اللين والتخويف بالله .. ثم بالاستغاثة بغيره إن أمكن
.. ثم إذا لم يندفع ضَرَبه بيده أو أمسكه .. فإن لم يندفع جرحه في بدنه ..
فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله .. فإن قتله الصائل وهو يدافعه فهو شهيد.
- أقسام القتل العمد:
ينقسم القتل العمد إلى قسمين:
قتل مباشر .. وقتل بالسبب.
1 - القتل المباشر: وهو أن يباشر القاتل إزهاق الروح بنفسه كما لو طعنه
بسكين أو مسدس فمات.
والقتل المباشر ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يقتله بآلة جارحة لها نفوذ في البدن كالسكين والسيف ونحوهما.
الثاني: أن يقتله بغير محدد كأن يضربه بعصاً أو حجر فيموت.
2 - القتل بالسبب: وهو أن لا يكون هو القاتل المباشر، ولكن يتسبب في القتل.
والقتل بالسبب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: سبب حسي: كالإكراه على القتل.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2444).
(5/22)
الثاني: سبب شرعي: كأن يشهد زوراً على بريء
بالقتل.
الثالث: سبب عرفي: كتقديم طعام مسموم لمن يريد قتله، وحَفْر بئر في الطريق
ليقع به من يريد قتله، أو يُنهشه حية، أو يجمعه مع أسد في قفص، أو ألقاه في
نار فاحترق، أو رماه في ماء فغرق، أو أدخله في آلة ففرمته وقطعته ونحو ذلك.
وقد تجتمع السببية والمباشرة، كما لو أكره إنساناً على قتل غيره، وهدده
بالقتل إن لم يقتله.
وإذا اجتمعت السببية والمباشرة أوجبت القصاص إما على الإثنين كما إذا كانا
مكلفين بالغين عاقلين.
وإما على أحدهما دون الآخر كمن أعطى سلاحاً لصغير أو مجنون وأمره بقتل آخر،
فلا يُقتل القاتل؛ لأنه غير مكلف، ويُقتص من الآمر بالقتل، لأنه ألجأه إلى
القتل.
- صور السببية والمباشرة:
السببية والمباشرة في القتل لها ثلاث صور:
الأولى: تقديم المباشرة على السببية، كما لو ألقاه من شاهق، وقبل وصوله
الأرض ضربه آخر بمسدس أو سيف، فالقاتل صاحب السيف أو المسدس لا المردي.
الثانية: تقديم السببية على المباشرة، كما لو شهد شهود على محصن بالزنا
فرجم، ثم رجع الشهود عن الشهادة، ويقولون نحن تعمدنا قتله، فيقتل
الشهود.
(5/23)
الثالثة: أن تجتمع السببية والمباشرة، كما
لو هدد أحداً وقال: إن لم تقتل فلاناً قتلتك فقتله، فيُقتص منهما معاً.
أما الآمر فلأنه أكره المأمور على القتل، وأما المأمور فلأنه فدى نفسه بقتل
غيره.
- أحكام الآمر بالقتل والمباشر له:
لذلك عدة صور:
الأولى: إذا أمر الإمام أو نائبه أحداً بقتل إنسان فقتله، ثم تبين أن
المقتول بريء.
فإن كان المأمور يعلم أن المأمور بقتله معصوم الدم يحرم قَتْله فَقَتله
فالقصاص عليه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وإن كان لا يعلم بذلك، ولكن قَتَله تنفيذاً لأمر السلطان فالقصاص على الآمر
دون المأمور؛ لوجوب طاعة الإمام في غير معصية، ولأن الأصل أن الحاكم لا
يأمر إلا بالحق.
الثانية: إذا أمر السيد عبده أن يقتل شخصاً فقتله.
فإن كان العبد يعلم أن المأمور بقتله معصوم الدم فالقصاص عليه، ويؤدَّب
سيده.
وإن كان لا يعلم بذلك فالقصاص على سيده؛ لوجوب طاعة سيده في غير معصية
الله.
الثالثة: إذا أمر أحد صبياً أو مجنوناً بقتل شخص فقتله فالقصاص على الآمر؛
لأن المأمور كالآلة بيد الآمر، لأنه غير مكلف.
الرابعة: إذا أمر أحد شخصاً أن يقتل إنساناً فقتله فالقصاص على المأمور لا
على
(5/24)
الآمر؛ لأنه لا تلزمه طاعته، ولا عذر له في
الجرأة على قتله.
الخامسة: إذا أمر أحد غيره ليقتله فقتله، فلا قصاص على القاتل لوجود
الشبهة.
السادسة: إذا أمسك أحد شخصاً فقتله الآخر، فالقصاص على القاتل والممسك له
ليقتله، وإن لم يعلم الممسك أن القاتل يريد أن يقتله فلا شيء عليه.
- القسامة: هي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم.
- حكم القسامة:
تشرع القسامة في القتيل إذا وُجِد ولم يُعلم قاتله، واتُهم به قوم أو شخص
ولم تكن بينة، وقامت القرائن على صدق المدعي.
- شرط القسامة:
يشترط للقسامة ما يلي:
وجود العداوة .. أو كون المتهم من المعروفين بالقتل .. أو وجود السبب
البيِّن كالتفرق عن قتل .. واللطخ وهو التكلم في عرضه .. وأن يتفق الأولياء
في الدعوى .. وأن يكون المدعى عليه مكلفاً قادراً على القتل.
- صفة القسامة:
1 - يُحضر القاضي المدعين والمدعى عليهم.
2 - يبدأ القاضي بالمدعين فيحلف خمسون رجلاً خمسين يميناً أن فلاناً هو
الذي قتله، فيثبت بذلك القصاص.
3 - إذا امتنع أولياء الدم عن الحلف، أو لم يكمِلوا الخمسين يميناً، حلف
المدعى عليهم خمسين يميناً إن رضوا، فإذا حلفوا برئ.
4 - إذا امتنع أولياء الدم عن الأيمان، ولم يرضوا بأيمان المدعي عليهم، فدى
(5/25)
الإمام القتيل بالدية من بيت المال؛ لئلا
يضيع دم المعصوم هدراً.
عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ أَخْبَرَهُ
عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنّ عَبْداللهِ بْنَ سَهْلٍ
وَمُحَيّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ، مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأَتَىَ
مُحَيّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنّ عَبْدالله بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ
فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ، فَأَتَىَ يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللهِ
قَتَلْتُمُوهُ، قَالُوا: وَاللهِ مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمّ أَقْبَلَ حَتّىَ
قَدِمَ عَلَىَ قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمّ أَقْبَلَ هُوَ
وَأَخُوهُ حُوَيّصَةُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُالرّحْمَنِ بْنُ
سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيّصَةُ لِيَتَكَلّمَ، وَهُوَ الّذِي كَانَ
بِخَيْبَرَ، فَقَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُحَيّصَةَ:
«كَبّرْ، كَبّرْ» (يُرِيدُ السّنّ) فَتَكَلّمَ حُوَيّصَةُ، ثُمّ تَكَلّمَ
مُحَيّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إمّا أَنْ
يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» فَكَتَبَ رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إِنّا
وَالله مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيّصَةَ وَعَبْدِالرّحْمَنِ: «أَتَحْلِفُونَ
وَتَسْتَحِقّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟» قَالُوا: لا، قَالَ: «فَتَحْلِفُ
لَكُمُ يَهُودُ؟» قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم - مِائَةَ نَاقَةٍ حَتّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ
الدّارَ، فَقَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ.
متفق عليه (1).
- حكم الإكراه على القتل:
إذا أكره أحد شخصاً إكراهاً ملجئاً بأن هدده بالقتل إن لم يقتل فلاناً
فقتله بغير وجه حق فيجب القصاص عليهما، الآمر المُكْرِه، والمباشر
المُكْرَه؛ لأنهما بمنزلة الشريكين في الجريمة.
الآمر بقصده الكامل للقتل العمد، والمأمور بمباشرته القتل، واستبقاء حياته
بقتل غيره.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7192) , ومسلم برقم (1669)، واللفظ له.
(5/26)
- آجال الخلق:
المقتول ظلماً أو قصاصاً كغيره من الموتى، لا يموت أحد قبل أجله، ولا يتأخر
أحد عن أجله.
بل سائر النباتات والحيوانات لها آجال مقدرة، فلا يتقدم أحد، ولا يتأخر عن
أجله، والله عَلِم ذلك وكتبه.
فالله وحده يعلم أن هذا يموت بالهدم، أو الغرق، أو الحرق، ويعلم أن هذا
يموت مقتولاً بالسم، أو السيف، أو الرصاص، ويعلم أن هذا يموت على فراشه ..
وهذا يموت بسبب .. وهذا يموت في المرض .. وهذا يموت فجأة.
فهي آجال مضروبة .. وآثار مكتوبة .. وأنفاس معدودة.
1 - قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ
لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} ... [الأعراف:
34].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ
أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون:11].
- حكم القتل بالسحر:
يحرم قتل الآدمي بغير حق، بأي وسيلة.
فإنْ قَتَله بالسحر فمات وجب القصاص على من سحره، كأن يسحره سحراً يمنعه من
الأكل والشرب حتى يموت.
أو يسحره سحراً يمنعه من النوم حتى هلك، أو يسحره سحراً يجعله يعتدي
على نفسه فيقتلها ونحو ذلك.
(5/27)
فإذا ثبت ذلك على الساحر أو اعترف به حكم
القاضي بالقصاص عليه.
- حكم توبة القاتل عمداً:
كل كافر أو مشرك أو مجرم أو مسلم إذا تاب تاب الله عليه.
والقاتل عمداً إذا تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ولكن لا تعفيه توبته من
عقوبة القصاص، فالقتل العمد يتعلق به ثلاثة حقوق:
حق لله عز وجل .. وحق للمقتول .. وحق لولي الدم.
فإذا سلَّم القاتل نفسه طوعاً إلى الولي، نادماً على ما فعل، وتاب توبة
نصوحاً، سقط حق الله بالتوبة، وسقط حق الولي بالقصاص، أو الدية، أو العفو.
وبقي حق المقتول ظلماً، وشرط سقوطه استحلاله، وهو هنا متعذر، فيبقى تحت
مشيئة الله.
قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر:
53].
- الحكم إذا اشترك في القتل من لا يقتص منه:
إذا قام بأحد المشتركين في القتل العمد مانع من القصاص فلا قصاص عليهم،
وإنما تجب عليهم الدية بالسوية.
فإذا ثبت أن اشتراك من قام فيه المانع بتدبير من القاتل الآخَر لينجو من
القصاص، فإنه يجب عليه القصاص؛ رداً لقصده السيء.
ومثاله: أن يشترك صبي أو مجنون مع بالغ عاقل في قتل إنسان.
(5/28)
- عقوبات قتل العمد:
لقاتل النفس عمداً ثلاث عقوبات في الدنيا:
عقوبة أصلية وهي القصاص .. وعقوبة بدلية وهي الدية إذا عفا الولي عن القصاص
.. وعقوبة تبعية وهي الحرمان من الميراث والوصية.
(5/29)
القصاص في النفس
- القصاص: هو أن يُفعل بالجاني كما فعل.
وقد رخص الله لهذه الأمة ثلاث مراتب:
القصاص .. أو أخذ الدية .. أو العفو.
والأفضل منها يكون بحسب المصلحة:
فإن كانت المصلحة تقتضي القصاص فهو أفضل، وإن كانت المصلحة تقتضي أخذ الدية
فهي أفضل، وإن كانت المصلحة تقتضي العفو فهو أفضل.
فالله قد أوجب القصاص والديات والحدود بما يحقق المصلحة، ويقطع دابر الشر،
وأمر بالعفو ورغَّب بالإحسان لتأليف القلوب.
- حكمة مشروعية القصاص:
خلق الله الناس، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ليقوموا بعبادة
الله وحده لا شريك له، ووعد الله من آمن بالجنة، وتوعد من كفر بالنار.
وفي الناس من لا يستجيب لداعي الإيمان لضعف في عقيدته، أو يستهين بالحاكم
لضعف في عقله، فيقوى عنده داعي ارتكاب الكبائر والمحرمات، فيحصل منه تعد
على الآخرين في أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم.
فَشَرع العزيز الرحيم عقوبات القصاص والحدود لتمنع الناس من اقتراف هذه
الجرائم، لأن مجرد الأمر والنهي لا يكفي بعض الناس عن الوقوف عند حدود
الله.
(5/30)
وفي إقامة الحدود والقصاص الأمن العام،
وصون الدماء، وحماية الأنفس، وزجر الجناة.
وفي تنفيذ القصاص كف للقتل، وصيانة للمجتمع، وزجر عن العدوان، وحفظ للحياة،
وشفاء لما في صدور أولياء المقتول، وتحقيق للأمن والعدل، وردع للقلوب
القاسية الخالية من الرحمة والشفقة، وحفظ للأمة من وحشي يقتل الأبرياء،
ويبث الرعب في البلاد، ويتسبب في حزن الأهل، وترمّل النساء، ويتم الأطفال.
قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة: 179].
- حكم القصاص:
القصاص من الجاني حق واجب لأولياء القتيل، والقصاص من القاتل أو العفو عنه
يكفِّر إثم القتل؛ لأن الحدود كفارات لأهلها.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ
تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} [البقرة: 178].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -
صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ
لاَ إلَهَ إلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ الله، إلاّ بِإِحدَى ثَلاَثٍ:
الثّيّبُ الزَّانِي، وَالنّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ،
المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878) , ومسلم برقم (1676)، واللفظ له.
(5/31)
مِنْ أصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أنْ
لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئاً، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا
تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ، وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ
أيْدِيكُمْ وَأرْجُلِكُمْ، وَلا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى
مِنْكُمْ فَأجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً
فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ
ذَلِكَ شَيْئاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إلَى اللهِ، إنْ شَاءَ عَفَا
عَنْهُ وَإنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». بَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك. متفق عليه (1).
- ثبوت القصاص:
يثبت القصاص بواحد من أمرين:
الأول: الاعتراف بالقتل.
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ
رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ
هَذَا؟ أفُلانٌ أوْ فُلانٌ، حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأتِيَ بِهِ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أقَرَّ
بِهِ، فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالحِجَارَةِ. متفق عليه (2).
الثاني: شهادة رجلين عدلين:
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ ابْنَ
مُحَيِّصَةَ الأَصْغَرَ أَصْبَحَ قَتِيلاً عَلَى أَبْوَاب خَيْبَرَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَقِمْ شَاهِدَيْنِ عَلَى
مَنْ قَتَلَهُ أَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ برُمَّتِهِ». أخرجه النسائي (3).
- أركان القصاص:
أركان ثبوت القصاص ثلاثة:
الأول: الجاني: وهو من قام بالجناية.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (18) , واللفظ له، ومسلم برقم (1709).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6876) , واللفظ له، ومسلم برقم (1672).
(3) حسن/ أخرجه النسائي برقم (4720).
(5/32)
الثاني: المجني عليه: وهو الشخص المعتدى
عليه.
الثالث: الجناية: وهي فعل الجاني الموجب للقصاص.
- أقسام القصاص:
ينقسم القصاص إلى قسمين:
الأول: قصاص في النفس.
الثاني: قصاص فيما دون النفس كالجراح وقطع الأعضاء.
- شروط وجوب القصاص في النفس:
يشترط لوجوب القصاص في النفس شروط:
منها ما يتعلق بالقاتل .. ومنها ما يتعلق بالمقتول .. ومنها ما يتعلق
بالقتل .. ومنها ما يتعلق بولي القتيل.
1 - شروط القاتل:
يشترط في القاتل الذي يُقتص منه ما يلي:
1 - أن يكون بالغاً عاقلاً.
2 - أن يكون متعمداً القتل.
فلا قصاص على صغير ولا مجنون، ولا على من قتل غيره خطأً.
2 - شروط المقتول:
يشترط في المقتول الذي يثبت به القصاص ما يلي:
1 - أن يكون المقتول إنساناً حياً.
2 - أن يكون مكافئاً للقاتل في الدين، فلا يُقتل مسلم بكافر.
(5/33)
3 - أن يكون المقتول معصوم الدم.
3 - شروط القتل:
يشترط في القتل الذي يثبت به القصاص ما يلي:
1 - أن يكون القتل فعلاً للجاني كأن يذبحه بسيف أو مسدس، أو نتيجة لفعله
كأن يحبسه ويمنعه الطعام حتى يموت.
2 - أن تزهق روح القتيل بسبب الجناية سواء باشر الفعل كأن يذبحه، أو تسبب
في قتله كأن يشهد عليه زوراً فيُقتل.
4 - شروط ولي القتيل:
يشترط في ولي القتيل إذا كان أكثر من واحد أن يتفقوا جميعاً على القصاص.
- الفرق بين قتل القصاص والحرابة:
1 - أن قتل القصاص يُرجع فيه إلى أولياء القتيل، فلا يقتل الإمام القاتل
إلا بطلب أولياء القتيل وإذنهم؛ لأن الحق لهم.
2 - أما في قتل الحرابة فلا يَرجع الإمام إلى أولياء القتيل ولا يستأذنهم؛
لأن الحق لله، وصيانة للأنفس والأموال من العابثين.
- حكم قتل الصبي والمجنون:
من قَتل صبياً أو مجنوناً قُتل به قصاصاً.
وإذا قتل الصبي أو المجنون أحداً فلا يقاد به، ولكن تجب عليه الدية؛ لأن
القاتل مرفوع عنه القلم، وغير مكلف، وغير مؤاخذ.
وهكذا لو أن غير المكلف قطع عضواً، أو ضرب شخصاً فأتلف عضواً، فإنه
(5/34)
يجب ضمان هذه الجناية، ولا يجب عليه
القصاص.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى
يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ
حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
- عصمة الإنسان:
يكون الإنسان معصوم الدم بأحد أمرين:
الإيمان .. والأمان.
فالمسلم إيمانه قد عصم دمه وماله.
وأما العصمة بالأمان فهي نوعان:
الأول: أمان مؤبد، وهذا هو عقد الذمة.
الثاني: أمان مؤقت وهذا هو المستأمن.
وهذا الأمان بنوعيه يعقده الإمام مع غير المسلمين، فيصبح الذمي بعقد الذمة
من مواطني دار الإسلام لا يجوز الاعتداء عليه.
والأمان المؤقت يمنحه الإمام لمن أراد دخول دار الإسلام لحاجة، ثم يخرج إلى
بلده، فهذا يحرم الاعتداء عليه.
قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6].
- أصناف غير المعصومين:
1 - الكافر الحربي:
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (940) , وأخرجه أبو داود برقم (4403)، وهذا
لفظه.
(5/35)
فلا قصاص على من قتله، سواء قتله في داره،
أو في دار الإسلام إذا دخلها متلصصاً بغير أمان؛ لأنه مهدَر الدم.
2 - المستأمن الذمي:
وهو الكافر الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان إذا ارتكب جرماً صيَّره
مهدَر الدم.
3 - المرتد عن الإسلام:
فمن قتل المرتد عن الإسلام لا قصاص عليه، لكن يعاقب تعزيراً؛ لافتياته على
السلطة العامة.
4 - القاتل عمداً:
فالقاتل عمداً مهدَر الدم، فمن قتله من أولياء القتيل لا قصاص عليه؛ لأن
الحق لهم فقط، ومن قتله من غيرهم فعليه القصاص.
5 - قاطع الطريق:
فلا قصاص على من قتل قطاع الطريق، لكن يعزر، لافتياته على الحاكم، لأن
إقامة الحدود عن طريق الحاكم.
6 - الباغي:
وهو من يخرج على الإمام العادل من البغاة بقوة السلاح، وله شوكة ومَنَعة،
فيُقتل الباغي بالعادل، ولا يُقتل العادل بالباغي؛ لأن الباغي مهدَر الدم.
7 - الزاني المحصن:
فلا قصاص ولا دية ولا كفارة على من قتل الزاني المحصن؛ لأنه مباح الدم
كالمرتد، ولكن يعزر؛ لافتياته على الحاكم.
(5/36)
- أولياء القتيل:
أولياء الدم الذين لهم أن يقتصوا أو يعفو هم جميع ورثة المقتول من الرجال
والنساء، والكبار والصغار.
فإن اختاروا كلهم القصاص وجب القصاص، وإن عفا أحدهم سقط القصاص أيضاً ولو
لم يعف الباقون، وتعيَّن لمن لم يعف نصيبه من الدية.
وإن كثر التحيل لإسقاط القصاص، وخيف اختلال الأمن بكثرة العفو، اختص العفو
بالعصبة من الرجال دون النساء.
والحكم يدور مع علته، والضرورة تقدَّر بقدرها.
- أحكام القصاص:
1 - يُقتل المسلم إذا قتل مسلماً .. ويقتل الكافر إذا قتل مسلماً أو كافراً
.. ولا يُقتل المسلم إذا قتل كافراً؛ لعدم المكافأة في الدين.
2 - يُقتل الكافر الذمي بالكافر الذمي، سواء اتفق دينهما أو اختلف .. ولا
يُقتل كافر ذمي بكافر حربي؛ لأنه مباح الدم، فلا عصمة له.
3 - يُقتل الكافر المستأمن بالكافر المستأمن؛ للمساواة بينهما.
4 - يُقتل الحر بالعبد .. والعبد بالحر .. والسيد بعبده .. والعبد بسيده ..
والذكر بالأنثى .. والأنثى بالذكر.
5 - تُقتل الجماعة بالواحد, ويُقتل الواحد بالجماعة؛ سداً للذرائع، ودفعاً
للشر.
وإن طلب بعضهم القصاص، وبعضهم الدية، فيُقتل الجاني لمن أراد القصاص، ويعطى
أولياء القتلى الآخرون الديات من مال الجاني؛ لأن لكل نفس معصومة حق مستقل.
(5/37)
- كيفية تعيين القاتل إذا تعدد الجناة:
إذا اعتدى الجناة على أحد ثم مات فلذلك صور:
الأولى: إذا فوَّت الأول الحياة على المجني عليه فهو القاتل، كما لو شق
بطنه وأخرج ما فيه، ثم جاء آخر فأجهز عليه، فالقاتل الأول؛ لأنه لا يبقى مع
جنايته حياة.
الثانية: إذا ألقى أحد شخصاً من شاهق، ثم تلقاه آخر بسيف أو رصاصة فقتله،
فالقاتل الثاني؛ لأنه فوت عليه حياته، لأن الإلقاء يجوز أن يسلم منه.
الثالثة: إذا قطع شخص يد المجني عليه من الكوع، ثم جاء آخر فقطعها من
المرفق، ثم مات المجني عليه، فالقصاص عليهما معاً، وإن عفا الأولياء إلى
الدية فعليهما معاً دية واحدة.
الرابعة: إذا اجتمع جماعة على إنسان فقال أحدهم: أنا أمسكته ليُقتل،
والثاني ذبحه، والثالث بقر بطنه، والرابع أشعل فيه النار، فيقتص منهم
جميعاً؛ لاشتراكهم جميعاً في تنفيذ الجريمة.
- حكم سراية الجناية:
إذا اعتدى إنسان على آخر فقطع أصبعه، ثم سرت الجناية إلى بدنه فمات.
فهذه السراية لها ثلاثة أحوال:
1 - إن كانت السراية بسبب إهمال المجني عليه حيث لم يذهب إلى الطبيب حتى
تسمم الجرح، فالضمان عليه لا على الجاني.
2 - إن كانت السراية بسبب إهمال الطبيب أو تجاوزه، فالضمان على الطبيب؛
لأنه يضمن إذا قصر أو اعتدى.
(5/38)
3 - إن كانت السراية بسبب الجناية، فالمجني
عليه حضر للطبيب، والطبيب بذل ما في وسعه، ولكن المرض استفحل، فالضمان على
الجاني.
- وظيفة الطب:
الطب في الإسلام له جانبان، إن خرج عنهما فليس بطب:
الأول: إصلاح الفاسد في الجسد، وهي الأمراض والأسقام التي تصيب الأبدان.
الثاني: بذل الأسباب التي تَحُول بين الإنسان وبين الوقوع في المرض.
فالأول يسمى الطب العلاجي .. والثاني يسمى الطب الوقائي.
فإن فعل الطبيب بالآدمي غير هذين فقد خرج عن الإذن الشرعي، فلا دخل للطبيب
في الحياة والموت والشفاء.
إن أمكنه أن يداوي فليفعل ما في وسعه، وإن لم يمكنه فليقف ولا يتدخل بين
المخلوق وخالقه، فالله أرحم بعباده من كل رحيم، يرحم سبحانه بهذه الأمراض
من يشاء .. ويرفع درجاتهم .. ويعظ آخرين .. ويزيد في حسنات آخرين ..
ويكفِّر سيئات آخرين .. ويبتلي آخرين .. والله حكيم عليم.
- حكم إنهاء حياة المريض:
إذا كان المريض ميئوساً من علاجه، فلا يجوز لأحد أن يعطيه إبرة تقضي على
حياته ليرتاح من عذاب المرض.
والبعض يسمي هذا قتل الرحمة، وهو في الحقيقة ظلم وعدوان، وقتل عمد فيه
القصاص.
ومثل ذلك حقن المواد السامة في جسم المجنون أو المشلول ونحوهما، ليرتاح مما
نزل به، ويرتاح منه أهله.
(5/39)
فهذا كله وأمثاله من قتل العمد الذي يوجب
القصاص، ومن التعدي على حدود الله بقتل خلقه.
1 - قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ
فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا
بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي
الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)} ... [المائدة: 32].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ
لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93].
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ
لاَ إلَهَ إلاّ اللهُ، وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، إلاّ بِإِحدَى ثَلاَثٍ:
الثّيّبُ الزَّانِي، وَالنّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ،
المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق عليه (1).
- حكم إسقاط الجنين:
لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي.
1 - فإن كان الحمل في مدة الأربعين الأولى، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية، أو
دفع ضرر متوقَّع، جاز إسقاطه.
2 - لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة، إلا إذا قررت لجنة طبية
موثوقة أن في بقائه خطر على سلامة أمه.
3 - بعد الطور الثالث بعد إكمال أربعة أشهر لا يحل إسقاط الحمل بحال، إلا
إذا قررت تلك اللجنة أن في بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها؛ دفعاً لأعظم
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878) , ومسلم برقم (1676)، واللفظ له.
(5/40)
الضررين بأخفهما.
4 - إذا ثبت أن الجنين مشوه تشويهاً غير قابل للعلاج، وأنه إذا ولد ستكون
حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله، وكان ذلك قبل تمام أربعة أشهر، وطلب
والديه إسقاطه، جاز ذلك للضرورة.
- شروط استيفاء القصاص:
يشترط لاستيفاء القصاص ما يلي:
1 - أن يكون ولي الدم بالغاً عاقلاً حاضراً.
فإن كان صغيراً أو غائباً حُبس الجاني حتى يبلغ الصغير، ويقدم الغائب، ثم
إن شاء اقتص، أو أخذ الدية، أو عفا وهو الأفضل.
أما المجنون فلا يُنتظر، لأنه لا يرجى زوال جنونه، فيقوم وليه مقامه.
2 - اتفاق جميع أولياء الدم على استيفائه، فإن عفا أحد الأولياء عن القصاص
سقط، وتعينت الدية.
3 - أن يؤمن عند الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل.
فإذا وجب القصاص على امرأة حامل لم يقتص منها حتى تضع ولدها، وتسقيه اللبأ،
فإن وجد من يرضعه وإلا أُمهلت حتى تفطمه، ثم اقتص منها.
- من يستوفي القصاص:
ولي المقتول هو الذي له الحق في استيفاء القصاص.
1 - إن كان ولي الدم واحداً فقط، وكان بالغاً عاقلاً قادراً على استيفاء
القصاص بنفسه، مكَّنه الحاكم منه؛ لأنه حقه، وإن لم يتمكن بنفسه استوفى
القصاص الحاكم نيابة عنه.
(5/41)
2 - إن كان مستحق القصاص جماعة فلهم أن
يوكلوا واحداً منهم في استيفاء القصاص، ولهم أن يفوضوا الحاكم باستيفائه
نيابة عنهم.
3 - إن كان مستحق القصاص صغيراً أو مجنوناً، انتظر بلوغ الصغير؛ لأن الحق
له، أما المجنون فيقوم وليه مقامه.
وإن قَتل الصغير أو المجنون الجاني القاتل فقد استوفى حقه.
4 - إن كان من له القصاص جماعة، وفيهم صغير أو غائب، انتظر بلوغ الصغير،
وقدوم الغائب.
5 - إذا قتل أحد أولياء الدم الجاني بلا إذن الباقين فلا يجب عليه القصاص،
لكن يضمن من الدية حصة شريكه إن اختار الدية، ويدفعها له من ماله.
6 - إذا لم يكن للمقتول وارث فالسلطان وليه في استيفاء القصاص.
7 - يجب استئذان الإمام في استيفاء القصاص، ولا يشترط حضور الإمام عند
الاستيفاء، وإن حضر فهو أحسن؛ منعاً للجور، وإظهاراً لجدية ولي الأمر في
تنفيذ أحكام الله، وإذا لم يحضر الإمام أقام من ينوب عنه.
قال الله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ
سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}
... [الإسراء: 33].
- حكم تأجيل استيفاء القصاص:
1 - يجوز لولي المقتول تأجيل استيفاء القصاص بعد ثبوته؛ لأن الحق له.
ولا يجوز إجباره على سرعة الاستيفاء؛ لاحتمال أن يعفو عن القصاص، أو أخذ
الدية.
2 - إذا وجب القصاص على امرأة حامل أُمهلت حتى تضع ولدها وترضعه حتى
(5/42)
تفطمه إن لم يوجد من يرضعه.
فإنْ قتلها ولي الدم وهي حامل فهو آثم، وعليه دية الجنين غُرّة عبد أو أمة.
3 - يُحبس القاتل عند تأخر الاستيفاء؛ حفظاً لحق مستحق القصاص، وإن أحضر
القاتل كفيلاً لم يُقبل منه؛ لأنه لا يمكن الاستيفاء من الكفيل إذا هرب
القاتل.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ امْرَأَةً مِنْ
جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ حُبْلَى
مِنَ الزّنَى. فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ الله أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ
عَلَيّ. فَدَعَا نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلِيّهَا، فَقَالَ:
«أَحْسِنْ إلَيْهَا. فَإذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا» فَفَعَلَ. فَأَمَرَ
بِهَا نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَشُكّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا،
ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمّ صَلّىَ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: تُصَلّي عَلَيْهَا يَا نَبِيّ الله وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ:
«لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ
المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ
جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله تَعَالَىَ؟». أخرجه مسلم (1).
- مكان استيفاء القصاص:
يُستوفى القصاص في الأماكن العامة، والساحات الواسعة، ويقتص من الجاني ولو
كان في الحرم.
فإن التجأ الجاني إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، أو غيره من المساجد، أُخرج
منه وقتل؛ صيانة للمساجد من التلوث.
- وقت استيفاء القصاص:
يستوفى القصاص من الجاني في أي وقت في النهار أو الليل، وفي الحر أو
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1696).
(5/43)
البرد، وفي حال الصحة أو المرض.
والمرأة الحامل لا يقتص منها حتى تضع ولدها كما سبق.
ولا يستوفى القصاص إلا بإذن الإمام أو نائبه.
عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ
بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ، أفُلانٌ؟ أفُلانٌ
حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأوْمَأتْ بِرَأْسِهَا، فَأخِذَ
اليَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. متفق عليه (1).
- حكم أخذ الدية بدل القصاص:
يجوز أخذ الدية بدل القصاص في قتل العمد، ويجوز لولي الدم أخذها في قتل شبه
العمد والخطأ، فتؤخذ وتوزع على ورثة القتيل.
1 - إذا كان القاتل غنياً لا تهمه الدية، وهناك فقراء وضعفاء في قرابة
المقتول، فأحب وليه أن يأخذ الدية، ويتصدق بها على الفقراء من أقاربه، فهذا
فيه ثواب عظيم، وإحسان بالصدقة على ذوي رحمه.
2 - إن كان أولياء القاتل ضعفاء وفقراء لا يستطيعون تحمل الدية، أو يكون
القاتل عمداً فقيراً لا يستطيع حمل الدية فهنا العفو أفضل وأحسن.
1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى
فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)}
... [البقرة: 178].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} ... [التغابن: 14].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2413) , واللفظ له، ومسلم برقم (1672).
(5/44)
- كيفية استيفاء القصاص:
1 - إقامة القصاص إذا ثبت واجبة على الإمام أو نائبه إذا طلب أولياء القتيل
ذلك من الإمام.
2 - يُستوفى القصاص بإذن الإمام أو نائبه، ويحسن حضوره أو من ينيبه.
3 - الأصل في القصاص أن يُقتل الجاني بمثل ما قَتل به المجني عليه.
فلو قتله الجاني بالسيف، أو الرصاص، أو الحجر، أو النار، أو أغرقه، أو
جوَّعه، أو دفنه فمات، فلولي القتيل قتل الجاني بمثل ما قَتل به.
ويجب استيفاء القصاص بآلة ماضية من سيف ونحوه.
4 - يجب على ولي المقتول أن يحسن إلى الجاني عند استيفاء القصاص، فيقتص منه
بآلة حادة لا يتعذب بها الجاني.
5 - يسن تذكير الجاني بالتوبة النصوح، وصلاة لم يؤدها، وديوناً لم يقضها،
والوصية بما له وما عليه.
6 - يجب الرفق بالجاني عند سَوْقه إلى مكان الاستيفاء، وستر عورته.
7 - من قتل غيره بمحرم كزنا، أو فِعْل فاحشة قوم لوط، أو شُرب خمر، فلا
يقتص منه بمثل فعله، ولكن يقتل بالسيف.
8 - لا يجوز أن يعطى الجاني المخدِّر عند القتل، قصاصاً أو حداً، أو عند
القصاص في الأطراف؛ لأن المجني عليه تألم وتضرر، فيجب أن يتألم الجاني
ويتضرر؛ ليتحقق العدل، ويحصل الروع.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)}
... [النحل: 126].
(5/45)
2 - وقال الله تعالى: {الشَّهْرُ
الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}
[البقرة: 194].
3 - وَعَنْ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ثِنْتَانِ
حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إنّ
اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ، فَإذَا قَتَلْتُمْ
فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ،
وَلْيُحِدّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». أخرجه مسلم
(1).
- حكم سب الجاني بعد قتله:
لا يجوز لأحد أن يسب الجاني بعد قتله قصاصاً، أو يشتمه، أو يلعنه، وكذا من
أقيم عليه حد الزنا، أو القذف، أو الجلد؛ لأن الله أقامهم أمام العباد
اعتباراً، ولم يُقمهم شماتة، فلا يحل لأحد أن يسبهم أو ينتقصهم.
والجاني إذا كان مسلماً واقتص منه يغسل ويصلى عليه، ويدفن في مقابر
المسلمين.
عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قصةِ مَاعِز -وفيه- قَالَ:
فَجَاءَتِ الغَامِدِيّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ
فَطَهّرْنِي. وَإِنّهُ رَدّهَا. فَلَمّا كَانَ الغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللهِ لِمَ تَرُدَّنِي؟ لَعَلّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزاً،
فَوَالله إِنّي لَحُبْلَى. قَالَ: «إِمّا لاَ، فَاذْهَبِي حَتّى تَلِدِي»
فَلَمّا وَلَدَتْه أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ
وَلَدَتْ. قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتّى تَفْطِميهِ». فَلَمّا
فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ وفي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ
هَذَا يَا نَبِيّ الله قَدْ فَطَمْتُهُ، وأَكَلَ الطّعَامَ. فَدَفَعَ
الصّبِيّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ
لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ
بْنُ الوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1955).
(5/46)
رَأْسَهَا. فَتَنَضّحَ الدّمُ عَلىَ وَجْهِ
خَالِدٍ، فَسَبّهَا. فَسَمِعَ نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - سَبّهُ
إِيّاهَا. فَقَالَ «مَهْلاً يَا خَالِدُ! فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ».
ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَصَلّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. أخرجه مسلم (1).
- حكم التمثيل بجثث القتلى:
التمثيل بجثث القتلى له حالتان:
الأولى: إذا كان التمثيل على وجه القصاص فلا يجوز.
الثانية: إذا كان على وجه العقوبة والنكاية كمن عَظُم جرمه في المسلمين
فهذا جائز.
1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190].
2 - وَعَنْ أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً اجْتَوَوْا فِي
المَدِينَةِ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ، يَعْنِي الإِبِلَ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا
وَأَبْوَالِهَا، فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ، فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا
وَأَبْوَالِهَا، حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ
وَسَاقُوا الإِبِلَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ
فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ،
وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ. متفق عليه (2).
- حكم سراية الجناية والقصاص:
1 - سراية الجناية مضمونة بقصاص أو دية، وسراية القصاص مهدرة.
فلو قطع الجاني رِجْل أحد ثم مات فعليه القصاص، ومن اقتُص منه بقطع
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1695).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5686) , واللفظ له، ومسلم برقم (1671).
(5/47)
يده ثم مات فلا قصاص ولا دية؛ لأنه استوفى
حقه، فلا يضمن ما سواه.
2 - من مات في حد كالقطع في السرقة، والجلد في الزنا، أو في قصاص في
الأطراف فديته من بيت المال.
3 - إذا قطع أصبعاً عمداً فعفا عنها المجني عليه، ثم سرت إلى الكف أو
النفس، وكان العفو على غير شيء، فلا قصاص ولا دية.
وإن كان العفو على مال فله تمام الدية.
- سقوط القصاص:
يسقط القصاص عن الجاني بما يلي:
1 - فوات محل القصاص بموت الجاني، وتتعين الدية في مال القاتل؛ لأنه إذا
فات القصاص بقي الواجب الآخر وهو الدية.
2 - العفو عن القاتل ممن له حق العفو.
1 - إن عفا عنه ثم قتله من عفا فعليه القصاص؛ لأنه قتل معصوم الدم.
2 - إذا وجب القصاص على أكثر من واحد فله أن يعفو عن واحد، ويقتص من الآخر؛
لأن لولي القتيل حق مستقل على كل واحد.
3 - إذا عفا أحد أولياء القتيل سقط القصاص عن القاتل، وانقلب نصيب الآخر
دية بحسب نصيبه من الدية.
4 - إن قَتَل الجاني أكثر من واحد فعفا ولي أحدهما عن القصاص، فللآخر أن
يقتص من القاتل؛ لأن له حقاً مستقلاً فيأخذه.
5 - إن عفا المجني عليه قبل موته ثم مات صح عفوه.
6 - إذا كان القاتل جماعة فعفا عنهم ولي الدم إلى الدية فعليهم دية واحدة،
وإن
(5/48)
عفا عن بعضهم فعلى كل واحد من المعفو عنهم
قسطه من الدية.
3 - الصلح مع القاتل بمثل الدية أو أكثر أو أقل.
فإذا تصالحوا على مال بدل القصاص جاز، وإن كانوا أكثر من واحد فصالح بعضهم
سقط القصاص، وانقلب نصيب الآخر مالاً.
4 - الإرث: فيسقط القصاص بالإرث، كأن يجب القصاص لشخص فيموت فيرثه القاتل.
كما لو قتل أخ أخاه، وللمقتول ابن فمات؛ فورثه عمه القاتل، فيسقط القصاص
عنه.
(5/49)
2 - قتل شبه العمد
قتل شبه العمد: هو أن يقصد إنساناً معصوم الدم فيقتله بجناية لا تقتل
غالباً ولم يجرحه بها، فيموت بها المجني عليه.
- صور قتل شبه العمد:
أن يضرب أحد شخصاً في غير مقتل بعصاً صغيرة أو بسوط، أو لَكَزه بيده ونحو
ذلك.
فالضرب مقصود، والقتل غير مقصود، فسمي شبه عمد.
- الفرق بين قتل العمد وشبه العمد:
قتل العمد وشبه العمد يشتركان في قصد الجناية، وتغليظ الدية، والعفو.
ويختلفان فيما يلي:
1 - العمد فيه القصاص، وشبه العمد لا قصاص فيه.
2 - دية العمد على القاتل، ودية شبه العمد على العاقلة.
3 - العمد ليس فيه كفارة، وشبه العمد فيه كفارة.
4 - دية العمد تكون حالَّة، ودية شبه العمد مؤجلة على ثلاث سنين.
- حكم قتل شبه العمد:
قتل شبه العمد من كبائر الذنوب؛ لأنه اعتداء على نفس معصومة بغير حق، وفيه
الدية مغلظة على العاقلة.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأتَانِ
مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا
وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
-، فَقَضَى أنَّ
(5/50)
دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبْدٌ أوْ
وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أنَّ دِيَةَ المَرْأةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. متفق عليه
(1).
- ما يجب بقتل شبه العمد:
تجب في قتل شبه العمد والخطأ الدية مع الكفارة.
أما الدية فعلى العاقلة، وأما الكفارة فلمحو الإثم الحاصل بسبب التفريط في
قتل نفس معصومة.
أما قتل العمد العدوان فلا كفارة له؛ لأن إثمه عظيم، لا يرتفع بالكفارة؛
لشدته وشناعته.
ويجب في قتل شبه العمد ما يلي:
1 - الدية المغلظة: وهي مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها،
وتتحمل العاقلة هذه الدية، وتكون مؤجلة على ثلاث سنين.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ يَوْمَ الفَتْحِ بمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثلاَثاً
ثمَّ قَالَ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ
عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلاَ إِنَّ كُلَّ مَأْثرَةٍ
كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ تُذكَرُ وَتُدْعَى مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تَحْتَ
قَدَمَيَّ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الحَاجِّ وَسِدَانَةِ البَيْتِ»
ثمَّ قَالَ: «أَلاَ إِنَّ دِيَةَ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ مَا كَانَ
بالسَّوْطِ وَالعَصَا مِائَةٌ مِنَ الإبلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِ
أَوْلاَدِهَا». أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).
2 - الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6910) , واللفظ له، ومسلم برقم (1681).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4547) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2628).
(5/51)
مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
(92)} [النساء: 92].
ويستحب لأولياء القتيل العفو عن الدية، فإن عفو سقطت، وإن عفا بعضهم
فللباقي نصيبه من الدية بحسب ميراثه، أما الكفارة فهي لازمة للجاني.
- سر تنوع أحكام القتل:
وجب القصاص في العمد؛ لأن الجاني قصد القتل وفعله.
ولم يجب القصاص في شبه العمد؛ لأن الجاني لم يقصد القتل، ووجبت الدية لضمان
النفس المتلَفة.
وجُعلت الدية مغلظة؛ لوجود قصد الاعتداء، وجُعلت على العاقلة؛ لأنهم أهل
الرحمة والنصرة.
ولزمت الكفارة الجاني خاصة -عتقاً أو صياماً- لمحو الإثم عنه؛ لأن الكفارة
حق لله تعالى، فهي عبادة يُلزم بها القاتل لا غيره.
- عقوبات قتل شبه العمد:
عقوبات قتل شبه العمد ثلاثة أنواع:
1 - عقوبة أصلية: وهي الدية المغلظة، والكفارة.
2 - عقوبة بدلية: وتكون بالتعزير إذا سقطت الدية بسبب ما، والصوم في
الكفارة إذا عجز عن عتق الرقبة.
3 - عقوبة تبعية: الحرمان من الميراث والوصية.
وقتل النفس من الكبائر التي لا يمحو ذنبها إلا التوبة النصوح.
(5/52)
3 - قتل الخطأ
قتل الخطأ: هو أن يفعل الإنسان ما له فعله فيصيب آدمياً معصوم الدم لم
يقصده فيقتله.
مثل أن يرمي صيداً أو هدفاً فيصيب إنساناً فيقتله.
- أقسام قتل الخطأ:
قتل الخطأ نوعان:
الأول: أن يفعل فعلاً لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله، مثل أن يقصد
رمي صيد فيصيب بفعله إنساناً، أو يقصد رجلاً غير معصوم فيصيب غيره.
الثاني: أن يقتل من يظنه مرتداً، أو كافراً حربياً، فإذا هو مسلم، فالأول
خطأ في نفس الفعل، والثاني خطأ في ظن الفاعل.
وهذا وهذا، كلاهما قَتْل خطأ، تجب فيه الدية والكفارة، ولا قصاص فيه.
- ما يُلحق بقتل الخطأ:
يُلحق بقتل الخطأ ما يلي:
1 - ما هو في معنى الخطأ من كل وجه، وهو ما كان عن طريق المباشرة، كأن
ينقلب النائم على إنسان فيقتله بثقله.
2 - ما هو في معنى الخطأ من وجه دون وجه، وهو ما كان عن طريق التسبب، كما
لو حفر حفرة في طريق عام، فسقط فيها إنسان فمات.
3 - عمد الصبي والمجنون؛ لأن المجنون لا قصد له، والصغير وهو من دون البلوغ
غير مكلف.
(5/53)
4 - السكران إذا شرب الخمر ليقتل؛ لأنه
قَصَد الجناية قبل أن يسكر.
- ما يجب بقتل الخطأ:
قتل الخطأ ينقسم إلى قسمين:
الأول: تجب فيه الكفارة على القاتل، والدية المخففة على العاقلة، وهو قتل
المؤمن خطأ في غير صف القتال، أو كان القتيل من قوم بيننا وبينهم ميثاق،
وتكون هذه الدية مؤجلة على ثلاث سنين.
عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنَ
الإبلِ ثلاَثونَ بنْتَ مَخَاضٍ وَثلاَثونَ بنْتَ لَبُونٍ وَثلاَثونَ
حِقَّةً وَعَشَرَةُ بَنِي لَبُونٍ ذكَرٍ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
الثاني: تجب فيه الكفارة فقط، وهو المسلم الذي يقتله المسلمون بين الكفار
في بلادهم يظنونه كافراً.
فهذا لا دية على قاتله، وإنما عليه الكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام
شهرين متتابعين.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ
اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء: 92].
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4541) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2630).
(5/54)
- ما يترتب على قتل الخطأ:
يترتب على قتل الخطأ ما يلي:
1 - الدية على العاقلة مؤجلة ثلاث سنين.
2 - الكفارة على القاتل خاصة.
وتسقط الكفارة إذا لم يفرط القاتل، كمن حفر في ملكه بئراً للشرب، فسقط فيها
أحد فمات فلا دية عليه ولا كفارة.
وإذا رمى المسلم صف الكفار فقتل مسلماً سقطت الدية، ولزمته الكفارة.
- عقوبة قتل الخطأ:
لا قصاص في قتل شبه العمد والخطأ.
وإنما قتل الخطأ له عقوبتان:
1 - أصلية: وهي الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل.
2 - تبعية: وهي الحرمان من الميراث والوصية.
- الفرق بين قتل العمد والخطأ:
1 - العمد فيه قصاص، والخطأ لا قصاص فيه.
2 - العمد فيه إثم عظيم، والخطأ لا إثم فيه.
3 - العمد ديته مغلظة، والخطأ ديته مخففة.
4 - العمد لا كفارة فيه، والخطأ فيه كفارة.
5 - العمد ديته على القاتل، والخطأ ديته على العاقلة.
(5/55)
- الفرق بين قتل شبه العمد والخطأ:
قتل شبه العمد والخطأ يتفقان فيما يلي:
أن الدية تكون مؤجلة .. وتكون على العاقلة .. وجوب الكفارة .. العفو.
ويختص شبه العمد أن فيه قصد الاعتداء، وتجب فيه الدية مغلظة، وفيه الإثم.
ويختص قتل الخطأ بعدم قصد الاعتداء، وتجب فيه الدية مخففة، ولا إثم فيه.
- عاقلة الإنسان:
عاقلة الإنسان: هم الذكور من عصبته كلهم، قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم،
ويدخل فيهم أصوله وفروعه، وهم الآباء والأبناء الذكور، والإخوة لغير أم
وأبناؤهم، والأعمام وأبناؤهم، يبدأ بالأقرب فالأقرب، ويأخذ الأسهل عليه.
فهؤلاء الذكور أحق العصبات بميراث الجاني، فكانوا أولى الأقارب بنصرته
ومواساته وتحمُّل ديته.
- من لا عقل عليه من الأقارب:
لا تؤخذ الدية من فقير من العاقلة، ولا من أنثى، ولا من غير مكلف كالصغير
والمجنون، ولا من مخالف لدين الجاني، ولا رقيق؛ لأن تحمل الدية للنصرة
والمواساة، والفقير لا يقدر على المواساة، وغيره ليس من أهل النصرة،
والرقيق ماله لسيده.
(5/56)
- ما لا تتحمله العاقلة:
تحمل العاقلة الدية في جناية شبه العمد والخطأ.
ولا تحمل العاقلة دية العمد المحض .. ولا تحمل دية العبد جانياً أو مجنياً
عليه؛ لأنه كالمال المتلَف، فضمانه على القاتل.
ولا تحمل العاقلة صلحاً عن دعوى قتلٍ أنكره المدعى عليه.
ولا تحمل العاقلة اعترافاً من الجاني لم تصدقه به، ولا قيمة متلف.
ولا تحمل العاقلة ما دون ثلث الدية التامة، وهي مائة من الإبل.
فتحمل العاقلة كل دية كاملة في جناية شبه العمد والخطأ.
وتحمل كل دية بلغت ثلث الدية الكاملة فما فوقها، ولا تحمل ما دونها؛ لأنه
قليل لا يشق على الجاني تحمله.
- حكم من لا عاقلة له:
تجب دية جناية شبه العمد والخطأ على عاقلة الجاني، فإن لم يكن له عاقلة
فتجب على الجاني نفسه، فإن لم يكن قادراً فتؤدى من بيت مال المسلمين.
فالدية حق واجب بسبب الجناية، فيجب ضمانه وأداؤه لمستحقه إلا أن يعفو
فيسقط.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: قَضَى رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ،
سَقَطَ مَيّتاً، بِغُرّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمّ إنّ المَرْأَةَ الّتِي
قُضِي عَلَيْهَا بِالغُرّةِ تُوُفّيَتْ. فَقَضَىَ النّبِيّ - صلى الله عليه
وسلم - بِأَنّ مِيرَاثَهَا لزوجها وَبَنِيهَا، وَأَنّ العَقْلَ عَلَى
عَصَبَتِهَا. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6740) , ومسلم برقم (1681)، واللفظ له.
(5/57)
- حكم الصيام عن الميت:
من مات وعليه صيام واجب كرمضان أو صوم شهرين متتابعين كفارة، أو صوم نذر
فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون قادراً على الصيام فلم يصم.
فهذا يصوم عنه وليه أو أولياؤه، يتقاسمون الأيام بشرط التتابع في صيام
الكفارة، فيصوم الأول ثم الثاني .. وهكذا حتى تنتهي الأيام.
الثاني: أن يكون معذوراً بمرض ونحوه لم يتمكن معه من الصيام.
فهذا لا يلزم عنه الإطعام ولا الصيام؛ لأنه معذور.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ».
متفق عليه (1).
- حكم تشريح جثة الإنسان:
يجوز تشريح جثة الميت عند الضرورة لكشف الجريمة، ومعرفة سبب الوفاة، صيانة
لحق الميت وحق الجماعة من داء الاعتداء.
كما يجوز عند الضرورة تشريح جثث الموتى من الكفار، لمعرفة المرض، والتعلم
والتعليم في مجال الطب.
- أهم وسائل النقل:
أنعم الله على عباده بنوعين من وسائل النقل:
الأول: ما خلقه الله وسخره لخدمة الإنسان من الحيوان كالإبل والخيل والبغال
والحمير.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952) , ومسلم برقم (1147).
(5/58)
الثاني: ما هدى الله الإنسان لصناعته
والانتفاع به، وهي وسائل النقل الحديثة في البر والبحر والجو كالسيارات
والسفن والطائرات والقطارات.
قال الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا
وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ
السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}
... [النحل: 8 - 9].
- حكم قيادة السيارة:
ينقسم الناس في استخدام السيارات إلى ثلاثة أقسام:
1 - من يجيد قيادة السيارة، ويعرف واجباتها، ويفهم أنظمة السير.
فهذا يجوز له قيادة السيارة، لأنه أهل لذلك.
2 - من لا يجيد قيادة السيارة، ولا يعرف أنظمة السير.
فهذا مفرط لا يجوز له قيادة السيارة، لئلا يهلك نفسه ويضر غيره.
3 - من يجيد القيادة، ويعرف أنظمة السير، ولكنه لا يطبقها، ويعمد إلى
مخالفتها.
فهذا جان على نفسه وعلى غيره فيما خالف فيه.
- أحكام حوادث السيارات:
الإصابة بحوادث السيارات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون الإصابة في أحد ركاب السيارة.
ولهذا القسم أربعة أحوال:
الأول: أن يكون السائق مفرطاً في عدم غلق باب السيارة، وعدم تفقد عجلاتها
ونحو ذلك.
(5/59)
الثاني: أن يكون السائق متعدياً، كأن يسرع
سرعة زائدة، أو يحمِّل السيارة فوق طاقتها، أو يلعب بفرامل السيارة أو
مقودها، فيقع بسبب ذلك حادث.
فهذا المفرط والمتعدي إذا مات معه أحد وجب على السائق ما يلي:
1 - كفارة قتل الخطأ وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين.
2 - ضمان كل ما تلف بسبب الحادث من أموال.
3 - وجوب الدية على عاقلة السائق، مؤجلة على ثلاث سنين.
الثالث: أن يكون الحادث بسبب من غير السائق.
كأن ينكسر ذراع السيارة، أو ينفجر العجل، أو يهوي به جسر.
الرابع: أن يتصرف السائق تصرفاً يريد به النجاة والسلامة.
كأن تقابله سيارة مسرعة فينحرف عنها لئلا تصدمه، فتنقلب السيارة ويموت
الركاب.
فهذا السائق في الحالتين لم يتعد ولم يفرط، بل هو أمين قائم بما يجب عليه،
فلا شيء على السائق.
القسم الثاني: أن تكون الإصابة في غير ركاب سيارته:
ولهذا القسم حالتان:
الأولى: أن يكون المتسبب في الحادث المصاب نفسه.
كأن يفاجئه إنسان فيرمي نفسه أمام سيارة، ولا يمكن تلافي خطره.
فهذا لا يضمنه سائق السيارة؛ لأن المصاب هو الذي تسبب في إصابة نفسه أو
قتلها.
الثانية: أن يكون الحادث بسبب من السائق.
(5/60)
كأن يدهس إنساناً يسير أمامه، أو يصدم
جداراً أو شجرة ونحوهما فيصيب إنساناً أو غيره، أو يرجع إلى الوراء فيدهس
إنساناً.
فهذا يجب عليه ما يلي:
كفارة قتل الخطأ على السائق .. ضمان ما أتلفه من أموال .. الدية المخففة
على عاقلة السائق مؤجلة على ثلاث سنين.
- حكم التفحيط:
التفحيط: هو العبث بالسيارة بسير غير سويّ.
وحكم التفحيط محرم، ويجب أن يعزر من يفعله؛ لما يترتب على فعله من قتل
الأنفس، وإتلاف الأموال، وإزعاج الناس، وتعطيل حركة السير.
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29].
(5/61)
2 - الجناية على ما
دون النفس
- الجناية على ما دون النفس: هي كل أذى يقع على جسم الإنسان من غيره من دون
أن يودي بحياته.
- أقسام الجناية:
تنقسم الجناية إلى قسمين:
الأول: جناية على البهائم والجمادات بالغصب والإتلاف ونحوهما.
الثاني: جناية على الإنسان، وهي نوعان:
1 - جناية على النفس بالقتل كما تقدم.
2 - جناية على ما دون النفس بالضرب، أو القطع، أو الجَرْح ونحو ذلك.
وكل ذلك جناية محرمة يستحق فاعلها الإثم والعقوبة.
- أقسام الجناية فيما دون النفس:
الجناية فيما دون النفس لها أربع حالات:
الأولى: أن تكون الجناية بإتلاف الطرف بقطع ونحوه، كقلع العين أو السن،
وقطع الأذن أو اللسان أو اليد أو الأصبع ونحو ذلك.
الثانية: أن تكون الجناية بإذهاب منفعة أحد الأعضاء، كإذهاب حاسة السمع، أو
البصر، أو العقل، أو الكلام ونحو ذلك.
الثالثة: أن تكون الجناية بجَرْح البدن، سواء كان الجرح في الرأس أو سائر
البدن.
الرابعة: أن تكون الجناية بكسر العظام، سواء كانت عظام الرأس، أو الظهر، أو
(5/62)
الصدر، أو الرقبة أو سائر عظام البدن.
ولكل قسم من هذه الحالات أحكام في القصاص والديات.
- حكم التعدي على ما دون النفس:
يحرم التعدي على الأطراف بالجرح أو القطع كما يحرم التعدي على النفس، فإذا
كان التعدي على ما دون النفس عمداً ففيه القصاص.
وإن كان التعدي خطأ أو شبه عمد فلا قصاص فيه، وإنما تجب فيه الدية.
ومن أقيد بأحد في النفس أقيد به في الطرف والجراح، ومن لا فلا كما سبق.
1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ (190)} ... [البقرة: 190].
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ
تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ
بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ،
لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى
هَاهُنَا». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ
مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى
المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ». أخرجه مسلم (1).
- طرق إثبات الجناية:
تثبت الجناية بإحدى الطرق الآتية:
الإقرار .. الشهادة .. القرائن .. النكول عن اليمين .. القسامة.
1 - الإقرار: هو الإخبار عن ثبوت حق الغير على نفسه.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2564).
(5/63)
وهو حجة قاصرة على المقر لا يتعدى أثره إلى
غيره.
ويصح من كل بالغ عاقل مختار غير متهم في إقراره.
ولا يجوز الرجوع عن الإقرار إلا في الحدود؛ لأنها تُدرأ بالشبهة.
2 - الشهادة: وهي إخبار صادق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء.
وعدد الشهود اثنان إلا في الزنا فلا يُقبل فيه إلا أربعة شهود.
ولا تقبل شهادة النساء مع الرجال في الجنايات والقصاص والحدود، بل لابدّ
فيها من شهادة رجلين عدلين؛ لخطورتها، وضرورة التأكد من ثبوتها.
3 - القرينة: وهي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً فتدل عليه.
ولا يُحكم بالقرائن في الحدود؛ لأنها تُدرأ بالشبهات، ولا في القصاص إلا في
القسامة واللَّوْث؛ للاحتياط في أمر الدماء.
4 - النكول عن اليمين: هو الامتناع عن اليمين الموجهة إلى المدعى عليه من
جهة القاضي.
ولا يُقضى بالنكول في الحدود؛ لأن الحدود تُدرأ بالشبهات.
ولا يقضى به في القصاص، لكن يُحبس الجاني حتى يقرّ أو يحلف.
5 - القسامة: وهي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم لنفي التهمة، وهي خمسون
يميناً.
وإذا حلفها أولياء القتيل وجب القصاص في حال العمد، والدية في حال الخطأ
وشبه العمد، وإذا حلفها أولياء القاتل برئ القاتل، فإن لم يكن للقاتل
أولياء حلف الخمسين يميناً وبرئ.
(5/64)
- فضل العفو عن القصاص:
يستحب العفو عن القصاص في الأطراف والجروح إلى الدية، وأفضل من ذلك العفو
مجاناً، ويستحب طلبه ممن يملكه، ومن عفا وأصلح فأجره على الله.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رُفِعَ إِلَى
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ فِيهِ القِصَاصُ إِلاَّ
أَمَرَ فِيهِ بالعَفْوِ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
- ما لا ضمان فيه:
كل جناية بسبب من الظالم المعتدي فهي هدر لا قصاص فيها ولا دية، ومن ذلك:
1 - من اطلع في دار أحد بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية له ولا قصاص.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ أبُو القَاسِمِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أنَّ امْرَءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ
إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ
جُنَاحٌ». متفق عليه (2).
2 - من عض غيره بأسنانه، فنزع يده فسقطت أسنان العاض فلا قصاص عليه ولا
دية؛ لأنه غير معتد.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ
رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فيِهِ، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ،
فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يَعَضُّ
أحَدُكُمْ أخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَكَ». متفق عليه (3).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4497) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2692)، وهذا
لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6902) , واللفظ له، ومسلم برقم (2158).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6892) , واللفظ له، ومسلم برقم (1673).
(5/65)
3 - من قتل شخصاً أو حيواناً دفاعاً عن
نفسه، أو عن نفس غيره، أو عرضه أو ماله أو مال غيره، إذا لم يندفع إلا
بالقتل فلا قصاص عليه ولا دية.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ
جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ». قال:
أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلْهُ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟
قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قال: «هُوَ فِي
النَّارِ». أخرجه مسلم (1).
- القصاص فيما دون النفس:
إذا كانت الجناية عمداً فالقصاص فيما دون النفس نوعان:
الأول: القصاص في الأطراف:
فتؤخذ العين، والأنف، والأذن، والسن، والجفن، والشفة، واليد، والرجل،
والإصبع، والكف، والذكر، والخصية ونحوها، يؤخذ كل واحد من ذلك بمثله.
الثاني: القصاص في الجروح:
فإذا جرح أحد غيره عمداً فعليه القصاص، سواء انتهى الجرح بعظم كالذراع
والساق ونحوهما، أو لم ينته بعظم كجرح البطن.
1 - قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ
بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} ... [المائدة: 45].
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (140).
(5/66)
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ
الرُّبَيِّعَ -وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ،
فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا العَفْوَ فَأبَوْا، فَأتَوُا النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - فَأمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقال أنَسُ بْنُ
النَّضْرِ: أتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ لا
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقال: «يَا
أنَسُ، كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ». فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقال
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ، مَنْ لَوْ
أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ». متفق عليه (1).
- شروط القصاص في الأطراف والجراح:
يشترط لثبوت القصاص في الأطراف والجراح ما يلي:
عصمة المجني عليه .. أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً .. المكافأة في الدين،
فلا يُقتل مسلم بكافر أو يقتص منه، أن تكون الجناية عمداً.
- شروط استيفاء القصاص في الأطراف والجراح:
إذا ثبت القصاص وجب استيفاء القصاص إذا توفرت الشروط الآتية:
1 - الأمن من الحيف: بأن يكون القطع من مفصل، أو له حد ينتهي إليه.
2 - المماثلة في الاسم: فتؤخذ العين بالعين مثلاً، ولا تؤخذ يمين بشمال،
ولا خنصر ببنصر وهكذا ...
3 - الاستواء في الصحة والكمال فلا تؤخذ يد أو رجل صحيحة بشلّاء، ولا عين
صحيحة بعين لا تبصر، ويؤخذ عكسه ولا أرش.
فإذا تحققت هذه الشروط جاز استيفاء القصاص.
وإن لم تتحقق سقط القصاص، وتعينت الدية.
4 - إذا كان القصاص في الجروح، فيشترط استيفاء القصاص من غير حيف ولا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2703) , واللفظ له، ومسلم برقم (1675).
(5/67)
زيادة، فإن لم يمكن سقط القصاص، وتعينت
الدية.
- حكم سراية الجناية:
1 - سراية الجناية مضمونة بقود أو دية في النفس فما دونها، فلو قطع الجاني
أصبعاً فتآكلت حتى سقطت اليد، وجب القود في اليد، وإن سرت الجناية إلى
النفس فمات المجني عليه وجب القصاص.
2 - لا يقتص من طرف أو عضو أو جرح قبل برئه؛ لاحتمال سراية الجناية في
البدن، ولا يطلب له دية حتى يبرأ؛ لاحتمال السراية إلى غيره.
3 - إذا قطع أصبعاً عمداً فعفا عنها المجني عليه، ثم سرت إلى الكف أو
النفس، وكان العفو على غير شيء فلا قصاص ولا دية، وإن كان العفو على شيء
فعليه دية ما تلف.
4 - من مات في حد كالجلد والسرقة ونحوهما، أو في قصاص في الأطراف والجراح
فلا قصاص، ولكن تجب ديته في بيت مال المسلمين؛ لأن سراية القصاص والحدود
مهدرة.
- حكم اشتراك الجماعة في القطع أو الجرح:
إذا اتفق جماعة فقتلوا نفساً معصومة فعليهم جميعاً القصاص.
وإذا اتفقوا فقطعوا طرفاً كيد أو رجل، أو جرحوا جرحاً يوجب القود، فعليهم
جميعاً القصاص في الطرف أو الجرح، فكما نقتل خمسة تعمدوا قتل واحد، كذلك
نقطع أو نجرح خمسة تعمدوا قطع أو جرح واحد.
- حكم العدل في القصاص:
العدل في القصاص واجب بحسب الإمكان، فمن ضرب غيره بيده، أو
(5/68)
بعصاً، أو بسوط، أو لَكَزه، أو لَطَمه، أو
سبه اقتُص منه، وفُعل بالجاني كما فَعل به.
فضربة بضربة، ولطمة بلطمة، في محلها بالآلة التي لطمه بها أو مثلها إلا أن
يعفو.
ويشترط في السب خاصة ألا يكون محرم الجنس، فليس له أن يكفِّر من كفَّره، أو
يكذب على من كذب عليه، أو يلعن أب من لعن أباه؛ لأن ذلك محرم.
ومن أتلف مالاً، أو أفسد شيئاً ضمن مثله، متعمداً أو مخطئاً، فإن عدم المثل
ضمن قيمته.
1 - قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ
وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)} [البقرة: 194].
2 - وقال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا
عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} ... [الشورى: 40 - 41].
- حكم من اجتمع عليه قصاص طرف ونفس:
من وجب عليه قصاص طرف ونفس وجب تقديم قصاص الطرف على القتل؛ لأجل إمكان
الاستيفاء.
فإذا قلع الجاني عيناً، أو قطع يداً أو رجلاً، ثم قتل نفساً، فإنه يقتص لكل
عضو منه وجب فيه القصاص، ثم يقتل، سواء تقدم قتل النفس على الجناية على
الأطراف أم تأخر، وسواء كانت الجناية على شخص أو أشخاص.
(5/69)
- وقت القصاص فيما دون النفس:
وقت الحكم بالقصاص فيما دون النفس بعد بُرء المجني عليه؛ لاحتمال سراية
القطع أو الجرح إلى النفس.
وإذا استوفى المجني عليه القصاص دون انتظار، ثم مات بسبب السراية، فلا
قصاص؛ لأنه استوفى حقه من قبل.
- حكم الجناية على الجنين:
إذا ضرب أحد امرأة حاملاً فأجهضت وألقت ما في بطنها:
فإن ألقت الجنين ميتاً، فعقوبة الجاني هي دية الجنين غُرَّة عبد أو أمة،
قيمتها خمس من الإبل، وهي نصف عشر الدية.
فإن كانت الجناية عمداً وجبت حالَّة في مال الجاني، وإن كانت الجناية خطأ
أو شبه عمد وجبت الدية على العاقلة، وتتعدد الغرة بتعدد الأجنة، ولا يرث
الضارب منها شيئاً، وإن انفصل الجنين حياً ثم مات بسبب الجناية فتجب الدية
كاملة، فإن ماتت الأم من الضرب بعد موت الجنين فعلى الضارب ديتان للأم
والجنين، ولا يرث منها شيئاً.
وتجب الكفارة في الإجهاض على الضارب، سواء ألقت الجنين حياً أو ميتاً؛ لأنه
نفس معصومة مضمونة.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا
إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا
فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ
(5/70)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
(92)} ... [النساء: 92].
2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ
امْرَأتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ
فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم -، فَقَضَى أنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبْدٌ أوْ
وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أنَّ دِيَةَ المَرْأةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. متفق عليه
(1).
- عقوبة الجناية على ما دون النفس خطأً:
عقوبة الجناية بقطع أو جرح خطأً هي الدية أو الأرش، فإن كان القطع لِمَا في
الإنسان منه شيء واحد كاللسان والذَّكَر ونحوهما ففيه الدية كاملة مائة من
الإبل.
وإن كان القطع لِمَا في الإنسان منه اثنان كالعين أو الأذن فأرشه نصف الدية
وهكذا ..
وتتحمل العاقلة الدية في الخطأ وشبه العمد إذا بلغت ثلث الدية فأكثر.
- حكم نقل الدم من إنسان لآخر:
1 - يجوز عند الضرورة نقل الدم من إنسان لآخر، إذا قام به طبيب ماهر، ولم
يوجد بديل مباح عنه، وغلب على الظن نفع التغذية به، ورضي المأخوذ منه مع
عدم تضرره، وقَبِل ذلك المضطر إليه.
فيجوز التغذية به بقدر ما ينقذ المريض من الهلكة.
أما نقل الأعضاء من إنسان حي لآخر حي فلا يجوز، بخلاف الدم فإنه
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6910) , واللفظ له، ومسلم برقم (1686).
(5/71)
متجدد يمكن تعويض بدله بالتغذية.
2 - يجوز جمع الدم في (بنوك الدم) تحسباً لوجود المضطر، ومفاجأة الأحوال من
حوادث، وحالات ولادة، وحالات نزيف الدم ونحو ذلك.
3 - لا يجوز بيع الدم ولا شراؤه إلا لمضطر لم يجد من يبذله له.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ
تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29].
(5/72)
3 - أقسام الديات
1 - دية النفس
- الدية: هي المال المؤدى إلى المجني عليه أو ورثته بسبب الجناية.
- أقسام الدية:
تنقسم الدية إلى قسمين:
دية النفس ... دية ما دون النفس.
- حكمة مشروعية الدية:
الدية جزاء يجمع بين العقوبة والتعويض.
ففيها من الزجر والردع ما يكف الجناة، ويحمي الأنفس.
وفيها من جهة أخرى تعويض لما فات من الأنفس أو الأعضاء بالمال الذي يأخذه
المجني عليه أو ورثته.
- حكم الدية:
1 - الدية واجبة في قتل الخطأ وشبه العمد إلا أن يعفو عنها أولياء المقتول.
وتجب في قتل العمد إذا مات الجاني أو عفا الأولياء عن القصاص إلى الدية.
2 - تجب الدية على كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب، سواء كان الجاني
صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً، متعمداً أو مخطئاً.
وسواء كان التالف مسلماً أو كافراً ذمياً، مستأمناً أو معاهداً.
3 - إن كانت الجناية عمداً، ولم يكن قصاص، وجبت الدية حالَّة من مال
الجاني.
وإن كانت الجناية شبه عمد أو خطأ وجبت على عاقلة الجاني مؤجلة ثلاث
سنين.
(5/73)
1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ
لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ
قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ
عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} ... [النساء: 92].
2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَامَ
فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: «إِنَّ اللهَ
حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ
وَالمُؤْمِنِينَ وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا
أحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ
بَعْدِي، فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلا
تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ
بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أنْ يُفْدَى وَإِمَّا أنْ يُقْتَلَ». متفق
عليه (1).
- شروط وجوب الدية:
يشترط لوجب الدية ما يلي:
أن يكون المجني عليه معصوم الدم، سواء كان مسلماً أو ذمياً، فلا دية في قتل
الحربي، ولا المرتد، ولا الباغي؛ لفقد العصمة.
ولا يشترط الإسلام، ولا البلوغ، ولا العقل في إيجاب الدية، لا في جانب
القاتل، ولا في جانب المقتول، فإذا قتل صبي أو مجنون معصومَ الدم وجبت
الدية.
وإذا قتل بالغ عاقل صبياً أو مجنوناً وجبت عليه الدية.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6880) , ومسلم برقم (1355)، واللفظ له.
(5/74)
- حكم قتل الذمي:
يحرم قتل الذمي مستأمناً أو معاهداً، ومن قتله فقد ارتكب إثماً عظيماً،
وتجب عليه ديته، وعلى الحاكم تعزيره.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ
الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَامًا».
أخرجه البخاري (1).
- أصل دية المسلم:
أصل دية المسلم مائة من الإبل، والأصل في الدية الإبل، والأجناس الأخرى
أبدال عنها، وإذا غَلَت الإبل أخذ بدلها.
1 - عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ كِتَابًا فِيهِ
الفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ -وفيه-: وَأَنَّ فِي النَّفْسِ
الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الإبلِ. أخرجه النسائي والدارمي (2).
2 - وَعَنْ عَمرو بنِ شُعيبٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدهِ قَالَ: كَانَتْ قِيمَةُ
الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثمَانَ
مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثمَانِيَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ أَهْلِ
الكِتَاب يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ المُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَانَ
ذلِكَ كَذلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَامَ خَطِيباً
فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ الإبلَ قَدْ غَلَتْ قَالَ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى
أَهْلِ الذهَب أَلفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الوَرِقِ اثنَيْ عَشَرَ
أَلفاً وَعَلَى أَهْلِ البَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ
الشَّاءِ أَلفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ قَالَ
وَتَرَكَ دِيَةَ
أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ. أخرجه
أبو داود والبيهقي (3).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3166).
(2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4853)، وأخرجه الدارمي برقم (2277).
(3) حسن، أخرجه أبو داود برقم (4542) , وأخرجه البيهقي برقم (1671).
(5/75)
- أصناف الدية:
الأصل في الدية هو الإبل، ويجوز أخذها من الأجناس الأخرى إذا غلت الإبل أو
عُدمت.
وأجناس الدية ستة:
مائة من الإبل وهي الأصل .. ألف مثقال من الذهب .. اثنا عشر ألف درهم من
الفضة .. مئتا بقرة .. ألفا شاة .. مئتا حلة (إزار ورداء).
فالأصل الإبل، فإذا أحضر ما سواها فلا بد من موافقة من هي له.
ولولي الأمر أن يجعل الديات من أي صنفٍ من هذه الأصناف إذا رأى فيه المصلحة
واليسر على الناس.
مثقال الذهب = 4.25 غرام، فتكون الدية بالغرام = 1000 × 4.25 = 4250 غرام
ذهب.
وجنيه الفضة = 8 مثاقيل، فتكون الدية بالجنيه =12000 ÷ 8 = 1500 جنيه فضة.
- أقسام دية النفس:
تنقسم دية النفس إلى قسمين:
الأول: الدية المغلظة: في قتل العمد وشبه العمد.
الثاني: الدية المخففة: في قتل الخطأ.
فالدية المغلظة نوعان، والتغليظ في الإبل فقط كما يلي:
1 - تجب أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض .. وخمس وعشرون بنت لبون .. وخمس
وعشرون حقة .. وخمس وعشرون جذعة.
(5/76)
2 - تجب أثلاثاً: ثلاثون حقة .. وثلاثون
جذعة .. وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
وللإمام أن يعيِّن منهما ما يحقق المصلحة.
والدية المخففة تجب أخماساً:
عشرون بنت مخاض .. وعشرون بنت لبون .. وعشرون حقة .. وعشرون جذعة .. وعشرون
ابن مخاض.
ولا تعتبر القيمة في ذلك، بل تعتبر الصحة والسلامة.
- مقادير ديات النفوس:
1 - دية الرجل المسلم الحر: مائة من الإبل.
2 - دية المرأة المسلمة الحرة نصف دية الرجل: خمسون من الإبل.
3 - دية الكافر سواء كان كتابياً كاليهود والنصارى، أو غير كتابي كالمجوس
وعباد الأصنام، وسواء كان ذمياً مستأمناً أو معاهداً نصف دية المسلم: خمسون
من الإبل.
4 - دية نساء الكفار نصف دية رجالهم: خمس وعشرون من الإبل.
5 - دية العبد الرقيق قيمته، سواء كان ذكراً أو أنثى، وسواء كان كبيراً أو
صغيراً.
6 - دية الجنين عشر دية أمه: خمس من الإبل، سواء كان ذكراً أم أنثى، فإن
سقط الجنين حياً ثم مات ففيه الدية كاملة.
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ
امْرَأتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ
فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم -، فَقَضَى أنَّ
دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبْدٌ أوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أنَّ دِيَةَ
المَرْأةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6910) , واللفظ له، ومسلم برقم (1681).
(5/77)
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ، قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَقَالَ: «لاَ
يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ المُسْلِمِ».
أخرجه أحمد والترمذي (1).
- حكم الدية إذا مات الجاني:
من قتل شخصاً عمداً ثم مات الجاني سقط القصاص، وبقي حق أولياء المقتول في
الدية، فتؤخذ من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى ورثته، فإن لم يكن له ورثة
أخذت من بيت مال المسلمين.
- موجب دية النفس:
تجب الدية بما يلي:
1 - القتل عمداً إذا عفا ولي الدم عن القصاص.
2 - القتل خطأ أو شبه عمد.
- من تجب عليه الدية:
الدية يتحملها أحد ثلاثة، وهم:
1 - القاتل: وتجب في ماله خاصة في قتل العمد إذا تنازل أولياء المقتول عن
القصاص.
2 - العاقلة: وتجب عليهم الدية في قتل شبه العمد والخطأ.
3 - بيت المال: وتجب الدية من بيت المال إذا لم يكن للقاتل مال ولا عاقلة
موسرة ونحو ذلك.
- الحقوق التي يتحملها بيت المال:
يتحمل بيت المال الديون والديات في الأحوال الآتية:
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6692) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم
(1413).
(5/78)
1 - إذا مات أحد المسلمين وعليه دين، ولم
يكن له مال ولا وارث يؤدي عنه.
2 - إذا قتل أحد خطأ أو شبه عمد ولم تكن له عاقلة موسرة أخذت الدية من
الجاني، فإن كان معسراً أخذت من بيت المال.
3 - كل مقتول لم يُعلم قاتله كمن مات في زحام، أو طواف أو نحوهما فديته من
بيت المال.
4 - إذا وجبت الدية في خطأ ولي الأمر فيما هو من اختصاص وظيفته.
5 - إذا حكم القاضي بالقسامة، ونكل الورثة عن حلف الأيمان، ولم يرضوا بيمين
المدعى عليه، فداه الإمام من بيت المال.
- من تلزمه الدية في الحوادث:
1 - إذا انقلبت سيارة، أو اصطدمت مع غيرها، وكان ذلك ناتجاً عن تعد أو
تفريط من السائق، فإنه يضمن كل ما نتج عن ذلك، وإن مات أحد في ذلك الحادث
لزمته الدية والكفارة بعدد من مات.
2 - وإن وقع الحادث بغير تعد منه ولا تفريط، كما لو كانت عجلة السيارة
سليمة ثم انفجرت فلا دية عليه ولا كفارة.
- وقت أداء الدية:
1 - دية قتل العمد عند العفو عن القصاص تجب معجلة في مال الجاني، والواجب
غير محدود، بل ما يتم التراضي عليه بين الجاني وولي الدم، سواء كان مائة من
الإبل أو أكثر أو أقل.
2 - تجب دية قتل شبه العمد والخطأ على العاقلة مؤجلة على ثلاث سنين،
تخفيفاً على العاقلة.
(5/79)
- حكم أخذ الدية:
يجوز أخذ الدية بدل القصاص في قتل العمد.
ويجوز لولي الدم أخذها في قتل شبه العمد والخطأ، فتؤخذ وتوزع على الورثة.
والقصاص، وأخذ الدية، والعفو، يكون بحسب ما يحقق المصلحة العامة والخاصة،
وذلك هو الأفضل.
- حكم من قتل بعد أخذه الدية:
إذا أخذ ولي الدم الدية فلا يحل له أن يقتل القاتل.
وإذا قتله فهو ظالم، وأمره إلى الحاكم يصنع فيه ما يرى، مما يحقق المصلحة،
ويقطع دابر الشر.
- أسباب نقص الدية:
دية الرجل الحر المسلم مائة من الإبل.
ولنقص الدية أربعة أسباب:
الكفر .. والرق .. والجنين .. والأنوثة.
فالكفر يردها إلى النصف .. والأنوثة تردها إلى النصف .. والرق يردها إلى
القيمة .. وقتل الجنين يردها إلى غرة عبد أو أمة؛ لأنه غير مكتمل.
- الأحوال التي تسقط فيها الدية:
هي كل حالة أذن الشرع فيها لجلب مصلحة، أو درء مفسدة، فلا إثم ولا دية فيما
يترتب على التأديب المأذون فيه؛ لأن الإذن بالشيء يسقط تبعته.
ومن التأديب المشروع:
(5/80)
تأديب الحاكم رعيته .. وتأديب المعلم طلابه
.. وتأديب الرجل ولده .. وتأديب الزوج زوجته.
فهؤلاء وأمثالهم يريدون الخير لمن يؤدبونه، ويسعون في مصلحته، ولذلك لا
ضمان عليهم، فالتعليم والتأديب مقصود شرعاً.
- شروط التأديب الذي لا يضمن ما تلف به:
يشترط للتأديب المشروع خمسة شروط:
أن يكون المؤدَّب قابلاً للتأديب .. وأن يكون مستحقاً له .. وأن يكون
المؤدِّب له ولاية التأديب .. وأن يكون قصده التأديب لا الانتقام .. وأن لا
يسرف في الضرب والتأديب.
- حكمة مشروعية الكفارة:
الكفارة هي: عمل صالح يمحو أثر الذنب عن فاعله.
والغرض من الكفارة: إزالة إثم المعصية بتكليف المسلم بما يزيل إثم معصيته
عنه بإلزامه بأشياء، وهي بذاتها قربة وعبادة كعتق رقبة مؤمنة، أو صيام، أو
إطعام.
وكفارة قتل الخطأ وشبه العمد عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين
متتابعين.
- القتل الذي تجب فيه الكفارة:
الكفارة عبادة تجب على القاتل المسلم في قتل الخطأ وشبه العمد، سواء قتل
مسلماً أو كافراً معصوم الدم، ولا كفارة في قتل العمد.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
(5/81)
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ
اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء: 92].
- أنواع الكفارات:
الكفارات خمسة أنواع:
1 - كفارة قتل الخطأ:
وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع يصوم شهرين متتابعين.
2 - كفارة الجماع في نهار رمضان متعمداً من غير عذر:
وهي عتق رقبة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين
مسكيناً.
3 - كفارة الظهار:
وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم
ستين مسكيناً، فإذا كفَّر حلت له امرأته.
4 - كفارة اليمين:
وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام
متتابعة.
5 - كفارة جزاء الصيد:
عليه أن يكفِّر عن إثمه بالصيد: بمثله، أو يقوِّمه بمال، أو عدل ذلك
صياماً.
(5/82)
2 - الدية فيما دون
النفس
- الدية فيما دون النفس: هي المال الذي يلزم الجاني أو عاقلته دفعه إلى
المجني عليه مقابل الاعتداء عليه.
ويسمى بالأرش أحياناً.
فإن كان الشرع قد حدد مقداره ابتداء فهو الأرش المقدر، وإن ترك الشرع
تقديره للقاضي عن طريق حكومة العدل، فهو الأرش غير المقدر.
- أنواع الجنايات على ما دون النفس:
الجناية على ما دون النفس أربعة أنواع:
الأول: قطع الأطراف كاليد والرجل والأصبع واللسان ونحوها.
الثاني: إذهاب منافع الأطراف كإذهاب البصر مع بقاء العين، وإذهاب السمع مع
بقاء الأذن، وشل الرجل مع بقائها.
الثالث: جرح البدن كجرح اليد أو الصدر أو البطن.
الرابع: كسر العظام ككسر عظم اليد أو الساق ونحوهما.
عقوبة الخطأ وشبه العمد الدية، وعقوبة جناية العمد القصاص، أو الدية إذا
عفا المجني عليه.
- حكم الدية فيما دون النفس:
1 - إذا كانت الجناية فيما دون النفس عمداً ففيها القصاص، وإن عفا المجني
عليه إلى الدية أو أكثر منها، أو عفا مطلقاً فله ذلك.
(5/83)
2 - إن كانت الجناية خطأ أو شبه عمد ففيها
الدية ولا قصاص.
1 - قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ
بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} ... [المائدة: 45].
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ الرُّبَيِّعَ -وَهِيَ ابْنَةُ
النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا
العَفْوَ فَأبَوْا، فَأتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
فَأمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقال أنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ
الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا
تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقال: «يَا أنَسُ، كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ».
فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ».
متفق عليه (1).
- أقسام الدية فيما دون النفس:
تنقسم الدية فيما دون النفس إلى ثلاثة أقسام:
الأول: دية الأعضاء ومنافعها:
1 - ما كان في الإنسان منه شيء واحد ففيه دية النفس كاملة، وهو الأنف،
واللسان، واللحية، والذكر، والصلب، والجلد.
وتجب الدية كاملة في ذهاب منفعة العضو كالسمع، والبصر، والكلام، والعقل،
وشل العضو كاليد والرجل كما لو ضرب عينه فذهب بصره، أو ضرب يده فشلَّت ونحو
ذلك.
2 - ما كان في الإنسان منه شيئان، ففي كل واحد منهما نصف الدية، وفيهما
معاً
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2703) , واللفظ له، ومسلم برقم (1675).
(5/84)
الدية كاملة.
وما في الإنسان منه شيئان هو:
العينان، والأذنان، والشفتان، واليدان، والرجلان، والحاجبان، واللَّحْيان،
والأليتان، والخصيتان، والثديان، وأسكتا المرأة ونحو ذلك.
ومن كان له عضو واحد من هذه الأعضاء كفاقد إحدى عينيه أو يديه أو رجليه،
فإنه يستحق الدية الكاملة بإتلاف العضو الباقي.
وإذا ذهبت منفعة أحد العضوين ففيه نصف الدية، وإن ذهبت منفعتهما معاً وجبت
الدية كاملة.
3 - ما كان في الإنسان منه أربعة أشياء كأجفان العينين، ففي كل واحد إذا
قطع ربع الدية، وفي جميعها الدية كاملة.
4 - ما كان في الإنسان منه عشرة كأصابع اليدين، وأصابع الرجلين.
ففي كل أصبع عُشر الدية: عَشر من الإبل، وفي العشرة جميعاً الدية كاملة.
وفي أنملة كل أصبع ثلث دية الأصبع، وفي أنملة الإبهام نصف ديته.
وإذا ذهبت منفعة الأصابع ففيها الدية كاملة، وإذا ذهبت منفعة أصبع ففيه عشر
الدية.
5 - الأسنان:
أسنان الإنسان اثنان وثلاثون سناً:
أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربع أنياب، وعشرون ضرساً، في كل جانب عشرة،
خمسة أعلى، وخمسة أسفل.
فيجب في إتلاف كل سن من هذه الأسنان خمس من الإبل، وإذا أتلف
(5/85)
الأسنان كلها وجب عليه أكثر من دية النفس،
مائة وستون من الإبل.
6 - تجب الدية كاملة في كل واحد من الشعور الأربعة إذا ذهبت، وهي:
شعر الرأس .. وشعر اللحية .. وشعر الحاجبين .. وأهداب العينين، وفي الحاجب
الواحد نصف الدية، وفي الهدب الواحد ربع الدية.
- كل عضو أشل فليس فيه دية، بل فيه حكومة إلا الأنف والأذن.
وكل من جنى على عضو فأشله فعليه دية ذلك العضو إلا الأنف والأذن؛ لأن
جمالهما باق ولو شُلّا.
- في قطع اليد نصف الدية، سواء قطعها من الكف، أو المرفق، أو الكتف.
- في قطع الرجل نصف الدية سواء قطعها من الكعبين، أو الركبة، أو الورك.
- العضو الباطن كالعضو الظاهر في وجوب الدية ففي الكبد الدية كاملة، وفي
الكليتين الدية كاملة، وفي الكلية الواحدة نصف الدية.
- في المنخرين ثلثا الدية، وفي الحاجز بينهما ثلث الدية.
- في كل حاسة دية كاملة، وهي:
السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس.
فإذا جنى على أحد فصار لا يسمع، أو لا يبصر، أو لا يشم، أو لا يذوق، أو لا
يحس باللمس فعليه دية كاملة.
- تجب في عين الأعور الدية كاملة؛ لذهاب منفعة البصر، وإذا قلع الأعور عين
الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمداً فعليه دية كاملة ولا قصاص، وإن قلع
الصحيح عين الأعور الصحيحة عمداً فعليه القصاص، وإن كان خطأ أو شبه عمد
فعليه الدية كاملة.
(5/86)
- إذا سرت الجناية فمات المجني عليه، ففيه
دية النفس مائة من الإبل.
الثاني: دية الشجاج والجروح:
الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة.
والجروح سواء كانت في البدن أو الرأس عشر:
خمس فيها دية شرعية مقدرة .. وخمس فيها حكومة.
1 - الخمس التي فيها حكومة، هي على الترتيب:
1 - الحارصة: وهي التي تحرص الجلد وتشقه ولا يظهر منه دم.
2 - البازلة: وهي التي يسيل منها الدم القليل.
3 - الباضعة: وهي التي تشق اللحم.
4 - المتلاحمة: وهي الغائصة في اللحم.
5 - السمحاق: وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة تسمى السمحاق.
فهذه الشجاج الخمس ليس فيها دية مقدرة شرعاً، بل فيها حكومة.
والحكومة: كل ما لا قصاص فيه من الجناية فيما دون النفس، وليس له أرش مقدر
مثل كسر السن إلا العظم.
والحكومة: أن يُقوِّم أهل الخبرة والمعرفة المجني عليه كأنه عبد لا جناية
به، ثم يقوَّم وهي به قد برئت، فما نقص من القيمة فله مثل نسبته من الدية.
كأن تكون قيمته قبل الجناية عشرة آلاف، وقيمته بعد البرء من الجناية تسعة
آلاف، فديته العشر من كامل ديته.
2 - أما الخمس التي فيها مقدر شرعي فهي على الترتيب:
1 - الموضحة: وهي التي وصلت إلى العظم وأوضحته.
(5/87)
وديتها المقدرة شرعاً خمس من الإبل.
2 - الهاشمة: وهي التي توضح العظم وتهشمه، وفيها عشر من الإبل.
3 - المنقِّلة: وهي التي تهشم العظم وتنقله، وفيها خمس عشرة من الإبل.
4 - المأمومة: وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية.
5 - الدامغة: وهي التي تخزق جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية أيضاً.
والجرح إذا وصل إلى باطن الجوف أو الظهر أو الصدر أو الحلق ففيه ثلث الدية،
ويسمى الجائفة، وإن لم يصل الجرح إلى الباطن ففيه حكومة.
الثالث: دية العظام:
تجب الدية في كسر العظام كما يلي:
1 - الضلع: إذا كُسر ثم جُبر مستقيماً، فديته بعير.
2 - الترقوة: إذا كسرت ثم جبرت مستقيمة، ففيها بعير، وفي الترقوتين بعيران.
3 - الذراع، أو العضد، أو الساق، أو الفخذ: إذا كُسر ثم جَبر مستقيماً
بعيران، وإذا لم تنجبر العظام السابقة مستقيمة ففيها حكومة.
4 - الصلب: إذا كسر ثم جبر مستقيماً فيه حكومة، وإذا لم ينجبر ففيه الدية
كاملة.
5 - بقية العظام ليس فيها شيء مقدر بل فيها حكومة.
1 - قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ
بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45].
2 - وَعَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ
أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
(5/88)
أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- كَتَبَ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ
وَالدِّيَاتُ وَبَعَث بهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ عَلَى
أَهْلِ اليَمَنِ هَذِهِ نُسْخَتُهَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبيِّ - صلى الله
عليه وسلم - إِلَى شُرَحْبيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ
كُلاَلٍ وَالحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ قَيْلِ ذِيِ رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ
وَهَمْدَانَ أَمَّا بَعْدُ وَكَانَ فِي كِتَابهِ أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ
مُؤْمِنًا قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى
أَوْلِيَاءُ المَقْتُولِ وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ
الإبلِ وَفِي الأَنْفِ إِذا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ
الدِّيَةُ وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ
وَفِي الذكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلب الدِّيَةُ وَفِي العَيْنَيْنِ
الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلِ الوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي
المَأْمُومَةِ ثلُث الدِّيَةِ وَفِي الجَائِفَةِ ثلُث الدِّيَةِ وَفِي
المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإبلِ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ
أَصَابعِ اليَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإبلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ
مِنَ الإبلِ وَفِي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإبلِ وَأَنَّ الرَّجُلَ
يُقْتَلُ بالمَرْأَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذهَب أَلفُ دِينَارٍ. أخرجه النسائي
والدارمي (1).
- مقدار دية المرأة:
دية المرأة إذا قُتلت خطأ أو شبه عمد نصف دية الرجل.
ودية أطرافها وجراحاتها على النصف من دية الرجل وجراحاته فيما زاد عن ثلث
دية الرجل، ويستوي الرجل والمرأة فيما دون الثلث.
عَنْ شُريحٍ قَالَ: أَتاني عُروةَ البَارِقي مِن عِندِ عُمرَ: أَنَّ
جراحاتِ الرِّجالِ وَالنِّساءِ تَستَوي في السِّنِّ وَالموضِّحةِ، وَمَا
فَوقَ ذَلكَ فَديَةُ المَرأةِ عَلى النِّصفِ مِن دِيةِ الرَّجُلِ. أخرجه
ابن أبي شيبة (2).
_________
(1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4853) , وأخرجه الدارمي برقم (2277).
(2) صحيح/ أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» برقم (27487) , انظر «إرواء
الغليل» رقم (2250).
(5/89)
- ما تحمله العاقلة من الدية فيما دون
النفس:
إذا بلغ أرش الجناية فيما دون النفس ثلث الدية الكاملة حملته العاقلة،
ويكون مؤجلاً على ثلاث سنين كما في دية النفس، وإن كان الأرش أقل من ثلث
الدية فيحمله الجاني وحده.
- مقدار الدية فيما دون النفس:
دية الأطراف والجراح تقدَّر من دية الرجل أو المرأة، والمسلم وغير المسلم.
فالمرأة ديتها نصف الرجل، ودية الكافر نصف دية المسلم، ونساء الكفار ديتهن
نصف دية رجالهم.
ويتساوى الرجال والنساء فيما دون الثلث في دية ما دون النفس، وتقدَّر الدية
حسب المجني عليه.
(5/90)
|