قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ
مَبْرُورٌ». متفق عليه (1).
- فضل الغدوة والروحة في سبيل الله:
1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أوْ رَوْحَةٌ،
خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أَبي أَيّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله
- صلى الله عليه وسلم -: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ،
خَيْرٌ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ وَغَرَبَتْ». أخرجه مسلم (3).
- فضل من أراد الجهاد فحبسه مرض أو عذر:
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقالَ: «إِنَّ أقْوَاماً بِالمَدِينَةِ خَلْفَنَا،
مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ،
حَبَسَهُمُ العُذْرُ». أخرجه البخاري (4).
- فضل من جهز غازياً في سبيل الله:
عَنْ زَيْد بن خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللهِ
فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ
فَقَدْ غَزَا». متفق عليه (5).
- فضل من بذل نفسه وماله في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا
يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26) , واللفظ له، ومسلم برقم (83).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2792) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1880).
(3) أخرجه مسلم برقم (1883).
(4) أخرجه البخاري برقم (2839).
(5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2843) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1895).
(5/444)
وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ
اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ
نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا
كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (121)} [التوبة: 120 - 121].
2 - وَعَنْ أبي عَبْسٍ رََضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي
سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ». أخرجه البخاري (1).
- فضل النفقة في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي
كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة: 261].
2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا
أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} ... [البقرة: 262].
3 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيلِ
اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَكَ بِهَا
يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ، كُلّهَا مَخْطُومَةٌ».
أخرجه مسلم (2).
4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ
دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بابٍ: أيْ فُلُ هَلُمَّ».
متفق عليه (3).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (907).
(2) أخرجه مسلم برقم (1892).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2841) , ومسلم برقم (1027).
(5/445)
- فضل من خرج إلى الجهاد في سبيل الله ثم
مات أو قُتل:
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ
أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}
[النساء: 100].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ
مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ
تُحْشَرُونَ (158)} ... [آل عمران: 157 - 158].
- فضل من قُتل في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران: 169 - 171].
2 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله -
صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: «أَنّ الجِهَادَ
فِي سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ» فَقَامَ
رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي
سَبِيلِ اللهِ تُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ،
وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمّ قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ:
أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفّرُ عَنّي
خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ،
وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلاّ
الدّيْنَ، فَإنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ قَالَ لِي ذَلِكَ».
أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1885).
(5/446)
- فضل الصيام في سبيل الله:
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي
سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ
خَرِيفاً». متفق عليه (1).
- فضل من احتبس فرساً في سبيل الله:
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ اللهِ،
إِيمَاناً بِاللهِ، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ
وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».
أخرجه البخاري (2).
- فضل الغزو في البحر:
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ
مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَأطْعَمَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قالتْ:
فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟.
قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ
اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكاً عَلَى الأسِرَّةِ،
أوْ: مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأسِرَّةِ» - شَكَّ إِسْحَاقُ- قالتْ:
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ،
فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَضَعَ
رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا
يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، عُرِضُوا
عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ». كَمَا قال فِي الأوَّلِ، قالتْ:
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ،
قالَ: «أنْتِ مِنَ
الأوَّلِينَ». فَرَكِبَتِ البَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي
سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1153).
(2) أخرجه البخاري برقم (2853).
(5/447)
حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ.
متفق عليه (1).
- فضل الحراسة في سبيل الله:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ،
وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ
سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ، طُوبَى
لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أشْعَثَ
رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ كَانَ
فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ،
إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ».
أخرجه البخاري (2).
- فضل الخدمة في سبيل الله:
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا
المُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ،
أكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ
بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ،
فَضَرَبُوا الأبْنِيَةِ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأجْرِ».
متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2788) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1912).
(2) أخرجه البخاري برقم (2887).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3890) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1119).
(5/448)
3 - أقسام الجهاد في
سبيل الله
- أقسام الجهاد في سبيل الله:
ينقسم الجهاد في سبيل الله إلى قسمين:
الأول: الجهاد بالنفس والمال واللسان، وهو جهاد الدعوة إلى الله بين
الناس، حتى يكون الدين كله لله.
وهذا أعظم أنواع الجهاد، وأعظم من قام به الأنبياء والرسل، وهو جهاد
حسن لذاته، وهو مقصد بعثة الأنبياء والرسل، وبسببه يؤمن الناس، ويعبدون
ربهم وحده لا شريك له.
1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ
نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا
كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 51 - 52].
2 - وقال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ
اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ
وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} ... [الحج: 78].
الثاني: القتال في سبيل الله، وهو بذل النفس والمال من أجل إعلاء كلمة
الله، حتى لا تكون فتنة, ويكون الدين كله لله.
ولم يُفرض هذا الجهاد على جميع الأنبياء، وإنما فُرض على بعضهم كداود
وسليمان وموسى عليهم الصلاة والسلام.
وأفضل من جاهد هذا الجهاد سيد الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه
وسلم - وأصحابه
(5/449)
رضي الله عنهم، وهو المقصود هنا.
وهذا الجهاد حسن لغيره؛ لأنه يفتح أبواب الدعوة، والدعوة تفتح أبواب
الهداية، وكلاهما يفتح أبواب الجنة.
1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا
عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} [البقرة: 193].
2 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ (190)} ... [البقرة: 190].
- أحوال الجهاد في سبيل الله:
للجهاد في سبيل الله أربع حالات:
1 - جهاد النفس: وهو جهاد النفس على تعلم الدين، والعمل به، والدعوة
إليه، والصبر على الأذى فيه.
قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} ... [العصر: 1 - 3].
2 - جهاد الشيطان: وهو جهاد الشيطان على دفع ما يلقي إلى العبد من
الشبهات والشهوات.
قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ
عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ
السَّعِيرِ (6)} ... [فاطر: 6].
3 - جهاد أصحاب الظلم والبدع والمنكرات: ويكون باليد إذا قدر، فإن عجز
فباللسان، فإن عجز فبالقلب، ويكون بالحكمة حسب الحال والمصلحة حتى لا
تحصل فتنة.
(5/450)
1 - قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ
عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].
2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى
مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ
الإِيمَانِ». أخرجه مسلم (1).
4 - جهاد الكفار والمنافقين: ويكون بالقلب واللسان والنفس والمال، وهو
المقصود هنا.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات: 15].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)} ... [التحريم: 9].
- أنواع الجهاد في سبيل الله:
1 - جهاد ضد الكفار والمشركين: وهو أمر لازم لحفظ المسلمين من شرهم،
ولازم لنشر الإسلام بينهم، ويخيرون فيه على الترتيب بين الإسلام، أو
دفع الجزية، أو القتال.
1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
(29)} [التوبة: 29].
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (49).
(5/451)
2 - وعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ
أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى
اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ:
«اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ
بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا
وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً.
وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ
خِصَالٍ (أوْ خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ
وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ
فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ.
ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ
المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ
مَا لِلمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا
أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ
كَأعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذي
يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ
وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ
هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ
مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ
وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (1).
2 - جهاد ضد المرتدين عن الإسلام: ويخيرون على الترتيب بين العودة إلى
الإسلام، أو القتال.
عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه
البخاري (2).
3 - جهاد ضد البغاة: وهم الذين يخرجون على إمام المسلمين، ويثيرون
الفتنة،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1731).
(2) أخرجه البخاري برقم (3017).
(5/452)
فإن رجعوا وإلا قاتلهم، لتخمد فتنتهم.
قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} [الحُجُرات: 9].
4 - جهاد ضد قطاع الطريق: وهم المفسدون في الأرض.
وعقوبتهم حسب جريمتهم بما يراه الإمام من قَتْل، أو صلب، أو قَطْع
أيديهم وأرجلهم من خِلاف، أو نفيهم من الأرض كما سبق.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا
أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ
خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي
الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المائدة: 33 - 34].
(5/453)
4 - أحكام الجهاد في
سبيل الله
- الجهاد أفضل أنواع التطوع:
الجهاد في سبيل الله أفضل أنواع التطوع، فهو أفضل من تطوع الحج
والعمرة، ومن تطوع الصلاة والصيام؛ لما فيه من إعلاء كلمة الله، وحفظ
الإسلام والمسلمين، وقمع المعتدين، وإزالة الفتن.
وهو من أفضل العبادات؛ لِمَا فيه من رفعة الدرجات، ولِمَا فيه من الزهد
في الدنيا، وهجر الرغبات، ومفارقة الأهل والدار، والتضحية بالنفس
والمال.
1 - قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا
وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى
الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً
وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} ... [النساء: 95 -
96].
2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً
أَتَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَيّ النّاسِ
أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ
وَنَفْسِهِ» قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ
الشّعَابِ، يَعْبُد الله رَبّهُ، وَيَدَعُ النّاسَ مِنْ شَرّهِ». متفق
عليه (1).
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ
لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ
اللهِ عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ» قَالَ: فَأَعَادُوا
عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ
تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي
سَبِيلِ اللهِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2786) , ومسلم برقم (1888)، واللفظ
له.
(5/454)
كَمَثَلِ الصّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ
بِآيَاتِ الله، لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ، حَتّى
يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَىَ». متفق عليه (1).
- حكم الدعوة قبل القتال:
تجب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال لمن لم تبلغهم الدعوة، فإن انتشر
الإسلام، وعرفه الناس، فالدعوة مستحبة؛ تأكيداً للإعلام والإنذار،
وليست بواجبة.
ولا يجوز قتال الكفار إلا بشرطين:
1 - إبلاغهم الدعوة إلى الإسلام إذا كانت لم تبلغهم.
2 - أن يكونوا حربيين غير مستأمنين، ولا معاهدين، ولا أهل ذمة؛ لأن
دماء هؤلاء مصونة معصومة.
فإذا توفر هذان الشرطان جاز قتالهم من دون إنذار سابق.
1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ
أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ
اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ
تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وإذَا لَقِيتَ
عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ
خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ
عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ
مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلّى التَّحَوُّلِ مِنْ
دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ
فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى
المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2785) , ومسلم برقم (1878)، واللفظ
له.
(5/455)
فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ
كَأعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذي
يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ
وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ
هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ
مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ
وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - أغَارَ عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ.
متفق عليه (2).
- حكم القتال قبل الدعوة:
لا يجوز قتال من لم تبلغهم الدعوة إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام، فإن
أبوا يطالَبون بدفع الجزية، فإن أبوا جاز قتالهم، ويجوز قتال من بلغتهم
الدعوة بدون سابق إنذار، فإن مقصد الجهاد في الإسلام إزالة الكفر
والشرك، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ونشر العدل، ورفع الظلم،
وإزالة الفتن، وإزاحة من يقوم في وجه من يبلغ الإسلام وينشره.
فإذا حصلت هذه المقاصد العظيمة بدون قتال لم يُحتج إلى القتال.
فالله خلق بني آدم لعبادته، فلا يجوز قتل أحد منهم إلا من آذى وعاند
وأصر على الكفر، أو ارتد، أو ظلم الناس، أو منع الناس من الدخول في
الإسلام، أو منع الدعاة من الدعوة إلى الله.
وما قاتل رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قوماً قط إلا دعاهم إلى
الإسلام.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا قَاتَلَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْماً قَطُّ إِلاَّ دَعَاهُمْ.
أخرجه أحمد والدارمي (3).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1731).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2541) , ومسلم برقم (1730).
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2105) , وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم
(2444).
(5/456)
- حكم حفظ حدود البلاد:
يجب على إمام المسلمين حفظ حدود بلاد المسلمين من الكفار، إما بعهد
وأمان، وإما بسلاح ورجال، حسب ما تقتضيه المصلحة والحال.
قال الله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ
أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً
وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ
مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا
حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
(102)} ... [النساء: 102].
- فضل الرباط في سبيل الله:
توجد على حدود بلاد الإسلام منافذ قد يتسلل منها العدو إلى داخل
البلاد.
وقد رغَّب الإسلام في حفظ هذه الثغور بإعداد الجنود الذين يحرسون هذه
الثغور، ويرابطون فيها، وأفضل الرباط ما كان بأشد الثغور خوفاً،
وأعظمها منفعة.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا
وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(200)} [آل عمران: 200].
2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي
سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ
سَوْطِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا
عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوِ
الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2892) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1881).
(5/457)
وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ
وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَىَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الّذِي كَانَ
يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفَتّانَ». أخرجه
مسلم (1).
- حكم قصد المشقة في العمل:
السنة للمسلم أن يقصد العمل الذي يَعْظُم أجره لعظم مشقته من حيث هو
عمل كالجهاد والحج مثلاً.
فإنْ قَصَد نفس المشقة فقد خالف الشرع؛ لأن الله لا يقصد بالتكليف نفس
المشقة.
ولا يجوز التقرب إلى الله بالمشاق؛ لأن القُرَب كلها تعظيم للرب
سبحانه، وليس عين المشاق تعظيماً ولا توقيراً.
والأجر على قدر منفعة العمل، لا على قدر المشقة والتعب.
وكثرة الثواب مع المشقة لا لأن المشقة مقصودة لذاتها، بل لأن العمل
مستلزم للمشقة.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ
مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ
وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} [الحج: 78].
2 - وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ،
يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا:
«انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ
فَأهِلِّي، ثُمَّ
ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ
نَصَبِكِ». متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1913).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1787) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1211).
(5/458)
- حكم من حبسه العذر عن الغزو:
عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقالَ: «إِنَّ أقْوَاماً بِالمَدِينَةِ خَلْفَنَا،
مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ،
حَبَسَهُمُ العُذْرُ». أخرجه البخاري (1).
- وقت الخروج للجهاد في سبيل الله:
السنة أن يخرج الإمام بالجيش يوم الخميس، فإن كانت مصلحة أو حاجة أو
عذر خرج بهم بحسبها في أي يوم.
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ الخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،
وَكَانَ يُحِبُّ أنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ. متفق عليه (2).
- حكم توديع المجاهدين في سبيل الله:
من السنة توديع المسافرين والمجاهدين في سبيل الله.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قال: بَعَثَنَا
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ، وَقال لنا: «إِنْ
لَقِيتُمْ فُلاناً وَفُلاناً -لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا-
فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ». قالَ: ثُمَّ أتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ
حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ. فَقالَ: «إِنِّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ
تُحَرِّقُوا فُلاناً وَفُلاناً بِالنَّارِ، وَإِنَّ النَّارَ لا
يُعَذِّبُ بِهَا إِلاّ اللهُ، فَإِنْ أخَذْتُمُوهُمَا
فَاقْتُلُوهُمَا». أخرجه البخاري (3).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2839).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2950) , واللفظ له، ومسلم برقم
(716).
(3) أخرجه البخاري برقم (2954).
(5/459)
5 - أحوال المجاهدين
في سبيل الله
- أحوال المجاهدين في سبيل الله:
المجاهد في سبيل الله له ثلاث حالات:
1 - المسلم القادر مالياً وبدنياً، فهذا يجب عليه الجهاد بنفسه وماله.
2 - القادر بدنياً، العاجز مالياً، فهذا يجب عليه الجهاد بنفسه فقط.
3 - القادر مالياً، العاجز بدنياً، فهذا يجب عليه الجهاد بماله دون
نفسه.
4 - العاجز بدنياً ومالياً، فهذا لا يجب عليه الجهاد، فعليه بالدعاء
للمسلمين المجاهدين.
1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا
عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} ... [البقرة: 193].
2 - وقال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى
الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ
حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} ... [التوبة: 91].
3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بأَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- درجات المجاهدين في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا
وَعَدَ
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2504) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي
برقم (3096).
(5/460)
اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ
الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ
مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
(96)} [النساء: 95 - 96].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ،
وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ
يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي
أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا
نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ،
أعَدَّهَا اللهُ لِلمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ
الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ
اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ،
وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ
تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (1).
3 - وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي،
فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأدْخَلانِي دَاراً هِيَ أحْسَنُ
وَأفْضَلُ، لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْهَا، قالا: أمَّا هَذِهِ
الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ». متفق عليه (2).
- حكم جهاد النساء:
القتال في سبيل الله، والإغارة والكر والفر والضرب بالسيوف من خصائص
الرجال، ويجوز عند الحاجة خروج النساء مع الرجال لخدمة المجاهدين،
ومداواة الجرحى، وسقي الماء ونحو ذلك، مع الاحتشام وعدم الخلوة.
1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا
فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ} ... [النساء: 14].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2790).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2791) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2275).
(5/461)
أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ
أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ
غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ
لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} ...
[النور: 30 - 31].
3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِأُمّ سُلَيْمٍ،
وَنِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ إذَا غَزَا. فَيَسْقِينَ المَاءَ
وَيُدَاوِينَ الجَرْحَى. متفق عليه (1).
- حكم استئذان الوالدين في الجهاد:
1 - لا يجاهد المسلم تطوعاً إلا بإذن والديه؛ لأن الجهاد فرض كفاية،
وبر الوالدين فرض عين في كل حال.
أما إذا وجب الجهاد كما سبق فيجاهد بلا إذنهما.
2 - كل تطوع فيه منفعة للإنسان، ولا ضرر على والديه فيه، فلا يُحتاج
إلى إذنهما فيه كقيام الليل، وصيام التطوع ونحوهما.
فإن كان فيه ضرر على الوالدين أو أحدهما كجهاد التطوع فلهما منعه، ويجب
عليه أن يمتنع؛ لأن طاعة الوالدين في غير معصية الله واجبة، والتطوع
ليس بواجب.
1 - قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3811) , ومسلم برقم (1810)، واللفظ
له.
(5/462)
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بن مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
-: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قالَ: «الصَّلاةُ عَلَى
وَقْتِهَا». قَالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ».
قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمُا قالَ: جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِي
الجِهَادِ، فَقالَ: «أحَيٌّ وَالِدَاكَ». قالَ: نَعَمْ، قالَ:
«فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». متفق عليه (2).
- حكم استئذان صاحب الدَّين:
لا يتطوع بالجهاد مَدِين لا وفاء له، إلا أن يستأذن من صاحب الدين، أما
إذا وجب الجهاد فيخرج بلا إذنه.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: «أَنّ الجِهَادَ فِي
سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِالله أَفْضَلُ الأَعْمَالِ» فَقَامَ
رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ
اللهِ تُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى
الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْتَ
صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمّ قَالَ رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم -: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ
قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ
مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلاّ الدّيْنَ، فَإنّ جِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السّلاَمُ قَالَ لِي ذَلِكَ». أخرجه مسلم (3).
- حكم الكافر إذا قَتل المسلم ثم أسلم وقُتل:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «يَضْحَكُ اللهُ إِلَى
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5970) , واللفظ له، ومسلم برقم
(85).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3004) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2549).
(3) أخرجه مسلم برقم (1885).
(5/463)
رَجُلَيْنِ، يَقْتُلُ أحَدُهُمَا الآخَرَ،
يَدْخُلانِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ،
ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ». متفق عليه (1).
- عقوبة ترك الجهاد في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا
قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى
الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [التوبة: 38 - 39].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} ... [البقرة: 195].
3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: إِذَا -يَعْنِي ضَنَّ
النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ- وَتَبَايَعُوا بِالعِيْنِ،
وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ البَقَرِ، وَتَرَكُوا الجِهَادَ فِي سَبِيلِ
اللهِ، أَنْزَلَ الله بِهِمْ بَلاَءً، فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ
حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ. أخرجه أحمد (2).
4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ
يُحَدّثُ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَىَ شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ». أخرجه
مسلم (3).
- حكم الاستعانة بالفجار والكفار في الجهاد:
الجهاد في سبيل الله عبادة من العبادات، فلا يصح إلا من مسلم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2826) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1890).
(2) حسن/ أخرجه أحمد برقم (4825).
(3) أخرجه مسلم برقم (1910).
(5/464)
وتجوز الاستعانة بالمنافقين والفساق على
قتال الكفار، وقد كان عبد الله بن أُبي ومن معه من المنافقين يخرجون
للقتال مع رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وأما قتال الكفار مع المسلمين ضد أعدائهم فلا يجوز إلا بثلاثة شروط:
1 - أن تدعو الحاجة إلى ذلك كقلة المسلمين، وكثرة الكفار.
2 - أن يُعلم من الكفار حسن رأيٍ في الإسلام وميل إليه.
3 - أن يكون الأمر والتدبير بيد المسلمين.
ومتى استعان بهم إمام المسلمين أسهم لمن شارك معه من الغنيمة كالمسلم؛
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بصفوان بن أمية وهو مشرك،
وأعطاه من الغنيمة وأكثر، فكان ذلك سبباً في إسلامه.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} ... [المائدة: 51].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ - صلى الله
عليه وسلم - أَنّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمّا كَانَ بِحَرّةِ الوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ
رَجُلٌ، قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ،
فَلَمّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
جِئْتُ لأَتّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ:
«فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ». قَالَتْ: ثُمّ مَضَى،
حَتّى إذَا كُنّا بِالشّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرّجُلُ، فَقَالَ لَهُ
كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ - صلى الله عليه
وسلم - كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ، قَالَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ
أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ
بِالبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ «تُؤْمِنُ
بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «فَانْطَلِقْ». أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1817).
(5/465)
- ما يجب على قائد جيش المسلمين:
يجب على إمام المسلمين أو من ينوب عنه ما يلي:
1 - أن يتفقد الجيش والأسلحة عند المسير إلى العدو.
2 - أن يرغِّب الناس في الجهاد، ويمنع المخذِّل والمُرْجف، وكل من لا
يصلح للجهاد، ولا يستعين بكافر إلا لضرورة.
3 - أن يُعدّ الزاد وما يحتاجه في الجهاد، ويسير بالجيش برفق، ويطلب
لهم أحسن الطرق والمنازل.
4 - أن يمنع الجنود من الفساد والمعاصي، ويحدِّثهم بما يقوي نفوسهم،
ويرغِّبهم في الشهادة، ويأمرهم بالصبر والاحتساب، والمحافظة على
الطاعات.
5 - أن يقسم الجيش، ويعيِّن عليهم العرفاء والحراس، ويعقد الألوية
والرايات، ويسبقهم إلى العدو عند الفزع.
6 - أن يشاور في أمور الجهاد أهل الدين والرأي والخبرة.
7 - أن يبث العيون على الأعداء؛ ليعرف عددهم وأخبارهم.
8 - أن يوصي جنوده بالتوكل على الله، وكثرة ذكره، والثناء عليه، ولزوم
الاستغفار، والرحمة فيما بينهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
ولزوم تقوى الله عز وجل.
9 - أن يكون قدوة حسنة للمجاهدين معه، وينزلهم منازلهم، ولا يستأثر
عليهم بشيء، ولا يأمرهم بمعصية الله.
10 - أن يزور مرضاهم، ويواسي مصابهم، ويجازي المحسن، ويعاقب المسيء،
(5/466)
ويحسن إلى الضعيف.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ
عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (11)} [الصف: 10 - 11].
2 - وقال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} ... [المائدة: 2].
3 - وَعَنْ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ المُزَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا
مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ الله رَعِيّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ
وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيّتِهِ، إلاّ حَرّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنّةَ».
متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ وَأشْجَعَ النَّاسِ وَأجْوَدَ
النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أهْلُ المَدِينَةِ، فَكَانَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ، وَقالَ: «وَجَدْنَاهُ
بَحْراً». متفق عليه (2).
- ما يجب على المجاهدين في سبيل الله:
يجب على المسلمين المجاهدين في سبيل الله ما يلي:
1 - طاعة الإمام أو نائبه في غير معصية الله.
2 - الصبر على تحمل المشاق في سبيل الله، وعدم الفرار من الزحف،
والثبات أمام العدو.
3 - الإخلاص في العمل، ولزوم التقوى.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7151)، ومسلم برقم (1829) واللفظ
له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2820) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2307).
(5/467)
4 - التعاون على البر والتقوى، وإظهار
القوة والجَلَد أمام الأعداء، والتراحم فيما بينهم.
5 - اجتناب المعاصي، فإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله.
6 - الاستعانة بالله وحده في جميع الأمور مع الأخذ بالأسباب المشروعة.
7 - الاستعداد لامتثال جميع أوامر قائد الجيش المشروعة ليحصل له جزيل
ثوابها.
8 - عدم الحمل على العدو إلا بإذن القائد، وإن فاجأ المسلمين عدو
يخافون شره فلهم أن يدافعوا عن أنفسهم.
9 - الاشتغال بالطاعات من ذكر وصلاة وتلاوة قرآن، وخدمة المجاهدين،
والنصح لهم.
10 - اجتناب الغيبة والنميمة، والقيل والقال، والإشاعات والإرجاف،
وإساءة الظن ونحو ذلك مما يقلب الأمور.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} ... [النساء: 59].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ
فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال:45 - 46].
3 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا
سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ
فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ... [الفتح: 29].
4 - وَعَنْ أبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً وَأبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ، قالَ:
(5/468)
«يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا
وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا». متفق عليه (1).
- حكم من هاجم العدو وحده:
من ألقى نفسه في أرض العدو، أو اقتحم في جيوش الكفار المعتدين، بقصد
التنكيل بالأعداء، وزَرْع الرعب في قلوبهم، خاصة مع اليهود المعتدين،
ثم قُتل، فقد نال أجر الشهداء الصادقين، والمجاهدين الصابرين.
وهذا أقل خسارة، وأكثر نكاية بالأعداء.
ومن خشي الأسر من المسلمين، ولا طاقة له بعدوه، فله أن يُسلِّم نفسه،
ويجعل الله له فرجاً، وله أن يقاتل حتى يُقتل أو يغلب، وذلك يختلف
باختلاف الإيمان والقدرة.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ
أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} ... [النساء:
74].
- نوم المجاهد بجوار سلاحه:
عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ غَزَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا
قَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ،
فَأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ
يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً،
فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا، وَإِذَا
عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ، فَقال: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي
وَأنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، فَقال:
مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: «اللهُ -ثَلاثاً-». وَلَمْ
يُعَاقِبْهُ
وَجَلَسَ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3038) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1733).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2910) , واللفظ له، ومسلم برقم
(843).
(5/469)
6 - آداب الجهاد في
سبيل الله
- آداب الجهاد في الإسلام:
أهم آداب الجهاد في الإسلام:
1 - التوكل على الله، وحسن تقواه، وطلب النصر منه وحده.
2 - الدعاء والصبر والإخلاص لله في العمل، وذكر الله وتكبيره.
3 - اجتناب المعاصي، فهي أعظم سبب لتسلط الكفار على المسلمين.
4 - عرض الإسلام على الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة، فإن أبوا فالجزية،
فإن أبوا حل قتالهم.
5 - البعد عن الفخر والعجب والرياء.
6 - سؤال الله العافية، وعدم تمني لقاء العدو، والصدق في القتال.
7 - عدم تحريق الآدمي والحيوان بالنار.
8 - عدم الغدر، وعدم قتل النساء والأطفال والشيوخ الكبار والرهبان إذا
لم يقاتلوا، وكل من اجتنب الحرب لا يحل قتله.
فإن قاتلوا، أو حرَّضوا، أو كان لهم رأي وتدبير في الحرب قُتلوا.
1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ
لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
(9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ
قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال: 9 - 10].
2 - وقال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ
وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} ... [آل عمران:
160].
(5/470)
3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ (47)} ... [الأنفال: 45 - 47].
4 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ
أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ
اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ
تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وإذَا لَقِيتَ
عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ
خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ
عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ
مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ
دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ
فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى
المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ
أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ
حُكْمُ اللهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ
لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ
المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ
أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا
فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (1).
5 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: وُجِدَتِ
امْرَأةٌ مَقْتُولَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -. فَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1731).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3015) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1744).
(5/471)
6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي بَعْثٍ فَقالَ: «إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاناً وَفُلاناً
فَأحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ». ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ: «إِنِّي أمَرْتُكُمْ أنْ تُحْرِقُوا
فُلاناً وَفُلاناً، وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللهُ،
فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا». أخرجه البخاري (1).
7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ
إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأتِي قَوْماً أهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا
جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى: أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إِلا
اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ
بِذَلِكَ فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ
صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ
بِذَلِكَ، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً،
تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ
هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ،
وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اللهِ حِجَابٌ». متفق عليه (2).
8 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: حَرَّقَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ. متفق عليه
(3).
- ما يقوله المسلم إذا خاف العدو:
1 - «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ». أخرجه مسلم (4).
2 - وَعَنْ أَبي بُرْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثهُ أَنَّ النَّبيَّ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا خَافَ قَوْماً قَالَ: «اللَّهُمَّ
إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذ بكَ مِنْ شُرُورِهِمْ».
أخرجه أحمد وأبو داود (5).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3016).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1496) , واللفظ له، ومسلم برقم
(19).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3021) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1746).
(4) أخرجه مسلم برقم (3005).
(5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19958) , وأخرجه أبو داود برقم (1537).
(5/472)
- الاستنصار بالضعفاء:
1 - عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأى سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ
أنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ
بِضُعَفَائِكُمْ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَفي لفظ: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بضَعِيفِهَا
بدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ». أخرجه النسائي (2).
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ
بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ». أخرجه مسلم
(3).
- حكم الخدعة والكذب في الحرب:
يجوز في الحرب الخداع والكذب من أجل تضليل العدو، بشرط ألا يشتمل على
نقض عهد، أو إخلال بأمان.
ومن الخداع أن يوهم العدو بأن جنود المسلمين كثرة كاثرة، وأسلحته قوة
لا تقهر.
ومن الخداع أن الإمام إذا أراد غزو بلد في الشمال مثلاً، أظهر أنه يريد
الجنوب، فالحرب خدعة.
وفي هذا الفعل فائدتان:
الأولى: أن خسائر الأموال والأرواح تقل بين الطرفين، فتحل الرحمة محل
القسوة.
الثانية: توفير طاقة جيش المسلمين لمعركة لا تجدي فيها الخدعة.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2896).
(2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (3178).
(3) أخرجه مسلم برقم (2622).
(5/473)
1 - عَنْ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَلَّمَا
يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى
كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً وَمَفَازاً،
وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ
أمْرَهُمْ، لِيَتَأهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأخْبَرَهُمْ
بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ:
قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الحَرْبُ خَدْعَةٌ». متفق
عليه (2).
3 - وَعَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، اللاَّتِي
بَايَعْنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا سَمِعَتْ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «لَيْسَ
الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْراً
وَيَنْمِي خَيْراً». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ
فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ،
الحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ
امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ المَرْأَةِ زَوْجَهَا. متفق عليه (3).
- ترغيب المجاهدين في قتال العدو:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا
أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ
(65)} ... [الأنفال: 65].
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - إِلَى الخَنْدَقِ، فَإِذَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2948) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2769).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3030) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1739).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2692) , ومسلم برقم (2605)، واللفظ
له.
(5/474)
المُهَاجِرُونَ وَالأنصار يَحْفِرُونَ فِي
غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ، عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ
لَهُمْ، فَلَمَّا رَأى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالجُوعِ، قَالَ:
«اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأنْصَارِ
وَالمُهَاجِرَهْ».
فَقالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا
أبَدَا. متفق عليه (1).
- فضل الطليعة في الحرب:
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ القَوْمِ». يَوْمَ الأحْزَابِ،
قال الزُّبَيْرُ: أنَا، ثُمَّ قالَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ
القَوْمِ». قال الزُّبَيْرُ: أنَا، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم -: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيّاً، وَحَوَارِيَّ
الزُّبَيْرُ». متفق عليه (2).
- فضل الجهاد على الخيل:
عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ
إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ الأَجْرَ وَالمَغْنَمَ». متفق عليه (3).
- حكم البيعة عند القتال:
من السنة أن يبايع الإمام المجاهدين على الصبر أو الموت؛ تشجيعاً لهم،
وتقوية لمعنوياتهم.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا
يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ
عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}
[الفتح: 10].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2834) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1805).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2846) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2415).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2852) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1873).
(5/475)
2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ
اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} ... [الفتح: 18].
3 - وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ
الأكْوَعِ: عَلَى أيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى المَوْتِ. متفق عليه
(1).
- ما يقوله إذا رأى ملامح النصر:
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا
الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ
جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ
(174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا
يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ
الْمُنْذَرِينَ (177)} [الصافات: 171 - 177].
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهَا لَيْلاً، وَكَانَ إِذَا
جَاءَ قَوْماً بِلَيْلٍ لا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ،
فَلَمَّا أصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ،
فَلَمَّا رَأوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ.
فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أكْبَرُ، خَرِبَتْ
خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ
المُنْذَرِينَ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4169) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1860).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2945) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1365).
(5/476)
7 - أحكام القتال في
سبيل الله
- أثر اليقين والصبر في النصر:
بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.
فإذا قام المسلم بالحق .. وكان قيامه بالله .. ولله، لم يقم له شيء،
ولو كادته السماوات والأرض وما فيهن لكفاه الله مؤنتها.
وإنما يؤتى العبد من تفريطه أو تقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو في
بعضها.
1 - من قام في باطل لم يُنصر، وإن نُصر فلا عاقبة له، فهو مذموم مخذول.
قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ
مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} ... [الإسراء: 22].
2 - إن قام في حق، لكن لم يقم لله، وإنما قام لطلب الجاه والحمد من
الناس، فهذا لا يُنصر؛ لأن النصر لمن جاهد لتكون كلمة الله هي العليا.
وإن نُصر فبحسب ما معه من الحق والصبر، فالصبر منصور أبداً:
فإن كان الصابر محقاً كانت له العاقبة الحسنة، وإن كان مبطلاً لم تكن
له عاقبة.
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)}
[السجدة: 24].
3 - إن قام بالحق معتمداً على غير الله من الأسباب لم يُنصر.
قال الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ
عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)} [التوبة: 25].
(5/477)
- أقسام القتال:
ينقسم القتال بين الناس إلى ثلاثة أقسام:
قتال بين المسلمين والكفار ... وقتال بين المسلمين مع بعضهم .. وقتال
بين الكفار مع بعضهم.
1 - فإذا كان القتال بين المسلمين والكفار، نَصَر الله المسلمين على
الكفار بعد استكمال ما يستطيعون من قوة مقرونة بالإخلاص والتوكل على
الله وحده.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا
اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} ... [محمد: 7].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُورِ (41)} ... [الحج: 40 - 41].
2 - أما قتال المؤمنين مع بعضهم، فيجب الإصلاح بينهم، فإن لم يمكن
الصلح قاتلْنا الفئة الباغية لتعود إلى الحق.
قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} [الحجرات: 9].
3 - أما قتال الكفار مع بعضهم، فهؤلاء يهلك الله الظالم بالظالم،
ويَكِلهم إلى أسبابهم، وينصر الدولة الكافرة العادلة على الظالمة،
ويسلط بعضهم على بعض، وقتلاهم في النار.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ
فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ
ضَعِيفًا (76)} ... [النساء: 76].
(5/478)
- وقت القتال في سبيل الله:
أفضل أوقات القتال أول النهار، فإن لم يكن فبعد زوال الشمس، أما إذا
فاجأ العدو المسلمين، وأغار عليهم، فيجب رده وصده في أي وقت أغار فيه.
عَنْ النُّعْمَان بن مُقَرِّنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا لَمْ يُقَاتِلْ مِنْ
أَوَّلِ النَّهَارِ أَخَّرَ القِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ
وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلَ النَّصْرُ. أخرجه أبو داود والترمذي
(1).
- حكم الإغارة ليلاً:
تجوز الإغارة على الكفار ليلاً، ويجوز قتل الكفار مع صبيانهم ونسائهم
في حال البَيَات، ولا يجوز قتل النساء والصبيان حال التميُّز، أما
النساء فلضعفهن، وأما الصبيان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في
استبقائهم جميعاً من الانتفاع بهم إما بالرق، أو بالفداء فيمن يجوز أن
يفادى به.
عَنِ الصّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ
النّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الذّرَارِيّ مِنَ المُشْرِكِينَ
يُبَيّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ. فَقَالَ:
«هُمْ مِنْهُمْ». متفق عليه (2).
- حكم القتال في الأشهر الحُرم وعند المسجد الحرام:
لا يجوز أن نبدأ الكفار بالقتال في الأشهر الحرم، ولا عند المسجد
الحرام، إلا عند الحاجة، فإن قاتلونا فيهما قاتلناهم.
والأشهر الحرم أربعة هي: (ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب).
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2655) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي
برقم (1613).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3021) , ومسلم برقم (1745)، واللفظ
له.
(5/479)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا
فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا
يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ (36)} ... [التوبة: 36].
2 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ
قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ
مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ} [البقرة: 217].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)} ... [البقرة:
191].
- حكم الدعاء عند القتال:
السنة أن يستغيث المجاهدون بربهم، ويسألونه النصر، لأنه الناصر الذي
يملك النصر وحده.
1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ
لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
(9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ
قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال:9 - 10].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا
لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} ... [البقرة:
186].
3 - وَعَنْ عَبْدالله بْن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَعْضِ أَيّامِهِ
الّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوّ، يَنْتَظِرُ حَتّى إِذَا مَالَتِ
الشّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: «يَا أَيّهَا النّاسُ لاَ تَتَمَنّوْا
لِقَاءَ العَدُوّ وَاسْأَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإذَا
لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنّ الجَنّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ
السّيُوفِ». ثُمّ قَامَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ:
«اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السّحَابِ، وَهَازِمَ
الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا
(5/480)
عَلَيْهِمْ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا غَزَا قَالَ: «اللَّهُمَّ
أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بكَ أَحُولُ وَبكَ أَصُولُ وَبكَ
أُقَاتِلُ». أخرجه أبو داود والترمذي (2).
- فضل الرمي في سبيل الله:
1 - عَنْ سَلَمَةَ بن الأكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أسْلَمَ
يَنْتَضِلُونَ، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ارْمُوا
بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أبَاكُمْ كَانَ رَامِياً، ارْمُوا وَأنَا
مَعَ بَنِي فُلانٍ». قالَ: فَأمْسَكَ أحَدُ الفَرِيقَيْنِ
بِأيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا
لَكُمْ لا تَرْمُونَ». قالوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأنْتَ مَعَهُمْ، قالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ارْمُوا فَأنَا مَعَكُمْ
كُلِّكُمْ». أخرجه البخاري (3).
2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ،
يَقُولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أَلاَ
إِنّ القُوّةَ الرّمْيُ، أَلاَ إِنّ القُوّةَ الرّمْيُ، أَلاَ إنّ
القُوّةَ الرّمْيُ». أخرجه مسلم (4).
3 - وَعَن أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
حَاصَرْنَا مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِصْنَ
الطَّائِفِ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:
«مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الجَنَّة»،ِ قَالَ:
فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْماً، فَسَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي
سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ عِدْلُ مُحَرَّرٍ». أخرجه أحمد
وأبو داود (5).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2966) , ومسلم برقم (1742)، واللفظ
له.
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3953) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي
برقم (3584).
(3) أخرجه البخاري برقم (2899).
(4) أخرجه مسلم برقم (1917).
(5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17022) وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم
(3965).
(5/481)
- أسباب النصر على الأعداء:
كتب الله على نفسه النصر لأوليائه، ولكنه ربط هذا النصر بأمور:
1 - كمال حقيقة الإيمان بالله في قلوب المجاهدين في سبيل الله.
قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
(47)} [الروم: 47].
2 - استيفاء مقتضيات الإيمان في حياتهم، وهي الأعمال الصالحة.
قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُورِ (41)} ... [الحج:40 - 41].
3 - استكمال عدة الجهاد التي يستطيعونها.
قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ
يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)} ... [الأنفال:
60].
4 - بذل الجهد الذي في وسعهم، وبحسب كمال الإيمان يكون كمال الجهد
وكمال النصر.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} ... [العنكبوت:
69].
5 - الثبات، وكثرة ذكر الله، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع، ولزوم
الصبر.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ
فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ
(5/482)
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال: 45 - 46].
6 - اجتناب المعاصي، وعدم العجب والبطر والرياء.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ
تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ
فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ
ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ
وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} ... [آل عمران:
152].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)} [الأنفال: 47].
7 - كمال اليقين على أن النصر بيد الله وحده لا شريك له.
1 - قال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ
وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} [آل عمران:
160].
2 - وقال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ
لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
(9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ
قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال: 9 - 10].
8 - كمال اليقين على أن الله لا ينصر الكفار على المسلمين أبداً.
1 - قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء: 141].
2 - وقال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
(47)} [الروم: 47].
(5/483)
- أسباب إبطاء النصر:
قد يؤخر الله النصر للمؤمنين لأسباب لا بد من توفرها منها:
1 - أن تكون بُنْية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد، ولم تحشد بعد طاقتها
اللازمة.
2 - وقد يبطئ النصر حتى يبذل المؤمنون آخر ما في وسعهم من طاقة وقوة،
فلا يبقى عزيز ولا غالٍ إلا بَذَلته رخيصاً في سبيل الله.
3 - وقد يتأخر النصر حتى تجرب الأمة آخر ما في طوقها من قوة، لتدرك أن
قوتها وحدها لا تكفل النصر بدون سند من الله.
4 - وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله.
5 - وقد يبطئ النصر لأن في الشر الذي يكافحه المؤمنون بقية من خير،
يريد الله أن يجرد الشر منها ثم يهلكه.
6 - وقد يبطئ النصر لأن المؤمنين لم يتجردوا بإخلاص في بذلهم وتضحياتهم
لله ولدعوته.
7 - وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي يحاربه المؤمنون لم ينكشف زيفه
للناس، ولم يقتنعوا بعد بفساده.
8 - وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير،
فيبقى الصراع قائماً، حتى تتهيأ النفوس لاستقباله ونحو ذلك من الأسباب.
- روح القتال في سبيل الله:
القتال تكرهه النفوس، ولكن النفوس المؤمنة تستلذه إذا كان في سبيل
الله؛ لما فيه إحقاق الحق، ودفع الباطل، ورفع الظلم، وحفظ الأمة،
وإقامة العدل، ولما فيه من الثواب العظيم، ورضوان الله، ومحبة الله.
(5/484)
1 - قال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ
يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} ... [النساء: 74].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ
حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} ...
[التوبة: 111].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ (169)} ... [آل عمران: 169].
4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4].
- حكم الفرار من الزحف:
يجب على المسلم الثبات أمام الكفار عند القتال.
وإذا التقى الجيشان فيحرم الفرار من الزحف إلا في حالتين:
التحرف للقتال .. والتحيز إلى فئة.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ
أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} ... [الأنفال: 15 -
16].
(5/485)
- حكم التدمير والتخريب لممتلكات الأعداء:
يجوز عند الضرورة أو الحاجة أو المصلحة إحراق حصون الأعداء بالنار،
وتخريب بيوتهم وهدمها عليهم، وقطع أشجارهم، وإفساد زروعهم؛ لما في ذلك
من كسر شوكتهم، وتوهين عزيمتهم، وتفريق جمعهم.
ويجوز ضرب الكفار بالسلاح ولو تترسوا بالمسلمين؛ للضرورة، وسداً لذريعة
الفساد التي قد تترتب على ترك قتلهم.
1 - قال الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ
الْفَاسِقِينَ (5)} ... [الحشر: 5].
2 - وقال الله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ
وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (2)}
... [الحشر: 2].
- الراية التي يقاتل المسلم تحتها:
لا يجوز للمسلم أن يقاتل الكفار إلا تحت راية إمام المسلمين، فإن
وُسِّد الأمر إلى غير أهله، وحَكَم المسلمين كافر، ولم توجد راية شرعية
قادرة على النكاية بالعدو، فلا حرج من القتال تحت راية ذلك الحاكم
الكافر؛ لصد عدوان الكفار، وحماية بلاد المسلمين، وحفظ دينهم وأعراضهم.
وتجوز مناصرة المسلمين لدولة كافرة على دولة أخرى كافرة إذا كان في ذلك
مصلحة راجحة للإسلام والمسلمين، ودرء الشر عنهم، يقدِّرها أهل العلم
والورع منهم.
فالشرع قد جاء بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وفعل
خير الخيرين، وأهون الشرين، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ
(5/486)
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} ... [النساء: 59].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ
الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} ... [آل عمران: 139].
3 - وقال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8].
4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ
اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ
فَقَدْ أطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا
الإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ
أمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أجْراً، وَإِنْ
قال بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ». متفق عليه (1).
- الاستعداد لمواصلة الغزو:
ينبغي للمسلم أن يكون مستعداً للقتال كل وقت، ولو كان حديث عهد به.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَوَضَعَ السِّلاحَ
وَاغْتَسَلَ، فَأتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الغُبَارُ،
فَقال: وَضَعْتَ السِّلاحَ، فَوَاللهِ مَا وَضَعْتُهُ. فَقال رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَأيْنَ». قال: هَا هُنَا، وَأوْمَأ
إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. قالتْ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2957) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1841).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2813) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1769).
(5/487)
- قتال اليهود:
سيقاتل المسلمون اليهود، ويهزمونهم كما هزمهم النبي - صلى الله عليه
وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا
اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا
مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ».متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2946) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2922).
(5/488)
8 - أحكام الشهداء
في سبيل الله
- عدد الشهداء في سبيل الله:
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ،
وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي
سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».
متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ جَابر بن عَتِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى القَتْلِ
فِي سَبيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، المَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالمَبْطُونُ
شَهِيدٌ وَالغَرِيقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الهَدَمِ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ
ذاتِ الجَنْب شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الحَرَقِ شَهِيدٌ وَالمَرْأَةُ تَمُوتُ
بجُمْعٍ شَهِيدَةٌ». أخرجه أبو داود والنسائي (3).
4 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ
مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ
أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (4).
- فضل الشهادة في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2829) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1914).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2830) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1916).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3111) , وأخرجه النسائي برقم (1846)،
وهذا لفظه.
(4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4772) , وأخرجه الترمذي برقم (1421)،
وهذا لفظه.
(5/489)
يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}
... [آل عمران: 169 - 171].
2 - وقال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا
عَظِيمًا (74)} [النساء: 74].
3 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُحِبُّ أنْ
يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأرْض مِنْ شَيْءٍ إِلا
الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ
عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ
اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأنَّ لَهُ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلاَّ الشَّهِيدَ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ
الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا،
فَيُقْتَلَ مَرَّةً أخْرَى». متفق عليه (2).
- كرامات الشهداء في سبيل الله:
1 - عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدالله (هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ)
عَنْ هَذِه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
(169)} قَالَ: أَمَا إِنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:
«أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ
بِالعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمّ تَأْوِي إلَىَ
تِلْكَ القَنَادِيلِ، فَاطّلَعَ إلَيْهِمْ رَبّهُمُ اطّلاَعَةً،
فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيّ شَيْءٍ نَشْتَهِي؟
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2817) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1877).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2795) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1877).
(5/490)
وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ
شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، فَلَمّا رَأَوْا
أَنّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبّ
نُرِيدُ أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتّىَ نُقْتَلَ
فِي سَبِيلِكَ مَرّةً أُخْرَىَ، فَلَمّا رَأَىَ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ
حَاجَةٌ تُرِكُوا». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أُمَّ
الرُّبَيِّعِ بِنْتَ البَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ
سُرَاقَةَ، أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: يَا
نَبِيَّ اللهِ، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ
يَوْمَ بَدْرٍ، أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ
صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي
البُكَاءِ؟ قال: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي
الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى». أخرجه
البخاري (2).
3 - وَعَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ
لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خِصَالاً: يُغْفَرُ لَهُ فِي
أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ،
وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيْمَانِ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ
زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذاب القَبْرِ،
وَيَأْمَنُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ
تَاجُ الوَقَارِ؛ اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا
فِيهَا، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إنْسَاناً مِنْ أَقَارِبهِ». أخرجه
سعيد بن منصور والبيهقي في «شعب الإيمان» (3).
4 - وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُغْفَرُ
لِلشّهِيدِ كُلّ ذَنْبٍ، إلاّ الدّيْنَ». أخرجه مسلم (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1887).
(2) أخرجه البخاري برقم (2809).
(3) صحيح/ أخرجه سعيد بن منصور برقم (2562)، وأخرجه البيهقي في «شعب
الإيمان» برقم (3949)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (3213)،.
(4) أخرجه مسلم برقم (1886).
(5/491)
5 - وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ
اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي، جَعَلْتُ أَكْشِفُ
الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ
تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَبْكِينَ أَوْ
لاَ تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا
حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ». متفق عليه (1).
- أحكام الشهداء في سبيل الله:
الشهداء في سبيل الله قسمان:
الأول: من قُتِل في سبيل الله أمام العدو، فهذا لا يغسل، ويكفن في
ثيابه التي استُشهد فيها، ويستحب تكفينه بثوب أو أكثر فوق ثيابه.
وشهداء المعركة في سبيل الله الإمام مخير فيهم:
إن شاء صلى عليهم صلاة الجنازة، وإن شاء ترك، والصلاة أفضل، والسنة
دفنهم في مصارعهم، كما فعل رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في شهداء
بدر وأحد.
الثاني: كل ما سوى الشهيد في المعركة في سبيل الله كالغريق، ومن مات
دفاعاً عن ماله ونحوهم من الشهداء في ثواب الآخرة، فهؤلاء الشهيد منهم
يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين كغيره من الأموات.
- فضل الجرح في سبيل الله:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يُكْلَمُ أحَدٌ
فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ أعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ،
إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ،
وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1244) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2471).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2803) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1876).
(5/492)
- حكم نقل الأعضاء من إنسان لآخر:
1 - إذا احتاج حي من مجاهد وغيره إلى نقل عضو أو جزء من إنسان حي:
1 - إن كان النقل يؤدي إلى ضرر بالغ كقطع يد أو كِلْية، فهذا محرم.
2 - إن كان النقل يؤدي إلى الموت كنزع القلب أو الرئة، فهذا قتل للنفس،
وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله.
2 - إن كان النقل من ميت لإنسان حي:
فهذا إن كانت مصلحة الحي ضرورية تتوقف حياته عليها كنقل القلب، أو
الرئة، أو الكِلْية، فهذا يجوز عند الضرورة إذا أذن الميت قبل وفاته،
ورضي المنقول إليه، وانحصر التداوي به، وقام بذلك طبيب ماهر.
- حكم نقل الدم:
يشرع للمسلم بذل الدم لأخيه المسلم المحتاج إليه بدون عوض، وفي ذلك أجر
وثواب؛ لما فيه من نفع المحتاج إليه.
وقد يكون فيه إنقاذ لحياة مسلم من موت محقق كما يحصل في الحروب من نزيف
الدماء بسبب الجراح، وعند ولادة النساء ونحو ذلك.
وقد يكون في خروجه من جسمه عاقبة حميدة له.
وبيع الدم وأخذ ثمنه حرام، فإن أعطى المتبرع هدية مجازاة على معروفه
وإحسانه فلا بأس بأخذها.
(5/493)
9 - أحكام الأسرى
والسبي
- الأسرى: هم الرجال المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأَسْرهم
أحياء.
- السبي: هم نساء وصبيان الكفار إذا ظفر بهم المسلمون أحياء.
- أقسام الأسرى:
أسرى الحرب من الكفار من جملة الغنائم، وهم على قسمين:
1 - النساء والصبيان، وهؤلاء يُسترقّون بمجرد السبي، ويُقسمون مع
الغنائم كما يُقسم المال.
2 - الرجال المقاتلون، وهؤلاء يخير فيهم الإمام بين أربعة أمور:
المنّ عليهم .. أو الفداء بمال أو بأسرى .. أو قتلهم .. أو استرقاقهم.
يفصل الإمام بما هو الأصلح والأنفع للإسلام والمسلمين.
وتقدير المصلحة يتم بحسب ما يُرى في الأسير من قوة بأس، وشدة نكاية، أو
أنه مرجو الإسلام، أو مأمون الخيانة، أو مطاع في قومه، أو أن المسلمين
في حاجة إلى المال أو المهنة ونحو ذلك.
1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ
يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)} [الأنفال: 67].
2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ
الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا} ... [محمد: 4].
(5/494)
- هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في
الأسرى:
فَعَل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسرى ما فيه المصلحة كما يلي:
1 - قَتَل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجال بني قريظة، وقَتَل بعض
أسرى بدر، النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وقتل في أحد أبا عزة
الجمحي؛ وذلك لشدة أذاهم وخطرهم على الإسلام وأهله.
2 - استرق - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق، واسترق هوازن، واسترق
بعض أسرى بدر، وخيبر، وقريظة، وحنين، وكل ذلك تمت به مصالح عظيمة.
3 - فدى - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه برجل من المشركين من
بني عقيل، وفدى مسلمَيْن بمكة بامرأة من فزارة، وفدى بعض أسرى بدر
بمال.
4 - منّ - صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة عام الفتح، ومنّ على ثمامة
بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة فأسلم، ومنّ على بعض أسرى بدر وهو
العاص بن الربيع، والمطلب ابن حنطب.
عَنْ جُبَيْرٍ بِن مطعم رَضيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ
عَدِيٍّ حَيّاً، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاءِ النَّتْنَى،
لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ». أخرجه البخاري (1).
- صفة معاملة الأسرى والأرقاء:
الإسلام دين العدل والرحمة والإحسان، مع المسلم والكافر، فيجب الإحسان
إلى الأسير، وإكرامه، والعناية به، وإطعامه، وعدم إهانته أو إذلاله،
أو الإساءة إليه.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3139).
(5/495)
1 - قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً
وَلَا شُكُورًا (9)} ... [الإنسان: 8 - 9].
2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «فُكُّوا العَانِيَ، يَعْنِي: الأسِيرَ،
وَأطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ». أخرجه البخاري (1).
3 - وَعَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ:
لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى
غُلامِهِ حُلَّةٌ، فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنِّي سَابَبْتُ
رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «يَا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بِأمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ
فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ
أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا
يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا
يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأعِينُوهُمْ». متفق عليه (2).
- حكم الرق:
جاء الإسلام وأبواب الرق مفتوحة، فأغلقها إلا باب الأسر في الحرب، وفتح
أبواب العتق للتخلص من الرق في كفارة الظهار، واليمين، والفطر في رمضان
بالجماع وغيرها.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ
سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} ...
[المجادلة: 3 - 4].
2 - وقال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3046).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (30) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1661).
(5/496)
الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ
عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89].
3 - وقال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا
أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البلد: 11 -
13].
4 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَماً لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتاً:
«اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ للهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»
فَالتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ:
«أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النّارُ، أَوْ لَمَسّتْكَ
النّارُ». أخرجه مسلم (1).
- ما يُفعل بجيف الكفار:
عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ
المُشْرِكِينَ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى
جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا
السَّلام، فَأخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ
ذَلِكَ، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الَّلهُمَّ
عَلَيْكَ المَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ، الَّلهُمَّ عَلَيْكَ أبَا جَهْلِ بْنَ
هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ،
وَعُقْبَةَ بْنَ أبِي مُعَيْطٍ، وأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، أوْ: أُبَيَّ
بْنَ خَلَفٍ». فَلَقَدْ رَأيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ،
فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ أوْ أُبَيٍّ، فَإِنَّهُ كَانَ
رَجُلاً ضَخْماً، فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أوْصَالُهُ قَبْلَ أنْ
يُلْقَى فِي البِئْرِ. متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1659).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3185) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1794).
(5/497)
10 - أحكام الغنائم
والأنفال
- الغنيمة: هي المال المأخوذ من الكفار عن طريق الحرب والقتال.
- أنواع الغنائم:
الغنائم التي يأخذها المسلمون من الكفار ثلاثة أنواع:
1 - الأموال المنقولة كالنقود والحيوان والطعام.
2 - الأسرى والسبايا كالنساء والأطفال.
3 - الأرض.
وتسمى الأنفال؛ لأنها زيادة في أموال المسلمين.
- حكم الغنائم:
أحل الله الغنائم لهذه الأمة، ولم يحلّها للأمم السابقة؛ لأن الله عز
وجل علم ضعفنا وعجزنا فطيَّبها لنا.
1 - قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)} ... [الأنفال:
69].
2 - وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ
أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ
لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي
أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ
وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ
النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ
عَامَّةً». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) , واللفظ له، ومسلم برقم
(521).
(5/498)
- مَنْ يُعطى من الغنيمة:
الغنيمة لمن شهد الوقعة سواء قاتل أو لم يقاتل.
ولا يُسهم من الغنيمة إلا لمن توفرت فيه خمسة شروط:
الإسلام .. والبلوغ .. والعقل .. والحرية .. والذكورية.
فإن اختل شرط رُضِخ له ولم يُسْهم؛ لأنه ليس من أهل الجهاد.
سَاَلَ نَجْدَةُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: هَلْ كَانَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِالنّسَاءِ؟ وَهَلْ
كَانَ يَضْرِبُ لَهُنّ بِسَهْمٍ؟ .. فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبّاسٍ:
كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَغْزُو بِالنّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنّ فَيُدَاوِينَ
الجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الغَنِيمَةِ، وَأَمّا بِسَهْمٍ، فَلَمْ
يَضْرِبْ لَهُنّ. أخرجه مسلم (1).
- كيفية قسمة الغنائم:
الغنيمة لمن شهد الوقعة من أهل القتال، وكيفية قسمة الغنائم كما يلي:
1 - يُخرِج الإمام خمس الغنيمة، ويقسمه على خمسة، سهم لله ولرسوله
يُصرف في مصالح المسلمين العامة كالفيء، وسهم لذوي القربى، وهم بنو
هاشم، وبنو المطلب، الذين آزروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وناصروه،
وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل.
2 - الباقي من الغنيمة وهو أربعة أخماس يُقسم بين الغانمين، للراجل
سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه.
1 - قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ
آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1812).
(5/499)
الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)} [الأنفال: 41].
2 - وَعَنْ عَبْدالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ فِي النّفَلِ: لِلْفَرَسِ
سَهْمَيْنِ وَلِلرّجُلِ سَهْماً. متفق عليه (1).
- حكم تنفيل بعض المجاهدين:
النَّفَل: ما يعطاه المجاهد زيادة على سهمه تشجيعاً له.
كأن يقول الإمام من قتل قتيلاً فله سلبه، أو من أصاب شيئاً فله ربعه،
أو يقول للسرية: ما أصبتم فهو لكم.
وذلك كله جائز؛ لما فيه من التحريض على القتال.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى
الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)}
[الأنفال: 65].
- أنواع التنفيل:
يكون التنفيل للمجاهدين بحسب المصلحة كما يلي:
1 - ما يعطيه الإمام لبعض الجيش كالربع بعد إخراج خمس الغنيمة في بداية
الغزو.
وفي الرجعة من الغزو الثلث بعد الخمس؛ لأن هؤلاء رجع عنهم الجيش
فزيدوا، بخلاف البداية فإن الجيش يعاضدهم.
عَنْ حَبيب بْنِ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبْعَ بَعْدَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2863) , ومسلم برقم (1762)، واللفظ
له.
(5/500)
الخُمُسِ وَالثلُث بَعْدَ الخُمُسِ إِذا
قَفَلَ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
2 - ما يعطيه الإمام من أظهر نكاية في العدو، أو حصل له بلاء في القتال
من زيادة على سهمه بعد إخراج الخمس.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ
قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرَةً، فَكَانَتْ سِهَامُهُمُ
اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً، أوْ أحَدَ عَشَرَ بَعِيراً، وَنُفِّلُوا
بَعِيراً بَعِيراً. متفق عليه (2).
3 - الجُعْل كأن يقول الإمام: من قتل فلاناً فله سلبه ونحو ذلك.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَهُوَ
فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ،
فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ».
فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ. متفق عليه (3).
- حكم السَّلَب:
السلب: هو ما وجد على المقتول من لباس وسلاح وعدة حرب.
ويستحق القاتل سَلَب المقتول الكافر بدون تخميس إذا قتله وحده بمبارزة
أو طلب ونحوهما.
1 - عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَتَلَ
رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلاً مِنَ العَدُوّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ،
فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِياً عَلَيْهِمْ.
فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ،
فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ
سَلَبَهُ؟» قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ:
«ادْفَعْهُ إلَيْهِ» فَمَرّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرّ بِرِدَائِهِ. ثُمّ
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2749) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2851).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3134) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1749).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3051) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1754).
(5/501)
قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ
لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتُغْضِبَ. فَقَالَ: «لاَ تُعْطِهِ
يَا خَالِدُ لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي
أُمَرَائِي؟ إنّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ
اسْتُرْعِيَ إِبِلاً أَوْ غَنَماً فَرَعَاهَا، ثُمّ تَحَيّنَ
سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضاً، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ
صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدِرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدِرُهُ
عَلَيْهِمْ». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ وَخَالِدِ بْنِ
الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَضَى بالسَّلَب لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ. أخرجه
أبو داود (2).
- حكم الانتفاع بالطعام قبل قسمة الغنائم:
يجوز للمجاهدين في سبيل الله أن يأكلوا من الطعام، ويعلفوا دوابهم، قبل
الخمس والقسمة، ما داموا في أرض العدو.
1 - عَنْ عَبْدالله بْنِ مُغَفّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَبْتُ
جِرَاباً مِنْ شَحْمٍ، يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَالتَزَمْتُهُ،
فَقُلْتُ: لاَ أُعْطِي اليَوْمَ أَحَداً مِنْ هَذَا شَيْئاً، قَالَ:
فَالتَفَتُّ فَإذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
مُتَبَسِّماً. متفق عليه (3).
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: كُنَّا نُصِيبُ
فِي مَغَازِينَا العَسَلَ وَالعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلا نَرْفَعُهُ.
أخرجه البخاري (4).
- حكم الغَلول من الغنائم:
الغلول: هو السرقة من الغنائم.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1753).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2721).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3153) , ومسلم برقم (1772)، واللفظ
له.
(4) أخرجه البخاري برقم (3154).
(5/502)
والغلول محرم، وهو من كبائر الإثم، قَلَّ
أو كثر؛ لأنه أكل لأموال المسلمين بالباطل، وإشغال للمقاتلين بالانتهاب
عن القتال، وذلك يفضي إلى اختلاف الكلمة، ثم الهزيمة.
ومَنْ غَلَّ من الغنيمة فللإمام أن يؤدبه بما يرى فيه المصلحة له
ولغيره من ضربٍ، أو تحريقِ ما غَلَّ ونحو ذلك.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ
نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)} ... [آل عمران: 161 - 162].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ يُقال
لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«هُوَ فِي النَّارِ». فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا
عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. أخرجه البخاري (1).
- مكان قسمة الغنائم:
يَقسم الإمام الغنائم حسب المصلحة.
فله أن يقسمها بين المسلمين المقاتلين في دار الحرب بعد انهزام العدو
كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - غنائم بني المصطلق في بلادهم،
وكما قسم غنائم خيبر فيها.
وله أن يقسم الغنائم في طريقه إلى بلده كما قسم غنائم حنين في الجعرانة
قرب مكة، وكما قسم الغنائم بذي الحليفة قرب المدينة.
- حكم مال المسلم إذا وجده عند العدو:
إذا استرد المسلمون أموالاً لهم بأيدي الأعداء فأربابها أحق بها، وليس
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3074).
(5/503)
للمقاتلين منها شيء؛ لأنها ليست من
المغانم.
وإذا أسلم الحربي وبيده مال مسلم رده إلى صاحبه.
وإذا أسلم الحربي وهاجر إلى دار الإسلام، واستولى المسلمون على زوجته
وذريته وأمواله، فليس للمسلمين قسمة ذلك مع الغنائم؛ لأن للمسلم حرمة
نفسه وماله وأهله.
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قالَ: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى
يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ
عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى
اللهِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي
شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا». أخرجه مسلم (2).
- حكم استيلاء الكفار على أموال المسلمين:
يملك الكفار أموال المسلمين إذا استولوا عليها بطريق القتال والقهر
والغلبة؛ لأنه زال ملك المسلم عنها باستيلاء العدو عليها.
ولا يثبت تملكهم لها إلا بإحرازها في دار الحرب، فإن تمكَّن المسلمون
من غلبتهم، وأخذوا ما في أيديهم، فإنه يرد إلى أصحابه.
- حكم وطء المسبيات:
النساء المسبيات ينفسخ نكاحهن بمجرد السبي.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1399) , وأخرجه مسلم برقم (21)،
واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1218).
(5/504)
ولا يجوز وطؤهن إلا بعد قسمتهن، ثم تُستبرأ
الحامل بوضع الحمل، وغير ذات الحمل بحيضة واحدة، وذلك لتُعلم براءة
رحمها.
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ: «لاَ
تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلاَ غَيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حَتَّى
تَحِيضَ حَيْضَةً». أخرجه أبو داود (1).
- حكم الأرض المغنومة:
إذا كانت الغنيمة أرضاً فتحها المسلمون عنوة، فيخير الإمام فيها بين
أمرين:
الأول: قَسْمُها بين الغانمين.
عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَسَمَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفاً
لِنَوَائِبهِ وَحَاجَتِهِ وَنِصْفاً بَيْنَ المُسْلِمِينَ قَسَمَهَا
بَيْنَهُمْ عَلَى ثمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْماً. أخرجه أبو داود (2).
الثاني: أن يقفها على المسلمين، فيقرها بحالها، ويضرب عليها خراجاً
مستمراً يدوم نفعه للمسلمين، يؤخذ ممن هي بيده، يكون أجرة لها كل عام،
كما فعل عمر رضي الله عنه بما فتحه من أرض الشام ومصر والعراق.
عَنْ أسْلَم أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ
يَقُولُ: أمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أنْ أتْرُكَ آخِرَ
النَّاسِ بَبَّاناً لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ
قَرْيَةٌ إِلا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ
يَقْتَسِمُونَهَا. أخرجه البخاري (3).
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2157).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3010).
(3) أخرجه البخاري برقم (4235).
(5/505)
- حكم الفيء:
الفيء: هو ما أخذ من الكفار بلا قتال كالجزية والخراج والعشر وما تركوه
فزعاً ونحو ذلك مما لم يتعب المسلمون في تحصيله.
ومصرف الفيء مصرف خمس الغنيمة، فيُصرف في مصالح المسلمين العامة، حسب
المصلحة والحاجة؛ لأن نفعها عام.
1 - قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ
فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} ... [الحشر: 6].
(5/506)
11 - انتهاء الحرب
بالإسلام أو المعاهدات
ينتهي القتال بين المسلمين والكفار بطرق متعددة منها:
الدخول في الإسلام .. أو عقد الأمان .. أو عقد الهدنة .. أو عقد الذمة.
1 - انتهاء القتال بالإسلام:
إذا دخل الكفار في الإسلام عُصمت دماؤهم وأموالهم، وصار لهم حكم
المسلمين في كل شيء.
وإعلان الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين بأن يقول الكافر:
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى
يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ،
وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا
عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا،
وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ». متفق عليه (1).
2 - انتهاء القتال بالأمان:
الأمان: عقد يفيد ترك القتال مع الحربيين.
وفائدته ثبوت الأمن والطمأنينة للمستأمنين، فيحرم قتل رجالهم، وسبي
ذراريهم، ويصح من كل مسلم، بالغ، عاقل، مختار، وفي الحرب لا يعقده إلا
الإمام أو نائبه.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (25) , ومسلم برقم (22)، واللفظ له.
(5/507)
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6].
2 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بنْ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ، وَهُوَ
مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَة: «المُسْلِمُونَ تَكَافَأُ
دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ». أخرجه أحمد وأبو
داود (1).
3 - انتهاء الحرب بالهدنة:
الهدنة: هي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو بدون
عوض.
وتسمى الصلح أو الموادعة، ولا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، يعقدها مع
الكفار حسب المصلحة والحاجة.
والأمان والهدنة عقود أمان يترتب عليها انتهاء الحرب، وثبات الأمن
والطمأنينة بين الطرفين، وقد رغب فيها الإسلام لما فيها من المصالح.
قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)}
... [الأنفال: 61].
4 - انتهاء القتال بعقد الذمة:
عقد الذمة: التزام إقرار الكفار في ديار المسلمين، وحمايتهم والدفاع
عنهم مقابل الجزية التي تؤخذ منهم.
ولا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، ويحرم قتال أهل الذمة وقتلهم ما داموا
ملتزمين بالعهد.
1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6797) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم
(2751).
(5/508)
مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا
يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29].
2 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ
أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ
اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ
تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وإذَا لَقِيتَ
عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ
خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ
عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ
مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ
دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ
فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى
المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ
أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ
حُكْمُ اللهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ
لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ
المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ
أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا
فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (1).
- حكم الهجرة من بلاد الكفر:
المسلم المقيم في بلاد الكفر له ثلاث حالات:
الأولى: من لا يمكنه إظهار دينه، ولا أداء واجباته، وهو قادر على
الهجرة.
فهذا تجب عليه الهجرة إلى بلاد الإسلام.
الثانية: من يمكنه إظهار دينه، وأداء واجباته، وهو قادر على الهجرة.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1731).
(5/509)
فهذا تستحب له الهجرة؛ لتكثير سواد
المسلمين، والأمن من غدر الكفار، والسلامة من رؤية المنكرات.
الثالثة: عاجز معذور بأسر أو مرض أو غيره.
فهذا تجوز له الإقامة، ومتى تيسرت له الهجرة هاجر.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119].
2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)}
[الأنفال: 74].
(5/510)
12 - أحكام غير
المسلمين
- أقسام الكفار:
الكفار قسمان:
أهل حرب .. وأهل عهد.
وأهل العهد ثلاثة أصناف:
أهل ذمة .. وأهل أمان .. وأهل هدنة.
1 - أهل الذمة: وهم الكفار المقيمون في دار الإسلام. ويُقَرُّون في دار
الإسلام إذا دفعوا الجزية، والتزموا أحكام الإسلام.
2 - أهل الأمان: وهم الكفار الذين يَقْدمون إلى بلاد المسلمين من غير
استيطان لها بقصد التجارة أو الزيارة.
فهؤلاء وأمثالهم يُعرض عليهم الإسلام، فإن أجابوا وإلا وجب ردهم إلى
مأمنهم.
3 - أهل الهدنة: وهم الكفار الذين في دارهم، وقد عاهدوا المسلمين
وصالحوهم على ترك القتال مدة معلومة.
وهذه أقسام الناس من غير المسلمين وأحكامهم.
(5/511)
1 - أهل الذمة
- عقد الذمة: هو إقرار الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، والتزام
أحكام الإسلام.
- حكم عقد الذمة:
عقد الذمة لا يعقده إلا الإمام أو نائبه.
ويجوز عقد الذمة لليهود، والنصارى، والمجوس، وكل كافر أو مشرك.
1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
(29)} ... [التوبة: 29].
2 - وَعَن المُغِيرَة بْن شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ
لِعَامِلِ كِسْرَى: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا - صلى الله
عليه وسلم - أنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ أوْ
تُؤَدُّوا الجِزْيَةَ. أخرجه البخاري (1).
- شروط عقد الذمة:
يشترط لصحة عقد الذمة ما يلي:
1 - أن يكون المعقود لهم من الكفار.
2 - أن يكون العقد من الإمام الأعظم أو نائبه.
3 - أن يدفع الكفار الجزية.
4 - أن يلتزمون أحكام الإسلام.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3159).
(5/512)
فإذا توفرت هذه الشروط أعطاهم الإمام عهداً
مستمراً للبقاء في دار الإسلام، أو البقاء في ديارهم، كما عاهد النبي -
صلى الله عليه وسلم - نصارى نجران في بلادهم.
- كيفية التزام أهل الذمة بأحكام الإسلام:
يتضمن هذا الالتزام خمسة أمور هي:
1 - الخضوع لولاية القضاء الإسلامي، والتحاكم إليه.
2 - التميز عن المسلمين بما يدل عليهم؛ لئلا يغتر بهم الناس، وللإمام
الإلزام به أو تركه حسب المصلحة.
3 - اجتناب ما فيه غضاضة على المسلمين في دينهم كالتعرض لأحكام
الإسلام، أو الرسول، أو القرآن، بالنقد أو السخرية أو الاستهزاء ونحو
ذلك.
4 - اجتناب ما فيه ضرر على المسلمين كالاجتماع على قتال المسلمين، أو
التجسس عليهم، أو الزنا، أو شرب الخمور ونحو ذلك.
5 - عدم إظهار المنكرات كإحداث البِيَع والكنائس، وإظهار الخمر
والخنزير، والضرب بالناقوس، وتعلية البنيان على المسلم، والتعري وعدم
الحشمة ونحو ذلك.
- حكمة أخذ الجزية من الكفار:
الجزية: هي المال المأخوذ من الكفار مقابل الكف عن قتالهم، أو إسكانهم
دار الإسلام.
فالذمي يتمتع بحماية الدولة الإسلامية له، ويُعفى من الخدمة العسكرية،
ويَنْعم بأمن البلاد وخيراتها، مقابل استقراره في دار الإسلام، وحقن
دمه،
(5/513)
والكف عن قتاله.
وسر أخذ الجزية من الكفار وإقامتهم مع المسلمين، تهيئة الجو الإسلامي
لهم، لعلهم يسلمون باختيارهم، ولهذا أوجب الإسلام حسن معاملتهم،
والإحسان إليهم وعدم الإساءة إليهم.
1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8)} ... [الممتحنة: 8].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً
لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ
مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (1).
- مقدار الجزية:
مقدار الجزية يفرضه الإمام أو نائبه حسب العسر واليسر، وحسب اختلاف
المكان والزمان والبلاد.
وتؤخذ من الذهب أو الفضة أو النقود أو غيرها من الأشياء المباحة
كالثياب والطعام والحيوان وغيرها مما ينتفع به الإنسان في حياته مما
أحله الله، وما بذلوه وجب قبوله، وتؤخذ من الذمي في نهاية العام.
- من تجب عليه الجزية:
تجب الجزية على كل من يجب قتله مقابل الكف عنه، وهو كل كافر، بالغ،
عاقل، ذكر، حر، صحيح، قادر.
وتسقط الجزية عن الكافر بإسلامه.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3166).
(5/514)
- من لا تؤخذ منه الجزية:
لا تؤخذ الجزية من الصبي، والمجنون، والمرأة، والرقيق، والمريض،
والفقير، والأعمى، والهرم، والراهب ونحوهم ممن لا قدرة له على العمل.
- أحكام أهل الذمة:
1 - إذا أدى أهل الذمة الجزية وجب قبولها منهم، وحرم قتالهم، أو
إهانتهم، أو الإساءة إليهم.
2 - نظهر لهم عند استلام الجزية القوة والعزة، ونستلمها من أيديهم وهم
صاغرون.
3 - نحترمهم، كلٌّ بحسبه؛ تأليفاً لقلوبهم.
4 - تجوز عيادتهم، وتعزيتهم، والإحسان إليهم؛ تأليفاً لقلوبهم، وطمعاً
في إسلامهم.
5 - لا يجوز تصدير أهل الذمة في المجالس، ولا القيام لهم، ولا بدئهم
بالسلام، فإن سلموا علينا وجب الرد عليهم بقولنا: وعليكم.
6 - لا تجوز تهنئة أهل الذمة بأعيادهم، ولا حضور حفلاتهم.
7 - إجراء أحكام الإسلام عليهم في المعاملات والعقوبات الجنائية.
1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
(29)} [التوبة: 29].
2 - وقال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8)} ... [الممتحنة: 8].
(5/515)
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ
تَبْدَؤُا اليَهُودَ وَلاَ النّصَارَىَ بِالسّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ
أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرّوهُ إِلَىَ أَضْيَقِهِ». أخرجه مسلم
(1).
4 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ
الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ». متفق عليه (2).
5 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ
اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ
مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، قَرِيباً
مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ. متفق عليه (3).
6 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ
يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ
رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ
عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم
-، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ
يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه
البخاري (4).
- فضل مَنْ أسلم من أهل الكتاب وغيرهم:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)}
[الكهف: 107].
2 - وَعَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثَةٌ لَهُمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أهْلِ
الكِتَابِ، آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه
وسلم -، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إذَا أدَّى
حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أمَةٌ
يَطَؤُهَا، فَأدَّبَهَا فَأحْسَنَ تَأْدِيبَهَا،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2167).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6225) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2163).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1329)، واللفظ له, ومسلم برقم
(1699).
(4) أخرجه البخاري برقم (1356).
(5/516)
وَعَلَّمَهَا فَأحْسَنَ تَعْلِيمَهَا،
ثُمَّ أعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أجْرَانِ». متفق عليه (1).
- حكم بقاء الكفار في جزيرة العرب:
لا يجوز إقرار اليهود والنصارى وسائر الكفار في جزيرة العرب للسكنى؛
لئلا يجتمع في جزيرة العرب دينان.
أما استقدامهم للعمل فيجوز عند الضرورة والحاجة بشرط أن نأمن شرهم،
فإذا زالت الحاجة أُخرجوا.
عَنْ عُمَر بن الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ
الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لأُخْرِجَنّ اليَهُودَ
وَالنّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، حَتّى لاَ أَدَعَ إِلاّ
مُسْلِماً». أخرجه مسلم (2).
- حكم دخول الكافر المسجد:
1 - لا يجوز للكفار دخول حرم مكة.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ
عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}
[التوبة: 28].
2 - لا يجوز للكفار دخول بقية المساجد إلا بإذن مسلم لحاجة، أو مصلحة
ترجى كإسلامه.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ
بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أثَالٍ، فَرَبَطُوهُ
بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي
المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: «أطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (97) , واللفظ له، ومسلم برقم
(154).
(2) أخرجه مسلم برقم (1766).
(5/517)
قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ
ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ،
وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. متفق عليه (1).
- حكم بناء الكنائس والبِيَع:
المساجد بيوت الإيمان، والكنائس والبِيَع بيوت الشرك والكفر.
والمساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود
والنصارى يعبدون فيها غير الله.
والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز
وجل.
ونهى سبحانه عن كل ما يُعبد فيه غير الله؛ لما فيه من إقرار بالباطل،
وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم.
1 - قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا
مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
(85)} [آل عمران: 85].
- الأشياء التي ينتقض بها عهد الذمي:
ينتقض عهد الذمي بما يلي:
1 - الامتناع من بذل الجزية.
2 - عدم التزام أحكام الإسلام.
3 - أن يقاتل المسلمين، سواء كان منفرداً أو مع أهل الحرب.
4 - أن يلتحق الذمي بدار الحرب مقيماً بها.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (462) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1764).
(5/518)
5 - أن يتجسس على المسلمين، وينقل أخبارهم
إلى الأعداء.
6 - الزنا بالمرأة المسلمة.
7 - أن يذكر الله تعالى أو كتابه أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -
بسوء.
وإذا انتقض عهد الذمي حَلّ دمه وماله، وصار حربياً يخير فيه الإمام
بين:
القتل .. أو الاسترقاق .. أو المَنّ بلا فدية .. أو الفداء.
يفعل الإمام ما فيه المصلحة بحسب حجم الجريمة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَزَلَ
أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى
حِمَارٍ، فَلَمّا دَنَا قَرِيباً مِنَ المَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - لِلأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيّدِكُمْ»
(أَوْ خَيْرِكُمْ). ثُمّ قَالَ: «إنّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى
حُكْمِكَ» قَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَتَسْبِي ذُرّيّتَهُمْ.
قَالَ: فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَضَيْتَ بِحُكْمِ
الله». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3043)، ومسلم برقم (1768)، واللفظ
له.
(5/519)
2 - أهل الهدنة
- عقد الهدنة: هو عقد الإمام أو نائبه على ترك قتال العدو مدة معلومة.
- حكم عقد الهدنة:
عقد الهدنة عقد لازم بين الطرفين.
ويسن هذا العقد عند المصلحة والحاجة، ولا يعقده إلا الإمام أو نائبه،
وتجوز الهدنة بعوض أو بدون عوض.
يعقده الإمام أو نائبه عند الحاجة، حيث جاز تأخير الجهاد لعذر كضعف
المسلمين، أو تكالب الأعداء ونحو ذلك.
- الأحوال التي يجب فيها عقد الهدنة:
يجب عقد الهدنة في حالتين:
الأولى: إذا طلب العدو عقد الهدنة أجبناه؛ حقناً للدماء، ورغبة في
السلم، كما هادن النبي - صلى الله عليه وسلم - مشركي قريش، ووادعهم في
صلح الحديبية على ترك القتال عشر سنين.
قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ
الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} ... [الأنفال:
61 - 62].
الثانية: البدء بالقتال في الأشهر الحرم (ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم،
ورجب).
فنعاهد العدو على ترك القتال في هذه الأشهر، فإن بدأ العدو بالقتال
قاتلناه دفاعاً عن أنفسنا وديارنا، وكذا لو دخلت الأشهر والحرب قائمة،
ولم
(5/520)
يستجب العدو للموادعة نقاتله.
قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} [التوبة: 36].
- ما يترتب على عقد الهدنة:
يترتب على عقد الهدنة ما يلي:
إنهاء الحرب بين الطرفين المتحاربين .. أَمْن الناس على أنفسهم
وأموالهم وأهلهم .. كف الأذى.
- شروط صحة الهدنة:
يشترط لصحة الهدنة ما يلي:
1 - أن يعقدها مع الأعداء الإمام أو نائبه.
2 - أن تُعقد لمصلحة إسلامية كضعف المسلمين، أو رجاء إسلام العدو.
3 - أن تكون مؤقتة بمدة معينة.
وتنتقض الهدنة إذا نقضها العدو بقتال، أو بمناصرة عدو آخر، وبما ينتقض
به عقد الذمة كما سبق.
1 - قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً
فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْخَائِنِينَ (58)} [الأنفال: 58].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ
عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
[التوبة: 12].
(5/521)
- ما يفعله الإمام إذا علم بغدر المعاهدين:
إذا علم إمام المسلمين خيانةً وغدراً من عاهدهم، فلا يحل له محاربتهم
إلا بعد إعلامهم بنبذ العهد، حتى لا يؤخذوا على غِرّة.
قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ
إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ
(58)} [الأنفال: 58].
(5/522)
3 - أهل الأمان
- الأمان: هو تأمين الكافر في دار الإسلام مدة محدودة.
وهذا الأمان ليس عقداً؛ بل أمان فقط، حتى يبيع المستأمن تجارته في بلاد
المسلمين ويرجع، أو حتى يشاهد بلاد المسلمين ويرجع، أو حتى يسمع كلام
الله ويرجع.
- من يصح منه الأمان:
يصح الأمان من كل مسلم، بالغ، عاقل، مختار، سواء كان ذكراً أو أنثى،
حراً أو عبداً.
فيصح من الإمام لعموم الكفار، ويصح من المسلم للكافر، فيقول له: أنت
آمن، أو لا بأس عليك، أو قد أجَرْناك ونحو ذلك.
- حكم الأمان:
يجوز الأمان من كل مسلم، سواء كان الإمام أو من آحاد الناس المسلمين.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ
مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة:
6].
2 - وَعَنْ أمِّ هَانِئٍ بِنْت أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
قَالتْ: ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ
الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ،
قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ». فَقُلْتُ:
أنَا أمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَرْحَباً بِأمِّ
هَانِئٍ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ
رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفاً فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ،
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أمِّي، أنَّهُ قَاتِلٌ
رَجُلاً قَدْ
(5/523)
أجَرْتُهُ، فُلانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أجَرْنَا مَنْ
أجَرْتِ يَا أمَّ هَانِئٍ». قَالَتْ أمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحىً. متفق
عليه (1).
- حقوق المستأمن:
المستأمن: هو الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان دون نية الاستيطان.
فهذا له حق الأمان بالمحافظة على نفسه وماله، وسائر حقوقه ومصالحه،
مادام مستمسكاً بحكم الأمان.
وعليه الالتزام بأحكام الإسلام في المعاملات، والخضوع لأحكام الإسلام
في الجنايات والعقوبات.
ويحرم على الناس أذاه، أو سبه، أو الإساءة إليه، أو قتله.
1 - عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا
أدْنَاهُمْ، فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ
وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ
القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً
لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ
مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (3).
- حكم الوفاء بالعهود والعقود:
يجب الوفاء بالعهود والعقود، وعدم الوفاء بها يستوجب مقت الله وغضبه،
والوفاء بها خُلُق الأنبياء والمرسلين، سواء كانت مع مسلم أو كافر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (357) , واللفظ له، ومسلم برقم
(336).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6755) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1370).
(3) أخرجه البخاري برقم (3166).
(5/524)
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ... [المائدة: 1].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ
مَسْئُولًا (34)} [الإسراء: 34].
3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا
مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3].
4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ
كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ
كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا
اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ،
وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عليه (1).
- شروط العهود والعقود:
يشترط في العهود والعقود التي يجب احترامها والوفاء بها ما يلي:
1 - ألا تخالف القرآن والسنة.
2 - أن تكون عن رضا واختيار بين الطرفين.
3 - أن تكون بينة واضحة، لا لبس فيها ولا غموض.
- حكم نقض العهود والعقود:
لا يجوز نقض العهد إلا في إحدى الأحوال الآتية:
1 - إذا كانت مؤقتة بوقت وانتهت مدتها.
قال الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ
أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)} [التوبة: 4].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34) , واللفظ له، ومسلم برقم (58).
(5/525)
2 - إذا أخل العدو بالعهد.
1 - قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)} ... [التوبة: 7].
2 - وقال الله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا
أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)} ... [التوبة: 13].
3 - إذا ظهرت من العدو بوادر الغدر، ودلائل الخيانة.
قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ
إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ
(58)} [الأنفال: 58].
(5/526)
13 - أحكام الرجوع
من الجهاد
- ما يقوله إذا قفل من الغزو:
1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أوْ
حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلاثَ
تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا
حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ
الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ،
وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ
أرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ فَصُرِعَا
جَمِيعاً، فَاقْتَحَمَ أبُو طَلْحَةَ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قالَ: «عَلَيْكَ المَرْأةَ». فَقَلَبَ
ثَوْباً عَلَى وَجْهِهِ وَأتَاهَا فَألْقَاهُ عَلَيْهَا، وَأصْلَحَ
لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبَا، وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ، قالَ:
«آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». فَلَمْ
يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ، حَتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ. متفق عليه (2).
- ما يفعله عند القدوم من السفر:
1 - عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلا نَهَاراً
فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأ بِالمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1797) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1344).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3085) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1345).
(5/527)
متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - لا يَطْرُقُ أهْلَهُ، كَانَ لا يَدْخُلُ إِلا
غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً. متفق عليه (2).
- البشارة بالفتوح:
عَنْ جَرِير بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي
الخَلَصَةِ». وَكَانَ بَيْتاً فِيهِ خَثْعَمُ، يُسَمَّى كَعْبَةَ
اليَمَانِيَةِ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أحْمَسَ،
وَكَانُوا أصْحَابَ خَيْلٍ، فَأخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - أنِّي لا أثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى
رَأيْتُ أثَرَ أصَابِعِهِ فِي صَدْرِي فَقال: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ،
وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً». فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا
وَحَرَّقَهَا، فَأرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
يُبَشِّرُهُ، فَقال رَسُولُ جَرِيرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأنَّهَا جَمَلٌ
أجْرَبُ، فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ
مَرَّاتٍ. متفق عليه (3).
- استقبال الغزاة:
1 - عَنِ السَّائِب بن يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَهَبْنَا
نَتَلَقَّى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الصِّبْيَانِ
إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ. أخرجه البخاري (4).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ
تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ: وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ
سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4418) , ومسلم برقم (716)، واللفظ
له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1800) , واللفظ له، ومسلم في كتاب
الإمارة برقم (715).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3076) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2476).
(4) أخرجه البخاري برقم (3083).
(5/528)
بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ
ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، قَالَ: فَأُدْخِلْنَا
المَدِينَةَ، ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ. أخرجه مسلم (1).
- الطعام عند القدوم:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ نَحَرَ
جَزُوراً أوْ بَقَرَةً. متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2428).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3089) , واللفظ له، ومسلم برقم
(715).
(5/529)
14 - فضل الحمد
والشكر
- نعم الله على العباد:
نعم الله على الناس نوعان:
نعم مادية .. ونعم روحية.
1 - النعم المادية: وهي كل ما خلقه الله في هذا الكون من أجل الإنسان.
1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} [لقمان: 20].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ
ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل:
53].
2 - النعم الروحية: وهي الدين الذي أرسل الله به رسله لإسعاد البشرية
في الدنيا والآخرة، وهذه أجَلّ النعم وأعظمها وأكملها وأتمها.
قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ...
[المائدة: 3].
فلله الحمد والشكر على جميع نعمه المادية والروحية حمداً كثيراً طيباً
مباركاً، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شاء الله من شيء بعد.
{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (36)} [الجاثية: 36].
(5/530)
- المستحق للحمد:
الله وحده لا شريك له هو المستحق للحمد والشكر:
فهو المحمود على كمال أسمائه وصفاته وحسن أفعاله.
وهو المحمود على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
وهو المحمود على إكرامه لأهل الإيمان والعدل والإحسان.
وهو المحمود على انتقامه من أهل الكفر والظلم والإساءة.
وهو المحمود على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه ومغفرته.
وهو سبحانه المحمود على قضاء حاجات العباد، وتدبير أمورهم، وإجابة
دعائهم، وقسمة أرزاقهم.
وهو سبحانه المحمود على جماله وجلاله، وعلى نعمه وآلائه، وعلى قضائه
وقدره، وعلى دينه وشرعه، وعلى جميع أفعاله
1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ...
[الفاتحة: 2 - 4].
2 - وقال الله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ
وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}
[الجاثية: 36 - 37].
- أصول الشكر لله:
أصول الشكر وقواعده التي لا يكمل إلا بها هي:
خضوع الشاكر للمشكور سبحانه .. وحبه له .. واعترافه بنعمه .. وثناؤه
عليه بها .. واستعمالها فيما يحب الله .. وعدم استعمالها فيما يكره.
ومتى نقص منها واحدة اختلت قاعدة من قواعد الشكر للرب جل جلاله.
(5/531)
- أسباب الشكر ومنابعه:
أسباب الشكر ومنابعه كثيرة:
فحياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر .. والعلم بأن الشكر نعمة من
نعم الله شكر .. والعلم بعظيم حلم الله شكر .. والعلم بأن النعم ابتداء
من الله بغير استحقاق شكر .. وقلة الاعتراض على قسمة الأرزاق شكر ..
وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر .. واستعظام صغيرها شكر .. ووضعها في
مكانها شكر .. وصرفها في طاعة الله شكر.
1 - قال الله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)} ... [إبراهيم: 34].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ
اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)} [لقمان: 12].
- أنواع تربية الله لخلقه:
الله عز وجل هو المنعم بجميع النعم وحده، والنعم كلها من آثار رحمته.
وتربية الله لخلقه نوعان:
1 - تربية عامة: وهي خلقه لجميع المرزوقين ورِزْقهم وهدايتهم لما فيه
مصلحتهم في الدنيا.
2 - تربية خاصة: وهي تربيته سبحانه لأوليائه المؤمنين.
فيربيهم سبحانه بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويكملهم به، ويدفع
عنهم الصوارف التي تحول بينهم وبينه، بتوفيقهم لكل خير، وعصمتهم من كل
شر.
(5/532)
فلله الحمد أولاً وآخراً، والحمد لله على
كل حال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)
وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} ... [الجاثية: 36 - 37].
{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} [غافر: 65].
«اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ
مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحَقُّ،
وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ
حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى
الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ
أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ
أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا
قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ
المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَوْ:
لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». متفق عليه (1).
«رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمِلْءُ
مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أحَقُّ
مَا قال العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ
لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا
الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». أخرجه مسلم (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1120) , واللفظ له، ومسلم برقم
(769).
(2) أخرجه مسلم برقم (477).
(5/533)
15 - فضل التوبة
والاستغفار
- أعظم الأمانات:
الدين هو الأمانة الكبرى التي تحمَّلها الإنسان.
فالدين أمانة .. والعمل به أمانة .. وتعلمه وتعليمه أمانة .. والدعوة
إليه أمانة ..
والمحافظة عليه أمانة، وأعضاء الإنسان كلها أمانة.
فاللسان أمانة .. والقلب أمانة .. والعقل أمانة .. والسمع أمانة ..
والبصر أمانة .. واليد أمانة .. والرجل أمانة .. والفكر أمانة ..
والوقت أمانة .. والمال أمانة .. وأحكام الدين كلها أمانة.
فالطهارة أمانة .. والصلاة أمانة .. وفعل الواجبات أمانة .. وترك
المنهيات أمانة .. والعدل أمانة .. والأخلاق أمانة.
والله سبحانه أمرنا أن تؤدى الأمانات التي تحمَّلناها؛ لنَسْعد وتَسعد
البشرية في الدنيا والآخرة، وبذلك يتحقق مراد الله من خلقه بعبادته
وحده لا شريك له.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا
جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
(73)} ... [الأحزاب: 72 - 73].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ
أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} ... [النساء: 58].
- أحوال الإنسان في الحياة:
كل إنسان في هذه الحياة يتقلب بين خمسة أمور:
(5/534)
نعمة من الله يجب عليه شكرها .. وأمر من
الله يجب عليه فعله .. ونهي يجب عليه اجتنابه .. وذنب يجب عليه
الاستغفار منه .. ومصيبة يجب عليه الصبر عليها .. فهذه أصول واجبات
الدين.
وقد ابتلى الله سبحانه كل إنسان بالغفلة والنسيان، والنفس والشيطان،
والجهل والخطأ، والعجز والكسل.
والله عز وجل يريد تكميل محبوباته من الإيمان والطاعات .. والنفس تريد
تكميل محبوباتها من الشهوات والملذات .. والرسل وأتباعهم يدعون الناس
إلى عبادة الله وحده .. والشيطان يريد جر الناس إلى طاعته ليشتغلوا
بمعصية الله ثم ينالوا عقابه.
والحرب سجال .. ولا نجاة للعبد إلا بالإيمان بالله .. والتوكل عليه ..
ولزوم عبادته وذكره .. ودوام التوبة والاستغفار .. والحذر من طاعة
النفس والشيطان وجنوده.
1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
(25)} [الشورى: 25].
2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا
عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ
الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} ... [النساء: 27 - 28].
3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ
وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ
الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)}
[التوبة: 117].
(5/535)
- حكم التوبة:
التوبة من الذنوب والمعاصي واجبة على كل أحد، ومن تاب إلى الله فإن
الله يتوب عليه.
والناس رجلان: تائب وظالم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
1 - قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} ... [النور:31].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى
اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} ... [التحريم: 8].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11].
- وقت التوبة:
وقت التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها.
والتوبة التي يقبلها الله عز وجل من الإنسان هي ما كانت قبل معاينة
الموت والعذاب المهلك.
أما بعد حضور الموت فلا يُقبل من الكفار رجوع، ولا من العاصين توبة.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ
فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا
حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي
تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} ... [النساء: 17 - 18].
2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ
بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ
بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى
(5/536)
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
أخرجه مسلم (1).
- شروط التوبة:
شروط التوبة:
إن كانت المعصية بين العبد وربه فشروط التوبة منها خمسة:
أن تكون التوبة خالصة لله .. وأن تكون في وقتها .. وأن يقلع عن المعصية
.. وأن يندم على فعلها .. وأن يعزم ألا يعود إليها.
فإن فقد أحد هذه الشروط لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فتزيد مع هذه شرطاً سادساً بأن يَبرأ
من حق صاحبها باستحلاله أو رد حقه.
والتوبة النصوح تتضمن ثلاثة أمور:
التوبة من جميع الذنوب والمعاصي .. إجماع العزم على التوبة .. إخلاص
التوبة لله.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ
تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا
وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)} [التحريم:
8].
- صفة توبة العبد من عمله:
توبة المسلم من عمله تنقسم إلى قسمين:
الأول: توبة العبد من حسناته، وهذه ثلاثة أضرب:
1 - أن يتوب ويستغفر من تقصيره في العبادة.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2759).
(5/537)
2 - أن يتوب مما كان يظنه حسنات كحال أهل
البدع.
3 - أن يتوب من إعجابه بعمله، ورؤيته أنه فَعَله بقوته وحوله.
الثاني: توبة العبد من فعل السيئات، وهذه على ضربين:
توبة من ترك مأمور .. وتوبة من فعل محظور.
- أنواع التوبة:
التوبة ثلاثة أنواع:
الأول: التوبة الصحيحة: وهي أن يقترف العبد ذنباً، ثم يتوب منه بصدق.
الثاني: التوبة الأصح: وهي التوبة النصوح، وعلامتها أن يكره العبد
المعاصي، ويستقبحها فلا تخطر له على بال، وينزه قلبه عن الذنوب.
الثالث: التوبة الفاسدة: وهي التوبة باللسان، مع بقاء لذة المعصية في
القلب.
- فضل التوبة والاستغفار:
شرع الله التوبة والاستغفار في كل وقت وأكَّد عليها، ورغَّب في التوبة
والاستغفار في خواتيم الأعمال الصالحة كالوضوء، والصلاة، وقيام الليل،
والحج، ومجالس العلم والذكر، وختام المجلس، والجهاد، والدعوة إلى الله
وغير ذلك.
وجميع الناس محتاجون إلى التوبة والاستغفار:
الأنبياء والمرسلون .. والمؤمنون المتقون .. والفجار والفاسقون ..
والله يفرح بتوبة كل تائب مهما بلغ ذنبه ويتوب عليه.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)}
[النساء: 110].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ
(5/538)
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53].
3 - وقال الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ
فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} ...
[البقرة:37].
4 - وقال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
(3)} [النصر:1 - 3].
5 - وقال آدم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا
وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (23)} ... [الأعراف: 23].
6 - وقال نوح - صلى الله عليه وسلم -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}
[نوح: 28].
7 - وقال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا
مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (128)} ... [البقرة: 127 - 128].
8 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لأسْتَغْفِرُ
اللهَ وَأتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ
مَرَّةً». أخرجه البخاري (1).
9 - وَعَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى
قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
أخرجه مسلم (2).
10 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ
أحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أضَلَّهُ فِي أرْضِ فَلاةٍ».
متفق عليه (3).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6307).
(2) أخرجه مسلم برقم (2702).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6309) , واللفظ له، ومسلم برقم
(2747).
(5/539)