موسوعة
الفقه الإسلامي الباب الحادي والعشرون
كتاب الدعوة إلى الله
ويشتمل على ما يلي:
1 - كمال دين الإسلام.
2 - حكمة خلق الإنسان.
3 - حاجة البشرية إلى الإسلام.
4 - عموم دين الإسلام.
5 - أحكام الدعوة إلى الله.
6 - أحكام الدعاة إلى الله.
7 - أحكام المدعوين.
8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل.
(5/333)
1 - كمال دين
الإسلام
- السنن الكونية:
الله جل جلاله خلق الكون بقدرته، وسيَّره بسنته، وستر قدرته بسنته.
فخلق سبحانه هذا الكون العظيم، وجعل لكل مخلوق فيه سنة يسير عليها، وبها
يتحقق مراد الله منه بالسمع والطاعة والمنفعة.
فالشمس لها سنة .. والقمر له سنة .. والليل له سنة .. والنهار له سنة ..
والنبات له سنة .. والحيوان له سنة .. والرياح لها سنة .. والمياه لها سنة
.. والبحار لها سنة .. والجبال لها سنة .. والكواكب لها سنة .. والسحب لها
سنة .. وهكذا كل مخلوق له سنة من ربه يسير عليها، ويعبد الله بها، ولا
تتبدل إلا بأمر الله وحده.
1 - قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا
مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ
(36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ
مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ
حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي
لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ
فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} [يس: 36 - 40].
2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ
حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ
إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} ... [الحج: 18].
3 - وقال الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ
وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ
(5/335)
بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44].
4 - وقال الله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)} [الفتح: 23].
- السنن الشرعية:
خلق الله الإنسان بيده، وكرَّمه وفضَّله على كثير ممن خلق.
والإنسان كذلك مخلوق من مخلوقات الله، وهو محتاج إلى سنة يسير عليها في
جميع أحواله، ليسعد في الدنيا والآخرة.
وهذه السنة هي الدين الذي أكرمه الله به، ورضيه له، ولا يقبل منه غيره.
وجعل سبحانه سعادة الإنسان وشقاءه مرتبط بمدى تمسكه بهذا الدين أو إعراضه
عنه، وجعله مختاراً في قبوله أو رده.
1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة:
3].
2 - وقال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ... [الكهف: 29].
3 - وقال الله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
[البقرة: 38 - 39].
- فضل الله على البشرية:
لما خلق الله الإنسان، سخر له ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليه
نعمه، وأنزل عليه الكتب، وأرسل إليه الرسل، وزوده بآلات العلم والمعرفة
(5/336)
كالسمع والبصر والعقل، ليتشرف مختاراً
بعبادة الله وحده لا شريك له.
1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} [لقمان: 20].
2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} ... [النحل: 78].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى
اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
[النحل: 36].
- أعظم النعم:
امتن الله عز وجل على عباده بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى.
وأصول هذه النعم ثلاث هي:
نعمة الإيجاد .. ونعمة الإمداد .. ونعمة الهداية.
وأعظم هذه النعم وأجلها نعمة الإسلام الذي بعث الله به رسله على مر القرون،
وختمهم ببعثة سيد المرسلين إلى الناس كافة.
وكل رسول، وكل نبي، أرسله الله لبيان ثلاثة مقاصد:
الأول: تعريف الناس بربهم وخالقهم ورازقهم ليعبدوه ويعظموه ويشكروه.
الثاني: تعريف الناس بالطريق الموصل إلى ربهم وهو الدين.
الثالث: تعريف الناس بما لهم بعد القدوم عليه، الجنة لمن آمن، والنار لمن
كفر.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ
(5/337)
كَفَّارٌ (34)} ... [إبراهيم: 34].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ
إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل: 53].
- كمال دين الإسلام:
الإسلام هو الدين الذي أرسل الله به رسله إلى خلقه.
والدين الذي أرسل الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كلها
هو الإسلام الكامل، الشامل؛ العام، الدائم، الصافي.
فكماله؛ لأنه جمع بين الجلال والجمال، وجمعت أحكامه بين العدل والإحسان
والتمام.
وشموله؛ لأنه يحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وعمومه؛ لأنه رحمة للعالمين، وللناس كافة.
ودوامه؛ لأنه باقٍ إلى يوم القيامة.
وصفاؤه؛ لأن الله تكفل بحفظه، فسلم من التغيير والتبديل، ومن الزيادة
والنقصان.
1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة:
3].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ... [فصلت: 30 - 32].
(5/338)
3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ
اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (164)} ... [آل عمران: 164].
4 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ
بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)}
... [سبأ: 28].
5 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
(107)} ... [الأنبياء: 107].
6 - وقال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ (9)} ... [الحجر: 9].
- مظاهر الكمال في دين الإسلام:
الإسلام دين كامل يغطي جميع جوانب الحياة، ويفي بجميع الحاجات:
1 - فهو الدين الحق الذي ينظم علاقة الإنسان مع ربه بعبادته وتوحيده،
وتعظيمه، وطاعته، وشكره، والتوجه إليه في جميع أموره.
2 - وهو الدين الذي يملأ القلب بالإيمان بالله، والحب له، والتوكل عليه،
والخوف منه، والرجاء له، والاستعانة به، والافتقار إليه، والذل له.
3 - وهو الدين الذي يفتح للعقل أبواب معرفة الله بأسمائه وصفاته، ومعرفة
النفس البشرية، ومعرفة الدنيا والآخرة، ومعرفة أحكام الشريعة، والعمل بموجب
ذلك.
4 - والإسلام ينظم علاقة الإنسان مع رسل الله، ويدعو الإنسان للاقتداء بهم.
وينظم علاقة الإنسان بأفضل رسل الله وسيدهم وآخرهم محمد - صلى الله عليه
وسلم -، فيأمر الناس بمحبته، وطاعته، وتوقيره، واتباع سنته، وتصديق ما جاء
به، والاقتداء به، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
(5/339)
5 - وينظم الإسلام علاقة الإنسان مع غيره
من مسلم وكافر، وحاكم ومحكوم، وعالم وجاهل، وغني وفقير، وصديق وعدو، وقريب
وبعيد، ويعطي على ذلك الأجر الجزيل.
6 - وينظم الإسلام معاملات الإنسان المالية بكسب الحلال، وتجنب الحرام،
وعدم الغش والخداع.
ويدعو إلى السماحة في البيع والشراء، والإنفاق في وجوه البر والإحسان،
وتحري الصدق، وتجنب الكذب والربا، ويبين كيفية توزيع الصدقات، وقسمة
المواريث ونحوها.
7 - وينظم الإسلام حياة الرجل والمرأة في حال السراء والضراء، والغنى
والفقر، والصحة والمرض، والحضر والسفر، والأمن والخوف.
وينظم حياة الإنسان الزوجية بالعدل والإحسان، وحسن تربية الأولاد، وصيانة
الأسرة من الفساد، وحسن معاشرة الزوج والزوجة، ويعطي على ذلك الثواب
العظيم.
8 - وينظم الإسلام سائر العلاقات على جسور متينة من أحسن الأخلاق كالحب في
الله، والبغض في الله، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، كالكرم
والجود، والعفو والصفح، والحلم والحياء، والصدق والبر، والعدل والإحسان،
والرحمة والشفقة، واللطف واللين ونحو ذلك، ويعطي على ذلك الأجر العظيم.
9 - وينظم الإسلام طريقة الحياة بالأمر بكل خير، والنهي عن كل شر وفساد
وظلم وطغيان، كالشرك بالله، والقتل بغير حق، والزنا، والكذب والكبر،
والنفاق والخداع، والمكر والكيد، والعداوة والحسد، والغيبة والنميمة،
(5/340)
والغصب والسرقة، والسحر والخمر، وأكل أموال
الناس بالباطل ونحو ذلك من الفواحش والمحرمات والكبائر التي تفسد الفرد
والمجتمع، ويعاقب على ذلك بما يرفع الظلم.
10 - وينظم الإسلام بعد ذلك كله حياة الإنسان في الآخرة، ويجعلها مبنية على
حياته في الدنيا.
فمن جاء بالإيمان والأعمال الصالحة سعد في الدنيا، ودخل الجنة في الآخرة.
ويجازي الله العباد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها.
1 - قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ
(15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ
وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} ... [المائدة: 15 - 16].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ
حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}
... [النساء: 13 - 14].
(5/341)
2 - حكمة خلق
الإنسان
- حكمة خلق الكائنات:
خلق الله عز وجل هذا الكون العظيم ليدل به عباده على كمال علمه وقدرته
وعظمته، وجعل كل شيء فيه يسبح بحمد ربه.
وإذا عرف الإنسان ذلك، أقبل على عبادة ربه وحده لا شريك له، وحقق مراد الله
منه بطاعته وطاعة رسله، وشارك المخلوقات الأخرى في كمال العبودية والطاعة.
1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} ... [الطلاق: 12].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ
يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ (58)} ... [الذاريات: 56 - 58].
- المراحل والدُّور التي يمر بها الإنسان:
خلق الله الإنسان وجعله يمر بمراحل وأزمنة وأمكنة وأحوال ثم ينتهي بالقرار
والخلود إما في الجنة أو النار.
والمراحل والدُّور التي يمر بها الإنسان أربع:
الأولى: بطن الأم:
وهي أول مرحلة يمر بها الإنسان، وأول دار يسكنها، وإقامته فيها تسعة أشهر،
هيأ الله العليم القدير له في هذه الدار المظلمة كل ما يحتاجه من
(5/342)
الطعام والشراب، وما يناسبه من السكن
والمأوى.
وهو في هذه الدار غير مكلف بعمل؛ لعجزه وضعفه.
والحكمة من وجوده في هذه الدار أمران:
تكميل الأعضاء الداخلية .. وتكميل الأطراف الخارجية.
ثم يخرج إلى الدنيا بعد اكتمال خلقه ظاهراً وباطناً.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ
طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
(14)} [المؤمنون: 12 - 14].
الثانية: دار الدنيا:
وهذه الدار أوسع من بطن الأم، وهي بالنسبة إليها كالذرة بالنسبة للجبل،
والإقامة فيها أكثر مدة من بطن الأم.
وقد هيأ الله للإنسان في هذه الدار كل ما يحتاجه من النعم، وزوده بالعقل
والسمع والبصر، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وأمره بالإيمان به
وطاعته، ونهاه عن الكفر والمعاصي، ووعد المؤمنين به الجنة، وتوعد الكفار
بالنار.
والحكمة من وجود الإنسان في هذه الدار أمران:
تكميل الإيمان .. وتكميل الأعمال الصالحة.
ثم يخرج الإنسان مع عمله من هذه الدار إلى الدار التي تليها.
1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
(5/343)
نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا
كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} ... [لقمان: 20].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} ...
[البقرة: 21 - 22].
الثالثة: دار البرزخ:
دار البرزخ في القبر، والقبر أول منازل الآخرة.
ويبقى الإنسان فيه حتى يكتمل موت الخلائق، وتقوم الساعة.
وإقامة الإنسان فيه أكثر من إقامته في دار الدنيا، والأنس والبؤس فيه أوسع
وأكمل من دار الدنيا، والجزاء فيه بحسب عمل الإنسان في الدنيا، فهو إما
روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
يبدأ فيه الجزاء، ثم ينتقل منه إلى دار الخلود إما في الجنة أو النار.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت: 30 - 32].
الرابعة: الدار الآخرة:
وفي هذه الدار تكون الإقامة المطلقة، وهي دار القرار.
فمن أكمل في الدنيا ما يحب الله من الإيمان والأعمال والأخلاق، أكمل الله
(5/344)
له يوم القيامة ما يحب من الخلود والنعيم،
مما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر.
ومن اشتغل بما يسخط الله من الكفر والشرك والمعاصي فجزاؤه جهنم خالداً
فيها.
والداران الأُوليان من عالم الشهادة، والأُخريان من عالم الغيب، وكلٌّ حق،
وكلٌّ سيراه الإنسان ويعلمه.
وكلما خرج المؤمن من دار زهد فيما كان عليه أولاً، حتى يستقر في الجنة.
1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ
يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ
مُحْضَرُونَ (16)} [الروم: 14 - 16].
2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} ... [التوبة: 72].
- كمال نعيم القلب:
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه على كثير من خلقه، وجعل لكل عضو من
أعضائه كمالاً يسعد به.
فجعل كمال العين بالإبصار، وكمال الأذن بالسمع، وكمال اللسان بالنطق ..
وهكذا.
وإذا عدمت هذه الأعضاء كمالها حصل لها الألم والنقص والقلق.
وكذلك جعل الله كمال القلب ونعيمه وسروره ولذته وطمأنينته في معرفة
(5/345)
ربه، ومحبته، وعبادته، والأنس به، والتوكل
عليه، والاستعانة به، وطاعته، والعمل بما يرضيه.
وإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذاباً واضطراباً من العين التي فقدت النور،
والأذن التي فقدت السمع.
ومن جهل ربه وما يجب له، فهو في عذاب دائم؛ لأنه محروم مما يشتهي ويحب،
فالقلب السليم يبصر الحق كما تبصر العين الشمس، ويتلذذ بالإيمان والعمل
الصالح كما يلتذ الجسم بالطعام والشراب.
وقد خلق الله الإنسان ليكون عبداً، وهو مخير: فإما أن يكون عبداً لله، أو
يكون عبداً للشيطان.
فالله يأمر بالإيمان والطاعات والخير، والشيطان يأمر بالكفر والمعاصي
والشر.
فمن وجد نفسه في الإيمان والطاعات فهو عبد لله.
ومن وجد نفسه في الكفر والمعاصي فهو عبد للشيطان.
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ
بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}
[الرعد: 28].
2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ
عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ
(6)} ... [فاطر: 6].
(5/346)
- فقه العبادة والعبودية:
العبادة جسد، والعبودية روح.
والعبادة لها بداية ونهاية كالصلاة والصوم والحج ونحوها.
والعبودية عمل قلبي لا ينفك عن العبد، شعور دائم أنك عبدٌ لله.
وروح العبادة العبودية، وهي الافتقار الدائم لله.
وروح الكفر الطغيان الاستغناء عن الله.
والله يريد منا تكميل العبودية، وكمالها بأمرين:
العبودية المطلقة .. والعبادة المشروعة.
وتحصل الرغبة في طاعة الله بأربعة أشياء:
اليقين على الله وأسمائه وصفاته .. واليقين على خزائنه .. واليقين على وعده
.. واليقين على وعيده.
فإذا جاء الشك في ذلك أو بعضه أحجمت النفس عن الطاعات، وأقبلت على المعاصي،
وقعدت على موائد الشيطان.
1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
(102)} ... [الأنعام: 102].
2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}
[الكهف: 110].
(5/347)
3 - حاجة البشرية
إلى الإسلام
- حاجة الخلق إلى الدين:
حاجة الناس إلى الدين أعظم من حاجتهم للطعام والشراب، بل لا نسبة بينهما؛
لأنهم بدون الدين يخسرون الدنيا والآخرة، وبدون الطعام يخسرون الدنيا فقط.
فالدين حياة، ونور، وهدى، وشفاء، وسعادة، وأمن، وفوز، وفلاح، ونجاة.
والناس بدون الدين يكونون كالأنعام، والسباع، والشياطين.
فالأنعام ترتع في شهواتها، ولا تبالي بغيرها.
والسباع تفترس مَنْ دونها بلا رحمة.
والشياطين ليس لها عمل إلا نشر الشر والفساد.
ولرفع البشرية من هذه الدركات لا بد من الدعوة إلى الله، وبها يرتفع الناس
إلى الأفق السامق الذي يحبه الله ويرضاه كما في حياة الأنبياء والرسل.
1 - قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا
لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ
لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام: 122].
2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ
كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} ... [محمد:
12].
3 - وقال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا
يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ
(5/348)
حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ
بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ
الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ
بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} [طه:
123 - 127].
4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ
عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ
(6)} ... [فاطر: 6].
- فقه الدنيا والآخرة:
جعل الله عز وجل لكل شيء زينة ومقصداً.
فالنباتات لها زينة، وهي الأوراق والأزهار، ولكن المقصد الحبوب والثمار.
والثياب لها زينة وهي الألوان، ولكن المقصد الوقاية وستر العورة.
وكذلك الدنيا زينة، وكل ما عليها زينة لها، ولكن المقصود من الدنيا
الإيمان، والعمل الصالح.
فالدنيا زينة، والمقصد الآخرة، وكل من نسي المقصد تعلق بالزينة، واشتغل
بالمخلوق عن الخالق.
والأنبياء والرسل وأتباعهم يشتغلون في دنياهم بالمقاصد الكبرى، وهي
الإيمان، والعمل الصالح، وأهل الدنيا يشتغلون بالزينات، واللهو، واللعب.
والله سبحانه أمرنا أن نأخذ من الدنيا بقدر الحاجة، ونعمل للآخرة بقدر
الطاقة، وكل ما أعان من الدنيا على الدين فهو عبادة.
وإذا تعارضت في حياتنا الأشياء والزينات مع المقصد الأعظم، وهو عبادة الله
وحده لا شريك له، وطاعة الله ورسوله، ونشر دينه وإبلاغه، قدَّمنا ما يحبه
الله ورسوله على ما تحبه النفس، وقدمنا حاجات الدين على حاجات الدنيا.
(5/349)
ومَنْ أكمل محبوبات الرب في الدنيا من
الإيمان والعمل الصالح، أكمل الله محبوباته في الآخرة بكمال النعيم والخلود
في الجنة مع رؤية الرب ورضوانه.
1 - قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ
وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ
إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ (77)} [القصص: 77].
2 - وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ
وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ
يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ
عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد:
20 - 21].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا
لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف: 7].
- قيمة الدنيا بالنسبة للآخرة:
الدنيا بالنسبة للآخرة كالذرة بالنسبة للجبل، وكالقطرة بالنسبة للبحر،
والدنيا فانية، والآخرة باقية.
وقد بين الله ورسوله قيمة الدنيا بالنسبة إلى الآخرة بياناً شافياً كافياً
كما يلي:
1 - قيمة الدنيا الذاتية:
قال الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ
وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} ... [العنكبوت: 64].
(5/350)
2 - قيمة الدنيا الزمنية:
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ
لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ
أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)} [التوبة: 38].
3 - قيمة الدنيا بالكيل:
عَنِ المُسْتَوْرِد أَخَا بَنِي فِهْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي
الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ
-وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ
تَرْجِعُ؟». أخرجه مسلم (1).
4 - قيمة الدنيا بالدراهم:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ
العَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ
فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ
هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ
وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟» قَالُوا:
وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ
وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ: «فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ
هَذَا عَلَيْكُمْ». أخرجه مسلم (2).
5 - قيمة الدنيا بالمساحة:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَوْضِعُ
سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه
(3).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2858).
(2) أخرجه مسلم برقم (2957).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3250) , واللفظ له، ومسلم برقم (1881).
(5/351)
6 - قيمة الدنيا المتعية:
قال الله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ
لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} [النساء:77].
7 - قيمة الدنيا التجارية:
قال الله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ (197)} ... [آل عمران: 196 - 197].
- عقوبة الإعراض عن الدين:
من ترك ما ينفعه ابتلي بما يضره:
فسنة الله جارية على أن كل من ترك ما ينفعه، ابتلي بما يضره، وحُرِم الأول.
فالكفار والمشركون لما زهدوا في عبادة الرحمن ابتلوا بعبادة الأوثان.
ولما استكبروا عن الانقياد للرسل ابتلوا بالانقياد لكل مارج العقل والدين.
ولما تركوا اتباع الكتب المنزلة لهداية الناس ابتلوا باتباع أرذل الكتب
وأخسها وأضرها للعقول.
ولما تركوا إنفاق أموالهم في طاعة الرحمن ابتلوا بإنفاقها في طاعة النفس
والشيطان.
والأمم السابقة لما كذبوا الرسل، وأعرضوا عن الدين، واستغنوا عنه بغيره من
الأسباب، دمرهم الله وأهلكهم.
وكان يقين الأمم السابقة ثمانية أنواع:
يقين قوم نوح على الكثرة .. وقوم عاد على القوة .. وقوم ثمود على الصناعة
.. وقوم شعيب على التجارة .. وقوم سبأ على الزراعة .. وفرعون
(5/352)
على الملك .. وقوم عيسى على الطب .. وقارون
على المال.
فكلاً أخذه الله بذنبه.
فأغرق الله قوم نوح وفرعون وقومه، وأهلك عاداً بالريح، وأخذ قوم ثمود
بالرجفة والصيحة والصاعقة، وقَلَب الديار على قوم لوط، ورجمهم بالحجارة،
وخسف بقارون الأرض، وأمطر قوم شعيب بنار من السماء.
1 - قال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ
وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (40)} ... [العنكبوت: 40].
2 - وقال الله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ
أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)} ... [الفرقان: 37].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ
ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)} [هود:
94].
4 - وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى
وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ
النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)} ... [هود: 102 - 103].
5 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا
وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ
فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ
الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)} ... [هود: 96 - 99].
6 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
(5/353)
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا
تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} ... [النساء:
115].
- سبيل الفوز والفلاح:
جعل الله عز وجل سعادة الإنسان وشقاءه بحسب ما يصدر منه من الإيمان
والأعمال الصالحة، أو ضدها من الكفر والأعمال السيئة.
فمن آمن وعمل صالحاً سعد في الدنيا، ثم زادت سعادته عند الموت بملائكة
تبشره بما يسره، ثم زادت سعادته إذا أدخل القبر، فيجده روضة من رياض الجنة،
ثم تزداد سعادته عند البعث والحشر، ثم تزيد سعادته وتبلغ كمالها في الجنة.
وهكذا إذا كفر الإنسان، وساءت أعماله، شقي في الدنيا، ثم ازداد هذا الشقاء
عند الموت، ثم زاد في القبر حيث يجده حفرة من حفر النار، ثم زاد الشقاء
والألم عند البعث والحشر، ثم زاد وبلغ كماله في النار.
ومن تنوعت أعماله المرضية لله، المحبوبة له في الدنيا، تنوعت الأقسام التي
يتلذذ بها في الجنة، وكثرت بحسب كثرة أعماله الصالحة.
ومن تنوعت أعماله المسخوطة لله، المبغوضة له في هذه الدار، تنوعت الأقسام
التي يتألم بها في النار، وكثرت بحسب كثرة أعماله السيئة.
1 - قال الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ
لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ
كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا
وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ
وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ
وَأَبْقَى (127)} [طه: 123 - 127].
(5/354)
2 - وقال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ
صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ
جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ
مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ
الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} ... [طه: 74 -
76].
(5/355)
4 - عموم دين
الإسلام
- الإسلام دين البشرية إلى يوم القيامة:
الإسلام هو دين الله للأولين والآخرين، امتن الله به على خلقه أجمعين،
وجعله رحمة للعالمين، وبعث به رسله أجمعين، وأكمله على يد سيد المرسلين،
وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّف أمته بالعمل به،
والدعوة إليه إلى يوم الدين.
1 - فالله رب الناس، وليس لهم رب سواه، والله مَلِك الناس، وليس لهم مَلِك
سواه، والله إله الناس، وليس لهم إله سواه.
قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2)
إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي
يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
[الناس: 1 - 6].
2 - أنزل الله القرآن هدىً للناس.
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ... [البقرة:
185].
3 - أرسل الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - كافة للناس.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} ... [سبأ:
28].
4 - جعل الله الكعبة أول بيت وضع للناس.
قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)}
(5/356)
[آل عمران: 96].
5 - اصطفى الله هذه الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ} ... [آل عمران: 110].
6 - الله رب العالمين، أرسل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة
للعالمين.
1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
[الفاتحة: 2].
2 - وقال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى
عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان:1].
7 - شرَّف الله هذه الأمة بالدعوة إلى هذا الدين العظيم إلى يوم القيامة.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)} ... [يوسف: 108].
2 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ
وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو
الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].
8 - أول نداء في القرآن موجه لكل الناس ليؤمنوا بالله ويعبدوه وحده.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)}
[البقرة: 21].
9 - هذه الأمة واحدة، وربها واحد، ودينها واحد لا يقبل الله غيره.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا
رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} [الأنبياء: 92].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا
اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا
(5/357)
الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)} ... [آل عمران: 19].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل
عمران: 85].
4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -، أنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لا
يَسْمَعُ بِي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأَمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ،
ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ
أصْحَابِ النَّارِ». أخرجه مسلم (1).
10 - سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ثم يعود غريباً كما بدأ.
1 - عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ
مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا
زُوِيَ لِي مِنْهَا ... ». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا
الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ الله بَيْتَ
مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ الله هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ
عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِْسْلاَمَ
وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ». أخرجه أحمد والحاكم (3).
3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ
غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ كَمَا
تَأْرِزُ الحَيَّةُ فِي
جُحْرِهَا». أخرجه مسلم (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (153).
(2) أخرجه مسلم برقم (2889).
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17082) , وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم
(8326).
(4) أخرجه مسلم برقم (146).
(5/358)
- بقاء الإسلام إلى يوم القيامة:
الإسلام باق إلى يوم القيامة، فقد أنزل الله القرآن، وتكفل بحفظه، تقوم به
في الحياة الدنيا الطائفة المنصورة، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ (9)} ... [الحجر: 9].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ
الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ
حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} ... [فصلت: 41 - 42].
3 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي
قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لاَ يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ
خَالَفَهُمْ، حَتّىَ يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى
النّاسِ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (71) , ومسلم في كتاب الإمارة برقم
(174) (1037)، واللفظ له.
(5/359)
5 - أحكام الدعوة
إلى الله
- أهمية الدعوة إلى الله:
حاجة الأمة للدين كحاجة الجسد إلى الروح، فكما أنه إذا خرجت الروح فسد
الجسد، فكذلك الأمة إذا فقدت الدين فسدت دنياهم وأخراهم، وبقدر حجم الجسد
ينتشر الفساد والنتن في العالم.
والإنسان بلا دين كالعلبة الفارغة لا قيمة له.
وإذا حُرِم الناس من الدين الحق صاروا كالحيوانات يرتعون في الشهوات،
وكالسباع في الفساد، وكالشياطين في الشر والمكر والكيد.
ولهذا احتفى الله بهذا الإنسان، وكرمه على غيره فخلقه بيده، ونفخ فيه من
روحه، وأسجد له ملائكته، وزوده بآلات العلم وهي السمع والبصر والعقل، وجعله
خليفة في الأرض.
ورغَّب المسلم ليدعو غير المسلم ليكون مسلماً، ليكون الدين كله لله، وليعبد
الناس كلهم ربهم وحده لا شريك له.
ومن أجل أهمية الدعوة إلى الله فصَّلها الله في القرآن الكريم تفصيلاً
وافياً كاملاً.
ففصَّل سيرة الأنبياء في الدعوة إلى الله على مر القرون، وذَكَر قصص
الأنبياء مع أقوامهم بالتفصيل، فذكر قصة نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم،
وإسماعيل، وموسى، وعيسى، وداود، وسليمان، ولوط، وشعيب، ويوسف وغيرهم صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين.
(5/360)
والدعوة أم الأعمال، ولأهيمة الدعوة لم
يفصِّل الله عبادات الأنبياء، لا صلاة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ولا
حج آدم - صلى الله عليه وسلم -، ولا صيام داود - صلى الله عليه وسلم -،
لكنه أخبر بها إجمالاً.
فالله سبحانه لم يبين كيفية عبادة نبي واحد في القرآن، ولكنه بيَّن في
القرآن بالتفصيل دعوة الأنبياء إلى الله، وذكر سيرتهم وجهدهم في إبلاغ دين
الله إلى الناس؛ وذلك لأن هذه الأمة مبعوثة بالدعوة إلى الله، وقدوتها
الأنبياء والرسل، لتسير على هديهم في إبلاغ دين الله إلى الناس كافة إلى
يوم القيامة.
1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى
اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)}
[فصلت: 33].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى
اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
[النحل: 36].
- منزلة الدعوة إلى الله:
الدعوة إلى الله يتحقق بها مقصود الله من خلقه، وهو عبادة الله وحده لا
شريك له.
فالدعوة أم الأعمال، وبها تحيا الفرائض والسنن والآداب، وبها يحيا الدين
كله في العالم كله، فالدعوة إلى الله أعظم الوظائف، والعبادة أعظم الأعمال.
ووظيفة الدعوة إلى الله كوظيفة الملك، وبقية الوظائف كوظيفة مَنْ دونه من
العمال والخدم.
(5/361)
وكثير من الناس اشتغل بوظيفة الخدم، وترك
وظيفة الأنبياء والمرسلين من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن
المنكر، والنصح لكل مسلم.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].
- حكم الدعوة إلى الله:
الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة، كلٌّ بحسب علمه وقدرته، ليكون
الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا.
فهي مسؤولية الأمة جميعاً، وهي كذلك حاجة الأمة جميعاً؛ لأن الدعوة من أعظم
أسباب الهداية، وزيادة الإيمان، وكثرة الأعمال.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)} ... [يوسف: 108].
2 - وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].
3 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} ... [آل عمران: 104].
4 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ فِي حِجةِ الوَداعِ: « .. إنَّ دِمَاءَكُمْ،
وَأمْوَالَكُمْ، وَأعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغ
الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ
يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أوْعَى لَهُ مِنْهُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).
(5/362)
5 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَلِّغُوا
عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ،
وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ». أخرجه البخاري (1).
- تقرير وجوب الدعوة إلى الله:
1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].
فهذا النص عام مطلق في الزمان ليلاً ونهاراً .. ومطلق في المكان شرقاً
وغرباً وشمالاً وجنوباً .. ومطلق في الجنس العرب والعجم .. ومطلق في النوع
الرجال والنساء .. ومطلق في السن الكبار والصغار .. ومطلق في اللون الأبيض
والأسود .. ومطلق في الطبقات السادة والعبيد، والأغنياء والفقراء.
2 - قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ
وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو
الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].
فالدعوة لهؤلاء الناس واجبة؛ لأن هذا الدين لكل الناس، والدعوة من هؤلاء
إذا أسلموا واجبة؛ لأنهم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه.
3 - على كل أحد مسؤولية نشر الدين كلٌّ بحسبه، وأقل نصاب الدعوة حِفظ آية
أو سنة، فمن حفظها لزمه إبلاغها.
4 - المسلمون قسمان:
1 - عالم يبين الحق بنفسه، ويدعو الناس إلى اتباعه، كما قال مؤمن آل فرعون:
{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ
الرَّشَادِ (38) يَاقَوْمِ إِنَّمَا
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3461).
(5/363)
هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ
وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)} [غافر: 38 - 39].
2 - مسلم لكنه غير عالم، فهذا يدعو الناس إلى اتباع الرسل والعلماء، كما
قال الله عزوجل عن صاحب يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ
يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ
لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)} [يس: 20 - 21].
فالكل يقوم بالدعوة إلى الله:
العالم يبين الحق بنفسه، وغير العالم يرشد الناس إلى اتباع الرسل والعلماء
الذين هم أعرف الخلق بالله.
5 - الدعوة واجبة على كل أحد كلٌّ بحسبه؛ لأنها أَمْر الله، كما أن الصلاة
واجبة على كل أحد؛ لأنها أمر الله.
وكانت العبادة والدعوة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة على كل
الأمة، ثم صارت العبادة على الأمة، والدعوة على بعض أفراد الأمة، فضعفت
العبادة، وبدأ الناس يخرجون من الدين، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا بما
صَلُح به أولها.
فالعبادة والدعوة أمران واجبان على كل واحد من هذه الأمة بعينه:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا
وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(77)} [الحج: 77].
2 - وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].
6 - الدعوة إلى الله مسؤولية كل الأمة، وحاجة كل فرد من الأمة، فبها تحصل
الهداية، ويزيد الإيمان، ويزيد المؤمنون.
(5/364)
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
(69)} ... [العنكبوت: 69].
7 - أمر الله المسلمين جميعاً بالاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في
جميع أحواله في الدعوة والعبادة والأخلاق وغيرها.
1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا (21)} ... [الأحزاب: 21].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158].
8 - الله سبحانه اجتبي هذه الأمة من بين الأمم، وتوَّجها بتاج الأنبياء،
وهو الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} ... [آل عمران: 110].
9 - هناك فاصل زمني بين الإيمان ونزول الأحكام، وليس هناك فاصل بين الإيمان
والدعوة إلى الله؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء للدعوة إلى الله، وقد
قام أوائل الصحابة رضي الله عنهم بالدعوة من أول يوم، وكان كل نبي يعلِّم
أمته الإيمان ثم الأحكام، وأمر الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن
يعلِّم أمته الإيمان، ثم
الدعوة، ثم الأحكام التي نزلت في المدينة؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء.
10 - الله عز وجل وكَّلنا بنشر الحق في العالم، كما وكَّل الشمس بالإنارة،
ووكَّل
(5/365)
السحب بتوزيع الماء، ووكَّل الأرض
بالإنبات.
وهذه الثلاثة أدت الأمانة، فاستقامت الحياة الدنيا للخلق.
ونحن إذا أدينا أمانة الدعوة إلى الله للبشرية استقامت دنياهم وأخراهم.
فالنور للعالم كله، والماء للعالم كله، والنبات للعالم كله، والحق للعالم
كله، والقرآن للعالم كله، والإسلام للعالم كله.
قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ
وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو
الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].
- فضائل الدعوة إلى الله:
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].
2 - وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} ... [آل عمران: 104].
3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} ... [العنكبوت:
69].
4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ
الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ
أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ
الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ
شَيْئاً». أخرجه مسلم (1).
5 - وَعَنْ سَهْل بن سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2674).
(5/366)
يَوْمَ خَيْبَرَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ
حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ،
وَأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ
لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ
لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». متفق عليه (1).
- ثمار الدعوة إلى الله:
يكرم الله عز وجل كل من يقوم بالدعوة إلى الله على طريقة النبي - صلى الله
عليه وسلم - بالأجور العظيمة، والثمار الكبيرة، فبسبب الدعوة تحصل للداعي
الهداية والاستقامة، وزيادة الإيمان، وزيادة العمل الصالح، وحسن العمل،
وتنوع العمل، وكثرة العمل، وكمال اليقين، ويحصل للداعي من الأجر بقدر مَنْ
دعاه من الناس، وله مثل أجر من اهتدى بسببه.
ويكرم الله كل داع إلى الله بأمور، منها:
أن الله يعزه وإن لم تكن عنده أسباب العزة كما أعز بلالاً وسلمان رضي الله
عنهما.
ويجعل الله أعمال الدين كلها محبوبة لديه، يقوم بها، ويدعو إليها.
ويجعل الله له محبة في قلوب الخلق وهيبة وإجلالاً.
ويطوي بساط الباطل من حوله، ويؤيده بنُصرة غيبية من عنده، ويستجيب دعاءه،
ويرزقه الجنة في الآخرة.
فالدعوة إلى الله جمعت المحاسن كلها، والأجور كلها، والفضائل كلها.
ولأهمية الدعوة إلى الله قام الله بها، وشرَّف رسله بالقيام بها، وامتن على
هذه الأمة حين كلفهم بها.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4210) , ومسلم برقم (2406).
(5/367)
1 - قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو
إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(25)} [يونس: 25].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى
اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)}
[فصلت: 33].
- أصول الدعوة إلى الله:
كما أن للعبادة أصولاً فكذلك للدعوة أصول أهمها:
1 - إخلاص العمل لله، والدعوة إلى الله على طريقة رسوله - صلى الله عليه
وسلم -.
2 - دعوة الناس جميعاً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، مع حسن القول،
وحسن العمل، وإنزال الناس منازلهم.
3 - دعوة الناس إلى الإسلام في كل مكان، في المدن والقرى والأسواق والبيوت
وغيرها.
4 - القيام بالدعوة إلى الله في كل وقت من ليل أو نهار، فالعبادة كالصلاة
والصيام لها أوقات، لكن الدعوة مشروعة في كل وقت، وفي كل مكان.
5 - القيام بالدعوة في جميع الأحوال، حال الأمن والخوف، وحال الشدة
والرخاء، وحال الغنى والفقر .. وهكذا.
6 - عدم أخذ الأجر على الدعوة؛ لأن أجر الداعي على الله.
7 - نقوم بالدعوة بصفة الإحسان، ولا نسأل الناس أجراً، كالشمس طبعها النور
والعموم وتنير للناس بلا أجر.
(5/368)
8 - يكون الداعي قدوة حسنة للناس في سيرته
وسريرته وصورته.
9 - عرض الدين على الناس بالرفق واللين والرحمة والتواضع، مع الدعاء لهم
بالهداية، وعدم احتقار أحد من الناس، ونتحمل منهم كل أذى في سبيل الله.
ومن أعظم أصول الدعوة:
دعوة الناس إلى التوحيد والإيمان وعبادة الله وحده لا شريك له، ونفي تأثير
المشاهدات، وتصديق الغيبيات، ونفي المخلوق، وإثبات الخالق، وتجاوز الخلق
إلى الخالق، والصور إلى المصور.
ونفي جميع الطرق، وإثبات طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع
الأحوال.
وتوجيه الناس من الدنيا إلى الآخرة .. ومن العادات إلى السنن النبوية ..
ومن تكميل الأموال والشهوات إلى تكميل الأيمان والأعمال الصالحة .. ومن
محبوبات النفس إلى محبوبات الرب .. ومن جهد غير الرسول إلى جهد الرسول -
صلى الله عليه وسلم -.
وإذا قام الإنسان بالدعوة إلى الله بهذه الأصول تعرض للابتلاء والأذى،
فعليه أن يصبر ويعفو ويستغفر، ويلين ولا يكون فظاً غليظاً؛ لئلا ينفِّر
الناس.
1 - قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (125)} ... [النحل: 125].
2 - وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} ... [آل عمران: 159].
3 - وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا
يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا
(5/369)
يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60].
- حكمة بعثة الأنبياء والرسل:
بعث الله الأنبياء والرسل بثلاثة أشياء:
بالدعوة إلى الله .. وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان ما للناس بعد القدوم
عليه.
فالأول بيان التوحيد والإيمان .. والثاني بيان أحكام الشرع.
والثالث بيان اليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب، والجنة والنار.
1 - الدعوة إلى الله تكون أولاً بتعريف الناس بالله وأسمائه وصفاته
وأفعاله، وكمال عظمته وقدرته، وجميل إحسانه إلى خلقه.
فنبين للناس أن الله هو العظيم وحده ليعظموه، وأنه الكبير وحده ليكبروه،
وأنه القوي وحده ليخافوه، وأنه الكريم وحده ليحبوه، وأنه المعطي وحده
ليسألوه، وأن خزائنه مملؤة ليقفوا ببابه وحده .. وهكذا.
ونبين أنه سبحانه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، وهو المالك وما سواه
مملوك، وهو الرازق وما سواه مرزوق، وهو الغني وما سواه فقير إليه .. وهكذا.
ونبين أن الله وحده بيده كل شيء، وكل ما سواه ليس بيده شيء، له الخلق
والأمر، وله الملك والحمد، وهو على كل شيء قدير.
ونبين للناس أن الله وحده هو المستحق للعبادة وحده دون سواه.
وإذا عرف الناس كمال أسماء الله وصفاته، وكمال عظمته وقدرته، وسعة رحمته
وعلمه، وعظمة آياته ومخلوقاته، وجزيل نعمه، آمنوا بالله وعظموه
(5/370)
وأحبوه وأقبلوا على طاعته وعبادته.
ثم نبين بقية أركان الإيمان كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل ليقوى
التصديق بالغيب.
فهذه أول المراتب وأعظمها وأحسنها، وأعلاها.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].
2 - وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ
الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:
22 - 24].
3 - وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19].
2 - ثم يلي الدعوة إلى الله الدعوة لبيان اليوم الآخر وما فيه من البعث
والحشر، والصراط والميزان، والجنة والنار؛ ليرغَب الناس في الإيمان
والطاعات، ويتركوا الكفر والمعاصي، ويتنافسوا في الأعمال الصالحة.
1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ
يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ
مُحْضَرُونَ (16)} [الروم: 14 - 16].
2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
(5/371)
أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(72)} ... [التوبة: 72].
3 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ
وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} ... [التوبة: 68].
3 - ثم يلي ذلك الدعوة لبيان أحكام الدين وشرائعه، ببيان الحلال والحرام،
والواجبات والسنن، والعبادات والمعاملات، والحقوق والحدود.
وهذا كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة.
ففي مكة كانت الدعوة إلى الله وإلى اليوم الآخر، ومكارم الأخلاق، وبيان
أحوال الرسل مع أممهم.
وفي المدينة أكمل الله الدين بالأحكام الشرعية، فتقبَّلها من آمن بالله
واليوم الآخر، وشَرِق بها الكافر والمنافق، ثم دخل الناس في دين الله
أفواجاً، وكمل الدين.
1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة:
3].
2 - وقال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}
[النصر:1 - 3].
- كيفية الدعوة إلى الله:
يَعْرض الداعي نفسه على الناس وما يحمله من الحق بما يلي:
الهدوء والتدرج .. والتيسير والتبشير .. والرفق واللين .. والمحبة والرحمة
.. والبساطة والإلفة .. والدعوة والدعاء .. وطلب رضا الله .. والعزة
والتواضع ..
(5/372)
والصبر والحلم .. وحسن الظن، لأن سوء الظن
يولِّد تسعة أضرار كلها شرور، وهي التجسس، ثم التحسس، ثم الغيبة، ثم
النميمة، ثم الشحناء، ثم البغضاء، ثم التقاطع، ثم التدابر.
ونؤلف قلوب الناس بالثناء عليهم، وذكر محاسنهم، وإنزالهم منازلهم، ونحترمهم
ونوقرهم، ونكرمهم ونهدي إليهم ما يحبون مما أحل الله.
وبذلك يحبوننا، ويسمعون كلامنا، ويتأثرون بحسن أخلاقنا، ويرغبون في ديننا،
ويدخلون في رحمة الله.
ثم نبين لهم عظمة الله، وعظمة أسمائه وصفاته ليعظموه.
ثم نبين كثرة نعمه، وجميل إحسانه إلى عباده، خاصة بهذا الدين؛ ليشكروه
ويطيعوه ليزيدهم من فضله.
ثم نطلب منهم توحيد الله بالعبادة والخَلْق والأسماء والصفات، وتوحيد
الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع، فلا معبود بحق إلا الله، ولا
متبوع بحق إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم نبين حاجة الناس إلى ربهم، وحاجتهم للدين، ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
ثم نبين فضائل الإيمان، وفضائل الأخلاق، وفضائل الأعمال الصالحة.
ثم نبين لهم ما أعد الله للمؤمنين من الجنة وما فيها من النعيم المقيم، وما
أعد الله للكفار من النار وما فيها من العذاب.
وإذا عرف الناس ذلك جاءت عندهم الرغبة في الدين، والعمل بالدين، والدعوة
إلى الدين، وهان عليهم الصبر على ذلك.
(5/373)
ونبذل كل ما نملك من أجل نشر الدين، وإعلاء
كلمة الله، فنضحي من أجل نشر الحق بأنفسنا، وأموالنا، وأوقاتنا، وأهلنا،
وديارنا، وشهواتنا، وبكل ما نملك كما فعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأصحابه حتى أظهر الله دينه، وبذلك نحصل على رضوان الله، والسعادة في
الدنيا، والجنة في الآخرة.
1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100)} ... [التوبة: 100].
2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (89)} [التوبة: 88 - 89].
3 - وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159].
4 - وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
(102)} ... [الأنعام: 102].
5 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا (21)} ... [الأحزاب: 21].
- وقت الدعوة إلى الله:
الإسلام دين كامل جاء بتنظيم الأفكار والأعمال والأوقات.
فكل عبادة لها وقت ومناسبة، ولها بداية ونهاية كالصلاة والصيام والحج
ونحوها.
(5/374)
أما الدعوة إلى الله ففي كل وقت، وفي كل
حال، وفي كل مكان.
فعلى المسلم أن يقضي وقته على الكيفية التي قضاها رسول اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - ليكون من أتباعه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم.
فيؤدي فرائض الله، ويمتثل أمر ربه في كل حال، ويصرف جزءاً يسيراً من وقته
في أمور الكسب والمعاش، ويصرف جلّ وقته في الدعوة على الله، كي يعبد الناس
ربهم وحده لا شريك له.
فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يدعوه تزوَّد من العلم، أو علَّم غيره من
المسلمين أحكام الدين، ليتعلم ويرفع الجهل عنه وعن غيره.
فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يعلِّمه أو يتعلم منه، اشتغل بخدمة إخوانه
المسلمين، وقضاء حاجاتهم، والإحسان إلى الخلق، والتعاون على البر والتقوى.
فإذا فرغ أو لم يتيسر له أن يقوم بذلك اشتغل بنوافل العبادات كالسنن
المطلقة والأذكار وتلاوة القرآن ونحوها من القُرَب والأعمال الصالحة.
ويُقدِّم في كل حال ما نفعه أعم للمسلمين وغيرهم في كل حال.
فالمسلم دائم العمل في إصلاح نفسه وإصلاح غيره.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} ... [النساء: 103].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ
تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:
79].
(5/375)
4 - وقال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا
آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ
الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)}
[القصص: 77].
5 - وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].
- عقوبة ترك الدعوة إلى الله:
الدعوة إلى الله أعظم الوظائف، وفي تركها أعظم العقوبات.
1 - عقوبات ترك الدعوة كثيرة، ومنها:
1 - الاستبدال:
قال الله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} ... [محمد: 38].
2 - اللعن والحرمان من رحمة الله:
قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى
لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ
لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} ... [المائدة:
78 - 79].
3 - العداوة والبغضاء:
قال الله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا
مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا
بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)} [للمائدة:
14].
(5/376)
4 - التدمير والهلاك:
قال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} ...
[الأنعام: 44 - 45].
5 - الفرقة والخلاف والعذاب في الدنيا والآخرة:
قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 104 - 105].
2 - وإذا تركت الأمة الدعوة إلى الله أصابها ثلاث آفات:
الأولى: العناية بالدنيا، وإهمال الآخرة.
الثانية: صرف الأموال والأوقات والأفكار في غير مصلحة الدين.
الثالثة: الاقتداء بالكفار في طريقة الحياة، والتعلم لديهم، لنقل طريقة
حياتهم إلى بلاد المسلمين.
3 - إذا قامت الدعوة إلى الله فُتحت أبواب الخير كلها، فيدخل الإيمان
والأعمال الصالحة في حياة الناس، وتدخل الأخلاق الحسنة من الصبر والعفو
والإحسان والرحمة في حياتهم، ويدخل الكفار في الدين، ويدخل العصاة في
الطاعات.
وإذا لم نقم بالدعوة إلى الله فُتحت أبواب الشر كلها، ودخل كل شر، وخرج كل
خير.
وإذا خرج الإيمان والعمل الصالح والأخلاق الحسنة، دخل مكانها الكفر
(5/377)
والعمل الفاسد، والأخلاق السيئة، ثم في
النهاية يخرج الناس من دين الله أفواجاً، كما دخلوه أفواجاً، سنة الله ولن
تجد لسنة الله تبديلاً.
1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ
كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} ... [الأعراف:
96].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا
فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى
عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 100
- 101].
3 - وقال الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123].
- نواقض الدعوة:
كما أن للإسلام نواقض، فكذلك للدعوة نواقض منها:
الرياء وعدم الإخلاص .. وأكل الدنيا بالدين .. وبيع كلام الله ورسوله
بالأجرة .. والدعوة إلى النفس وحب الشهرة .. والدعوة إلى حمية الجاهلية
والعصبية كمن يدعو إلى حزب أو طائفة أو جماعة ولا يقبل الدعوة من غيره،
والله أمرنا أن ندعو إليه، ولا ندعو إلى غيره.
وكل من ترك أصول الدعوة، ودعا على هواه، ابتلي بآفات كثيرة منها:
تزكية النفس .. والعجب والكبر .. والحرص على الجاه والمنصب .. واحتقار
الآخرين .. والنظر في عيوب الدعاة إلى الله .. والإنفاق على شهواته، وترك
الإنفاق على الدين .. وثقلت عليه الفرائض والأعمال الصالحة .. وتوسع في
المباحات .. وهانت عليه إضاعة الأوقات في الجدل والشهوات.
(5/378)
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي
مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].
2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(45)} [الأنعام: 44 - 45].
- مراتب الدعوة إلى الله:
جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق.
والناس ثلاثة أقسام:
الأول: من إذا عُرض عليه الحق اعترف به واتبعه.
فهذا يدعى بالحكمة بحسن بيان الحق، ومقاصد الشرع، وسماحة الإسلام.
الثاني: من إذا سمع الحق اعترف به، لكنه لا يسرع لقبوله والعمل به.
فهذا يحتاج مع البيان إلى الموعظة الحسنة، بالتذكير بفضل الله على عباده،
والترغيب في الجنة، والتحذير من النار، ليعلم ثواب الطاعات فيُقبل عليها،
ويعلم عقوبة المعاصي فيحذر منها، وينشرح صدره للعمل الصالح.
الثالث: من إذا عُرض عليه الحق لا يعترف به، ولا يقبله، بل يرده بالشبهات.
فهذا يجادَل بالتي هي أحسن، وتُضرب له الأمثلة الحسية والعقلية حتى يقتنع،
وتزول شبهته.
وقد بين الله ذلك كله بقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].
(5/379)
- مراحل الدعوة إلى الله:
مرت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة النشر والبلاغ:
وفي هذه المرحلة دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التوحيد والإيمان،
وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة الأوثان، وبيان قصص الأنبياء مع
أممهم، وذكر أحوال اليوم الآخر، وصفة الجنة والنار، والدعوة إلى مكارم
الأخلاق، وفضائل الأعمال.
وقد بدأت هذه المرحلة في مكة، واستمرت إلى أن توفي النبي - صلى الله عليه
وسلم - في المدينة، ثم سار عليها أصحابه رضي الله عنهم من بعده.
الثانية: مرحلة البناء والتكوين:
وفي هذه المرحلة اعتنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن أسلم من الصحابة،
ورباهم في دار الأرقم بمكة، وزكاهم بالإيمان ومكارم الأخلاق، حتى جاء عندهم
الاستعداد للعمل بالدين، والدعوة إليه، فلما كمل استعدادهم، أذن الله لهم
بالهجرة إلى المدينة.
الثالثة: مرحلة الاستخلاف والتمكين:
وهذه كانت حين هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، وفي
المدينة نزلت الأحكام الشرعية كلها، حين كمل إيمان الصحابة، واستعدوا
لامتثال جميع أوامر الله في جميع الأحوال.
فلما جاء فيهم الإيمان والتقوى والعمل الصالح مكَّن الله لهم في الأرض،
وقامت الخلافة الإسلامية في المدينة، وانتشر الدين، وبعث النبي - صلى الله
عليه وسلم - بعوثه
(5/380)
وأمراءه في أنحاء الأرض يدعون إلى الله،
ويحكمون بالإسلام، ثم توفاه الله عز وجل.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى
بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)} ... [الأحزاب: 45 - 48].
2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100)} [التوبة: 100].
3 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55].
(5/381)
6 - أحكام الدعاة
إلى الله
- أقسام الناس:
الناس في العمل قسمان:
فمنهم من اجتهد على الدنيا ثم راح وتركها وهم الكفار.
ومنهم من اجتهد على الآخرة ثم مات فوجدها وهم المؤمنون.
والمؤمنون الذين اجتهدوا على الآخرة قسمان:
الأول: من اشتغل بالعبادة فقط، فهذا ينقطع عمله بعد موته، وتغلق صحائف
عمله.
الثاني: من اشتغل بالعبادة والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن
المنكر، وتعلُّم وتعليم شرع الله، والإحسان إلى الخلق.
فهذا بأرفع المنازل وأعلاها، وعمله مستمر، وصحائفه مفتوحة تُملأ بالأجور
والحسنات كل يوم.
1 - قال الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ
دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ
فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} ... [التوبة: 19 - 22].
2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
(5/382)
فَقَالَ: إنّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي،
فَقَالَ: «مَا عِنْدِي» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله أَنَا أَدُلّهُ
عَلَىَ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«مَنْ دَلّ علىَ خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدى كَانَ لَهُ مِنَ
الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ
أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ
الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ
شَيْئاً». أخرجه مسلم (2).
- وظيفة الأمة:
الدعوة إلى الله وظيفة كل الأمة، فهي واجبة على جميع المسلمين، لدعوة غير
المسلمين إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله هي التي تحل العقدة الكبرى، عقدة
الكفر والشرك في البشرية، وإذا انحلت هذه العقدة انحلت العقد كلها.
أما الفتاوى في مسائل الأحكام، فهذا خاص بأهل العلم، فمن علم الحكم أفتى
به، ومن جهله دل المستفتي على العلماء الذين اختصهم الله بمزيد من العلم
والفقه، والفهم والحفظ، والدال على الخير كفاعله.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يتدافعون الفتوى فيما بينهم، والمفتون فيهم قلة
كعلي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم.
فالفتوى ليست مباحة لكل أحد، لئلا يقول الناس على الله غيرالحق، فالعلماء
والفقهاء هم أهل الفتوى كما قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} ... [النحل: 43].
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1893).
(2) أخرجه مسلم برقم (2674).
(5/383)
أما الدعوة فكلٌّ يدعو إلى الله بحسب ما
عنده من العلم وما يعرفه من القرآن، وأقله آية.
فالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أعمال واجبة على
الأمة كلها.
وقد قام بها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أول يوم، قبل نزول
أحكام الصلاة والزكاة وغيرها.
وقد اجتبى الله هذه الأمة كما اجتبى الأنبياء للدعوة إلى الله، وشرفها
وكلفها بالدعوة إلى الله إلى يوم القيامة.
1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} ... [آل عمران: 104].
2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة: 71].
3 - وقال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} ... [آل عمران: 110].
- واجب المسلم والمسلمة:
على كل مسلم ومسلمة واجبان:
الواجب الأول: العمل بالدين، بعبادة الله وحده لا شريك له، وطاعة الله
ورسوله،
(5/384)
وفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله
عنه.
1 - قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}
[النساء: 36].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)} ...
[الأنفال: 20].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (7)} ... [الحشر: 7].
الواجب الثاني: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً». أخرجه
البخاري (1).
3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ
مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ
الإِيمَانِ». أخرجه مسلم (2).
- أحوال الداعي إلى الله:
الداعي إذا قام بالدعوة إلى الله جاءت عليه حالتان:
الأولى: حالة إقبال الناس عليه، كما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين
استقبله أهل المدينة، وفرحوا بقدومه.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3461).
(2) أخرجه مسلم برقم (49).
(5/385)
الثانية: حالة إدبار الناس عنه، كما حصل
للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين رده زعماء أهل الطائف، وأغْرَوا به
السفهاء والصبيان حتى ضربوه بالحجارة.
فالله عز وجل لا يُسْلِم أولياءه لأعدائه، ولكنه حكيم عليم يربي الداعي
أحياناً، ويربي به أحياناً.
وحالة الإقبال على الداعي أشد وأخطر، فقد يدخله الغرور، وتُعْرَض عليه
المناصب، فيكون عرضة للفتنة بالدنيا.
وتلك محاولة الشيطان لسرقة الداعي من الدين، وشغله عن الدين بالدنيا
والأموال والأشياء والمناصب.
أما حالة الإدبار والإعراض عنه فهي أحسن وأقوى تربية له.
إذ بها يزداد توجه الداعي إلى الله، والإقبال عليه، والقرب منه، فتأتي بسبب
ذلك نصرة الله عز وجل، كما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما طرده أهل
الطائف دعا الله فأيده بجبريل وملك الجبال، ثم يسر له دخول مكة عزيزاً، ثم
أكرمه بالإسراء والمعراج، ثم يسر له الهجرة إلى المدينة، ثم ظهور الإسلام
والتمكين في الأرض.
1 - قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 2 - 3].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ
يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ
قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إذْ
عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ
يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى
وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلاّ
(5/386)
بِقَرْنِ الثّعَالِبِ.
فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلّتْنِي، فَنَظَرْتُ
فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي. فَقَالَ: إنّ الله عَزّ وَجَلّ قَدْ
سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ
مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي
مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلّمَ عَلَيّ. ثُمّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ! إنّ الله
قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَدْ
بَعَثَنِي رَبّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ
شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ
أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُد الله وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً».
متفق عليه (1).
- عدة الداعي إلى الله:
أساس الدين أمران:
كمال اليقين على الحق .. وكمال الرحمة للخلق.
فقوة اليقين على الحق سبحانه تمنع عن الداعي شر المخلوقات.
وقوة رحمته للخلق تمنعه أن يضر المخلوقات.
فَنَسْلم من شر الناس كلهم بقوة اليقين، ويَسْلم أهل الشر من الداعي بقوة
الرحمة لهم، وبذلك تحصل الهداية والخير، وتجتمع القلوب على الدين.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ
قَدْرًا (3)} [الطلاق: 3].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة: 67].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3231) , ومسلم برقم (1795)، واللفظ له.
(5/387)
3 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} ... [الأنبياء: 107].
4 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما أنَّهُ غَزَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأدْرَكَتْهُمُ
القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ
بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ
سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ. قال جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً،
ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ،
فَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأنَا نَائِمٌ،
فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ
مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ». ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (1).
فقوة يقين الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ربه منعت الأعرابي أن ينال
الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر، وقوة الرحمة للأعرابي من رسول اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - سَلِمَ بسببها من القتل، وكانت سبباً لهدايته وهداية
قومه.
- نية الداعي إلى الله:
هذا الدين رحمة للعالمين، وأجر كل داع إليه بحسب سعة نيته، وقد قام - صلى
الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الله وعبادة الله، مبتدئاً بنفسه، ثم أهله،
ثم عشيرته الأقربين، ثم قومه، ثم أهل مكة وما حولها، ثم العرب قاطبة، ثم
الناس كافة، مبيناً أنه رسول الله إلى الناس كافة، وأنه رحمة للعالمين،
فدخل الناس في دين الله أفواجاً.
ونية الداعي لها ثمان درجات:
1 - أن يبدأ بنفسه.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4135) , واللفظ له، ومسلم برقم (843).
(5/388)
عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا
يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} ...
[التحريم: 6].
2 - ثم يدعو أهله.
قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا
لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
(132)} [طه:132].
3 - ثم يدعو عشيرته الأقربين.
قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} ...
[الشعراء: 214].
4 - ثم يدعو قومه إلى الله.
قال الله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ
قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} [السجدة: 3].
5 - ثم يدعو أهل بلده وما حولها.
قال الله تعالى: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ
يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي
السَّعِيرِ (7)} ... [الشورى: 7].
6 - ثم يدعو العرب قاطبة.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (2)} ... [الجمعة: 2].
7 - ثم يدعو الناس كافة.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} ... [سبأ:
28].
8 - ثم يدعو العالم كله من الناس، والجن إن حضروا لديه.
(5/389)
1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} ... [الأنبياء: 107].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ
الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى
الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} [الجن:
1 - 2].
- مسؤولية الداعي إلى الله:
أمر الله عز وجل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأربعة أشياء:
أن يتعلم الوحي .. وأن يعمل به .. وأن يعلِّمه الناس .. وأن يقيم الناس
عليه.
وهذه المسؤوليات انتقلت إلينا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
فالدين خطوتان، خطوة للعبادة، وخطوة للدعوة، وحركة في إصلاح النفس، وحركة
في إصلاح الغير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
والواجب على المسلم أن يتعلم شيئين:
جهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الدعوة .. وحياة النبي - صلى الله
عليه وسلم - وهي الدين الكامل.
وإذا كانت الدعوة موجودة في الأمة، وحياة النبي - صلى الله عليه وسلم -
ليست موجودة، فلا يكون في الدعوة فلاح ولا نجاة، ولا تنزل هداية ولا نصر،
ولا يحصل تمكين ولا استخلاف، ولا تتحقق عزة ولا أمن.
وقد اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه حتى جاء فيهم أمران:
إقامة الدين في حياتهم .. وإقامة الدين في حياة الناس.
فكل مسلم مسؤول سوف يحاسبه الله على العمل الانفرادي، وهو العبادة، وعلى
العمل الاجتماعي وهو الدعوة إلى الله، وسوف يسأل الله كلاً من الداعي
والمدعو يوم القيامة عما كانوا يعملون في الدنيا.
1 - قال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)
(5/390)
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا
كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ
مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا
بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} ... [الأعراف: 6 - 9].
2 - وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].
- جهد الداعي إلى الله:
ينقسم جهد الداعي إلى الله إلى قسمين:
الأول: جهد على النفس:
ويكون بحمل النفس على طاعة الله، والاستقامة على العبادة، والطاعة حتى
الممات.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} ... [العنكبوت:
69].
الثاني: جهد على الغير، وهو ثلاثة أنواع:
1 - جهد على الكافر لعله يهتدي كما قال سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا
أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} ...
[السجدة: 3].
2 - جهد على العاصي ليكون مطيعاً، وعلى الجاهل ليكون عالماً، وعلى الغافل
ليكون ذاكراً، كما قال سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].
3 - جهد على الصالح ليكون مصلحاً، وعلى العالم ليكون معلِّماً، وعلى الذاكر
(5/391)
ليكون مذكِّراً.
1 - قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].
2 - وقال الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)} ...
[الغاشية: 21].
- أسباب الهداية:
دخل الناس في الإسلام في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - متأثرين بأسباب
كثيرة أهمها:
1 - حسن الأخلاق:
قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} ... [القلم: 4].
2 - الدعوة باللسان: كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وخديجة
وعلياً وغيرهم رضي الله عنهم فأسلموا.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].
3 - التعليم: كما أسلم بعض الصحابة في دار الأرقم بمكة، وكما أسلم أسيد بن
حضير، وسعد بن معاذ في حلقة التعليم التي أقامها مصعب بن عمير في المدينة.
4 - العبادة: كما أسلمت هند بنت عتبة لما رأت المسلمين يصلون عام الفتح في
المسجد الحرام.
وكما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه في المسجد النبوي متأثراً
بأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وعبادته.
5 - البذل والعطاء: كما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح صفوان
بن أمية، ومعاوية بن
(5/392)
أبي سفيان من الغنائم فأسلموا.
وكما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً غنماً بين جبلين فأسلم،
وبإسلامه أسلم قومه.
وغير ذلك من الأسباب التي جعلها الله أسباباً للهداية.
- أفضل الدعاة إلى الله:
القائمون بالدعوة ثلاثة أقسام:
الأول: مِن الناس مَنْ يقوم بالدعوة لأنه تأثر بأخلاق الدعاة إلى الله،
وإذا حصل له مشكلة مع أحد الدعاة ترك الدعوة، وعادى الدعاة إلى الله.
فهذا صرفه الله لنقص مقصده.
الثاني: من يقوم بالدعوة لأنه وجد فيها حل مشاكله، وتحقيق رغباته، ولما
حسنت أحواله، وزادت دنياه، انشغل بذلك عن الدعوة إلى الله.
فهذا صرفه الله؛ لأنه دخل في الدعوة بمقصد ناقص.
الثالث: من يقوم بالدعوة لأن فيها حسنات وأجوراً، فهو يريد تحصيل الأجور،
فمقصده لنفسه فقط.
فهذا إذا وجد الحسنات في غير الدعوة أسهل وأيسر ترك الدعوة إلى الله.
الرابع: من يقوم بالدعوة إلى الله لأنها أَمْر الله الذي أوجبه على كل
مسلم.
فهو يقوم بالعبادة لأنها أمر الله، ويقوم بالدعوة لأنها أمر الله.
فهذا مقصده كامل، وبسبب فهمه وكمال نيته يثبته الله ويعينه، ويفرِّغه
لهداية البشرية، وتنفيذ أوامر الله، والدعوة إلى الله.
فهذا بأشرف المنازل وأعلاها، وهو خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في
أمته، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم الذين هم ورثة الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام.
(5/393)
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي
مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].
2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21].
- مراحل دعوة الأنبياء والرسل:
يمر كل داع إلى الله بأربع مراحل هي:
1 - فترة الدعوة: وفي هذه المرحلة يقوم الداعي بالدعوة إلى الله بين الناس،
ويضحي في سبيل ذلك بنفسه، وماله، ووقته، وشهواته، وأهله، وبلده.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا} ... [العنكبوت: 69].
2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (89)} ... [التوبة: 88 - 89].
2 - فترة التربية: وفي هذه الفترة يبتلي الله الداعي، ويربيه بما يصلحه،
ليمتحن صبره وصدقه، وينشأ عنده الاستعداد لتحمل الشدائد، ورحمة الخلق،
والتسليم الكامل للحق، فيبتلى بالخير والشر، والغنى والفقر، والأمن والخوف.
1 - قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ (3)} ... [العنكبوت: 2 - 3].
2 - وقال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء:
(5/394)
35].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157].
3 - فترة ظهور النصرة: فإذا صبر الداعي على الابتلاء، وقام بالدعوة مع شدة
الأحوال، وقلة المعين، وكثرة المعادين، كان الله معه يؤيده وينصره، ويستجيب
دعاءه، ويدافع عنه، ويحفظه، ويخذل أعداءه.
1 - قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ
الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة: 40].
2 - وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا
يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} [يوسف: 110].
4 - فترة العزة والتمكين: فإذا قام الداعي بالدعوة إلى الله، وقام بعبادة
الله، وتحمَّل كل شيء من أجل الله، وبذل ما يملك في سبيل إعلاء كلمة الله.
فهذا إما من الأنبياء والرسل، أو من ورثة الأنبياء والرسل، يمكِّن الله له
في الأرض، ويعزه في الدنيا، ويدخله الجنة في الآخرة.
1 - قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا
(5/395)
عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُورِ (41)} [الحج: 40 - 41].
2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55].
3 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100)} ... [التوبة: 100].
- سيرة الأنبياء وأتباعهم في الدعوة إلى الله:
1 - أعمال الأنبياء، وأخلاق الأنبياء، تؤخذ من سِيَرهم.
فالأنبياء قطعوا المسافات في سبيل الدعوة إلى الله .. واغبرت أقدامهم في
سبيل الله .. وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله .. وعرق
جبينهم لإحياء أوامر الله .. وتشققت أقدامهم من أجل نصر دين الله.
لقد ابتُلوا في سبيل إيصال الحق إلى الناس .. وأُوذوا وهاجروا .. وأُخرجوا
.. وقاتلوا وقُتلوا .. وزُلزلوا وطُردوا .. وشُتموا وعُيِّروا .. وكُذِّبوا
واتُّهِموا .. وضُربوا .. فرحموا وصبروا حتى نصرهم الله، وأهلك أعداءهم.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا
عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}
... [الأنعام: 34].
2 - وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا
يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} [يوسف: 110].
(5/396)
2 - والأنبياء، والرسل عليهم الصلاة
والسلام كانوا يسيرون في الأرض، يذكرون الله ويعبدونه، ويَحْملون للناس
التوحيد والإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة.
وكانت أشواقهم إلى رؤية ربهم .. إلى رضوان الله .. إلى قصور الجنة .. إلى
نعيم الجنة.
وقد جاهدوا، وصَدَقوا، وبلَّغوا، وصبروا، فرضي الله عنهم ورضوا عنه،
وعقباهم الجنة، وهم قدوة كل داع إلى الله عز وجل.
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ
حَسِيبًا (39)} ... [الأحزاب: 39].
2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100)} ... [التوبة: 100].
3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا (21)} ... [الأحزاب: 21].
3 - جميع الأنبياء والمرسلين دعوا إلى لا إله إلا الله.
فدعوا الناس من الشرك إلى التوحيد .. ومن الكفر إلى الإيمان .. ومن اليقين
على المخلوق إلى اليقين على الخالق .. ومن التعلق بالأموال والأشياء إلى
الإيمان والأعمال الصالحة .. ومن عادات القبيلة إلى آداب الشريعة .. ومن
طاعة النفس والشيطان إلى طاعة الله ورسوله .. ومن دار الفناء إلى دار
البقاء.
فهذا عمل الأنبياء والرسل في الدعوة وتعليم الشريعة، فعلينا الاقتداء بهم
في إيصال الحق إلى البشرية.
(5/397)
1 - قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا
هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ
(89)} [الأنعام: 89].
2 - وقال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)} ... [الأنعام: 90].
- عوائق الداعي إلى الله:
يعرض لكل داع إلى الله عقبات تعوقه، أو تثبطه، أو تقطعه عن سيره إلى الله
وإبلاغ دينه، فلا بد من معرفتها، ومعرفة علاجها، والحذر منها.
وهي خطوات الشيطان التي يسلكها ليضل الخلق عن الحق، ويصرفهم عن الدين.
1 - إذا قام المسلم بالدعوة إلى الله جاءه العدو الألد (اليأس) ففتت من
همته، لما يراه من سعة مساحة الكفر والفساد، وكثرة العصاة والطغاة.
وعلاجه بقوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)}
... [الحديد: 17].
2 - ثم يشن (حب الظهور) هجومه، فيهوي بضرباته على رأس الهمة، فتسقط على
الأرض، فيحترق العمل؛ لفقده الإخلاص.
وعلاجه بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ
لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} ... [المائدة: 8].
3 - ثم يبرز إلى الميدان مفسد الأعمال، وهادم البنيان (داء الاستعجال)
فتنقلب الأعمال على عقبيها، لعدم استوائها، ووضْعها في غير محلها.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا
وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا
(5/398)
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران: 200].
4 - ثم يتصدى للدعوة (الرأي الشخصي المستبد) وعدم الشورى، فيبدد الأعمال،
ويسبب رَفْع نصرة الله، وتمكين الأعداء من إذلال المسلمين.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ... [الشورى:
38].
5 - ثم يبرز (الفكر في النفس فقط) فيهتم بنفسه، ويهمل غيره، فلا يتماسك له
بناء، ولا تثمر له شجرة، وإنما خير الناس أنفعهم للناس.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} ... [المائدة: 2].
6 - ثم يخرج إلى الساحة عدو آخر ماكر وهو (التقليد) فيجد الفرصة سانحة
لتقليد الكسالى والقاعدين، وبه يقصم ظهر الهمة، فيكثر القاعدون، ويزيد
الجهل، وتنبت البدع، وتختفي السنن.
وعلاجه بقوله سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [التوبة: 41].
7 - ثم يلوح العدو الغدار وهو (التسويف) الناجم عن العجز والكسل، فيؤجل
الأعمال الصالحة من اليوم إلى الغد، ثم ينسيه الشيطان إياها، ثم يشغله
بضدها.
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
(133)} [آل عمران: 133].
8 - ثم يدخل الساحة العدو الملحد وهو (التدخل فيما هو موكول أمره إلى الله)
فيتهدم البنيان، ويسقط الأعلى على الأسفل، ويتأمر العبد على سيده.
(5/399)
وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {فَلِذَلِكَ
فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ
آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ
بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)} [الشورى: 15].
9 - ثم يقبل داء (حب الراحة) الذي هو أم المصائب، وسوق الخسائر.
وعلاجه بقوله سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى
(41)} ... [النجم: 39 - 41].
10 - ثم يبرز داء (الكبر والاستغناء)، وبه يطرد الإنسان نفسه من الدين،
ويغشى الكبائر المهلكة.
وعلاجه بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)} [الحديد: 16].
- ما يقوله الداعي إذا لم يُتَّبع:
قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
(129)} [التوبة: 129].
- ما يفعله الداعي إذا ضاق صدره:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا
يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} ... [الحجر: 97
- 99].
(5/400)
7 - أحكام المدعوين
- أقسام البشر:
ذكر الله في القرآن ثلاثة أجناس من البشر، وهم:
المؤمنون .. والكفار .. والمنافقون.
1 - فالمؤمنون يسعون لزيادة الإيمان والأعمال الصالحة، كما قال سبحانه:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ
قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ
حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
(4)} ... [الأنفال: 2 - 4].
فهؤلاء في أعلى المراتب، فلهم السعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة.
2 - والكفار يعملون لزيادة الكفر والمعاصي، والتمتع بالشهوات، كما قال
سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا
تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} ... [محمد: 12].
فهؤلاء في أخس المراتب، ولهم جميعاً الشقاء في الدنيا، والنار في الآخرة.
3 - والمنافقون، وهؤلاء أخطر من الكفار، فهم مع المسلمين بألسنتهم، ومع
الكفار بقلوبهم، يكيدون للإسلام وأهله من الداخل، كما قال سبحانه: {وَإِذَا
رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ
لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ
عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ (4)} [المنافقون: 4].
فهؤلاء في النار في أسفل سافلين، وفي الدنيا في شقاء ورعب، يحسبون كل
(5/401)
صيحة عليهم.
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ
النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
والمطلوب أن يجتهد القسم الأول بالدعوة إلى الله على القسمين الآخرين.
- المعارضون للدعوة إلى الله:
ابتلى الله تبارك وتعالى عباده الذين يدعون إليه بثلاثة أصناف من الناس،
وكل صنف له أتباع، وله من الكلام والمعاملة والدعوة ما يناسبه.
الأول: من عرف الحق فعاداه حسداً وبغياً كاليهود، أو عرف الحق وضل عنه
كالنصارى، كما قال سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا
وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} [البقرة: 109].
الثاني: الرؤساء وأهل الأموال، الذين فتنتهم دنياهم وشهواتهم، لما يعلمون
أن الدين يقيدهم بأوامره، ويمنعهم من كثير مما أحبوه وأَلِفوه من المعاصي،
كما قال سبحانه: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ
بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50].
الثالث: الذين نشأوا في باطل وجدوا عليه أسلافهم، يظنون أنهم على حق وهم
على باطل.
وهؤلاء هم الأكثرون كما قال سبحانه: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ
ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى
آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)} ... [الصافات: 69 - 70].
(5/402)
وهؤلاء مقلدون: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا
عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا
وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} ... [البقرة: 170].
- ميادين الدعوة إلى الله:
جميع طبقات البشرية محتاجون إلى الدعوة إلى الله:
1 - فالكفار والمشركون يُدعون إلى الدخول في الإسلام، والخروج من الكفر،
ويُلحق بهم كل من فسد فكره من اليهود والنصارى وغيرهم.
2 - والمبتدعة يُدعون إلى الله ببيان أحكام الدين الصحيحة، ليعبدوا الله
على بصيرة، وحسن اتباع.
3 - والعصاة ومن فسدت أخلاقهم يُدعون إلى الله بوعظهم بذكر عظمة الله
ليعظموه، وذكر نعمه ليشكروه، وذكر سعة رحمته ليتوبوا إليه، وترغيبهم في
الجنة ليطيعوه، وترهيبهم من النار حتى لا يعصوه.
4 - وأهل العبادة محتاجون إلى الدعوة؛ ليزيد إيمانهم، ولتحسن أعمالهم،
ولتتحرك نفوسهم لدعوة غيرهم، ليجمعوا بين الصلاح والإصلاح.
5 - والعلماء محتاجون إلى الدعوة؛ ليعملوا بعلمهم، وينشروا علمهم بين
الناس.
6 - وعامة المسلمين يُدعون إلى الله؛ ليزيد إيمانهم، وتحسن أعمالهم،
ويتوبوا من ذنوبهم.
فليس أحد يستغني عن الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،
والوعظ والتذكير، والنصح والإرشاد، لا المؤمن ولا الكافر، ولا المطيع ولا
العاصي، ولا العالم ولا الجاهل.
وكلٌّ يدعو بحسب حاله .. وكلٌّ يُدعى بحسب حاله.
(5/403)
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ
أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
(15)} [فاطر: 15].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].
- أصناف المدعوين، وكيفية دعوتهم:
الناس مختلفون في الفكر والعمل، وبحسب اختلافهم تختلف أحكام دعوتهم وأمرهم
بالمعروف، ونهيهم عن المنكر كما يلي:
1 - من عنده نقص في الإيمان، وجهل بالأحكام:
فهذا نصبر على جهله، وندعوه ونعلمه بالرفق واللين، ونرشده إلى الأحسن بلطف،
كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأعرابي الذي بال في المسجد.
عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي
المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ
أعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ مَهْ. قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ،
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ:
«إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلا
القَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ،
وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ». أوْ كَمَا قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -، قالَ: فَأمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ
مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (1).
2 - من عنده نقص في الإيمان، وعلم بالأحكام:
فهذا يدعى إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتُضرب له الأمثال الحسية
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (219) , ومسلم برقم (285)، واللفظ له.
(5/404)
والدلائل العقلية، ويدعى له بزيادة
الإيمان، ليستقيم على طاعة الله ورسوله.
عَنْ أَبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ فَتًى شَابّاً أَتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ
لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ
مَهْ، فَقَالَ: «ادْنُهْ»، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً، قَالَ: فَجَلَسَ،
قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ
فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ»، قَالَ:
«أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لِبَنَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ،
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لأُخَوَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لاَ، وَاللهِ
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لِعَمَّاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لِخَالاَتِهِمْ»، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهمَّ
اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ». قال: فَلَمْ
يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. أخرجه أحمد (1).
3 - من عنده قوة في الإيمان، وجهل بالأحكام:
فهذا يدعى مباشرة ببيان الحكم الشرعي، وبيان خطر اقتراف المعاصي، وإرشاده
لإزالة المنكر الذي وقع فيه.
عَنْ عَبْدالله بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - رَأَىَ خَاتِماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ
فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَىَ جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ
فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ» فَقِيلَ لِلرّجُلِ، بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ،
قَالَ: لاَ، وَالله لاَ آخُذُهُ أَبَداً، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (2).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22564) , انظر «السلسلة الصحيحة» رقم (370).
(2) أخرجه مسلم برقم (2090).
(5/405)
4 - من عنده قوة في الإيمان، وعلم
بالأحكام:
فهذا ليس له عذر، فينكر عليه بقوة، ويعامل معاملة أشد مما سبق؛ لئلا يكون
قدوة لغيره في المعصية، كما اعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة
الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك خمسين ليلة، وأمر الناس بهجرهم لما تركوا
الخروج مع الرسول والناس لغزوة تبوك مع كمال إيمانهم وعلمهم ولا عذر لهم،
ثم تاب الله عليهم، وهم هلال بن أمية، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع رضي
الله عنهم.
والقصة مفصلة في الصحيحين (1).
قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا
ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ
أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (118)} ... [التوبة: 118].
5 - من عنده جهل بالإيمان، وجهل بالأحكام:
وهؤلاء هم أكثر الناس من الكفار في أنحاء الأرض.
فهؤلاء يُدعون إلى الإيمان بالله، ويُعَرَّفون بالله وأسمائه وصفاته، وسعة
رحمته، وعظيم نعمه، ويُذَكَّرون بوعد الله ووعيده، ويُرَغَّبون في الجنة،
ويُحَذَّرون من النار، فإذا استقر الإيمان في قلب أحدهم عَرَّفناه بالأحكام
تدريجياً، الصلاة وما يلزم لها من الطهارة والوضوء، ثم الزكاة .. وهكذا.
1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4418) , ومسلم برقم (2769).
(5/406)
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ
مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى اليَمَنِ، قال: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى
قَوْمٍ أهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ
عِبَادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأخْبِرْهُمْ: أنَّ اللهَ قَدْ
فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ،
فَإِذَا فَعَلُوا، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً
مِنْ أمْوَالِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أطَاعُوا
بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ». متفق
عليه (1).
- ثواب مَنْ قَبِل الإسلام:
1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي
رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا
أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} ... [البقرة: 25].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا
لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} ... [الكهف: 107 - 108].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت: 30 - 32].
- عقوبة من لم يقبل الإسلام:
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1458) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).
(5/407)
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ
وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} ... [آل
عمران: 85].
4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا
يَسْمَعُ بِي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأَمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ،
ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ
أصْحَابِ النَّارِ». أخرجه مسلم (1).
- أحوال الناس بعد الدعوة:
الناس بعد الدعوة إلى الله إما أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا:
1 - فمن آمن بالله امتحنه الله عز وجل، وابتلاه بالسراء والضراء، ويعاديه
الناس ويؤذونه؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق.
قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ (3)} ... [العنكبوت: 2 - 3].
2 - من لم يؤمن يعاقبه الله بما يؤلمه أعظم وأدوم.
فلا بد من حصول الألم لكل نفس، سواء آمنت أو كفرت، لكن المؤمن يحصل له
الألم في البداية، ثم تكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
والكافر تحصل له السعادة الوهمية في البداية، ثم تكون له العاقبة السيئة في
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (153).
(5/408)
الدنيا، ثم يصير إلى الألم المؤبد في النار
في الآخرة.
1 - قال الله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ (197)} ... [آل عمران: 196 - 197].
2 - وقال الله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].
(5/409)
8 - أصول من دعوة
الأنبياء والرسل
هذه أصول من دعوة الأنبياء والرسل، ليقتدي بها كل داع إلى الله عز وجل:
- الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله وعبادته وحده لا شريك له:
1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} ...
[الأنبياء: 25].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
[الإخلاص: 1 - 4].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ... [النحل: 36].
- إبلاغ دين الله إلى الناس، والنصح لهم:
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ
حَسِيبًا (39)} ... [الأحزاب: 39].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة: 67].
3 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ
وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو
الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].
- دعوة الناس وغشيانهم في المدن والقرى والبيوت والأسواق:
1 - قال الله تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا
فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ
(5/410)
طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ
أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا
إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} ... [طه: 42 - 46].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].
3 - وكان - صلى الله عليه وسلم - يطوف على الناس في مكة في موسم الحج ويقول
لهم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله تُفْلِحُوا».
أخرجه أحمد (1).
4 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى
الله عليه وسلم - رَكِبَ حِمَاراً، عَلَيْهِ إكَافٌ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ
فَدَكِيّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، وَذَاكَ قَبْلَ وَقْعَةِ
بَدْرٍ، حَتّىَ مَرّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ
وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، واليَهُودِ. فِيهِمْ عَبْدالله بْنُ
أُبَيٍّ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدالله بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمّا غَشِيَتِ
المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدّابّةِ، خَمّرَ عَبْدالله بْنُ أُبَيّ أَنْفَهُ
بِرِدَائِهِ. ثُمّ قَالَ: لاَ تُغَبّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلّمَ عَلَيْهِمُ
النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمّ وَقَفَ فَنَزَلَ. فَدَعَاهُمْ إلَى
الله وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ. متفق عليه (2).
- دوام الثناء على الله، وذكره واستغفاره في جميع الأحوال:
1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى
الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ
(39)} ... [إبراهيم: 39].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ. أخرجه مسلم
(3).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16603).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5663) , ومسلم برقم (1798)، واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (373).
(5/411)
3 - وَعَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ
لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ
مِائَةَ مَرَّةٍ». أخرجه مسلم (1).
- الدعوة إلى الله، وإلى الطريق الموصل إليه، وما وعد الله به الناس يوم
القيامة:
1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].
2 - وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (125)} ... [النحل: 125].
3 - وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا
عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ
الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي
السَّعِيرِ (7)} ... [الشورى: 7].
- التوازن بين العبادة والدعوة:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا
قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ
عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزمل: 1 - 4].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ
(5)} ... [المدثر: 1 - 5].
- التوازن بين العلم والعمل والتعليم:
1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ
تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:
79].
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2702).
(5/412)
2 - وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ
قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ
وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ
(9)} [الزمر: 9].
3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا
الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} [الأعراف:
170].
- دعوة الناس بلغتهم:
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ
قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)} ... [إبراهيم: 4].
- الكتابة إلى ملوك الكفار بالدعوة إلى الله:
1 - قال الله تعالى حكاية عن ملكة سبأ: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ
إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ
وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا
عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)} [النمل: 29 - 31].
2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ نَبِيّ الله - صلى الله عليه
وسلم - كَتَبَ إلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإلَى النّجَاشِي، وَإلَى
كُلّ جَبّارٍ، يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى. أخرجه مسلم (1).
- ذكر أحوال الأمم مع الأنبياء للعظة والاعتبار:
1 - قال الله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ
مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ
وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)} [هود: 120].
2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي
الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1774).
(5/413)
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} [يوسف: 111].
3 - وقال الله تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
(176)} [الأعراف: 176].
- الاستمرار بالدعوة، وعدم الالتفات إلى المعارضين:
1 - قال الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ
يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)} ...
[الحجر: 94 - 96].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة: 67].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ
أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (87)} [القصص: 87].
4 - وقال الله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ
جِهَادًا كَبِيرًا (52)} ... [الفرقان: 52].
- مداراة الكفار عند الخوف والخطر:
1 - قال الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ
مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)} [آل
عمران: 28].
2 - وقال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ
شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].
(5/414)
- رحمة الناس واللين لهم، والعفو والصفح
عنهم:
1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
(107)} ... [الأنبياء: 107].
2 - وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159].
3 - وقال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} ... [الأعراف:
199].
4 - وقال الله تعالى لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام: {اذْهَبَا إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه: 43 - 44].
5 - وقال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّ السَّاعَةَ
لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} [الحجر 85].
- الرأفة والحرص والشفقة على الخلق:
قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ (128)} ... [التوبة: 128].
- الصدق في جميع الأمور:
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ
أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)} [الزمر:33].
2 - وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ
كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)} ... [مريم: 41].
3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119].
(5/415)
- الصبر في جميع الأحوال:
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا
عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}
[الأنعام: 34].
2 - وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا
يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60].
3 - وقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} ...
[النحل: 127 - 128].
- الإخلاص في جميع الأمور:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ
الْخَالِصُ} ... [الزمر: 2 - 3].
2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)}
[غافر: 65].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5].
- الجود والخدمة والتواضع:
1 - قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ
الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ
سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ
سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} ...
[الذاريات: 24 - 27].
2 - وقال الله تعالى حكاية عن موسى - صلى الله عليه وسلم - مع المرأتين:
{قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا
(5/416)
نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ
وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى
الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ
فَقِيرٌ (24)} [القصص: 23 - 24].
3 - وقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ
عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ
مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف: 28].
4 - وَعَنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُطْرُونِي كَمَا أطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ
مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ». أخرجه البخاري (1).
- الإعراض عن زينة الحياة الدنيا:
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا
بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ
فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ
بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ
نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه: 131 - 132].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (60)} ... [القصص: 60].
- المسارعة إلى فعل الخيرات:
1 - قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
(133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (134)} ... [آل عمران: 133 - 134].
2 - وقال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3445).
(5/417)
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد: 21].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} ...
[الأنبياء: 90].
- الترغيب في الطاعات، والترهيب من المعاصي:
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ
حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}
[النساء: 13 - 14].
2 - وقال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا
وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} ... [الأنعام: 160].
3 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ
(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} ... [الزلزلة: 7
- 8].
- المجاهدة بالنفس والمال لإعلاء كلمة الله:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}
... [الحجرات: 15].
2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)} ... [التوبة: 88].
- الجهاد في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ
كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي
(5/418)
سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا
اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)} [آل عمران: 146].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (73)} ... [التوبة: 73].
3 - وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا
عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} ... [البقرة: 193].
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].
2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (157)} ... [الأعراف: 157].
- البشارة والنذارة:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)} ... [الأحزاب: 45 - 47].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ} [الكهف: 56].
3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله -
صلى الله عليه وسلم -، إذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ
أَمْرِهِ، قَالَ: «بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرِوا، وَيَسِّرُوا وَلاَ
تُعَسِّرُوا».
(5/419)
أخرجه مسلم (1).
- ربط قلوب المؤمنين بربهم، ووعدهم بالخير والجنة إذا آمنوا واستقاموا:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ... [فصلت: 30 - 32].
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي
أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ
تُجَاهَكَ، إِذا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ وَإِذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ
باللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ
يَنْفَعُوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ
لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ
إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ
وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». أخرجه أحمد والترمذي (2).
3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ
وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ». أخرجه البخاري (3).
- الغلظة والشدة على الكفار والمنافقين المعاندين:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ
يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} [التوبة: 123].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1732).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2669) , وأخرجه الترمذي برقم (2516).
(3) أخرجه البخاري برقم (6474).
(5/420)
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (73)} [التوبة: 73].
- عدم سؤال أو طلب المال على الدعوة:
1 - قال الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ
إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
(47)} ... [سبأ: 47].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)} ... [الشعراء: 109].
- طلب العلم وتعليمه الناس:
1 - قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه: 114].
2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (2)} ... [الجمعة: 2].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ
تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:
79].
- تطهير النفس، وتقوية الروح والبدن بدوام العبادة والذكر:
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا
يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} ... [الحجر: 97
- 99].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ
ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:
41 - 42].
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ خَادِماً، وَشَكَتِ
العَمَلَ، فَقَالَ: «مَا أَلْفَيْتِيهِ عِنْدَنَا» قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكِ
عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ؟ تُسَبِّحِينَ ثَلاَثاً
وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدِينَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ
أَرْبَعاً
(5/421)
وَثَلاَثِينَ حِينَ تَأْخُذِينَ
مَضْجَعَكِ». متفق عليه (1).
- الدعاء على من اشتد أذاه للمسلمين:
1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ
وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا
لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ
وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ
الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا
تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)} [يونس: 88 - 89].
2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ
مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا
عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)} ... [نوح: 26 -
27].
3 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ وَأبُو
جَهْلٍ وَأصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إذْ قال بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أيُّكُمْ
يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ
إذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى
سَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ
كَتِفَيْهِ وَأنَا أنظُر لا أُغِيّرُ شَيْئاً، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ،
قال: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى
جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ
قالَ: «الَّلهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ». ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَشَقَّ
عَلَيْهِمْ إذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أنَّ
الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: «الَّلهُمَّ
عَلَيْكَ بِأبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ
بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ،
وَعُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ» وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ نحْفَظهْ، قال:
فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَرْعَى
فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3113) , ومسلم برقم (2728)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (240) , واللفظ له، ومسلم برقم (1794).
(5/422)
- الدعاء للكفار والمشركين بالهداية:
1 - قال الله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)} [الأعراف: 89].
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ
الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ دَوْساً
قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ
دَوْسٌ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَائْتِ بِهِمْ». متفق عليه
(1).
3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو
أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً
فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَكْرَهُ،
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ
فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا اليَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا
أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي
هُرَيْرَةَ». فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِراً بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى البَابِ، فَإِذَا هُوَ
مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ! يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ! وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ
وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ البَابَ،
ثُمَّ قَالَتْ، يَاأَبَا هُرَيْرَةَ! أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ:
فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ
وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَبْشِرْ
قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ
أَبِي هُرَيْرَةَ! فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْراً.
أخرجه مسلم (2).
4 - وَعَنْ عَبْداللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَأَنّي
أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2937)، ومسلم برقم (4524)، واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (2491).
(5/423)
يَحْكِي نَبِيّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ
ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «رَبّ
اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ». متفق عليه (1).
- القيام بالدعوة في جميع الأوقات والأحوال:
1 - قال الله تعالى عن نوح - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ رَبِّ إِنِّي
دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي
إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ
جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ
وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ
جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ
إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
(10)} ... [نوح: 5 - 10].
2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَعَانَا
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا
أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي
مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ
عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إلاّ أَنْ
تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». متفق
عليه (2).
- الشورى:
1 - قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [[آل عمران: 159].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
- قوة اليقين على الله، والتوكل عليه وحده:
1 - قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2477) , واللفظ له، ومسلم برقم (1794).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7055، 7056) , واللفظ له، ومسلم برقم
(1709).
(5/424)
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة:40].
2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ
مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي
سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ
الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)}
... [الشعراء: 61 - 63].
- الدعاء والفزع إلى الصلاة في جميع الأحوال:
1 - قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا
عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي
مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ
مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ
عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ
وَدُسُرٍ (13)} ... [القمر: 9 - 13].
2 - وقال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ
أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} ...
[الأنفال: 9].
3 - وقال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} ... [البقرة: 45].
4 - وَعَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى
الله عليه وسلم - إِذا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. أخرجه أحمد وأبو داود (1).
- تقديم الشكوى والسؤال إلى الله في جميع الأحوال:
1 - قال الله تعالى عن يعقوب - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ
مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} [يوسف: 86].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ
_________
(1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (23688) , وأخرجه أبو داود برقم (1319).
(5/425)
مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء: 83 - 84].
3 - وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا
تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا
لَنَا خَاشِعِينَ (90)} ... [الأنبياء: 89 - 90].
- لزوم البيئة الصالحة، وهجر بيئة السوء:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119].
2 - وقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ
عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ
مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} ... [الكهف: 28].
3 - وقال الله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى
قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ
فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا
يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}
[القصص: 20 - 21].
4 - وقال الله تعالى: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ
بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} ... [الأنعام: 68].
- الاعتماد على الله وحده، ونفي النفس، مع فعل الأسباب المشروعة:
1 - قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ
لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا
إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} ... [الأعراف: 188].
(5/426)
2 - وقال الله تعالى: {فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً
حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)} [الأنفال: 17].
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أعَزَّ
جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الاحْزَابَ وَحْدَهُ فَلا شَيْءَ
بَعْدَهُ». متفق عليه (1).
- امتثال أوامر الله عز وجل وإن كانت على خلاف العقل:
كما صنع نوح - صلى الله عليه وسلم - السفينة على اليابسة، وترك إبراهيم -
صلى الله عليه وسلم - زوجته وولده بواد غير ذي زرع، وأمر الله موسى - صلى
الله عليه وسلم - بأخذ الحية، وضَرْب البحر فَفَعل.
1 - قال الله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ
مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا
فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)} ... [هود: 38].
2 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا
لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} ... [إبراهيم: 37].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ
عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ
فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا
فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ
سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)} ...
[طه: 17 - 21].
4 - وقال الله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ
الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)}
... [الشعراء: 63].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4114) , ومسلم برقم (2724).
(5/427)
- تحمل الأذى والطرد في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ
الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ
اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} ... [البقرة: 214].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ
وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)} [إبراهيم: 12].
3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} ... [الأنفال: 30].
4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ لِلنَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم -: هَلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ
أُحُدٍ؟ قال: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أشَدَّ
مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى
ابْنِ عَبْدِيَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا
أرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ
إِلا وَأنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ. متفق عليه (1).
5 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ
وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ
ثلاَثونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبلاَلٍ طَعَامٌ
يَأْكُلُهُ ذو كَبدٍ إِلاَّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بلاَلٍ».
أخرجه الترمذي وابن ماجه (2).
- الصبر على الاتهام والتعيير والاستهزاء:
1 - قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ
رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3231) , واللفظ له، ومسلم برقم (1795).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2472) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(151).
(5/428)
أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
طَاغُونَ (53)} ... [الذاريات: 52 - 53].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
(10)} ... [الأنعام: 10].
3 - وقال الله تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ
بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ
(5)} ... [الأنبياء: 5].
4 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا
يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} ... [الحجر: 97
- 99].
- إظهار العزة والجَلَد أمام الكفار المعاندين:
1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)} [الأنعام: 161].
2 - وقال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ
مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ
وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا
حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ... [الممتحنة: 4].
3 - وقال الله تعالى عن سحرة فرعون لما آمنوا: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ
عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا
أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا
آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا
عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)} ... [طه: 72 -
73].
- التوكل على الله، والشجاعة والثبات أمام الأعداء وإن كثروا:
1 - قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي
بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ
وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ
اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)} [يونس: 71].
(5/429)
2 - وقال الله تعالى عن هود - صلى الله
عليه وسلم -: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ
مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا
تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا
مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} ... [هود: 54 - 56].
- الاستفادة من قدرة الله لكشف الكربات، وقضاء الحاجات:
1 - قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ
لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
(88)} ... [الأنبياء: 87 - 88].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا
اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ
عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ
رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)} ...
[البقرة: 60].
- العناية بذوي المكانة من الناس:
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ
مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ
كَذَّابٌ (24)} ... [غافر: 23 - 24].
2 - وقال الله تعالى لموسى - صلى الله عليه وسلم -: {اذْهَبْ أَنْتَ
وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه: 42 -
44].
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُودِ لآمَنَ
بِي اليَهُودُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3941) , واللفظ له، ومسلم برقم (2793).
(5/430)
- الاستقامة على الدين ظاهراً وباطناً:
1 - قال الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ
وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)} [هود: 112].
2 - وقال الله تعالى عن شعيب - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ
أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا
الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [هود: 88].
- حسن الكلام مع الناس:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)} ... [الأحزاب: 70].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا
تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا
قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)} [البقرة: 83].
3 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)} [الإسراء: 53].
4 - وقال الله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى (44)} [طه: 43 - 44].
(5/431)
|