الموسوعة الفقهية الدرر السنية

1 - الموت وأحكامه
* الإنسان مهما طال أجله فلا بد أن يموت وينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والقبر أول منازل الآخرة.
ومن حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات.
1 - قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة/8).
2 - قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (النساء/78).


* ما يجب على المريض:
يجب على المريض أن يؤمن بقضاء الله، ويصبر على قدره، ويحسن الظن بربه، وأن يكون بين الخوف والرجاء، ولا يتمنى الموت، وأن يؤدي حقوق الله تعالى، وحقوق الناس، وأن يكتب وصيته، ويوصي لأقاربه الذين لا يرثونه بالثلث فأقل وهو الأفضل، وأن يتداوى بمباح، ويسن أن يشكو حاله إلى ربه، ويطلب الشفاء منه.


* حكم تمني الموت:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنيَنَّ أحد منكم الموت لضرٍّ نزل به، فإن كان لا بد متمنياً للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)). متفق عليه (1).
* يجب على المسلم أن يستعد للموت ويكثر من ذكره، والاستعداد للموت يكون بالتوبة من المعاصي، وإيثار الآخرة، والخروج من المظالم، والإقبال على الله بالطاعات، واجتناب المحرمات.
وتسن عيادة المريض، وتذكيره التوبة والوصية، ويتداوى عند طبيب مسلم لا كافر، إلا إذا احتاج إليه وأمن مكره.
* يسن لمن شهد من حضرته الوفاة أن يلقنه الشهادة، فيذكره بقول: ((لا إله إلا الله))، وأن يدعو له، ولا يقول في حضوره إلا خيراً.
ولا بأس أن يحضر المسلم وفاة الكافر ليعرض عليه الإسلام، ويقول له: ((قل لا إله إلا الله)).
_________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (6351)، واللفظ له، ومسلم برقم (2680).


* علامات حسن الخاتمة:
1 - نطق الميت بالشهادة عند الموت.
2 - موت المؤمن بعرق الجبين.
3 - الاستشهاد أو الموت في سبيل الله.
4 - الموت مرابطاً في سبيل الله.
5 - الموت دفاعاً عن نفسه، أو ماله، أو أهله.
6 - الموت ليلة الجمعة، أو يومها، وذلك يقيه فتنة القبر.
7 - الموت بذات الجنب، أو بداء السل.
8 - الموت بالطاعون، أو بداء البطن، أو الغرق، أو الحرق، أو الهدم.
9 - موت المرأة في نفاسها بسبب الولادة ونحو ذلك.


* ذكر الموت:
يجب على المسلم أن يتذكر دائماً الموت لا على أنه فراق للأهل والأحباب ولذات الدنيا فهذه نظرة قاصرة، بل على أن الموت فيه فراق للعمل والحرث للآخرة، وبهذا يستعد ويزيد في عمل الآخرة، والإقبال على الله تعالى، أما النظرة الأولى فتزيده حسرة وندماً، وإذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة.
* ويجب على المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى عند الموت، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز رجل)). أخرجه مسلم (1).
* من علامات الموت: يعرف موت الإنسان بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه، وشخوص بصره، وبرودته، وانقطاع نفسه.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2877).


* ما يُفعل بالمسلم إذا مات:
1 - إذا مات المسلم سُن تغميض عينيه، ويدعو عند تغميضه بقوله: ((اللهم اغفر لفلان، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين)). أخرجه مسلم (1).
ثم يشد لحييه بعصابة، ويلين مفاصله برفق، ويرفعه من الأرض، ويخلع ثيابه، ويستره بثوب يستر جميع بدنه، ثم يغسله.
2 - وتسن المبادرة بقضاء دينه، وتنفيذ وصيته، وإسراع تجهيزه، والصلاة عليه، ودفنه في البلد الذي مات فيه، ويجوز لمن حضره ولغيرهم كشف وجه الميت، وتقبيله، والبكاء عليه.
* يجب قضاء حقوق الله تعالى عن الميت إن كانت كالزكاة والنذر والكفارة، وحجة الإسلام، وتقدم على حقوق الورثة في التركة وعلى الديون، فالله أحق بالوفاء، ونفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه.
* يجوز للمرأه أن تحد على وفاة ولدها أو غيره ثلاثة أيام، وعلى زوجها أربعة أشهر وعشراً، والمرأة لآخر أزواجها يوم القيامة.
* يحرم على أقارب الميت وغيرهم النياحة على الميت، وهي أمر زائد على البكاء، والميت يعذب في قبره بما نيح عليه، ويحرم عند المصيبة لطم الخدود، وشق الجيوب، وحلق ونشر الشعر.
* يباح إعلام الناس بموته ليشهدوا جنازته والصلاة عليه، ويستحب للمخبر أن يطلب من الناس الاستغفار له، ويحرم النعي: وهو الإعلام بوفاة الميت على وجه التفاخر والتباهي ونحوهما.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (920).


* ما يقوله ويفعله المصاب عند المصيبة:
يجب على أقارب الميت وغيرهم إذا علموا بموته الصبر، ويسن لهم الرضا بالقدر، والاحتساب، والاسترجاع.
عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منْها)). أخرجه مسلم (1).
2 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الناس من مُسلمٍ يُتَوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحِنْثَ إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)). أخرجه البخاري (2).
* الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن المحرم كلطم الخد وشق الثوب ونحوهما.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (918).
(2) أخرجه البخاري برقم (1248).


* حكم تشريح جثة الميت:
يجوز تشريح جثة المسلم إن كان الغرض منه التحقق من دعوى جنائية، أو التحقق عن أمراض وبائية، لما في ذلك من المصالح التي تعود على الأمن والعدل، ووقاية الأمة من الأمراض الخطيرة المعدية، وإن كان التشريح لغرض التعلم والتعليم فالمسلم له كرامته حياً وميتاً، فيُكتفى بتشريح جثث غير المسلمين إلا عند الضرورة بشروطها.


2 - غسل الميت
* السنة أن يغسل الميت أعرف الناس بسنة الغسل، وله أجر عظيم إذا ابتغى بذلك وجه الله وستر عليه، ولم يحدث بما رآه منه من مكروه.


* من يغسل الميت؟
الأولى بغسل الرجل عند المشاحة وصيُّه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم ذوو أرحامه، والأنثى وصيتها، ثم أمها، ثم جدتها، ثم الأقرب فالأقرب وهكذا، ويجوز لكل من الزوجين غسل صاحبه، ويجزئ غسل الميت ذكراً كان أو أنثى مرة واحدة يعم جميع بدنه.
* يحضر غسل الميت الغاسل ومن يعينه على الغسل، ويكره لغيرهم حضوره.
* إذا اجتمع مسلمون وكفار وماتوا بحرق ونحوه ولم يمكن تمييزهم غسلوا، وكفنوا، وصُلي عليهم، ودفنوا بنية المسلمين منهم.
* يجوز لرجل وامرأة غسل من له سبع سنين ذكراً كان أو أنثى، وإذا مات رجل بين نسوة أجانب، أو ماتت امرأة بين رجال أجانب، أو تعذر غسله، صُلي عليه ودفن بلا غسل.
* شهيد المعركة في سبيل الله لا يُغسل وما سواه من الشهداء يغسل.
* يحرم أن يغسل مسلم كافراً أو يكفنه أو يصلي عليه أو يتبع جنازته أو يدفنه، بل يواريه بالتراب إذا عُدم من يواريه من أقاربه، ومثله المرتد.


* صفة الغسل المسنون للميت:
إذا أراد أحد غسل الميت وضعه على سرير الغسل، ثم ستر عورته، ثم جرده من ثيابه، ثم رفع رأسه إلى قرب جلوسه، ثم يعصر بطنه برفق ويكثر صب الماء، ثم يلف على يده خرقة أو قفازين وينجيه.
ثم ينوي غسله، ويوضئه ندباً كوضوء الصلاة بعد أن يضع على يده خرقة أخرى، ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه، لكن يدخل أصبعيه مبلولتين في أنفه وفمه.
ثم يغسله بالماء والسدر أو الصابون يبدأ برأسه ولحيته، ثم شقه الأيمن من عنقه إلى قدمه.
ثم يقلبه على جنبه الأيسر، ويغسل شق ظهره الأيمن، ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك.
ثم يغسله مرة ثانية وثالثة مثل الغسل الأول فإن لم ينق زاد حتى ينقي وتراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة مع الماء كافوراً أو طيباً، وإن كان شاربه طويلاً، أو أظافره طويلة أخذ منها ثم يُنَشَّف بثوب.
والمرأة يُجعل شعرها ثلاثة قرون، ويُسدل من ورائها.
وإن خرج منه شيء بعد الغسل غسل المحل ووضأه، وحشى المحل بقطن.


3 - تكفين الميت
* يجب تكفين الميت من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته من الأصول والفروع.
* صفة تكفين الميت:
يسن أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض جديدة، تجمر بالبخور ثلاثاً، ثم تبسط بعضها فوق بعض، ويجعل الحنوط وهو أخلاط من الطيب فيما بين اللفائف، ثم يوضع الميت على اللفائف مستلقياً على ظهره، ويجعل من الحنوط في قطن بين إليتيه، ويشد فوقه خرقة على هيئة سروال صغير يستر عورته، ويطيب ذلك مع سائر بدنه.
ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الأيمن على الأيسر فوقها، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك، ويجعل الفاضل عند رأسه، أو عند رأسه ورجليه إن زاد، ثم يعقد عرضاً على اللفائف أحزمة لئلا تنتشر، وتُحَلُّ في القبر، والمرأة كالرجل فيما سبق، ويكفن الصبي في ثوب واحد، ويجوز في ثلاثة أثواب.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحولية من كُرسُفٍ ليس فيهن قميص ولا عمامة. متفق عليه (1).
* يجوز تكفين الميت بثوب واحد يستر جميع بدنه.
* شهيد المعركة في سبيل الله يُدفن في ثيابه التي استشهد فيها، ولا يغسل، ويستحب تكفينه بثوب أو أكثر فوق ثيابه.
* المحرم إذا مات يُغسل بماء وسدر أو صابون، ولا يقرب طيباً، ولا يُلبس مخيطاً، ولا يغطى رأسه ولا وجهه إن كان رجلاً؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً على حالته، ولا يقضى عنه بقية النسك، ويكفن في ثوبيه الذي مات فيهما.
* السقط إذا مات وله أربعة أشهر غُسِّل، وكُفِّن، وصُلِّي عليه.
* من تعذر غسله لاحتراق أو تمزق ونحوهما، أو عُدم الماء كُفن وصُلي عليه، وتصح الصلاة على بعض أجزاء الميت كيد، ورجل ونحوهما إذا تعذر الحصول على بقية البدن.
* إذا خرج من الميت بعد تكفينه نجاسة لم يُعد الغسل، لما فيه من الحرج والمشقة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1264)، واللفظ له، ومسلم برقم (941).


4 - صفة الصلاة على الميت
* شهود الجنازة واتباعها فيه فوائد جمة أهمها: أداء حق الميت بالصلاة عليه، والشفاعة فيه والدعاء له، وأداء حق أهله، وجبر خاطرهم عند مصيبتهم في ميتهم، وتحصيل الأجر العظيم للمشيع، وحصول العظة والاعتبار بمشاهدة الجنائز والمقابر وغير ذلك.
* صلاة الجنازة فرض كفاية، وهي زيادة في أجر المصلين وشفاعة في حق الميتين ويستحب كثرة المصلين عليها، وكلما كان المصلون أكثر فهو أفضل.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً، لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهما الله فيه)). أخرجه مسلم (1).
* يتوضأ من أراد الصلاة على الميت ويستقبل القبلة ويجعل الجنازة بينه وبين القبلة.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (948).


* صفة الصلاة على الميت:
السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل الميت، وعند وسط المرأة، ويكبر أربعاً، وأحياناً يكبر خمساً، أو ستاً، أو سبعاً، أو تسعاً، خاصة على أهل العلم والفضل، والصلاح والتقوى، ومن لهم قدم صدق في الإسلام، يفعل هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة.
* يكبر التكبيرة الأولى رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، وكذا في بقية التكبيرات، ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى على صدره ولا يستفتح، ثم يتعوذ، ويسمي، ويقرأ الفاتحة سراً، وأحيانا يقرأ معها سورة.
* ثم يكبر الثانية ويقول: ((اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلِّيت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)). متفق عليه (1).
* ثم يكبر الثالثة ويدعو بإخلاص بما ورد، ومنه:
* ((اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحْيِه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).
* ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُلَه، ووسع مُدخَله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النار))). أخرجه مسلم (3).
* ((اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِ من فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (4).
* وإن كان الميت صغيراً زاد: ((اللهم اجعله لنا سلفاً، وفَرَطاً، وأجراً، وذُخراً)). أخرجه البيهقي (5).
* ثم يكبر الرابعة ويقف قليلاً يدعو، ثم يسلم واحدة عن يمينه، وإن سلم ثانية عن يساره أحياناً فلا بأس.
* من فاته شيء من التكبير قضاه على صفته، وإن لم يقضه وسلم مع الإمام فصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى.
* السنة أن يصلي على الميت جماعة، وأن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة، وإذا اجتمعت جنائز فيُسن أن يلي الإمام الرجال، ثم الأطفال، ثم النساء، ويصلي عليهم صلاة واحدة، ويجوز أن يصلي على كل جنازة صلاة.
* يكون الدعاء في صلاة الجنازة على حسب الميت، فالرجل كما سبق، ويؤنث الضمير مع الأنثى، ويجمع الضمير إذا تعددت الجنائز، وإن كن نساء قال: اللهم اغفر لهن وهكذا، وإن كان لا يعلم المقدم ذكراً أو أنثى، جاز أن يخاطب الميت أو الجنازة فيقول: اللهم اغفر له، أو اغفر لها.
* شهداء المعركة في سبيل الله الإمام مخير فيهم، إن شاء صلى عليهم، وإن شاء ترك، والصلاة أفضل، ويدفنون في مصارعهم، وما سواهم من الشهداء كالغريق والحريق ونحوهم فهم شهداء في ثواب الآخرة لكن يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كغيرهم.
* تسن الصلاة على الميت المسلم، براً كان أو فاجراً، لكن تارك الصلاة لا يصلى عليه.
* قاتل نفسه والغال من الغنيمة للإمام أو نائبه أن لا يصلي عليهما عقوبة لهما وزجراً لغيرهما، ويصلي عليهما المسلمون.
* المسلم الذي أقيم عليه حد الرجم، أو القصاص، يُغَسَّل، ويُصلى عليه صلاة الجنازة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370)، واللفظ له، ومسلم برقم (406).
(2) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (3201)، صحيح سنن أبي داود رقم (2741). وأخرجه ابن ماجه برقم (1498)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1217).
(3) أخرجه مسلم برقم (963).
(4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3202)، صحيح سنن أبي داود رقم (2742). وأخرجه ابن ماجه برقم (1499)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1218).
(5) حسن / أخرجه البيهقي برقم (6794). انظر أحكام الجنائز للألباني صـ (161).


* فضل الصلاة على الجنازة واتباعها حتى تدفن:
السنة اتباع الجنازة إيماناً واحتساباً حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، واتباع الجنائز للرجال دون النساء، ولا تُصحب الجنازة بصوت، ولا نار، ولا قراءة، ولا ذكر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يُصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تُدفن فإنه يرجع بقيراط)). متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47)، واللفظ له، ومسلم برقم (945).


* مكان الصلاة على الجنائز:
السنة أن يُصلَّى على الجنائز في مكان معد للصلاة على الجنائز وهو الأفضل، ويجوز أن يصلى عليها في المسجد أحياناً، ومن فاتته الصلاة عليها في أحدهما فالأفضل أن يصلي عليها بعد الدفن، ومن دفن ولم يصل عليه صلي عليه في قبره.
* إذا مات الميت وأنت أهل للصلاة، ومخاطب بالصلاة عليه ولم تصل عليه فلك أن تصلي على قبره.


* حكم الصلاة على الغائب:
تسن صلاة الجنازة على الغائب الذي لم يصل عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فخرج بهم إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات. متفق عليه (1).
* السنة الإسراع بتجهيز الجنازة والصلاة عليها والذهاب بها إلى المقبرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تَكُ صالحة، فخير تقدمُونها إليه، وإن تَكُ سوى ذلك، فشرٌّ تضعونه عن رقابكم)). متفق عليه (2).
* المرأة كالرجل إذا حضرت الجنازة في المصلى، أو المسجد فإنها تصلي عليها مع المسلمين، ولها من الأجر مثل ما للرجل في الصلاة والتعزية.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1327)، ومسلم برقم (951)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315)، واللفظ له، ومسلم برقم (944).


* الأوقات التي لا يدفن فيها الأموات ولا يصلى عليهم فيها:
عن عُقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمس للغروب حتى تغرب)). أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (831).


5 - حمل الميت ودفنه
* يُسن أن يحمل الميت أربعة رجال، وأن يكون المشاة أمامها وخلفها، والركبان خلفها، فإن كانت المقبرة بعيدة، أو وجدت مشقة فلا بأس بحملها على الراحلة.
* يدفن المسلم في مقابر المسلمين رجلاً كان أو امرأة، كبيراً أو صغيراً، ولا يجوز دفنه في مسجد ولا في مقابر المشركين ونحوها.


* صفة دفن الميت:
يجب تعميق القبر وتوسيعه وتحسينه، فإذا بلغ أسفل القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً بقدر الميت يوضع فيه الميت يسمى (اللحد)، وهو أفضل من الشق، ويقول مدخله: ((باسم الله، وعلى سنة رسُول الله- وفي رواية- وعلى ملة رسول الله)). أخرجه أبو داود والترمذي (1).
ويضعه في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ثم ينصب اللبن عليه نصباً، ويشرك بينها بالطين، ثم يدفن بالتراب، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مُسَنَّماً.
* يحرم البناء على القبر وتجصيصه والوطء عليه، والصلاة عنده، واتخاذه مسجداً والسرج عليه، ونثر الورود عليه، والطواف به، والكتابة عليه، واتخاذه عيداً.
* لا يجوز بناء مسجد على قبر، ولا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد بني قبل الدفن سُوِّيَ القبر، أو نُبِش إن كان جديداً ودُفِن في المقبرة، وإن بني المسجد على القبر فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر، وكل مسجد بني على قبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل.
* السنة أن يعمق القبر تعميقاً يمنع خروج الريح منه وحفر السباع له، وأن يكون في أسفله لحداً كما سبق وهو الأفضل، أو الشق: وهو أن يحفر في قاع القبر حفرة في الوسط، يوضع فيها الميت، ثم ينصب عليه اللبن، ثم يدفن.
* السنة دفن الميت نهاراً، ويجوز الدفن ليلاً.
* لا يجوز أن يدفن في القبر أكثر من واحد إلا لضرورة ككثرة القتلى، وقلة من يدفنهم، ويقدم في اللحد الأفضل منهم، ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت.
* يجوز نقل الميت من قبره إلى قبر آخر إن كان هناك مصلحة للميت كأن يغمر قبره الماء، أو قبر في مقابر الكفار ونحو ذلك، فالقبور دار الأموات ومنازلهم ومحل تزاورهم وهم قد سبقوا إليها فلا يحل نبشهم من قبورهم إلا لمصلحة الميت.
* يتولى إنزال الميت في قبره الرجال دون النساء، وأولياء الميت أحق بإنزاله، ويُسن أن يدخل الميت في قبره من عند رجلي القبر، ثم يدخل رأسه سلاً في القبر، ويجوز إدخال الميت القبر من أي جهة، ويحرم كسر عظم الميت.
* لا يجوز للنساء اتباع الجنائز؛ لما عندهن من الضعف والرقة والجزع وعدم تحمل المصائب فيخرج منهن أقوال وأفعال محرمة تنافي الصبر الواجب.
* يسن لولي الميت أن يُعلم قبره بحجر ونحوه؛ ليدفن إليه من يموت من أهله، ويعرف بها قبر ميته.
* من مات في البحر، وخُشي تغيره غُسِّل، وكُفِّن، وصُلي عليه، وأُرسب في الماء.
* العضو المقطوع من المسلم الحي بأي سبب لا يجوز إحراقه، ولا يغسل ولا يصلى عليه، بل يلف في خرقة ويدفن في المقبرة.
* يستحب للمسلم أن يقوم للجنازة إذا مرت به، ومن جلس فلا حرج عليه.
* يُسن الجلوس إذا وضعت الجنازة وأثناء الدفن، وتذكير الحاضرين أحياناً بالموت وما بعده.
* يُسن بعد دفن الميت أن يقف من حضر على القبر ويدعو له بالتثبيت، ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بالاستغفار له، ولا يلقنه؛ لأن التلقين عند الوفاة قبل الموت.
* يشرع للمسلم أن يتولى مواراة قريبه المشرك كأبيه أو أمه ونحوهما، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يشرع لأقارب المشرك من المسلمين أن يتبعوا جنازته.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3213)، صحيح سنن أبي داود رقم (2752). وأخرجه الترمذي برقم (1046)، صحيح سنن الترمذي رقم (836).


6 - التعزية
* تسن تعزية المصاب بالميت قبل الدفن أو بعده، فيقال لمصاب بميت مسلم: ((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب)). متفق عليه (1).
ويدعو للميت والمصاب بقوله: ((اللهم اغفر لأبي فلان، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)). أخرجه مسلم (2).
* تسن تعزية أهل الميت ولا حد لها، ويعزيهم بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم على الصبر والرضا في حدود الشرع، ويدعو للميت والمصاب.
* تجوز التعزية في كل مكان: في المقبرة، والسوق، والمصلى، والمسجد، والبيت، ويجوز أن يجتمع أهل الميت في بيت أو مكان فيقصدهم من أراد التعزية، ويعزيهم ثم ينصرف.
* لا يجوز لأهل الميت تخصيص لباس معين للتعزية كالأسود مثلاً؛ لما فيه من التسخط على قضاء الله وقدره.
* تجوز تعزية الكفار من غير دعاء لميتهم إن كانوا ممن لا يظهر العداء للإسلام والمسلمين.
* يسن أن يصنع لأهل الميت طعام ويبعث به إليهم، ويكره لأهل الميت صنع طعام للناس واجتماعهم عليه.
* يجوز البكاء على الميت إن لم يكن معه ندب أو نياحة، ويحرم شق الثوب، ولطم الخد، ورفع الصوت ونحوه، والميت يعذب- أي يتألم ويتكدر- في قبره إذا نيح عليه بوصية منه.
1 - عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: ((لا تبكوا على أخي بعد اليوم))، ثم قال: ((ادعوا لي بني أخي)) فجيء بنا كأنّا أفرخٌ فقال: ((ادعوا لي الحلاق)) فأمره فحلق رؤوسنا. أخرجه أبو داود والنسائي (3).
2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)). متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7377)، واللفظ له، ومسلم برقم (923).
(2) أخرجه مسلم برقم (920).
(3) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (4192)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (3532). وأخرجه النسائي برقم (5227)، صحيح سنن النسائي رقم (4823).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1292)، واللفظ له، ومسلم برقم (927).


7 - زيارة القبور
* تسن زيارة القبور للرجال؛ لأنها تذكر بالآخرة والموت، والزيارة تكون للاعتبار، والاتعاظ، والسلام عليهم، والدعاء لهم، لا لدعائهم، أو التبرك بهم، أو بتراب قبورهم، فذلك كله لا يجوز.
* يحرم على جميع الأحياء دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وكشف الكربات، والطواف على قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم، والذبح عند القبور، واتخاذها مساجد وكل ذلك من الشرك الذي توعد الله صاحبه بالنار.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). قالت: فلولا ذاك أُبرِزَ قبرُه، غير أنه خشي أن يُتخذ مسجداً. متفق عليه (1).
* ما يقال عند دخول المقبرة وزيارة القبور:
1 - ((السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون)). أخرجه مسلم (2).
2 - أو يقول: ((السلام عليكم دار قوم مُؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)). أخرجه مسلم (3).
3 - أو يقول: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية)). أخرجه مسلم (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330)، ومسلم برقم (529) واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (974).
(3) أخرجه مسلم برقم (249).
(4) أخرجه مسلم برقم (975).


* حكم زيارة النساء للقبور:
زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب، فلا تجوز زيارة النساء للقبور، لكن إذا مرت المرأة بالمقبرة بدون قصد الزيارة فيُسن أن تسلم على أهل القبور، وتدعو لهم بما ورد من غير أن تدخلها.


* أحوال من يزور القبور:
1 - أن يدعو الله للأموات، ويستغفر لهم، ويعتبر بحال الموتى وتذكر الآخرة فهذه زيارة شرعية.
2 - أن يدعو الله تعالى لنفسه أو لغيره عند القبور معتقداً أن الدعاء عند القبور أفضل من المساجد، فهذه بدعة منكرة.
3 - أن يدعو الله تعالى متوسلاً بجاه أو حق فلان كأن يقول: أسألك يا ربي بجاه فلان، فهذا محرم؛ لأنه وسيلة إلى الشرك.
4 - أن لا يدعو الله تعالى، بل يدعو أصحاب القبور كأن يقول: يا نبي الله، أو يا ولي الله، أو يا فلان أعطني كذا أو اشفني ونحو ذلك فهذا شرك أكبر.
* الميت يعرف أحوال أهله وأصحابه في الدنيا، ويعرض عليه ذلك، ويسر بما كان حسناً، ويتألم بما كان قبيحاً، ويعرف الميت من يزوره، ويسمع كلامه وسلامه ودعاءه ويأنس به.
* تجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط، ولا يدعو له ولا يستغفر له، بل يبشره بالنار.
* المقابر محل العظة والاعتبار، فلا يجوز التعرض لها لا بتشجير ولا بتبليط ولا إنارة ولا بأي شيء من أنواع التجميل.


* ما يتبع الميت بعد موته:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله)). متفق عليه (1).
* فعل القُرب من مسلم لمسلم حي أو ميت لا يجوز إلا في حدود ما ورد في الشرع فعله مثل الدعاء له، والاستغفار له، والحج والعمرة عنه، والصدقة عنه، والصوم الواجب عمن مات وعليه صوم واجب كنذر، وأما استئجار قوم يقرؤون القرآن ويهدون ثوابه للميت فهي بدعة محدثة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6514)، واللفظ له، ومسلم برقم (296).