الموسوعة الفقهية الدرر السنية

تمهيد
لا يُحكم بفساد صوم من ارتكب شيئاً من المفطرات إلا بشروطٍ ثلاثة:
الأول: أن يكون عالماً بالحكم الشرعي، وعالماً بالوقت، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح (1).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم (2)
2 - قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:5]
ثانياً: من السنة:
1 - عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه ((أنه لما نزل قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] جعل تحت وسادته عقالين أبيض وأسود، وجعل ينظر إليهما، فلما تبين له الأبيض من الأسود، أمسك، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره بما صنع، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل)). أخرجه البخاري ومسلم (3)
ولم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقضاء؛ لأنه كان غير عالمٍ بالحكم، حيث فهم الآية على غير المراد بها.
2 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم غيم، ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (4)
ولم يُنقَل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالقضاء.
الثاني: أن يكون ذاكرا، والذكر ضده النسيان، فمن تناول شيئاً من المفطرات ناسياً فصيامه صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم (5)، لكن متى تَذكَّر، أو ذُكِّر وجب عليه الإمساك.
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286]
_________
(1) قال النووي: (إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع جاهلاً بتحريمه فإن كان قريب عهد بإسلامٍ أو نشأ بباديةٍ بعيدةٍ بحيث يخفى عليه كون هذا مفطرا لم يفطر؛ لأنه لا يأثم فأشبه الناسي الذي ثبت فيه النص. وإن كان مخالطا للمسلمين بحيث لا يخفى عليه تحريمه أفطر؛ لأنه مقصر) ((المجموع)) (6/ 335). وانظر ((الموسوعة الكويتية)) (28/ 44).
(2) رواه مسلم (126).
(3) رواه البخاري (1916)، ومسلم (1090).
(4) رواه البخاري (1959).
(5) قال النووي: (مذهبنا أنه لا يفطر بشيء من المنافيات ناسياً للصوم، وبه قال الحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر وغيرهم. وقال عطاء والأوزاعي والليث: يجب قضاؤه في الجماع ناسياً دون الأكل. وقال ربيعة ومالك: يفسد صوم الناسي في جميع ذلك وعليه القضاء دون الكفارة. وقال أحمد: يجب بالجماع ناسيا القضاء والكفارة ولا شيء في الأكل) ((المجموع)) (6/ 335).


2 - قوله تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225]
والنسيان ليس من كسب القلب (1).
ثانيا: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). أخرجه البخاري ومسلم (2).
الثالث: أن يكون قاصداً مختاراً، فمن حصل له شيء من المفطرات بلا قصد، فصومه صحيحٌ ولا إثم عليه، وضد الاختيار الإكراه، فمن أكره على شيءٍ من المفطرات فلا إثم عليه، وصيامه صحيح (3).
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:5]
2– قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل:106]
فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى.
ثانيا من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قال: ((وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (4).
وهو حديثٌ تشهد له النصوص.
_________
(1) ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 157).
(2) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1155).
(3) قال النووي: (إذا فعل به غيره المفطر بأن أوجر الطعام قهرا أو أسعط الماء وغيره أو طعن بغير رضاه بحيث وصلت الطعنة جوفه أو ربطت المرأة وجومعت أو جومعت نائمة فلا فطر في كل ذلك ... وكذا لو استدخلت ذكره نائما، أفطرت هي دونه) ((المجموع)) (6/ 335). وانظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 57).
(4) رواه ابن ماجه (1677)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8/ 161) (8273). والحديث صححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (2/ 679) – كما اشترط على نفسه في المقدمة- وقال ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (25/ 276): ثابت على شرط الشيخين، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 90): رجاله على شرط الصحيحين، وله شاهد من القرآن، ومن طرق أخر، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). والحديث روي بألفاظ مختلفة مثل: ((رفع عن أمتي))، و ((تجاوز الله عن أمتي))، و ((إن الله تجوز عن أمتي)). وروي من طرق كثيرة عن ابن عمر، وثوبان، وعقبة بن عامر، وأبي ذر، وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعاً.


المبحث الأول: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء
• المطلب الأول: تناول الطعام والشراب.
• المطلب الثاني: خروج المني.
• المطلب الثالث: الاستقاء.
• المطلب الرابع: خروج دم الحيض والنفاس.
• المطلب الخامس: الجنون والإغماء.
• المطلب السادس: الردة.
• المطلب السابع: نية الإفطار.
• المطلب الثامن: الحجامة.
• المطلب التاسع: حكم الحقنة الشرجية.


المطلب الأول: تناول الطعام والشراب
الفرع الأول: تناول الطعام والشراب عمداً
المسألة الأولى: حكم تناول الطعام والشراب للصائم
من أكل أو شرب مما يتغذى به متعمداً، وهو ذاكرٌ لصومه فإن صومه يبطل.
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ [البقرة:187]
فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل، وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذا الوقت.
ثانيا: من السنة:
ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)). أخرجه البخاري ومسلم (1).
ثالثا الإجماع:
حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (2)، وابن قدامة (3).
المسألة الثانية: ما يترتب على الإفطار عمدا بطعام أو شراب
1 - القضاء
يلزم من أفطر متعمدا بتناول الطعام أو الشراب، القضاء، وعلى هذا عامة أهل العلم، أما الكفارة فلا تجب عليه في أرجح قولي أهل العلم، وهو مذهب الشافعية (4)، والحنابلة (5)، ورجحه ابن المنذر (6)، والنووي (7).
الأدلة:
أما القضاء فقياساً على المريض والمسافر الذين أوجب الله عليهما القضاء مع وجود العذر، فلأن يجب مع عدم العذر أولى.
وأما عدم وجوب الكفارة فدليله:
1 - عدم ورود نص من الكتاب أو السنة يوجب ذلك، والأصل براءة الذمة.
2 - عدم صحة القياس على الجماع في نهار رمضان، فقد ورد النص في الجماع وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ.
2 - الإمساك
_________
(1) رواه البخاري (1894) واللفظ له، ومسلم (1151).
(2) ((مراتب الإجماع لابن حزم)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)).
(3) قال ابن قدامة: (وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به) ((المغني)) (3/ 14).
(4) ((الأم للشافعي)) (2/ 96)، ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 128).
(5) ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 128)، ((المغني)) (3/ 22).
(6) قال ابن المنذر: (واختلفوا فيما يجب على من أكل أو شرب في نهار رمضان عامدا فقال سعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين وحماد بن أبي سليمان والشافعي وأحمد: عليه القضاء وليس عليه الكفارة ..... .قال أبو بكر - أي ابن المنذر-: بالقول الأول أقول). ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 128)
(7) ((المجموع)) (6/ 320).


يلزم من أفطر بالأكل والشرب متعمداً الإمساك بقية يومه، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم (1)؛ واجتمعت عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6)؛ وذلك لأنه أفطر بدون عذر فلزمه إمساك بقية النهار، وفطرُهُ عمداً لم يُسقِط عنه ما وجب عليه من إتمام الإمساك.
الفرع الثاني: تناول الطعام والشراب نسيانا
من أكل أو شرب ناسياً، فلا شيء عليه ويتم صومه، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية (7)، والشافعية (8)، والحنابلة (9).
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
_________
(1) قال ابن قدامة: (وكل من أفطر والصوم لازمٌ له، كالمفطر بغير عذر، والمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب، أو الناسي لنية الصوم، ونحوهم، يلزمهم الإمساك، لا نعلم بينهم فيه اختلافا. إلا أنه يخرج على قول عطاء في المعذور في الفطر، إباحة فطر بقية يومه، قياساً على قوله فيما إذا قامت البينة بالرؤية. وهو قولٌ شاذ، لم يعرِّج عليه أهل العلم) ((المغني)) (3/ 33). وقال النووي: (إذا أفطر الصائم في نهار رمضان بغير الجماع من غير عذرٍ عامداً مختاراً عالماً بالتحريم، بأن أكل أو شرب أو استعط أو باشر فيما دون الفرج فأنزل، أو استمنى فأنزل، أثم ووجب عليه القضاء وإمساك بقية النهار) ((المجموع)) (6/ 339). وقال ابن القيم: (الصائم إذا أفطر عمداً لم يسقط عنه فطره ما وجب عليه من إتمام الإمساك ولا يقال له قد بطل صومك فإن شئت أن تأكل فكل، بل يجب عليه المضي فيه وقضاؤه؛ لأن الصائم له حدٌّ محدود وهو غروب الشمس) ((إعلام الموقعين)) (2/ 53). وقال ابن عثيمين: (هذه المفطرات إذا فعلها الإنسان وقد تمت الشروط الثلاثة، كما لو أكل عالماً، ذاكراً، مختاراً، ترتب عليه: أولا: الإثم إذا كان الصوم واجباً. ثانيا: فساد الصوم. ثالثا: وجوب الإمساك إن كان في رمضان. رابعا: القضاء، هذا إذا كان صومه واجبا) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (20/ 150).
(2) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 363)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 408).
(3) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 525)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 523).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 339).
(5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 33)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 309).
(6) قال ابن حزم: (من تعمد الفطر عاصياً فهو مفترض عليه بلا خلاف, صوم ذلك اليوم, ومحرمٌ عليه فيه كل ما يحرم على الصائم ولم يأت نصٌّ ولا إجماعٌ بإباحة الفطر له إذا عصى بتعمد الفطر, فهو باقٍ على ما كان حرامًا عليه, وهو متزيد من المعصية متى ما تزيد فطرًا, ولا صوم له مع ذلك. وروينا عن عمرو بن دينار نحو هذا, وعن الحسن, وعطاء: أن له أن يفطر) ((المحلى)) (6/ 243).
(7) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 61) , ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 327).
(8) ((الأم للشافعي)) (7/ 70)، ((المجموع للنووي)) (6/ 335). قال النووي: (وبه قال الحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر) ((المجموع)) (6/ 335)
(9) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 23)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 215). قال ابن القيم: (قاعدة الشريعة أن من فعل محظورا ناسيا فلا إثم عليه كما دل عليه قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء وقال: (قد فعلت) وإذا ثبت أنه غير آثم فلم يفعل في صومه محرما فلم يبطل صومه، وهذا محض القياس؛ فإن العبادة إنما تبطل بفعل محظور أو ترك مأمور) ((إعلام الموقعين)) (2/ 54).


عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم (1)
ثانيا: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). أخرجه البخاري ومسلم (2)
الفرع الثالث: حكم من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم
من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم وكان يسيراً لا يمكن لفظه مما يجري مع الريق فصومه صحيح؛ وذلك لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (3).
أما إن كان يمكنه لفظه فابتلعه فإنه يفطر، وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم (4)؛ وذلك لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره ذاكرا لصومه فأفطر به، كما لو ابتدأ الأكل.
الفرع الرابع: حكم ابتلاع الصائم ما لا يؤكل في العادة
إذا ابتلع الصائم ما لا يُؤكَلُ في العادة كدرهمٍ أو حصاةٍ أو حشيشٍ أو حديدٍ أو خيطٍ أو غير ذلك أفطر (5)، وقد ذهب إلى ذلك جماهير العلماء من السلف والخلف (6).
الدليل:
1 - أنه في حكم الأكل؛ فإنه يقال: أكل حصاة، فيكون حكمه حكم الأكل.
2 - قول ابن عباس رضي الله عنهما: الفطر مما دخل وليس مما خرج (7).
الفرع الخامس: حكم شرب الدخان أثناء الصوم
شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام، وهذا باتفاق الفقهاء (8)؛ وذلك لأن الدخان له جرمٌ ينفذ إلى الجوف، فهو جسمٌ يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء؛ ولأنه يسمَّى شرباً عرفاً وصاحبه يتعمد إدخاله في جوفه من منفذ الأكل والشرب فيكون مفطرا.
_________
(1) رواه مسلم (126).
(2) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1155)، قال النووي: (فيه دلالةٌ لمذهب الأكثرين أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيا لا يفطر) ((شرح صحيح مسلم للنووي)) (8/ 35).
(3) ((الإشراف)) (3/ 134).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 19)، ((المجموع للنووي)) (6/ 323).
(5) وذلك لأن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف؛ ولذا يقال فلانٌ يأكل الطين.
(6) قال ابن قدامة: (وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به، فأما ما لا يتغذى به، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به) ((المغني)) (3/ 14، 15). وقال النووي: (إذا ابتلع الصائم ما لا يؤكل في العادة كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة أو حشيشا أو نارا أو حديدا أو خيطا أو غير ذلك أفطر بلا خلاف عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف) ((المجموع للنووي)) (6/ 326).
(7) رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (9411)، وأورده البخاري في صحيحه (باب الحجامة والقيء للصائم) معلقاً بصيغة الجزم بلفظ: (الصوم مما دخل)، ووصله البيهقي في السنن الكبرى (579). وقال البيهقي في ((الخلافيات)) (2/ 357): ثابت، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 317): إسناده حسن أو صحيح، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 79): إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.
(8) انظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/ 111). قال ابن عابدين: (قوله (إنه لو أدخل حلقه الدخان) أي بأي صورةٍ كان الإدخال حتى لو تبخر بخوراً فآواه إلى نفسه واشتمه ذاكرا لصومه أفطر؛ لإمكان التحرز عنه وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك؛ لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخانٍ وصل إلى جوفه بفعله إمداد وبه علم حكم شرب الدخان ونظمه الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية بقوله ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لا شك يفطر). ((حاشية رد المحتار)) (2/ 395). وقال الدردير: ((و) بترك إيصال (بخور) بفتح الباء أي الدخان المتصاعد من حرق نحو العود، ومثله بخار القدر فمتى وصل للحلق أوجب القضاء، ومنه الدخان الذي يشرب أي يمص بالقصب ونحوه فإنه يصل للحلق بل للجوف) ((الشرح الكبير)) (1/ 525). وقال البهوتي: (وإن دخل حلقه ذبابٌ أو غبار طريقٍ أو غبار دقيقٍ أو دخانٍ من غير قصدٍ لم يفطر لعدم القصد كالنائم، وعُلِمَ منه أن من ابتلع الدخان قصداً فسد صومه) ((كشاف القناع)) (2/ 320 - 321). وقال ابن عثيمين: ( .. وبهذا تبين أن شرب الدخان يفطر الصائم مع ما فيه من الإثم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 203).


المطلب الثاني: خروج المني
الفرع الأول: الاستمناء في نهار رمضان
أولاً: تعريف الاستمناء
الاستمناء لغة: مصدر استمنى، أي: طلب خروج المني (1).
الاستمناء اصطلاحاً: إخراج المني؛ استدعاءً لشهوةٍ بغير جماع، سواء أخرجه بيده، أو بيد زوجته (2).
ثانياً: حكم من استمنى فى نهار رمضان
من استمنى فقد فسد صومه، وعليه القضاء، وهذا قول عامة الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
1 - من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي)). أخرجه البخاري ومسلم (6).
واستدعاءُ المني شهوةٌ بلا شك.
2 - من القياس:
فقد جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وهو يضعف البدن، فخروج الطعام يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً. وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك؛ ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على من استقاء عمداً.
- ولا كفارة فيه؛ لأن النص إنما ورد في الجماع، والاستمناء ليس مثله.
الفرع الثاني: حكم من باشر أو قبل أو لمس فأنزل
من أنزل المني بمباشرة دون الفرج أو بتقبيل أو لمس، فإنه يفطر بذلك، وعليه القضاء فقط.
الدليل:
الإجماع:
فقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (7)، والماوردي (8).
ولا كفارة عليه كما هو مذهب الحنفية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)؛ وذلك لأن النص إنما ورد في الجماع فقط، وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ.
الفرع الثالث: حكم من كرر النظر حتى أنزل
من كرَّر النظر حتى أنزل، فقد ذهب الحنابلة، وبعض أهل العلم (12)، إلى أنه يفطر ولا كفارة عليه (13)
وذلك لأن النظرة الواحدة لا تفسد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لك الأولى وليست لك الآخرة)) (14). والإنسان لا يستطيع اجتناب هذا، بخلاف تكرار النظر؛ فإن فيه استدعاء المني، فيكون حكمه حكم الاستمناء.
ولا كفارة فيه؛ لأن النص إنما ورد في الجماع، وتكرار النظر ليس مثله.
_________
(1) ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: م ن ي)، ((المصباح المنير للفيومي)) (مادة: م ن ي).
(2) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 430)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (4/ 97).
(3) ((بدائع الصنائع)) (2/ 94)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح - (1/ 437)
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 322).
(5) ((المغني)) (3/ 21)
(6) رواه البخاري (7492) واللفظ له، ومسلم (1151).
(7) قال ابن قدامة: (إذا قبل فأمنى أو أمذى، ولا يخلو المقبل من ثلاثة أحوال .. الحال الثاني: أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه؛ لما ذكرناه من إيماء الخبرين؛ ولأنه إنزال بمباشرة، فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج) ((المغني)) (3/ 20)
(8) قال الماوردي: (أما إن وطئ دون الفرج أو قبل أو باشر فلم ينزل فهو على صومه لا قضاء عليه، ولا كفارة وإن أنزل فقد أفطر، ولزمه القضاء إجماعا) ((الحاوي الكبير)) (3/ 945)
(9) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 93)
(10) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 945)
(11) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 225)
(12) نقل ابن قدامة هذا القول عن: أحمد، وعطاء، والحسن البصريِّ، ومالك، والحسن بن صالح. ((المغني)) (3/ 21).
(13) وذلك لأنه إنزال بفعل يتلذذ به ويمكن التحرز منه.
(14) رواه أحمد (5/ 351) (23024)، وأبو داود (2149)، والترمذي (2777)، والحاكم (2/ 212). من حديث بريدة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 252)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).


الفرع الرابع: حكم من أنزل بتفكير مجرد عن العمل
من أنزل بتفكيرٍ مجردٍ عن العمل فلا يفطر، سواء كان تفكيراً مستداماً أو غير مستدام (1)، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الدليل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم)). أخرجه البخاري ومسلم (5).
والفكر من حديث النفس.
الفرع اخامس: حكم من نام فاحتلم في نهار رمضان
من نام فاحتلم في نهار رمضان فصومه صحيح (6).
الدليل:
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر (7)، والنووي (8)، وابن تيمية (9).
الفرع السادس: حكم خروج المذي من الصائم
خروج المذي من الصائم لا ينقض صومه، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية (10)، والشافعية (11)، وهي إحدى الروايتين عن أحمد (12)، واختاره ابن المنذر (13) والصنعاني (14)؛ وابن عثيمين (15)، وذلك لأنه خارجٌ لا يوجب الغسل فأشبه البول، وقياسه على المني لا يصح لمخالفته في الأحكام فهو قياسٌ مع الفارق، ولأن الشهوة لا تنكسر به مثل المني؛ وأيضا لعدم ورود النص على كونه مفطرا، والأصل صحة الصوم؛ وكذلك لأن الشرع أباح التقبيل والمباشرة لمن يملك نفسه، والتي يكون حاصلها المذي.
_________
(1) وذلك لأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النظر؛ لأنه دونهما في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال؛ وأيضا لأنه إنزال من غير مباشرة، فأشبه الاحتلام.
(2) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 66).
(3) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 361). قال الماوردي: (أما إن فكر بقلبه فأنزل، فلا قضاء عليه ولا كفارة إجماعا؛ لأن الفكر من حديث النفس، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: إن اللَّه تعالى تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها) ((الحاوي الكبير)) (3/ 440).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 21)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 218). وقال ابن تيمية: (لو غلبَه الفكرُ حتى أنزل لم يَفسُد صومُه باتفاق الأئمة) ((جامع المسائل)) (4/ 352).
(5) رواه البخاري (6664) واللفظ له، ومسلم (127).
(6) وذلك لأنه مغلوبٌ ولا اختيار له، أشبه من طارت ذبابة فوقعت في حلقه دون اختياره.
(7) ((التمهيد لابن عبد البر)) (17/ 425).
(8) ((المجموع للنووي)) (6/ 322).
(9) قال ابن تيمية: (ومن احتلم بغير اختياره كالنائم لم يفطر باتفاق الناس) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 224).
(10) انظر ((المبسوط للشيباني)) (2/ 238)، ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 123).
(11) ((المجموع للنووي)) (6/ 333).
(12) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 214).
(13) قال ابن المنذر: (اختلفوا في الصائم يلمس فيمذي فقالت طائفة لا شيء عليه من قضاء ولا غيره ...... قال أبو بكر –أي ابن المنذر -: لا شيء عليه) ((الإشراف)) (3/ 123).
(14) ((سبل السلام)) (2/ 158).
(15) ((الشرح الممتع)) (6/ 378).


المطلب الثالث: الاستقاء
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن من استقاء متعمدا، فقد أفطر (1)، ويلزمه القضاء ولا كفارة عليه (2)، وأجمعوا على أنَّ من غلبه القيء فلا شيء عليه (3).
واستشهدوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) (4).
_________
(1) حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، وحكى ابن قدامة الخلاف فيه، انظر: ((الإجماع لابن المنذر)) (ص49)، و ((المغني لابن قدامة)) (3/ 23).
(2) قال ابن عبدالبر: (على هذا جمهور العلماء فيمن استقاء أنه ليس عليه إلا القضاء) ((الاستذكار)) (3/ 347) وانظر: ((الأم للشافعي)) (2/ 97)، و ((المدونة)) (1/ 271)، و ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 129)، و ((المغني لابن قدامة)) (3/ 23)، و ((المجموع للنووي)) (6/ 328) و ((سبل السلام للصنعاني)) (2/ 161).
(3) قال ابن المنذر: (وهذا قول كل من نحفظ عنه، وروينا عن الحسن أنه قال: عليه القضاء) ((الإشراف)) (ص49) وقال الخطابي: (لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أنَّ من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه) ((معالم السنن للخطابي)) (2/ 96).
(4) رواه أحمد (2/ 498) (10468)، وأبو داود (2380)، الترمذي (720)، وابن ماجه (1368) واللفظ له، والدارمي (2/ 24) (1729)، وابن حبان (8/ 284) (3518)، والحاكم (1/ 589). وقد اختلف أهل العلم في الحكم عليه، فأنكره أحمد وقال: (ليس من ذا شيء) ((السنن للبيهقي)) (4/ 219)، وقال البخاري في ((العلل الكبير)) (ص: 115): ما أراه محفوظا، وقال الترمذي: لا يصح إسناده، وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (5/ 540): اضطرب فيه عباد بن كثير، وقال ابن تيمية في ((حقيقة الصيام)) (ص13): لم يثبت عند طائفة من أهل العلم, بل قالوا: هو من قول أبي هريرة، وحسنه ابن قدامة في ((الكافي)) (1/ 353)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ 659)، وصححه ابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (265/ 15)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2380).


المطلب الرابع: خروج دم الحيض والنفاس
الفرع الأول: حكم صوم من حاضت أو نفست أثناء نهار رمضان
من حاضت أو نفست أثناء نهار رمضان، فقد فسد صومها، ويلزمها قضاؤه (1).
الأدلة:
أولا: من السنة:
1 - عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ... أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)). أخرجه البخاري ومسلم (2).
2 - قول عائشة رضي الله عنها لما سُئلت: ((ما بال الحائضِ تقضي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟ قالت: كان يُصيبُنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنؤمر بقضاء الصَّوم، ولا نؤمر بقضاء الصَّلاة)). أخرجه البخاري ومسلم (3).
ثانيا: الإجماع:
أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقله ابن حزم (4)، والنووي (5)، وابن تيمية (6).
الفرع الثاني: حكم إمساك بقية اليوم لمن فسد صومها بخروج دم الحيض أو النفاس
من فسد صومها بخروج دم الحيض أو النفاس فإنه لا يلزمها إمساك باقي اليوم، ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)، ورجحه ابن المنذر (10)؛ وذلك لأنها ليست بأهل للصوم، والتشبُّهُ بأهل العبادة لا يصح من غير الأهل؛ ولأن الحيض لو كان موجودا في أول النهار لم تؤمر بالصيام.
_________
(1) قال ابن عثيمين: (فإن قيل: ما الحكمة أنها تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ قلنا: الحكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم ... واستنبط العلماء رحمهم الله لذلك حكمة، فقالوا: إن الصوم لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة، والصلاة تتكرر كثيراً، فإيجاب الصوم عليها أسهل؛ ولأنها لو لم تقض ما حصل لها صوم. وأما الصلاة فتتكرر عليها كثيراً، فلو ألزمناها بقضائها لكان ذلك عليها شاقا؛ ولأنها لن تعدم الصلاة لتكررها، فإذا لم تحصل لها أول الشهر حصلت لها آخره) ((الشرح الممتع)) (1/ 476).
(2) رواه البخاري (304) واللفظ له، ومسلم (80).
(3) رواه البخاري (321)، ومسلم (335) واللفظ له.
(4) ((مراتب الإجماع)) (ص 40). ((المجموع)) (2/ 355)، وقال النووي: (قولها (فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذا الحكم متفق عليه أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال وأجمعوا على أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة وأجمعوا على أنه يجب عليهما قضاء الصوم) ((شرح مسلم)) (4/ 26).
(5) ((المجموع)) (2/ 355)، وقال النووي: (قولها (فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذا الحكم متفق عليه أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال وأجمعوا على أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة وأجمعوا على أنه يجب عليهما قضاء الصوم) ((شرح مسلم)) (4/ 26).
(6) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 244).
(7) ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 232).
(8) ((المدونة الكبرى)) (1/ 276).
(9) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 371).
(10) ((الإشراف)) (3/ 141).


المطلب الخامس: الجنون والإغماء
الفرع الأول: حكم صوم من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس
من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه يبطل (1)، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الدليل:
عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة ... ))، وذكر منهم: ((المجنون حتى يفيق)) (5)
الفرع الثاني: حكم القضاء على المجنون
لا يلزم المجنون القضاء (6) عند الشافعية (7)، والحنابلة (8)، واختاره ابن حزم (9)، والألباني (10).
الدليل:
أن المجنون رفع عنه التكليف؛ لحديث ((رفع القلم عن ثلاثة)) وذكر منهم ((المجنون حتى يفيق)) (11). وما لم يُكلَّف به لا يجب عليه أداؤه ولا قضاؤه.
الفرع الثالث: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس
من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه لا يصح (12)، ويلزمه القضاء (13)، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية (14)، والشافعية (15)، والحنابلة (16).
الدليل:
قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]
والإغماء مرض.
الفرع الرابع: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار
من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار ولو جزءاً منه، فإن صومه صحيح، وهو المذهب عند الشافعية (17)، والحنابلة (18)، وقولٌ للمالكية (19)؛ وذلك لأنه قصد الإمساك في جزءٍ من النهار فصح صومه كما لو نام بقية يومه.
الفرع الخامس: حكم من نام جميع النهار
من نام جميع النهار، فصومه صحيحٌ عند عامة أهل العلم (20)؛ وذلك لأنه عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية؛ ولأنه إذا نُبِّه انتبه، فهو كذاهلٍ وساهٍ.
_________
(1) وذلك لأن من شروط وجوب العبادة وصحتها العقل، والمجنون لا عقل له.
(2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 522).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 251).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 207).
(5) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).
(6) وذلك لأنه صومٌ فات في حال سقط فيه التكليف لنقص فلم يجب قضاؤه، كما لو فات في حال الصغر.
(7) قال النووي: (فإن أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في حال الجنون) ((المجموع)) (6/ 251).
(8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 208).
(9) ((المحلى)) (6/ 226).
(10) قال الألباني: (ولا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر، وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد كما في ((المجموع)) وهو مذهب ابن حزم واختاره شيخ الإسلام) ((الثمر المستطاب)) (1/ 54).
(11) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (ص: 225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).
(12) وذلك لأن الصوم عبارةٌ عن الإمساك مع النية ولم يوجد الإمساك المضاف إليه النية كما دل عليه قوله في الحديث القدسي (يترك طعامه وشرابه من أجلي) فلم تعتبر النية منفردة عنه.
(13) وذلك لأن المغمى عليه لم يزل عنه التكليف؛ لأن مدة الإغماء لا تتطاول غالبا فلم يسقط عنه القضاء.
(14) ((المدونة)) (1/ 276)، ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 340)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 522)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 522).
(15) ((المجموع للنووي)) (6/ 255)، ((الحاوي الكبيرللمرداوي)) (3/ 441).
(16) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 11)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 207)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 314).
(17) ((الحاوي الكبير للمرداوي)) (3/ 441) ((روضة الطالبين للنووي)) 2/ 366.
(18) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 207)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 21)
(19) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 340)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 723).
(20) قال ابن قدامة: (لا نعلم فيه خلافاً، وخالف في ذلك الإصطخري الشافعي) ((الشرح الكبير)) (3/ 22)، وانظر ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 435)، و ((المجموع للنووي)) (6/ 345).


المطلب السادس: الردة
الفرع الأول: حكم صوم من ارتد عن الإسلام
من ارتد عن الإسلام فسد صومه (1)،وقد حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك (2)
الدليل:
قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].
الفرع الثاني: حكم قضاء من ارتد أثناء صيامه
يلزم من ارتد أثناء صيامه أن يقضي هذا اليوم، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك (3)؛ وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج؛ ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة.
الفرع الثالث: حكم قضاء ما تركه المرتد من صيامٍ في زمن ردته
من ارتد لا يلزمه قضاء ما تركه زمن الردة من صيام (4)، وهو مذهب الجمهور: الحنفية (5)، والمالكية (6)، والحنابلة (7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قول الله سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]
تناولت الآية كل كافر سواء كان أصليًّا أم مرتداً (8)
ثانياً: من السنة:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإسلام يهدم ما كان قبله)). أخرجه مسلم (9)
_________
(1) وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج؛ كما أن الصيام عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة.
(2) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم أنه يفسد صومه وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه فيما يكفر بالشك فيه أو بالنطق بكلمة الكفر مستهزئاً أو غير مستهزئ قال الله تعالى ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 24).
(3) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم أنه يفسد صومه وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه فيما يكفر بالشك فيه أو بالنطق بكلمة الكفر مستهزئا أو غير مستهزئ قال الله تعالى ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 24).
(4) وذلك لأن في إلزامه بقضاء ما ترك تنفيرا له من العودة إلى الإسلام.
(5) ((الدر المختار)) (4/ 251 - 252)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 121).
(6) ((الكافي لابن عبد البر)) (2/ 1090)، ((حاشية الدسوقي)) (4/ 307)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 361).
(7) ((الفروع لابن مفلح)) (1/ 401)، ((الإنصاف للمرداوي)) (1/ 278)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (1/ 223). قال ابن تيمية: (المرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء) ((الفتاوى الكبرى)) (2/ 22)
(8) قال ابن تيمية: (قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف يتناول كل كافر) ((الفتاوى الكبرى)) (2/ 23).
(9) رواه مسلم (121).


المطلب السابع: نية الإفطار
من نوى الإفطار في نهار رمضان، فقد أفطر، وإن لم يتناول شيئا من المفطرات (1)، وذهب إلى ذلك المالكية (2)، والحنابلة (3)، وهو قولٌ عند الشافعية (4)، واختاره ابن حزم (5).
الدليل:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات)). أخرجه البخاري ومسلم (6).
فما دام ناوياً للصيام فهو صائم، وإذا نوى الإفطار أفطر، فالصوم عبارةٌ عن نية، فإذا نوى قطعها انقطعت، كالصلاة إذا نوى قطعها فإنها تنقطع.
_________
(1) وذلك لأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة حقيقة وحكماً، ولكن لما شق اعتبار النية حقيقة وحكماً اعتبر بقاء حكمها وهو ألا ينوي قطعها، فإذا نواه زالت النية حقيقة وحكماً؛ لأن نية الإفطار ضد نية الصوم.
(2) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 434).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 24) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 210)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 316).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 297).
(5) قال ابن حزم: (ومن نوى وهو صائم، إبطال صومه بطل, إذا تعمد ذلك ذاكرا لأنه في صوم وإن لم يأكل، ولا شرب، ولا وطئ) ((المحلى)) (6/ 175).
(6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).


المطلب الثامن: الحجامة
الفرع الأول: حكم الحجامة للصائم
من احتجم وهو صائم، فقد اختلف فيه أهل العلم على أقوال، منها:
القول الأول: أن صومه لا يفسد، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3).
الأدلة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم)). أخرجه البخاري ومسلم (4)
2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سُئِل: ((هل كنتم تكرهون الحجامة؟ فقال: لا، إلا من أجل الضعف)). أخرجه البخاري ومسلم (5)
والأحوط أن تؤجَّل الحجامة إلى الليل خروجاً من خلاف جماعة من أهل العلم (6).
القول الثاني: أنها تفسد صومه (7)، وهو من مفردات مذهب الحنابلة (8)، وبه قال ابن تيمية (9)، وابن باز (10)، وابن عثيمين (11).
الدليل:
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 107)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 330).
(2) ((المدونة)) (1/ 270)، التاج والإكليل للمواق (2/ 441). قال ابن عبدالبر: (وهو قول الثوري ... وقال أبو ثور: أحبُّ إلي أن لا يحتجم أحدٌ صائماً، فإن فعل لم يفطر، وهو باقٍ على صومه) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (10/ 129).
(3) ((الأم للشافعي)) (2/ 106)، ((المجموع للنووي)) (6/ 349).
(4) رواه البخاري (1938) واللفظ له، ومسلم (1202).
(5) رواه البخاري (1940).
(6) قال ابن تيمية: (وقد كره غير واحد من الصحابة الحجامة للصائم، وكان منهم من لا يحتجم إلا بالليل) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 252). قال ابن قدامة: (وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلاً في الصوم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وأنس بن مالك ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وأم سلمة والحسين بن علي وعروة وسعيد بن جبير) ((الشرح الكبير)) (3/ 40).
(7) وذلك لأنه يحصل بالحجامة ضعفٌ شديد، يحتاج معه الصائم إلى تغذية. وقال ابن تيمية: (وأما من تدبر أصول الشرع ومقاصده فإنه رأى الشارع لما أمر بالصوم أمر فيه بالاعتدال حتى كره الوصال، وأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وجعل أعدل الصيام وأفضله صيام داود، وكان من العدل أن لا يخرج من الإنسان ما هو قيام قوته، فالقيء يخرج الغذاء والاستمناء يخرج المني والحيض يخرج الدم وبهذه الأمور قوام البدن لكن فرق بين ما يمكن الاحتراز منه وما لا يمكن، فالاحتلام لا يمكن الاحتراز منه وكذلك من ذرعه القيء وكذا دم الاستحاضة فإنه ليس له وقت معين، بخلاف دم الحيض فإن له وقتا معينا فالمحتجم أخرج دمه وكذلك المفتصد بخلاف من خرج دمه بغير اختياره كالمجروح فإن هذا لا يمكن الاحتراز منه فكانت الحجامة من جنس القيء والاستمناء والحيض، وكان خروج دم الجرح من جنس الاستحاضة والاحتلام وذرع القيء، فقد تناسبت الشريعة وتشابهت ولم تخرج عن القياس) ((مجموع الفتاوى)) (20/ 528).
(8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 214)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 40).
(9) قال ابن تيمية: (والقول بأن الحجامة تفطر مذهب أكثر فقهاء الحديث كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم. وأهلُ الحديث الفقهاءُ فيه العاملون به أخصُّ الناس باتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 252).
(10) قال ابن باز: (لا يضر الصائم خروج الدم إلا الحجامة، فإذا احتجم فالصحيح أنه يفطر بالحجامة، وفيها خلافٌ بين العلماء لكن الصحيح أنه يفطر بذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 271).
(11) قال ابن عثيمين: (إذا احتجم الصائم وظهر منه الدم فإنه يفطر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 145).


عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) (1)
الفرع الثاني: حكم الفصد وأخذ الدم للتحليل وغيره
الفصد وأخذ الدم للتحليل أو للتبرع، اختلف فيه أهل العلم على قولين:
القول الأول: لا يفسد الصوم؛ بناءً على ما ذهب إليه الجمهور من عدم الفطر بالحجامة وإن كان الأولى تأخير ذلك إلى الليل، وهو اختيار ابن باز (2).
القول الثاني: يفسد الصوم، وهو أحد الوجهين في مذهب الحنابلة (3)، واختاره ابن تيمية (4)، واختار ابن عثيمين فساد الصوم بالفصد والتبرع قياساً على الحجامة، وعدم فساده بتحليل الدم (5).
الدليل:
القياس:
قياساً على الحجامة.
_________
(1) أخرجه أحمد (4/ 122) , وأبو داود (2/ 308) , والنسائي في ((الكبرى)) (3/ 318) , وابن ماجه (2/ 585). الحديث صححه البخاري في ((العلل الكبير)) (121)، فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس وثوبان كلاهما عندي صحيح، وصححه علي بن المديني وإسحاق بن راهويه والإمام أحمد، كما في)) تنقيح التحقيق للذهبي)) (2/ 319)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 350) وصححه ابن القيم في ((تهذيب السنن (((6/ 495)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2369).
(2) قال ابن باز: (لا يضر الصائم خروج الدم إلا الحجامة، فإذا احتجم فالصحيح أنه يفطر بالحجامة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 271). وقال أيضا: (لا حرج على الصائم في تحليل الدم عند الحاجة إلى ذلك، ولا يفسد الصوم بذلك، أما التبرع بالدم فالأحوط تأجيله إلى ما بعد الإفطار؛ لأنه في الغالب يكون كثيرا، فيشبه الحجامة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 273).
(3) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 215).
(4) قال ابن تيمية: (وقد بينا أن الفطر بالحجامة على وفق الأصول والقياس وأنه من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاءة وبالاستمناء، وإذا كان كذلك فبأي وجهٍ أراد إخراج الدم أفطر، كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر سواء جذب القيء بإدخال يده أو بشم ما يقيئه أو وضع يده تحت بطنه واستخرج القيء، فتلك طرق لإخراج القيء، وهذه طرق لإخراج الدم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 257).
(5) قال ابن عثيمين: (والصحيح أن ما كان بمعناها – أي الحجامة - يأخذ حكمها) (الشرح الممتع على زاد المستقنع)) (6/ 351). وقال أيضا: (وفي معنى إخراج الدم بالحجامة إخراجه بالفصد ونحوه مما يُؤَثِّر على البدن كتأثير الحجامة, وعلى هذا فلا يجوز للصائم صوما واجبا أن يتبرع بإخراج دمه الكثير الذي يؤثر على البدن تأثير الحجامة إلا أن يوجد مضطر له لا تندفع ضرورته إلا به، ولا ضرر على الصائم بسحب الدم منه فيجوز للضرورة ويفطر ذلك اليوم ويقضي، وأما خروج الدم بالرعاف أو السعال أو الباسور أو قلع السن أو شق الجرح أو تحليل الدم أو غرز الإبرة ونحوها فلا يفطر لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجام) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 285). وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 285)، و (19/ 251).


المطلب التاسع: حكم الحقنة الشرجية
من احتقن وهو صائم فلا يفسد صومه، وقد ذهب إلى ذلك أهل الظاهر (1)، وهو قول طائفةٍ من المالكية (2)، والقاضي حسين من الشافعية (3)، وبه قال الحسن بن صالح (4)، واختاره ابن تيمية (5)، وابن عثيمين (6).
وذلك للآتي:
- أن الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن.
- ولأن الصيام أحد أركان الإسلام، ويحتاج إلى معرفته المسلمون، فلو كانت هذه الأمور من المفطرات لذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، ونقل إلينا.
- كما أن الأصل صحة الصيام حتى يقوم دليل على فساده.
ولو أخر الحقن إلى الليل لكان أفضل؛ خروجاً من الخلاف، فقد ذهب الجمهور إلى أنه يفطر بذلك (7).
المطلب التاسع: القطرة في الأنف استعمال القطرة في الأنف في نهار رمضان أو السعوط (8) يفسد الصوم، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية (9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12)
الدليل:
قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (13).
فالحديث يدل على أنه لا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، فالأنف منفذ إلى الحلق ثم المعدة كما هو معلوم بدلالة السنة، والواقع، والطب الحديث. كما أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في الاستنشاق يتضمن النهي عن إدخال أي شيء عن طريق الأنف ولو كان يسيراَ لأن الداخل عن طريق المبالغة شيء يسير.
_________
(1) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 203).
(2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 505)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 346).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 313).
(4) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 456)، ((المجموع للنووي)) (6/ 313، 320).
(5) ((مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (25/ 245).
(6) قال ابن عثيمين: (الحقن الشرجية التي يحقن بها المرضى في الدبر ضد الإمساك اختلف فيها أهل العلم، فذهب بعضهم إلى أنها مفطرة، بناء على أن كل ما يصل إلى الجوف فهو مفطر، وقال بعضهم: إنها ليست مفطرة وممن قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعلل ذلك بأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والذي أرى أن ينظر إلى رأي الأطباء في ذلك فإذا قالوا: إن هذا كالأكل والشرب وجب إلحاقه به وصار مفطراً، وإذا قالوا: إنه لا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل والشرب فإنه لا يكون مفطراً) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 204).
(7) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 16)، ((المجموع للنووي)) (6/ 320).
(8) دواء يوضع في الأنف. ((المصباح المنير)) (مادة: س ع ط).
(9) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 402).
(10) ((المدونة)) (1/ 269)، ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 345).
(11) ((المجموع للنووي)) (6/ 321).
(12) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 212)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 318).
(13) رواه أبو داود (142)، والترمذي (788)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (333)، والحاكم (4/ 123). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (116) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.


مطلب: الجماع
الفرع الأول: حكم صوم من جامع متعمداً في نهار رمضان
من جامع متعمداً في نهار رمضان فسد صومه.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أن الشارع علق حل الرفث إلى النساء وهو الجماع إلى تبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر وهو وقت بداية الصيام، ثم يجب إتمام الصيام والإمساك عن ذلك إلى الليل فإذا وجد الجماع قبل الليل فإن الصيام حينئذ لم يتم فيكون باطلا.
ثانيا: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل فقال: هلكت يا رسول الله قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق: المكتل - قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك)). أخرجه البخاري ومسلم (1)
ثالثا: الإجماع:
انعقد الإجماع على حرمة الجماع في نهار رمضان وعلى كونه مفطرا، وممن نقل ذلك ابن المنذر (2)، وابن قدامة (3)، وابن تيمية (4).
الفرع الثاني: ما يترتب على الجماع في نهار رمضان
يترتب على الجماع في نهار رمضان الأمور التالية:
أولا: الكفارة
تجب الكفارة على المجامع في قول عامة أهل العلم (5)، فيعتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً.
الدليل:
_________
(1) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له.
(2) قال ابن المنذر: (لم يختلف أهل العلم أن الله عز وجل حرم على الصائم في نهار الصوم الرفث، وهو الجماع) ((الإشراف)) (3/ 120).
(3) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً, في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل, أو دون الفرج فأنزل, أنه يفسد صومه إذا كان عامدا) ((المغني)) (3/ 25).
(4) قال ابن تيمية: (ومعلومٌ أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 244).
(5) قال ابن تيمية: (أوجب على المجامع كفارة الظهار فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع). ((مجموع الفتاوى)) (25/ 249). وقال الكاساني: (ولا خلاف في وجوب الكفارة على الرجل بِالجماعِ) ((بدائع الصنائع)) (2/ 98). وقال النووي: (من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به بسبب الصوم لزمته الكفارة وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود والعلماء كافة إلا ما حكاه العبدرى وغيره من أصحابنا عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة أنهم قالوا لا كفارة عليه كما لا كفارة عليه بإفساد الصلاة) ((المجموع)) (6/ 344). ونحوه في ((المغني لابن قدامة)) (3/ 25).


حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمواقع أهله في رمضان: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا)). أخرجه البخاري ومسلم (1)
والكفارة المذكورة على الترتيب في قول جمهور أهل العلم من الحنفية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ثانيا: القضاء
ويلزم المجامع في نهار رمضان أيضا مع الكفارة قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بالجماع (6)، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم (7) من الحنفية (8)، والمالكية (9) والشافعية (10)، والحنابلة (11).
الفرع الثالث: ما يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعة
يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعةً، القضاء، والكفارة، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (12)، والمالكية (13)، والشافعية (14) - إلا أن الشافعية أوجبوا القضاء دون الكفارة -، والحنابلة (15).
- أما القضاء فلأنه فاتها الصيام بلا عذر فوجب عليها القضاء.
- وأما الكفارة فقياساً على الرجل؛ لأن الأحكام الشرعية تستوي فيها المرأة مع الرجل، ما لم يدل دليل عل خلافه، والمرأة هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل.
- ولأن الكفارات لا يُتشارك فيها، فكل منهما حصل منه ما ينافي الصيام من الجماع، فكان على كل منهما كفارة.
الفرع الرابع: حكم من جامع ناسياً
_________
(1) رواه البخاري (6711)، ومسلم (1111).
(2) ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 125)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 328).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 345)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 442).
(4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 54)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 228).
(5) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 197).
(6) وذلك لأنه أفسد صومه الواجب فلزمه القضاء كالصلاة، ولأنه إذا وجب على المفطر بعذر- كالمرض أو السفر وغيرهما- القضاء، فلأن يجب على المجامع من باب أولى؛ لأنه غير معذور.
(7) ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد)) (1/ 275).
(8) قال السرخسي: (وإن جامعها متعمدا فعليه أن يتم صوم ذلكَ اليوم بالإمساك تشبها بِالصائمِين، وعليه قضاء ذلكَ اليوم والكفارة أما وجوب القضاء فقول جمهور العلماء) ((المبسوط)) (3/ 66). وقال الكمال ابن الهمام: (فعليه القضاء استدراكا للمصلحة الفائتة والكفارة) ((فتح القدير)) (2/ 336).
(9) ((المدونة الكبرى)) (1/ 284، 285)، ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 342).
(10) قال النووي: (يجب على المكفر مع الكفارة قضاء اليوم الذي جامع فيه هذا هو المشهور من مذهبنا) ((المجموع)) (6/ 344).
(11) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 221)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 325).
(12) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 98)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 327).
(13) ((المدونة)) (1/ 268، 285) و ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 433).
(14) ((المجموع للنووي)) (6/ 331).
(15) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 27)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 57)، ((كشاف القناع للبهوتي) (2/ 325).


من جامع ناسياً، فصومه صحيح ولا يلزمه شيء، ذهب إلى ذلك الحنفية (1)، والشافعية (2)، وهو قول طائفة من السلف (3)، واختاره ابن تيمية (4)، وابن القيم (5)، والصنعاني (6)، والشوكاني (7).
الأدلة:
أولا: من السنة:
1 - ما ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: ((من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة)). (8)
وجه الدلالة:
أن الفطر هنا أعم من أن يكون بأكل أو شرب فيشمل الجماع.
2 - الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع في بعضها ((هلكت))، وفي بعضها ((احترقت احترقت))، وهذا لا يكون إلا في عامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع.
ثانيا: القياس
القياس على الأكل والشرب ناسياً، فالحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر لكونهما أغلب وقوعا، ولعدم الاستغناء عنهما غالبا.
الفرع الخامس: حكم من تكرر منه الجماع في يوم واحد
من تكرر منه الجماع في يوم واحد يكفيه كفارة واحدة إذا لم يكفر، بلا خلافٍ بين أهل العلم (9)؛ وذلك لأنه أبطل صيام يوم واحد ولم يكفر فتتداخل الكفارات لأن الموجب لها واحد.
- أما إذا تكرر منه الجماع في يوم واحد وكفر عن الأول فلا تلزمه كفارة ثانية، عند الجمهور: أبي حنيفة (10)، ومالك (11)، والشافعي (12)؛ وذلك لأنه لم يصادف صوما منعقدا، فلم يوجب شيئا، بخلاف المرة الأولى، فالجماع الثاني ورد على صوم غير صحيح، فهو لا يسمى صائما.
الفرع السادس: حكم من تكرر منه الجماع في يومين فأكثر
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 61)، (فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 338).
(2) ((الأم للشافعي)) (2/ 109)، ((المجموع للنووي)) (6/ 324)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 374).
(3) نقل ابن المنذر هذا القول عن مجاهد والحسن البصري والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (3/ 109).
(4) قال ابن تيمية (والمجامع الناسي فيه ثلاثة أقوال فى مذهب أحمد وغيره، ويذكر ثلاث روايات عنه: أحدهما: لا قضاء عليه ولا كفارة وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين والثانية: عليه القضاء بلا كفارة وهو قول مالك, والثالثة: عليه الأمران وهو المشهور عن أحمد, والأول أظهر) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 226).
(5) قال ابن القيم: (وطرده أيضا أن من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيا لم يبطل صيامه ولا إحرامه) ((إعلام الموقعين)) (2/ 54).
(6) قال الصنعاني: ( .... الحديث دليلٌ على أن من أكل أو شرب أو جامع ناسيا لصومه فإنه لا يفطره ذلك لدلالة قوله فليتم صومه على أنه صائم حقيقة). ((سبل السلام)) (2/ 160).
(7) قال الشوكاني: (واعلم أن من فعل شيئاً من المفطرات كالجماع ناسياً فله حكم من أكل أو شرب ناسياً ولا فرق بين مفطر ومفطر) ((السيل الجرار)) (1/ 285).
(8) رواه الحاكم (1/ 595)، والبيهقي (4/ 229) (8330). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 324): إسناده صحيح أو حسن، وقال ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (13/ 220): له متابعة، وحسن إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 87).
(9) قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا على أن من وطئ في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة) ((التمهيد)) (7/ 181). قال ابن قدامة: (فإن كان في يوم واحد [يعني الجماع ثانيا قبل التكفير عن الأول] فكفارة واحدة تجزئه بغير خلاف بين أهل العلم) ((المغني)) (3/ 32).
(10) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 69)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 101).
(11) ((المدونة)) (1/ 285)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 519).
(12) ((الأم للشافعي)) (2/ 108)، ((المجموع للنووي)) (6/ 336، 337).


إن تكرر منه الجماع في يومين فأكثر فتلزمه كفارة لكل يوم جامع فيه سواء كفر عن الجماع الأول أم لا، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو قولٌ لجمعٍ من السلف (4)؛ وذلك لأن صوم كل يوم عبادة منفردة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده، لم تتداخل كفاراتها.
الفرع السابع: حكم صوم من وطئ في الدبر
من وطئ في الدبر أفطر وعليه القضاء والكفارة وإليه ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (5)، واالمالكية (6) والشافعية (7) والحنابلة (8)، لأنه وطء؛ فأفسد صوم رمضان وأوجب الكفارة؛ ولأنه يوجب الحد كالجماع , فكذلك يفسد الصوم ويوجب الكفارة؛ ولأنه محل مشتهى, فتجب فيه الكفارة كالوطء في القبل.
الفرع الثامن: حكم من جامع في قضاء رمضان عامداً
من جامع في قضاء رمضان عامداً فلا كفارة عليه، وقد ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم (9)؛ وذلك لانعدام حرمة الشهر؛ ولأن النص بوجوب الكفارة ورد فيمن جامع في نهار رمضان فلا يتعداه.
_________
(1) ((المدونة)) (1/ 285)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (7/ 181).
(2) ((الأم للشافعي)) (2/ 108)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 444).
(3) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 326).
(4) نقل ابن المنذر هذا القول عن: مالك, والليث بن سعد, والشافعي, وأبي ثور, وعطاء, ومكحول ((الإشراف)) (2/ 124).
(5) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 73)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 338).
(6) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 342)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 343).
(7) ((الأم للشافعي)) (2/ 101)، ((المجموع للنووي)) (6/ 341).
(8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 221)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 323).
(9) ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 124). قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا على أن المجامع في قضاء رمضان عامدا لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده) ((التمهيد)) (7/ 181). قال النووي: (لو جامع في صوم غير رمضان من قضاء أو نذر أو غيرهما فلا كفارة كما سبق، وبه قال الجمهور) ((المجموع)) (6/ 345).


المبحث الثالث: بعض المسائل المعاصرة وما يفسد الصوم منها وما لا يفسده
• المطلب الأول: الغسيل الكلوي.
• المطلب الثاني: بخَّاخ الربو.
• المطلب الثالث: الأقراص التي توضع تحت اللسان.
• المطلب الرابع: غاز الأكسجين.
• المطلب الخامس: الإبر العلاجية.
• المطلب السادس: التحاميل (اللبوس).
• المطلب السابع: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة.
• المطلب الثامن: التقطير في فرج المرأة والتحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة وغير ذلك.


المطلب الأول: الغسيل الكلوي
من أجري له غسيل كلوي بأي وسيلة كانت فإنه يفطر بذلك، وهذا قول ابن باز (1)، واللجنة الدائمة (2)؛ وذلك لأن غسيل الكلى مهما كانت صورته فإنه لا يخلو من دخول المفطر، فهو يزود الجسم بالدم النقي, وقد يزود بمادة غذائية أخرى, فاجتمع مفطران تزويد الجسم بالدم النقي، وتزويده بالمواد المغذية.
_________
(1) سُئِلَ ابن باز: ما حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم، هل يلزمه القضاء أم لا؟ فأجاب: (يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي، فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطر آخر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 274 - 275).
(2) وذلك بتوقيع كل من ابن باز، وعبد الرزاق عفيفي، وعبد الله بن غديان ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (10/ 189).


المطلب الثاني: بخَّاخ الربو
استعمال بخاخ الربو في نهار رمضان لا يفسد الصوم، وقد رجح ذلك ابن باز (1)، وابن عثيمين (2)، وغيرهما، وذهب إليه أكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (سنة 1997م) (3)
وذلك للآتي:
- أن الرذاذ الذي ينفثه بخاخ الربو عبارة عن هواء، حدوده الرئتان ومهمته توسيع شرايينها وشعبها الهوائية التي تضيق بالربو وهذا الرذاذ الأصل أنه لا يصل إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً ولا هو في معناهما. - ولأنه لو دخل شيء من بخاخ الربو إلى المريء ومن ثم إلى المعدة فهو قليل جداً، فالعبوة الصغيرة تشتمل على 10 مليلتر من الدواء السائل وهذه الكمية وضعت لمائتي بخة فالبخة الواحدة تستغرق نصف عشر مليلتر وهذا شيء يسير جدًّا.
- ولأنه لما أبيح للصائم المضمضة والاستنشاق مع بقاء شيء من أثر الماء يدخل المعدة مع بلع الريق فكذلك لا يضر الداخل إلى المعدة من بخاخ الربو قياساً على المتبقي من المضمضة.
- وبالقياس على استعمال السواك، فقد ذكر الأطباء أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري معلقاً، ووصله عبد الرزاق عن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي))، فإذا كان قد عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته.
- كما أن دخول شيءٍ إلى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعيًّا، بل مشكوك فيه، أي قد يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصيام وهو اليقين، فلا يزول بالشك.
_________
(1) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 265).
(2) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 209، 210).
(3) ثبت كامل لأعمال ندوة رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة المنعقدة في الدار البيضاء (ص 639) ((من مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية)).


المطلب الثالث: الأقراص التي توضع تحت اللسان
الفرع الأول: التعريف بالأقراص التي توضع تحت اللسان
هي أقراص توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، وهي تمتص مباشرة بعد وضعها بوقت قصير، ويحملها الدم إلى القلب، فتوقف أزماته المفاجئة، ولا يدخل إلى الجوف شيء من هذه الأقراص.
الفرع الثاني: حكم الأقراص التي توضع تحت اللسان
تناول هذه الأقراص لا يفسد الصوم بشرط ألا يبتلع شيئاً مما يتحلل منها، وهذا ما ذهب إليه ابن باز (1)، وقرره مجمع الفقه الإسلامي بالإجماع (2).
وذلك للآتي:
- أنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما.
- ولأنه لا يدخل منها شيء إلى الجوف إنما تقوم الأوعية الدموية الموجودة تحت اللسان بامتصاص المادة الدوائية، وقد أجمع أهل العلم على عدم الفطر بما نفذ من المسام (3)، ولا فرق بين أن تكون المسام خارج الفم أو داخله.
- كما أن الأصل صحة الصيام ولا يحكم بفساده إلا بيقين.
_________
(1) سُئل ابن باز عن استعمال الحبة تحت اللسان لأمراض القلب حيث إن المريض يستطيع أن يصوم بنصيحة الطبيب ولكن ربما قبل الافطار بدقائق يحصل له آلام في القلب فيأخذ الحبة تحت اللسان لتريحه من الألم. فأجاب: (الحبة تحت اللسان تفطر لأنه يذهب طعمها للحلق عمدا (((الفتاوى الشرعية على المشكل من المسائل الطبية) (ص 54 - 55).
(2) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).
(3) ((الذخيرة)) للقرافي (2/ 505).


المطلب الرابع: غاز الأكسجين
استعمال غاز الأكسجين في التنفس لا يفسد الصيام، وذهب إلى ذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة (1)؛ وذلك لأنه مجرد غاز يدخل إلى الجهاز التنفسي ولا يقول أحد إن تنفس الهواء أو استنشاقه يفسد الصوم. ولأنه لا يحتوي على أي مواد مغذية أو غيرها ولا ينال المعدة من سيولته شيء.
_________
(1) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... 9.غاز الأكسجين) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).


المطلب الخامس: الإبر العلاجية
الفرع الأول: الإبرة العلاجية غير المغذية
استعمال الحقنة غير المغذية لا يفسد الصوم سواء كانت الحقنة في العضل أو الوريد أو تحت الجلد، وقد ذهب إلى ذلك ابن باز (1)، وابن عثيمين (2)، وغيرهما، وهو من قرارات المجمع الفقهي (3)، وفتاوى اللجنة الدائمة (4)، وفتاوى قطاع الإفتاء بالكويت (5). وذلك للآتي:
- أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده.
- ولأن هذه الإبرة ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، وعلى هذا فينتفي عنها أن تكون في حكم الأكل والشرب.
الفرع الثاني: الإبرة الوريدية المغذية
استعمال الحقن الوريدية المغذية يفسد الصيام، وهو قول ابن باز (6) وابن عثيمين (7)، وهو من قرارات المجمع الفقهي (8)، وفتاوى اللجنة الدائمة (9)؛ وذلك لأن الإبر المغذية في معنى الأكل والشرب، فإن المتناول لها يستغني بها عن الأكل والشرب.
_________
(1) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 258).
(2) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 213).
(3) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).
(4) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى)) (10/ 252).
(5) ((مجموعة الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث بالكويت)) (1/ 244، 245).
(6) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 258).
(7) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (19/ 191).
(8) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).
(9) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (10/ 252).


المطلب السادس: التحاميل (اللبوس)
استعمال التحاميل (اللبوس) في نهار رمضان لا يفسد الصوم، وهو مقتضى مذهب أهل الظاهر (1)، وجماعة من المالكية (2)، وإليه ذهب ابن عثيمين (3)، وأكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (4).
وذلك للآتي:
- أنها ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرم علينا الأكل والشرب ولا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب.
- ولأن التحاميل تحتوي على مادة دوائية، وليس فيها سوائل نافذة إلى الجوف، وقدرة الأمعاء على امتصاصها ضعيفة جدا.
_________
(1) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 203).
(2) ((الذخيرة)) (2/ 505)، ((مواهب الجليل)) (3/ 346).
(3) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 205).
(4) ثبت كامل لأعمال ندوة رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة المنعقدة في الدار البيضاء 1/ 639.


المطلب السابع: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة
إذا أدخل الصائم في إحليله مائعاً أو دهناً فإنه لا يفطر، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والحنابلة (3)
ولا يفطر كذلك إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة، وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (4)
وذلك للآتي: - أنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ فقد ظهر من خلال علم التشريح عدم وجود علاقة مطلقاً بين مسالك البول والجهاز الهضمي، وأن الجسم لا يمكن أن يتغذى مطلقاً بما يدخل إلى مسالك البول.
- كما أن الأصل صحة الصيام.
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، جاء في ((الفتاوى الهندية)) مانصه: (وإذا أقطر في إحليله لا يفسد صومه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى كذا في المحيط سواء أقطر فيه الماء أو الدهن وهذا الاختلاف فيما إذا وصل المثانة وأما إذا لم يصل بأن كان في قصبة الذكر بعد لا يفطر بالإجماع كذا في التبيين، وفي الإقطار في أقبال النساء يفسد بلا خلاف) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 204).
(2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 533).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 19)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 217).
(4) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... ما يدخل الإحليل أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).


المطلب الثامن: التقطير في فرج المرأة والتحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة وغير ذلك
التقطير في فرج المرأة غير مفسد للصيام، وكذلك التحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة, وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (1)
فقد أثبت الطب الحديث أنه لا منفذ بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين الجهاز الهضمي.
_________
(1) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... 3. ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس)، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).


الفصل الثاني: ما يكره للصائم وما يباح له
• المبحث الأول: ما يكره للصائم.
• المبحث الثاني: ما يباح للصائم.


المبحث الأول: ما يكره للصائم
• المطلب الأول: المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
• المطلب الثاني: الوصال.
• المطلب الثالث: ذوق الطعام بغير حاجة.
• المطلب الرابع: القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك.


المطلب الأول: المبالغة في المضمضة والاستنشاق
تكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم (1) (2)، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (3).
الدليل:
عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: ((قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)) (4).
_________
(1) قال ابن عثيمين: (المبالغة في المضمضة: أن تحرك الماء بقوة وتجعله يصل كل الفم، والمبالغة في الاستنشاق: أن يجذبه بنفس قوي) ((الشرح الممتع)) (1/ 171).
(2) وذلك لأنها قد تؤدي إلى ابتلاع الماء ونزوله من الأنف إلى المعدة. قال ابن قدامة: (معنى المبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا، وذلك سنة مستحبة في الوضوء إلا أن يكون صائما فلا يستحب لا نعلم في ذلك خلافا) ((المغني)) (1/ 74).
(3) قال ابن قدامة: (معنى المبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا، وذلك سنة مستحبة في الوضوء إلا أن يكون صائما فلا يستحب لا نعلم في ذلك خلافا) ((المغني)) (1/ 74).
(4) رواه أحمد (4/ 32) (16427)، وأبو داود (2366)، والترمذي (788)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (333)، وابن حبان (3/ 368) (1087)، والحاكم (1/ 248). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: له شاهد، وصححه ابن قدامة في ((المغني)) (4/ 356)، والنووي في ((شرح صحيح مسلم)) (3/ 105) وابن القطان قي ((الوهم والإيهام)) (5/ 592) وابن حجر في ((الإصابة)) (3/ 329) وغيرهم.


المطلب الثاني: الوصال
يكره الوصال (1) في الصوم عند أكثر أهل العلم (2)، وهو مذهب الحنفية (3)، والمالكية (4)، والحنابلة (5)، ووجه عند الشافعية (6)،.
الدليل:
عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تواصلوا فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله. قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني)). أخرجه البخاري (7)
فالنهي في الحديث محمولٌ على الكراهة؛ لأن النهي وقع رفقاً ورحمة وشفقة على الأمة كيلا يشق عليهم، ولهذا واصل النبي صلى الله عليه وسلم.
_________
(1) الوصال هو أن يواصل الصائم بين يومين فلا يأكل بينهما شيئاً.
(2) قال ابن قدامة: (وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 55). وقال القرطبي: (وعلى كراهية الوصال جمهور العلماء) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 329).
(3) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 350).
(4) ((الشرح الكبير للدردير)) (2/ 213).
(5) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 247).
(6) اختلف الشافعية في كراهة الوصال هل هي كراهة تحريم أم كراهة تنزيه؟ قال النووي: (أما حكم الوصال فهو مكروه بلا خلاف عندنا، وهل هي كراهة تحريم أم تنزيه فيه وجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران ودليلهما في الكتاب أصحهما عند أصحابنا وهو ظاهر نص الشافعي كراهة تحريم) ((المجموع)) (6/ 374)، وانظر: ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 471).
(7) رواه البخاري (1963).


المطلب الثالث: ذوق الطعام بغير حاجة
يكره ذوق الطعام بغير حاجة (1)، وهذا مذهب جمهور أهل العلم: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
وذلك لأنه ربما ينزل شيء من هذا الطعام إلى جوفه من غير أن يشعر به، فيكون في ذوقه لهذا الطعام تعريض لفساد الصوم، وأيضاً ربما يكون مشتهياً للطعام كثيراً، فيتذوقه لأجل أن يتلذذ به، وربما يمتصه بقوة، ثم ينزل إلى جوفه (6).
_________
(1) قال ابن تيمية: (وذوق الطعام يكره لغير حاجة؛ لكن لا يفطره، وأما للحاجة فهو كالمضمضة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266 - 267).
(2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 106).
(3) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 517).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 369).
(5) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 231).
(6) قال ابن عثيمين أيضا: (لا يبطل الصوم ذوق الطعام إذا لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة إليه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 357).


المطلب الرابع: القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك
تكره القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك، ويخشى على نفسه من الوقوع في الحرام، سواء بالجماع في نهار رمضان، أو بالإنزال (1)، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5) (6).
الأدلة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخص له. وأتاه آخر فسأله، فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب)) (7).
فالشاب أكثر عرضةً من الشيخ لأن يفسد صومه، بسبب قوة شهوته.
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه)). أخرجه مسلم (8).
قولها: ((أملككم لإربه)) يعني: أملك لنفسه ولشهوته.
_________
(1) قال ابن باز: (تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم كل ذلك جائز ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 315).
(2) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 324).
(3) ((المدونة الكبرى)) (1/ 268)، ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 346).
(4) على اختلاف بينهم، هل هي كراهة تحريم أم تنزيه ((المجموع للنووي)) (6/ 370).
(5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 20).
(6) قال ابن عبدالبر: (وممن كره القبلة للصائم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير) ((التمهيد)) (5/ 110).
(7) رواه أبو داود (2387)، والبيهقي (4/ 231) (8339). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 354): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 327) كما قال في المقدمة، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح.
(8) رواه مسلم (1106).


المطلب الأول: تأخير الجنب والحائض إذا طهرت الاغتسال إلى طلوع الفجر
الفرع الأول: تأخير الجنب الاغتسال إلى طلوع الفجر
يباح للجنب أن يؤخر الاغتسال من الجنابة إلى طلوع الفجر.
الأدلة:
أولا: من السنة:
عن عائشة وأم سلمة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم)). أخرجه البخاري ومسلم (1).
ثانيا: الإجماع:
انعقد الإجماع على ذلك وممن نقله الماوردي (2)، وابن العربي (3)، وابن قدامة (4)، وابن حجر (5)
الفرع الثاني: تأخير الحائض الاغتسال إلى طلوع الفجر
يباح للحائض إذا طهرت أن تؤخر الاغتسال من الحيض إلى طلوع الفجر (6)، وهذا قول عامة أهل العلم (7).
الدليل:
القياس:
قياساً على الجنب إذا أخر اغتساله إلى طلوع الفجر.
_________
(1) رواه البخاري (1925، 1926)، ومسلم (1109).
(2) قال الماوردي: (أما من يصبح جنباً من احتلام، حكم صيامه فهو على صومه إجماعاً، وكذلك لو احتلم نهارا حكم صيامه كان على صومه باتفاق العلماء، فأما من أصبح جنباً من جماع كان في الليل حكم صيامه، فعند جماعة الفقهاء أنه على صومه يغتسل ويجزئه) ((الحاوي الكبير)) (3/ 414).
(3) قال ابن العربي: (إذا جوزنا له الوطء قبل الفجر ففي ذلك دليل على جواز طلوع الفجر عليه، وهو جنب; وذلك جائز إجماعاً; وقد كان وقع فيه بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كلام، ثم استقر الأمر على أنه من أصبح جنباً فإن صومه صحيح) ((أحكام القرآن)) (1/ 134).
(4) قال ابن قدامة: (أن الجنب له أن يؤخر الغسل حتى يصبح ثم يغتسل ويتم صومه في قول عامة أهل العلم منهم علي وابن مسعود وزيد وأبو الدرداء وأبو ذر وابن عمر وابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال مالك والشافعي في أهل الحجاز وأبو حنيفة والثوري في أهل العراق والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث وداد في أهل الظاهر وكان أبو هريرة يقول لا صوم له ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع عنه، قال سعيد بن المسيب: رجع أبو هريرة عن فتياه. وحكي عن الحسن وسالم بن عبد الله قالا: يتم صومه ويقضي. وعن النخعي في رواية يقضي في الفرض دون التطوع. وعن عروة وطاوس إن علم بجنابته في رمضان فلم يغتسل حتى أصبح فهو مفطر وإن لم يعلم فهو صائم) ((المغني)) (3/ 78).
(5) قال ابن حجر: (فقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يحرم عليه بل يتم صومه إجماعاً، فكذلك إذا احتلم ليلاً بل هو من باب الأولى) ((فتح الباري)) (4/ 148).
(6) وذلك لأنه حدثٌ يوجب الغسل فتأخير الغسل منه إلى أن يصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة و ..... من طهرت من الحيض ليست حائضاً، وإنما عليها حدث موجب للغسل فهي كالجنب، فإن الجماع الموجب للغسل لو وجد في الصوم أفسده كالحيض وبقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب الغسل من الحيض.
(7) قال ابن قدامة: (الحكم في المرأة إذا انقطع حيضها من الليل كالحكم في الجنب سواء ويشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر لأنه إن وجد جزء منه في النهار أفسد الصوم ويشترط أن تنوي الصوم أيضاً من الليل بعد انقطاعه لأنه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، وقال الأوزاعي والحسن بن حي وعبد الملك ابن الماجشون والعنبري: تقضي فرطت في الاغتسال أو لم تفرط لأن حدث الحيض يمنع الصوم بخلاف الجنابة) ((المغني)) (3/ 36).


المطلب الثاني: المضمضة والاستنشاق
يباح للصائم المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة (1)، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على ذلك (2).
_________
(1) وذلك لأن الفم في حكم الظاهر، لا يبطل الصوم بالواصل إليه، كالأنف والعين.
(2) قال ابن تيمية: (أما المضمضة والاستنشاق فمشروعان للصائم باتفاق العلماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم، لكن قال للقيط بن صبرة: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فنهاه عن المبالغة؛ لا عن الاستنشاق) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266).


المطلب الثالث: اغتسال الصائم وتبرده بالماء
لا بأس أن يغتسل الصائمُ أو يصب الماءَ على رأسه من الحر أو العطش، وذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4).
الأدلة:
1 - عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: ((نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا، من غير احتلام، ثم يغتسل ثم يصوم)). أخرجه البخاري ومسلم (5).
2 - عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصب الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحر)) (6).
_________
(1) ((الهداية شرح البداية للميرغيناني)) (1/ 123).
(2) ((المدونة الكبرى)) (1/ 271) ((والتاج والإكليل)) (2/ 426).
(3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 461)، ((المجموع للنووي)) (6/ 361).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 36).
(5) رواه البخاري (1931، 1932)، ومسلم (1109).
(6) رواه أحمد (4/ 63) (16653)، ومالك في ((الموطأ)) (3/ 420) (1032) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 196) (3029). قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (22/ 47): صحيح، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/ 210): رجال إسناده رجال الصحيح، وصححه ابن عثيمين في ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (20/ 294).


المطلب الرابع: ذوق الطعام عند الحاجة
يباح للصائم ذوق الطعام عند الحاجة أو المصلحة كمعرفة استواء الطعام أو مقدار ملوحته أو عند شرائه لاختباره بشرط أن يمجه بعد ذلك أو يغسل فمه، أو يدلك لسانه (1)، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (2)، والشافعية (3) والحنابلة (4).
الدليل:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لا بأس أن يتطعم القدر، أو الشيء)) (5).
_________
(1) وذلك لعدم الفطر صورة ومعنى. ولأنه لم يدخل إلى حلقه شيء فأشبه المضمضة، قال ابن تيمية: (وذوق الطعام يكره لغير حاجة؛ لكن لا يفطره، وأما للحاجة فهو كالمضمضة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266 - 267).
(2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 106).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 369).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 231)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 329).
(5) أورده البخاري في صحيحه (باب اغتسال الصائم)، معلقا بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة في ((مصنفه)). (9370) بلفظ: (لا بأس أن يتطاعم الصائم من القدر)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 354) وحسن إسناده الألباني في: ((إرواء الغليل)) (4/ 86).


المطلب الخامس: القبلة والمباشرة لمن ملك نفسه
يباح للصائم القبلة والمباشرة فيما دون الفرج بشرط أن يملك نفسه، وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية (1) والشافعية (2) والحنابلة (3)، واختيار ابن عبدالبر (4)، والصنعاني (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه)). أخرجه مسلم (7).
2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: ((هششت يوما فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيم؟)) (8).
_________
(1) ((الهداية للميرغيناني)) (1/ 123).
(2) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 362).
(3) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 330).
(4) قال ابن عبدالبر: (أن القبلة للصائم جائزة في رمضان وغيره شابا كان أو شيخا) ((التمهيد)) (5/ 109). وقال أيضاً: (وقد أجمع العلماء على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها، وإنما كرهها خشية ما تحمل إليه من الإنزال، وأقل ذلك المذي، ولم يختلفوا في أن من قبل وسلم من قليل ذلك وكثيره فلا شيء عليه، وممن قال بإباحة القبلة للصائم: عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وابن عباس، وعائشة، وبه قال: عطاء، والشعبي، والحسن، وهو قول أحمد، وإسحاق، وداود) ((التمهيد)) (5/ 112).
(5) قال الصنعاني: (وقد ظهر مما عرفت أن الإباحة أقوى الأقوال) ((سبل السلام)) (2/ 158).
(6) قال ابن عثيمين: (وهو الذي إذا قبَّل تحركت شهوته لكن يأمن على نفسه، فالصحيح أن القبلة لا تُكْرَهُ له وأنه لا بأس بها) ((الشرح الممتع)) (6/ 427).
(7) رواه مسلم (1106).
(8) رواه أحمد (1/ 21) (138)، وأبو داود (2385)، والدارمي (2/ 22) (1724)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 198) (3048)، وابن حبان (8/ 313) (3544)، والحاكم (1/ 596). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 89)، وعبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (387) - كما أشار في المقدمة-: صحيح الإسناد، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 321): إسناده صحيح على شرط مسلم.


المطلب السادس: التطيب وشم الروائح
يباح للصائم التطيب وشم الروائح إذا لم تكن بخوراً أو دخاناً له جرم (1)، وهو قول الحنفية (2)، واختيار ابن تيمية (3)، وابن باز (4)، وابن عثيمين (5)؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل بمنعه يعتمد عليه.
_________
(1) قال ابن باز: (لا يستنشق العود، أما أنواع الطيب غير البخور فلا بأس بها، لكن العود نفسه لا يستنشقه؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن العود يفطر الصائم إذا استنشقه؛ لأنه يذهب إلى المخ والدماغ، وله سريان قوي، أما شمه من غير قصد فلا يفطره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 266). وقال ابن عثيمين: (شم الصائم للطيب لا بأس به، سواء كان دهناً أو بخوراً، لكن إذا كان بخوراً لا يستنشق دخانه، لأن الدخان له جرم ينفذ إلى الجوف، فهو جسم يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء وشبهه، وأما مجرد شمه بدون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه فلا بأس به) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 223).
(2) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 417).
(3) قال ابن تيمية: (لما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادهانه وكذلك اكتحاله) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 242).
(4) قال ابن باز: (لا يستنشق العود، أما أنواع الطيب غير البخور فلا بأس بها، لكن العود نفسه لا يستنشقه؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن العود يفطر الصائم إذا استنشقه؛ لأنه يذهب إلى المخ والدماغ، وله سريان قوي، أما شمه من غير قصد فلا يفطره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 266).
(5) قال ابن عثيمين: (شم الصائم للطيب لا بأس به، سواء كان دهناً أو بخوراً، لكن إذا كان بخوراً لا يستنشق دخانه، لأن الدخان له جرم ينفذ إلى الجوف، فهو جسم يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء وشبهه، وأما مجرد شمه بدون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه فلا بأس به) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 223).


المطلب السابع: استعمال السواك ومعجون الأسنان ونحوهما
الفرع الأول: حكم استعمال الصائم للسواك
يباح للصائم استعمال السواك في أي وقت، سواء كان قبل الزوال أو بعد الزوال، وذهب إلى ذلك الحنفية (1)، وجمعٌ من أهل العلم (2)، وهو اختيار ابن تيمية (3)، وابن القيم (4)، والشوكاني (5)، وابن باز (6)، والألباني (7)، وابن عثيمين (8)
الدليل:
عموم الأحاديث الواردة في استحباب السواك، ولم يخص فيها الصائم من غيره.
الفرع الثاني: حكم استعمال الصائم معجونَ الأسنان
يجوز أن يستعمل الصائم معجون الأسنان، لكن ينبغي الحذر من نفاذه إلى الحلق؛
وهو قول ابن باز (9)، وابن عثيمين (10)، وذهب إلى هذا مجمع الفقه الإسلامي (11).
_________
(1) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 302).
(2) قال ابن عبدالبر: (اختلف الفقهاء في السواك للصائم فرخص فيه مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وابن علية وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير ورويت الرخصة فيه عن عمر وابن عباس وليس عن واحد منهم فرق بين أول النهار وآخره ولا بين السواك الرطب واليابس) ((التمهيد)) (19/ 58).
(3) قال ابن تيمية: (وأما السواك فجائز بلا نزاع، لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد. ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك وقياسه على دم الشهيد ونحوه ضعيف من وجوه) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266).
(4) قال ابن القيم: (ويُستَحب للمفطر والصائم فى كل وقت؛ لعموم الأحاديث فيه؛ ولحاجة الصائم إليه؛ ولأنه مرضاةٌ للرَّبِّ، ومرضاتُه مطلوبة في الصوم أشدَّ من طلبِها في الفِطر؛ ولأنه مَطْهَرَةٌ للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله) ((زاد المعاد)) (4/ 323).
(5) قال الشوكاني: (فالحق أنه يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره وهو مذهب جمهور الأئمة) ((نيل الأوطار)) (1/ 108).
(6) قال ابن باز: (يشرع استعمال السواك للصائم في أول النهار وآخره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 261).
(7) قال الألباني - في تعليقه على حديث ((كان يستاك آخر النهار وهو صائم)) - قال: باطل ..... ويغني عن هذا الحديث في مشروعية السواك للصائم في أي وقت شاء أول النهار أو آخره، عموم قوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (1/ 578).
(8) قال ابن عثيمين: (وأما التسوك فهو سنة للصائم كغيره في أول النهار وآخره) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 228).
(9) قال ابن باز: (تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 260).
(10) قال ابن عثيمين: (استعمال المعجون للصائم لا بأس به إذا لم ينزل إلى معدته، ولكن الأولى عدم استعماله، لأن له نفوذاً قويًّا قد ينفذ إلى المعدة والإنسان لا يشعر به، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقيط بن صبرة: بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً، فالأولى ألا يستعمل الصائم المعجون، والأمر واسع، فإذا أخره حتى أفطر فيكون قد توقى ما يُخشى أن يكون به فساد الصوم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 354).
(11) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).


المطلب الثامن: الاكتحال
يباح للصائم الاكتحال، وهو قول الحنفية (1)، والشافعية (2)، وهو اختيار ابن تيمية (3)، والشوكاني (4)، وابن عثيمين (5)، والألباني (6).
وذلك لأن العين ليست منفذاً للجوف، ولو لطَّخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذاً فكذلك إذا اكتحل في عينه، فالعين ليست منفذاً.
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 331).
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 348).
(3) قال ابن تيمية: (وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير ومنهم من لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 233 - 234).
(4) قال الشوكاني - بعد أن نقل أن الجمهور على جواز الاكتحال للصائم -: (والظاهر ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن البراءة الأصلية لا تنتقل عنها إلا بدليل وليس في الباب ما يصلح للنقل) ((نيل الأوطار)) (4/ 205 - 206).
(5) قال ابن عثيمين: (وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 206).
(6) قال الألباني: (ومنه يتبين أن الصواب أن الكحل لا يفطر الصائم، فهو بالنسبة إليه كالسواك يجوز أن يتعاطاه في أي وقت شاء) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (3/ 80).


المطلب التاسع: استعمال قطرة العين
يباح للصائم استعمال قطرة العين، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية (1)، والشافعية (2)، وهو اختيار ابن عثيمين (3)، وابن باز (4).
وذلك للآتي:
- أن جوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة، والقطرة الواحدة حجمها قليل جداً، وإذا ثبت ذلك فإنه يعفى عنه، فهو أقل من القدر المعفو عنه مما يبقى من المضمضة. - ولأن هذه القطرة تُمْتَصُّ جميعها أثناء مرورها في القناة الدمعية ولا تصل إلى البلعوم، وعندما تمتص هذه القطرة تذهب إلى مناطق التذوق في اللسان، فيشعر المريض بطعمها، كما قرر ذلك بعض الأطباء. - كما أن القطرة في العين لم ينص على كونها من المفطرات وليست بمعنى المنصوص عليه، ولو لطخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذاً فكذلك إذا قطر في عينه، فالعين ليست منفذاً للأكل والشرب.
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 93).
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 348) (6/ 320).
(3) قال ابن عثيمين: (وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 206).
(4) قال ابن باز: (وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 260 - 261).


المطلب العاشر: استعمال قطرة الأذن
يباح للصائم استعمال قطرة الأذن، واختاره ابن حزم (1)، وابن عثيمين (2)، وابن باز (3)؛ لأن الأذن ليست منفذاً للطعام والشراب.
_________
(1) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 203).
(2) قال ابن عثيمين: (وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 206).
(3) قال ابن باز: (وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 260 - 261).