الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الباب الثالث: من يُباح لهم الفطر
• الفصل الأول: المريض.
• الفصل الثاني: المسافر.
• الفصل الثالث: الكبير والعجوز.
• الفصل الرابع: الحامل والمرضع.
• الفصل الخامس: أسباب أخرى مبيحة للفطر.
الفصل الأول: المريض
• المبحث الأول: تعريف المرض.
• المبحث الثاني: حكم فطر المريض.
• المبحث الثالث: حد المرض الذي يبيح الفطر.
• المبحث الرابع: قضاء المريض الذي يُرجى برؤه.
• المبحث الخامس: حكم المريض الذي لا يُرجى برؤه.
• المبحث السادس: أحكام متفرقة.
المبحث الأول: تعريف
المرض
المرض: نقيض الصحة، وهو السُّقم، وذلك بخروج البدن عن حدِّ الاعتدال
والاعتياد (1).
_________
(1) ((الصحاح للجوهري)) (مادة: م ر ض)، ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: م
ر ض)، ((المصباح المنير)) (مادة: م ر ض)، ((الجامع لأحكام القرآن للقرطبي))
(5/ 216).
المبحث الثاني: حكم
فطر المريض
يباح للمريض الفطر في رمضان، وذلك في الجملة.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أخَرَ [البقرة:184].
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (1)، وابن قدامة (2)، والنووي (3).
_________
(1) قال ابن حزم: (وَاتَّفَقُوا على أن من آذاه المَرَض وضعف عَن الصَّوم
فله أن يفطر) ((مراتب الإجماع)) (ص40).
(2) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة).
((المغني)) (3/ 41).
(3) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 369).
المطلب الأول: المرض
اليسير
من مرض مرضاً لا يؤثر فيه الصوم ولا يتأذى به، مثل الزكام أو الصداع
اليسيرين، أو وجع الضرس، وما أشبه ذلك، فلا يحل له أن يفطر، ذهب إلى ذلك
عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية
(2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)؛ وذلك لأن المريض إذا لم يتأذَّ بالصوم
كان كالصحيح فيلزمه الصيام؛ ولأن المرض لما كان منه ما يضر ومنه ما لا يضر،
اُعتُبِرَت حكمته وهي ما يُخاف منه الضرر.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 97)، ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (1/
366).
(2) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 718).
(3) قال النووي: (وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة لم يجز له
الفطر بلا خلاف عندنا) ((المجموع)) (6/ 258).
(4) ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 437)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 310).
المطلب الثاني: المرض الذي يضر الصائم
ويَخاف معه الهلاك
إذا كان المرض يضر بالصائم، وخشي الهلاك بسببه، فالفطر عليه واجب، وهذا
مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، وجزم
به جماعةٌ من الحنابلة (4).
الأدلة:
1 - قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29]
وجه الدلالة:
أنَّ النهي هنا يشمل ما فيه إزهاقٌ للنفس، وما فيه ضرر؛ بدليل احتجاج عمرو
بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على تركه الاغتسال في شدة البرد لمَّا
أجنب؛ وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له.
2 - قوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
[البقرة: 195]
_________
(1) قال ابن نجيم: ( .. إذا خاف الهلاك فالإفطار واجب) ((البحر الرائق))
(2/ 303).
(2) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 718).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 257)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/
437).
(4) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 310).
المبحث الرابع: قضاء المريض الذي يُرجى
برؤه
إذا أفطر من كان به مرضٌ يُرجى بُرْؤُهُ ثم شُفي، وجب عليه قضاء ما أفطره
من أيام.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].
ففي قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وجوب القضاء
عليه إذا شُفي.
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك ابن قدامة (1)، وابن حزم (2).
_________
(1) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 34).
(2) قال ابن حزم: (واتَّفقوا أن من أفطر في سفرٍ أَو مرضٍ فعليه قضاء
أيَّام عدد ما أفطر ما لم يأْت عليه رمضان آخر). ((مراتب الإجماع)) (ص40)،
ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)).
المبحث الخامس: حكم المريض الذي لا يُرجى
برؤه
إذا أفطر من كان به مرضٌ لا يُرجى بُرْؤُهُ، كأن يكون مرضه مزمناً، فإنه
يُطعِمُ عن كل يومٍ مسكيناً، وهو قول جمهور أهل العلم (1)؛ وذلك إلحاقًا له
بالشيخ الكبير والمرأة العجوز؛ لأنه في معناهما.
_________
(1) ((المجموع للنووي)) (6/ 258).
المبحث السادس:
أحكام متفرقة
• المطلب الأول: حكم صوم المريض إذا تحامل على نفسه.
• المطلب الثاني: إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار.
المطلب الأول: حكم
صوم المريض إذا تحامل على نفسه
إذا تحامل المريض على نفسه فصام فإنه يُجزئهُ (1)، وقد حكى الإجماع على ذلك
ابن حزم (2).
_________
(1) وذلك لأن الصوم عزيمةٌ أبيح تركها رخصةً، فإذا تحمله أجزأه؛ وذلك
لصدوره من أهله في محله.
(2) قال ابن حزم: (وَاتَّفَقُوا على أَن المَرِيض إذا تحامل على نَفسه
فصَام أَنه يُجزئهُ) ((مراتب الإجماع)) (ص40)، ولم يتعقبه ابن تيمية في
((نقد مراتب الإجماع))، وخالف الظاهرية ومنهم ابن حزم الذي حكى الإجماع،
وخلافهم لا يُعتد به لأنه مسبوق بالإجماع القديم.
المطلب الثاني: إذا أصبح المريض صائماً ثم
برأ في النهار
إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار، فإنه لا يفطر ويلزمه الإتمام،
وهذا مذهب جمهور أهل العلم (1)؛ وذلك لانتفاء ما يبيح له الفطر.
_________
(1) قال الجصاص: (من علم بالشهر بعد ما أصبح أو كان مريضاً فبرأ ولم يأكل
ولم يشرب أو مسافر قدم فعليهم صومه إذ هم شاهدون للشهر) ((أحكام القرآن))
(1/ 248). وانظر ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 351)، ((مجمع الأنهر
لشيخي زاده)) (1/ 366)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 369)، ((مغني المحتاج
للخطيب الشربيني)) (1/ 437).
المبحث الأول: حكم
فطر المسافر
يباح الفطر للمسافر، وذلك في الجملة.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].
ثانياً: من السنة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
إبلٍ كانت لي أخذت، فوافقته وهو يأكل، فدعاني إلى طعامه، فقلت: إني صائم،
فقال: اُدْنُ أُخبِرُك عن ذلك، إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر
الصلاة)) (1).
ثالثاً: الإجماع:
حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (2)، والنووي (3)، وابن عبد البر (4).
_________
(1) رواه أحمد (4/ 347) (19069)، والترمذي (715) وحسنه، والنسائي (4/ 180)،
وابن ماجه (1361)، والبيهقي (3/ 154) (5695). وجوّد إسناده ابن تيمية في
((مجموعة الرسائل والمسائل)) (2/ 293)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه))
(1/ 283): جيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح.
(2) قال ابن قدامة: (للمسافر أن يفطر في رمضان وغيره, بدلالة الكتاب والسنة
والإجماع) ((المغني)) (3/ 12).
(3) قال النووي: (فالمرض والسفر مبيحان بالنص والإجماع) ((روضة الطالبين))
(2/ 369).
(4) قال ابن عبد البر: (وأجمع الفقهاء أن المسافر بالخيار إن شاء صام وإن
شاء أفطر) ((التمهيد)) (9/ 67).
المبحث الثاني: حكم
صوم المسافر
• المطلب الأول: حكم صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم.
• المطلب الثاني: حكم صوم المسافر الذي يلحقه بالصوم مشقةٌ.
• المطلب الثالث: حكم صوم المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه.
المطلب الأول: حكم
صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم
إذا لم يشق الصوم على المسافر، واستوى عنده الصوم والفطر، فاختلف أهل العلم
في أيِّهما أفضل: الصوم أو الفطر، على قولين:
القول الأول: الصوم أفضل له (1)، وهو قول الجمهور من الحنفية (2)،
والمالكية (3)، والشافعية (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
[البقرة: 184]
ثانياً: من السنة:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
في رمضان في يومٍ شديدِ الحر، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر،
وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعبد الله بن
رواحة)). أخرجه البخاري ومسلم (5).
وجه الدلالة:
فعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيث صام هذا اليوم وهو مسافر (6)،
وفعلُهُ عليه الصلاة والسلام هو الأفضل (7).
القول الثاني: الفطر أفضل، وهو مذهب الحنابلة (8)، وطائفةٍ من السلف (9)،
وهو قول ابن تيمية (10)، وابن باز (11).
الدليل:
عموم ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حيث قال: ((كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّلَ عليه، فقال: ما
هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر)). أخرجه البخاري
ومسلم (12)
_________
(1) وذلك لأن الصوم أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر. كما أن الصوم
أسهل على المكلف غالباً؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف
الصوم بعد ذلك، كما هو مجرَّبٌ ومعروف. ولأن الصوم عزيمةٌ والفطر رخصةٌ،
ولا شك أن العزيمة أفضل.
(2) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 304).
(3) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 337)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/
718).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 261)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 370).
(5) رواه البخاري (1945)، ومسلم (1122).
(6) كان هذا في السفر، كما أشار إليه ابن حجر، وقال: (وفي الحديث دليلٌ على
أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوي عليه ولم يصبه منه مشقةٌ شديدة)
((فتح الباري)) (4/ 182)
(7) قال شهاب الدين الشلبي: ( .. فعُلِمَ أن الصوم أفضل؛ لأنه اختيار رسول
الله صلى الله عليه وسلم) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 333).
(8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 204)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 311).
(9) قال ابن عبد البر: (وروي عن ابن عمر وابن عباس الرخصة أفضل وبه قال
سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد
بن حنبل وإسحاق بن راهويه كل هؤلاء يقولون أن الفطر أفضل؛ لقول الله عز وجل
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)
*البقرة:185* ((التمهيد)) (2/ 171).
(10) قال ابن تيمية: (والصحيح أن الفطر أفضل إلا لمصلحةٍ راجحة) ((مجموع
الفتاوى)) (22/ 336).
(11) قال ابن باز: (الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقاً، ومن صام فلا حرج
عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 237). وقال أيضا: (المسافر مخيرٌ بين
الصوم والفطر، وظاهر الأدلة الشرعية أن الفطر أفضل ولا سيما إذا شق عليه
الصوم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 236). وقال: (والفطر في السفر سنةٌ
كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولكن إذا علم
المسلم بأن فطره في السفر سيثقل عليه القضاء فيما بعد، ويكلفه في المستقبل،
ويخشى أن يشق عليه فصام ملاحظةً لهذا المعنى فذلك خير) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (15/ 235 - 236).
(12) رواه البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115).
المطلب الثاني: حكم
صوم المسافر الذي يلحقه بالصوم مشقةٌ
إذا شقَّ الصوم على المسافر، بحيث يكون الفطر أرفق به، فالفطر في حقه أفضل؛
وذلك لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزَّ
وجل.
وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)،
والحنابلة (4).
_________
(1) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 333).
(2) ((الفواكه الدواني)) (2/ 719).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 261).
(4) وذلك وفقاً لاستحبابهم الفطر لمن خاف إصابته بمرضٍ لأجل عطشٍ أو غيره.
انظر ((المغني لابن قدامة)). (3/ 43)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 311).
المطلب الثالث: حكم
صوم المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه
إذا خاف المسافر الهلاك بصومه، فإنه يجب عليه الفطر.
وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3).
الدليل:
عموم قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29]
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 95–96)، قال الطحطاوي: (ما فيه خوف
الهلاك بسبب الصوم فالإفطار في مثله واجب) ((حاشية الطحطاوي)) (ص452).
(2) وذلك تبعاً لحكمهم العام على مثل هذه الأحوال، قال الدردير: ((ووجب)
الفطر لمريض وصحيح (إن خاف) على نفسه بصومه (هلاكاً أو شديد أذى) كتعطيل
منفعة من سمع أو بصر أو غيرهما لوجوب حفظ النفس) ((الشرح الكبير للدردير))
(1/ 535).
(3) وذلك تبعاً لحكمهم العام على مثل هذه الأحوال، قال النووي: (قال
أصحابنا وغيرهم من غلبه الجوع والعطش فخاف الهلاك لزمه الفطر وإن كان
صحيحاً مقيماً؛ لقوله تعالى وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ... وقوله
تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ويلزمه القضاء
كالمريض والله أعلم) ((المجموع للنووي)) (6/ 258).
المبحث الثالث:
المسافة التي يباح فيها الإفطار
يجوز الفطر للمسافر إذا بلغ سفره مسافة القصر (1)، وهو قول جمهور أهل العلم
من المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)؛ وذلك لأن مسافة القصر
المذكورة تعتبر سفراً عرفاً، بخلاف ما دونها.
_________
(1) تقدر مسافة القصر بمسيرة يومين قاصدين للإبل، وهي مسافة ستة عشر
فرسخًا، ومقدارها بالكيلو، واحد وثمانون كيلو وثلاثمائة وسبعة عشر متراً
بالتقريب لا بالتحديد.
(2) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (2/ 234).
(3) ((المجموع للنووي)) (4/ 261).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (2/ 233) (3/ 204).
المبحث الرابع: متى
يفطر المسافر
لا يباح للمسافر الفطر حتى يجاوز البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها،
وهو قول عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)،
والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، ورجحه ابن المنذر (5)، بل
حكى ابنُ المنذر الإجماع في ذلك عن كل من يحفظه من أهل العلم (6)، كما حكى
ابن عبد البر إجماع الفقهاء على ذلك (7).
الدليل:
قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].
وجه الدلالة:
أن المسافر الذي لم يجاوز البيوت شاهد، ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من
البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين؛ ولذلك لا يقصر الصلاة.
_________
(1) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 209).
(2) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (2/ 234)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/
144).
(3) ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 263).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 13)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 20).
(5) ((الإشراف)) (3/ 144).
(6) ((المغني لابن قدامة)) (2/ 50).
(7) قال ابن عبد البر: (ولا خلاف بينهم - أي الفقهاء - في الذي يؤمل السفر
أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج) ((التمهيد)) (22/ 49).
المبحث الخامس:
إقامة المسافر التي يفطر فيها
إذا أقام المسافر في مكانٍ فوق أربعة أيام فلا يُباح له الفطر، وهذا مذهب
جمهور أهل العلم من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
الدليل:
عن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً)). أخرجه مسلم (4).
وجه الدلالة:
أن المهاجرين حرمت عليهم الإقامة بمكة قبل فتحها، فلما صارت دار إسلام،
تحرَّج المسلمون من الإقامة فيها؛ ليكونوا على هجرتهم، وكانوا لا يدخلونها
إلا لقضاء نسك، فلما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة فيها
ثلاثة أيام، دل ذلك على أنها في حكم السفر، وما زاد على الثلاث فهو في حكم
الإقامة.
_________
(1) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 337)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 512).
(2) ((المجموع للنووي)) (4/ 361).
(3) ((الفروع لابن مفلح)) (3/ 101)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (1/ 513).
(4) رواه مسلم (1352).
المبحث السادس: حكم صوم من سفره شِبْه دائم
يباح الفطر لمن كان سفره شِبْه دائم كسائقي الطائرات والقطارات والشاحنات
ونحوهم إذا كان له بلدٌ يأوي إليه، وهذا اختيار ابن تيمية (1) وابن عثيمين
(2).
الدليل:
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184]
وجه الدلالة:
أنَّ الله عز وجل أطلق إباحة الترخص بالسفر ولم يقيده بشيء.
_________
(1) قال ابن تيمية: (ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلدٌ يأوي إليه،
كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكري
دوابه من الجلاب وغيرهم، وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم،
وكذلك الملاح الذي له مكانٌ في البر يسكنه، فأما من كان معه في السفينة
امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافراً فهذا لا يقصر ولا يفطر. وأهل
البادية: كأعراب العرب والأكراد والترك وغيرهم الذين يشتون في مكانٍ
ويصيفون في مكانٍ إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ومن المصيف
إلى المشتى، فإنهم يقصرون. وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم لم يفطروا ولم
يقصروا، وإن كانوا يتتبعون المراعي، والله أعلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/
213).
(2) قال ابن عثيمين: (يجوز له أن يفطر في هذه الحال ولو كان دائماً يسافر
في هذه السيارة؛ لأنه مادام له مكانٌ يأوي إليه وأهلٌ يأوي إليهم، فهو إذا
فارق هذا المكان وأولئك الأهل فهو مسافر، وعلى هذا فيجوز له أن يفعل ما
يفعله المسافرون، فإن الله تعالى قد أطلق في الآية فقال: أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن
تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ولم يقيده بشيء، فما
أطلقه الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه يجب
العمل بمطلقه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 141).
المبحث السابع:
أحكام متفرقة
المطلب الأول: قضاء المسافر الأيام التي أفطرها
إذا أفطر المسافر وجب عليه قضاء ما أفطره من أيام، وقد حكى الإجماع على ذلك
ابن حزم (1).
الدليل:
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]
في قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وجوب القضاء
عليه إذا أفطر.
المطلب الثاني: حكم فطر المسافر إذا دخل عليه شهرُ رمضان في سفره
إذا دخل على المسافر شهرُ رمضان وهو في سفره فله الفطر، وقد حكى الإجماع
على ذلك ابن قدامة (2).
المطلب الثالث: إذا سافر أثناء الشهر ليلاً
إذا سافر أثناء الشهر ليلاً، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما
بعدها (3)، في قول عامة أهل العلم (4).
الدليل:
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أيَّام أُخَرَ [البقرة:184]
المطلب الرابع: حكم فطر المسافر إذا سافر أثناء نهار رمضان
إذا سافر أثناء نهار رمضان فله أن يفطر، وهو مذهب الشافعية (5) والحنابلة
(6)، وهو قول طائفة من السلف (7)، واختاره ابن المنذر (8) وابن حجر (9)،
وابن عثيمين (10).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: وَمَن كَانَ مرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185]
وجه الدلالة:
1 - أن من كان مريضاً أو على سفر فأفطر، فعدةٌ من أيام أخر، وهذا قد صار
على سفر فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر فيفطر.
2 - كما أن السفر أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما، فكما
يبيح المرض الفطر أثناء النهار، فكذلك السفر.
ثانياً: من السنة:
عن عبيد بن جبر قال: ((كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه
وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه، فلم يجاوز البيوت حتى
دعا بالسفرة قال: اقترب. قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال جعفر - أحد رواة هذا الحديث -: فأكل))
(11).
المطلب الخامس: حكم إمساك بقية اليوم إذا قدم المسافر أثناء النهار مفطرًا
_________
(1) قال ابن حزم: (واتفقوا أن من أفطر في سفرٍ أو مرضٍ فعليه قضاء أيَّام
عدد ما أفطر ما لم يأتِ عليه رمضان آخر) ((مراتب الإجماع)) (ص40)، ولم
يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)).
(2) قال ابن قدامة: (فلا نعلم بين أهل العلم خلافًا في إباحة الفطر له - أي
من دخل عليه شهر رمضان في السفر-) ((المغني)) (3/ 12).
(3) وذلك لأنه مسافر فأبيح له الفطر كما لو سافر قبل الشهر، والآية تناولت
الأمر بالصوم لمن شهد الشهر كله، وهذا لم يشهده كله.
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 12).
(5) ((المجموع للنووي)) (6/ 261).
(6) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 205).
(7) قال ابن قدامة: (وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن
المنذر) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 13)
(8) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 13).
(9) قال ابن حجر: (للمرء أن يفطر ولو نوى الصيام من الليل وأصبح صائماً فله
أن يفطر في أثناء النهار وهو قول الجمهور وقطع به أكثر الشافعية) ((فتح
الباري)) (4/ 181).
(10) قال ابن عثيمين: (والصحيح أن له أن يفطر إذا سافر في أثناء اليوم)
((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 346).
(11) رواه أحمد (6/ 398) (27275)، وأبو داود (2412)، والبيهقي (4/ 246)
(8437). والحديث سكت عنه أبو داود، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (6/
245)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/ 229): رجال إسناده ثقات، وصححه
الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
إذا قدم المسافر أثناء النهار مفطراً، فقد
اختلف أهل العلم هل عليه إمساك بقية اليوم أم لا؟ على قولين:
القول الأول: لا يجب عليه إمساك بقية النهار، وهو قول المالكية (1)،
والشافعية (2)، وذلك لأنه أبيح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً،
فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر.
ولكن لا يُعلِن أكله ولا شربه لخفاء سبب الفطر كيلا يُساء به الظن أو
يُقتدَى به (3).
وذلك لأنه لا دليل على وجوب الإمساك.
كما أنه لا يستفيد من هذا الإمساك شيئاً لوجوب القضاء عليه.
ولأن حرمة الزمن قد زالت بفطره المباح له أول النهار ظاهراً وباطناً.
القول الثاني: يلزمه الإمساك، وهو قول الحنفية (4)، والحنابلة (5)، وطائفة
من السلف (6)، وهو اختيار ابن باز (7).
وذلك لأن المسافر صار من أهل الوجوب حين قدومه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين
وقضاءً لحق الوقت.
المطلب السادس: حكم فطر المسافر إذا كان سفره بوسائل النقل المريحة
يباح الإفطار للمسافر ولو كان سفره بوسائل النقل المريحة، سواء وجد مشقة أو
لم يجدها، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن تيمية (8)؛ وذلك لأن علة الفطر هي
وجود السفر دون التقيد بشيء آخر.
_________
(1) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/ 43).
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 262).
(3) قال الشافعي: (ولو توقى ذلك لئلا يراه أحد فيظن أنه أفطر في رمضان من
غير علة كان أحب إلي) ((الأم للشافعي)) (2/ 111)، وانظر ((مجموع فتاوى
ورسائل العثيمين)) (20/ 236).
(4) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 363).
(5) ((لإنصاف للمرداوي)) (3/ 200 - 201).
(6) قال ابن قدامة: (وهو قول أبي حنيفة, والثوري, والأوزاعي, والحسن بن
صالح, والعنبري) ((المغني)) (3/ 33 - 34).
(7) قال ابن باز: (المسافر إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده فإن
عليه الإمساك في أصح قولي العلماء لزوال حكم السفر) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (15/ 193).
(8) قال ابن تيمية: (ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة سواء كان قادراً على
الصيام أو عاجزاً وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق بحيث لو كان مسافراً في
الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر)) ((مجموع الفتاوى)) (25/
210) وانظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 235).
المبحث الأول: حكم
صوم الرجل الكبير والمرأة العجوز
يباح الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذين لا يطيقان الصوم.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ
[البقرة: 184]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((رُخِّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في
ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا أو يطعما كل يوم مسكيناً ولا قضاء
عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ
فَلْيَصُمْهُ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان
الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا)) (1).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (2)، وابن حزم (3)، وابن عبد البر (4).
_________
(1) رواه الطبري في تفسيره (3/ 425)، والبيهقي (4/ 230) (8333) موقوفاً.
قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 18): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن للشيخ الكبير، والعجوز العاجزين عن
الصوم أن يفطرا). ((الإجماع)) (ص50).
(3) ((مراتب الإجماع لابن حزم)) (ص40).
(4) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (10/ 213).
المبحث الثاني: ما
يلزم الكبير والعجوز إذا أفطرا
إذا أفطر الرجل الكبير والمرأة العجوز فعليهما أن يطعما عن كل يومٍ مسكيناً
(1)، وهو قول الجمهور من الحنفية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)،
واستحبه المالكية (5).
الدليل:
قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ
[البقرة: 184]
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((رُخِّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في
ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا، أو يطعما كل يومٍ مسكيناً ولا
قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ
فَلْيَصُمْهُ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان
الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينا)) (6).
_________
(1) وذلك لأن الأداء صوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء.
(2) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 92)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/
356).
(3) ((الأم للشافعي)) (2/ 113)، ((المجموع للنووي)) (6/ 258).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 38).
(5) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 414)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/
712).
(6) رواه الطبري في تفسيره (3/ 425)، والبيهقي (4/ 230) (8333) موقوفاً.
قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 18): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
الفصل الرابع:
الحامل والمرضع
• المبحث الأول: حكم صوم الحامل والمرضع.
• المبحث الثاني: ما يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا.
المبحث الأول: حكم
صوم الحامل والمرضع
يباح للحامل والمرضع الفطر في رمضان، سواء خافتا على نفسيهما أو على
ولديهما، وهو قول عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية
(1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الدليل:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله
تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو
الصيام)) (5).
أي وضع عنهما لزوم الصيام في أيام الحمل والرضاعة.
_________
(1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 245)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 92).
(2) ((المدونة الكبرى)) (1/ 278)، ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (10/ 223).
(3) ((الأم للشافعي)) (2/ 113)، ((المجموع للنووي)) (6/ 267).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 37)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 446).
(5) رواه أحمد (4/ 347) (19069)، والترمذي (715) وحسنه، والنسائي (4/ 180)،
وابن ماجه (1361) واللفظ له، والبيهقي (3/ 154) (5695). وجوّد إسناده ابن
تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (2/ 293)، وقال ابن كثير في ((إرشاد
الفقيه)) (1/ 283): جيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح.
المبحث الثاني: ما
يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا
إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على نفسيهما أو على ولديهما، فعليهما
القضاء فقط (1).
- فإذا كان الفطر خوفاً على نفسيهما، فهو بالإجماع، وقد حكاه ابن قدامة
(2)، والنووي (3).
- وأما إذا كان خوفاً على ولديهما فهو مذهب الحنفية (4)، ووافقهم المالكية
في الحامل (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله
تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو
الصيام)) (6).
وجه الدلالة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحامل والمرضع بالمسافر، وجعلهما
معاً في معنى واحد، فصار حكمهما كحكمه، وليس على المسافر إلا القضاء لا
يعدوه إلى غيره.
ثانياً: القياس:
قياساً على المريض الخائف على نفسه (7).
_________
(1) وذلك لأنه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها، والحرج عذرٌ في الفطر
كالمريض والمسافر، وعليها القضاء ولا كفارة عليها؛ لأنها ليست بجانيةٍ في
الفطر ولا فدية عليها.
(2) قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما
فلهما الفطر وعليهما القضاء فحسب، لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافاً)
((المغني)) (3/ 37).
(3) ((المجموع)) (6/ 267).
(4) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 92) و ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 308).
(5) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (3/ 366).
(6) رواه أحمد (4/ 347) (19069)، والترمذي (715) وحسنه، والنسائي (4/ 180)،
وابن ماجه (1361) واللفظ له، والبيهقي (3/ 154) (5695). وجوّد إسناده ابن
تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (2/ 293)، وقال ابن كثير في ((إرشاد
الفقيه)) (1/ 283): جيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح.
(7) وذلك لأنه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها والحرج عذر في الفطر كالمريض
والمسافر وعليها القضاء ولا كفارة عليها؛ لأنها ليست بجانية في الفطر ولا
فدية عليها.
الفصل الخامس: أسباب
أخرى مبيحة للفطر
• المبحث الأول: المهن الشاقة.
• المبحث الثاني: إرهاق الجوع والعطش.
• المبحث الثالث: الإكراه.
• المبحث الرابع: الجهاد في سبيل الله.
المبحث الأول: المهن
الشاقة
أصحاب المهن الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى
والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان، وأن يصبحوا صائمين، لكن من
كان يعمل بأحد المهن الشاقة وكان يضره ترك عمله، وخشي على نفسه التلف أثناء
النهار، أو لحوق مشقة عظيمة فإنه يُفطر على قدر حاجته بما يدفع المشقة فقط،
ثم يمسك يقية يومه إلى الغروب ويفطر مع الناس، وعليه القضاء (1).
_________
(1) جاء في الفتاوى الهندية: (المحترف المحتاج إلى نفقته علم أنه لو اشتغل
بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن يمرض، كذا في
القُنْية) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 208)، وانظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/
420). قال البهوتي: (وقال أبو بكر الآجري: مَن صنعته شاقة فإن خاف -
بالصوم- تلفا أفطر وقضى - إن ضره ترك الصنعة- فإن لم يضره تركها أثم -
بالفطر ويتركها -، وإلا - أي: وإن لم ينتف التضرر بتركها- فلا - إثم عليه
بالفطر للعذر) ((كشاف القناع)) (2/ 310). وانظر ((التاج والإكليل للمواق))
(2/ 395). وقالت اللجنة الدائمة: (لا يجوز للمكلف أن يفطر في نهار رمضان
لمجرد كونه عاملا، لكن إن لحق به مشقة عظيمة اضطرته إلى الإفطار في أثناء
النهار فإنه يفطر بما يدفع المشقة ثم يمسك إلى الغروب ويفطر مع الناس ويقضي
ذلك اليوم الذي أفطره) ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (10/
233). وقالت أيضا: ( ... يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ
إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر
يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين ولا يؤثر جانب دنياه على جانب آخرته،
فالعمل كثير وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال
الشاقة ولن يعدم المسلم وجها من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام
بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله .. وعلى تقدير أنه لم يجد عملا
دون ما ذكر مما فيه حرج وخشي أن تأخذه قوانين جائرة وتفرض عليه ما لايتمكن
معه من إقامة شعائر دينه أو بعض فرائضه فليفر بدينه من تلك الأرض إلى أرض
يتيسر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه ويتعاون فيه مع المسلمين على البر
والتقوى فأرض الله واسعة .. فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل
ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من
الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج ثم يمسك وعليه القضاء في أيام
يسهل عليه فيها الصيام) ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (10/ 235
- 236). وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: (أما بالنسبة لأصحاب
الحرف فمفاد نصوص الفقهاء أنه إن كان هناك حاجة شديدة لعمله في نهار رمضان،
أو خشي تلف المال إن لم يعالجه، أو سرقة الزرع إن لم يبادر لحصاده، فله أن
يعمل مع الصوم ولو أداه العمل إلى الفطر حين يخاف الجهد، وليس عليه ترك
العمل ليقدر على إتمام الصوم، وإذا أفطر فعليه القضاء فقط) ((الموسوعة
الفقهية الكويتية)) (17/ 176).
المبحث الثاني:
إرهاق الجوع والعطش
من أرهقه جوع أو عطش شديد يخاف منه الهلاك فإنه يجب عليه الفطر، وعليه
القضاء، ونص على ذلك المالكية (1) والشافعية (2).
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيمًا [النساء: 29]
2 - قوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
[البقرة: 195]
ثانيا: القياس:
قياساً على المريض.
_________
(1) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 535).
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 258).
المبحث الثالث:
الإكراه
• مطلب: حكم المستكرَه على الإفطار.
مطلب: حكم المستكرَه على الإفطار
الفرع الأول: إذا أكره الصائم على الفطر فأفطر بغير فعلٍ منه
من أُكرِهَ على الإفطار بغير فعلٍ منه بأن صُبَّ في حلقه ماء مثلاً، فلا
يفطر بذلك (1)، وهذا مذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3).
الدليل:
أولا: من الكتاب:
قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ
[النحل:106]
فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى.
ثانيا: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن
الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكْرِهُوا عليه)) (4).
الفرع الثاني: إذا أكره الصائم على الفطر فأفطر بنفسه
إذا أُكره (5) الصائم على الفطر فأفطر فلا إثم عليه، وصومه صحيح، وهو قول
الشافعية (6)، والحنابلة (7).
الدليل:
أولا: من الكتاب:
قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ
[النحل:106]
فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى.
ثانيا: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن
الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (8).
_________
(1) وذلك لأنه لا فعل له فلا يفطر، فصار كالمحتلم.
(2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 905).
(3) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 320).
(4) رواه الطبراني (11/ 133) (11274)، والدارقطني في ((الأفراد)) كما في
((أطراف ابن طاهر)) (3/ 220) (3479)، والحاكم (2/ 216)، والبيهقي (10/ 60،
رقم 19798). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصحح إسناده عبدالحق
الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: 99) - كما أشار إلى ذلك في المقدمة -
وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 309): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره،
وقال الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (6248): صحيح بمجموع طرقه.
(5) قال ابن حجر في بيان تعريف الإكراه وشروطه: (هو الزام الغير بما لا
يريده وشروط الإكراه أربعة الأول أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به
والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار الثاني أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع
أوقع به ذلك الثالث أن يكون ماهدده به فوريا فلو قال ان لم تفعل كذا ضربتك
غدا لا يعد مكرها ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه
لايخلف الرابع أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره كمن أكره على
الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول أنزلت فيتمادى حتى ينزل) ((فتح الباري))
(12/ 311).
(6) ((المجموع للنووي)) (6/ 325).
(7) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 215).
(8) رواه الطبراني (11/ 133) (11274)، والدارقطني في ((الأفراد)) كما في
((أطراف ابن طاهر)) (3/ 220) (3479)، والحاكم (2/ 216)، والبيهقي (10/ 60،
رقم 19798). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصحح إسناده عبدالحق
الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: 99) - كما أشار إلى ذلك في المقدمة -
وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 420): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره،
وقال الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (6248): صحيح بمجموع طرقه.
المبحث الرابع:
الجهاد في سبيل الله
يباح الفطر للمجاهد في سبيل الله، وهو قول الحنفية (1)، والمالكية (2)،
ورواية عن أحمد (3)، وبه أفتى ابنُ تيمية العساكرَ الإسلامية لما لقوا
العدو بظاهر دمشق، ونصره ابن القيم (4).
الدليل:
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال فنزلنا منزلاً فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من
صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر،
فقال: إنكم مُصبِّحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزمة، فأفطرنا،
ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
السفر)) أخرجه مسلم (5). (6).
_________
(1) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 421).
(2) ((أحكام القرآن لابن العربي)) (1/ 151).
(3) ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 438)، قال البهوتي: (<ومن قاتل عدواً أو أحاط
العدو ببلده والصوم يضعفه> عن القتال <ساغ له الفطر بدون سفر نصاً> لدعاء
الحاجة إليه) ((كشاف القناع)) (2/ 310 - 311).
(4) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (2/ 53).
(5) رواه مسلم (1120).
(6) وفي الحديث دليلٌ على أن الفطر لمن كان قريباً من العدو أولى؛ لمظنة
ملاقاة العدو ووصولهم إليه ولهذا كان الإفطار أولى ولم يتحتم. وأما إذا كان
لقاء العدو متحققاً فالإفطار عزيمة؛ لأن الصائم يضعف عن منازلة الأعداء
وقتالهم.
|