الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الباب الثامن: أحكام
الاعتكاف
• الفصل الأول: تعريف الاعتكاف.
• الفصل الثاني: حكم الاعتكاف وغايته.
• الفصل الثالث: شروط صحة الاعتكاف.
• الفصل الرابع: ما يفسد الاعتكاف وما لا يفسده.
• الفصل الخامس: نذر الاعتكاف.
• الفصل السادس: قضاء الاعتكاف.
• الفصل السابع: ما يندب للمعتكف فعله.
الفصل الأول: تعريف
الاعتكاف
• الاعتكاف لغةً:.
• الاعتكاف اصطلاحاً:.
الاعتكاف لغةً:
عكف على الشيء أي أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، ويقال لمن لازم
المسجد وأقام على العبادة فيه، عاكفٌ ومعتكف.
والاعتكاف والعكوف: الإقامة على الشيء بالمكان ولزومهما، والاحتباس عليه
(1)
_________
(1) ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: عكف)، وانظر ((المصباح المنير
للفيومي)) (مادة: عكف).
الاعتكاف اصطلاحاً:
هو الإقامة في المسجد بنية التقرُّب إلى الله عز وجل، ليلاً كان أو نهاراً
(1)
_________
(1) قال ابن حزم: (هو الإقامة في المسجد بنية التقرب إلى الله عز وجل ساعةً
فما فوقها ليلاً أو نهارا) ((المحلى)) (5/ 179). وقال ابن قدامة: (وهو في
الشرع: الإقامة في المسجد على صفةٍ نذكرها، وهو قربةٌ وطاعة) ((المغني))
(3/ 62). وقال ابن دقيق: (وفي الشرع: لزوم المسجد على وجهٍ مخصوص) ((إحكام
الأحكام)) (1/ 292). وقال ابن تيمية: (وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه
والعبادة له بيوته المبنية لذلك؛ فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة
الله، ولو قيل: لعبادة الله فيه، كان أحسن) ((كتاب الصيام من شرح العمدة))
(2/ 707 - 708). وقال ابن باز: (والمقصود من ذلك هو التفرغ للعبادة والخلوة
بالله لذلك، وهذه هي الخلوة الشرعية) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 438).
وقال ابن عثيمين: (الاعتكاف هو لزوم الإنسان مسجداً لطاعة الله سبحانه
وتعالى؛ لينفرد به عن الناس؛ ويشتغل بطاعة الله؛ ويتفرغ لذلك) ((مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 155).
المطلب الأول: حكم
الاعتكاف للرجال
الاعتكاف سنةٌ للرجال.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على
سدتها حصير .. ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: إني اعتكفت العشر
الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها
في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف، فليعتكف. فاعتكف الناس معه)).
أخرجه مسلم (1)
وجه الدلالة:
أن اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم يدل على السنية، وتعليقه الاعتكاف على
من أحب ذلك يدل على عدم الوجوب (2).
ثانياً: الإجماع:
أجمع العلماء على أن الاعتكاف سنةٌ وليس بواجب، وقد حكى الإجماع على ذلك
ابن المنذر (3)، وابن عبدالبر (4)، والنووي (5)
_________
(1) رواه مسلم (1167).
(2) قال ابن قدامة: (ومما يدل على أنه سنةٌ, فعل النبي صلى الله عليه وسلم
ومداومته عليه, تقرباً إلى الله تعالى, وطلباً لثوابه, واعتكاف أزواجه معه
وبعده, ويدل على أنه غير واجبٍ أن أصحابه لم يعتكفوا , ولا أمرهم النبي صلى
الله عليه وسلم به إلا من أراده) ((المغني)) (3/ 62).
(3) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً إلا
أن يوجبه المرء على نفسه، فيجب عليه) ((الإجماع)) (ص50).
(4) قال ابن عبدالبر: (وأجمع علماء المسلمين على أن الاعتكاف ليس بواجبٍ
وأن فاعله محمودٌ عليه مأجورٌ فيه) ((التمهيد)) (23/ 52).
(5) قال النووي: ( .. فالاعتكاف سنةٌ بالإجماع ولا يجب إلا بالنذر
بالإجماع) ((المجموع)) (6/ 475). وقال أيضاً: (وقد أجمع المسلمون على
استحبابه، وأنه ليس بواجب) ((شرح صحيح مسلم)) (8/ 67). وقال ابن قدامة:
(ولا نعلم بين العلماء خلافاً في أنه مسنون) ((المغني)) (3/ 62). وقال
القرطبي: (وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب، وهو قربةٌ من القرب، ونافلةٌ
من النوافل، عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأزواجه، ويلزمه
إن ألزمه نفسه) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 333). وقال ابن حجر: (وليس
بواجبٍ إجماعاً) ((فتح الباري)) (4/ 271).
المطلب الثاني: حكم
اعتكاف النساء
الاعتكاف سنةٌ للنساء كالرجال، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (1):
الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، (6)
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض
نسائه وهي مستحاضةٌ ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم .. )). أخرجه
البخاري (7)
2 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر
الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه
البخاري ومسلم (8)
3 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن
يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة
عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني
لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه،
فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب .. )). أخرجه
البخاري ومسلم (9)
_________
(1) قال الجصاص: (للمرأة الاعتكاف باتفاق الفقهاء) ((أحكام القرآن)) (1/
303).
(2) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 110)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113). -
إلا أن اعتكافها في مسجد بيتها عندهم أفضل من اعتكافها في مسجد الجماعة -
(3) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص84)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 541).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 475،480)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني))
(1/ 451).
(5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 62،67)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 351).
(6) قد تُمنَع المرأة من الاعتكاف في المسجد إذا لم يكن فيه مكان تستتر
فيه، أوخوف الفتنة عليها من الفسقة، فالمنع هاهنا إنما هو لنظر الشارع إلى
صيانة المرأة، لا إلى أصل حكم الاعتكاف. انظر ((المبسوط للسرخسي)) (3/
110). وقال ابن عثيمين: (<قوله: إلاالمرأة ففي كل مسجد> أي: فيصح اعتكافها
ويسن في كل مسجد، فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة، فإن كان في
اعتكافها فتنة فإنها لا تُمكَّن من هذا؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع
وجب أن يمنع، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، فلو فرضنا أنها
إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام، فالمسجد
الحرام ليس فيه مكانٌ خاصٌّ للنساء، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما
ليلاً وإما نهاراً، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة) ((الشرح
الممتع)) (6/ 509 - 510).
(7) رواه البخاري (309).
(8) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).
(9) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).
المبحث الثاني: غاية
الاعتكاف
للاعتكاف غاياتٌ منها:
أولاً: عكوف القلب على طاعة الله تعالى.
ثانياً: جمع القلب عليه ووقف النفس له.
ثالثاً: الخلوة به.
رابعاً: الانقطاع عن الاشتغال بالخلق وتفريغ القلب من أمور الدنيا،
والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم
القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها
بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرِّبُ منه، فيصير أنسه بالله بدلاً
عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له،
ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم (1).
_________
(1) ((زاد المعاد لابن القيم)) (2/ 87)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي))
(1/ 348).
المبحث الأول:
الإسلام
يشترط لصحة الاعتكاف: الإسلام، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة:
الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ
إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة: 54]
فكما أنه لا تقبل من الكافر النفقة، فكذلك لا تقبل منه العبادات البدنية.
2 - قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ
هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23]
أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم،
فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر
(5).
ثانياً: من السنة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (6).
فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية، والكافر ليس من أهل النية.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/
322).
(2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 541)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/
267).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 476)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
454).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 347).
(5) ((تفسيرالقرطبي)) (13/ 21 - 22)، وانظر ((تفسير الطبري)) (19/ 256 -
257). قال ابن كثير: (فعمل الرهبان ومن شابههم – وإن فُرِضَ أنهم مخلصون
فيه لله- فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمدٍ صلى الله
عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافةً، وفيهم وأمثالهم قال الله تعالى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً
مَنْثُورًا *الفرقان: 23* وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ
لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا *النور: 39*) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 385).
(6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
المبحث الثاني:
العقل
يشترط لصحة الاعتكاف: العقل، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية
(1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
1 - عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم
عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى
يعقل)) (5)
2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم
(6).
فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية، والمجنون ليس من أهل النية.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/
322).
(2) ((حاشية العدوي)) (1/ 584)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 267).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 476)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
454).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 347).
(5) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)،
وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل
الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في
((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).
(6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
المبحث الثالث:
التمييز
يشترط لصحة الاعتكاف: التمييز، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة:
الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الدليل:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (5).
فلا تؤدى العبادة إلا بالنية، وغير المميز ليس من أهل النية.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/
322).
(2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 395)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/
732).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 476)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
454).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 347).
(5) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
المبحث الرابع:
النية
يشترط لصحة الاعتكاف: النية، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن رشد (1)، وابن
جزي (2)
فلا يصح الاعتكاف ولزوم المسجد بدون نية.
الدليل:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (3).
_________
(1) قال ابن رشد: (وأما شروطه فثلاثةٌ: النية ... ، أما النية فلا أعلم
فيها اختلافاً) ((بداية المجتهد)) (1/ 315).
(2) قال ابن جزي: (وأما شروطه فثلاثةٌ: النية اتفاقاً) ((القوانين
الفقهية)) (ص85).
(3) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
المبحث الخامس: إذن
الزوج لزوجته
يشترط لاعتكاف الزوجة أن يأذن لها زوجها (1)، وهو قول الحنفية (2)،
والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)
الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف
العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن
تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية
فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً
من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (6)
_________
(1) وذلك لأن استمتاعها ملكٌ للزوج، فلا يجوز إبطاله عليه بغير إذنه.
(2) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 394)، ((بدائع الصنائع
للكاساني)) (2/ 108).
(3) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 546)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 457).
(4) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 503)، ((المجموع للنووي)) (6/ 477).
قال النووي: (للرجل منع زوجته من الاعتكاف بغير إذنه، وبه قال العلماء
كافة) ((شرح صحيح مسلم)) (8/ 70).
(5) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 134)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 349).
(6) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).
المطلب الأول:
اعتبار المسجد
يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ تخصيص المسجد بالذكر يقتضي أنَّ ما عداه بخلافه، ولمَّا لم يكن
المعتكِف في غير المسجد منهياً عن المباشرة عُلِمَ أنه ليس باعتكاف.
ثانياً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لَيُدْخِلُ عليَّ رأسَه وهو في المسجد فأُرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت
إلا لحاجةٍ، إذا كان معتكفاً)). أخرجه البخاري ومسلم (1).
ثالثا: الإجماع:
أجمع العلماء على أن الاعتكاف مكانه المسجد، وإلا لا يسمى اعتكافاً شرعياً،
وقد حكى هذا الإجماع ابن عبد البر (2)، وابن قدامة (3)، والقرطبي (4)، وابن
تيمية (5).
_________
(1) رواه البخاري (2029)، ومسلم (297).
(2) قال ابن عبد البر: (وأجمعوا أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد)
((الاستذكار)) (3/ 385).
(3) قال ابن قدامة: (ولا يصح الاعتكاف في غير مسجدٍ إذا كان المعتكف رجلاً،
لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً) ((المغني)) (3/ 65).
(4) قال القرطبي: (أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد)
((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 333).
(5) قال ابن تيمية: (لا يكون الاعتكاف إلا في المساجد باتفاق العلماء)
((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (27/ 252).
المطلب الثاني: حكم
الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، (وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي،
والمسجد الأقصى)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)،
والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وهو قول أكثر أهل العلم من
السلف والخلف (5)
الدليل:
عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وليس للمساجد الثلاثة فقط.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113)، ((فتح القدير للكمال بن الهمام))
(2/ 394).
(2) ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/ 313)، ((القوانين الفقهية لابن جزي))
(ص84).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 483)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
450).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 66)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 137).
(5) قال ابن المنذر: (والاعتكاف جائزٌ في جميع المساجد على ظاهر الآية)
((الإشراف)) (3/ 160). يعني قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
المساجد *البقرة: 187* قال ابن حزم: (والاعتكاف جائزٌ في كل مسجدٍ جمعت فيه
الجمعة أو لم تجمع) ((المحلى)) (5/ 193). وقال الشوكاني: (ويجوز الاعتكاف
في كل مسجد) ((نيل الأوطار)) (4/ 269). وقال ابن باز: (يصح الاعتكاف في غير
المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة صلاة
الجماعة فيه فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 444). وقال ابن عثيمين: (يجوز الاعتكاف في
غير المساجد الثلاثة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 160).
المطلب الثالث: ضابط
المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف
إن كان يتخلل الاعتكاف صلاة جماعةٍ، فيشترط لصحته أن يكون في مسجد جماعة،
وهو قول الحنفية (1)، والحنابلة (2)، واختاره ابن باز (3)، وابن عثيمين
(4).
وذلك لأن الجماعة واجبةٌ، واعتكاف الرجل في مسجٍد لا تقام فيه الجماعة إن
كان يتخلل اعتكافه جماعة يفضي إلى أحد أمرين:
إما ترك الجماعة الواجبة.
وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وذلك منافٍ
للاعتكاف إذ هو لزوم المعتكَف والإقامة على طاعة الله تعالى فيه.
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 112)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113).
(2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 65)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 137).
(3) قال ابن باز: (يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في
المسجد الذي يعتكف فيه إقامة صلاة الجماعة فيه فإن كانت لا تقام فيه صلاة
الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 444).
(4) قال ابن عثيمين: (لا يصح الاعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة)
((الشرح الممتع)) (6/ 509).
المطلب الرابع:
الاعتكاف في غير مسجد الجمعة
الفرع الأول: الاعتكاف في غير مسجد الجمعة إن كان لا يتخلل الاعتكاف جمعة
يجوز الاعتكاف في غير مسجد الجمعة إن كان لا يتخلل الاعتكاف جمعة، وهو مذهب
الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وهو
قول طائفةٍ من السلف (5)، والخلف (6)
الدليل:
عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وتخصيصه ببعض المساجد دون بعضٍ يحتاج
إلى دليل.
الفرع الثاني: الاعتكاف في غير الجامع إن كان يتخلل اعتكافه يوم جمعة
من وجبت عليه الجمعة، وكانت تتخلَّل اعتكافه، فإنه لا يشترط لصحة استمرار
الاعتكاف أن يكون اعتكافه في الجامع – وعليه أن يخرج لحضور الجمعة ثم يرجع
إلى المسجد الذي يعتكف فيه - ولكنَّ الأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد
الجامع، وهو قول الحنفية (7)، والحنابلة (8)، وقولٌ لبعض السلف (9)، وهو
اختيار ابن العربي المالكي (10)، وابن باز (11)، وابن عثيمين (12).
الدليل:
عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وتخصيصه ببعض المساجد دون بعضٍ يحتاج
إلى دليل.
وأما خروجه إلى الجمعة فهو ضرورةٌ من الضرورات، لا يبطل بها الاعتكاف.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113)، قال ابن الهمام: (والحاصل أن
الاعتكاف في غير الجامع جائزٌ في الجملة بالاتفاق أو إلزامها بالدليل فإذا
صح فبعد ذلك الضرورة مطلقة للخروج مع بقاء الاعتكاف وهي هنا متحققةٌ نظراً
إلى الأمر بالجمعة) ((فتح القدير)) (2/ 395).
(2) لكن عند المالكية أنه إذا نوى مدة يتعين عليه إتيان الجمعة في أثنائها
فيتعين الجامع ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 455).
(3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 485)، ((المجموع للنووي)) (6/ 483).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 66)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 258).
(5) قال ابن عبد البر: (وقال آخرون الاعتكاف في كل مسجدٍ جائزٌ، روي هذا
القول عن سعيد بن جبير وأبي قلابة وإبراهيم النخعي وهمام بن الحارث وأبي
سلمة بن عبد الرحمن وأبي الأحوص والشعبي وهو قول الشافعي وأبي حنيفة
وأصحابهما والثوري، وحجتهم حمل الآية على عمومها في كل مسجد، وهو أحد قولي
مالك وبه يقول ابن علية وداود والطبري) ((التمهيد)) (8/ 326).
(6) قال الجصاص: (وكما لا تُمنع صلاة الجمعة في سائر المساجد كذلك لا يمتنع
الاعتكاف فيها فكيف صار الاعتكاف مخصوصاً بمساجد الجمعات دون مساجد
الجماعات؟!!) ((أحكام القرآن)) (1/ 302). وقال ابن حزم: (والاعتكاف جائزٌ
في كل مسجدٍ جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع) ((المحلى)) (5/ 193). وقال ابن
باز: (ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل
اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442). وقال ابن عثيمين: (وهو في كل مسجدٍ،
سواء كان في مسجدٍ تقام فيه الجمعة، أو في مسجدٍ لا تقام فيه، ولكن الأفضل
أن يكون في مسجدٍ تقام فيه، حتى لا يضطر إلى الخروج لصلاة الجمعة) ((مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 155).
(7) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 108)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 114).
(8) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 140)، ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (1/
501).
(9) قال البغوي: (أما الخروج للجمعة، فواجبٌ عليه، لا يجوز له تركه.
واختلفوا في بطلان اعتكافه، فذهب قومٌ إلى أنه لا يبطل به اعتكافه، وهو قول
الثوري، وابن المبارك، وأصحاب الرأي، كما لو خرج لقضاء الحاجة) ((شرح
السنة)) (6/ 401).
(10) قال ابن العربي: (إذا اعتكف في مسجدٍ لا جمعة فيه للجمعة، فمن علمائنا
من قال: يبطل اعتكافه، ولا نقول به; بل يشرف الاعتكاف ويعظم. ولو خرج من
الاعتكاف من مسجدٍ إلى مسجد لجاز له; لأنه يخرج لحاجة الإنسان إجماعاً، فأي
فرقٍ بين أن يرجع إلى ذلك المسجد أو إلى سواه؟) ((أحكام القرآن)) (1/ 180).
(11) وقال ابن باز: (ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة،
وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا
تيسر ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442).
(12) وقال ابن عثيمين: (وهو في كل مسجدٍ، سواء كان في مسجدٍ تقام فيه
الجمعة، أو في مسجدٍ لا تقام فيه، ولكن الأفضل أن يكون في مسجدٍ تقام فيه،
حتى لا يضطر إلى الخروج لصلاة الجمعة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين))
(20/ 155).
المطلب الخامس: هل
المنارة والرحبة والسطح وغيرها تعد من المسجد؟
الفرع الأول: صعود المعتكف إلى منارة المسجد
يصح صعود المعتكف إلى منارة المسجد إن كانت في المسجد أو بابها فيه، وهو
قول الجمهور من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)
وذلك لأن المنارة إن كانت في المسجد أو بابها فيه، فهي من جملة المسجد
فتأخذ أحكامه.
الفرع الثاني: خروج المعتكف إلى الرحبة
يصح خروج المعتكف إلى الرحبة إن كانت متصلة بالمسجد (4)، وهو قول الشافعية
(5)، وبعض المالكية (6)، وروايةٌ عن أحمد (7)، وهو اختيار ابن حزم (8)،
وابن تيمية (9)، وابن القيم (10).
وذلك لأن الرحبة إن كانت في المسجد فهي من جملته فتأخذ أحكامه.
الفرع الثالث: صعود المعتكف إلى سطح المسجد أو الاعتكاف فيه
_________
(1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 287)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 116).
(2) ((الأم للشافعي)) (2/ 115)، ((المجموع للنووي)) (6/ 505 - 506).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 71)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 140)،
((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 259). فائدة: قال ابن عثيمين: (إذا كان باب
المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد
لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف، فيها،
ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة. وفي الحال
الثانية وهي: ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها بابٌ على المسجد، لا
تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح
الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء؛ لأنها ليست من المسجد
لانفصالها عنه. وفي الحال الثالثة وهي: ما إذا كان لها بابان، أحدهما: داخل
المسجد. والثاني: خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت
لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيطٍ بها بل لها سورٌ مستقلٌّ فليس لها حكم
المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد؛ ولهذا لم تكن بيوت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مسجده، مع أن لها أبواباً على
المسجد؛ لأنها منفصلةٌ عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 351 -
352).
(4) قال ابن حجر: (الرحبة بفتح الراء والحاء المهملة بعدها موحدة هي بناء
يكون أمام باب المسجد غير منفصل عنه، هذه رحبة المسجد، ووقع فيها الاختلاف،
والراجح أن لها حكم المسجد فيصح فيها الاعتكاف وكل ما يشترط له المسجد، فإن
كانت الرحبة منفصلة فليس لها حكم المسجد) ((فتح الباري)) (13/ 155).
(5) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 495)، ((المجموع للنووي)) (4/ 303)،
(6/ 500)
(6) ((المدونة الكبرى)) (1/ 300)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 536)، ((حاشية
الدسوقي)) (1/ 542).
(7) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 139)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 365)،
((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358، 259).
(8) قال ابن حزم: (ولا يجوز الاعتكاف في رحبة المسجد إلا أن تكون منه)
((المحلى)) (5/ 193).
(9) ((مجموع الفتاوى)) (21/ 304).
(10) ((إعلام الموقعين)) (3/ 31).
يصح الاعتكاف في سطح المسجد أو صعود
المعتكف إليه، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية (1)، والشافعية (2)،
والحنابلة (3)، بل حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك (4).
وذلك لأن السطح من جملة المسجد فيأخذ أحكامه.
المطلب السادس: اعتكاف المرأة في مسجد بيتها
لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها (5)، وهو قول جمهور الفقهاء من
المالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
والمراد بالمساجد: المواضع التي بنيت للصلاة فيها. وموضع صلاة المرأة في
بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يبن للصلاة فيه، فلا يثبت له أحكام المساجد
الحقيقية.
ثانياً: من السنة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض
نسائه وهي مستحاضةٌ ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم ... )).
أخرجه البخاري (9)
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم مكَّن امرأته أن تعتكف في المسجد وهي
مستحاضةٌ، إذ لا تفعل ذلك إلا بأمره، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً لما
أمرها بالمسجد، ولأمرها بالبيت؛ فإنه أسهل وأيسر وأبعد عن تلويث المسجد
بالنجاسة، وعن مشقة حمل الطست ونقله، وهو صلى الله عليه وسلم لم يُخيَّر
بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فعُلِمَ أن الجلوس في غير
المسجد ليس باعتكاف.
2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن
يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة
عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني
لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه،
فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر
اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (10)
وجه الدلالة:
أنه لو كان اعتكافهن رضي الله عنهن في غير المسجد العام ممكناً؛ لاستغنين
بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد كما استغنين بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة
في المسجد، ولَأَمرهن النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك.
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 116)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (3/ 39).
(2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 495)، ((المجموع للنووي)) (6/ 480).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 71)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (6/ 259).
(4) قال ابن قدامة: ( .. وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه
مخالفاً) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 71)، لكن خلاف المالكية ثابت في
المسألة انظر: ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 733)، ((حاشية العدوي))
(1/ 585).
(5) وذلك لأن الاعتكاف قربةٌ يشترط لها المسجد في حق الرجل، فيشترط في حق
المرأة، كالطواف. ولأنه ليس بمسجد حقيقةً ولا حكماً ولا يسمى في الشرع
مسجداً؛ ولهذا لا يعتبر وقفاً، فلو بيع البيت بما فيه هذا المصلى، فالبيع
صحيح، ولو دخل أحدٌ البيت، ولو لبثت المرأة فيه وهي حائضٌ فلا بأس، ولو بقي
فيه الإنسان بلا وضوءٍ وهو جنبٌ فلا بأس، ولو دخله وجلس فيه ولم يصل ركعتين
فلا بأس، كما يجوز فيه البيع والشراء.
(6) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 535)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 396).
(7) ((المجموع للنووي)) (6/ 480)، ((مغني المحتاج)) (1/ 451).
(8) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 67)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 352). وقد
ذهب إلى هذا ابن تيمية. انظر ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (2/ 737 -
745).
(9) رواه البخاري (309).
(10) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).
المبحث السابع:
الطهارة مما يوجب غسلاً
لا يصح الاعتكاف ابتداءً إلا بطهارة المعتكف مما يوجب الغسل كجنابةٍ أو
حيضٍ أو نفاس (1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (2)،
والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ
وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا
عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]
ثانياً: من السنة:
1 - عن أم عطية قالت: ((أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن
نُخرِجَ في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحُيَّض أن يعتزلن مصلَّى
المسلمين)). أخرجه البخاري ومسلم (6)
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: فقلت إني حائض. فقال: إنَّ حيضتك ليست في
يدك)). أخرجه مسلم (7)
_________
(1) وذلك لأن هذه الأمور لا يباح معها اللبث في المسجد والذي هو ركن من
أركان الاعتكاف.
(2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/
322).
(3) ((الذخيرة للقرافي)) (1/ 293، 375)، ((القوانين الفقهية لابن جزي))
(ص31).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 519)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
454).
(5) ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 136)، ((كشاف القناع
للبهوتي)) (1/ 148، 198). قال ابن قدامة: (أما خروجها من المسجد– أي المرأة
المعتكفة إذا حاضت – فلا خلاف فيه؛ لأن الحيض حدثٌ يمنع اللبث في المسجد
فهو كالجنابة وآكد منه) ((المغني)) (3/ 79) وقال ابن تيمية: (الاعتكاف
يستحب له طهارة الحدث ولا يجب، فلو قعد المعتكف وهو محدثٌ في المسجد لم
يحرم، بخلاف ما إذا كان جنباً أو حائضاً، فإن هذا يمنعه منه الجمهور،
كمنعهم الجنب والحائض من اللبث في المسجد لا لأن ذلك يبطل الاعتكاف)
((مجموع الفتاوى)) (21/ 275) وقال ابن عثيمين: ( .. إذ يلزم منه أن المعتكف
لا يصح اعتكافه إلا بطهارةٍ، ولم يشترط أحدٌ ذلك، إلا إن كان جنباً فيجب
عليه أن يتطهر ثم يعتكف؛ لأن الجنابة تنافي المكث في المسجد) ((الشرح
الممتع)) (1/ 331)
(6) رواه البخاري (324)، ومسلم (890) واللفظ له.
(7) رواه مسلم (298).
المطلب الأول: زمان
الاعتكاف
يجوز الاعتكاف في رمضان وفي غيره، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على هذا
(1)، إلا أنه يُستحَبُّ في العشر الأواخر من رمضان، وهذا باتفاق المذاهب
الفقهية الأربعة: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة
(5)
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر
الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه
البخاري ومسلم (6)
وفيه استحباب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف
في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)).
أخرجه البخاري (7)
وفيه جواز الاعتكاف في العشر وفي غير العشر.
3 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن
يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة
عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني
لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه،
فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر
اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (8)
وفيه أن الاعتكاف يكون في رمضان وفي غيره.
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (الاعتكاف في غير رمضان جائزٌ كما هو في رمضان، وهذا
ما لا خلاف فيه) ((التمهيد)) (11/ 199). قال الجصاص: (تحديد مدة الاعتكاف
لا يصح إلا بتوقيفٍ أو اتفاقٍ، وهما معدومان، فالموجب لتحديده متحكمٌ قائلٌ
بغير دلالةٍ، فإن قيل تحديد العشرة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وروي أنه اعتكف العشر الأواخر من شوال في
بعض السنين، ولم يرو أنه اعتكف أقل من ذلك، قيل له: لم يختلف الفقهاء إن
فعل النبي صلى الله عليه وسلم للاعتكاف ليس على الوجوب وأنه غير موجبٍ على
أحدٍ اعتكافاً، فإذا لم يكن فعله للاعتكاف على الوجوب فتحديد العشرة أولى
أن لا يثبت بفعله، ومع ذلك فإنه لم ينف عن غيره فنحن نقول: أن اعتكاف
العشرة جائزٌ ونفي ما دونها يحتاج إلى دليلٍ، وقد أطلق الله تعالى ذكر
الاعتكاف فقال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ *البقرة: 187* ولم يحده بوقتٍ ولم يقدره بمدةٍ فهو على
إطلاقه، وغير جائزٍ تخصيصه بغير دلالةٍ والله أعلم) ((أحكام القرآن)) (1/
304 - 305). وقال ابن حزم: (الاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان
أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عددٍ ولا وقتاً من وقتٍ، ومدعي
ذلك مخطئٌ لأنه قائلٌ بلا برهان) ((المحلى)) (5/ 179). وقال الشوكاني: (صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه اعتكف في غير
رمضان) ((السيل الجرار)) (ص 292). وقال أيضا: (شرع في كل وقتٍ في المساجد
وهو في رمضان آكد، سيَّما في العشر) ((الدراري المضية)) (2/ 182). وقال ابن
باز: (وهو مشروعٌ في رمضان وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 438). وقال
ابن عثيمين: (لو اعتكف الإنسان في غير رمضان لكان هذا جائزاً .. لكن لا
يُؤمر الإنسان ولا يُطلب منه أن يعتكف في غير رمضان) ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (20/ 160).
(2) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 348)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 442).
(3) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 352)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/
542،550).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 475)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
449). قال الشربيني: (وهو مستحبٌّ كل وقتٍ في رمضان وغيره بالإجماع ولإطلاق
الأدلة).
(5) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 132)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 348).
(6) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).
(7) رواه البخاري (2044).
(8) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).
المطلب الثاني: متى
يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ومتى ينتهي؟
الفرع الأول: متى يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟
اختلف أهل العلم متى يبدأ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، على قولين:
القول الأول: يبدأ قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وهو مذهب جمهور الفقهاء
من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، (5)
الأدلة:
1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً، حتى إذا كان ليلة إحدى
وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف
معي فليعتكف العشر الأواخر)). أخرجه البخاري ومسلم (6)
2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف
العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه
البخاري ومسلم (7).
وجه الدلالة:
أن العشر بغير هاء، عدد الليالي, فإنها عدد المؤنث, كما قال الله تعالى:
وَليالٍ عَشْر. وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين.
_________
(1) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 329)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 452).
(2) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 353)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 542).
(3) ((الأم للشافعي)) (2/ 115)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 488) إلا
أنهم نصوا على هذا الحكم في اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 80)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 158).
(5) قال ابن دقيق العيد: (الجمهور على أنه إذا أراد اعتكاف العشر دخل
معتكفه قبل غروب الشمس) ((إحكام الأحكام)) (ص293). وقال ابن حزم: (ومن نذر
اعتكاف ليلةٍ أو ليالٍ مسماة أو أراد ذلك تطوعاً فإنه يدخل قبل أن يتم غروب
جميع قرص الشمس) ((المحلى)) (5/ 198). وقال ابن حجر: ( .. وهو محمولٌ على
أنه أراد اعتكاف الليالي دون الأيام، وسبيل من أراد ذلك أن يدخل قبيل غروب
الشمس ويخرج بعد طلوع الفجر، فإن أراد اعتكاف الأيام خاصة فيدخل مع طلوع
الفجر ويخرج بعد غروب الشمس، فإن أراد اعتكاف الأيام والليالي معاً فيدخل
قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس أيضاً) ((فتح الباري)) (4/ 283). وقال
ابن عثيمين: (يدخل المعتكف عند غروب الشمس ليلة العشرين من رمضان، فإن
العشر الأواخر تبتدئ بغروب الشمس ليلة العشرين من رمضان) ((مجموع فتاوى
ورسائل العثيمين)) (20/ 179).
(6) رواه البخاري (2027) واللفظ له، ومسلم (1167).
(7) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).
القول الثاني: يبدأ الاعتكاف من بعد صلاة
فجر اليوم الواحد والعشرين، وهي رواية عن أحمد (1)، وقول الأوزاعي وابن
المنذر (2)، واختيار ابن القيم (3)، والصنعاني (4)، وابن باز (5)
الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد
أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه)). أخرجه البخاري ومسلم (6)
الفرع الثاني: متى ينتهي الاعتكاف في أيام العشر الأواخر من رمضان؟
ينتهي وقت الاعتكاف في أيام العشر الأواخر من بعد غروب شمس آخر يومٍ من
رمضان، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية
(9)، والحنابلة (10)، (11)
_________
(1) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 80)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 362).
(2) قال ابن المنذر: (وقال الأوزاعي بظاهر الحديث يصلي الصبح في المسجد ثم
يقوم إلى معتكفه. قال ابن المنذر: وكذلك أقول) ((الإشراف)) (3/ 161).
(3) قال ابن القيم: (وكان إذا أراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخله) ((زاد
المعاد)) (2/ 89).
(4) قال الصنعاني: ( .. فيه دليلٌ على أن أول وقت الاعتكاف بعد صلاة الفجر
وهو ظاهرٌ في ذلك وقد خالف فيه من قال إنه يدخل المسجد قبل طلوع الفجر إذا
كان معتكفاً نهاراً، وقبل غروب الشمس إذا كان معتكفا ليلاً، وأول الحديث
بأنه كان يطلع الفجر وهو صلى الله عليه وسلم في المسجد ومن بعد صلاته الفجر
يخلو بنفسه في المحل الذي أعده لاعتكافه، قلت: ولا يخفى بعده فإنها كانت
عادته صلى الله عليه وسلم أنه لا يخرج من منزله إلا عند الإقامة) ((سبل
السلام)) (2/ 174).
(5) قال ابن باز: (ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم
الحادي والعشرين؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (15/ 442).
(6) رواه البخاري (2033)، ومسلم (1173).
(7) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 329)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 452).
(8) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 353)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 542).
(9) ((الأم للشافعي)) (2/ 115)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 488).
(10) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 82)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 159).
(11) قال ابن حجر: (إن أراد اعتكاف الأيام خاصةً فيدخل مع طلوع الفجر ويخرج
بعد غروب الشمس، فإن أراد اعتكاف الأيام والليالي معاً فيدخل قبل غروب
الشمس ويخرج بعد غروب الشمس أيضا) ((فتح الباري)) (4/ 283). وقال ابن
عثيمين: (يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان، وينتهي رمضان بغروب
الشمس ليلة العيد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 170)، وانظر:
((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 443).
المطلب الثالث: أقل مدةٍ للاعتكاف
اختلف أهل العلم في أقل مدةٍ تصلح للاعتكاف، على أقوال، منها:
القول الأول: أقلُّ زمانٍ للاعتكاف لحظةٌ (1) وهو ما ذهب إليه الحنفية (2)،
والشافعية (3)، وهو قولٌ للحنابلة (4)، واختاره ابن حزم (5)، والشوكاني (6)
وابن باز (7).
الدليل:
عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]
فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه، فهي اعتكاف، سواء قلت
المدة أو كثرت حيث لم يخص الشارع عدداً أو وقتاً.
القول الثاني: أقل الاعتكاف يومٌ وليلة، وهو مذهب المالكية (8)، (9)
وذلك لأن المالكية يشترطون الصوم مع الاعتكاف، والصوم لا يكون إلا في يومٍ
كامل، فكذلك الاعتكاف لا يكون إلا في يوم كاملٍ.
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (ولا حد عند أبي حنيفة، والشافعي، وأكثر الفقهاء في
أقل مدته) ((الاستذكار)) (10/ 314).
(2) وهذا في غير الاعتكاف المنذور؛ لأن الحنفية يشترطون فيه الصوم. ((الدر
المختار للحصكفي)) (2/ 488)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 323). قال
الحصكفي: (<وأقله نفلا ساعة>من ليلٍ أو نهارٍ عند محمد، وهو ظاهر الرواية
عن الإمام لبناء النفل على المسامحة، وبه يفتي، والساعة في عرف الفقهاء
جزءٌ من الزمان لا جزءٌ من أربعةٍ وعشرين كما يقوله المنجمون).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 480)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
453). قال النووي: (الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور: أنه يشترط لبثٌ في
المسجد، وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة).
(4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 143)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 254)، ((كشاف
القناع للبهوتي)) (2/ 347).
(5) قال ابن حزم: (فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف
... مما قلّ من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسّنّة عدداً من عدد،
ولا وقتاً من وقت) ((المحلى)) (5/ 179).
(6) قال الشوكاني: (لم يأتنا عن الشارع في تقدير مدة الاعتكاف شيءٌ يصلح
للتمسك به، واللبثُ في المسجد والبقاء فيه يصدق على اليوم وبعضه، بل وعلى
الساعة إذا صحب ذلك نية الاعتكاف) ((السيل الجرار)) (ص293).
(7) قال ابن باز: (والاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء
كانت المدة كثيرةً أو قليلةً؛ لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على
التحديد لا بيومٍ ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (15/ 441).
(8) ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 352)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/
550).
(9) قال ابن عثيمين: (من اعتكف اعتكافاً مؤقتاً كساعةٍ، أو ساعتين، ومن
قال: كلما دخلت المسجد فانو الاعتكاف، فمثل هذا ينكر عليه؛ لأن هذا لم يكن
من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ((الشرح الممتع)) (6/ 506).
المطلب الرابع: أطول مدةٍ للاعتكاف
لا حد لأكثر زمان الاعتكاف ما لم يتضمن أية محذوراتٍ شرعية، وهذا باتفاق
المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)،
والحنابلة (4)، (5)، بل حكى الإجماع على ذلك ابن الملقن (6)، وابن حجر (7).
الدليل:
عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]
فلم يحده الله سبحانه وتعالى بوقتٍ، ولم يقدره بمدةٍ، فهو على إطلاقه،
وغيرُ جائزٍ تخصيصُهُ بغير دلالة.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 115).
(2) ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/ 314).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 480).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 385).
(5) قال الجصاص: (تحديد مدة الاعتكاف لا يصح إلا بتوقيفٍ أو اتفاقٍ وهما
معدومان فالموجب لتحديده متحكمٌ قائلٌ بغير دلالة) ((أحكام القرآن)) (1/
304). وقال ابن حزم: (فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه
اعتكاف ... مما قلّ من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسّنّة عدداً من
عدد، ولا وقتاً من وقت) ((المحلى)) (5/ 179). وقال ابن باز: (والاعتكاف هو
المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرةً أو قليلةً؛ لأنه
لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيومٍ ولا بيومين ولا بما
هو أكثر من ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 441).
(6) قال ابن الملقن: (أجمع العلماء على أن لا حدَّ لأكثره) ((الإعلام
بفوائد عمدة الأحكام)) (5/ 430).
(7) قال ابن حجر: (واتفقوا على أنه لا حدَّ لأكثره) ((فتح الباري)) (4/
272).
المبحث التاسع:
اشتراط الصوم للاعتكاف
يصح الاعتكاف من غير صومٍ (1)، وهو قول الشافعية (2)، والمشهور عند
الحنابلة (3)، وقول طائفةٍ من السلف (4)، وهو ما ذهب إليه ابن حزم (5)،
والنووي (6)، وابن دقيق العيد (7)، وابن حجر (8)، وابن باز (9)، وابن
عثيمين (10)
الأدلة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوف
بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم (11)
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لعمر رضي الله عنه بالاعتكاف ليلاً،
ومعلومٌ أن الليل لا صوم فيه (12)، فلو كان الصوم شرطاً في صحة الاعتكاف،
لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه.
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه. وإنه أمر بخبائه فضرب. أراد
الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرها
من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الفجر، نظر فإذا الأخبية، فقال: آلبر تردن؟ فأمر بخبائه
فقوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال)).
أخرجه البخاري ومسلم (13)
ففيه دليلٌ على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه
حرام (14)
كما أن إيجاب الصوم حكمٌ لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نصٌّ ولا إجماع
(15)
_________
(1) وذلك لأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط للواحدة وجود الأخرى.
(2) ((الأم للشافعي)) (2/ 118)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 486). قال
الماوردي: (فأما الصوم فغير واجبٍ فيه بل إن اعتكف مفطراً جاز).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 64)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 145). قال
ابن قدامة: (المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صومٍ).
(4) قال ابن عبدالبر: (وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وابن علية
الاعتكاف جائزٌ بغير صومٍ، وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي
رباح وعمر بن عبدالعزيز) ((التمهيد)) (11/ 200)، وانظر ((المغني لابن
قدامة)) (3/ 64).
(5) قال ابن حزم: (من البرهان على صحة قولنا اعتكاف النبي صلى الله عليه
وسلم في رمضان فلا يخلو صومه من أن يكون لرمضان خالصا وكذلك هو فحصل
الاعتكاف مجردا عن صوم يكون من شرطه وإذا لم يحتج الاعتكاف إلى صوم ينوي به
الاعتكاف فقد بطل أن يكون الصوم من شروط الاعتكاف وصح أنه جائز بلا صوم
وهذا برهان ما قدروا على اعتراضه .. وأيضا فإن الاعتكاف هو بالليل كهو
بالنهار ولا صوم بالليل فصح أن الاعتكاف لا يحتاج إلى صوم) ((المحلى)) (5/
186).
(6) قال النووي: (ويجوز بغير صوم) ((المجموع)) (6/ 485).
(7) قال ابن دقيق العيد: (الصوم ليس بشرطٍ) ((إحكام الأحكام)) (ص295).
(8) ((فتح الباري)) (4/ 274).
(9) قال ابن باز: (ولا يشترط أن يكون معه صومٌ على الصحيح فلو اعتكف الرجل
أو المرأة وهما مفطران فلا بأس في غير رمضان) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/
441). وقال أيضاً: (ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل) ((مجموع فتاوى
ابن باز)) (15/ 442).
(10) قال ابن عثيمين: (القول الثاني: أنه لا يشترط له الصوم .. وهذا القول
هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) (6/ 507).
(11) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656).
(12) ((التمهيد لابن عبدالبر)) (11/ 200).
(13) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173) واللفظ له.
(14) ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 276).
(15) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 65).
مطلب: أقسام الخروج
من المسجد
الفرع الأول: الخروج ببعض البدن
الخروج ببعض البدن من المسجد لا بأس به للمعتكف ولا يفسد الاعتكاف، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية
(3)، والحنابلة (4)، (5)
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ... يخرج
رأسه من المسجد - وهو معتكف - فأغسله وأنا حائض)). أخرجه البخاري ومسلم (6)
2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم
وهي حائض، وهو معتكفٌ في المسجد وهي في حجرتها، يناولها رأسه)). أخرجه
البخاري ومسلم (7)
الفرع الثاني: الخروج بجميع البدن بغير عذر
الخروج بجميع البدن من المسجد بغير عذرٍ يفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق
المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)،
والحنابلة (11)، (12)، بل حكى ابن حزم الإجماع على ذلك (13)
الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ، إذا
كان معتكفا)). أخرجه البخاري ومسلم (14).
الفرع الثالث: الخروج بجميع البدن بعذر
_________
(1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 287)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 117).
(2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 549)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 543).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 500)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (4/
332).
(4) ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 141)، ((كشاف القناع
للبهوتي)) (2/ 360).
(5) قال ابن حزم: (وله إخراج رأسه من المسجد للترجيل) ((المحلى)) (5/ 187).
وقال ابن دقيق العيد: (أن المعتكف إذا أخرج رأسه من المسجد لم يفسد
اعتكافه، وقد يقاس عليه غيره من الأعضاء إذا لم يخرج جميع بدنه من المسجد)
((إحكام الأحكام)) (ص89). وقال ابن القيم: (وكان إذا اعتكف، دخل قبته وحده،
وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان، وكان يخرج رأسه من
المسجد إلى بيت عائشة، فترجله، وتغسله وهو في المسجد وهى حائض) ((زاد
المعاد)) (2/ 89). وقال الصنعاني: (في الحديث دليلٌ على ... أن خروج بعض
بدنه لا يضر) ((سبل السلام)) (2/ 174). وقال ابن عثيمين: (وأما خروجه من
المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين))
(20/ 341).
(6) رواه البخاري (2031) واللفظ له، ومسلم (297).
(7) رواه البخاري (2046) واللفظ له، ومسلم (297).
(8) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 109)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 115).
(9) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 543)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 543).
(10) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 486)، ((المجموع للنووي)) (6/ 500).
(11) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 69)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 179).
(12) قال الصنعاني: (في الحديث دليلٌ على أنه لا يخرج المعتكف من المسجد
بكل بدنه) ((سبل السلام)) (2/ 174). وقال الشوكاني: (<قوله: ولا يخرج
لحاجةٍ إلا لما لا بد منه> فيه دليلٌ على المنع من الخروج لكل حاجةٍ من غير
فرقٍ بين ما كان مباحاً أو قربة أو غيرهما إلا الذي لا بد منه كالخروج
لقضاء الحاجة وما في حكمها) ((نيل الأوطار)) (4/ 267).
(13) قال ابن حزم: (واتفقوا على أن من خرج من معتكفه في المسجد لغير حاجةٍ
ولا ضرورةٍ ولا برٍ أمر به أو ندب إليه، فإن اعتكافه قد بطل) ((مراتب
الإجماع)) (ص41)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). والخلاف
في المسألة منقولٌ عن أبي يوسف ومحمد ما لم يكن الخروج أكثر من نصف يوم.
((المبسوط للسرخسي)) (3/ 109)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 115).
(14) رواه البخاري (2029)، ومسلم (297).
الخروج لأمرٍ لا بد منه حساً أو شرعاً
جائزٌ، كقضاء الحاجة والوضوء من الحدث وغير ذلك (1).
الدليل:
الإجماع:
فقد أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقل الإجماع ابن المنذر (2)، والماوردي
(3)، وابن قدامة (4)، والنووي (5)
_________
(1) قال ابن تيمية: (إن المعتكف يخرج من المسجد لما لا بد منه: كقضاء
الحاجة والأكل والشرب) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 216). وقال الشوكاني:
(<قوله: إلا لحاجة الإنسان> فسرها الزهري بالبول والغائط وقد وقع الإجماع
على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، ويلحق
بالبول والغائط القيء والفصد والحجامة لمن احتاج إلى ذلك) ((نيل الأوطار))
(4/ 266). وقال ابن عثيمين: (الخروج لأمرٍ لا بد منه طبعاً أو شرعاً كقضاء
حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابةٍ أو غيرها والأكل
والشرب، فهذا جائزٌ إذا لم يمكن فعله في المسجد، فإن أمكن فعله في المسجد
فلا، مثل أن يكون في المسجد حمامٌ يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه،
أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب فلا يخرج حينئذٍ لعدم الحاجة إليه)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 342)
(2) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن للمعتكف أن يخرج عن معتكفه للغائط
والبول) ((الإجماع)) (ص50)
(3) قال النووي: ( .. وقد نقل ابن المنذر والماوردي وغيرهما إجماع المسلمين
على هذا) ((المجموع)) (6/ 490).
(4) قال ابن قدامة: (ولا خلاف في أن له الخروج لما لا بد له منه)
((المغني)) (3/ 68).
(5) قال النووي: ( .. وهي البول والغائط وهذا لا خلاف فيه) ((المجموع)) (6/
490).
المبحث الثاني:
الجماع وإنزال المني والاحتلام
المطلب الأول: الجماع وإنزال المني
الجماع وإنزال المني عمداً يحرم على المعتكف ويفسد عليه الاعتكاف (1).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
[البقرة: 187]
ثانياً: الإجماع:
أجمع العلماء على أن الجماع من مفسدات الاعتكاف، وقد حكى الإجماع على ذلك
ابن المنذر (2)، والجصاص (3)، وابن حزم (4)، وابن عبدالبر (5)، والقرطبي
(6)، والنووي (7) المطلب الثاني: الاحتلام
المعتكف إذا احتلم لا يفسد اعتكافه، وعليه أن يغتسل ويتم اعتكافه، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية
(10)، والحنابلة (11)، (12)
الدليل:
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن
ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))
(13)
_________
(1) ((الاستذكار)) (10/ 317).
(2) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن المعتكف ممنوعٌ من المباشرة)
((الإجماع)) (ص50). وقال أيضاً: (وأجمعوا على أن من جامع امرأته، وهو
معتكفٌ عامداً لذلك في فرجها أنه مفسٌد لاعتكافه) ((الإجماع)) (ص50).
(3) قال الجصاص: (أنه معلومٌ أن حظر الجماع على المعتكف غير متعلقٍ بكونه
في المسجد؛ لأنه لا خلاف بين أهل العلم أنه ليس له أن يجامع امرأته في بيته
في حال الاعتكاف) ((أحكام القرآن)) (1/ 309 - 310).
(4) قال ابن حزم: (واتفقوا أن الوطء يفسد الاعتكاف) ((مراتب الإجماع))
(ص41).
(5) قال ابن عبدالبر: (ولا أعلم خلافاً في المعتكف يطأ أهله عامداً أنه قد
أفسد اعتكافه) ((الاستذكار)) (10/ 317).
(6) قال القرطبي: (وأجمع أهل العلم على أن من جامع امرأته وهو معتكفٌ
عامداً لذلك في فرجها أنه مفسدٌ لاعتكافه) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/
332).
(7) قال النووي: (إن جامع المعتكف ذاكراً للاعتكاف عالماً بتحريمه، بطل
اعتكافه بإجماع المسلمين سواء كان جماعه في المسجد أو عند خروجه لقضاء
الحاجة ونحوه من الأعذار التي يجوز لها الخروج) ((المجموع)) (6/ 524).
(8) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 116)، ((فتح القدير للكمال ابن
الهمام)) (2/ 396).
(9) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 732)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/
270).
(10) ((المجموع للنووي)) (6/ 500)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
455).
(11) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 164)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/
356،368).
(12) قال ابن حزم: (وكذلك يخرج لحاجة الإنسان من البول والغائط وغسل
النجاسة وغسل الاحتلام) ((المحلى)) (5/ 188). وقال ابن عثيمين: (الخروج
لأمرٍ لا بد منه طبعاً أو شرعاً كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب
والغسل الواجب لجنابة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 342).
(13) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)،
وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل
الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في
((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).
المبحث الثالث: طروء
الحيض والنفاس
طروء الحيض أو النفاس على المعتكفة يحرِّم عليها اللبث في المسجد، فينقطع
بذلك اعتكافها مؤقتاً، ولا يبطله، فإذا طهرت فإنها ترجع إلى المسجد الذي
كانت تعتكف فيه وتبني على ما مضى من اعتكافها، وهذا قول جمهور العلماء من
المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، (4)، وقد حكى ابن قدامة
الإجماع على تحريم مكثها في المسجد (5)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ
وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا
عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43]
وجه الدلالة:
أنه إذا وجب على الجنب ألا يقرب المسجد حتى يغتسل، فالحائض والنفساء أولى
منه بذلك؛ لأن الحيض والنفاس لا يمكن رفعهما، فهما أولى بالمنع.
ثانياً: من السنة:
1 - عن أم عطية قالت ((أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في
العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين)).
أخرجه البخاري ومسلم (6)
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: فقلت إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في
يدك)). أخرجه مسلم (7)
_________
(1) قال ابن عبد البر: (والمرض والحيض إذا طرأ على المعتكف بنى على اعتكافه
ساعة يصح المريض وتطهر الحائض ويرجع كل واحد منهما إلى مسجده ساعتئذٍ في
ليلٍ أو نهار) ((الكافي)) (1/ 354)، وانظر ((الفواكه الدواني للنفراوي))
(1/ 45)، و ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص31، 85).
(2) قال النووي: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمها الخروج من المسجد وإذا
خرجت سكنت في بيتها كما كانت قبل الاعتكاف حتى ينقطع حيضها ثم تعود إلى
اعتكافها) ((المجموع للنووي)) (6/ 520)، وقال أيضا: (قال الشافعي في
البويطي إذا حاضت المعتكفة خرجت فإذا طهرت رجعت وبنت هكذا نص عليه ونقله عن
نصه في البويطي القاضى أبو الطيب وغيره. وقال أصحابنا إذا حاضت في اعتكافها
لزمها الخروج من المسجد فإذا خرجت وطهرت فإن كان اعتكافها تطوعاً وأرادت
البناء عليه بنت. وإن كان نذرا غير متتابع بنت. وإن كان متتابعاً فإن كان
مدة لا يمكن حفظها من الحيض غالباً بأن كان أكثر من خمسة عشر يوماٍ لم يبطل
التتابع بل تبني عليه بلا خلاف. وإن كانت مدة يمكن حفظها من الحيض كخمسة
عشر فما دونها فطريقان: أحدهما: ينقطع وبهذا جزم المصنف وطائفة .. والأصح
الانقطاع) ((المجموع للنووي)) (6/ 519)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب))
(1/ 454، 455).
(3) قال المرداوي: (تخرج المرأة للحيض والنفاس إلى بيتها إن لم يكن للمسجد
رحبة، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد وإن كان له رحبةٌ يمكن ضرب خبائها فيها
بلا ضرر فعلت ذلك فإذا طهرت رجعت إلى المسجد) ((الإنصاف للمرادوي)) (3/
265)، وانظر ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 357 - 358).
(4) قال ابن تيمية: (الاعتكاف يستحب له طهارة الحدث ولا يجب، فلو قعد
المعتكف وهو محدثٌ في المسجد لم يحرم بخلاف ما إذا كان جنباً أو حائضاً فإن
هذا يمنعه منه الجمهور كمنعهم الجنب والحائض من اللبث في المسجد لا لأن ذلك
يبطل الاعتكاف) ((مجموع الفتاوى)) (21/ 275).
(5) قال ابن قدامة: (أما خروجها من المسجد فلا خلاف فيه لأن الحيض حدثٌ
يمنع اللبث في المسجد فهو كالجنابة وآكد منه) ((المغني)) (3/ 79).
(6) رواه البخاري (324)، ومسلم (890) واللفظ له.
(7) رواه مسلم (298).
المبحث الرابع: طروء
الإغماء والجنون
طروء الإغماء والجنون يقطع الاعتكاف فإن أفاق بنى على اعتكافه (1)، وهذا
قول جمهور العلماء من المالكية (2)، والشافعية (3) والحنابلة (4).
الدليل:
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن
ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))
(5)
_________
(1) وذلك لأنه مغلوبٌ على زوال عقله بأمرٍ هو فيه معذور، فصار كمن غلب على
الخروج، وكذلك المغمى عليه.
(2) ((المدونة الكبرى)) (1/ 291)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 544).
(3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 495)، ((المجموع للنووي)) (6/ 517 -
518).
(4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 133)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 351).
(5) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)،
وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل
الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في
((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).
المبحث الخامس:
المعاصي
المعاصي تجرح معنى الاعتكاف الذي يدور رحاه على الانقطاع إلى الله سبحانه
وتعالى في بيتٍ من بيوته، لكن إن وقعت من المعتكف المعصية فإنها لا تفسد
اعتكافه حتى لو كانت هذه المعصية من جنس الكبائر كالغيبة والنميمة ونحوهما،
وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)
وذلك لأن النهي عن المعاصي ومنها الكبائر لا يعود إلى ذات المنهي عنه، فلم
يخص الشارعُ النهيَّ عن المعصية في حال الاعتكاف، وإنما أتى النهي عنها
مطلقاً، فهو بالتالي أمر خارج عن ذات الاعتكاف فلا يكون مبطلاً له.
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 116)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 117).
(2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 494)، ((المجموع للنووي)) (6/ 534).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 75)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة))
(3/ 147).
المبحث السادس:
الردة
الردة تفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)،
والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ
إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة: 54]
ومن باب أولى عدم قبول العبادات البدنية.
2 - قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ
هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23]
أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم،
فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر
(5).
3 - قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65]
ثانياً: من السنة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (6)
فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية والكافر ليس من أهل النية (7)
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 115)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 116).
(2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 544)، ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص85).
(3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 494)، ((المجموع للنووي)) (6/ 518).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 73)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة))
(3/ 145).
(5) ((تفسير القرطبي)) (13/ 21 - 22)، وانظر ((تفسير الطبري)) (19/ 256 -
257). قال ابن كثير: (فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فُرِضَ أنهم مخلصون
فيه لله - فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمد صلى الله
عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم، قال الله تعالى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً
مَنْثُورًا *الفرقان: 23*، وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ
لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا *النور: 39*) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 385).
(6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
(7) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108).
المبحث الأول: حكم
نذر الاعتكاف
من نذر الاعتكاف فإنه يلزمه الوفاء به، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية
الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم
قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوف
بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم (5)
وفي ذلك لزوم الوفاء بالنذر.
2 - عموم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من نذر أن يطيع الله فليطعه)). أخرجه البخاري (6).
_________
(1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 279)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 109).
(2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 545)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 458).
(3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 491)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/
394).
(4) ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 128)، ((كشاف القناع
للبهوتي)) (2/ 348).
(5) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656).
(6) رواه البخاري (6700).
المبحث الثاني: نذر
الاعتكاف في المساجد الثلاثة
من نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة (1)، فعليه الوفاء بنذره، وهو قول
جمهور الفقهاء من المالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4)، (5)
الأدلة:
1 – عموم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من نذر أن يطيع الله فليطعه)). أخرجه البخاري (6)
فالوفاء بنذر الطاعة واجبٌ.
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:
كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك)).
أخرجه البخاري ومسلم (7)
3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا
تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى
الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)). أخرجه البخاري ومسلم (8).
_________
(1) وهي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى.
(2) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 461)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/
405).
(3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 491)، ((المجموع للنووي)) (6/ 481 -
482).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 82)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 151). قال
ابن مفلح: (من نذر الاعتكاف أو الصلاة في أحد المساجد الثلاثة: المسجد
الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لم يجزئه في
غيرها).
(5) قال ابن تيمية: (ولو نذر صلاةً أو صياماً أو قراءةً أو اعتكافاً في
مكانٍ بعينه فإن كان للتعيين مزيةٌ في الشرع: كالصلاة والاعتكاف في المساجد
الثلاثة لزم الوفاء به) ((مجموع الفتاوى)) (31/ 50 - 51). وقال ابن باز:
(إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاء لنذره)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 445). وقال ابن عثيمين: (لو نذر رجلٌ أن
يعتكف في أي مسجدٍ من المساجد، في أي بلدٍ فإنه لا يلزمه أن يعتكف فيه، إلا
المساجد الثلاثة) ((الشرح الممتع)) (6/ 512).
(6) رواه البخاري (6700).
(7) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656).
(8) رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397).
المبحث الثالث: حكم
من نذر الاعتكاف قبل إسلامه
من نذر الاعتكاف قبل أن يسلم فيجب الوفاء به بعد إسلامه، وهذا قول أهل
الظاهر (1)، وهي رواية عن أحمد (2)، واختاره ابن بطال (3)، والبغوي (4)،
والصنعاني (5)، والشوكاني (6)، والشنقيطي (7)، وابن عثيمين (8)
الدليل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت
نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك)).
أخرجه البخاري ومسلم (9)
_________
(1) ((المحلى لابن حزم)) (5/ 183)، قال ابن حجر: (وبه جزم الطبري والمغيرة
بن عبد الرحمن من المالكية والبخاري وداود وأتباعه) ((فتح الباري)) (11/
582).
(2) ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (3/ 472).
(3) قال ابن حجر: (<قال ابن بطال: من نذر أو حلف قبل أن يسلم على شيءٍ يجب
الوفاء به لو كان مسلماً فإنه إذا أسلم يجب عليه على ظاهر قصة عمر>) ((فتح
الباري)) (11/ 582).
(4) قال البغوي: (في هذا الحديث دليلٌ على أن من نذر في حال كفره بما يجوز
نذره في الإسلام، صح نذره، ويجب عليه الوفاء به بعد الإسلام) ((شرح السنة))
(6/ 402).
(5) قال الصنعاني: (دل الحديث على أنه يجب على الكافر الوفاء بما نذر به
إذا أسلم) ((سبل السلام)) (4/ 115).
(6) قال الشوكاني: (والظاهر أنه يلزمه الوفاء بنذره) ((نيل الأوطار)) (4/
92).
(7) قال الشنقيطي: (اشتراط الإسلام في النذر فيه نظر؛ لأن ما نذره الكافر
من فعل الطاعات قد ينعقد نذره له بدليل أنه يفعله إذا أسلم بعد ذلك، ولو
كان لغواً غير منعقد، لما كان له أثرٌ بعد الإسلام .. فقوله صلى الله عليه
وسلم لعمر في هذا الحديث الصحيح: أوف بنذرك. مع أنه نذره في الجاهلية،
صريحٌ في ذلك كما ترى) ((أضواء البيان)) (5/ 248).
(8) قال ابن عثيمين: (لو كان الناذر كافراً فإن نذره ينعقد، فإن وفى به في
حال كفره برئت ذمته، وإن لم يف به لزمه أن يوفي به بعد إسلامه؛ لأن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أعتكف
ليلةً في المسجد الحرام في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
أوف بنذرك. والأمر هنا للوجوب، وإيجاب الوفاء عليه لنذره فرعٌ عن صحته؛
لأنه لو كان غير صحيحٍ ما وجب الوفاء به) ((الشرح الممتع)) (15/ 209).
(9) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656).
المبحث الرابع: من نذر يوماً هل يدخل فيه
الليل؟
اليوم في النذر يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فلا يدخل فيه الليل، وهو
قول جمهور العلماء من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، (4)
وذلك لأن مطلق اليوم يقع على هذا الزمان. ولا يلزمه اعتكاف الليل؛ لأنه لا
يتخلل زمان الاعتكاف (5).
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 113)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 110).
(2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 501)، ((المجموع للنووي)) (6/ 493).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 81)، ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (1/
503).
(4) قال ابن حزم: (ومن نذر اعتكاف يومٍ أو أيامٍ مسماةٍ أو أراد ذلك تطوعاً
فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر ويخرج إذا غاب جميع قرص
الشمس سواء كان ذلك في رمضان أو غيره) ((المحلى)) (5/ 198). وقال ابن
عثيمين: (من نذر أن يصوم معتكفاً لزمه أن يعتكف من قبل الفجر إلى الغروب؛
لأنه نذر أن يصوم معتكفاً؛ فلا بد أن يستغرق الاعتكاف كل اليوم) ((الشرح
الممتع)) (6/ 507).
(5) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 501).
المبحث الأول: قضاء
الاعتكاف المستحب
المعتكف تطوعاً إذا أبطل اعتكافه بعد الشروع فيه، فإنه يستحب له القضاء ولا
يلزمه، وهو مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، وقولٌ للحنفية (3)
الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف
العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن
تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية
فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً
من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (4).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهن بالقضاء، وقضاء النبي صلى الله عليه
وسلم له لم يكن واجباً عليه, وإنما فعله تطوعاً; لأنه كان إذا عمل عملا
أثبته (5).
_________
(1) ((المجموع للنووي)) (6/ 490).
(2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 73)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة))
(3/ 142).
(3) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 326)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 444).
(4) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).
(5) ((المغني)) (3/ 60).
المطلب الأول: قضاء
الاعتكاف المنذور إذا فات أو فسد
من نذر اعتكاف يومٍ أو عدة أيامٍ معينةٍ ففاتته أو بطل اعتكافه فيها بأحد
مفسداته، فعليه قضاء اليوم أو الأيام التي فاتته، أو بطل اعتكافه فيها،
وهذا قول الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة
(4).
وذلك لأن الوفاء بالنذر واجب، فإذا فسد اعتكافه المنذور فإن النذر لا يزال
باقياً، فهو دينٌ في ذمته، وعليه قضاؤه.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 118)، ((فتح القدير للكمال ابن
الهمام)) (2/ 402 - 403).
(2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 551).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 493)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
456).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 73)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 336).
المطلب الثاني: قضاء
الاعتكاف الواجب عن الميت
من مات وقد نذر قبل موته الاعتكاف فلم يعتكف، فقد اختلف أهل العلم هل يستحب
لوليه أن يقضي هذا الاعتكاف عنه أو لا، على قولين:
القول الأول: لا يستحب لوليه أن يقضيه عنه، ويطعم عنه إن أوصى، وهو ما ذهب
إليه جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3).
الأدلة:
1 - عموم قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى
[النجم:39]
2 - عموم قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:15]
القول الثاني: يستحب لوليه أن يقضي هذا الاعتكاف عنه، وهو المذهب عند
الحنابلة (4)، وقولٌ للشافعي (5)، وذهب إليه ابن عثيمين (6)
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عموم الأحاديث التالية:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، ((أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر. فقال: اقضه
عنها)). أخرجه البخاري ومسلم (7)
2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال:
لو كان على أمك دينٌ، أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن
يُقضَى)). أخرجه البخاري ومسلم (8)
فقوله صلى الله عليه وسلم: ((فدين الله أحق أن يقضى)) يشمل نذر الاعتكاف؛
لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ثانياً: القياس:
فقضاء الاعتكاف عن الميت قياساً على الصوم؛ لأن كلاًّ منهما كفٌّ ومنع (9).
_________
(1) ((حاشية ابن عابدين)) (8/ 471).
(2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 547).
(3) ((المجموع للنووي)) (3/ 372).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (10/ 86)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 336).
(5) ((المجموع للنووي)) (6/ 372)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
439).
(6) قال ابن عثيمين: (رجلٌ نذر أن يعتكف ثلاثة أيام من أول شهر جمادى
الآخرة، ولم يعتكف ومات، فيعتكف عنه وليه؛ لأن هذا الاعتكاف صار ديناً
عليه، وإذا كان ديناً فإنه يقضى، كما يقضى دين الآدمي. وقوله: <اعتكاف نذر>
قد يفهم منه أن هناك اعتكافاً واجباً بأصل الشرع وليس كذلك؛ لأن الاعتكاف
لا يكون واجباً إلا بالنذر) ((الشرح الممتع)) (6/ 454).
(7) رواه البخاري (2761)، ومسلم (1638).
(8) رواه البخاري (1953)، ومسلم (1148) واللفظ له.
(9) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 439).
المطلب الأول: أفضل
الاعتكاف زمناً
أفضل الاعتكاف زمناً هو في رمضان، وآكده في العشر الأواخر منه، وهذا باتفاق
المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)،
والحنابلة (4)، (5)
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف
العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه
البخاري ومسلم (6)
2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن
يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة
عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني
لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه،
فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر
اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (7)
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 207)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/
389)
(2) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 352)، ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/
312)
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 475)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
449).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 254)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 348).
(5) قال ابن دقيق العيد: (واستحبابه في رمضان بخصوصه وفي العشر الأواخر
بخصوصها) ((إحكام الأحكام)). (1/ 293) وقال ابن تيمية: (وما فعله النبي صلى
الله عليه وسلم على وجه التعبد فهو عبادةٌ يُشرع التأسي به فيه، فإذا خصص
زماناً أو مكاناً بعبادةٍ كان تخصيصه بتلك العبادة سنةٌ، كتخصيصه العشر
الأواخر بالاعتكاف فيها) ((مجموع الفتاوى)) (10/ 409). وقال ابن القيم:
(ولما كان هذا المقصود إنما يتم مع الصوم، شرع الاعتكاف في أفضل أيام
الصوم، وهو العشر الأخير من رمضان) ((زاد المعاد)) (2/ 87). وقال الشوكاني:
(قوله: <العشر الأواخر من رمضان> فيه دليلٌ على استحباب مداومة الاعتكاف في
العشر الأواخر من رمضان لتخصيصه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك الوقت
بالمداومة على اعتكافه) ((نيل الأوطار)) (4/ 264). وقال ابن باز: (ويستحب
الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442).
(6) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).
(7) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).
المطلب الثاني: أفضل
الاعتكاف مكاناً
أفضل الاعتكاف مكاناً هو المسجد الحرام ثم يليه المسجد النبوي ثم المسجد
الأقصى، ثم المسجد الجامع، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية
(1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، (5)
وذلك لأن هذه المساجد الثلاثة قد خصها الله تعالى بمزيدٍ من التشريف على
غيرها، فهي أعظم مساجد الله عزَّ وجلَّ، وأفضل مساجد الله سبحانه (6).
ولأن كل ما عظُم من المساجد وكثُر أهله فهو أفضل.
ولأن الاعتكاف قد يتخلله يوم جمعةٍ، فإن لم يكن اعتكافه في مسجد جمعةٍ اضطر
إلى الخروج لأدائها.
_________
(1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 282)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 324).
(2) ((التاج والإكليل للمواق)) (3/ 344)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/
935).
(3) ((الأم للشافعي)) (2/ 118)، ((المجموع للنووي)) (6/ 479).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 259)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 151).
(5) قال ابن عثيمين: (لا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل من غيره)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)).
(6) قال ابن تيمية: (والمسجد الحرام أفضل المساجد ويليه مسجد النبي صلى
الله عليه وسلم ويليه المسجد الأقصى) ((مجموع الفتاوى)) (27/ 7).
المطلب الأول:
اشتغال المعتكف بالعبادات المختصة به
يستحب للمعتكف أن يشتغل بالقرب والعبادات المختصة به كقراءة القرآن،
والذكر، والصلاة في غير وقت النهي، وما أشبه ذلك، وهذا باتفاق المذاهب
الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة
(4)؛ وذلك لأن الاعتكاف إنما شُرِعَ للتفرغ لعبادة الله عز وجل، وجمع القلب
بكلِّيَّتِهِ على الله سبحانه وتعالى.
وكره بعض المالكية والحنابلة للمعتكف الاشتغال بتدريس العلم والمناظرة
وكتابة الحديث ومجالسة العلماء ونحو ذلك من العبادات التي لا يختص نفعها به
(5).
_________
(1) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 352).
(2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 407 - 408).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 528).
(4) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 362).
(5) انظر ((حاشية الدسوقي)) (1/ 548)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 407 -
408)، و ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 363). قال ابن عثيمين: (قوله: <
ويستحب اشتغاله بالقرب > أي: يستحب للمعتكف أن يشتغل بالقرب، جمع قربة،
ومراده العبادات الخاصة، كقراءة القرآن، والذكر، والصلاة في غير وقت النهي،
وما أشبه ذلك، وهو أفضل من أن يذهب إلى حلقات العلم، اللهم إلا أن تكون هذه
الحلقات نادرة، لا تحصل له في غير هذا الوقت، فربما نقول: طلب العلم في هذه
الحال، أفضل من الاشتغال بالعبادات الخاصة، فاحضرها لأن هذا لا يشغل عن
مقصود الاعتكاف) ((الشرح الممتع)) (6/ 529).
المطلب الثاني: حكم
الصمت عن الكلام مطلقاً
يحرم الصمت على المعتكف إن فعله قربةً وتديناً، ونص على ذلك فقهاء الحنفية
(1)، والحنابلة (2)، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على بدعيَّة ذلك (3).
الأدلة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب
إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد،
ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم،
وليستظل، وليقعد، وليتم صومه)). أخرجه البخاري (4)
وجه الدلالة:
أمرُهُ صلى الله عليه وسلم للرجل أن يتكلم مع أنه نذر الصمت، فتركُ الصمت
لمن لم ينذره من باب أولى.
2 - عن قيس بن أبي حازم قال: ((دخل أبو بكر على امرأةٍ من أحمس يقال لها:
زينب. فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. قال لها:
تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت ... )). أخرجه البخاري
(5)
_________
(1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 277)، ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 133).
(2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 76)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 188). قال
ابن قدامة: (وليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام، وظاهر الأخبار
تحريمه).
(3) قال ابن تيمية: (وأما الصمت عن الكلام مطلقاً في الصوم أو الاعتكاف أو
غيرهما فبدعةٌ مكروهةٌ باتفاق أهل العلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 292).
وقال ابن تيمية أيضا: ( .. فمن فعلها – يعني بذلك بعض الأعمال كالصمت - على
وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك ديناً وطريقاً إلى الله تعالى فهو ضالٌّ
جاهلٌّ مخالفٌ لأمر الله ورسوله، ومعلومٌ أن من يفعل ذلك من نذر اعتكافاً
ونحو ذلك إنما يفعله تديناً ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرامٌ؛ فإنه
يعتقد ما ليس بقربةٍ قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله، وهذا
حرامٌ، لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذوراً بجهله إذا لم
تقم عليه الحجة، فإذا بلغه العلم فعليه التوبة، وجماع الأمر في الكلام قوله
صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو
ليصمت. فقول الخير وهو الواجب أو المستحب خيرٌ من السكوت عنه، وما ليس
بواجبٍ ولا مستحبٍ فالسكوت عنه خيرٌ من قوله) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 293).
(4) رواه البخاري (6704).
(5) رواه البخاري (3834).
المطلب الثالث: هل
للمعتكف أن يعقد النكاح سواء كان له أو لغيره؟
يجوز للمعتكف عقد النكاح في المسجد، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة:
الحنفية (1)، والمالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4)، بل حكى النووي
الإجماع على هذا (5).
وذلك لأن النكاح طاعةٌ، وحضوره قربةٌ، كما أنَّ مدته لا تتطاول، فلا يحصل
التشاغل به عن الاعتكاف؛ ولذا لم يُكره فيه.
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 116)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/
326).
(2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 540)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/ 45).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 528)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
452).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 77)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 384).
(5) قال النووي: (يجوز أن يتزوج وأن يزوج .. ولا أعلم فيه خلافاً)
((المجموع)) (6/ 528).
|