الموسوعة
الفقهية الدرر السنية تمهيد:
تنقسم شروط الحج إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شروط وجوب، وصحة، وإجزاء (الإسلام، العقل)
القسم الثاني: شروط وجوب، وإجزاء فقط (البلوغ، الحرية)
القسم الثالث: شرط وجوب فقط (الاستطاعة)
الفصل الأول: شروط
وجوب، وصحة، وإجزاء
المبحث الأول: الإسلام
المطلب الأول: حكم حج الكافر
لا يصح الحج من الكافر، ولا يجب عليه (1)، ولا يجزئ عنه إن وقع منه (2).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
1 - قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ
إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة: 54].
وجه الدلالة:
أنه إذا كانت النفقات لا تقبل منهم لكفرهم مع أن نفعها متعدٍّ، فالعبادات
الخاصة أولى ألَّا تقبل منهم، والحج من العبادات الخاصة، فلا يُقبَل من
كافر.
2 - وقال تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم
مَّا قَدْ سَلَفَ [الأنفال 38].
ثانياً: من السنة:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أما
علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج
يهدم ما كان قبله؟)) أخرجه مسلم (3).
وجه الدلالة:
أن الحديث صحيح صريح في قطع النظر عما قبل الاسلام (4).
ثالثاً: الإجماع:
أجمع أهل العلم على أن الحج إنما يتعلق فرضه بالمسلم، نقله ابن حزم (5)،
وابن قدامة (6)، والشربيني (7).
المطلب الثاني: من حج الفريضة، ثم ارتد ثم تاب وأسلم فهل يجب عليه الحج من
جديد؟
_________
(1) القول بوجوب الحج على الكافر أو عدم وجوبه مبني على الخلاف الأصولي في
مخاطبة الكفار بفروع الشريعة. قال القرافي: (والإسلام يجري على الخلاف
بخطاب الكفار بالفروع، وهو المشهور، فلا يكون شرطا في الوجوب). ((الذخيرة))
للقرافي (3/ 179). وقال ابن قدامة: (أما الكافر فغير مخاطب بفروع الدين
خطابا يلزمه أداء، ولا يوجب قضاء). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214). وقال
ابن عثيمين: (إذا قلنا: إنها غير واجبة على الكافر، فلا يعني ذلك أنه لا
يعاقب عليها، ولكنه لا يؤمر بها حال كفره، ولا بقضائها بعد إسلامه، فعندنا
ثلاثة أشياء: الأول: الأمر بأدائها. الثاني: الأمر بالقضاء. الثالث: الإثم.
فالأمر بالأداء لا نوجهه إلى الكافر، والأمر بالقضاء إذا أسلم كذلك لا
نوجهه إليه، والإثم ثابت يعاقب على تركها، وعلى سائر فروع الإسلام).
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 8).
(2) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 461).
(3) رواه مسلم (121).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 18).
(5) قال ابن حزم: (اتفقوا أن الحر المسلم العاقل البالغ الصحيح ... الحج
عليه فرض) ((مراتب الإجماع)) (ص: 41).
(6) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام،
والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا).
((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(7) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462).
لا تجب عليه حجة الإسلام مجددا بعد التوبة
عن الردة، وهذا مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2) وقول ابن حزم (3) واختاره
ابن عثيمين (4) وبه أفتت اللجنة الدائمة (5).
الأدلة:
أولا من الكتاب:
قال الله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ
كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217].
وجه الدلالة:
أن الآية دلت على أن إحباط الردة للعمل مشروط بالموت كافرا (6).
ثانياً: من السنة:
قول النبي لحكيم بن حزام: ((أسلمت على ما أسلفت عليه من خير)) أخرجه مسلم
(7).
وجه الدلالة:
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (7/ 9)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 3).
(2) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 275)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 378).
(3) قال ابن حزم: (أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على
شركه لا إذا أسلم وهذا حق بلا شك. ولو حج مشرك أو اعتمر, أو صلى, أو صام,
أو زكى, لم يجزه شيء من ذلك، عن الواجب, وأيضا فإن قوله تعالى فيها:
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *الزمر: 65* بيان أن المرتد إذا رجع إلى
الإسلام لم يحبط ما عمل قبل في إسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازى عليه
بالجنة; لانه لا خلاف بين أحد من الآمة لا هم، ولا نحن في أن المرتد إذا
راجع الإسلام ليس من الخاسرين, بل من المربحين المفلحين الفائزين. فصح أن
الذي يحبط عمله هو الميت على كفره مرتدا أو غير مرتد, وهذا هو من الخاسرين
بلا شك, لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته, وقال تعالى: وَمَن
يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ *البقرة: 217* فصح نص قولنا: من أنه لا يحبط عمله
إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر. ووجدنا الله تعالى يقول: أَنِّي لاَ
أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى. وقال تعالى فَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *الزلزلة: 7*. وهذا عموم لا
يجوز تخصيصه. فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما، ولا يضيعان له).
((المحلى)) لابن حزم (7/ 277).
(4) قال ابن عثيمين: (من المعلوم أن الردة تحبط الأعمال لقول الله تعالى:
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ *الزمر: 65* ولقوله تعالى:
وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *الأنعام:
88* لكن هذا مقيد بما إذا مات على الكفر لقوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *البقرة: 217*. فلو ارتد ثم عاد إلى
الإسلام فإن أعماله الصالحة السابقة للردة لا تبطل، وكذلك ما له من المزايا
والمناقب والفضائل). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 68).
(5) في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: (من كان مسلما ثم ارتد بارتكابه ما
يخرجه من ملة الإسلام ثم تاب وعاد إلى الإسلام أجزأته حجته تلك عن حجة
الإسلام؛ لكونه أدى الحج وهو مسلم، وقد دل القرآن على أن عمل المرتد قبل
ردته إنما يحبط بموته على الكفر؛ لقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *البقرة: 217*). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) برئاسة
ابن باز (11/ 27).
(6) ((الذخيرة)) للقرافي (1/ 217)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 3).
(7) رواه مسلم (123).
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت له
ثواب ما قدم من أعمال صالحة حال كفره، بعد أن أسلم، فمن باب أولى ثبوت
الأعمال التي قدمها المرء حال إسلامه قبل ارتداده إذا عاد إلى الإسلام (1).
المبحث الثاني: العقل
العقل شرطٌ في وجوب الحج وإجزائه، فلا يجب على المجنون، ولا تجزئ عن حجة
الإسلام إن وقعت منه.
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن
ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))
(2).
ثانياً: الإجماع:
أجمع أهل العلم على عدم وجوب الحج على المجنون، نقل ذلك ابنُ قدامة (3)،
والنوويُّ (4)، والمرداوي (5)، وأجمعوا كذلك على أنه لو حج فإنه لا يجزئه
عن حجة الفريضة، نقل ذلك ابن المنذر (6).
ثالثاً: أن المجنون ليس من أهل العبادات، فلا يتعلق التكليف به كالصبي (7).
رابعاً: أن الحج لابد فيه من نية وقصد، ولا يمكن وجود ذلك في المجنون (8).
مسألة: هل العقل شرط صحة؟
اختلف أهلُ العلم في صحة حج المجنون على قولين:
القول الأول: يصح الحج من المجنون بإحرام وليه عنه، وهو مذهب الجمهور من
الحنفية (9)، والمالكية في المشهور (10)، والشافعية (11).
دليل ذلك:
القياس على صحة حج الصبي الذى لا يميز في العبادات (12).
القول الثاني: لا يصح الحج من المجنون ولو أحرم عنه وليه وهو مذهب الحنابلة
(13)، وقول للحنفية (14)، وقول للمالكية (15)، ووجه للشافعية (16)، واختاره
ابن عثيمين (17).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
_________
(1) ينظر: ((المجموع)) للنووي (3/ 4).
(2) رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/
100) (24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225) (2296)، وابن حبان (1/ 355)
(142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84) (11786). احتج به ابن حزم في
((المحلى)) لابن حزم (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/
392)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق
في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن
ماجه)) (1673).
(3) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام،
والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا).
((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(4) قال النووي: (أجمعت الامة على أنه لا يجب الحج على المجنون).
((المجموع)) للنووي (7/ 20).
(5) قال المرداوي: (لا يجب الحج على المجنون إجماعاً). ((الإنصاف))
للمرداوي (3/ 276).
(6) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المجنون إذا حُج به ثم صح، أو حُج
بالصبي ثم بلغ، أن ذلك لا يجزئهما عن حجة الإسلام). ((الإجماع)) لابن
المنذر (ص: 60).
(7) ((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(8) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 255).
(9) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 5)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/
459).
(10) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 426)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب
الرباني)) (1/ 517).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/
298).
(12) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 203).
(13) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 26)، ((كشاف القناع)) للبهوتي
(2/ 378).
(14) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459).
(15) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 426).
(16) ((المجموع)) للنووي (7/ 20).
(17) قال ابن عثيمين: (أما المجنون فلا يلزمه الحج ولا يصح منه، ولو كان له
أكثر من عشرين سنة؛ لأنه غير عاقل، والحج عمل بدني يحتاج إلى القصد).
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 9)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين))
(24/ 255).
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى
يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (1).
وجه الدلالة:
أن المراد برفع القلم عدم تكليفهم، فدل ذلك على أن المجنون ليس من أهل
التكليف، وعلى عدم صحة العبادة منه (2).
ثانياً: أن العقل مناط التكليف، وبه تحصل أهلية العبادة، والمجنون ليس أهلا
لذلك، فلا معنى ولا فائدة في نسكه، أشبه العجماوات (3).
ثالثاً: أن الحج عبادة من شرطها النية، وهي لا تصح من المجنون (4).
رابعاً: الإجماع على أن المجنون لو أحرم بنفسه لم ينعقد إحرامه؛ وقد حكى
المرداوي الإجماع على ذلك، فكذلك إذا أحرم عنه غيره (5).
_________
(1) رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/
100) (24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225) (2296)، وابن حبان (1/ 355)
(142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84) (11786). احتج به ابن حزم في
((المحلى)) لابن حزم (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/
392)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق
في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن
ماجه)) (1673).
(2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 202).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 203).
(4) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 26).
(5) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 276).
الفصل الثاني: شروط
وجوب وإجزاء
المبحث الأول: الحرية
المطلب الأول: الحرية شرط وجوب
الحرية شرط في وجوب الحج فلا يجب على العبد، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية:
الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4). وحكى الإجماع
على ذلك ابن قدامة (5)، والنووي (6)، والشربيني (7)، والشنقيطي (8) (9)
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام،
وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام)) (10).
وجه الدلالة:
أن الحج لو كان واجبا على العبد في حال كونه مملوكا لأجزأه ذلك عن حجة
الإسلام، وقد دل الحديث أنه لا يجزئه، وأنه إذا أعتق بعد ذلك لزمته حجة
الإسلام (11).
ثانياً: أن الحج عبادة تطول مدتها، وتتعلق بقطع مسافة، والعبد مستغرق في
خدمة سيده، ومنافعه مستحقة له، فلو وجب الحج عليه لضاعت حقوق سيده المتعلقة
به، فلم يجب عليه كالجهاد (12).
ثالثاً: أن الاستطاعة شرط في الحج، وهي لا تتحقق إلا بملك الزاد والراحلة،
والعبد لا يتملك شيئا (13).
المطلب الثاني: الحرية شرط إجزاء
الحرية شرط في الإجزاء عن حج الفريضة، فإذا حج العبد لم يجزئه عن حج
الفريضة، ولزمه إذا أعتق، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (14)،
والمالكية (15)، والشافعية (16)، والحنابلة (17).
أولاً: من السنة:
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 477).
(2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 179)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 86).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 43) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462، 463).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).
(5) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام،
والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا).
((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(6) قال النووي: (أجمعت الامة على أن العبد لا يلزمه الحج). ((المجموع))
للنووي (7/ 43).
(7) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462).
(8) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 304).
(9) خالف في ذلك بعض أهل الظاهر، فقالوا بوجوب الحج على العبد كالحر، وقد
ناقش ابن حزم صحة الإجماعات المحكية في المسألة. ((المحلى)) لابن حزم (7/
43رقم 812)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 86).
(10) رواه بنحوه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 823)، والطبراني في
((المعجم الأوسط)) (3/ 140) (2731)، والبيهقي (5/ 179) (10134).قال ابن حزم
في ((المحلى)) لابن حزم (7/ 44): (رواته ثقات). وقفه أحدهما على ابن عباس
وأسنده آخر، وقال البيهقي: (مرفوع، وروي موقوفاً وهو الصواب)، وجوَّد
إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 57)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد))
(3/ 208): (رجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (986)
..
(11) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 305).
(12) ((المجموع)) للنووي (7/ 43)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(13) ((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 28).
(14) ((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 477).
(15) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 413)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/
443).
(16) ((المجموع)) للنووي (7/ 56) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462، 463).
(17) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((من حج، ثم
عتق فعليه حجة أخرى، ومن حج وهو صغير ثم بلغ فعليه حجة أخرى)) (1).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (2)، وابن عبدالبر (3).
ثالثاً: أن الرقيق فعل ذلك قبل وجوبه عليه، فلم يجزئه إذا صار من أهله،
كالصغير (4).
المبحث الثاني: البلوغ
المطلب الأول: حكم حج الصبي
البلوغ ليس شرطاً لصحة الحج، فيصح من الصبي، فإن كان مميزا (5) أحرم بنفسه،
وإن لم يكن مميزا أحرم عنه وليُّه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية
(6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، وبعض الحنفية (9)، وجماهير العلماء من
السلف والخلف (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا
بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول
الله، فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر))، وفي
رواية: ((فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها)) رواه مسلم (11).
وجه الدلالة:
أن الصبي الذي يحمل بعضده، ويخرج من المحفة لا تمييز له (12).
2 - عن السائب ابن زيد رضي الله عنه قال: ((حُجَّ بي مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين)) رواه البخاري (13).
ثانياً: الإجماع:
_________
(1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 823)، والطبراني في ((المعجم
الأوسط)) (3/ 140) (2731)، والبيهقي (5/ 179) (10134). قال ابن حزم في
((المحلى)) لابن حزم (7/ 44): (رواته ثقات). وقفه أحدهما على ابن عباس
وأسنده آخر، وجوَّد إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 57)، وصححه الألباني
في ((إرواء الغليل)) (986).
(2) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بخلافه
خلافا أن الصبي إذا حج ثم بلغ والعبد إذا حج ثم عتق أن عليهما بعد ذلك حجة
الاسلام إن استطاعا). ((المجموع)) للنووي (7/ 62).
(3) قال برهان الدين ابن ملفح: (هذا قول عامة العلماء إلا شذوذًا بل حكاه
ابن عبدالبر إجماعا). ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 27)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 379).
(4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).
(5) الصبى المميز: (هو الذى يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام
ونحو ذلك ولا يضبط بسن مخصوص بل يختلف باختلاف الافهام، وقيل: هو الذي عقل
الصلاة والصيام). ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 435)، ((المجموع)) للنووي
(7/ 29).
(6) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 411)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/
297).
(7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 206)، ((المجموع)) للنووي (7/ 22).
واشترط الشافعية إذن وليه.
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 241)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 213).
واشترط الحنابلة إذن وليه.
(9) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 5).
(10) قال ابن عبدالبر في الحج بالصبيان الصغار: (وقد اختلف العلماء في ذلك
فأجازوه مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز من أصحابهما وغيرهم، وأجازه
الثوري وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين، وأجازه الأوزاعي والليث بن سعد
فيمن سلك سبيلهما من أهل الشام ومصر. وكل من ذكرناه يستحب الحج بالصبيان
ويأمر به ويستحسنه وعلى ذلك جمهور العلماء من كل قرن، وقالت طائفة لا يحج
بالصبيان وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر
(1/ 103)، وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 40،42).
(11) رواه مسلم (1336).
(12) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 207).
(13) رواه البخاري (1858).
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (1)،
والقاضي عياض (2).
ثالثاً: أنه يصح من الولي عقد النكاح عنه والبيع والشراء بماله، فيصح
إحرامه عنه إذا كان غير مميز (3).
المطلب الثاني: البلوغ شرطُ وجوبٍ وشرط إجزاءٍ
البلوغ شرط وجوبٍ وشرط إجزاء، فلا يجب الحج على الصبي، فإن حج لم يجزئه عن
حجة الإسلام، وتجب عليه حجة أخرى إذا بلغ (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن
ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))
(5).
وجه الدلالة:
أن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم))
دليل واضح على أن حج الصبي تطوع، ولم يؤد به فرضا؛ لأنه محال أن يؤدي فرضا
من لم يجب عليه الفرض (6).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على عدم وجوب الحج إلا بالبلوغ: ابن المنذر (7)، وابن جُزي
(8)، والشربيني (9)، ونقل الإجماع على عدم إجزاء الحج إلا بالبلوغ: الترمذي
(10) وابن المنذر (11)، وابن عبدالبر (12)، والقاضي عياض (13).
ثالثاً: أن من لم يبلغ ليس مكلفاً فلا يتعلق به التكليف (14).
المطلب الثالث: ما يفعله الصبيُّ بنفسه وما يفعله عنه وليه
ما يفعله الصبيُّ من أعمال الحج على قسمين:
القسم الأول: ما يقدر عليه الصبي بنفسه، كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة
ومنى، فإنه يلزمه فعله، ولا تجوز فيه النيابة، ومعنى لزوم فعله أنه لا يصح
أن يفعل عنه؛ لعدم الحاجة إليه لا بمعنى أنه يأثم بتركه؛ لأنه غير مكلف.
القسم الثاني: ما لا يقدر عليه؛ فإنه يفعله عنه وليه (15).
الأدلة:
أولاً: الآثار عن الصحابة:
عن أبي بكر رضي الله عنه: ((أنه طاف بابن الزبير في خرقة)) (16).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((كنا نحج بصبياننا فمن استطاع منهم
رمى ومن لم يستطع رمي عنه)).
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن المنذر (17).
_________
(1) يقول ابن عبدالبر في حديث المرأة التي حجت بصبي: (في هذا الحديث من
الفقه الحج بالصبيان، وأجازه جماعة العلماء بالحجاز والعراق والشام ومصر
وخالفهم في ذلك أهل البدع فلم يرو الحج بهم وقولهم مهجور عند العلماء لأن
النبي عليه الصلاة والسلام حج بأغيلمة بني عبدالمطلب). وقال أيضاً: (حج
السلف بصبيانهم) ((الاستذكار)) (4/ 398)، ((المجموع)) للنووي (7/ 42).
(2) قال القاضي عياض: (أجمعوا على أنه يحج به إلا طائفة من أهل البدع منعوا
ذلك، وهو مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة).
((المجموع)) للنووي (7/ 42).
(3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 380).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 21).
(5) رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/
100) (24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225) (2296)، وابن حبان (1/ 355)
(142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84) (11786). احتج به ابن حزم في
((المحلى)) (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 392)،
وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في
((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه))
(1673).
(6) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 108).
(7) قال ابن المنذر: (أجمعوا على سقوط فرض الحج عن الصبي). ((الإجماع))
لابن المنذر (ص: 60)، ((المجموع)) للنووي (7/ 40).
(8) قال ابن جزي: (أما شروط وجوبه فهي البلوغ والعقل اتفاقاً). ((القوانين
الفقهية)) لابن جزي (ص: 86).
(9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462).
(10) قال الترمذي: (وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه
الحج إذا أدرك لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام). ((سنن الترمذي)) (3/
265).
(11) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المجنون إذا حج ثم افاق أو الصبى ثم
بلغ أنه لا يجزئهما عن حجة الإسلام). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 60)،
((المجموع)) للنووي (7/ 40).
(12) قال ابن عبدالبر في ذلك: (على هذا جماعه الفقهاء بالأمصار وأئمة
الأثر). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 107):
(13) قال القاضي عياض: (أجمعوا على أن الصبي إذا حج ثم بلغ لا يجزئه عن حجة
الاسلام إلا فرقة شذت لا يلتفت إليها). ((المجموع)) للنووي (7/ 42).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(15) قال ابن قدامة: (إن كل ما أمكنه فعله بنفسه، لزمه فعله، ولا ينوب غيره
عنه فيه، كالوقوف والمبيت بمزدلفة، ونحوهما، وما عجز عنه عمله الولي عنه).
((المغني)) لابن قدامة (3/ 242). وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 466)،
((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 435)، ((المجموع)) للنووي (7/ 21)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 381).
(16) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (5/ 70)، وابن أبي شيبة في ((المصنف))
(3/ 825).
(17) قال ابن المنذر: (أما الصبي الذي لا يقدر على الرمي فكل من حفظت عنه
من أهل العلم يرى الرمي عنه). ((الإشراف)) (3/ 328)، ((المغني)) لابن قدامة
(3/ 242).
المبحث الأول: تعريف
الاستطاعة
لغة: هي الطاقة والقدرة على الشَّيء (1).
واصطلاحا: المستطيع هو القادر في ماله وبدنه، وذلك يختلف باختلاف أحوال
الناس واختلاف عوائدهم، وضابطه: أن يمكنه الركوب، ويجد زادا وراحلة صالحين
لمثله بعد قضاء الواجبات، والنفقات، والحاجات الأصلية (2).
_________
(1) ((المصباح المنير)) الفيومي (ط وع)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر))
ابن الأثير (ط وع).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 417)، ((القوانين الفقهية)) لابن
جزي (ص: 87).
المبحث الثاني: حكم
الاستطاعة
المطلب الأول: اشتراط الاستطاعة في وجوب الحج
الاستطاعة شرطٌ في وجوب الحج.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97] (1).
وجه الدلالة:
أن الله تعالى خص المستطيع بالإيجاب عليه، فيختص بالوجوب، وغير المستطيع لا
يجب عليه (2).
2 - قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا
[البقرة: 286].
ثانياً: الإجماع:
أجمع العلماء على أن الاستطاعة شرطٌ في وجوب الحج، نقله ابن حزم (3)، وابن
قدامة (4)، والقرطبي (5)، والنووي (6).
ثالثاً: انتفاء تكليف ما لا يطاق شرعاً وعقلاً (7).
المطلب الثاني: هل الاستطاعة شرط إجزاءٍ في الحج؟
الاستطاعة ليست شرط إجزاء في الحج، فإذا تجشم غير المستطيع المشقة، فحج
بغير زاد وراحلة، فإن حجه يقع صحيحاً مجزئاً عن حج الفريضة، وهذا باتفاق
المذاهب الفقهية: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة
(11).
ويدل لذلك ما يلي:
1 - أن خلقاً من الصحابة رضي الله عنهم حجوا ولا شيء لهم، ولم يؤمر أحدٌ
منهم بالإعادة (12).
2 - أن الاستطاعة إنما شُرِطت للوصول إلى الحج، فإذا وَصَلَ وفَعَلَ أجزأه
(13).
3 - أن سقوط الوجوب عن غير المستطيع إنما كان لدفع الحرج، فإذا تحمله وقع
عن حجة الإسلام، كما لو تكلف القيام في الصلاة والصيام مَنْ يسقط عنه، وكما
لو تكلف المريض حضور الجمعة، أو الغني خطر الطريق وحج، فإنه يجزئ عنهم
جميعاً (14).
المطلب الثالث: إذن الوالدين في حج الفريضة
_________
(1) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214) قال ابن مفلح: (ولأن الخطاب إنما هو
للمستطيع لأن (من) بدل من (الناس) فتقديره ولله على المستطيع). ((المبدع
شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33).
(3) قال ابن حزم رحمه الله: (اتفقوا أن الحر المسلم, العاقل, البالغ,
الصحيح الجسم, واليدين, والبصر, والرجلين, الذي يجد زاداً وراحلة وشيئاً
يتخلف لأهله مدة مضيه وليس في طريقه بحر ولا خوف ولا منعه أبواه أو أحدهما
فإن الحج عليه فرض). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 41).
(4) قال ابن قدامة: (أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة
واحدة). وقال أيضاً: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام،
والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافاً).
((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(5) قال القرطبي: (الحج إنما فرضه على المستطيع إجماعاً)، ((تفسير
القرطبي)) (4/ 150).
(6) قال النووي: (الاستطاعة شرط لوجوب الحج بإجماع المسلمين). ((المجموع))
للنووي (7/ 63).
(7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(8) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 335)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459).
(9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 447، 448)، ((الشرح الكبير)) للشيخ
الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 5).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 20).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214).
(12) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33).
(13) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214)، ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح)) للمباركفوري (8/ 391).
ليس للوالدين منع الولد المكلف من الحج
الواجب، ولا تحليله من إحرامه، وليس للولد طاعتهما في تركه، وإن كان يستحب
له استئذانهما، نص على هذا فقهاء الحنفية (1) , والشافعية (2)، والحنابلة
(3)، وهو أحد القولين للمالكية (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله عز وجل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا [لقمان: 15].
ثانياً: من السنة:
1 - عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا طاعة في
معصية الله, إنما الطاعة في المعروف)) رواه البخاري، ومسلم (5)
2 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم
أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)) رواه
البخاري، ومسلم (6).
وجه الدلالة:
أن فيه تقديم الصلاة على ميقاتها على بر الوالدين، فدل على أن فرائض
الأعيان التي هي من حقوق الله عز وجل تقدم على فروض الأعيان التي هي من
حقوق العباد، فيقدم حج الفريضة على بر الوالدين (7).
ثالثاً: القياس على الصلاة المكتوبة بجامع الفرضية في كل منهما، فكما أن
الوالدين لا يستطيعان أن يمنعا الولد من الصلاة المكتوبة فكذلك حج الفريضة.
رابعاً: أن طاعة الوالدين إنما تلزم في غير المعصية (8).
المطلب الرابع: إذن الوالدين في حج النافلة
للأبوين منع ولديهما من الحج التطوع، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية
(9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12). وذلك للآتي:
أولاً: أنه يلزم طاعة الوالدين في غير معصية, ولو كانا فاسقين لعموم
الأوامر ببرهما والإحسان إليهما (13).
ثانياً: أن للوالدين منعه من الجهاد، وهو من فروض الكفايات، فالتطوع أولى
(14).
المطلب الخامس: إذن صاحب العمل
_________
(1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 456)، ((الفتاوى الهندية)) 1/ 220 واشترطوا
عدم حاجة أحد الوالدين إلى خدمة الولد.
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 349)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 537).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(4) نص المالكية أن للأبوين منع الولد من تعجيل الفرض. ((الذخيرة)) للقرافي
(3/ 183)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94).
(5) رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840).
(6) رواه البخاري (2782)، ومسلم (85).
(7) ((فتح الباري)) لابن رجب (3/ 46، 47).
(8) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(9) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 332)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 456).
(10) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 357)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 183)،
((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94).
(11) ((المجموع)) للنووي (8/ 348)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 537).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 284).
(13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459).
من أراد حج الفريضة وكان بينه وبين غيره
عقد يُلزمه بالعمل في أيام الحج أو بعضها، فإنه يستأذن منه, فإن أذن له
وإلا وجب عليه الوفاء بالعقد، وهذه فتوى ابن باز (1) , وابن عثيمين (2)،
واللجنة الدائمة (3).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ
[المائدة: 1].
2 - قوله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
[الإسراء: 34].
ثانياً: من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم))
وجه الدلالة:
أن العقد الذي جرى بين الموظف وموظِّفِه عهد يجب الوفاء بشروطه حسبما يقتضي
العقد (4).
_________
(1) قال ابن باز جواباً على سؤال: (إذا كنت عاملاً ولم يأذنوا لك فلا تحرم
أما إذا سمحوا لك بالإحرام فلا بأس أما إذا كنت عاملاً عند أحد تشتغل عنده
فليس لك الحج بغير إذنهم؛ لأنك مربوط بعملهم مستأجر, فعليك أن تكمل ما بينك
وبينهم, فالمسلمون على شروطهم ... أما كونك تحج وهم ما أذنوا لك فهذا يعتبر
معصية، وإن كنت حججت صح الحج، لكنك عصيت ربك في هذا؛ لأنك ضيعت بعض حقهم)
((فتاوى ابن باز)) (17/ 122 - 123).
(2) قال ابن عثيمين جواباً على سؤال: (لا يجوز الحج إلا بإذن مرجعك, فإن
الإنسان الموظف ملتزم بأداء وظيفته حسبما يوجه إليه ... فالعقد الذي جرى
بين الموظف وموظفه عهد يجب الوفاء به حسبما يقتضي العقد. أما أن يتغيب
الموظف ويؤدي الفريضة وهو مطالب بالعمل ليس عنده إجازة، فإن هذا محرم)
((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (21/ 60)، وانظر: (21/ 61).
(3) قالت اللجنة الدائمة في جوابها على أحد السائلين: (إذا كان الواقع ما
ذكر فلا يجوز لك أن تسافر عن المكان الذي وكل إليك العمل فيه لحج أو عمرة
أو غيرهما إلا بإذن مرجعك، وأنت والحال ما ذكرت معذور في تأخير ذلك حتى تجد
الفرصة) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (11/ 117).
(4) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (21/ 60)، ((فتاوى ابن باز)) (17/
122 - 123).
المبحث الثالث:
أقسام الاستطاعة
أقسام الاستطاعة في الحج والعمرة أربعة:
القسم الأول: أن يكون قادراً ببدنه وماله: فهذا يلزمه الحج والعمرة بنفسه
بإجماع أهل العلم (1).
القسم الثاني: أن يكون عاجزاً بماله وبدنه: فهذا يسقط عنه الحج والعمرة
بإجماع أهل العلم (2).
القسم الثالث: أن يكون قادراً ببدنه عاجزاً بماله: فلا يلزمه الحج والعمرة
بلا خلاف (3) , إلا إذا كان لا يتوقف أداؤهما على المال، مثل أن يكون من
أهل مكة لا يشق عليه الخروج إلى المشاعر (4).
القسم الرابع:.أن يكون قادراً بماله عاجزاً ببدنه عجزاً لا يرجى زواله:
فيجب عليه الحج والعمرة بالإنابة، وهذا مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6).
_________
(1) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص 41)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)،
((المجموع)) للنووي (7/ 63).
(2) المراجع السابقة.
(3) قال ابن قدامة: (إن لم يجد مالا يستنيب به فلا حج عليه بغير خلاف, لأن
الصحيح لو لم يجد ما يحج به لم يجب عليه فالمريض أولى). ((المغني)) لابن
قدامة (3/ 222).
(4) ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
11).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469).
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
31).
المبحث الرابع: شروط
الاستطاعة
المطلب الأول: شروط الاستطاعة العامة للرجال والنساء
الشرط الأول: الاستطاعة البدنية: وتشمل صحة البدن، والقدرة على السير
والركوب.
الشرط الثاني: الاستطاعة المالية: وتشمل الزاد والراحلة، والنفقة فاضلاً عن
دَينه, ونفقته, وحاجاته الأصلية.
الشرط الثالث: الاستطاعة الأمنية: والمراد بها أمن الطريق.
المطلب الثاني: شروط الاستطاعة الخاصة بالنساء
الشرط الأول: المحرم.
الشرط الثاني: عدم العدة.
المبحث الخامس:
الاستطاعة البدنية
المطلب الأول: من لا يستطيع أن يثبت على الآلة أو الراحلة
من لا يستطيع أن يثبت على الآلة، أو ليس له قوة أن يستمسك على الراحلة فهذا
لا يجب عليه أن يؤدي بنفسه فريضة الحج باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية
(1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4) (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
وجه الدلالة:
أن من لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أو يستمسك بها فهو غير مستطيع, فلا
يجب عليه الحج، لأنه إنما وجب على من استطاع إليه سبيلاً.
ثانياً: من السنة:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه
جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده
في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج
عنه؟ قال: نعم)) رواه البخاري ومسلم (6)، وفي رواية لمسلم: ((قالت: يا رسول
الله، إن أبي شيخ كبير، عليه فريضة الله في الحج، وهو لا يستطيع أن يستوي
على ظهر بعيره، فقال صلى الله عليه وسلم: فحجي عنه)) رواه مسلم (7).
ثالثاً: الإجماع:
نقل القرطبي الإجماع على عدم وجوب الحج على من لم يستطع أن يثبت على
الراحلة (8).
المطلب الثاني: صحة البدن؛ هل هي شرط لأصل الوجوب، أو شرط للأداء بالنفس؟
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 121)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و
((حاشية الشلبي)) (2/ 3).
(2) قال ابن عبدالبر: (اتفق مالك وأبو حنيفة أن المعضوب الذي لا يتمسك على
الراحلة ليس عليه الحج). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 128)، ((الكافي في
فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 356).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 112)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 11).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 177).
(5) قال ابن عثيمين: (وفي وقتنا الحاضر وقت الطائرات، والسيارات، فالذي لا
يمكنه الركوب نادر جداً، ولكن مع ذلك فبعض الناس تصيبه مشقة ظاهرة في ركوب
السيارة، والطائرة، والباخرة، فربما يغمى عليه، أو يتعب تعباً عظيماً، أو
يصاب بغثيان وقيء، فهذا لا يجب عليه الحج، وإن كان صحيح البدن قوياً).
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 24).
(6) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334).
(7) رواه مسلم (1335).
(8) قال القرطبي: (من انتهى إلى ألا يقدر أن يستمسك على الراحلة ولا يثبت
عليها بمنزلة من قطعت أعضاؤه، إذ لا يقدر على شي. وقد اختلف العلماء في
حكمهما بعد إجماعهم أنه لا يلزمهما المسير إلى الحج، لأن الحج إنما فرضه
على المستطيع إجماعاً، والمريض والمعضوب لا استطاعة لهما). ((تفسير
القرطبي)) (4/ 150).
صحة البدن ليست شرطاً للوجوب، بل هي شرط
للزوم الأداء بالنفس، فمن كان قادراً بماله عاجزاً ببدنه فإنه يجب عليه
الحج، بإرسال من ينوب عنه، وهذا مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، وهو قول
للحنفية (3)، واختاره ابن حزم (4)، وابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
وجه الدلالة:
أن الاستطاعة هي الزاد والراحلة، فمن وجد الزاد والراحلة فقد وجب الحج في
حقه، فإن كان عاجزاً عن الحج ببدنه لزمه أن يقيم غيره مقامه.
ثانياً: من السنة:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه
جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده
في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج
عنه؟ قال: نعم)) (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ المرأة على وصف الحج على أبيها بأنه
فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، ولو لم يجب عليه لم يقرها الرسول صلى الله عليه
وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يقر على خطأ، فدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله
يجب عليه أن ينيب (7).
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (7/ 94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
31).
(3) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 416).
(4) قال ابن حزم: (من لا مال له، ولا قوة جسم إلا أنه يجد من يحج عنه بلا
أجرة أو بأجرة يقدر عليها; فوجدنا اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا
الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في أنه يقال:
الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا, ولنصب المنجنيق عليه وإن كان مريضاً مثبتاً
لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له, وكان ذلك داخلا في نص الآية).
((المحلى)) لابن حزم (7/ 56).
(5) قال ابن عثيمين: (إن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من
يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ((أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده
في الحج، شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: نعم))، وذلك
في حجة الوداع، ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه،
فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/
15).
(6) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من
الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله بن العباس بن
عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي). ((المحلى)) لابن حزم (7/ 57).
(7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 57)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 11).
المبحث السادس:
الاستطاعة المالية
المطلب الأول: اشتراط الزاد والراحلة:
يشترط في وجوب الحج القدرة على نفقة الزاد والراحلة (1)، فاضلاً عن دَينه،
ونفقته، وحوائجه الأصلية (2)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (3)،
والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وهو قول سحنون, وابن حبيب من المالكية (6)،
وبه قال أكثر الفقهاء (7) (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97] ..
وجه الدلالة:
أن الله عز وجل لما قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً علمنا أنها
استطاعة غير القوة بالجسم; إذ لو كان تعالى أراد قوة الجسم لما احتاج إلى
ذكرها; لأننا قد علمنا أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها (9).
2 - قال الله تعالى: إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ
بِشِقِّ الأَنفُسِ [النحل: 7].
وجه الدلالة:
أن الآية تفيد أن الرحلة لا تبلغ إلا بشق الأنفس بالضرورة، ولا يكلفنا الله
تعالى ذلك لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
[الحج: 78] (10)، فتعين اشتراط الزاد والراحلة لتحقيق الاستطاعة في الحج.
3 - قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
البقرة: 197 [.]
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون،
ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة، سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل:
وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)).
ثانياً: أنه قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم:
1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال في استطاعة السبيل إلى الحج:
((زاد وراحلة)).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في ذلك أيضاً: ((زاد, وبعير)).
3 - عن أنس رضي الله عنه: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ((زاد,
وراحلة)).
4 - عن ابن عمر قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ((ملء بطنه,
وراحلة يركبها)) (11).
المطلب الثاني:
_________
(1) المقصود بالراحلة: آلة الركوب، والأصل فيها المركب من الإبل ذكرا ً كان
أو أنثى. ((المصباح المنير)) (مادة: ر ح ل).
(2) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 417، 418)، ((مغني المحتاج))
للشربيني (1/ 464)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 25).
(3) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((العناية شرح
الهداية)) للبابرتي (2/ 409).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 75). ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) الرملي
(3/ 242، 243).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 215).
(6) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 448).
(7) قال الصنعاني: (قد ذهب إلى هذا التفسير أكثر الأمة فالزاد شرط مطلقاً
والراحلة لمن داره على مسافة). ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180). وهو قول
الضحاك بن مزاحم, والحسن البصري, ومجاهد, وسعيد بن جبير, ومحمد بن علي بن
الحسين, وأيوب السختياني وأحد قولي عطاء. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54).
(8) قال الصنعاني: (حديث الباب يدل أنه أريد بالزاد الحقيقة وهو وإن ضعفت
طرقه فكثرتها تشد ضعفه). ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180).
(9) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180).
(10) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54).
(11) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54).
اشتراط الراحلة خاص بالبعيد عن مكة الذي
بينه وبينها مسافة قصر، أما القريب الذي يمكنه المشي، فلا يعتبر وجود
الراحلة في حقه، إلا مع عجز، كشيخ كبير لا يمكنه المشي، وهذا مذهب جمهور
الفقهاء من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
وذلك لما يلي:
- أنها مسافة قريبة، يمكنه المشي إليها، فلزمه، كالسعي إلى الجمعة (4).
- أنه لا تلحقهم مشقة زائدة في الأداء مشياً على الأقدام فلم تشترط الراحلة
(5).
المطلب الثالث: الحاجات الأصلية التي يشترط أن تفضل عن الزاد والراحلة:
الحاجة الأول: نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه.
الحاجة الثانية: ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن، ومما لا بد لمثله كالخادم
وأثاث البيت وثيابه بقدر الاعتدال المناسب له في ذلك.
الحاجة الثالثة: قضاء الدين الذي عليه، لأن الدين من حقوق العباد، وهو من
حوائجه الأصلية، فهو آكد، وسواء كان الدين لآدمي أو لحق الله تعالى كزكاة
في ذمته أو كفارات ونحوها (6).
المطلب الرابع: من وجب عليه الحج وأراد أن يتزوج وليس عنده من المال إلا ما
يكفي لأحدهما
من وجب عليه الحج وأراد أن يتزوج وليس عنده من المال إلا ما يكفي لأحدهما،
فعلى حالين:
الحال الأولى: أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزنا، فهذا يكون
الزواج في حقه مقدماً على الحج.
_________
(1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 418)، ((تبيين الحقائق)) و
((حاشية الشلبي)) (2/ 4).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 89)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 464).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 216)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/
34).
(4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((المغني))
لابن قدامة (3/ 216).
(5) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 418).
(6) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 417، 418)، ((مغني المحتاج))
للشربيني (1/ 464)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 25).
الحال الثانية: أن يكون في حال اعتدال
الشهوة، فإنه يقدم الحج على الزواج، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (1)،
والمالكية (2)، والحنابلة (3)، واختاره ابن تيمية (4)، وابن باز (5)، وابن
عثيمين (6).
الأدلة:
أدلة وجوب تقديم النكاح في حال توقان الشهوة:
أولاً: اتفاق العلماء على ذلك:
نقله شيخي زادة (7)، وابن كمال باشا (8) , وحكاه المجد إجماعاً (9).
ثانياً: أن من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛
لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعاً (10).
ثالثاً: أن في التزويج تحصين النفس الواجب، ولا غنى به عنه، كنفقته،
والاشتغال بالحج يفوته (11).
رابعاً: أن في تركه النكاح ترك أمرين: ترك الفرض، وهو النكاح الواجب،
والوقوع في المحرم، وهو الزنا (12).
دليل تقديم الحج على النكاح في حال اعتدال الشهوة:
أن الحج واجب على الفور على من استطاع إليه سبيلاً، فيقدم على المسنون؛
لأنه لا تعارض بين واجب ومسنون (13).
فرع:
ليس من الحوائج الأصلية ما جرت به العادة المحدثة لرسم الهدية للأقارب
والأصحاب، فلا يعذر بترك الحج لعجزه عن ذلك. (14)
_________
(1) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 462).
(2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 465)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/
790).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 217)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 389).
(4) قال ابن تيمية: (إن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه
على الحج الواجب وإن لم يخف قدم الحج، ونص الإمام أحمد عليه في رواية صالح
وغيره واختاره أبو بكر وإن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد قدمت
على النكاح إن لم يخش العنت). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 528).
(5) قال ابن باز: (إذا بلغ الحلم وهو يستطيع الحج والعمرة وجب عليه
أداؤهما؛ لعموم الأدلة ومنها قوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ولكن من اشتدت حاجته إلى
الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى
مستطيعاً، إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعاً فإنه يبدأ بالزواج
حتى يعف نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع
منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم
فإنه له وجاء)) متفق على صحته). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 359،360).
(6) قال ابن عثيمين: (يقدم النكاح إذا كان يخشى المشقة في تأخيره، مثل أن
يكون شاباً شديد الشهوة، ويخشى على نفسه المشقة فيما لو تأخر زواجه، فهنا
نقدم النكاح على الحج، أما إذا كان عادياً ولا يشق عليه الصبر فإنه يقدم
الحج، هذا إذا كان حج فريضة، أما إذا كان حج تطوع فإنه يقدم النكاح بكل
حال، ما دام عنده شهوة وإن كان لا يشق عليه تأجيله، وذلك لأن النكاح مع
الشهوة أفضل من نوافل العبادة، كما صرح بذلك أهل العلم). وقال أيضاَ: (إذا
كان الإنسان محتاجًا إلى الزواج ويشق عليه تركه فإنه يقدم على الحج، لأن
النكاح في هذه الحال يكون من الضروريات، وقد قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا،
والإنسان الذي يكون محتاجاً إلى الزواج، ويشق عليه تركه، وليس عنده من
النفقة إلا ما يكفي للزواج أو الحج، ليس مستطيعاً إلى البيت سبيلا، فيكون
الحج غير واجب عليه، فيقدم النكاح على الحج، وهذا من تيسير الله سبحانه
وتعالى على عباده، أنه لا يكلفهم من العبادة ما يشق عليهم، حتى وإن كان من
أركان الإسلام كالحج). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 71، 72).
(7) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383).
(8) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 462).
(9) لكن نوزع في ادعاء الإجماع. قاله المرداوي في ((الإنصاف)) للمرداوي (3/
286).
(10) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 359،360).
(11) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383)، ((المغني)) لابن قدامة (3/
217).
(12) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 384).
(13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 389).
(14) ((حاشية ابن عابدين)) 2/ 461)) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/
33).
المبحث السابع:
اشتراط أمن الطرق لتحقيق الاستطاعة
المطلب الأول: المراد بأمن الطريق
المقصود بأمن الطريق أن يكون الغالب في طريقه السلامة آمناً على نفسه وماله
من وقت خروج الناس للحج، إلى رجوعه إلى بلده؛ لأن الاستطاعة لا تثبت دونه
(1).
المطلب الثاني: هل أمن الطريق شرط أداء بالنفس أو شرط صحة؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه شرط وجوب, فمن استوفى شروط الحج وخاف الطريق فإنه لا يجب
عليه الحج، ولا يتعلق في ذمته، وهذا مذهب المالكية (2)، والشافعية (3)، وهو
رواية عن أبي حنيفة (4)، وأحمد (5).
دليل ذلك:
أن الوصول إلى البيت بدونه لا يتصور إلا بمشقة عظيمة فصار من جملة
الاستطاعة (6).
القول الثاني: أنه شرط أداء بالنفس، فمن استوفى شروط الحج وخاف الطريق فإن
الحج يتعلق في ذمته ويسقط عنه الأداء، وهذا مذهب الحنفية في الأصح (7)،
والحنابلة. (8)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
وجه الدلالة:
أن من استطاع الحج فإنه يجب عليه، فإن كان الطريق مخوفاً فإن ذلك يسقط عنه
الأداء حالاً، مع تعلق وجوب الحج في ذمته لاستيفائه شروط وجوبه.
ثانياً: أن إمكان الأداء ليس شرطاً في وجوب العبادة بدليل ما لو زال المانع
ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه (9).
ثالثاً: أنه مع خوف الطريق يتعذر الأداء دون تعذر القضاء، كالمرض المرجو
برؤه، أما عدم الزاد والراحلة فإنه يتعذر معه الجميع (10).
_________
(1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني
(1/ 465)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 34).
(2) ((التاج والإكليل)) للعبدري (2/ 491)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/
450).
(3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 465، 466)، ((المجموع)) للنووي (7/ 82).
(4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((حاشية ابن
عابدين)) (2/ 463).
(5) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 240)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 292).
(6) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4).
(7) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 418)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/
463).
(8) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 240)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/
38).
(9) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 38).
(10) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 38).
المبحث الثامن:
اشتراط المحرم
المطلب الأول: من هو المحرم؟
مَحْرَم المرأة هو زوجها أو من يحرم عليها بالتأبيد بسبب قرابة، أو رضاع،
أو صهرية، ويكون مسلماً بالغاً عاقلاً ثقة مأموناً؛ فإن المقصود من المحرم
حماية المرأة وصيانتها والقيام بشأنها (1).
المطلب الثاني: اشتراط المحرم في حج الفريضة:
يشترط لوجوب أداء الفريضة للمرأة رفقة المحرم، وهذا مذهب الحنفية (2)،
والحنابلة (3)، واختاره ابن باز (4)، وابن عثيمين (5)، وبه صدرت فتوى
اللجنة الدائمة (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
وجه الدلالة:
أن وجود المحرم داخل في الاستطاعة التي اشترطها الله عز وجل لوجوب الحج؛
فإن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول وحدها عادة، فتحتاج إلى من يركبها
وينزلها من المحارم أو الزوج، فعند عدمهم لا تكون مستطيعة (7).
ثانياً: من السنة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا
يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة ثلاث ليال، إلا ومعها ذو
محرم)) رواه مسلم (8).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب
يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع
ذي محرم، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت
في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك)) رواه البخاري، ومسلم (9).
ثالثاً: أن المرأة يخاف عليها من السفر وحدها الفتنة (10).
المطلب الثالث: اشتراط إذن الزوج في حج النفل
ليس للمرأة الإحرام نفلاً إلا بإذن زوج.
الأدلة:
أولاً: الإجماع:
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 339)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/
467)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 518). ((مواهب
الجليل)) للحطاب (3/ 493). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 41). ((مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 179، 221)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية))
(17/ 37)،
(2) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 5)، ((المبسوط))
للسرخسي (4/ 100).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 385).
(4) قال ابن باز: (لا يجب عليها الحج ولا العمرة إلا عند وجود المحرم ولا
يجوز لها السفر إلا بذلك، وهو شرط للوجوب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/
379).
(5) قال ابن عثيمين: (من القدرة: أن تجد المرأة محرماً لها، فإن لم تجد
محرماً، فإن الحج لا يجب عليها). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/
16).
(6) في فتاوى اللجنة الدائمة: (المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛
لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال
الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلًا *البقرة: 97* ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا
ومعها زوج أو محرم لها). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/
90).
(7) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 5)، ((الشرح
الممتع)) لابن عثيمين (7/ 37).
(8) رواه مسلم (1338).
(9) رواه البخاري (5233)، ومسلم (1341).
(10) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 5).
أجمع أهل العلم على اشتراط إذن الزوج في
جواز إحرام المرأة في النفل، نقله ابن المنذر (1)، وابن قدامة (2).
ثانياً: أنه تطوع يفوت حق زوجها، فكان لزوجها منعها منه، كالاعتكاف (3).
ثالثاً: أن طاعة الزوج فرض عليها فيما لا معصية لله تعالى فيه, وليس في ترك
الحج التطوع معصية (4).
المطلب الرابع: إذا وجدت المرأة محرماً في الفرض فهل يشترط إذن زوجها؟
ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض إذا استكملت شروط الحج، ووجدت محرماً،
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (5)، والمالكية (6)، والحنابلة (7)،
وقولٌ للشافعية (8)، وهو قول أكثر أهل العلم (9).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا طاعة في
معصية الله إنما الطاعة في المعروف)) رواه البخاري، ومسلم (10)
ثانياً: أن حق الزوج لا يقدم على فرائض العين، كالصلاة المفروضة، وصوم
رمضان، فليس للزوج منع زوجته منه، لأنه فرض عين عليها.
ثالثاً: أن حق الزوج مستمر على الدوام، فلو ملك منعها في هذا العام لملكه
في كل عام، فيفضي إلى إسقاط أحد أركان الإسلام (11).
_________
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج
التطوع). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51).
(2) قال ابن قدامة: (له منعها من الخروج إلى حج التطوع والإحرام به، بغير
خلاف). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 458).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 383).
(4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 52).
(5) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 101)
(6) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 205)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و
((حاشية الدسوقي)) (2/ 97).
(7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 457، 458)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 283).
(8) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 179)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/
468).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 457).
(10) رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 458)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
42).
المبحث التاسع:
الشرط الثاني الخاص بالمرأة عدم العدة
يشترط لوجوب الحج على المرأة ألا تكون المرأة معتدة في مدة إمكان السير
للحج، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية
(3)، والحنابلة (4)، وقال به طائفة من السلف (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
[البقرة: 234].
وجه الدلالة:
أن المتوفى عنها زوجها لا يجوز لها أن تخرج من بيتها وتسافر للحج، حتى تقضي
العدة، لأنها في هذه الحال غير مستطيعة، لأنه يجب عليها أن تتربص في البيت
(6).
2 - قوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ
إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [الطلاق: 1].
وجه الدلالة:
أن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج من بيوتهن (7).
ثانياً: عن سعيد بن المسيب: ((أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن
أزواجهن من البيداء، يمنعهن الحج)).
ثالثاً: أن العدة في المنزل تفوت، ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به في
غير هذا العام، فلا يفوت بالتأخير، فلا تلزم بأدائه وهي في العدة (8).
_________
(1) عمَّم الحنفية هذا الشرط لكل معتدة: سواء كانت عدتها من طلاق بائن أو
رجعي، أو وفاة، أو فسخ نكاح. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي))
(2/ 4)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 219).
(2) لا فرق عند المالكية: بين عدة الوفاة أو الطلاق. ((الشرح الكبير))
للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (1/ 545، 2/ 486)، ((التاج والإكليل))
للمواق (4/ 163).
(3) لا فرق عند الشافعية: بين عدة الوفاة أو الطلاق. ((الحاوي الكبير))
للماوردي (11/ 263)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/ 417).
(4) خص الحنابلة العدة المانعة من وجوب الحج على المرأة بعدة الوفاة دون
عدة الطلاق. ((المغني)) لابن قدامة (8/ 167، 168)، ((كشاف القناع)) للبهوتي
(2/ 385).
(5) روي ذلك عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب،
والقاسم، وأبو عبيد والثوري. ((المغني)) لابن قدامة (8/ 167).
(6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 214).
(7) قال القرطبي: والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. ((تفسير القرطبي)) (18/
154).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (8/ 168)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 385).
|