الموسوعة الفقهية الدرر السنية

الفصل الأول: تعريف الإحرام، وحكمه، والحكمة منه
المبحث الأول: تعريف الإحرام لغةً واصطلاحاً
الإحرام لغةً:
هو الدخول في الحرمة، يقال: أحرم الرجل إذا دخل في حرمة عهد أو ميثاق؛ فيمتنع عليه ما كان حلالاً له (1).
الإحرام اصطلاحاً:
هو نية الدخول في النسك (2)، وهذا قول جمهور الفقهاء، من المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
المبحث الثاني: حِكَم تشريع الإحرام
من حكم مشروعية الإحرام:
1 - استشعار تعظيم الله عز وجل
2 - تلبية أمره بأداء النسك الذي يريده المحرم
3 - استشعار إرادة تحقيق العبودية
4 - الامتثال لله تبارك وتعالى (6).
المبحث الثالث: حُكم الإحرام
الإحرام من فرائض النسك، حجًّا كان أو عمرة.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنية)). أخرجه البخاري ومسلم (7).
وجه الدلالة:
أنَّه لا يصح العمل ولا ويثبت إلا بوقوع النية، والإحرام هو نية الدخول في النسك؛ فلا يصح وقوع النسك إلا بنية وهي الإحرام.
ثانياً: الإجماع:
فقد نقل الإجماع على ذلك، ابن حزم (8).
_________
(1) انظر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (مادة: ح ر م)، ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: ح ر م)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: حرم).
(2) قال الفيومي: (أحرم الشخص: نوى الدخول في حج أو عمرة، ومعناه أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالاً له، وهذا كما يقال أنجد إذا أتى نجداً وأتهم إذا أتى تهامة) ((المصباح المنير)) (مادة: ح ر م)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 52)، و ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 58).
(3) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 3).
(4) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265).
(5) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 305).
(6) قال ابن حجر: (قال العلماء: والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه والاتصاف بصفة الخاشع وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 404) وقال الشربيني: (قال بعض العلماء والحكمة في تحريم لبس المخيط وغيره مما منع منه المحرم أن يخرج الإنسان عن عادته فيكون ذلك مذكراً له ما هو فيه من عبادة ربه فيشتغل بها) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 519). وانظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 129 - 130).
(7) رواه البخاري (6953)، ومسلم (1907).
(8) قال ابن حزم: (واتفقوا أن الإحرام للحج فرض) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع))، وإن كان الفقهاء قد اختلفوا بعد ذلك في كونه ركناً أو شرطاً، فالجمهور على أنه ركن خلافاً للحنفية أنه شرط، وعند الجميع لا يصح الحج بدونه.


المبحث الأول: الاغتسال
المطلب الأول: حكم الاغتسال للمحرم
يُسنُّ الاغتسال للإحرام، وهو باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4). وحكى فيه النووي الإجماع (5).
الأدلة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر. فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي)) أخرجه مسلم (6).
وجه الدلالة:
أنه إذا كانت الحائض أو النفساء لا تنتفع من غسلها في استباحة العبادة كالصلاة، ومع ذلك أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال؛ فاغتسال المحرم الطاهر من باب أولى، وكان للسنية، وليس للوجوب؛ لأن الأصل هو براءة الذمة، حتى يثبت الوجوب بأمرٍ لا مدفع فيه (7).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة)) (8).
المطلب الثاني: حكم اغتسال الحائض والنفساء
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 143)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 344).
(2) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 322)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 38).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 348).
(5) قال النووي: (اتفق العلماء على أنه يستحب الغسل عند إرادة الاحرام بحجٍّ أو عمرةٍ أو بهما، سواء كان إحرامه من الميقات الشرعي أو غيره) ((المجموع)) للنووي (7/ 212). وقال أيضاً: (وهو مجمعٌ على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن: وأهل الظاهر هو واجب) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 133). لكن قال ابن قدامة: (وعلى كل حال فمن أراد الإحرام استُحِبَّ له أن يغتسل قبله في قول أكثر أهل العلم، منهم طاوس, والنخعي, ومالك, والثوري, والشافعي, وأصحاب الرأي) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 119). وقال ابن رشد: (واتفق جمهور العلماء على أن الغسل للإهلال سنة، وأنه من أفعال المحرم) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 336).
(6) رواه مسلم (1218).
(7) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 5)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 337).
(8) رواه البزار والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (3/ 220)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 74)، والدارقطني (2/ 220) (22)، والحاكم 1/ 615، والبيهقي (5/ 33) (9212). قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين)، وقال الهيثمي: (رجاله ثقات)، وصححه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 350)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (1/ 179)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (719).


يُسنُّ للحائض والنفساء الغسل للإحرام، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (1): الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: (( ... فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر. فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي)) أخرجه مسلم (6).
وجه الدلالة:
أن قوله: ((اغتسلي))، أمرٌ لها بأن تغتسل مع أنها نفساء لا تستبيح باغتسالها هذا الصلاة، ولا غيرها مما تُشترَط له الطهارة.
ثانياً: أنه غسلٌ يُراد به النسك؛ فاستوى فيه الحائض والطاهرة (7).
المطلب الثالث: استحباب تلبيد الرأس
يستحب للمحرمُ بعد غسل الإحرام أن يلبد (8) رأسه، وذلك لمن يطول مكثه في أعمال الحج (9)، وهذا مذهب الشافعية (10)، وقول للحنفية (11)، وقول للمالكية (12)، واختاره المباركفوري (13). وحكى النووي فيه الإجماع (14).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (جمهور العلماء يستحبونه ولا يوجبونه، وما أعلم أحداً من المتقدمين أوجبه إلا الحسن البصري فإنه قال في الحائض والنفساء إذا لم تغتسل عند الإهلال: اغتسلت إذا ذكرت. وبه قال أهل الظاهر قالوا: الغسل واجب عند الإهلال على كل من أراد أن يهل وعلى كل من أراد الحج طاهراً كان أو غير طاهر) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 5). وقال النووي: (وفيه صحة إحرام النفساء والحائض، واستحباب اغتسالهما للإحرام، وهو مجمعٌ على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن وأهل الظاهر هو واجب) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 133).
(2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 143)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 344).
(3) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 322)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 38).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478).
(5) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 348).
(6) رواه مسلم (1218).
(7) ((المجموع)) للنووي (7/ 211).
(8) التلبيد: ضفر الرأس بالصمغ أو الخطمي وشبههما مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض بما يسكنه ويمنعه من الانتفاش والتمعط. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 385)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 89، 90)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321). والخَطْمِيُّ: ضرب من النبات يُغْسَلُ به الرأس. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 186).
(9) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 79).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 220)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 479).
(11) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 26)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 5).
(12) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 143) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 548، 549).
(13) قال المباركفوري: (حمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على عذر يحتاج إلى دليل، والأصل عدم العذر وأما حمل التلبيد على المعنى اللغوي ففيه: أن شراح الحديث، وأهل اللغة، وأصحاب غريب الحديث: كالخطابي، والحافظ، والعيني، والمجد، والجوهري، والجزري، والزمخشري وغيرهم قد اتفقوا على ما ذكرنا من العلماء من معنى التلبيد، ولزوق بعض الصوف أو الشعر ببعضه لا يحصل إلا بما يصلح للإلزاق والإلصاق كالصمغ أو الخطمي أو العسل وما يشبه ذلك) ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (8/ 441).
(14) قال النووي: (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لبدت رأسي وقلدت هديي)) فيه استحباب التلبيد وتقليد الهدي، وهما سنتان بالاتفاق). ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 212).


1. عن ابن عمر قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا)) رواه البخاري، ومسلم (1)
فيه استحباب تلبيد الرأس قبل الإحرام (2).
2. وعن حفصة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع قالت: فقلت: ما يمنعك أن تحل؟ فقال: إنى لبدت رأسي، وقلدت هديى، فلا أحل حتى انحر هديى)) رواه البخاري، ومسلم (3).
فيه دليل على استحباب تلبيد شعر الرأس عند الإحرام (4).
3. عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذى خر من بعيره ميتاً: ((اغسلوه بماء سدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبدا)) (5).
فيه استحباب التلبيد، وتقليد الهدى
ثانياً: أن ذلك أرفق به، لكونه يسكن شعره، ويجمعه، فلا يتولد فيه القمل، ولا يقع فيه الدبيب، ولا يتخلله الغبار، ولا يتشعث، ولا ينتفش في مدة الاحرام (6).
_________
(1) رواه البخاري (1540)، ومسلم (1184).
(2) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 89، 90).
(3) رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229)
(4) ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321).
(5) رواه البخاري ومسلم هكذا (ملبداً) وأكثر الطرق (ملبياً) ولا مخالفة وكلاهما صحيح. ((المجموع)) للنووي (7/ 221).
(6) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 79)، ((المجموع)) للنووي (7/ 220).


المبحث الثاني: الإحرام في إزار ورداء
يستحب الإحرام في إزار ورداء (1).
الدليل:
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك النووي (2)، وابن تيمية (3).
مسألة: إذا لم يجد المحرم إزاراً أو لم يجد نعلاً
إن لم يجد المحرم إزاراً، لبس السراويل، وإن لم يجد نعلين، لبس الخفين.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات، يقول: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)).
2. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلاً سأللأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرنس، ولا ثوباً مسه الزعفران، ولا ورس، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين)).
3. عن جابر رضي الله عنهما قال: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)) رواه مسلم.
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (4)، وابن قدامة (5).
_________
(1) قال الزيلعي: (لأنه ممنوع من لبس المخيط، ولا بد من ستر العورة ودفع الحر والبرد). ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 9).
(2) قال النووي: (السنة أن يحرم في إزار ورداء ونعلين، هذا مجمعٌ على استحبابه كما سبق في كلام ابن المنذر) ((المجموع)) (7/ 217). يعني به قول ابن المنذر الآتي: (وكان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي ومن تبعهم يقولون: يلبس الذي يريد الإحرام إزاراً ورداء) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 184).
(3) قال ابن تيمية: (والسنة أن يحرم في إزار ورداء، سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 109).
(4) قال ابن المنذر: (لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد النعلين) ((الإشراف)) (3/ 222).
(5) قال ابن قدامة: (لا نعلم خلافا بين أهل العلم، في أن للمحرم أن يلبس السراويل، إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد نعلين) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 281).


المبحث الثالث: التطيب
المطلب الأول: حكم الطيب قبل الإحرام
التطيب في البدن لا في الثياب، مسنونٌ قبل الدخول في الإحرام؛ استعداداً له، ولو بقي جرمه بعد الإحرام، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال طائفة من السلف (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (5).
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كأني أنظر إلى وبيص الطيب (6) في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)) (7).
3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنا نضمِّخ (8) وجوهنا بالمسك المطيَّب قبل أن نحرم، ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا)) (9).
ثانياً: أن الطيب معنىً يراد للاستدامة فلم يمنع الإحرام من استدامته كالنكاح (10).
ثالثاً: أن المقصود من استنانه حصول الارتفاق به حالة المنع منه كالسحور للصوم (11).
المطلب الثاني: التطيب في ثوب الإحرام
يمنع المحرم من تطييب ثوبه قبل الإحرام وبعده، وهو مذهب الحنفية (12)، والمالكية (13)، وقول للشافعية (14)، وقولٌ للحنابلة اختاره الآجري (15)، وصححه ابن عثيمين (16).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم: ((لا يلبس ثوباً مسه ورس ولا زعفران)).
ثانياً: أن الطيب يبقى في الثوب ولا يستهلك بخلاف البَدَن، فلا يقاس عليه (17).
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 479).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 218)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 479).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 360)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 406).
(4) قال النووي: (وبه قال جمهور العلماء من السلف, والخلف, والمحدثين, والفقهاء منهم سعد بن أبي وقاص, وابن عباس, وابن الزبير, ومعاوية, وعائشة, وأم حبيبة, وأبو حنيفة, والثوري, وأبو يوسف, وأحمد, وإسحاق, وأبو ثور, وابن المنذر, وداود وغيرهم) ((المجموع)) للنووي (7/ 221 - 222)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 258).
(5) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1189).
(6) وبيص الطيب: أي بَرِيقَه. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: وبص).
(7) رواه البخاري (1538)، ومسلم (1190).
(8) التضمخ: التلطخ بالطيب وغيره والإِكثار منه حتى كأنما يقطر. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: ضمخ).
(9) رواه أحمد (24502)، وأبو داود (1830)، والبيهقي (5/ 48) (9318). حسنه النووي في ((المجموع)) (7/ 214)، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (2/ 181): (رجال إسناده ثقات) وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (2/ 307): (ثابت)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1622).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 222).
(11) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345).
(12) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 394).
(13) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 226)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 220).
(14) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 71)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 270).
(15) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 325)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 407).
(16) قال ابن عثيمين: (أما تطييب الثوب، أي: ثوب الإحرام فإنه يكره، لا يطيب، لا بالبخور ولا بالدهن، وإذا طيبه، فقال بعض العلماء: إنه يجوز أن يلبسه إذا طيبه قبل أن يعقد الإحرام لكن يكره. وقال بعض العلماء: لا يجوز لبسه إذا طيبه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس))، فنهى أن نلبس الثوب المطيب، وهذا هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 65).
(17) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 172)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 65).


المبحث الرابع: الإحرام عقب صلاة
اختلف أهل العلم فيها على قولين:
القول الأول: تُسن صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (6).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أنه كان يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ركعتين ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (7).
القول الثاني: ليس للإحرام صلاة تخصه، فإن كان في وقت فريضة استحب أن يحرم عقيب الصلاة المكتوبة، وهو روايةٌ عن أحمد (8)،واختيار ابن تيمية (9)، والألباني (10) وابن عثيمين وزاد: أو عقب صلاة مشروعة من عادته أنه يصليها (11).
الدليل:
أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة خاصة بالإحرام، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما أحرم عقب الفريضة (12).
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 482).
(2) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 795)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 88).
(3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 80)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 480).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 407 - 408).
(5) قال النووي: (يستحب أن يصلي ركعتين عند إرادة الاحرام، وهذه الصلاة مجمعٌ على استحبابها) ((المجموع)) للنووي (7/ 221) قال ابن رشد: (واستحب الجميع أن يكون ابتداء المحرم بالتلبية بأثر صلاة يصليها نافلة أو فريضة من ميقاته إذا كانت صلاة لا يتنفل بعدها) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 338).
(6) رواه البخاري (1534).
(7) رواه البخاري (1554)، ومسلم (1187).
(8) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307).
(9) قال ابن تيمية: (يستحب أن يحرم عقيب صلاة: إما فرض وإما تطوع إن كان وقت تطوع في أحد القولين، وفي الآخر إن كان يصلي فرضاً أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاةٌ تخصه، وهذا أرجح) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 108 - 109). قال المرداوي: (واختار الشيخ تقي الدين أنه يستحب أن يحرم عقيب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307).
(10) قال الألباني: (وليس للإحرام صلاة تخصه لكن إن أدركته الصلاة قبل إحرامه فصلى ثم أحرم عقب صلاته كان له أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحرم بعد صلاة الظهر) ((مناسك الحج والعمرة)) للألباني (ص15).
(11) قال ابن عثيمين: (وقال بعض أهل العلم: إنه ليس للإحرام صلاة خاصة، وإنما يحرم الإنسان بمجرد أن ينتهي من الاغتسال والتطيب ولباس ثياب الإحرام بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مشروعة، مثل: أن يكون في الضحى فيصلي صلاة الضحى ويحرم عقبها، أو يريد أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فيحرم عقبها، وهذا هو الصواب إذا كان من عادته أن يفعله -يعني: من عادته أن يصلي صلاة الضحى ومن عادته أن يصلي إذا توضأ- أما إذا صلى وليس من عادته ذلك فمعروف أنه إنما أراد الصلاة في الإحرام) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء: 177).
(12) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 101) , ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 69).


المبحث الخامس: التلبية
المطلب الأول: تعريف التلبية
التلبية لغةً:
إجابة المنادي، وتطلق على الإقامة على الطاعة (1) (2).
التلبية اصطلاحاً (3):
هي قول المحرم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (4).
المطلب الثاني: حكم التلبية
التلبية سنةٌ في الإحرام، وهذا مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6)، وقول ابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. لا يزيد على هؤلاء الكلمات. وإن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد الحليفة، أهلَّ بهؤلاء الكلمات)) أخرجه مسلم (9).
_________
(1) قال ابن فارس: (اللام والباء أصلٌ يدل على لزومٍ وثبات، وعلى خلوصٍ وجودة). ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: لب)، وانظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: لبب).
(2) قال ابن القيم: (في معنى التلبية ثمانية أقوال: أحدهما: إجابة لك بعد إجابة ولهذا المعنى كررت التلبية إيذاناً بتكرير الإجابة. الثاني: أنه انقياد من قولهم: لببت الرجل. إذا قبضت على تلابيبه ومنه: لببته بردائه. والمعنى انقدت لك وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة كما يفعل بمن لبب بردائه وقبض على تلابيبه. الثالث: أنه من لب بالمكان إذا قام به ولزمه والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها اختاره صاحب الصحاح. الرابع: أنه من قولهم: داري تلب دارك. أي تواجهها وتقابلها أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك حكاه في الصحاح عن الخليل. الخامس: معناه حبًّا لك بعد حب من قولهم: امرأة لبة. إذا كانت محبة لولدها. السادس: أنه مأخوذ من لب الشيء وهو خالصه ومنه لب الطعام ولب الرجل عقله وقلبه ومعناه أخلصت لي وقلبي لك وجعلت لك لبي وخالصتي. السابع: أنه من قولهم: فلان رخي اللبب. وفي لب رخي أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه أنا منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها متوجه إليك بلبب رخي يوجد المحب إلى محبوبه لا بكره ولا تكلف. الثامن: أنه من الإلباب وهو الاقتراب، أي: اقتراباً إليك بعد اقتراب كما يتقرب المحب من محبوبه) ((حاشية ابن القيم على السنن)) (5/ 175).
(3) للاطلاع على معنى كلمات التلبية بالتفصيل، انظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 103 - 110).
(4) رواه مسلم (1184)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
(5) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 481)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 88).
(6) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 320)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419).
(7) قال ابن باز: (وتشرع له التلبية في أثناء الطريق، فلو لم يلب فلا شيء عليه؛ لأن التلبية سنة مؤكدة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 76).
(8) قال ابن عثيمين: (الصحيح أن التلبية ليست بواجبة، وليست بركن، وإنما هي سنة، فإذا لم يلبِّ الإنسان في حجه أو في عمرته، فإن نسكه تام، بمعنى أنه صحيح، وإن كان لا شك أنه ناقصٌ بفوات هذه السنة؛ ولكنه لا يقال: إنه ليس بصحيح) ((جلسات رمضانية)) (الدرس العاشر).
(9) رواه مسلم (1184).


2 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال بجمع: ((سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة، ههنا يقول: لبيك اللهم لبيك ... )). أخرجه مسلم (1). (2).
وجه الدلالة من الحديثين:
أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يفيد الاستحباب (3).
ثانيا: لأن التلبية ذكر فلم تجب في الحج والعمرة كسائر الأذكار فيهما (4).
المطلب الثالث: رفع الصوت بالتلبية
يُسنُّ للرجل أن يرفع صوته بالتلبية (5). حكى النووي الإجماع على ذلك (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن السائب بن خلاد الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو قال بالتلبية يريد أحدهما)) (7).
2 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصرخ بالحج صراخاً)) أخرجه مسلم (8).
المطلب الرابع: كيفية تلبية المرأة
_________
(1) رواه مسلم (1383).
(2) قال البهوتي: (والتلبية سنة لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره بها وهي ذكرٌ فيه فلم تجب كسائر الأذكار) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). قال الشيرازي: (لأنها عبادةٌ لا يجب النطق في آخرها؛ فلم يجب النطق في أولها كالصوم) ((المهذب)) للشيرازي (1/ 205).
(3) ((المغني)) لابن قدامة ((3/ 270)
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 270)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). قال النووي: (اتفق العلماء علي استحباب التلبية) ((المجموع)) للنووي (7/ 245). قال ابن عبدالبر: (والذكر والدعاء في ذلك الموضع وغيره من سائر مواقف الحج مندوب إليه مستحب لما فيه من الفضل ورجاء الإجابة وليس بفرض عند الجميع) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 91).
(5) قال ابن باز: ( ... ولهذا شرع الله رفع الصوت بالتلبية؛ ليعرفوا هذا المعنى؛ وليحققوه؛ وليتعهدوه في قلوبهم وألسنتهم ... فالسنة رفع الصوت بهذه التلبية، حتى يعلمها القاصي والداني، ويتعلمها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وحتى يستشعر معناها ويتحقق معناها، وأن معناها إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه إلههم الحق، خالقهم ورازقهم ومعبودهم جل وعلا في الحج وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 205).
(6) قال النووي: (قوله: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً ... فيه استحباب رفع الصوت بالتلبية، وهو متفقٌ عليه بشرط أن يكون رفعاً مقتصداً بحيث لا يؤذي نفسه ... ورفع الرجل مندوبٌ عند العلماء كافة) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 232). ذهب الظاهرية إلى الوجوب ومال إليه الشنقيطي
(7) رواه أبو داود (1814)، والترمذي (829)، والنسائي (5/ 162)، وابن ماجه (2381)، وأحمد (4/ 55) (16605)، وابن حبان (9/ 111) (3802)، والحاكم (1/ 619)، والبيهقي (5/ 41) (9275). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك))، والنووي في ((المجموع)) (7/ 225)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1814).
(8) رواه مسلم (1247).


المرأة لا ترفع صوتها، وإنما تلبي سرًّا بالقدر الذي تُسمِع به نفسها. ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم (1) وحكاه ابن عبدالبر إجماعا (2).
وذلك لما يُخشى من رفع صوتها من الفتنة (3).
المطلب الخامس: وقت التلبية
الفرع الأول: ابتداء وقت التلبية
يستحب أن يبتدئ المحرم بالتلبية، إذا ركب دابته وابتدأ السير وهو مذهب المالكية (4)، والشافعية (5)، وروايةٌ عند الحنابلة (6)، وهو اختيار الشنقيطي (7)، وابن باز (8)، وابن عثيمين (9).
الأدلة:
من السنة:
1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهلَّ)) (10).
2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حين تستوي به قائمة)) (11).
2 - عن سالم بن عبدالله أنه سمع أباه يقول: ((ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره)) (12).
4 - عن نافع قال: ((كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادَّهن بدهنٍ، ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد الحليفة، فيصلي ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل)) (13).
_________
(1) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (2/ 196). قال ابن المنذر: (وقال ابن عمر: المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية وبه قال عطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي). وقال سليمان بن يسار: (السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 194).
(2) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها فخرجت من جملة ظاهر الحديث وخُصَّت بذلك) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/ 242)، و ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 57). وحكاه عنه ابن رشد، فقال: (وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمر هو أن تسمع نفسها بالقول) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 337).
(3) قال النووي: (والمرأة ليس لها الرفع لأنه يُخاف الفتنة بصوتها) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 90 - 91)، وانظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 112 - 113).
(4) ((حاشية العدوي)) (1/ 522)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 106).
(5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 81)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 481).
(6) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 320)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 387).
(7) قال الشنقيطي: (أظهر أقوال أهل العلم فيه: أنه أول الوقت الذي يركب فيه مركوبه عند إرادة ابتداء السير، لصحة الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به راحلته) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 4).
(8) قال ابن باز: (والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهل بعد ما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 41).
(9) قال ابن عثيمين: (الأقرب أنه يلبي إذا ركب السيارة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 99).
(10) رواه البخاري (1546)، ومسلم (690).
(11) رواه البخاري (1514)، ومسلم (1187).
(12) رواه مسلم (1186).
(13) رواه البخاري (1554)، ومسلم (1187).


5 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته (1))) (2). (3).
قال النووي: هذه أحاديث صحيحة قاطعة بترجح الإحرام عند ابتداء السير (4).
الفرع الثاني: انتهاء وقت التلبية في الحج:
تنتهي التلبية في الحج عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر، ولا فرق في ذلك بين المفرد، والقارن، والمتمتع (5)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، وبه قال طائفة من السلف (9).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل، فأخبر الفضل: أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)) (10).
وجه الدلالة:
أن الحديث نص في انتهاء التلبية عند رمي جمرة العقبة، وقد جاء من رواية الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وقد كان رديفه يومئذ، وهو أعلم بحاله من غيره (11).
2 - عن عبدالله بن سخبرة , قال: ((لبى عبدالله وهو متوجه إلى عرفات، فقال أناس: من هذا الأعرابي، فالتفت إلي عبدالله، فقال: أضل الناس أم نسوا؟ والله ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة إلا أن يخلط ذلك بتهليل أو بتكبير)) (12).
ثانياً: أن التلبية للإحرام، فإذا رمى فقد شرع في التحلل، فلا معنى للتلبية (13).
_________
(1) قال النووي: (قوله في هذا الباب عن ابن عمر قال: ((فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته))، وقال في الحديث السابق: ((ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل))، وفي الحديث الذي قبله: ((كان اذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل))، وفي رواية: ((حين قام به بعيره))، وفي رواية: ((يهل حين تستوي به راحلته قائمة))، هذه الروايات كلها متفقة في المعنى، وانبعاثها هو استواؤها قائمةً، وفيها دليلٌ لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 93 - 94)، ((المجموع)) للنووي (7/ 216).
(2) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187).
(3) قال ابن عثيمين: (نحن جربنا فائدة كونه لا يلبي إلا إذا ركب؛ لأنه أحياناً يتذكر الإنسان شيئاً كطيب أو شبهه، فإذا قلنا: أحرم بعد الصلاة لم يتمكن من استعمال الطيب بعد الإحرام، لكن إذا قلنا: لا تلب ولا تحرم إلا بعد الركوب حصل في ذلك فسحة، إلا إذا صح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه يبدأ بالتلبية عقب الصلاة) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 103). وقال أيضاً: (لكن الأحسن والأرفق بالناس ألا يلبي حتى يستوي على ناقته؛ لأنه قد يحتاج إلى شيء؛ فقد يكون نسي أن يتطيب مثلاً، وقد يتأخر في الميقات بعد أن يصلي الركعتين، ركعتي الوضوء، أو الصلاة المفروضة مثلاً، فالأرفق به أن تكون تلبيته إذا استوى على ناقته، وإن لبى قبل ذلك فلا حرج) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 509).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 216).
(5) لكن المتمتع يقطع تلبيته للعمرة عند شروعه في الطواف، ثم يلبي إذا أحرم للحج، فلا يزال يلبي حتى يشرع في رمي جمرة العقبة. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 371).
(6) ((المبسوط)) للشيباني (2/ 546)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 371).
(7) ((المجموع)) للنووي (8/ 154)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 191).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 383)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 395).
(9) منهم: ابن مسعود وابن عباس ميمونة رضي الله عنهم، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 383).
(10) رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281).
(11) قال الطحاوي: (قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار متواترة , بتلبيته بعد عرفة إلى أن رمى جمرة العقبة) ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (2/ 224)، وانظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 383).
(12) أخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 225).
(13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 191)، ((المجموع)) للنووي (8/ 154).


المبحث الأول: أحكام الأنساك الثلاثة
المطلب الأول: أنواع الأنساك الثلاثة
النوع الأول: الإفراد: وهو أن يحرم بالحج مفرداً.
النوع الثاني: القران: وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً في نسك واحد.
النوع الثالث: التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه (1).
المطلب الثاني: جواز الأنساك الثلاثة
يجوز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة: الإفراد، أو القران، أوالتمتع، وكلها شريعة صحيحة، وسنة ثابتة (2).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة، فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة، فليهل)) (3) قالت عائشة رضي الله عنها: ((فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بالعمرة)) (4)، وفي رواية: ((منا من أهل بالحج مفرداً، ومنا من قرن، ومنا من تمتع)) (5)
وجه الدلالة:
أنها ذكرت إحرام الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه الأنساك الثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد (6).
ثانياً: الإجماع:
_________
(1) سيأتي الكلام عنها مفصلا، وينظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).
(2) ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 346).
(3) رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211).
(4) رواه مسلم (1211).
(5) رواه مسلم (1211).
(6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232).


نقل الإجماع على جواز الأنساك الثلاثة: الماوردي (1)، وابن عبدالبر (2)، والبغوي (3)، وابن هبيرة (4)، وابنُ قدامة (5)، والقرطبي (6)، والنوويُّ (7)، وابن باز (8)، وأثبت آخرون الخلاف في المسألة (9).
_________
(1) قال الماوردي: (لا اختلاف بين الفقهاء في جواز الإفراد، والتمتع، والقران، وإنما اختلفوا في الأفضل) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 44).
(2) قال ابن عبدالبر: (في حديث ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة من الفقه: أن التمتع جائز، وأن الإفراد جائز، وأن القران جائز، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 205).
(3) قال البغوي: (اتفقت الأمة في الحج والعمرة على جواز الإفراد، والتمتع، والقران) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 74).
(4) قال ابن هبيرة: (أجمعوا على أنه يصح الحج بكل نسك من أنساك ثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران، لكل مكلف على الإطلاق) ((اختلاف الأئمة العلماء)) (1/ 270)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 210).
(5) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232).
(6) قال القرطبي: (لا خلاف بين العلماء في أن التمتع جائز على ما يأتي تفصيله، وأن الإفراد جائز، وأن القرآن جائز، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي كلا ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه، بل أجازه لهم ورضيه منهم، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإنما اختلف العلماء فيما كان به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محرما في حجته وفي الأفضل من ذلك، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك) ((تفسير القرطبي)) (2/ 387).
(7) قال النووي: (مذهبنا جواز الثلاثة، وبه قال العلماء وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم الا ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع، وعنه جوابان: أحدهما: أنهما نهيا عنه تنزيهاً، وحملا للناس على ما هو الأفضل عندهما، وهو الإفراد، لا أنهما يعتقدان بطلان التمتع، هذا مع علمهما بقول الله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*. والثاني: أنهما كانا ينهيان عن التمتع الذى فعلته الصحابة في حجة الوداع، وهو فسخ الحج إلى العمرة؛ لأن ذلك كان خاصًّا لهم، وهذا التأويل ضعيف، وإن كان مشهوراً، وسياق الأحاديث الصحيحة يقتضي خلافه) ((المجموع)) للنووي (7/ 151).
(8) قال ابن باز: (قد أجمع العلماء على صحة الإحرام بأي واحد من الأنساك الثلاثة، فمن أحرم بأي واحد منها صح إحرامه، والقول بأن الإفراد والقران قد نسخاً قول باطل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 129، 130).
(9) يقول د. عبدالسلام السحيمي: (هذا الذي ذكره جماعة من أهل العلم، وهو الإجماع على جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، ليس محل إجماع ولا اتفاق على الصحيح)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ثبت عن ابن عباس وطائفة من السلف أن التمتع واجب، وأن كل من طاف بالبيت وسعى ولم يكن معه هدي، فإنه يحل من إحرامه، سواء قصد التحلل أم لم يقصده، وليس عند هؤلاء لأحد أن يحج إلا متمتعاً. وهذا مذهب ابن حزم وغيره من أهل الظاهر). إذا فيكون في المسألة قولان: الأول: جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، وهو قول أكثر أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو قول الأئمة الأربعة. والقول الثاني: أن من لم يسق الهدي فليس بمخير بين الأنساك الثلاثة، بل يتعين عليه أن يحج متمتعاً، وهو قول ابن عباس وأصحابه وأهل الظاهر، ومال إليه ابن القيم .. ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 210 - 212)، وانظر: ((الفروع)) للمرداوي (5/ 330).


المطلب الثالث: نسك النبي صلى الله عليه وسلم:
النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم هو القران، وهذا مذهب أبي حنيفة (1)، وأحمد في المنصوص عنه (2)، وهو قول أئمة الحديث، كإسحاق بن راهويه، وابن المنذر (3)، واختاره ابن حزم (4)، والنووي (5)، وابن تيمية (6)، وابن القيم (7)، وابن حجر (8)، والكمال ابن الهمام (9)، والشوكاني (10)، والشنقيطي (11)
_________
(1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 41)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 519).
(2) قال أحمد: (لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، والتمتع أحب إلي؛ لأنه آخر الأمرين). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 34).
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 429).
(4) قال ابن حزم: (صح في سائر الأخبار من رواية البراء, وعائشة, وحفصة أمي المؤمنين, وأنس, وغيرهم أنه عليه السلام كان قارناً) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 165)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 429).
(5) قال النووي: (الصواب الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفرداً، ثم أدخل عليه العمرة، فصار قارناً) ((المجموع)) للنووي (7/ 159)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 428).
(6) قال ابن تيمية: (أما حج النبي صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه كان قارنا، قرن بين الحج والعمرة وساق الهدي، ولم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا حين قدم، لكنه طاف طواف الإفاضة مع هذين الطوافين). وهذا الذي ذكرناه هو الصواب المحقق عند أهل المعرفة بالأحاديث الذين جمعوا طرقها، وعرفوا مقصدها، وقد جمع أبو محمد بن حزم في حجة الوداع كتابا جيداً في هذا الباب. ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 80)
(7) قال ابن القيم: (وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا، لبضعة وعشرين حديثا صحيحة صريحة في ذلك). وقال أيضاً: (من تأمل ألفاظ الصحابة، وجمع الأحاديث بعضها إلى بعض، واعتبر بعضها ببعض، وفهم لغة الصحابة، أسفر له صبح الصواب، وانقشعت عنه ظلمة الاختلاف) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 107، 121، 129).
(8) قال ابن حجر: (الذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً). وقال أيضاً: (روى القران عنه جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه ... وأيضاً فإن من روي عنه القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسف). وقال أيضا: (فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابياً بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع، وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك والمصير إلى أنه كان قارناً). وقال أيضاً: (الذي يظهر لي أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهل بهما في أول الحال، ولا ينفي أن يكون أهل بالحج مفرداً ثم أدخل عليه العمرة فيجتمع القولان) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 427 - 430).
(9) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 522).
(10) قال الشوكاني: (اعلم ن حجة صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الأحاديث في بيان نوعه فقد تواتر أنه حج قرانا وبلغت الاحاديث في ذلك زيادة على عشرين حديثا من طريق سبعة شعر صحابيا) ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 346).
(11) قال الشنقيطي: (لا شك عند من جمع بين العلم والإنصاف، أن أحاديث القران أرجح من جهات متعددة، منها كثرة من رواها من الصحابة ..... ومنها: أن من روي عنهم الإفراد، روي عنهم القران أيضاً، ويكفي في أرجحية أحاديث القران أن الذين قالوا بأفضلية الإفراد معترفون بأن من رووا القران صادقون في ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا باتفاق الطائفتين، إلا أن بعضهم يقولون: إنه لم يكن قارناً في أول الأمر، وإنما صار قارناً في آخره، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن أحاديث القران أرجح من خمسة عشر وجهاً، فلينظره من أراد الوقوف عليها) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 372).


وابن باز (1) وابن عثيمين (2).
الأدلة:
الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)) (3)
وجه الدلالة:
أنه أمر أن يهل بعمرة في حج، وهذا إهلال القران، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً (4).
الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى وساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج)) (5)
وجه الدلالة:
أن المراد بالتمتع هنا القران، فالصحابة كانوا يطلقون التمتع ويريدون به القران، ويدل له هنا أن ابن عمر رضي الله عنهما بيَّن إثر هذا الكلام صفة عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه عليه السلام بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فذكر صفة القران.
الدليل الثالث: فعل ابن عمر رضي الله عنهما وأنه قَرَن الحج إلى العمرة، وطاف لهما طوافا واحدا، ثم قال: ((هكذا فَعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (6)
الدليل الرابع: عن حفصة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: إني قلدت هديي ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أحل من الحج)) (7).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّها على كونه معتمراً، وأخبرها أنه ساق الهدي، وأنه لن يحل من عمرته حتى يحل من الحج يوم النحر، وهذه صفة القران.
الدليل الخامس: عن أنس رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: ((يلبي بالحج والعمرة جميعاً)) قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر، فقال: ((لبى بالحج وحده))، فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما تعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لبيك عمرة وحجاً)) (8).
المطلب الرابع: أفضل الأنساك
_________
(1) ((فتاوى نور على الدرب)) (17/ 359).
(2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 76).
(3) رواه البخاري (1534).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 392).
(5) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227).
(6) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230).
(7) رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229).
(8) رواه البخاري (4353، 4354)، ومسلم (1232) واللفظ له ..


التمتع أفضل الأنساك الثلاثة لمن لم يسق الهدي، وهو مذهب الحنابلة (1)، وأحد قولي الشافعي (2)، وبه قال طائفة من السلف (3)، واختاره ابن حزم (4)، وابن قدامة (5)، والشوكاني (6)، وابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى دون سائر الأنساك (9).
ثانياً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام، حتى يبلغ الهدي محله. ففعلوا)) (10).
_________
(1) قال سلمة بن شبيب لأحمد: (يا أبا عبدالله، قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة -أي متعة الحج- فقال: يا سلمة، كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدافع عنك، والآن فقد تبين لي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعها لقولك؟) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 260).
(2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 44)، ((المجموع)) للنووي (7/ 150).
(3) منهم: ابن عباس وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وسالم، والقاسم، وعكرمه، يشار هاهنا أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يقتصر على اختياره، بل ذهب إلى وجوبه وتَعيُّنه لمن لم يسق الهدي، وتبعه على ذلك: ابن القيم، والألباني. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 101)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 259).
(4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99، 103 رقم 833).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 262).
(6) قال الشوكاني: (وفي الجملة لم يوجد شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث - حديث ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)) - قال: فالتمسك به متعين، ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من المرجحات، فإنها في مقابله ضائعة) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/ 311). وقال في ((السيل الجرار)) (ص: 346): (فمن جعل وجه التفضيل لأحد أنواع الحج هو أنه صلى الله عليه وسلم حج بنوع كذا، وأن الله سبحانه لا يختار لرسوله إلا ما كان فاضلاً على غيره فقد كان حجه صلى الله عليه وسلم قراناً، فيكون القرآن أفضل أنواع الحج، ولكنه قد ثبت من حديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلها عمرة))، فدل على أن التمتع أفضل من القران).
(7) قال ابن باز: (التمتع أفضل في أصح أقوال العلماء في حق من لم يسق الهدي، أما من ساق الهدي فالقران له أفضل؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 130).
(8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 77)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 264).
(9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 261).
(10) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216).


2 - عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولحللت مع الناس حين حلوا)) (1).
3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سئل عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي)) (2).
وجه الدلالة من هذه النصوص من وجهين:
الوجه الأول: أنه قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر أصحابه في حجة الوداع لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة، أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينقلهم من الفاضل إلى المفضول، بل إنما يأمرهم بما هو أفضل لهم.
الوجه الثاني: أنه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلولا أن التمتع هو الأفضل لما تأسف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تمنى أنه لم يسق الهدي حتى يحل مع الناس متمتعاً (3).
4 - عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: ((أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال: رجل برأيه ما شاء)) (4).
5 - عن أبي نضرة، قال: ((كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبدالله، فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فـ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة: 196]، كما أمركم الله)) (5).
ثالثاً: أن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج، مع كمالها وكمال أفعالها على وجه اليسر والسهولة، مع زيادة لنسك هو الدم، فكان ذلك هو الأولى (6).
رابعاً: أنه أسهل على المكلف غالباً لما فيه من التحلل بين العمرة والحج (7).
المطلب الخامس: تعيين أحد الأنساك
يستحب أن يُعيِّن ما يحرم به من الأنساك عند أول إهلاله، نص على هذا جمهور الفقهاء من المالكية (8)، والشافعية في الأصح (9)، والحنابلة (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (11).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ أن يُعيِّن نسكه.
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أصحابه بالاحرام بنسك معين فقال: ((من شاء منكم أن يهل بالحج أو عمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل)) (12).
ثانياً: أن التعيين هو الأصل في العبادات (13).
_________
(1) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).
(2) رواه البخاري (1572).
(3) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 259).
(4) رواه البخاري (4518)، ومسلم (1226).
(5) رواه مسلم (1217).
(6) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 286)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 262).
(7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 77).
(8) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 221)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 63).
(9) نص عليه الشافعي. ((المجموع)) للنووي (7/ 227)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477).
(10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 230، 232)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 328). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 230).
(11) رواه البخاري (1534).
(12) رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211).
(13) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 221).


ثالثاً: أن بتعيين النسك يعرف المحرم ما يدخل عليه، وهو أقرب إلى الإخلاص (1).
المطلب السادس: الإحرام المبهم
إذا أحرم ولم يعيِّن نسكه فإنه ينعقد إحرامه، ويصرفه إلى ما شاء من أنواع النسك قبل شروعه في أفعال النسك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسعايته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت يا علي؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأهد، وامكث حراماً كما أنت)) (6).
2 - عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟، فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟، قال قلت: لبيك، بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، وأحل)) (7).
ثانياً: أنه صح الإهلال مبهما لتأكد الإحرام، وكونه لا يخرج منه بمحظوراته (8).
ثالثاً: أن هذا مثل ابتداء الإحرم بالنية مطلقاً، ثم تعيينه باللفظ بأي أنواع النسك شاء (9).
المطلب السابع: من لبى بغير ما نوى
من لبى بغير ما نوى، كأن ينوي القران، ويجري على لسانه الإفراد، ونحو ذلك فإنه يكون مُحْرِماً بما نوى، لا بما جرى على لسانه (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (11).
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن المنذر (12).
ثالثاً: أن الواجب النية، وعليها الاعتماد، واللفظ لا عبرة به، فلم يؤثر، كما لا يؤثر اختلاف النية فيما يعتبر له اللفظ دون النية (13).
المطلب الثامن: نسيان ما أحرم به
مَنْ أحرم بشيء معين، ثم نسي ما أحرم به فإنه يلزمه حج وعمرة، ويعمل عمل القارن، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (14)، والمالكية (15)، والشافعية (16).
الأدلة:
_________
(1) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 346) ا.
(3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 63)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 26).
(4) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 267)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(6) رواه البخاري (4352).
(7) رواه مسلم (1221).
(8) ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 267)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(10) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 61)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478): ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 55).
(11) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية).
(12) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنه [إذا] أراد أن يهلّ بحج فأهل بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبى بحج: أن اللازم ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51)، وينظر ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265).
(13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 220).
(14) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 223).
(15) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 65)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 27).
(16) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 267).


أولاً: أنه تلبس بالإحرام يقيناً فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه (1).
ثانياً: أنه أحوط لاشتماله على النسكين، فيتحقق بالإتيان بالنسكين الخروج عما شرع فيه، فتبرأ ذمته (2).
المطلب التاسع: الإحرام بما أحرم به فلان:
من نوى الإحرام بما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله، فإن كان لا يعلم ما أحرم به فإنه يقع مطلقاً ويصرفه إلى ما يشاء، نص على هذا جمهور الفقهاء من المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
1) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسعايته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت يا علي؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأهد، وامكث حراماً كما أنت)) (6).
2) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟، فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟، قال قلت: لبيك، بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، وأحل)) (7).
_________
(1) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478).
(2) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 27)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478).
(3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 68).
(4) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 268)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(6) رواه البخاري (4352).
(7) رواه مسلم (1221).


المبحث الثاني: الإفراد في الحج
الإفراد بالحج أن يحرم بالحج مفرداً، فيقول: «لبيك اللهم حجاً»، ثم يمضي في عمل حجه حتى يتمه، فليس عليه إلا طواف واحد، وهو طواف الإفاضة (1)، وليس عليه إلا سعي واحد، وهو سعي الحج، ولا يحل إلا يوم النحر، وليس عليه دم، وإن كان يستحب له ذلك (2).
_________
(1) أما طواف القدوم فلا يجب عليه عند جمهور الفقهاء، وأما طواف الوداع فإنما يجب عند الجمهور على غير الحائض إذا صدر من مكة بعد فراغه من النسك، وكل ذلك سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى في في صفة الحج.
(2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 382)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 344)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (5/ 286)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 209)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 88).


المبحث الثالث: القران في الحج
المطلب الأول: تعريف القران
أن يحرم بالعمرة والحج معاً في نسك واحد، فيقول: لبيك اللهم عمرة في حجة (1).
المطلب الثاني: إطلاق التمتع على القران
يطلق التمتع على القران في عرف السلف، قرر ذلك ابن عبدالبر (2)، والنووي (3)، وابن تيمية (4)، وابن حجر (5)، والكمال ابن الهمام (6)، والشنقيطي (7)، وغيرهم (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
_________
(1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).
(2) قال ابن عبدالبر: (إنما جعل القران من باب التمتع لأن القارن متمتع بترك النصب في السفر إلى العمرة مرة وإلى الحج أخرى وتمتع بجمعهما لم يحرم لكل واحدة من ميقاته وضم إلى الحج فدخل تحت قول الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، وهذا وجه من التمتع لا خلاف بين العلماء في جوازه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354).
(3) قال النووي: (كذلك يتأول قول من قال: كان متمتعاً أي تمتع بفعل العمرة في أشهر الحج وفعلها مع الحج؛ لأن لفظ التمتع يطلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 137).
(4) قال ابن تيمية: (الذين قالوا تمتع -أي الرسول صلى الله عليه وسلم- لم تزل قلوبهم على غير القران، فإن القران كان عندهم داخلاً في مسمى التمتع بالعمرة إلى الحج، ولهذا وجب عند الأئمة على القارن الهدي؛ لقوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، وذلك أن مقصود حقيقة التمتع أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من عامه، فيترفه بسقوط أحد السفرين، قد أحل من عمرته، ثم أحرم بالحج، أو أحرم بالحج مع العمرة، أو أدخل الحج على العمرة، فأتى بالعمرة والحج جميعا في أشهر الحج من غير سفر بينهما، فيترفه بسقوط أحد السفرين، فهذا كله داخل في مسمى التمتع) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 81)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 209).
(5) قال ابن حجر: (حديث بن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وصف فعل القران حيث قال: ((بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج))، وهذا من صور القران، وغايته أنه سماه تمتعاً لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعاً) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495).
(6) قال الكمال ابن الهمام: (التمتع بلغة القرآن أعم من القران كما ذكره غير واحد، وإذا كان أعم منه احتمل أن يراد به الفرد المسمى بالقران في الاصطلاح الحادث، وهو مدعانا، وأن يراد به الفرد المخصوص باسم التمتع في ذلك الاصطلاح، فعلينا أن ننظر أولاً في أنه أعم في عرف الصحابة أو لا، وثانياً في ترجيح أي الفردين بالدليل، والأول يبين في ضمن الترجيح وثم دلالات أخر على الترجيح مجردة عن بيان عمومه عرفاً) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 520، 521).
(7) قال الشنقيطي: (اعلم أن الأحاديث الواردة بأنه كان مفرداً، والواردة بأنه كان قارناً، والواردة بأنه كان متمتعاً لا يمكن الجمع البتة بينها، إلا الواردة منها بالتمتع والواردة بالقران، فالجمع بينهما واضح; لأن الصحابة كانوا يطلقون اسم التمتع على القران، كما هو معروف عنهم، ولا يمكن النزاع فيه، مع أن أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع قد يطلق عليه أنه تمتع ; لأن أمره بالشيء كفعله إياه) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 371).
(8) ((تفسير القرطبي)) (2/ 388)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 169)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 423)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).


قال الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن القارن متمتع بجمع النسكين في نسك واحد، ومتمتع بسقوط أحد السفرين عنه، فلم يحرم لكل نسك من ميقاته، فيدخل بذلك في عموم الآية في مسمى التمتع (1).
ثانياً: أن إطلاق الصحابة رضي الله عنهم التمتع على نسك النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان نسكه القران (2):
1. عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((تمتع نبي الله وتمتعنا معه)) (3).
2. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج)) (4).
3. عن سعيد بن المسيب قال: ((اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً)) (5).
ثالثاَ: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إنما جعل القران لأهل الآفاق وتلا: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]، فمن كان من حاضري المسجد الحرام وتمتع أو قرن لم يكن عليه دم قران ولا تمتع ومن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وقرن أو تمتع فعليه دم)).
وجه الدلالة:
أنه أدرج القران في مسمى التمتع في الآية، وذلك بلزوم الدم إن كان من أهل الآفاق، وعدم لزومه إن كان من حاضري المسجد الحرام (6).
رابعاً: أن كلا النسكين فيه تمتع لغة ; لأن التمتع من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع أو النفع، وكل من القارن والمتمتع، انتفع بإسقاط أحد السفرين وانتفع القارن باندراج أعمال العمرة في الحج (7).
المطلب الثالث: صور القران:
للقران ثلاث صور:
الصورة الأولى: صورة القران الأصلية:
أن يحرم بالعمرة والحج معا، فيجمع بينهما في إحرامه، فيقول: لبيك عمرة وحجا، أو لبيك حجا وعمرة (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل -عليه السلام- وقال: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو قال: عمرة وحجة)) (9).
2. عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ((فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، ومنا من أهل بحج وعمرة)) (10).
ثانياً: هذه الصورة هي نسك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين الفقهاء في صحتها، وإنما اختلفوا في المفاضلة بينها وبين غيرها من أنواع النسك، وقد نقل الإجماع على جوازها ابن عبدالبر (11)، والمباركفوري (12).
الصورة الثانية: إدخال الحج على العمرة:
_________
(1) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 81).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 521).
(3) رواه مسلم (1226).
(4) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227).
(5) رواه البخاري (1569)، ومسلم (1223).
(6) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 355)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 127).
(7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 127).
(8) الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول: (لبيك عمرة وحجاً)؛ لأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ولأنها سابقة على الحج. ((المجموع)) للنووي (7/ 171).
(9) رواه البخاري (1534).
(10) رواه البخاري (4408)، ومسلم (1211)
(11) قال ابن عبدالبر في معرض تقريره وصف القران بالتمتع: (هذا وجه من التمتع لا خلاف بين العلماء في جوازه) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354).
(12) قال المباركفوري: (الإهلال بالحج والعمرة معًا، وهذا متفق على جوازه) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38)، ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 74).


أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخِل عليها الحج قبل الشروع في الطواف، وهذا جائز مطلقاً، وقد يضطر إلى ذلك بسبب عدم قدرته على إتمام نسك العمرة قبل دخول الحج، أو من أتاها الحيض قبل أن تطوف.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة قالت: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟. قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نفست؟. قلت: نعم. قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جوَّز لعائشة رضي الله عنها إدخال الحج على العمرة.
ثانياً: عن نافع: ((أن ابن عمر رضي الله عنهما أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك. فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة. ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجاً مع عمرتي. وأهدى هدياً اشتراه بقديد ولم يزد على ذلك، فلم ينحر، ولم يحل من شيء حرم منه، ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (2).
رابعاً: الإجماع:
_________
(1) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(2) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230)


نقل الإجماع على جواز إدخال الحج على العمرة: ابن المنذر (1)، وابن عبدالبر (2)، وابن قدامة (3)، وابن أخيه ابن أبي عمر (4)، والقرطبي (5)، والرملي (6)، ووصف ابن عبدالبر والنووي القول بعدم الصحة أنه شذوذ (7).
مسألة:
يشترط في إدخال الحج على العمرة أن يكون قبل الطواف، وهو مذهب الشافعية (8)، والحنابلة (9)، وهو قول أشهب من المالكية (10)، وبه قال أبو ثور (11)، واختاره ابن عبدالبر (12).
دليل ذلك:
_________
(1) قال ابن المنذر: (أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم، أن لمن أهل بعمرة أن يدخل عليها الحج، ما لم يفتتح الطواف بالبيت) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 422).
(2) قال ابن عبدالبر: (في هذا الباب أيضاً من الفقه ... إدخال الحج على العمرة، وهو شيء لا خلاف فيه بين العلماء ما لم يطف المعتمر بالبيت أو يأخذ في الطواف) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 229). وقال أيضاً: (العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج على ما وصفنا قبل الطواف بالبيت أنه جائز له ذلك، ويكون قارنا بذلك يلزمه الذي أنشأ الحج والعمرة معا) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216).
(3) قال ابن قدامة: (إدخال الحج على العمرة جائز بالإجماع من غير خشية الفوات، فمع خشية الفوات أولى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 421).
(4) قال شمس الدين ابن قدامة: (إذا أدخل الحج على العمرة قبل طوافها من غير خوف الفوات جاز وكان قارنا بغير خلاف، وقد فعل ذلك ابن عمر ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239).
(5) قال القرطبي: (أجمع أهل العلم على أن لمن أهل بعمرة في أشهر الحج أن يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت، ويكون قارناً بذلك، يلزمه ما يلزم القارن الذي أنشأ الحج والعمرة معاً) ((تفسير القرطبي)) (2/ 398).
(6) قال الرملي: (وإن أحرم بعمرة صحيحة في أشهر الحج ثم أحرم بحج قبل الشروع في الطواف كان قارناً إجماعاً) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323).
(7) قال ابن عبدالبر: (قول أبي ثور لا يدخل إحراما على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة ينفي دخول الحج على العمرة وهذا شذوذ وفعل ابن عمر في إدخاله الحج على العمرة ومعه على ذلك جمهور العلماء خير من قول أبي ثور الذي لا أصل له إلا القياس الفاسد في هذا الموضع والله المستعان) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 219). وقال النووي: (اتفق جمهور العلماء علي جواز إدخال الحج علي العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه، وقال: لا يدخل إحرام علي إحرام، كما لا يدخل صلاة على صلاة) ((المجموع)) للنووي (7/ 162)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7).
(8) ((المجموع)) للنووي (7/ 172)، ((نهاية المحتاج)) (3/ 323).
(9) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 59)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 310).
(10) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 384)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 217).
(11) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289).
(12) قال ابن عبدالبر: (العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج على ما وصفنا قبل الطواف بالبيت أنه جائز له ذلك ويكون قارناً بذلك يلزمه الذي أنشأ الحج والعمرة معاً، وقالت طائفة من أصحاب مالك: إن له أن يدخل الحج على العمرة وإن كان قد طاف ما لم يركع ركعتي الطواف، وقال بعضهم: ذلك له بعد الطواف ما لم يكمل السعي بين الصفا والمروة، وهذا كله شذوذ عند أهل العلم، وقال أشهب: من طاف لعمرته ولو شوطاً واحداً لم يكن له إدخال الحج عليها وهذا هو الصواب إن شاء الله) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216، 217).


أنه إذا طاف فيكون حينئذ قد اشتغل بمعظم أعمال العمرة، وشرع في سبب التحلل، ففات بذلك إدخال الحج على العمرة (1).
الصورة الثالثة: إدخال العمرة على الحج
اختلف أهل العلم في حكم إدخال العمرة على الحج، وذلك بأن يحرم بالحج مفرداً، ثم يدخل عليها العمرة ليكون قارناً، وذلك على قولين:
القول الأول: لا يصح إدخال العمرة على الحج، فإن فعل لم يلزمه، ويتمادى على حجه مفرداً، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (2)، والشافعية في الأصح (3)، والحنابلة (4)، وبه قال طائفة من السلف (5)، وابن المنذر (6)، واختاره المباركفوري (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة)).
وجه الدلالة:
أن أمرهم بفسخ الحج إلى عمرة إنما كان بغرض إعلامهم بجواز العمرة في أشهر الحج لإبطال ما كانوا عليه في الجاهلية من عدم الجواز، فلو كان يجوز إدخال العمرة على الحج لأمرهم بذلك، ولما احتاج أن يأمرهم بفسخ الحج (8).
ثانياً: أن أفعال العمرة من الطواف والسعي والحلق استحقت بالإحرام بالحج، فلم يبق في إدخال الإحرام بها فائدة بخلاف العكس من إدخال الحج على العمرة، فإنه يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت (9).
رابعاً: أن التداخل على خلاف الأصل، ولا يصار إليه إلا بدليل، لاسيما أن فيه إدخال الأصغر على الأكبر، وهو لا يصح (10).
خامساً: أن العمرة أضعف من الحج، فلم يجز أن تزاحم ما هو أقوى منها بالدخول عليها، وجاز للحج مزاحمتها لأنه أقوى منها (11).
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (7/ 172)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 100).
(2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 173)، ((نهاية المحتاج)) (3/ 323).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 310).
(5) روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال مالك وأبو ثور، وإسحاق. ((الإشراف)) (3/ 300)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423).
(6) ((الإشراف)) لابن عبدالبر (3/ 300)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423).
(7) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459).
(8) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (23/ 365).
(9) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459).
(10) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240).
(11) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38).


القول الثاني: يجوز إدخال العمرة على الحج، ويكون قارناً، وهذا مذهب الحنفية (1)، وهو قول الشافعي القديم (2)، واللخمي من المالكية (3)، وبه قال عطاء، والأوزاعي (4)، وقواه ابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها: ((أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، ثم جاءه جبريل عليه السلام، وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة)) (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ أن يُدخل العمرة على الحج، وهذا يدل على جواز إدخال العمرة على الحج (7).
ثانياً: عن سراقة بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) (8).
ثالثاً: أنه يستفيد بذلك أن يأتي بنسكين بدل نسك واحد (9).
رابعاً: قياساً على إدخال الحج على العمرة؛ لأنه أحد النسكين.
المطلب الرابع: أعمال القارن
الفرع الأول: أعمال القارن
_________
(1) يصح عند الحنفية إدخال العمرة على الحج، ويكون قارنا بذلك، لكنه أخطأ السنة، فالسنة هي الإحرام بهما معا، أو إدخال الحج على العمرة. ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 120)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 120).
(2) قال الشافعي ببغداد: (إذا بدأ فأهل بالحج فقد قال بعض أصحابنا: لا يدخل العمرة عليه، والقياس أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر فهما سواء) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 324)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230).
(3) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289).
(4) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 218)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 274).
(5) قال ابن عثيمين: (هذا القول دليله قوي) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 87).
(6) رواه البخاري (1534).
(7) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 460).
(8) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).
(9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 87).


عمل القارن والمفرد واحد، فالقارن يكفيه إحرام واحد، وطواف واحد، وسعي واحد، ولا يحل إلا يوم النحر، ويقتصر على أفعال الحج، وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال أكثر السلف (4)، واختاره ابن عبدالبر (5)، وابن حجر (6)، والشنقيطي (7)،والمباركفوري (8) وابن عثيمين (9).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا)) (10).
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً)) (11).
وجه الدلالة:
أن الحديث نص صريح على اكتفاء القارن بطواف واحد لحجه وعمرته (12).
3 - عن عائشة رضي الله عنها: أنها أهلت بعمرة، فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها، وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((يسعك طوافك لحجك وعمرتك)) (13).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث الصحيح صريح في أن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد (14).
_________
(1) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 385)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 273).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 171). ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323).
(3) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 344)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 60).
(4) منهم: ابن عمر رضي الله عنهما، وجابر بن عبدالله، وعائشة، وعطاء، وطاووس، والحسن، ومجاهد، والماجشون, وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر وداود. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 391)، ((المجموع)) للنووي (8/ 61)، ((حاشية ابن القيم)) (5/ 347).
(5) قال ابن عبدالبر: (في قول عائشة في حديث مالك وأما الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا دليل على أن الحاج يجزيه في حجه إن كان مفردا أو قارنا طواف واحد ويقضي بذلك فرضه). وقال أيضاً: (أجمعوا أن القارن يحل بحلق واحد، فكذلك الطواف أيضا قياسا) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 234، 15/ 229).
(6) قال ابن حجر: (حديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت: وأما الذين جمعوا إلخ فهؤلاء أهل القران وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان). وقال أيضاً: (الحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد). ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 494، 495).
(7) قال الشنقيطي: (أما الجمهور المفرقون بين القارن والمتمتع القائلون بأن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف زيارة واحد، وهو طواف الإفاضة، وسعي واحد، فاحتجوا بأحاديث صحيحة ليس مع مخالفيهم ما يقاومها). وقال: (الأحاديث الدالة على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد كفعل المفرد كثيرة، وفيما ذكرنا هنا من الأحاديث الصحيحة كفاية لمن يريد الحق) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378، 375).
(8) قال المباركفوري: (قد ثبت بما ذكرنا من الأحاديث والآثار الفرق بين القران والتمتع، وأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد لعمرته وحجته كفعل المفرد) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 68).
(9) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 195).
(10) رواه البخاري (1645).
(11) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211).
(12) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378).
(13) رواه مسلم (1211).
(14) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 375).


4 - عن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((دخلت العمرة في الحج، مرتين)) (1).
وجه الدلالة:
أن تصريحه صلى الله عليه وسلم بدخولها فيه يدل على دخول أعمالها في أعماله حالة القران (2).
ثانياً: الآثار:
1 - عن سلمة بن كهيل قال: ((حلف طاوس: ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافاً واحداً)) (3).
2 - عن نافع: ((أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال وإنا نخاف إن يصدوك، فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذًا أصنع كما صنع رسول الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجًا مع عمرتي وأهدى هديًا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك فلم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم)) (4)
وجه الدلالة:
أن في هذه الرواية التصريح من ابن عمر باكتفاء القارن بطواف واحد، وهو الذي طافه يوم النحر للإفاضة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل (5).
3 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد))، وفي لفظ: ((من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما)) (6).
الفرع الثاني: وجوب الهدي على القارن:
يجب الهدي على القارن، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10)، وبه قال أكثر الفقهاء (11).
الأدلة:
أولاً: أن القارن داخل في مسمى التمتع في عرف الصحابة رضي الله عنهم، ويدل على ذلك ما يلي:
- عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((تمتع نبي الله وتمتعنا معه)) (12).
وجه الدلالة:
أنه وصف نسكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالتمتع مع كونه صلى الله عليه وسلم كان قارناً.
- عن سعيد بن المسيب، قال: ((اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً)) (13).
ثالثا: أن الهدي إذا كان واجباً على المتمتع؛ لأنه تمتع بسقوط سفره الثاني من بلده، فلأن يجب على القارن أولى؛ لأنه جمع بين النسكين في إحرام واحد، وقد اندرجت جميع أفعال العمرة في أفعال الحج (14) ..
رابعاً: أن إيجاب الهدي على القارن هو إجماع من يعتد به من أهل العلم، نقله الشنقيطي (15)، ووصف ابن حجر قول ابن حزم بعدم الوجوب بالشذوذ (16).
_________
(1) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).
(2) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 67).
(3) قال ابن حجر: (هذا إسناد صحيح) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495).
(4) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230).
(5) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 376)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 65).
(6) قال ابن مفلح في ((الفروع)): (إسناده جيد) , رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
(7) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165) ((بدائع الصنائع)) (2/ 174).
(8) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 384)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 84).
(9) ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 311).
(11) منهم: ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم. ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190).
(12) رواه مسلم (1226).
(13) رواه البخاري (1569)، ومسلم (1223).
(14) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 93)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246).
(15) قال الشنقيطي: (أجمع من يعتد به من أهل العلم أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع من الهدي، والصوم عند العجز عن الهدي، وهذا مذهب عامة العلماء، منهم الأئمة الأربعة، إلا من شذ شذوذاً لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له وجه من النظر، إلا من شذ شذوذاً لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له وجه من النظر) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (باختصار 5/ 128).
(16) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7).


المبحث الرابع: التمتع في الحج
المطلب الأول: تعريف التمتع
التمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه (1).
المطلب الثاني: سبب تسمية النسك بالتمتع
السبب الأول: أن المتمتع يتمتع بإسقاط أحد السفرين عنه، فشأن كل واحد من النسكين أن يحرم به من الميقات، وأن يرحل إليه من قطره، فإذا تمتع بالنسكين في سفرة واحدة، فإنه يكون قد سقط أحدهما، فجعل الشرعُ الدمَ جابراً لما فاته، ولذلك وجب الدم أيضاً على القارن، وكل يوصف بالتمتع في عرف الصحابة لهذا المعنى، ولذلك أيضاً لم يجب الدم على المكي متمتعاً كان أو قارناً؛ لأنه ليس من شأنه الميقات ولا السفر.
السبب الثاني: أن المتمتع يتمتع بين العمرة والحج بالنساء والطيب، وبكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حله في العمرة إلى وقت الحج، وهذا يدل عليه الغاية في قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]، فإن ذلك يدل على أن ثمة تمتعا بين العمرة والحج، ويدل عليه أيضاً لفظ التمتع فإنه في اللغة بمعنى التلذذ والانتفاع بالشيء.
السبب الثالث: أن التمتع سُمِّي بذلك لانتفاعه بالتقرب إلى الله تعالى بالعبادتين.
السبب الرابع: أن التمتع سمي بذلك لتمتعه بالحياة حتى أدرك إحرام الحجة.
والسببان الأولان: هما المشهوران عند أهل العلم (2).
المطلب الثالث: صور التمتع
التمتع له صورتان:
الصورة الأصلية:
أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحرم بالحج بعد فراغه من العمرة، وهذه الصورة صحيحة بالإجماع، ونقله ابن المنذر (3)، وابن عبدالبر (4)، والقرطبي (5).
الصورة الطارئة: فسخ الحج إلى عمرة
_________
(1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).
(2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 344)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 293)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).
(3) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها وحج من عامه أنه متمتع) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 56).
(4) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 342، 344).
(5) ((تفسير القرطبي)) (2/ 390،391).


أن يحرم بالحج، ثم قبل طوافه، يفسخ حجه إلى عمرة، فإذا فرغ من العمرة وحل منها، أحرم بالحج، وهذه الصورة تصح عند الحنابلة (1)، والظاهرية (2)، وبه قال طائفة من السلف (3)، واختاره ابن تيمية (4)، وابن القيم (5)، والشنقيطي (6)، وابن باز (7)، ابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل قال: الحل كله)) (9).
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((اجعلوها عمرة، فأحل الناس إلا من كان معه الهدي)) (10).
عن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا، بل لأبد أبد)) (11).
وجه الدلالة:
_________
(1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 359).
(2) فسح الحج إلى عمرة واجب عند الظاهرية لمن لم يسق الهدي. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99 رقم 833)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 333).
(3) منهم ابن عباس رضي الله عنهما والحسن البصري ومجاهد. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 358)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 333)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 49)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 222).
(4) قال ابن تيمية: (كثير مما تنازعوا فيه قد جاءت السنة فيه بالأمرين مثل الحج، قيل: لا يجوز فسخ الحج إلى العمرة؛ بل قيل: ولا تجوز المتعة, وقيل بل ذلك واجب والصحيح أن كليهما جائز فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة في حجة الوداع بالفسخ وقد كان خيرهم بين الثلاثة وقد حج الخلفاء بعده ولم يفسخوا) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 336)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 222).
(5) مذهب ابن القيم هو وجوب فسخ الحج إلى عمرة كمذهب ابن عباس وابن حزم، وفي ذلك يقول: (نحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحجج لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة، تفادياً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لأمره، فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه دون من بعدهم، بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الأبد. فما ندري ما نقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 182)، وانظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 224).
(6) قال الشنقيطي: (الذي يظهر لنا صوابه في حديث ((بل للأبد))، وحديث الخصوصية بذلك الركب، هو ما اختاره العلامة الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو الجمع المذكور بين الأحاديث بحمل الخصوصية المذكورة على الوجوب والتحتم، وحمل التأبيد المذكور على المشروعية والجواز أو السنة، ولا شك أن هذا هو مقتضى الصناعة الأصولية والمصطلحية كما لا يخفى) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 360).
(7) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 130).
(8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 96).
(9) رواه البخاري (1564)، ومسلم (1240).
(10) رواه مسلم (1211).
(11) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).


أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن هذه العمرة التي وقع السؤال عنها، وكانت عمرة فسخ، هي لأبد الأبد، لا تختص بقرن دون قرن (1).
ثانياً: أن فسخ الحج إلى عمرة ليتمتع بها، هو من باب الانتقال من الأدنى من الأعلى، وهو جائز، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يصلي ركعتين في بيت المقدس أن يصليها في الحرم، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، ((أن رجلا، قام يوم الفتح، فقال: يا رسول الله، إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة، أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنك إذن)).
مسألة:
لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز فسخ الحج إلى عمرة مفردة لا يأتي بعدها بالحج (2).
المطلب الرابع: شروط المتمتع
الفرع الأول: ما يشترط للتمتع
الشرط الأول: الإحرام بالعمرة في أشهر الحج
يشترط للتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج.
الأدلة:
أولاً: الإجماع:
نقله ابن حزم (3)، وابن عبدالبر (4)، وابن قدامة (5)، وابن أخيه ابن أبي عمر (6).
ثانياً: أن شهور الحج أحق بالحج من العمرة؛ لأن العمرة جائزة في السنة كلها والحج إنما موضعه شهور معلومة، فإذا جعل أحد العمرة في أشهر الحج ولم يأت في ذلك العام بحج فقد جعلها في موضع كان الحج أولى به (7).
ثالثاً: أنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج، فلم تحصل صورة التمتع، فهو كالمفرد (8).
الشرط الثاني: أن يحج من عامه
أن يحرم بالحج في عامه، فإن اعتمر في أشهر الحج فلم يحج ذلك العام، بل حج في العام القابل فليس بمتمتع.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن هذا يقتضي الموالاة بين العمرة والحج (9).
ثانياً: عن سعيد ابن المسيب قال: ((كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا)) (10).
ثالثاً: الإجماع:
_________
(1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 218).
(2) قال ابن تيمية: (فأما الفسخ بعمرة مجردة فلا يجوزه أحد من العلماء) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 280) وقال قال ابن القيم: (فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة، لم يجز بلا نزاع) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 219). وتنظر ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 215).
(3) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن من اعتمر عمرته كلها مما بين استهلال المحرم إلى أن يتمها قبل يوم الفطر ولم ينو بها التمتع ثم خرج إلى منزله أو إلى الميقات وهو من غير أهل مكة ثم حج من عامه أنه ليس متمتعاً) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 49).
(4) قال ابن عبدالبر: (روى عن طاوس في التمتع قولان هما أشد شذوذاً مما ذكرنا عن الحسن أحدهما أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج من عامه أنه متمتع، وهذا لم يقل به أحد من العلماء فيما علمت غيره ولا ذهب إليه أحد من فقهاء الأمصار) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 347).
(5) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من اعتمر في غير أشهر الحج عمرة، وحل منها قبل أشهر الحج، أنه لا يكون متمتعا، إلا قولين شاذين) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 413).
(6) قال ابن أبي عمر: (أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241).
(7) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 347).
(8) ((المجموع)) للنووي (7/ 174).
(9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241).
(10) رواه ابن أبي شيبة (3/ 526) قال النووي في ((المجموع)) (7/ 174): (أثر حسن)، وحسن إسناده ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/ 361).


نقله ابن حزم (1)، وابن قدامة، ووصف القول بسواه أنه شذوذ (2).
رابعاً: أن الدم إنما يجب لترك الإحرام بالحج من الميقات، وهذا لم يترك الإحرام بالحج من الميقات، فإنه إن أقام بمكة صارت مكة ميقاته، وإن رجع إلى بلده وعاد فقد أحرم من الميقات (3).
خامساً: أنهم إذا أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع، فهذا أولى؛ لأن التباعد بينهما أكثر (4).
الشرط الثالث: عدم السفر
يشترط للتمتع أن لا يسافر بين العمرة والحج، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، وبه قال طائفة من السلف (9)،وهو قول عامة أهل العلم (10).
الأدلة:
أولاً: قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
_________
(1) قال ابن حزم: (اتفقوا ان من اعتمر في أشهر الحج ثم لم يحج من عامه ذلك إلى أن حج عاما كاملا أنه ليس متمتعا). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 49).
(2) قال ابن قدامة: (لا نعلم فيه خلافاً إلا قولا شاذاً عن الحسن فيمن اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج أو لم يحج) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 174).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241).
(5) ضابطه عند الحنفية: ألا يرجع إلى بلده. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 48)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 15).
(6) ضابطه عند المالكية: ألا يرجع إلى بلده أو أبعد منه. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 82)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 29)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 346)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 130).
(7) ضابطه عند الشافعية ورواية عن أحمد: ألا يرجع إلى ميقاته. ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 327)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313).
(8) ضابطه عند الحنابلة: أن يسافر بين العمرة والحج سفرا بعيدا تقصر في مثله الصلاة. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 413)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 312).
(9) في مصنف ابن أبي شيبة: عَنْ عَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٍ قَالُوا: (إن خرج في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع).
(10) قال ابن عبدالبر: (فإن اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ومنزله ثم حج من عامه ذلك فليس بمتمتع ولا هدي عليه ولا صيام عند جماعة العلماء أيضاً إلا الحسن البصري فإنه قال: عليه هدي حج أو لم يحج. قال: لأنه كان يقال عمرة في أشهر الحج متعة .... والذي عليه جماعة الفقهاء وعامة العلماء ما ذكرت لك قبل هذا ... وعلى هذا الناس) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 345، 346). وقال الشنقيطي: (الحاصل: أن الأئمة الأربعة متفقون على أن السفر بعد العمرة، والإحرام بالحج من منتهى ذلك السفر مسقط لدم التمتع، إلا أنهم مختلفون في قدر المسافة، فمنهم من يقول: لا بد أن يرجع بعد العمرة في أشهر الحج إلى المحل الذي جاء منه، ثم ينشئ سفراً للحج ويحرم من الميقات، وبعضهم يقول: يكفيه أن يرجع إلى بلده أو يسافر مسافة مساوية لمسافة بلده، وبعضهم يكفي عنده سفر مسافة القصر، وبعضهم يقول: يكفيه أن يرجع لإحرام الحج إلى ميقاته) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 123).


أنه لا فرق بين حاضري المسجد الحرام في عدم وجوب الدم عليهم، وبين الآفاقيين في وجوب الدم عليهم، إلا أن الآفاقيين ترفهوا بإسقاط أحد السفرين عنهم، وإذا كان الأمر كذلك فإذا سافروا بين الحج والعمرة فلا يكونون قد ترفهوا بترك أحد السفرين، فزال عنهم اسم التمتع وسببه (1).
ثانياً: عن عمر رضي الله عنهما قال: ((إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فإن خرج ورجع فليس بمتمتع))، وعن ابن عمر نحو ذلك (2).
الشرط الرابع: أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج:
أن يفرغ من العمرة بالطواف والسعي والتقصير، قبل إحرامه بالحج، فإن أدخل الحج على العمرة قبل حله منها، فإنه يصير قارناً (3).
الأدلة:
أولاً: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة، قالت: ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال: هذه عمرة مكان عمرتك)) (4).
وجه الدلالة:
أن عائشة رضي الله عنها لم تتمكن من الفراغ من العمرة قبل الحج بسبب حيضها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعُدَّ عمرتها في حجها، لتكون بذلك قارنة، فدل ذلك على أن شرط التمتع الفراغ من العمرة قبل الدخول في الحج.
ثانياً: أن صورة التمتع لا تتحقق إلا بالحل بين العمرة والحج، فإذا أدخل أعمال الحج قبل الفراغ من العمرة كان ذلك قراناً بإجماع أهل العلم (5).
الشرط الخامس: نية المتمتع في ابتداء العمرة أو في أثنائها.
اختلف أهل العلم في اشتراط نية المتمتع في ابتداء العمرة أو في أثنائها على قولين:
_________
(1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 124).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414).
(3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 84)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 87)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 126)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (14/ 10).
(4) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211)
(5) ينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 229، 15/ 219)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 422)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 392)، ((المجموع)) للنووي (7/ 162)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323).


القول الأول: لا تشترط نية التمتع، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية في الأصح (3)، واختاره ابن قدامة (4)، والشنقيطي (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
عموم الآية، فإنه لم يشترط فيها نية التمتع، وتخصيصه بها هو تخصيص للقرآن بغير دليل (6).
ثانياً: أنه لا يحتاج إلى النية؛ لأن الدم يتعلق بترك الإحرام بالحج من الميقات، وذلك يوجد من غير نية (7).
القول الثاني: يشترط نية التمتع (8)، وهذا مذهب الحنابلة (9)، ووجهٌ للشافعية (10)، واختاره ابن عثيمين (11).
دليل ذلك:
أنه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما، فافتقر إلى نية الجمع كالجمع بين الصلاتين (12).
الفرع الثاني: ما لا يشترط للتمتع
المسألة الأولى: لا يشترط كون الحج والعمرة عن شخص واحد
لا يشترط كون الحج والعمرة عن شخص واحد (13)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (14)، والمالكية (15)، والشافعية (16)، والحنابلة (17).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
_________
(1) لم يذكره الحنفية ضمن شروط التمتع، فدل على عدم اعتباره عندهم. ينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 4)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 238).
(2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 293) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 558، 559).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 178)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 210).
(4) قال شمس الدين ابن قدامة: (ذكر القاضي شرطاً سادساً لوجوب الدم، وهو أن ينوي في ابتداء العمرة وفي أثنائها أنه متمتع وظاهر النص يدل على أن هذا غير مشترط فانه لم يذكره، وكذلك ((الإجماع)) الذي ذكرناه مخالف لهذا القول لانه قد حصل له الترفه بترك أحد السفرين فلزمه الدم) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 244)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313).
(5) قال الشنقيطي: (الظاهر سقوط هذا الشرط، وأنه متى حج بعد أن اعتمر في أشهر الحج من تلك السنة فعليه الهدي، لظاهر عموم الآية الكريمة، فتخصيصه بالنية تخصيص للقرآن، بل دليل يجب الرجوع إليه: ويؤيده أنهم يقولون: إن سبب وجوب الدم: أنه ترفه بإسقاط سفر الحج، وتلك العلة موجودة في هذه الصورة، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125).
(6) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125).
(7) ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125).
(8) محل نية التمتع عندهم: هو وقت الإحرام بالعمرة، وقال بعضهم: له نية التمتع، ما لم يفرغ من أعمال العمرة كالخلاف في وقت نية الجمع بين الصلاتين فقال بعضهم: ينوي عند ابتداء الأولى منهما، وقال بعضهم: له نيته ما لم يفرغ من الصلاة الأولى. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125).
(9) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 62).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 210).
(11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 83).
(12) ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125).
(13) فيصح أن يكون حجه عن شخص، وعمرته لآخر.
(14) لم يذكره الحنفية ضمن شروط التمتع. ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 535)، وينظر: ((أضواء البيان بالقرآن)) (5/ 126).
(15) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 30)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 126).
(16) ((المجموع)) للنووي (7/ 177)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 210).
(17) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 62)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313).


أنه عموم، وليس فيه اشتراط كون النسكين عن شخص واحد
ثانياً: أن مؤدِّي النسكين شخص واحد (1).
المسألة الثانية: لا يشترط للتمتع ألا يكون من حاضري المسجد الحرام
لحاضري المسجد الحرام التمتع والقرآن، مثلهم مثل الآفاقي، لكن يسقط عنهم الدم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، واختاره الشنقيطي (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن الآية أثبتت التمتع لحاضري المسجد الحرام، وإنما نفت وجوب الدم عليهم (7).
ثانياً: أن حقيقة التمتع والقران موجودة في حاضري المسجد الحرام، كالآفاقين، ولا فرق، وإنما يقع الخلاف بينهم في وجوب الدم على الآفاقين دون حاضري المسجد الحرام، بسبب ما حصل للآفاقيين من الترفه بسقوط أحد السفرين عنهم (8).
ثالثاً: أن ما كان من النسك قربة وطاعة في حق غير حاضري المسجد الحرام كان قربة وطاعة في حق حاضري المسجد الحرام، كالإفراد (9).
المسألة الثانية: من هم حاضرو المسجد الحرام؟
اختلف الفقهاء في حاضري المسجد الحرام الذين لا يجب عليهم دم التمتع والقران إلى أقوال منها:
القول الأول: حاضرو المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحرم ومن كان من الحرم دون مسافة القصر، وهو مذهب الشافعية (10)، والحنابلة (11)، واختاره الطبري (12).
الأدلة:
أولاً: لأن الشارع حد الحاضر بدون مسافة القصر، بنفي أحكام المسافرين عنه، فالاعتبار به أولى من الاعتبار بالنسك؛ لوجود لفظ الحضور في الآية (13).
_________
(1) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125).
(2) لكن كره المالكية القران للمكي، قال مالك في الموازية: أكره القران للمكي، فإن فعل فلا هدي. ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 382)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 291).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 169، 171) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 516).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 415)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 61).
(5) قال الشنقيطي: (أقرب أقوال أهل العلم عندي للصواب في هذه المسألة: أن أهل مكة لهم أن يتمتعوا، ويقرنوا وليس عليهم هدي; لأن قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ... الآية *البقرة: 196* عام بلفظه في جميع الناس من أهل مكة، وغيرهم، ولا يجوز تخصيص هذا العموم، إلا بمخصص يجب الرجوع إليه، وتخصيصه بقوله: ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ *البقرة: 196*، لا يجب الرجوع إليه; لاحتمال رجوع الإشارة إلى الهدي والصوم، لا إلى التمتع. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 491).
(6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 71).
(7) ((المجموع)) للنووي (7/ 169).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 415).
(9) ((المجموع)) للنووي (7/ 171).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 174). ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 46).
(11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 412) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414).
(12) قال الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من قال: إن حاضري المسجد الحرام من هو حوله ممن بينه وبينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات) ((جامع البيان)) للطبري (3/ 112).
(13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 415).


ثانياً: أن حاضر الشيء من دنا منه، ومن دون مسافة القصر قريب في حكم الحاضر؛ بدليل أنه إذا قصده لا يترخص رخص السفر، فيكون من حاضريه (1).
القول الثاني: هم أهل الحرم، وهو قول طائفة من السلف (2) وقدمه صاحب الفروع (3) واستظهره ابن حجر (4)، وأفتت به اللجنة الدائمة (5) واختاره ابن عثيمين (6).
الدليل من أقوال الصحابة:
قال ابن عباس حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196] هم: أهل الحرم (7).
المطلب الخامس: أعمال المتمتع
الفرع الأول: طواف المتمتع وسعيه
يجب على المتمتع طوافان وسعيان، فيبدأ أولاً بعمرة تامة: فيطوف ويسعى، ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج، ويأتي بطواف للحج وسعي له، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)، وبه قال طائفة من السلف (12). وحكى ابن رشد الإجماع على أن المتمتع عليه طوافان: طواف لعمرته، وطواف لحجه (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا)) (14).
وجه الدلالة:
أنه يدل على الفرق بين القارن والمتمتع، وأن القارن يفعل كفعل المفرد والمتمتع يطوف لعمرته ويطوف لحجه (15).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سئل عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي)).
_________
(1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414).
(2) منهم ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وطاووس، ينظر ((تفسير الطبري)) (3/ 110، 111)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414).
(3) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 349).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 434).
(5) ونص الفتوى: (اختلف أهل العلم في المعنى بـ: حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ *البقرة: 196* والراجح أنهم أهل الحرم) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 390).
(6) قال ابن عثيمين: (الأقرب ... أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم؛ وأما من كان من غير أهل الحرم فليسوا من حاضريه؛ بل هم من محل آخر؛ وهذا هو الذي ينضبط (تفسير سورة البقرة 2/ 395) وفي موضع آخر قال: (وأقرب الأقوال أن نقول: إن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة، أو أهل الحرم، أي: من كان من أهل مكة ولو كان في الحل، أو من كان في الحرم ولو كان خارج مكة). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 89).
(7) ((تفسير الطبري)) (3/ 110، 111).
(8) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 6)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 6).
(9) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 351)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 344).
(10) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 324).
(11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 506).
(12) منهم: الثوري، وأبو ثور. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 351).
(13) قال ابن رشد: (أجمعوا أن من تمتع بالعمرة إلى الحج أن عليه طوافين طوافا للعمرة لحله منها وطوافا للحج يوم النحر على ما في حديث عائشة المشهور) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 344).
(14) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211).
(15) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 69).


وفيه أن طواف المتمتع وسعيه مرتان: مرة لعمرته، ومرة لحجه (1).
الفرع الثاني: الهدي
يجب على المتمتع دم نسك إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196].
ثانياً: من السنة:
عن ابن رضي الله عنهما قال: ((تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس، من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة, وليقصر, ثم ليهل بالحج ويهدي, فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)).
ثالثاً: عن أبي حمزة قال: ((سألت ابن عباس عن المتعة، فأمرني بها، وسألته عن الهدي: فقال: فيها جزور، أو بقرة، أو شرك في دم)).
رابعاً: الإجماع:
يجب الدم على المتمتع بالإجماع: نقله ابن المنذر (2)، وابن رشد (3)، والقرطبي (4)، وابن قدامة (5) وابن مفلح (6). والشوكاني (7).
خامساً: أن حاضر المسجد الحرام ميقاته مكة، ولا يحصل له الترفه بترك أحد السفرين، فهو أحرم من ميقاته، فأشبه المفرد (8).
_________
(1) ((حاشية ابن القيم)) (5/ 347)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 69).
(2) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها فحج من عامه أنه متمتع وعليه الهدي ان وجد والا فالصيام) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241).
(3) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 376)
(4) ((تفسير القرطبي)) (2/ 390،391).
(5) قال ابن قدامة: (لا خلاف بين أهل العلم، في أن دم المتعة لا يجب على حاضري المسجد الحرام) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 242).
(6) قال ابن مفلح: (يلزم المتمتع دم بالإجماع) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 347).
(7) قال الشوكاني: وقع الإجماع على وجوب الهدى على المتمتع. ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 337).
(8) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين لابن قدامة (3/ 242).


المبحث الخامس الاشتراط في الحج والعمرة
المطلب الأول حكم الاشتراط في الحج والعمرة
يصح الاشتراط في الحج والعمرة، وهذا مذهب الشافعية (1) والحنابلة (2)، والظاهرية (3)، وبه قال طائفة من السلف (4)، واختاره البيهقي (5)، وابن قدامة (6)، والنووي (7)، وابن تيمية (8)، وابن القيم (9)، وابن باز (10)، وابن عثيمين (11).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
_________
(1) وعندهم جائز، قال الشافعي: (لو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وهذا مما أستخير الله تعالى فيه) ((الأم)) للشافعي (2/ 172). قال البيهقي: (قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم) ((السنن الكبرى)) للبيهقي (5/ 221)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 310).
(2) وعندهم مستحب مطلقاً، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265).
(3) وعندهم واجب، قال ابن حزم: (ونحب له في كل ما ذكرنا أن يشترط فيقول عند إهلاله: (اللهم إن محلي حيث تحبسني) , فإن قال ذلك فأصابه أمر ما يعوقه، عن تمام ما خرج له من حج أو عمرة أحل، ولا شيء عليه; لا هدي، ولا قضاء إلا إن كان لم يحج قط، ولا اعتمر فعليه أن يحج حجة الإسلام وعمرته) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99رقم 833). وقال أيضاً: (هذه آثار متظاهرة متواترة لا يسع أحداً الخروج عنها) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 113). وقال أيضاً: (وهو قول ... أبي سليمان) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 114).
(4) وممن روي عنه أنه رأى الاشتراط عند الإحرام: عمر، وعثمان, وعلي، وابن مسعود، وابن مسعود، وعائشة، وعمار بن ياسر، وذهب إليه عبيدة السلماني، وعلقمة، والأسود، وشريح، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي, وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وعكرمة. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 114)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265، 266).
(5) قال البيهقي: (عندي أن ابن عمر لو بلغه حديث ضباعة في الاشتراط لم ينكره كما لم ينكره أبوه وحاصله أن السنة مقدمة عليه) ((المجموع)) للنووي (8/ 309).
(6) قال ابن قدامة: (ولا قول لأحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يعارض بقول ابن عمر، ولو لم يكن فيه حديث لكان قول الخليفتين الراشدين مع من قد ذكرنا قوله من فقهاء الصحابة، أولى من قول ابن عمر، وغير هذا اللفظ، مما يؤدي معناه، يقوم مقامه؛ لأن المقصود المعنى، والعبارة إنما تعتبر لتأدية المعنى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 266).
(7) قال النووي: (أجاب إمام الحرمين عن الحديث: بأنه محمول على أن المراد محلي حيث حبستني بالموت معناه حيث أدركتني الوفاة أقطع إحرامي، وهذا تأويل باطل ظاهر الفساد، وعجب من جلالة إمام الحرمين؛ كيف قال هذا؟ وكيف يصح حكمه على أمرها باشتراط كون الموت قاطع الاحرام؟) ((المجموع)) للنووي (8/ 310).
(8) قال ابن تيمية: (يستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفاً وإلا فلا جمعاً بين الأخبار) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 382)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105).
(9) قال ابن القيم: (قد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج اليه العبد حتى بينه وبين ربه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير وقد شكت اليه وقت الاحرام فقال حجى واشترطى على ربك فقولى ان حبسني حابس فمحلى حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الامة اليه ويفيد شيئين جواز التحلل وسقوط الهدى) ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/ 426).
(10) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 128).
(11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75).


عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) أخرجه البخاري ومسلم (1).
ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 - عن سويد بن غَفَلة، قال: ((قال لي عمر ابن الخطاب: يا أبا أمية حج واشترط فإن لك ما اشترطت ولله عليك ما اشترطت)) (2).
2 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((حج واشترط وقل: اللهم الحج أردت ولك عمدت فإن تيسر وإلا فعمرة)) (3).
3 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: ((هل تستثني إذا حججت؟ فقال: ماذا أقول قالت: قل: اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة)) (4).
ثالثاً: أنه لو نذر صوم يوم أو أيام بشرط أن يخرج منه بعذر صح الشرط وجاز الخروج منه بذلك العذر بلا خلاف، فكذا الاشتراط في النسك (5).
رابعا: أن للشرط تأثيراً في العبادات بدليل قوله: إن شفى الله مريضي صمت شهراً ونحوه (6).
المطلب الثاني: متى يشرع الاشتراط؟
_________
(1) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207)
(2) رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح ((المجموع)) (8/ 309).
(3) رواه البيهقي بإسناد حسن. صحيح ((المجموع)) (8/ 309).
(4) رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 318).
(6) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 529).


يشرع الاشتراط إذا خاف المانع من إتمام النسك، وهذا اختيار ابن تيمية (1)، وابن القيم (2)، وابن باز (3)، وابن عثيمين (4).
الأدلة:
أولاً: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) أخرجه البخاري ومسلم (5).
وجه الدلالة:
أنه إنما أشار إليها بالاشتراط لما رآها شاكية تخاف المانع من إتمام النسك (6).
_________
(1) قال ابن تيمية: (يستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفاً وإلا فلا جمعاً بين الأخبار) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 382). وقال أيضاً: (إن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسناً. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب أن تشترط على ربها لما كانت شاكية فخاف أن يصدها المرض عن البيت ولم يكن يأمر بذلك كل من حج) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105).
(2) قال ابن القيم: (قد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج اليه العبد حتى بينه وبين ربه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير وقد شكت اليه وقت الاحرام فقال حجى واشترطى على ربك فقولى ان حبسني حابس فمحلى حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الامة اليه ويفيد شيئين جواز التحلل وسقوط الهدى) ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/ 426).
(3) قال ابن باز: (إن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه): (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 49).
(4) قال ابن عثيمين: (سنة لمن كان يخاف المانع من إتمام النسك، غير سنة لمن لم يخف، وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي تجتمع به الأدلة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعمره كلها، حتى في الحديبية أحرم، ولم يقل: إن حبسني حابس، وحبس، وكذلك في عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وحجة الوداع، ولم ينقل عنه أنه قال: وإن حبسني حابس، ولا أمر به أصحابه أمراً مطلقاً، بل أمر به من جاءت تستفتي؛ لأنها مريضة تخشى أن يشتد بها المرض فلا تكمل النسك، فمن خاف من مانع يمنعه من إتمام النسك، قلنا له: اشترط استرشاداً بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن لم يخف قلنا له: السنة ألا تشترط) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 72). وقال أيضاً: (إذا اشترط شخص بدون احتمال المانع على القول بأنه لا يسن الاشتراط إلا إذا كان يخشى المانع، فهل ينفعه هذا الاشتراط؟ فالجواب: على قولين: القول الأول: ينفعه؛ لأن هذا وإن ورد على سبب، فالعبرة بعمومه. القول الثاني: لا ينفعه؛ لأنه اشتراط غير مشروع، وغير المشروع غير متبوع فلا ينفع، وهذا عندي أقرب؛ لأننا إذا قلنا: بأنه لا يستحب الاشتراط فإنه لا يكون مشروعاً، وغير المشروع غير متبوع، ولا يترتب عليه شيء، وإذا قلنا: إنه يترتب عليه حكم وهو غير مشروع، صار في هذا نوع من المضادة للأحكام الشرعية) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75).
(5) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207)
(6) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 72).


ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعمره كلها، حتى في الحديبية أحرم، ولم يقل: إن حبسني حابس، وكذلك في عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وحجة الوداع، ولم ينقل عنه أنه قال: وإن حبسني حابس، ولا أمر به أصحابه أمراً مطلقاً، بل أمر به من جاءت تستفتي؛ لأنها مريضة تخشى أن يشتد بها المرض فلا تكمل النسك (1).
المطلب الثالث صيغة الاشتراط:
أن يهل بالنسك الذي يريده من عمرة أو حجة مفرداً أو قارناً، أو متمتعاً، ثم يقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، نص على هذا فقهاء الحنابلة (2)، أو يقول: اللهم محلي حيث حبستني، نص على هذا فقهاء الشافعية (3)، وورد عن السلف صيغ أخرى (4). لذا لا يلزم الاشتراط بصيغة معينة (5).
دليل ذلك:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) أخرجه البخاري ومسلم (6).
فرع:
إن قال إن مرضت ونحوه فأنا حلال. فمتى وجد الشرط حل بوجوده، أما إن قال فلي أن أحل، أو محلي حيث حبستني فهو مخير بين البقاء على إحرامه وبين التحلل، لأنه شرط صحيح فكان على ما شرط، وهذا مذهب الشافعية في الأصح (7)، والحنابلة (8)، وقرره ابن عثيمين (9).
فرع:
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105).
(2) ((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 401).
(3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 364).
(4) منها ما يلي: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((حج واشترط وقل اللهم الحج أردت ولك عمدت فان تيسر والا فعمرة)) قال النووي في ((المجموع)): رواه البيهقي باسناد حسن. عن ميسرة: ((أن علي بن أبي طالب كان إذا أراد الحج قال: اللهم حجة إن تيسرت, أو عمرة إن أراد العمرة وإلا فلا حرج)).
(5) قال ابن قدامة: (وغير هذا اللفظ، مما يؤدي معناه، يقوم مقامه؛ لأن المقصود المعنى، والعبارة إنما تعتبر لتأدية المعنى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 266). وقال ابن عثيمين: (لا يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة، لأن هذا مما لا يتعبد بلفظه، والشيء الذي لا يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (22/ 26).
(6) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207)
(7) ((المجموع)) للنووي (8/ 315).
(8) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قدامة (3/ 529)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 401).
(9) قال ابن عثيمين: (إذا قال: فمحلي حيث حبستني، حل بمجرد وجود المانع؛ لأنه علق الحل على شرط فوجد الشرط، فإذا وجد الشرط وجد المشروط، وأما إذا قال: إن حبسني حابس فلي أن أحل، فإنه إذا وجد المانع فهو بالخيار إن شاء أحل، وإن شاء استمر) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 74).


فائدة الاشتراط: أنه إذا حبس عن النسك بعذر فإنه يحل منه وليس عليه هدي ولا صوم ولا قضاء ولا غيره، وهذا مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، واختاره ابن حزم (3)، وابن القيم (4)، وابن عثيمين (5).
فرع:
إن شرط قلب حجه عمرة بالمرض أو نحوه جاز، وتجزئه عن عمرة الإسلام، نص على هذا فقهاء الشافعية (6).
الأدلة:
أولاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة ((هل تستثني إذا حججت فقال ماذا أقول قالت قل: اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة)) (7).
2 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((حج واشترط وقل: اللهم الحج أردت ولك عمدت فإن تيسر وإلا فعمرة)) (8).
ثانياً: أنه كما لو شرط التحلل به بل أولى (9).
فرع:
لا يصح أن يقال: لي أن أحل متى شئت، نص على هذا فقهاء الشافعية (10)، والحنابلة (11) (12).
ودليل ذلك ما يلي:
- أنه ينافي مقتضى الإحرام (13).
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (8/ 311)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 364).
(2) قال المرداوي: (الاشتراط يفيد شيئين). أحدهما: إذا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو نحوه جاز له التحلل. الثاني: لا شيء عليه بالتحلل. ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307)، وينظر: ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 401).
(3) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99رقم 833).
(4) قال ابن القيم: (قد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج اليه العبد حتى بينه وبين ربه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير وقد شكت إليه وقت الاحرام فقال: ((حجي واشترطي على ربك فقولي: إن حبسني حابس فمحلى حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك)) فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الأمة إليه ويفيد شيئين: جواز التحلل, وسقوط الهدى) ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/ 426).
(5) قال ابن عثيمين: (أما فائدة الاشتراط فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنع من إتمام نسكه تحلل بدون شيء، يعنى تحلل وليس عليه فدية ولا قضاء) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 28). وقال أيضاً: (فائدته أنه إذا وجد المانع حل من إحرامه مجاناً، ومعنى قولنا: «مجاناً» أي بلا هدي؛ لأن من أحصر عن إتمام النسك فإنه يلزمه هدي؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، فإذا كان قد اشترط ووجد ما يمنعه من إتمام النسك، قلنا له: حل بلا شيء، مجاناً، ولو لم يشترط لم يحل إلا إذا أحصر بعدو على رأي كثير من العلماء، فإن حصر بمرض، أو حادث، أو ذهاب نفقة، أو ما أشبه ذلك فإنه يبقى محرما ولا يحل، لكن إن فاته الوقوف فله أن يتحلل بعمرة، ثم يحج من العام القادم) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 73).
(6) ((المجموع)) للنووي (8/ 312)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 364).
(7) رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم
(8) رواه البيهقي بإسناد حسن. صحيح ((المجموع)) (8/ 309).
(9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 364).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 317).
(11) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن التحلل من الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء؛ كمال أفعاله، أو التحلل عند الحصر، أو بالعذر إذا شرط، وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به. فإن نوى التحلل لم يحل، ولا يفسد الإحرام برفضه؛ لأنه عبادة لا يخرج منها بالفساد، فلا يخرج منها برفضها، بخلاف سائر العبادات، ويكون الإحرام باقياً في حقه، تلزمه أحكامه، ويلزمه جزاء كل جناية جناها عليه الحصر، أو بالعذر إذا شرط، وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به. فإن نوى التحلل لم يحل، ولا يفسد الإحرام برفضه؛ لأنه عبادة لا يخرج منها بالفساد، فلا يخرج منها برفضها، بخلاف سائر العبادات، ويكون الإحرام باقياً في حقه، تلزمه أحكامه، ويلزمه جزاء كل جناية جناها عليه) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 332، 333).
(12) قال ابن عثيمين: (لو أن رجلاً دخل في الإحرام، وقال: لبيك اللهم عمرة،، فإنه لا يصح منه لأنه ينافي مقتضى الإحرام، ومقتضى الإحرام وجوب المضي، وأنك غير مخير، فلست أنت الذي ترتب أحكام الشرع، المرتب لأحكام الشرع هو الله ـ عز وجل ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75).
(13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75).