الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الفصل الأول: تعريف
المحظورات، والفدية، وأنواعهما
المبحث الأول: معنى محظورات الإحرام والفدية
المطلب الأول: معنى محظورات الإحرام
المحظورات: جمع محظور، وهو الممنوع (1)، وهو من مرادفات الحرام (2).
ومحظورات الإحرام: هي الممنوعات التي يجب على المحرم اجتنابها؛ بسبب إحرامه
ودخوله في النسك (3).
المطلب الثاني: معنى الفدية
الفدية: أصل الفدية لغةً أن يُجعل شيءٌ مكان شيءٍ حمىً له، ومنه فدية
الأسير، واستنقاذه بمال (4).
والفدية اصطلاحاً: هي ما يجب لفعل محظورٍ أو ترك واجب، وسميت فدية؛ لقوله
تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
(5).
المبحث الثاني: عدد محظورات الإحرام
· عدد المحظورات:
محظورات الإحرام التي تعم الرجال والنساء سبعة:
1 - حلق الشعر.
2 - تقليم الأظافر.
3 - الطيب.
4 - الصيد.
5 - عقد النكاح.
6 - الجماع.
7 - مباشرة النساء.
المحظورات التي تختص بالرجال اثنتان:
1 - لبس المخيط.
2 - تغطية الرأس.
المحظورات التي تختص بالنساء اثنتان:
1 - النقاب.
2 - لبس القفازين (6).
المبحث الثالث: أقسام محظورات الإحرام باعتبار الفدية
تنقسم محظورات الإحرام باعتبار الفدية إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: ما فديته فدية أذى (فدية الأذى هي الدم أو الإطعام أو الصيام)
القسم الثاني: ما فديته الجزاء بمثله: وهو الصيد
القسم الثالث: ما لا فدية فيه: وهو عقد النكاح
القسم الرابع: ما فديته مغلَّظة: وهو الجماع
_________
(1) ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: حظر).
(2) ((الحدود الأنيقة)) لزكريا الأنصاري (ص: 76).
(3) ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 114).
(4) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: ف د ي)، ((المصباح المنير))
للفيومي (مادة: ف د ي)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 167).
(5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 167).
(6) لبس القفازين محرمٌ على الرجل أيضاً، لكنه محرمٌ ضمن "لبس المخيط"، أما
المرأة فلا يحرم عليها من لبس المخيط إلا "النقاب" و"القفازين".
المبحث الأول: أنواع
محظورات الترفه، وما يجب فيها
المطلب الأول: أنواع محظورات الترفه
تشمل محظورات الترفه خمسة محظورات
المحظور الأول: حلق الشعر
المحظور الثاني: تقليم الأظافر
المحظور الثالث: الطيب
المحظور الرابع: تغطية الرأس
المحظور الخامس: لبس المخيط
المطلب الثاني: ما يجب على من ارتكب شيئاً من محظورات الترفه
مَن حلق أو قلَّم أظفاره أو غطى رأسه أو تطيب أو لبس مخيطاً لعذر، فإنه يجب
عليه في كل ذلك فدية الأذى، فيُخيَّر بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة
مساكين- لكل مسكينٍ نصف صاع - أو ذبح شاة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية
الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وبه
قال أكثر الفقهاء (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (6) [البقرة:196].
ثانياً: من السنة:
عن عبدالله بن معقل، قال: جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه، فسألته عن
الفدية، فقال: ((نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة، حُمِلتُ إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما
أرى - أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى - تجد شاة؟ فقلت: لا، فقال: فصم
ثلاثة أيامٍ، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع)) (7).
المطلب الثالث: توزيع الصدقة على مساكين الحرم
يشترط أن توزَّع الصدقة على مساكين الحرم، وهو مذهب الشافعية (8)،
والحنابلة (9)، واختاره الشنقيطي (10)، وابن باز (11)، وابن عثيمين (12).
الدليل:
_________
(1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 56).
(2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389).
(3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 227) ((المجموع)) للنووي (7/ 368).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 360).
(5) قال ابن عبدالبر: (لم يختلف الفقهاء أن الإطعام لستة مساكين، وأن
الصيام ثلاثة أيام، وأن النسك شاة، على ما في حديث كعب بن عجرة)
((الاستذكار)) (4/ 385). وقال ابن حزم: (روينا عن ابن عباس, وعلقمة,
ومجاهد, وإبراهيم النخعي, وقتادة, وطاووس, وعطاء, كلهم قال في فدية الأذى:
صيام ثلاثة أيام, أو نسك شاة, أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع)
((المحلى)) (7/ 212)، وانظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 40).
(6) قال الشنقيطي: (هذه النصوص الصحيحة الصريحة مبينة غاية البيان آية
الفدية، موضحةً أن الصيام المذكور في الآية ثلاثة أيام، وأن الصدقة فيها
ثلاثة آصع بين ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع، وأن النسك فيها ما تيسر،
شاة فما فوقها، وأن ذلك على سبيل التخيير بين الثلاثة، كما هو نص الآية،
والأحاديث المذكورة، وهذا لا ينبغي العدول عنه; لدلالة القرآن والسنة
الصحيحة عليه) ((أضواء البيان)) (5/ 40).
(7) رواه البخاري (1816)، ومسلم (1201)
(8) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156).
(9) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452،46).
(10) قال الشنقيطي: (التحقيق أن الهدي والإطعام يختص بهما فقراءُ الحرم
المكي) ((أضواء البيان)) (5/ 173).
(11) قال ابن باز: (يوزَّع الهدي على الفقراء والمساكين المقيمين في الحرم
من أهل مكة وغيرهم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 156).
(12) قال ابن عثيمين: (وأما الهدي فهو: ما يهدى إلى الحرم، من الإبل والبقر
والغنم، بمعنى أن يبعث الإنسان بشيءٍ من الإبل، أو البقر، أو الغنم تذبح في
مكة، وتوزع على فقراء الحرم، أو يبعث بدراهم ويوكل من يشتري بها هديًا من
إبلٍ أو بقرٍ أو غنم، ويذبح في مكة ويوزع على الفقراء) ((مجموع فتاوى
ورسائل ابن عثيمين)) (25/ 9).
قوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ
[المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنَّ في حكم الهدي ما كان بدلاً عنه من الإطعام، فيجب أن يكون كذلك بالغ
الكعبة (1).
المطلب الرابع: موضع الصيام وصفته
يجوز الصيام في أي موضعٍ مفرَّقاً أو متتابعاً (2).
الأدلة:
أولًا: من الكتاب:
قوله تعالى: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95]
وجه الدلالة:
أنه أطلق الصيام، ولم يقيده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص، وعدم
التصرف بتقييدها من غير دليل (3).
ثانياً: الإجماع:
نقل النووي الإجماع على جواز تفريق الصيام (4)، وحكى الشنقيطي الإجماع على
أنه يصام في أي مكان (5).
ثالثاً: أن الصيام لا يتعدى نفعه لأحد؛ لذا لا يقتصر على مكانٍ بعينه.
المطلب الخامس: ارتكاب محظورات فدية الأذى عمداً
لا فرق في التخيير في فدية الأذى بين من ارتكب المحظور بعذر، أو كان عمداً،
وهذا مذهب الجمهور من المالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، واختاره
الشنقيطي (9)؛ وذلك لأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذىً به
وهو معذور، فكان ذلك تنبيهاً على وجوبها على غير المعذور (10).
المطلب السادس: فعل المحظورات نسياناً أو جهلاً أو إكراهاً
مَن فَعَلَ شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء
عليه، سواء كان صيداً أو جماعاً أو غيرهما، وسواء كان فيه إتلاف أو لم يكن،
وهو مذهب الظاهرية (11)، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما (12)، وهو قول
إسحاق وابن المنذر وطائفةٍ من السلف (13)، واختاره ابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
[البقرة: 286]، فقال الله: ((قد فعلت)).
2 - قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ
وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب: 5].
_________
(1) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 460)، وذكر ابن المنذر عن ابن عباس أنه
قال: (الهدي والإطعام بمكة) ((الإشراف)) (3/ 232).
(2) ذكر ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال: (الدم والطعام بمكة، والصوم حيث
شاء) ((الإشراف)) (3/ 232).
(3) ينظر: ((المجموع)) للنووي (7/ 438).
(4) قال النووي: (الصوم الواجب يجوز متفرقاً ومتتابعاً، نص عليه الشافعي،
ونقله عنه ابن المنذر، ولا نعلم فيه خلافاً) وانظر: ((المبسوط)) للسرخسي
(4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/
180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
(5) قال الشنقيطي: (ولا خلاف بين أهل العلم أن صيام الفدية له أن يصومه حيث
شاء) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (2/ 277).
(6) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389).
(7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 227).
(8) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 360).
(9) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 42).
(10) ينظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 42).
(11) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93)، ((المحلى)) لابن حزم (7/ 189،
214، 255 رقم 855، 876، 895).
(12) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93).
(13) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 215)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 263).
(14) قال ابن عثيمين: (الصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهلٍ أو نسيانٍ
أو إكراهٍ لا يترتب على فعله شيءٌ إطلاقا، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا
في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء) ((الشرح الممتع)) (7/ 198 -
200).
3 - قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ
مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل: 106]
وجه الدلالة:
أن الكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه، فما دونه من باب أولى.
4 - قوله تعالى في قتل الصيد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أن قوله: مُتَعَمِّدًا وصفٌ مناسبٌ للحكم، فوجب أن يكون معتبراً؛ لأن
الأوصاف التي عُلِّقت بها الأحكام إذا تبين مناسبتها لها صارت علةً موجبة،
يوجد الحكم بوجودها، وينتفي بانتفائها، وإلا لم يكن للوصف فائدة.
ثانياً: من السنة:
1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: ((أين الذي سأل عن العمرة؟
فأتي بالرجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع
في عمرتك كما تصنع في حجتك، قلت لعطاء: أراد الإنقاء، حين أمره أن يغسل
ثلاث مرات؟ قال: نعم)) رواه البخاري (1).
وجه الدلالة:
أنه لم يأمر الرجل الذي لبس الجبة وتضمخ بالطيب بالكفارة؛ وذلك بسبب جهله
بالحكم، واكتفى بأمره أن ينزع الجبة، وأن يغسل عنه أثر الطيب.
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (2).
ثالثاً: من الآثار:
عن قبيصة بن جابر الأسدي: ((أنه سمع عمر بن الخطاب, ومعه عبدالرحمن بن عوف,
وعمر يسأل رجلا قتل ظبياً وهو محرم فقال له عمر: عمداً قتلته أم خطأ؟ فقال
له الرجل: لقد تعمدت رميه وما أردت قتله, فقال له عمر: ما أراك إلا أشركت
بين العمد والخطأ; اعمد إلى شاةٍ فاذبحها، فتصدق بلحمها وأسق (3) إهابها))
(4).
وجه الدلالة:
أنه لو كان العمد والخطأ في ذلك سواء عند عمر؛ لما سأله أعمداً قتلته أم
خطأ، وكان ذلك فضولاً من السؤال لا معنى له (5).
رابعاً: أن الكفارة إنما تجب إذا وقعت الجناية بارتكاب المحظور؛ لفداء
النفس من المخالفة وللتكفير عن الذنب، ومع الجهل أو النسيان أو الإكراه لا
جناية؛ لأنهم لم يتعمدوا المخالفة فلا معنى للكفارة (6).
خامساً: القياس على الأكل أو الشرب ناسياً في نهار رمضان، فإنه لا يفسد
الصوم ولا قضاء فيه.
سادساً: أن ما سوى هذا القول ظاهر الفساد والتناقض، فما يرخص به أحدهم في
حال، يمنعه الآخر (7).
المطلب السابع: تكرار المحظور
تكرار المحظور له ثلاث أحوال:
_________
(1) رواه البخاري (1536).
(2) رواه ابن ماجه (2045) بلفظ: (وضع) بدلاً من (تجاوز لي)، والحاكم (2/
198)، والبيهقي (7/ 356). قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم
يخرجاه. وحسنه النووي في ((الأربعين النووية)) (39)، وقال ابن كثير في
((تحفة الطالب)) (232): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((التلخيص الحبير))
(1/ 281)، وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 461): لا تقصر عن رتبة
الحسن لغيره، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2045).
(3) أي: أعط جلدها من يتخذه سقاء. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: سقا).
(4) رواه الطبري في ((تفسيره)) (10/ 24)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة
التفسير)) (1/ 733).
(5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 214).
(6) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 198 - 200).
(7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 256).
الحال الأولى: إذا كرر محظوراً من جنسٍ
واحد، كلبس قميص، ولبس سراويل، ولم يفد فإنه يفدي مرةً واحدة، وهو مذهب
الحنابلة (1)، وبه قال محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية (2)، وهو قول
الشافعي في القديم (3)، واختاره ابن باز (4)، وابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن الله تعالى أوجب لحلق الرأس فديةً واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعةٍ
أو دفعات، ثم إن الحلق لا يكون إلا شيئاً بعد شيء، فهو ارتكاب محظوراتٍ
متتاليةٍ من جنسٍ واحد، ومع ذلك لم يوجب فيه إلا فدية واحدة (6).
ثانياً: أن ما تداخل متتابعاً، كحلق شعرات، تداخل متفرقاً، كالأحداث
والحدود (7).
أدلة أنه إن كفر عن الأول ثم ارتكب المحظور أنه يلزمه فديةٌ أخرى:
1 - أنه بالمحظور الثاني صادف إحراماً؛ فوجبت فيه الفدية، كما وجبت على
المحظور الأول، وقياساً على الحدود والأيمان (8).
2 - أنه لما كفر للأول فقد التحق المحظور الأول بالعدم؛ فيعتبر الثاني
محظوراً آخر مبتدأ، كما إذا جامع في يومين من شهر رمضان (9).
الحال الثانية: أن يكون المحظور من أجناسٍ مختلفة، كطيبٍ ولبس مخيطٍ، فإنه
يفدي لكل محظور، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعةربعةأربعة: الحنفية
(10)، والمالكية (11)، والشافعية (12)، والحنابلة (13).
الأدلة:
أولاً: أنها محظوراتٌ مختلفة الأجناس، فلم تتداخل أجزاؤها كالحدود المختلفة
(14).
ثانياً: أن السبب الموجب للكفارة الثانية غير عين السبب الموجب للكفارة
الأولى، أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفر، ثم حلف وحنث (15).
_________
(1) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان
الدين ابن مفلح (3/ 116).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 32) ((حاشية ابن عابدين)) (2/
545)
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 382).
(4) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 167).
(5) قال ابن عثيمين: (إذا كرر الإنسان المحظور من جنسٍ واحد، ففعله أكثر من
مرة ولم يفد، فإنه يفدي مرةً واحدة، لكن بشرط ألا يؤخر الفدية؛ لئلا تتكرر
عليه، بحيث يفعل المحظور مرةً أخرى، فيعاقب بنقيض قصده، لئلا يتحيل على
إسقاط الواجب، مثاله: أن يقلم مرتين، أو يلبس مخيطاً مرتين، أو يحلق مرتين،
أو يباشر مرتين أو أكثر، وهو من جنسٍ واحد، فإن عليه فدية واحدة إذا لم
يفد؛ قياساً على ما إذا تعددت أحداثٌ من جنسٍ واحد فيكفيه وضوءٌ واحد)
((الشرح الممتع)) (7/ 190).
(6) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 536)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/
556).
(7) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 116).
(8) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 116).
(9) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 189).
(10) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 194) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 244).
(11) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 408)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/
168).
(12) يستثنى حالة واحدة فقط، وهي ما إذا لبس ثوباً مطيَّباً، ففيه وجهان
عندهم، الصحيح المنصوص أن فيه فدية واحدة. ((المجموع)) للنووي (7/ 382)،
((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 172).
(13) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان
الدين ابن مفلح (3/ 116).
(14) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 117)، ((شرح منتهى الإرادات))
للبهوتي (1/ 557).
(15) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 458).
الحال الثالثة: أن يكون المحظور صيداً، فإن
الفدية تتعدد بتعدد الصيد (1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (2)،
والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أن الآية تدل على أن من قتل صيداً لزمه مثله, ومن قتل أكثر لزمه مثل ذلك
(6).
ثانياً: أنه لو قتل أكثر معًا تعدَّد الجزاء, فمتفرقاً أولى؛ لأن حال
التفريق ليس أنقص كسائر المحظورات (7).
ثالثاً: أنها كفارة قتل, كقتل الآدمي, أو بدل متلف, كبدل مال الآدمي؛
فتتعدد (8).
_________
(1) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان
الدين ابن مفلح (3/ 116).
(2) الواجب عند الحنفية في جزاء الصيد هو القيمة؛ ولذا فإنَّ تعدُّد
الكفارة يظهر أثره عندهم على القيمة، ففي الصيدين قيمتهما، وهكذا. ((فتح
القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 69)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/
81).
(3) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 408)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/
394).
(4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 170)، ((المجموع)) للنووي (7/ 382).
(5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان
الدين ابن مفلح (3/ 117).
(6) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 537).
(7) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 537).
(8) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 537).
المبحث الثاني: حلق
الشعر
المطلب الأول: حلق شعر الرأس
حلق شعر الرأس من محظورات الإحرام.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ [البقرة: 196].
ثانياً: من السنة:
عن عبدالله بن معقل، قال: ((جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه، فسألته عن
الفدية، فقال: نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة، حُمِلتُ إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما
أرى - أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى - تجد شاة؟ فقلت: لا، فقال: فصم
ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع)) رواه البخاري ومسلم
(1).
وجه الدلالة:
أنه رتب فدية الأذى على حلق الرأس مع كونه للعذر، فدل على أنه من محظورات
الإحرام.
ثالثا من الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (2) , والنووي (3).
المطلب الثاني: حلق شعر غير الرأس
اختلف أهل العلم في كون حلق شعر غير الرأس من محظورات الإحرام على قولين:
القول الأول: أنه محظور، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (4)،
والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7)، وحكى ابن عبدالبر فيه
الإجماع (8).
الأدلة:
أولاً: أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، ((أنه قال في قوله تعالى: ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: 29]: (التفث: الرمي، والذبح، والحلق
والتقصير، والأخذ من الشارب، والأظفار، واللحية)) (9).
ثانياً: القياس على شعر الرأس:
قياس شعر الجسد على شعر الرأس؛ بجامع أن الكل يحصل بحلقه الترفه، والتنظف،
وهو ينافي الإحرام لكون المحرم أشعث أغبر (10).
القول الثاني: أنه لا يحظر حلق غير شعر الرأس، وهذا مذهب أهل الظاهر (11)،
وقوَّاه ابن عثيمين (12).
الأدلة:
_________
(1) رواه البخاري (1816)، ومسلم (1201).
(2) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من حلق رأسه، وجزه،
وإتلافه بجزه، أو نورة، وغير ذلك) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52).
(3) قال النووي: (أجمع المسلمون علي تحريم حلق شعر الرأس، وسواء في تحريمه
الرجل والمرأة) ((المجموع)) للنووي (7/ 247).
(4) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 162).
(5) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389).
(6) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 135).
(7) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 421).
(8) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز للمحرم أخذ شيءٍ من
شعر رأسه وجسده لضرورة ما دام محرما). ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/
160).
(9) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 85).
(10) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 308)، ((المجموع)) للنووي (7/ 247)، ((الشرح
الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/
421)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 46) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
116).
(11) قال ابن حزم: (جائزٌ للمحرم ... قص أظفاره وشاربه, ونتف إبطه,
والتنور, ولا حرج في شيءٍ من ذلك, ولا شيء عليه فيه; لأنه لم يأت في منعه
من كل ما ذكرنا قرآنٌ ولا سنة). وقال أيضاً: (إنما نهينا عن حلق الرأس في
الإحرام والقفا ليس رأسا، ولا هو من الرأس) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 208،
246،257)، وانظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 308)، ((المجموع)) للنووي (7/
248)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267)، ((الشرح الممتع))
لابن عثيمين (7/ 116).
(12) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116).
أولاً: أن النص جاء بتحريم حلق الرأس فقط،
ولا يصح قياس غيره عليه؛ لأن حلق الرأس يتعلق به نسك وهو الحلق أو التقصير،
فإن المحرم إذا حلق رأسه فإنه يُسقِط به نسكاً مشروعاً، وغيره لا يساويه في
ذلك (1).
ثانياً: أن الأصل الإباحة والحل.
ثالثاً: أن المحرم ليس ممنوعاً من الترفه في الأكل، فله أن يأكل من الطيبات
ما شاء، ولا من الترفه في اللباس، فله أن يلبس من الثياب التي تجوز في
الإحرام ما يشاء، ولا من الترفه بإزالة الأوساخ فله أن يغتسل ويزيل الأوساخ
(2).
المطلب الثالث: ما يجب من الفدية في حلق شعر الرأس
يجب في حلق شعر الرأس فدية الأذى: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام
ستة مساكين.
الأدلة
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196].
ثانياً: من السنة:
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم
زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم.
قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)) (3).
ثالث الإجماع:
نقله ابن المنذر (4)، وابن عبدالبر (5).
المطلب الرابع: متى تجب الفدية في حلق الشعر؟
تجب الفدية في حلق الشعر إذا حلق ما يحصل به إماطة الأذى (6)، وهو مذهب
المالكية (7)، واختاره ابن حزم (8)، وابن عبدالبر (9)، وابن عثيمين (10).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أنَّ حلق شعر الرأس من أذىً به، لا يكون إلا بمقدار ما يماط به الأذى (11).
ثانياً: من السنة:
_________
(1) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116).
(2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116).
(3) رواه البخاري (4190)، ومسلم (1201)
(4) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على وجوب الفدية على من حلق وهو محرمٌ
لغير علة) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين
ابن قدامة (3/ 263).
(5) قال ابن عبدالبر: (لم يختلف الفقهاء أن الإطعام لستة مساكين، وأن
الصيام ثلاثة أيام، وأن النسك شاة على ما في حديث كعب بن عجرة)
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 385).
(6) ضابطه: أن يحصل بحلقه الترفه، وزوال الأذى، كأن يقص أكثره، أو يقصره،
ولا يدخل فيه حلق بعض الشعرات مما لا يعد حلقاً أو تقصيرا، وضابطه عند ابن
حزم أن يحلق ما يسمى به حالقاً. ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 164)،
((المحلى)) لابن حزم (7/ 208،211).
(7) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 308، 309).
(8) قال ابن حزم: (لو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقاً بعض رأسه فلا
شيء عليه, لا إثم، ولا كفارة بأي وجهٍ قطعه, أو نزعه) ((المحلى)) لابن حزم
(7/ 208،211).
(9) قال ابن عبدالبر: (قول مالك أصوب؛ لأن الحدود في الشريعة لا تصح إلا
بتوقيفٍ ممن يجب التسليم له) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 160).
(10) قال ابن عثيمين: (أقرب الأقوال إلى ظاهر القرآن هو ... إذا حلق ما به
إماطة الأذى، أي: يكون ظاهراً على كل الرأس، وهو مذهب مالك، أي: إذا حلق
حلقاً يكاد يكون كاملاً يسلم به الرأس من الأذى؛ لأنه هو الذي يماط به
الأذى) ((الشرح الممتع)) (7/ 118،119).
(11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 264)، ((الشرح الممتع))
لابن عثيمين (7/ 119).
1 - عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال:
((أتى عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على
وجهي، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟. قلت: نعم. قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو
أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)) (1).
وجه الدلالة:
أن الكفارة إنما تجب في حلق الرأس في مثل ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه
وسلم على كعب بن عجرة، وهو حلق ما يماط به الأذى (2).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو
محرمٌ في رأسه)) (3).
وجه الدلالة:
أن الحجامة في الرأس من ضرورتها أن يُحلَق الشعر من مكان المحاجم، ولا يمكن
سوى ذلك، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتدى؛ لأن الشعر الذي
يزال من أجل المحاجم لا يماط به الأذى، فهو قليلٌ بالنسبة لبقية الشعر (4).
الفرع الأول:
إذا أخذ شعراتٍ من رأسه فإنه يحرم عليه؛ لأن المحرم نُهِيَ عن حلق شعر
رأسه، وهو يشمل القليل والكثير، والقاعدة أن امتثال الأمر لا يتم إلا بفعل
جميعه، وامتثال النهي لا يتم إلا بترك جميعه، لكن الفدية لا تجب إلا بحلق
ما يحصل به الترفه وزوال الأذى (5).
الفرع الثاني:
إذا خرج في عينيه شعر، أو استرسل شعر حاجبيه على عينيه فغطاهما، فله
إزالته، وكذلك إن قطع جلدة عليها شعر لم يكن عليه فدية؛ لأنه زال تبعاً
لغيره والتابع لا يضمن كما لو قلع أشعار عيني إنسان فإنه لا يضمن أهدابهما
(6).
المطلب الخامس: غسل رأس المحرم وتخليله
_________
(1) رواه البخاري (4190)، ومسلم (1201).
(2) قال ابن عبدالبر: (الكفارة ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على
كعب بن عجرة) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 160).
(3) رواه البخاري (5701)، ومسلم (1202).
(4) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 119).
(5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 264)، ((الشرح الممتع))
لابن عثيمين (7/ 120).
(6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267، 268).
لا بأس أن يغسل المحرم رأسه، ويخلله ويحكه
برفق (1)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (2)، والشافعية (3)،
والحنابلة (4)، والظاهرية (5)، وقول للمالكية (6)، وهو قول جماعة من السلف
(7) , وبه قال ابن المنذر (8)، واختاره النووي (9)، وابن عثيمين (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عبدالله بن حنين: ((أن عبدالله بن العباس والمسور بن مخرمة اختلفا
بالأبواء، فقال عبدالله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل
المحرم رأسه، فأرسلني عبدالله بن العباس إلى أبي أيوبٍ الأنصاري، فوجدته
يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا
عبدالله بن حنين، أرسلني إليك عبدالله بن العباس أسألك كيف كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم، فوضع أبو أيوب يده على الثوب
فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسانٍ يصب عليه: اصبب، فصب على رأسه، ثم
حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، وقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم
يفعل)) (11).
2 - عن عائشة رضي الله عنها ((أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة،
فقالت: يا رسول الله، هذه ليلة عرفة وإنما كنت تمتعت بعمرة، فقال لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم: انقضي رأسك، وامتشطي، وأمسكي عن عمرتك)) (12).
وجه الدلالة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تنقض رأسها، وتمتشط وهي محرمة
(13).
ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، وإذا
انكسر ظفره طرحه ويقول: أميطوا عنكم الأذى فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئا))
(14).
- أنه قول ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم،
كما تقدم ذكر ذلك عنهم في القصة التي جرت بينهم في الأبواء.
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء في أن للمحرم أن يحك جسده وأن
يحك رأسه حكًّا رقيقاً لئلا يقتل قملة أو يقطع شعرة) ((الاستذكار)) لابن
عبدالبر (4/ 160).
(2) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 9).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 248)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 522).
(4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 423).
(5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 246،247 رقم 891).
(6) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 387).
(7) ذكر ابن حزم عن سالم بن عبدالله بن عمر قال: ((رأى عمر بن الخطاب بعض
بنيه، أحسبه قال عاصم بن عمر وعبدالرحمن بن زيد بن الخطاب, وهو جالسٌ على
ضفة البحر, وهما يتماقلان وهم محرمون: يغيب هذا رأس هذا ويغيب هذا رأس هذا:
فلم يعب عليهما)) ((المحلى)) (7/ 246). وذكر أيضا عن ابن عباس قال: ((كنت
أطاول عمر بن الخطاب النفس ونحن محرمان في الحياض))، وفي رواية: ((لقد
رأيتني أماقل [المماقلة: التغطيس في الماء] عمر بن الخطاب بالجحفة ونحن
محرمان)) ((المحلى)) (7/ 247). وعن أبي مجلز قال: ((رأيت ابن عمر يحك رأسه
وهو محرم، ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله)) رواه ابن أبي شيبة في
((المصنف)) (3/ 835)، والبيهقي (5/ 64) (9407). قال ابن المنذر: (رخص في حك
المحرم رأسه: جابر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، وكان ابن عمر يحك:
بأنامله، ورخص فيه الشافعي، وأصحاب الرأي، وإسحاق وقالا: بقول ابن عمر،
وقال الثوري: ارفق برأسك إذا حككته، وكذلك قال أصحاب الرأي) ((الإشراف))
(3/ 265)، وينظر ((المحلى)) لابن حزم (7/ 247)، ((المجموع)) للنووي (7/
248).
(8) قال ابن المنذر: (هو مباح). ((الإشراف)) (3/ 265) وينظر ((المجموع))
للنووي (7/ 248).
(9) قال النووي: (حك المحرم رأسه فلا أعلم خلافاً في إباحته بل هو جائز،
وبه قال ابن المنذر ولم يذكر فيه خلافاً لكن قالوا برفق لئلا ينتف شعر)
((المجموع)) للنووي (باختصار 7/ 248).
(10) قال ابن عثيمين: (لا يحرم على المحرم أن يحك رأسه، إلا إن حكه ليتساقط
الشعر فهو حرام، لكن من حكه بدافع الحكة ثم سقط شيءٌ بغير قصد، فإنه لا
يضره، وقيل: لعائشة رضي الله عنها: ((إن قوما يقولون بعدم حك الرأس؟ قالت:
لو لم أستطع أن أحكه بيدي لحككته برجلي))، وهذا منها رضي الله عنها من
المبالغة في الحل، ورأيت كثيراً من الحجاج إذا أراد أن يحك رأسه، نقر
بأصبعه على رأسه خوفاً من أن يتساقط شعره، وهذا من التنطع) ((الشرح
الممتع)) لابن عثيمين (7/ 122).
(11) رواه البخاري (1840)، ومسلم (1205).
(12) رواه البخاري (316)، ومسلم (1211).
(13) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 247).
(14) روى أوله البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1840)، ورواه موصولاً
الدارقطني في ((السنن)) (2/ 232)، والبيهقي (5/ 62) (9392). صحح إسناده
العيني في ((عمدة القاري)) (9/ 220)، والألباني في ((حجة النبي)) (28).
المبحث الثالث:
تقليم الأظافر
المطلب الأول: حكم إزالة الأظفار للمحرم
لأهل العلم في قص المحرم ظفره قولان:
القول الأول: أن المحرم ممنوعٌ من إزالة أظفاره، وهذا باتفاق المذاهب
الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة
(4)، وحكى فيه الإجماع ابن المنذر (5)، وابن قدامة (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29] جاء عن بعض السلف في
تفسيرها أنها تدل على منع المحرم من أخذ أظفاره (7).
ثالثاً: من آثار الصحابة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال في تفسير آية الحج: ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ: ((التفث: الرمي، والذبح، والحلق والتقصير، والأخذ من الشارب،
والأظفار، واللحية)) (8).
رابعا: أنه إزالة جزءٍ ينمو من بدنه، يقضي به تفثه، ويترفه بإزالته، أشبه
الشعر (9).
_________
(1) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 163)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 12).
(2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 388)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 312) ..
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 247،248).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262).
(5) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من أخذ أظفاره)
((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52). وقال الشنقيطي: (لم يعتبر ابن المنذر في
حكايته الإجماع قول داود الظاهري: إن المحرم له أن يقص أظفاره، ولا شيء
عليه لعدم النص، وفي اعتبار داود في الإجماع خلاف معروف، والأظهر عند
الأصوليين اعتباره في الإجماع والله تعالى أعلم) ((أضواء البيان)) (5/ 47).
(6) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوعٌ من قلم أظفاره
إلا من عذر) ((المغني)) (3/ 150).
(7) عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال ((التفث: الرمي، والذبح، والحلق
والتقصير، والأخذ من الشارب، والأظفار، واللحية)). قال الشنقيطي: (على
التفسير المذكور، فالآية تدل على أن الأظفار كالشعر بالنسبة إلى المحرم،
ولا سيما أنها معطوفة بـ «ثم» على نحر الهدايا، فدل على أن الحلق وقص
الأظافر ونحو ذلك ينبغي أن يكون بعد النحر، ويؤيد التفسير المذكور كلام أهل
اللغة) ((أضواء البيان)) للشنقيطي باختصار (5/ 48)، وينظر: ((بدائع
الصنائع)) للكاساني (6/ 15).
(8) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 85)
(9) ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 163)، ((الشرح الكبير على
المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262).
القول الثاني: أنه يجوز للمحرم أن يقص شعره
وأظفاره، وهذا مذهب الظاهرية (1)، وجعله ابن مفلح احتمالا (2)، وذلك للآتي:
1 - أنه لم يأت نص من كتاب ولا سنة في منعهما.
2 - أنه دون الشعر في الترفه, فيمتنع الإلحاق (3).
3 - أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من الفطرة قص الأظفار، والفطرة
سنة لا يجوز تعديها, ولم يخص عليه السلام مُحْرماً من غيره: وَمَا كَانَ
رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64] (4).
المطلب الثاني: ما تحصل به إزالة الأظافر:
إزالة الظفر كإزالة الشعر سواء قلمه أو كسره أو قطعه، وكل ذلك حرامٌ موجبٌ
للفدية (5).
المطلب الثالث: ما يجب من الفدية في تقليم الأظفار:
يجب في تقليم الأظافر فدية الأذى، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة:
الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشافعية (8)، والحنابلة (9)، وبه قال أكثر
أهل العلم (10)؛ وذلك لأنه أزال ما مُنِعَ إزالته لأجل الترفه، فوجبت عليه
الفدية كحلق الشعر، وعدم النص لا يمنع قياسه على المنصوص، كشعر البدن مع
شعر الرأس (11).
المطلب الرابع: قص ما انكسر من الظفر
إن انكسر ظفره فله قص ما انكسر منه، ولا شيء عليه.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ [البقرة:185].
وانكسار الظفر يغلب في الأسفار، وهذا يوجب الرخصة فيه (12).
_________
(1) قال ابن حزم: (جائزٌ للمحرم دخول الحمام, والتدلك, وغسل رأسه بالطين,
والخطمي, والاكتحال, والتسويك, والنظر في المرآة, وشم الريحان, وغسل ثيابه,
وقص أظفاره وشاربه, ونتف إبطه, والتنور, ولا حرج في شيءٍ من ذلك, ولا شيء
عليه فيه; لأنه لم يأت في منعه من كل ما ذكرنا قرآنٌ ولا سنة) ((المحلى))
(7/ 246). وقال النووي: (قال داود: يجوز للمحرم قلم أظفاره كلها ولا فدية
عليه، هكذا نقل العبدري عنه، وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين على
تحريم قلم الظفر في الإحرام فلعلهم لم يعتدوا بداود وفي الاعتداد به في
الإجماع خلاف) ((المجموع)) (7/ 248).
(2) قال ابن مفلح: (حكم الأظفار كالشعر; لأن المنع منه للترفه, ذكره ابن
المنذر إجماعاً وسبق قول داود في تخصيصه بالرأس خاصة, ويتوجه هنا احتمال;
لأنه إن سلم الترفه به فهو دون الشعر, فيمتنع الإلحاق, ولا نص يصار إليه)
((الفروع)) (5/ 409). وقال ابن عثيمين: (تقليم الأظافر لم يرد فيه نص، لا
قرآني ولا نبوي، لكنهم قاسوه على حلق الشعر بجامع الترفه، وإذا كان داود
ينازع في حلق بقية الشعر الذي بالجسم في إلحاقها بالرأس، فهنا من باب أولى،
ولهذا ذكر في الفروع أنه يتوجه احتمال ألا يكون من المحظورات، بناءً على
القول بأن بقية الشعر ليس من المحظورات، لكن نقل بعض العلماء الإجماع على
أنه من المحظورات، فإن صح هذا الإجماع، فلا عذر في مخالفته، بل ليتبع، وإن
لم يصح فإنه يبحث في تقليم الأظافر كما بحثنا في حلق بقية الشعر) ((الشرح
الممتع)) (7/ 117).
(3) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 409).
(4) ((المحلى)) لابو حزم (7/ 247).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 247، 248)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 135).
(6) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 12).
(7) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389).
(8) ((المجموع)) للنووي (7/ 247، 248).
(9)) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262)
(10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 265).
(11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 265).
(12) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 313).
ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
((المسلم ينزع ضرسه، وإن انكسر ظفره طرحه، أميطوا عنكم الأذى؛ فإن الله
تعالى لا يصنع بأذاكم شيئا)) (1).
وجه الدلالة:
أنه قول صحابي، ولا يُعرف له مخالفٌ من الصحابة رضي الله عنهم (2).
ثالثاً: الإجماع:
نقله ابن المنذر (3) وابن قدامة (4).
رابعاً: أن بقاءه يؤلمه، أشبه الشعر النابت في عينه (5).
خامساً: أنه إزالةٌ لأذاه، فلم يكن عليه فدية، كقتل الصيد الصائل (6).
سادساً: أنه بعد الكسر لا ينمو، فهو كحطب شجر الحرم (7).
_________
(1) روى أوله البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1840)، ورواه موصولاً
الدارقطني في ((السنن)) (2/ 232)، والبيهقي (5/ 62) (9392). صحح إسناده
العيني في ((عمدة القاري)) (9/ 220)، والألباني في ((حجة النبي)) (28).
(2) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 248).
(3) قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن
يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر) ((الإجماع)) لابن المنذر ص (52)، ((الشرح
الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262).
(4) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوعٌ من قلم أظفاره،
إلا من عذر) ((المغني)) (3/ 150). وذكر ابن عبدالبر أثر محمد بن عبدالله بن
أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفرٍ له انكسر وهو محرم فقال سعيد:
اقطعه. قال ابن عبدالبر: (هذا أيضاً لا بأس به عند العلماء) ((الاستذكار))
(4/ 137).
(5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267،268).
(6) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 143)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 262).
(7) قال الشنقيطي: (لا ينبغي أن يختلف في أن الظفر إذا انكسر جاز أخذه، ولا
شيء فيه; لأنه بعد الكسر لا ينمو فهو كحطب شجر الحرم) ((أضواء البيان)) (5/
46).
المبحث الرابع:
الطيب
المطلب الأول: حكم الطيب للمحرم
الطيب من محظورات الإحرام في البدن والثوب.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما
يجتنبه المحرم: ((ولا يلبس ثوباً مسه زعفران ولا وَرْس (1))) (2).
وجه الدلالة:
أنه نهى المحرم عن الزعفران، والزعفران طيب.
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رجلاً وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى
الله عليه وسلم وهو محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماءٍ
وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيباً، ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه
يوم القيامة ملبيا)) (3).
وجه الدلالة:
أنه لما منع الميت من الطيب لإحرامه؛ فالحي أولى (4).
3 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلى الله عليه وسلم
بالجِعرانة (5)، ومعه نفرٌ من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف
ترى في رجلٍ أحرم بعمرة، وهو مُتَضمِّخ (6) بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه
وسلم ساعة، فجاءه الوحي، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟
فأُتِي برجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع
في عمرتك كما تصنع في حجتك)) (7) قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل
ثلاث مرات؟ قال: نعم.
ثانيا الإجماع:
نقل ابن المنذر (8)، وابن حزم (9)، وابن عبدالبر (10)، وابن قدامة (11)،
والنووي (12).
المطلب الثاني: الحكمة من تحريم الطيب على المحرم
1 - أن ذلك يبعد المحرِم عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها، ويجتمع همه
لمقاصد الآخرة، أما الطيب فإنه قد ينسيه ما هو فيه من العبادة؛ لما فيه من
الترفه؛ بما يخالف مقصود الحج من التجرد من ذلك؛ فلذلك نهي عنه.
2 - أن الطيب من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سد الذريعة؛ فإن الطيب
يعطي الإنسان نشوة؛ وربما يحرك شهوته؛ ويلهب غريزته؛ ويحصل بذلك فتنة له؛
والله تعالى يقول: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
[البقرة: 197] (13).
المطلب الثالث: الفدية في الطيب
_________
(1) الوَرْس: نباتٌ يكون باليمن، صبغة ما بين الصفرة والحمرة، ورائحته
طيبة. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 19).
(2) رواه البخاري (366)، ومسلم (1177).
(3) رواه البخاري (1850)، ومسلم (1206).
(4) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 275).
(5) الجِعرانة: موضعٌ قريبٌ من مكة، وهي في الحل، وميقات للإحرام، وهي
بتسكين العين والتخفيف، وقد تكسر العين، وتشدد الراء. ((النهاية)) لابن
الأثير (مادة: جعر).
(6) التضمخ: التلطخ بالطيب وغيره، والإِكثار منه حتى كأنما يقطر. ((لسان
العرب)) لابن منظور (مادة: ضمخ).
(7) رواه البخاري (1536)، ومسلم (1180).
(8) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من: الجماع، وقتل الصيد،
والطيب) ((الإجماع)) (ص: 52).
(9) قال ابن حزم: (اتفقوا أنه يجتنب استعمال الطيب والزعفران والورس
والثياب المورسة والمزعفرة) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 42).
(10) قال ابن عبدالبر: (الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين
العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 19).
(11) قال شمس الدين ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوعٌ من
الطيب) ((الشرح الكبير)) (3/ 279).
(12) قال النووي: (يحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب، وهذا مجمعٌ عليه)
((شرح النووي على مسلم)) (8/ 75)، ((المجموع)) للنووي (7/ 270).
(13) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 74)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/
170)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 138).
إذا تطيب المحرم عمداً فعليه الفدية، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية
(3)، والحنابلة (4)؛ وذلك قياساً على الفدية في حلق الرأس؛ بجامع أنه ترفه
باستعمال محظور.
المطلب الرابع: هل يشترط في الفدية تطييب العضو كاملاً؟
لا يشترط في لزوم الفدية بالطيب أن يطيب العضو كاملاً، وهو مذهب الجمهور من
المالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
الأدلة:
أولاً: عموم الأدلة في الفدية، ولا فرق فيها بين القليل والكثير.
ثانياً: أنه معنًى حصل به الاستمتاع بالمحظور، فاعتبر بمجرد الفعل كالوطء.
ثالثاً: أن تقدير ما تجب به الفدية وما لا تجب به لا يكون إلا بتوقيفٍ من
الشارع، ولا يوجد في الباب ما يدل على شيءٍ من ذلك، فوجب الوقوف على
العمومات التي توجب الفدية على من ارتكب المحظور قليلاً كان أو كثيرا.
رابعاً: أن التطيب عادةً لا يكون لعضوٍ كامل (8).
المطلب الرابع: حكم استعمال البخور
حكم البخور هو حكم استعمال الطيب، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (9)،
والشافعية (10)، والحنابلة (11).
وذلك للآتي:
أولاً: عمومات الأدلة، والبخور من جملة أنواع الطيب الذي حظر استعماله على
المحرم.
ثانياً: أن المقصود هو الاستمتاع برائحة الطيب، وهذا حاصلٌ بالبخور.
ثالثاً: أنه يصدق على من تبخَّر أنه تطيَّب.
المطلب الخامس: حكم استدامة الطيب الذي كان قبل الإحرام
لا حرج في استعمال الطيب الذي يبقى أثره بعد الإحرام، وهذا مذهب الجمهور من
الحنفية (12)، والشافعية (13)، والحنابلة (14)، وبه قال بعض السلف (15).
الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كأني أنظر إلى وَبِيص الطيب في مَفرِق رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرِم)) (16). وقالت رضي الله عنها:
((كنتُ أطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولإحلاله قبل
أن يطوف بالبيت)) (17).
المطلب السادس: تطييب الحاج ثوب الإحرام قبل إحرامه
_________
(1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 544).
(2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311).
(3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 532).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 332).
(5) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311).
(6) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 520).
(7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 429).
(8) ينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 344).
(9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 220).
(10) قال النووي: (ومذهبنا أنه لا فرق بين أن يتبخَّر أو يجعله في بدنه أو
ثوبه، وسواء كان الثوب مما ينفض الطيب أم لم يكن، قال العبدري وبه قال أكثر
العلماء) ((المجموع)) (7/ 281).
(11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 280)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 429).
(12) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 9)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي
(2/ 430 - 432).
(13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 177)، ((المجموع)) للنووي (7/ 222).
(14) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 226 - 227)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 406).
(15) قال ابن قدامة: (يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة، ولا
فرق بين ما يبقى عينه كالمسك والغالية، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد،
هذا قول ابن عباس، وابن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأم حبيبة،
ومعاوية) (المغني)) (3/ 258).
(16) رواه البخاري (1538)، ومسلم (1190).
(17) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1192).
يُمنَع الحاج من تطييب ثوب الإحرام قبل
إحرامه، وهو مذهب الحنفية (1)، والمالكية (2)، واختيار ابن باز (3) ابن
عثيمين (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو
الورس)) (5).
ثانياً: أنَّ الطيب من محظورات الإحرام، ويصدق على من استدام الثوب بعد
الإحرام، أنه ارتكب المحظور حال إحرامه.
ثالثاً: أنَّ الرخصة إنما جاءت في البدن؛ فلا يتجاوز صورتها.
رابعاً: أن الطيب في الثوب لا يستهلك كما هو في البدن؛ فلا يصح القياس.
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 481)،
((الفتاوى الهندية)) (1/ 222).
(2) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 388) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 227)،
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 217).
(3) قال ابن باز: (لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب على الرداء والإزار، وإنما
السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها
عند الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه
الزعفران أو الورس)). فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا
يطيبها، وإذا طيبها لا يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها)) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (17/ 125 - 126).
(4) قال ابن عثيمين: (وقال بعض العلماء: لا يجوز لبسه إذا طيبه؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس، فنهى أن
نلبس الثوب المطيَّب، وهذا هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) (7/ 65).
(5) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).
المبحث الخامس:
تغطية الرأس للذكر
المطلب الأول: حكم تغطية الرأس للذكر
تغطية الرأس للذكر من محظورات الإحرام، مثل: الطاقية، والغترة، والعمامة،
وما أشبه ذلك.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رجلاً وقصه بعيرُه ونحن مع النبي صلى
الله عليه وسلم وهو محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء
وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيبا، ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه
يوم القيامة ملبيا)) (1).
وجه الدلالة:
أنه علَّل منع تخمير رأسه ببقائه على إحرامه، فعلم أن المحرم ممنوعٌ منه؛
فإن المحرِم الحي أولى من المحرِم الميت (2).
2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما
يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا
القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف ... )) (3).
وجه الدلالة:
أن ذكر العمامة بعد ذكر البرانس دليلٌ على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا
بمعتاد اللباس، ولا بنادره (4).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابنُ المنذر (5)، وابن عبدالبر (6)، وابن رشد (7)،
وابن القيم (8).
المطلب الثاني: أقسام ستر الرأس
ستر الرأس على أقسام:
_________
(1) رواه البخاري (1850)، ومسلم (1206).
(2) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 268)، ((مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 275).
(3) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).
(4) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 240).
(5) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من تخمير رأسه)
((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 53)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين
ابن قدامة (3/ 268).
(6) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن إحرام الرجل في رأسه، وأنه ليس له أن يغطي
رأسه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس البرانس والعمائم)
((الاستذكار)) (4/ 14، 4/ 16).
(7) قال ابن رشد: (اختلفوا في تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم على أنه لا
يخمر رأسه) ((بداية المجتهد)) (1/ 327).
(8) قال ابن القيم: (المحرم ممنوع من تغطية رأسه، والمراتب فيه ثلاث: ممنوع
منه بالاتفاق، وجائز بالاتفاق، ومختلف فيه، فالأول كل متصل ملامس يراد لستر
الرأس كالعمامة والقبعة والطاقية والخوذة وغيرها) ((زاد المعاد)) لابن
القيم (2/ 225).
الأول: أن يغطيه بما يحمله على رأسه ولا
يقصد به التغطية، فهذا جائز، باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (1)
والمالكية (2) والشافعية (3)، والحنابلة (4) , وهو اختيار ابن حزم (5)،وابن
حجر (6)، وابن باز (7) وابن عثيمين (8)؛ وذلك لأنه لا يقصد به الستر؛ ولا
يستر بمثله عادةً.
الثاني: أن يستره بملاصق بما يلبس عادةً على الرأس، مثل الشماغ والعمامة
والطاقية، والخوذة فهذا حرام.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ((أن رجلا قال: يا رسول الله، ما
يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القمص،
ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد
نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا
مسه الزعفران أو ورس)) (9)
وجه الدلالة:
أن ذكر العمامة بعد ذكر البرانس دليل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا
بمعتاد اللباس، ولا بنادره (10).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في
قصة الرجل الذي وقصته دابته: ((لا تخمِّروا رأسه)) (11).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (12)،والنووي (13)، وابن القيم (14).
الثالث: أن يستظل بمنفصل عنه، غير تابع كالاستظلال بخيمة، أو شجرة، فهذا
جائز.
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 185) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/
12) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 231).
(2) استثنى المالكية ما لو حمله لغيره فإن فيه الفدية سواء حمله بأجر أو
بغير أجر. قال القرافي: (للرجل أن يحمل على رأسه ما لا بد له منه كالخرج
والجراب فإنه حمله لغيره بأجر أو بغير أجر فعليه الفدية) ((الذخيرة)) (3/
308)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 697).
(3) ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 518) ((روضة الطالبين)) للنووي
(3/ 125).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 270).
(5) قال ابن حزم: (وللمحرم أن ... يحمل ما شاء من الحمولة على رأسه, ...
ولا شيء عليه في كل شيء من ذلك) ((المحلى)) (7/ 258).
(6) قال ابن حجر: (قال الخطابي ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا
يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال ومن النادر المكتل يحمله
على رأسه، قلت إن أراد أنه يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال، وإلا
فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه، ومما لا يضر
أيضا الانغماس في الماء فإنه لا يسمى لابسا وكذا ستر الرأس باليد) ((فتح
الباري)) (3/ 402).
(7) قال ابن باز: (حمل بعض المتاع على الرأس لا يعد من التغطية الممنوعة
إذا لم يفعل ذلك حيلة، وإنما التغطية المحرمة هي: ما يغطى بها الرأس عادة
كالعمامة والقلنسوة، ونحو ذلك مما يغطى به الرأس، وكالرداء والبشت ونحو
ذلك، أما حمل المتاع فليس من الغطاء المحرم كحمل الطعام ونحوه إذا لم يفعل
ذلك المحرم حيلة؛ لأن الله سبحانه قد حرم على عباده التحيل لفعل ما حرم،
والله ولي التوفيق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 115).
(8) قال ابن عثيمين: (أن يغطيه بما لا يقصد به التغطية والستر كحمل العفش
ونحوه، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصد به الستر، ولا يستر بمثله غالبا)
((الشرح الممتع)) (7/ 124).
(9) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).
(10) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 240).
(11) رواه البخاري (1850)، ومسلم (1206).
(12) قال ابن حزم: (وأجمعوا أن الرجل المحرم يحتنب لبس العمائم والقلانس
... ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42).
(13) قال النووي: (أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمعٌ على تحريمه)
((شرح النووي على مسلم)) (8/ 128).
(14) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 243).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر رضي الله عنه أنه قال في حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم:
((وأمر بقبة من شعر، فضربت له بنمرة، فأتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له
بنمرة، فنزل بها ... )) (1).
2 - عن أم الحصين: ((أن بلالا أو أسامة كان رافعا ثوبا يستر به النبي صلى
الله عليه وسلم من الحر)) (2).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (3)، وابن قدامة (4)، والنووي (5)، وابن
القيم (6).
_________
(1) رواه مسلم (1218).
(2) رواه مسلم (1298).
(3) قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا أن للمحرم أن يدخل الخباء والفسطاط، وإن نزل
تحت شجرة أن يرمي عليها ثوبا) ((التمهيد)) (15/ 111).
(4) قال ابن قدامة: (ولا بأس أن يستظل بالسقف والحائط والشجرة والخباء، وإن
نزل تحت شجرة، فلا بأس أن يطرح عليها ثوبا يستظل به، عند جميع أهل العلم)
((المغني)) (3/ 287).
(5) قال النووي: (وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز) ((المجموع))
(7/ 267).
(6) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 243).
الرابع: أن يُظلِّل رأسه بتابع له منفصل
كالشمسية والسيارة، ومحمل البعير، وما أشبهه، فهذا يجوز، وهو مذهب الحنفية
(1)، والشافعية (2)، ورواية عن أحمد (3)، وبه قال طائفة من السلف (4)،
واختاره ابن المنذر (5) وابن القيم (6) , والشوكاني (7) والشنقيطي (8) وابن
باز (9) وابن عثيمين (10).والألباني (11).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر رضي الله عنه قال: ((حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة
الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما آخِذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه
وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة)) (12).
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 349)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/
13).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 267).
(3) زاد المعاد (2/ 244).
(4) قال ابن عبدالبر: (وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يستظل وهو محرم وأنه
أجاز ذلك للمحرم، وبه قال عطاء بن أبي رباح والأسود بن يزيد وهو قول ربيعة
والثوري وابن عيينة والشافعي وأصحابه) ((التمهيد)) (15/ 111).
(5) قال ابن المنذر: (واختلفوا في المحرم يستظل في المحمل، وما كان في
معناه كالهودج، والعمارية، والكبيسة ونحو ذلك على البعير، فرخص فيه ربيعة،
والثوري، والشافعي، وروى ذلك عن عثمان، وعطاء، وأصحاب الرأي. وكان سفيان بن
عيينة يقول: لا يستظل البتة، وكره ذلك ابن عمر، ومالك، وعبدالرحمن بن مهدي،
وقال أحمد، ومالك، لا يجوز، فإن فعل فعليه الفدية، وعن أحمد رواية أخرى:
أنه لا فدية عليه. قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، لما روت أم الحصين ...
) ((الإشراف)) (3/ 222).
(6) قال ابن القيم: (وفي هذا دليل على جواز استظلال المحرم بالمحمل ونحوه
إن كانت قصة هذا الإظلال يوم النحر ثابتة، وإن كانت بعده في أيام منى، فلا
حجة فيها، وليس في الحديث بيان في أي زمن كانت، والله أعلم) ((زاد المعاد))
(2/ 257).
(7) قال الشوكاني: (قوله: " يظله من الشمس " فيه جواز تظليل المحرم على
رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره وإلى ذلك ذهب الجمهور) ((نيل الأوطار)) (5/
8).
(8) قال الشنقيطي: (واعلم أن الاستظلال بالثوب على العصا عندهم إذا فعله
وهو سائر لا خلاف في منعه، ولزوم الفدية فيه، وإن فعله وهو نازل ففيه خلاف
عندهم أشرنا له قريبا، والحق: الجواز مطلقا للحديث المذكور) ((أضواء
البيان)) (5/ 54).
(9) قال ابن باز: (وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا
بأس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله
عليه وسلم ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم
أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة) ((مجموع فتاوى
ابن باز)) (16/ 57).
(10) قال ابن عثيمين: (ما ليس بملاصق لا يعد تغطية، مثل الشمسية فيمسكها
الإنسان، وهو محرم ليستظل بها عن الشمس أو يتقي بها المطر، فإن هذا لا بأس
به، ولا فدية فيه، وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو الصحيح أن غير الملاصق
جائز، وليس فيه فدية) ((الشرح الممتع)) (7/ 123 - 124).
(11) قال الألباني: (الاستظلال بالخيمة أو بثوب مرفوع لثبوت ذلك عنه صلى
الله عليه وسلم، ونحوه الاستظلال بالمحمل قديما وبالمظلة (الشمسية)،
والسيارة ولو من داخلها حديثا وإيجاب الفدية على ذلك تشدد لا دليل عليه، بل
النظر السليم لا يفرق بين الاستظلال بالخيمة الثابت في السنة والاستظلال
بالمحمل وما في معناه، وهو رواية عن الإمام أحمد كما في منار السبيل (1/
246)، فما تفعله بعض الطوائف من إزالة سقف السيارة تنطع في الدين لم يأذن
به رب العالمين) ((مناسك الحج والعمرة)) (ص: 9).
(12) رواه مسلم (1279).
2 - عن أم الحصين: ((أن بلالاً أو أسامة
كان رافعا ثوبا يستر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحر)) (1).
ثانياً: القياس:
أن ذلك لا يقصد به الاستدامة، فلم يكن به بأس، كالاستظلال بالحائط (2).
ثالثاً: استصحاب الأصل:
فما يحلُّ للحلال يحلُّ للمحرم، إلا ما قام على تحريمه دليل (3).
المطلب الثاني: الفدية في تغطية الرأس
تجب في تغطية الرأس الفدية بذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة
مساكين، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (4)، والمالكية (5)،
والشافعية (6)، والحنابلة (7).
الدليل على ذلك:
القياس على الفدية في حلق الرأس، بجامع أنه استمتاع محض، وترفه باستعمال
محظور (8).
المطلب الثالث: مقدار تغطية الرأس الذي تجب فيه الفدية
لا يشترط لوجوب الفدية ستر جميع الرأس، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية
(9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11).
الأدلة:
أولاً: عموم الأدلة في الفدية، ولا فرق فيها بين القليل والكثير.
ثانياً: أنه معنًى حصل به الاستمتاع بالمحظور، فاعتبر بمجرد الفعل كالوطء.
ثالثاً: أن تقدير ما تجب به الفدية وما لا تجب به لا يكون إلا بتوقيف من
الشارع، ولا يوجد في الباب شيء، فوجب الوقوف على العمومات التي توجب الفدية
على من ارتكب المحظور قليلا كان أو كثيرا.
رابعاً: أن الانتفاع بتغطية الرأس يحصل في البعض، فتجب الفدية بذلك.
خامساً: القياس على عدم اشتراط حلق جميع شعر الرأس لوجوب الفدية (12).
المطلب الرابع: حكم تغطية الوجه للمحرم
تغطية الوجه للمحرم مباح، وهو مذهب الشافعية (13) والحنابلة (14)، وبه قال
جماعة من السلف (15) , وابن حزم (16)، واختاره ابن عثيمين (17).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ولا
تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا)) (18).
وجه الدلالة:
_________
(1) رواه مسلم (1298).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 287).
(4) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 485)
(5) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 307).
(6) ((المجموع)) للنووي (7/ 252).
(7) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 326)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 424).
(8) ((المجموع)) للنووي (7/ 249).
(9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 307).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 253).
(11) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 326)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 424).
(12) ينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 307،311)، ((الشرح الكبير على المقنع))
لشمس الدين ابن قدامة (3/ 344).
(13) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 240)، ((المجموع)) للنووي (7/ 250، 268).
(14) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 271)، ((زاد المعاد)) لابن
القيم (2/ 244).
(15) قال ابن القيم: (وبإباحته قال ستة من الصحابة: عثمان، وعبدالرحمن بن
عوف، وزيد بن ثابت، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وجابر رضي الله عنهم) ((زاد
المعاد)) (2/ 244). وينظر ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 225)، ((بداية
المجتهد)) لابن رشد (1/ 328).
(16) قال ابن حزم: (لا بأس أن يغطي الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك
ولا كراهة في ذلك) ((المحلى)) (7/ 91 رقم 828).
(17) قال ابن عثيمين: (القول الراجح جواز تغطيته وجهه؛ لأن لفظة: (ولا
وجهه) في قصة الذي مات مختلف في صحتها، وفيها نوع اضطراب، ولذلك أعرض
الفقهاء عنها، وقالوا: إن تغطية المحرم وجهه لا بأس به، ويحتاجه المحرم
كثيراً، فقد ينام مثلاً ويضع على وجهه منديلاً أو نحوه عن الذباب، أو عن
العرق، أو ما أشبه ذلك) ((الشرح الممتع)) (7/ 165).
(18) رواه البخاري (1266)، ومسلم (1206).
أن النص خص الرأس بالنهي عن التغطية،
فمفهومه يقتضي جواز تغطية غيره، أما ما جاء من تغطية الوجه فهو شاذ ضعيف
(1).
ثانيا: أقوال الصحابة:
1 - عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه: ((أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت
ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم)) (2).
2 - عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت عثمان بالعَرْج (3) وهو محرم
في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أُرْجُوان (4))) (5).
ولا يعرف لهؤلاء الصحابة مخالف منهم (6).
ثالثا: أن الأصل هو الإباحة (7).
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (7/ 250)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 244).
(2) رواه الشافعي في ((الأم)) (7/ 241)، والبيهقي (5/ 54) (8870). وصحح
إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 268).
(3) العَرْج: قرية جامعة من عمل الفرع قريبة من الأبواء على نحو ثمانية
وسبعين ميلا من المدينة. ((شرح النووي على مسلم)) (15/ 15)، ((أحكام
القرآن)) (4/ 56).
(4) الأُرْجُوان: الشديد الحُمْرة. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة:
بهرم).
(5) رواه مالك (3/ 514) (1290)، والشافعي في ((الأم)) (7/ 241)، والبيهقي
(5/ 191) (9705). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 268)، والألباني
في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/ 941).
(6) قال شمس الدين ابن قدامة: (لا نعرف لهم مخالفا في عصرهم فكان إجماعا)
((الشرح الكبير على المقنع)) (3/ 271).
(7) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 244).
المبحث السادس: لبس
المخيط
تمهيد: تعريف المخيط
المخيط: هو المفصَّل على قدر البدن أو العضو، بحيث يحيط به، ويستمسك عليه
بنفسه، سواء كان بخياطة أو غيرها، مثل: القميص، والسراويل، ونحو ذلك (1).
المطلب الأول: حكم لبس المخيط للذَّكَر
لبس المخيط للذكر من محظورات الإحرام.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلى الله عليه وسلم
بالجعرانة، ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في
رجل أحرم بعمرة، وهو مُتَضَمِّخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة،
فجاءه الوحي، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل،
فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما
تصنع في حجتك)) (2).
وجه الدلالة:
أنه لما عَلِمَ أنه محرم أمره بأن ينزع عنه الجبة، فدل على أن لبس الجبة
ونحوها من المخيط المحظور على المحرم.
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف))
(3).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خمسة أنواع من اللباس تشمل جميع ما
يحرم، وقد أوتي جوامع الكَلِم، وذلك أن اللباس إما أن يصنَع للبدن فقط فهو
القميص، وما في معناه، أو للرأس فقط وهو العمامة وما في معناه، أو لهما وهو
البُرْنُس وما في معناه، أو للفخذين والساق وهو السراويل وما في معناه، أو
للرِّجلين وهو الخف ونحوه (4).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (5)، وابن حزم (6)، وابن عبدالبر (7)، وابن
رشد (8).
المسألة الأولى: من أحرم بالمخيط أو لبسه بعد إحرامه لعدم حمله التصريح
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 348)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 489)،
((المجموع)) للنووي (7/ 255)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 67).
(2) رواه البخاري (1536)، ومسلم (1180)
(3) رواه البخاري (5803)، ومسلم (1177)
(4) ينظر ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 127، 130، 131).
(5) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القمص،
والعمائم، والسراويلات، والخفاف، والبرانس، وأجمعوا على أن للمرأة المحرمة:
لبس القميص، والدّروع، والسراويل، والخمر، والخفاف) ((الإجماع)) (ص: 53)،
((المجموع)) للنووي (7/ 254).
(6) قال ابن حزم: (أجمعوا أَن الرجل المحرم يجتنب لباس العمائم والقلانس
والجباب والقمص والمخيط والسراويل التي لا تسمى ثيابًا إن وجد إزارا)
((مراتب الإجماع)) (ص: 42).
(7) قال ابن عبدالبر: (لا يجوز لباس شيء من المخيط عند جميع أهل العلم)
((الاستذكار)) (4/ 14)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 272).
(8) قال ابن رشد: (اتفق العلماء على أنه لا يلبس المحرم قميصا ولا شيئا مما
ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مخيط الثياب وأن هذا مخصوص
بالرجال أعني تحريم لبس المخيط وأنه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع
والسراويل والخفاف والخمر) انظر: ((بداية المجتهد)) (1/ 326، 327).
من أحرم بالمخيط أو لبسه بعد إحرامه ليدخل
به مكة لعدم حمله التصريح فحجه صحيح لكنه يأثم بارتدائه المخيط، وتجب عليه
الفدية، وبه قال ابن عثيمين (1) (2).
المسألة الثانية: لبس المرأة المخيط لغير الوجه والكفين
يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس المخيط لغير الوجه والكفين.
الدليل::
نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (3) وابن عبدالبر (4) وابن رشد (5).
المسألة الثالثة: لبس الخفاف للمحرم الذكر
لبس الخف (6) حرام على الرجل المحرِم، سواء كان الخف صحيحا أو مخرَّقاً،
إلا لمن لم يجد النعلين.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عمر: ((إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفلَ
من الكعبين)) (7).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم
يَخْطُبُ بعَرَفَاتٍ: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا
فليلبس سراويل)) (8).
3 - عن جابر رضي الله عنهما قال: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم
يجد إزاراً فليلبس سراويل)) (9).
ثانياً: الإجماع:
_________
(1) قال ابن عثيمين: ( ... فهذا غلط عظيم، وهذا نوع من الاستخفاف بحرمات
الله عز وجل، كيف تحرم وتعصي الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نهاك عنه من
لبس القميص؟! وما هذا إلا خداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،
فإذا قدرنا أنه خداع انطلى على الشرط والجنود فليس خداعا لله عز وجل إِنَّ
الله لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ *آل
عمران: 5* ثم ما الذي أوجب لك هذا الشيء؟ أليس حجك سنة وعمرتك سنة؟ وطاعة
ولي الأمر واجبة إلا في معصية؟! ... ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين))
(23/ 448). وقال: (وقد سمعت بعض الناس- نسأل الله العافية - يحرم ويبقي
ثوبه عليه حتى يتجاوز نقطة التفتيش، فهذا الذي يحرم ويبقي ثوبه عليه، كأنه
يقول للناس: اشهدوا أني عاص لرسول الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: (لا يلبس المحرم القميص) وهذا لبس، ... فلا تتقرب يا أخي إلى الله
بمعصية الله، واترك الحج، حتى تحصل على رخصة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن
عثيمين)) (23/ 450).
(2) فائدة: قال النووي في من يتعمد ارتكاب محظور من محظورات الإحرام:
(وربما ارتكب بعض العامة شيئاً من هذه المحرمات وقال أنا أفتدي متوهما أنه
بالتزام الفدية يتخلص من وبال المعصية، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح، فإنه يحرم
عليه الفعل، وإذا خالف أثم ووجبت الفدية، وليست الفدية مبيحة للإقدام على
فعل المحرم، وجهالة هذا الفاعل كجهالة من يقول أنا أشرب الخمر وأزني والحد
يطهرني، ومن فعل شيئاً مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه عن أن يكون مبروراً)
(الإيضاح في مناسك الحج)) (ص: 211).
(3) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن للمرأة المحرمة لبس القميص،
والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف) ((الإشراف)) (3/ 220).
(4) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا على أن المراد بهذا، الذكور دون النساء، وأنه
لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف)
((الاستذكار)) (4/ 14)، وينظر ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/
272).
(5) قال ابن رشد: (اتفق العلماء على أنه لا يلبس المحرم قميصا ولا شيئا مما
ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مخيط الثياب وأن هذا مخصوص
بالرجال أعني تحريم لبس المخيط وأنه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع
والسراويل والخفاف والخمر). انظر: ((بداية المجتهد)) (1/ 326، 327).
(6) الخف: ما يُلبس على الرِّجل من جلد، أو نحوه.
(7) رواه البخاري (134)، ومسلم (1177).
(8) رواه البخاري (1841).
(9) رواه مسلم (1179).
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (1)،
والنووي (2).
المسألة الرابعة: هل يجب قطع الخفين لمن لم يجد نعلين؟
من لم يجد نعلين فلبس خفين، لا يجب عليه قطعهما، وهو مذهب الحنابلة (3)،
وبه قال طائفة من السلف (4)، واختاره ابن تيمية (5)، وابن القيم (6)، وابن
باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب بعرفات: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا
فليلبس السراويل)) (9).
2 - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم
يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)) (10).
وجه الدلالة من الحديثين:
أنه أطلق لبس الخفين، ولم يقيِّده بقطعهما.
المطلب الثاني: لبس المحرم للخاتم
يجوز للمحرم لبس الخاتم بلا خلاف بين أهل العلم (11).
المطلب الثالث: لبس المحرم للساعة أو النظارة أو سماعة الأذن أو تركيبة
الأسنان
يجوز للمحرم لبس الساعة، أو النظارة، أو سماعة الأذن، أو تركيبة الأسنان
(12)؛ وذلك لأنها كلها ليست في معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم
المحرم عن لبسه من أنواع الألبسة (13).
المطلب الرابع: لبس الهِمْيان (وعاء النفقة).
_________
(1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من لبس القميص والعمامة
والسراويل والخفاف والبرانس) ((الإجماع)) (ص: 107).
(2) قال النووي: ( ... وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيءٍ من
هذه المذكورات) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 73).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 329)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).
(4) قال ابن قدامة: (ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال
عطاء، وعكرمة، وسعيد بن سالم القداح) ((المغني)) (3/ 281).
(5) قال ابن تيمية: ( ... فله أن يلبس الخف ولا يقطعه وكذلك إذا لم يجد
إزارا فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه، هذا أصح قولي العلماء) ((مجموع
الفتاوى)) (26/ 110).
(6) ((تهذيب سنن أبي داود)) لابن القيم (5/ 278 - 279).
(7) قال ابن باز: (وكذا من لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين من غير قطع ...
) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 53).
(8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 130 - 131).
(9) رواه البخاري (1841).
(10) رواه مسلم (1179).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
132).
(12) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).
(13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).
يجوز للمحرم لبس الهِمْيان (1)، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)،
والحنابلة (5)، والظاهرية (6)، وبه قال أكثر العلماء (7).
الأدلة:
أولاً: أنه ورد عن طائفة من الصحابة، كعائشة، وابن عباس، وابن عمر رضي الله
عنهم، حتى حُكي في ذلك إجماعهم (8).
ثانياً: أن الهميان ليس في معنى ما جاء النهي عنه من الألبسة للمحرم في
النصوص، فيبقى على أصل الإباحة.
ثالثاً: أن شد الهميان في الوسط هو ضرورة حفظ النفقة، ومما تدعو الحاجة
إليه؛ فجاز كعقد الإزار (9).
مسألة: عقد الرداء
يجوز عقد الرداء عند الحاجة، وهو قول طائفةٍ من الشافعية (10)، واختاره
الجويني والغزالي (11) وابن حزم (12) وابن تيمية (13)، وابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: ((لا يلبس القميص،
ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (15).
وجه الدلالة:
_________
(1) قال ابن حجر: (أي تكة اللباس، ويطلق على ما يوضع فيه النفقة في الوسط)
((مقدمة ((أحكام القرآن)) (ص: 202).
(2) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 139).
(3) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 470).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255).
(5) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 427)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 331)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 427).
(6) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22)
(7) قال ابن عبدالبر: (أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار متقدموهم ومتأخروهم،
وعن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق مثل ذلك). وقال أيضاً: (قد قال
إسحاق بن راهويه: ليس للمحرم أن يعقد يعني المنطقة ولكن له أن يدخل السيور
بعضها في بعض. وقول إسحاق لا يعد خلافا على الجميع، وليس له أيضا حظ من
النظر، ولا له أصل؛ لأن النهي عن لباس المخيط، وليس هذا منه، فارتفع أن
يكون له حكمه) ((التمهيد)) (15/ 118)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22).
وقال النووي: (إنه قول العلماء كافة إلا ابن عمر ومولاه) ((المجموع))
للنووي (7/ 254، 255).
(8) عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول في المِنْطقة [كل ما يشد به
الوسط]: (أحرز عليك نفقتك) ذكره ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (11/ 42)،
وذكر ابن قدامة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أوثقوا عليكم
نفقاتكم) وعن مجاهد: (سئل ابن عمر عن المحرم يشد الهميان عليه؟ فقال: لا
بأس به إذا كانت فيه نفقته يستوثق من نفقته) ((المغني)) (3/ 140)، وقال
إبراهيم النخعي: (كانوا يرخصون في عقد الهميان للمحرم، ولا يرخصون في عقد
غيره) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 277). وقال
ابن علية: (قد أجمعوا على أن للمحرم أن يعقد الهميان والمئزر على مئزره
وبالمنطقة كذلك) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22).
(9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 306)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين
ابن قدامة (3/ 277).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 255،256).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 255،256).
(12) قال ابن حزم: (وللمحرم أن يشد المنطقة على إزاره إن شاء أو على جلده
ويحتزم بما شاء, ويحمل خرجه على رأسه, ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء)
((المحلى)) (7/ 258).
(13) قال ابن تيمية: (يجوز عقد الرداء في الإحرام ولا فدية عليه فيه)
((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466).
(14) قال ابن عثيمين: (لو أن الرجل عقد الرداء على صدره فليس حراما)
((الشرح الممتع)) (7/ 132). وقال أيضاً: (ويجوز لبس السبتة، وساعة اليد،
ونظارة العين، وعقد ردائه وزره بمشبك ونحوه) ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (24/ 392 - 393).
(15) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).
أن إجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس
عن السؤال عما يلبس، دليلٌ على أن كل ما عدا هذه المذكورات مما يلبسه
المحرم (1).
ثانياً: أنه لم يرد في ذلك منعٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو في
معنى المنصوص على منعه.
ثالثاً: أنَّ الرداء وإن عُقِد، لا يخرج عن كونه رداء (2).
مسألة: عقد الإزار للمحرم
يجوز عقد الإزار للمحرم إذا لم يثبت ويستمسك إلا بذلك، وهو مذهب الشافعية
(3) والحنابلة (4)، واختاره ابن حزم (5)، وابن تيمية (6)، وابن باز (7)،
وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: ((لا يلبس القميص،
ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (9).
وجه الدلالة:
أن إجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس، دليلٌ على
أن كل ما عدا هذه المذكورات مما يلبسه المحرم (10).
ثانياً: أنه لم يرد في ذلك منعٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو في
معنى المنصوص على منعه.
ثالثاً: من آثار الصحابة:
قال طاوس: رأيت ابن عمر يطوف بالبيت، وعليه عمامة قد شدَّها على وسطه،
فأدخلها هكذا.
رابعاً: أنَّ فيه مصلحة له، وهو أن يثبت عليه (11).
خامساً: أنه يُحتاج إليه لستر العورة فيباح، كاللباس للمرأة (12).
فرع: حكم تشبيك الرداء بمشبك
يجوز للمحرم تشبيك ردائه بمشبك ونحوه؛ لأنه لا يعد لبساً (13)
المطلب الخامس: ستر المحرمة وجهها
الفرع الأول: ستر المحرمة وجهها بالنقاب
أولا: تعريف النقاب
النقاب هو: لباس الوجه؛ وهو أن تستر المرأة وجهها، وتفتح لعينيها بقدر ما
تنظر منه (14).
ثانيا حكم النقاب للمحرمة:
_________
(1) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 392 - 393). وقال ابن تيمية:
(النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيما يحرم على المحرم، وما ينهى عنه،
لفظا عاما يتناول عقد الرداء، بل سئل صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم
من الثياب فقال: لا يلبس القميص، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا
السراويلات، ولا الخفاف، إلا من لم يجد نعلين) ((الفتاوى الكبرى)) (1/
333).
(2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 249،255).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 331).
(5) قال ابن حزم: (ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء) ((المحلى)) (7/ 258).
(6) قال ابن تيمية: (وله أن يعقد ما يحتاج إلى عقده كالإزار) ((مجموع
الفتاوى)) (26/ 111).
(7) قال ابن باز: (ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه؛ لعدم الدليل
المقتضي للمنع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 54).
(8) قال ابن عثيمين: (((الشرح الممتع)) (7/ 130،131).
(9) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).
(10) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/ 333)، ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (24/ 392 - 393).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 249،255)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/
201).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 284).
(13) قال ابن عثيمين: (لو شبَّك رداءه بمشبك فإنه لا يعد لبسا، بل هو رداء
مشبك، لكن بعض الناس توسعوا في هذه المسألة، وصار الرجل يشبك رداءه من
رقبته إلى عانته، فيبقى كأنه قميص ليس له أكمام، وهذا لا ينبغي) ((الشرح
الممتع)) (7/ 130،131).
(14) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: نقب)، ((الشرح الممتع)) (7/ 134).
النقاب من محظورات الإحرام على المرأة، وهو
مذهب الجمهور من المالكية (1) والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال طائفة
من السلف (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ولا
تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) (5).
ثانياً: أنه قولٌ ثابتٌ عن طائفةٍ من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم
(6).
الفرع الثاني: ستر المحرمة وجهها بغير النقاب
اختلف أهل العلم في تغطية المحرمة وجهها بغير النقاب على قولين:
القول الأول: لا يجوز تغطية المحرمة وجهها إلا لحاجة، كمرور الأجانب، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية
(9)، والحنابلة (10)، وهو قول طائفة من السلف (11)، واختاره ابن دقيق العيد
(12)، والشنقيطي (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1. عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ولا
تتنقب المحرمة)) (14).
2. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه
وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي
صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله
أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في
حجة الوداع)) (15).
وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها (16).
ثانيا: الإجماع:
_________
(1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 15)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/
141).
(2) ((المجموع)) للنووي (3/ 167).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323)، ((الشرح الممتع))
لابن عثيمين (7/ 134).
(4) قال ابن المنذر: (قال ابن عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة
ولا تلبس القفازين، وقال الأسود، وعلقمة: لا تنتقب المرأة، وقال الحكم،
وحماد: لا تلبس البرقع، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وكان مالك يكره القفازين، والنقاب، وقال الثوري: لا تتبرقع، ولا تلتثم)
((الإشراف)) (3/ 220). قال ابن عبدالبر: (وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور
علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار) (4/ 15).
(5) رواه البخاري (1838)، ومسلم (1177)
(6) قال ابن المنذر: (كراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس
وعائشة رضي الله عنهم ولا نعلم أحدا خالف فيه) ((الإشراف)) (3/ 220)، وينظر
((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323).
(7) ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 152)، ((بدائع الصنائع))
للكاساني (6/ 214).
(8) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 141)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/
825).
(9) ((المجموع)) للنووي (7/ 250،261).
(10) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 527).
(11) قال ابن قدامة: (روي ذلك عن عثمان، وعائشة، وبه قال عطاء، ومالك،
والثوري، والشافعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن) ((المغني)) (3/ 154).
(12) ((إحكام الأحكام)) (ص: 301).
(13) ((أضواء البيان)) (5/ 52).
(14) رواه البخاري (1838)
(15) رواه البخاري (1855)، ومسلم (1334).
(16) قال ابن عبدالبر: (فيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها، وهذا ما لم
يختلف فيه الفقهاء) ((التمهيد)) (9/ 124)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن
عبدالبر (4/ 164).
نقل الإجماع على أنه يحرم على المرأة أن
تغطي وجهها إلا لحاجة، ابن عبدالبر (1)، وابن قدامة (2)، وابن رشد (3).
ثالثاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إحرام المرأة في وجهها، وإحرام
الرجل في رأسه)) (4).
رابعاً: القياس: فالوجه من المرأة يجب كشفه، كالرأس من الرَّجُل (5).
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن إحرام المرأة في وجهها، وأن لها أن تسدل
الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجل إليها)
((الاستذكار)) (4/ 164)، ((التمهيد)) (9/ 124، 15/ 104).
(2) قال ابن قدامة: (المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم
على الرجل تغطية رأسه، لا نعلم في هذا خلافا، إلا ما روي عن أسماء، أنها
كانت تغطي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا
يكون اختلافا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 301)، ((الشرح الكبير على
المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323).
(3) قال ابن رشد: (أجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها ... وأن لها أن
تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال
إليها) ((بداية المجتهد)) (1/ 327).
(4) رواه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 294) (260)، والبيهقي (5/ 47) (9314).
قال الكمال ابن الهمام في ((فتح القدير)) (2/ 527): (لا شك في ثبوته
موقوفاً)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 323): (إسناده صحيح)،
وروى ابن حزم عن محمد بن المنكدر قال: (رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها
على وجهها وهي محرمة، فقال لها: اكشفي وجهك؛ فإنما حرمة المرأة في وجهها)
((المحلى)) (7/ 91).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 250).
القول الثاني: يجوز للمحرمة تغطية وجهها،
وهو قولٌ في مذهب الحنابلة (1)، واختاره ابن حزم (2)، وابن تيمية (3)، وابن
القيم (4)، والصنعاني (5)، والشوكاني (6)،وابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم
1 - عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((المحرمة تلبس من الثياب ما
شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على
وجهها إن شاءت)) (9).
قال ابن القيم: نساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة (10).
_________
(1) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324) ((مجموع
الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 120).
(2) قال ابن حزم: (لا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها)
((المحلى)) (7/ 91 رقم 828).
(3) قال ابن تيمية: (وجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: إنه
كرأس الرجل فلا يغطى، وقيل: إنه كيديه فلا تغطى بالنقاب والبرقع ونحو ذلك
مما صنع على قدره، وهذا هو الصحيح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه
إلا عن القفازين والنقاب، وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال
من غير وضع ما يجافيها عن الوجه فعلم أن وجهها كيدي الرجل ويديها؛ وذلك أن
المرأة كلها عورة كما تقدم فلها أن تغطي وجهها ويديها لكن بغير اللباس
المصنوع بقدر العضو كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار) ((مجموع
الفتاوى)) (22/ 120) وينظر: (26/ 112).
(4) قال ابن القيم: (النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنتقب المرأة ولا
تلبس القفازين))، يعني في الإحرام فسوَّى بين يديها ووجهها في النهي عما
صنع على قدر العضو ولم يمنعها من تغطية وجهها ولا أمرها بكشفه البتة ونساؤه
صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة وقد كن يسدلن على وجوههن إذا
حاذاهن الركبان فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن) ((إعلام الموقعين)) (1/ 222).
(5) قال الصنعاني: (المرأة المحرمة تستر وجهها بغير ما ذكر، كالخمار
والثوب، ومن قال: إن وجهها كرأس الرجل المحرم لا يغطى بشيء فلا دليل معه)
((سبل السلام)) (2/ 191)، وينظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 233).
(6) قال الشوكاني: (ليس في المنع من تغطية وجه المرأة ما يتمسك به، والأصل
الجواز حتى يرد الدليل الدال على المنع) ((السيل الجرار)) (ص: 316).
(7) قال ابن باز: (معنى ((لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)) أي لا تلبس
ما فصل وقطع وخيط لأجل الوجه كالنقاب ولأجل اليدين كالقفازين, لا أن المراد
أنها لا تغطي وجهها وكفيها كما توهمه البعض فإنه يجب سترهما لكن بغير
النقاب والقفازين، هذا ما فسره به الفقهاء والعلماء ومنهم العلامة الصنعاني
رحمه الله تعالى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 232).
(8) قال ابن عثيمين: (لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم على
المحرمة تغطية وجهها، وإنما حرم عليها النقاب فقط؛ لأنه لباس الوجه وفرق
بين النقاب وبين تغطية الوجه فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها، لقلنا: هذا
لا بأس به، ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب، فيجب عليها
أن تستر وجهها عنهم) ((الشرح الممتع)) (7/ 134) وينظر ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (22/ 185).
(9) رواه البيهقي (5/ 47) (9316)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء
الغليل)) (4/ 212)، وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 719) عن عائشة رضي
الله عنها قالت: () تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين
ولا تنقب)).
(10) ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/ 265).
2 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما
قالت: ((كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام)) (1).
3 - عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: ((كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع
أسماء بنت أبي بكر الصديق)) (2).
ثانياً: أنه لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرَّم على المحرمة
تغطية وجهها، وإنما هذا قول بعض السلف (3).
ثالثاً: القياس:
فكما يجوز تغطية الكف من غير لبس القفازين، فيجوز كذلك تغطية الوجه من غير
لبس النقاب، وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وهما كبدن الرجل،
يجوز تغطيته، ولا يجوز لبس شيء مفصلٍ عليه.
رابعاً: أن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق
كالعورة (4).
خامساً: أن النهي إنما جاء عن النقاب فقط، والنقاب أخص من تغطية الوجه،
والنهي عن الأخص لا يقتضي النهي عن الأعم؛ وإنما جاء النهي عن النقاب لأنه
لبس مفصلٌ على العضو، صنع لستر الوجه، كالقفاز المصنوع لستر اليد، والقميص
المصنوع لستر البدن، وقد اتفق الأئمة على أن للمحرم أن يستر يديه ورجليه مع
أنه نهي عن لبس القميص والخف (5).
الفرع الثالث: هل يشترط في تغطية المحرمة وجهها ألا يمس الوجه؟
_________
(1) رواه ابن خزيمة (4/ 203) (2690)، والحاكم (1/ 624). صححه على شرط
الشيخين الحاكم في ((المستدرك)) (1/ 624)، والألباني في ((إرواء الغليل))
(4/ 212)
(2) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 474) (1176)، وقال الألباني في ((إرواء
الغليل)) (4/ 212): إسناده صحيح.
(3) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 112)، ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (22/ 185).
(4) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324).
(5) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 113).
لا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه
لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك، فيجوز أن تستر وجهها للحاجة كالستر عن أعين
الناس، بثوب تسدله من فوق رأسها، وهذا مذهب المالكية (1)، والحنابلة (2)،
واختاره ابن قدامة (3)، وابن تيمية (4).
الأدلة:
أولاً: من أقوال الصحابة
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا
ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن
شاءت)) (5).
2 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((كنا نغطي وجوهنا من
الرجال، وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام)) (6).
3 - عن فاطمة بنت المنذر قالت: ((كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع
أسماء بنت أبي بكر الصديق .. )) (7).
وجه الدلالة:
أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة رضي الله عنهن كن يسدلن
على وجوههن من غير مراعاة المجافاة (8).
ثانياً: أن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا
لبيَّن، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه
(9).
المطلب السادس: لبس القفازين للمحرمة
تمهيد: تعريف القفازين
_________
(1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 14)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/
388)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 345).
(2) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 529)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 356) ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 447).
(3) قال ابن قدامة: (ذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيا عن وجهها، بحيث لا
يصيب البشرة، فإن أصابها، ثم زال أو أزالته بسرعة، فلا شيء عليها، كما لو
أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي، ثم عاد بسرعة، لا تبطل الصلاة، وإن لم
ترفعه مع القدرة؛ افتدت؛ لأنها استدامت الستر، ولم أر هذا الشرط عن أحمد،
ولا هو في الخبر، مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من
إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبين، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب
ونحوهما، مما يعد لستر الوجه. قال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها من
فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل، كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على
وجهها). ((المغني)) (3/ 154، 301، 302)، وينظر ((الشرح الكبير على المقنع))
لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 529).
(4) قال ابن تيمية: (لو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق
وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضا، ولا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن
الوجه لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين
وجهها ويديها وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه، وأزواجه صلى الله عليه وسلم كن
يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة ولم ينقل أحد من أهل العلم عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إحرام المرأة في وجهها)) وإنما هذا
قول بعض السلف لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها أن تنتقب أو تلبس
القفازين) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 112).
(5) رواه البيهقي (5/ 47) (9316)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء
الغليل)) (4/ 212). وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 719) عن عائشة رضي
الله عنها قالت: () تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين
ولا تنقب)).
(6) رواه ابن خزيمة (4/ 203) (2690)، والحاكم (1/ 624)، وقال الحاكم: (صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212):
(صحيح على شرط الشيخين).
(7) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 474) (1176). قال الألباني في ((إرواء
الغليل)) (4/ 212): إسناده صحيح.
(8) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 112).
(9) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324).
القفَّازان: شيء يعمل لليدين يغطي الأصابع
مع الكف (1).
الفرع الأول: حكم لبس القفازين للمحرمة
يحرم على المحرمة لبس القفَّازين، وهو مذهب الجمهور من المالكية (2)،
والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وبه قال طائفة من السلف (5).
الدليل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا
تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) (6).
الفرع الثاني: حكم لبس القفازين للرجل
يحرم على الرجل لبس القفازين
الدليل:
نقل الإجماع على ذلك النووي (7)، وابن قدامة (8)، والشنقيطي (9).
المطلب السابع: الفدية في لبس المخيط
يجب في لبس المحرم المخيط، فدية الأذى: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو
إطعام ستة مساكين، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (10)،
والمالكية (11)، والشافعية (12)، والحنابلة (13).
الدليل: على ذلك:
القياس على الفدية في حلق الرأس، بجامع أنه استمتاع محض، وترفه باستعمال
محظور.
المطلب الثامن: متى تجب الفدية بلبس المخيط؟
تجب الفدية بمجرد اللبس ولو لم يستمر زمنا، وهو مذهب الشافعية (14)،
والحنابلة (15)؛ وذلك لأنه استمتاع يحصل بمجرد الفعل، كالوطء في الفرج
(16).
_________
(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: قفز).
(2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 16)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 304).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 269).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 357).
(5) قال ابن المنذر: (قال ابن عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة
ولا تلبس القفازين ... وكان مالك يكره القفازين، والنقاب) ((الإشراف)) (3/
220).
(6) رواه البخاري (1838)، ومسلم (1177)
(7) قال النووي: (يحرم على الرجل لبس القفازين بلا خلاف) ((المجموع))
للنووي (7/ 257)، ((روضة الطالبين)) (3/ 127).
(8) قال ابن قدامة: (ألحق بها أهل العلم ما في معناها مثل الجبة والدراعة
والثياب وأشباه ذلك فليس للمحرم ستر بدنه بما عمل على قدره ولا ستر عضو من
أعضائه بما عمل على قدره كالقميص للبدن والسراويل لبعض البدن والقفازين
لليدين والخفين للرجلين ونحو ذلك، وليس في هذا كله اختلاف) ((المغني)) (3/
137، 138).
(9) قال الشنقيطي: (أما لبس الرجل القفازين فلم يخالف في منعه أحد) ((منسك
الشنقيطي)) (2/ 297).
(10) ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/ 547).
(11) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 304)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص:
93).
(12) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 125).
(13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).
(14) ((المجموع)) للنووي (7/ 259)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 519).
(15) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).
(16) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).
المبحث الأول: حكم
عقد النكاح للمحرم
يحرم عقد النكاح على المحرم، ولا يصح، سواء كان المحرم الولي، أو الزوج، أو
الزوجة، ولا فدية فيه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (1)، والشافعية
(2)، والحنابلة (3)، والظاهرية (4)، وهو قول طوائف من السلف (5).
الأدلة:
أ- أدلة تحريم النكاح وعدم صحته
أولاً: من السنة:
عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((لايَنكِح المحرِم، ولا يُنكِح، ولا يخطُب)) (6).
وجه الدلالة:
أنه منهيٌّ عنه لهذا الحديث الصحيح، والنهي يقتضي الفساد (7).
ثانياً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم:
1 - عن أبي غطفان بن طريف المري ((أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم، فرد
عمر بن الخطاب نكاحه)) (8).
2 - عن قتيبة بن وهب: ((أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت
شيبة بن جبير، فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان، فأنكر ذلك
عليه أبان، وقال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)) (9).
وروي ذلك: عن علي وابن عمر رضي الله عنهم، وليس يعرف لهما من الصحابة مخالف
(10).
ثالثاً: إجماع أهل المدينة
عن سعيد بن المسيب: ((أن رجلاً تزوج وهو محرم، فأجمع أهل المدينة على أن
يفرَّق بينهما)) (11).
رابعاً: أن الإحرام معنىً يمنع من الوطء ودواعيه، فوجب أن يمنع من النكاح،
كالطيب (12).
خامساً: أنه عقد يمنع الإحرام من مقصوده وهو الوطء، فمنع أصله، كشراء الصيد
(13).
ب- أدلة عدم وجوب الفدية فيه
أولاً: عدم الدليل على وجوب الفدية، والأصل براءة الذمة (14).
ثانياً: أنه وسيلة لم يترتب عليها الانتفاع بالمقصد المحرم، والذي يجبر
إنما هو المقاصد (15).
ثالثاً: أنه فَسَدَ لأجل الإحرام، فلم يجب به فدية، كشراء الصيد (16).
_________
(1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 118)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/
331)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 301، 344).
(2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 123)، ((المجموع)) للنووي (7/ 283،
288).
(3) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 311، 314)،
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 151، 155).
(4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 197رقم 869)، ((المجموع)) للنووي (7/ 287).
(5) قال ابن عبدالبر: (قال مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي لا
ينكح المحرم ولا ينكح فإن فعل فالنكاح باطل، وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن
أبي طالب وعبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسالم بن عبدالله
وسليمان بن يسار وبه قال أحمد بن حنبل) ((الاستذكار)) (4/ 118)، وقال
النووي: (مذهبنا أنه لا يصح تزوج المحرم ولا تزويجه وبه قال جماهير العلماء
من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وهو مذهب عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وزيد
بن ثابت وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن بشار والزهري)
((المجموع)) (7/ 287)، وينظر: ((أضواء البيان)) (5/ 17).
(6) رواه مسلم (1409)
(7) ((المجموع)) للنووي (7/ 284،288).
(8) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 506)، والبيهقي (5/ 66) (9429). وصحح
إسناده ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (1/ 404)
(9) رواه مسلم (1409).
(10) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 124)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/
25).
(11) أخرجه البيهقي (5/ 66).
(12) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 124)، ((المجموع)) للنووي (7/
283،289)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 312).
(13) ((المجموع)) للنووي (7/ 289).
(14) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 155).
(15) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 301، 344).
(16) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 314).
المبحث الثاني:
الخطبة للمحرم
لأهل العلم في خطبة المحرم قولان:
القول الأول: تكره الخطبة للمحرم، والمحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب للمحلين،
وهو مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، واختيار ابن قدامة (3).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا ينكح
المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)) (4).
ثانياً: أقوال الصحابة:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: ((لا ينكح المحرم، ولا
يخطب على نفسه ولا على غيره)) (5).
ثالثاً: أن النكاح لا يجوز للمحرم، فكرهت الخطبة له (6).
رابعاً: أنه تسبب إلى الحرام، فأشبه الإشارة إلى الصيد (7).
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (7/ 283، 284).
(2) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 314).
(3) ((المغني)) (3/ 158)
(4) رواه مسلم (1409)
(5) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 506)، والبيهقي (7/ 213) (14601). وصححه
ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 199)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل))
(4/ 228).
(6) ((المجموع)) للنووي (7/ 283).
(7) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 314).
القول الثاني: أنه تحرم خطبة المحرم وهو
مذهب المالكية (1)، واختيار ابن حزم (2) وابن تيمية (3) والصنعاني (4)،
والشنقيطي (5)، وابن باز (6) وابن عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا
ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)) (8).
فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجميع نهيا واحدا ولم يفصل وموجب النهي
التحريم وليس لنا ما يعارض ذلك من أثر ولا نظر (9)
ثانياً: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: ((لا ينكح المحرم،
ولا يخطب على نفسه ولا على غيره)) (10).
_________
(1) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 147) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي
(3/ 1000) ((حاشية العدوي)) (2/ 97).
(2) قال ابن حزم: (ولا يحل لرجل، ولا لامرأة، أن يتزوج أو تتزوج، ولا أن
يزوج الرجل غيره من وليته، ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع
الشمس من يوم النحر) ((المحلى)) (5/ 211).
(3) قال ابن تيمية: (قال ابن عقيل في موضع لا يحل له أن يخطب ولا يشهد وهذا
قياس المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجميع نهيا واحدا ولم
يفصل وموجب النهي التحريم وليس لنا ما يعارض ذلك من أثر ولا نظر بل روي ما
يؤكد ذلك فعن نافع أن عبدالله بن عمر قال: لا يصلح للمحرم أن يخطب ولا ينكح
ولا يخطب على غيره ولا ينكح غيره رواه حرب) ((شرح العمدة)) (3/ 216).
(4) قال الصنعاني: (الحديث دليل على تحريم العقد على المحرم لنفسه ولغيره
وتحريم الخطبة كذلك) ((سبل السلام)) (1/ 621).
(5) قال الشنقيطي: (الأظهر عندي: أن المحرم لا يجوز له أن يخطب امرأة،
وكذلك المحرمة، لا يجوز للرجل خطبتها لما تقدم من حديث عثمان، عند مسلم:
((لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)) فالظاهر أن حرمة الخطبة كحرمة
النكاح؛ لأن الصيغة فيهما متحدة، فالحكم بحرمة أحدهما دون الآخر، يحتاج إلى
دليل خاص، ولا دليل عليه، والظاهر من الحديث حرمة النكاح وحرمة وسيلته التي
هي الخطبة كما تحرم خطبة المعتدة، وبه تعلم أن ما ذكره كثيرٌ من أهل العلم
من أن الخطبة لا تحرم في الإحرام، وإنما تكره أنه خلاف الظاهر من النص ولا
دليل عليه) ((أضواء البيان)) (5/ 28).
(6) قال ابن باز: (ويحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري
والمعاونة في ذلك وتنفيره من مكانه، وعقد النكاح، والجماع، وخطبة النساء
ومباشرتهن بشهوة؛ لحديث عثمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)) رواه مسلم) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (16/ 58)
(7) قال ابن عثيمين: (لا يجوز لإنسان محرم أن يخطب امرأة ولا يجوز أن تخطب
المرأة المحرمة فإن فعل وخطب امرأة وهو محرم، فليس له حق في هذه الخطبة،
يعني فيجوز لإنسان آخر أن يخطب هذه المرأة، لأن خطبة هذا الرجل المحرم
فاسدة غير مشروعة فلا حق له، مع أن الخطبة على خطبة أخيه في الأصل حرام،
لكن لما كانت الخطبة خطبة المحرم خطبة فاسدة صار لا حق له في ذلك، وجاز
لغيره أن يخطب هذه المرأة، يعني خطبة المحرم لها خطبة منهي عنها لا أثر لها
ولا يترتب عليها أحكام الخطبة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)). وقال
أيضا: ((الخطبة الصحيح أنها حرام؛ لأن النهي فيها واحد مع العقد، وعموم
الحديث: ((ولا يخطب))، أنه لا يخطب تعريضاً ولا تصريحاً) (22/ 165) وينظر:
((الشرح الممتع)) (7/ 120).
(8) رواه مسلم (1409).
(9) ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 216).
(10) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 506)، والبيهقي (7/ 213) (14601). وصححه
ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 199)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل))
(4/ 228).
ثالثاً: أن الخطبة مقدمة النكاح وسبب إليه
كما أن العقد سبب للوط، والشرع قد منع من ذلك كله حسما للمادة.
رابعاً: أن الخطبة كلام في النكاح وذكر له وربما طال فيه الكلام وحصل بها
أنواع من ذكر النساء والمحرِم ممنوع من ذلك كله.
خامساً: أن الخطبة توجب تعلق القلب بالمخطوبة واستثقال الإحرام والتعجل إلى
انقضائه لتحصيل مقصود الخطبة كما يقتضي العقد تعلق القلب بالمنكوحة (1).
مسألة: الشهادة على عقد النكاح
لا تأثير للإحرام على الشهادة على عقد النكاح، وقد نصَّ على ذلك فقهاء
الشافعية (2)، والحنابلة (3)، وإليه ذهب الشنقيطي (4)، وابن عثيمين (5).
الدليل:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينكح
المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)) (6)
وجه الدلالة:
أن الشاهد لا يدخل في ذلك، فإن عقد النكاح بالإيجاب والقبول والشاهد لا صنع
له في ذلك (7).
_________
(1) ((شرح العمدة)) (3/ 216).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 284).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 308)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 350). إلا
أن الحنابلة يرون كراهة شهادة المحرم.
(4) قال الشنقيطي: (اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي: أن للشاهد المحرم أن
يشهد على عقد نكاح) ((أضواء البيان)) (5/ 27).
(5) قال ابن عثيمين: (أما الشاهدان فلا تأثير لإحرامهما، لكن يكره أن يحضرا
عقده إذا كانا محرمين) ((الشرح الممتع)) (7/ 151).
(6) رواه مسلم (1409).
(7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 27).
المبحث الأول:
الجماع في النسك
المطلب الأول: حكم الجماع للمحرم في النسك
الوطء في الفرج حرامٌ على المحرم، ومفسدٌ لنسكه.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ
الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:
197].
وجه الدلالة:
أن الرَّفَث: هو الجماع عند أكثر العلماء، (1)، ولم يختلف العلماء في قول
الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى
نِسَائِكُمْ [البقرة: 187] أنه الجماع، فكذلك هاهنا (2).
ثانياً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في رجل وقع على امرأته وهو محرم:
((اقضيا نسككما، وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين، فإذا
أحرمتما فتفرقا، ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما واهديا هدياً)) (3).
2 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ((أن رجلا أتى عبدالله بن عمرو،
فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار إلى عبدالله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك
واسأله، قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل
حجك، فقال الرجل: أفأقعد؟ قال: لا، بل تخرج مع الناس، وتصنع ما يصنعون،
فإذا أدركت قابلا فحج، وأهد، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره، ثم قال:
اذهب إلى ابن عباس فاسأله، قال شعيب: فذهبت معه، فسأله، فقال له مثل ما قال
ابن عمر، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره، ثم قال: ما تقول أنت؟ قال:
أقول مثل ما قالا)) (4).
وجه الدلالة من هذه الآثار:
أنه قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم (5).
ثالثاً: الإجماع:
_________
(1) روي ذلك عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح،
وعطاء بن يسار، ومجاهد، والحسن، والنخعي، والزهري، وقتادة، قال ابن
عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين
يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة؛ وذلك لقوله تعالى: (فلا رفث) البقرة 197،
والرفث في هذا الموضع الجماع عند جمهور أهل العلم بتأويل القرآن)
((الاستذكار)) (4/ 257)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55). وقال شمس
الدين ابن قدامة: (في الجملة كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه
إلا أنه في الجماع أظهر لما ذكرنا من تفسير الأئمة، ولأنه قد جاء في موضع
آخر وأريد به الجماع، وهو قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ
الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ *البقرة: 187*) ((الشرح الكبير على المقنع))
(3/ 328، 329).
(2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55).
(3) رواه البيهقي (5/ 167) (10064). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/
386).
(4) رواه الدارقطني في ((السنن)) (3/ 50) (209)، والبيهقي (5/ 167)
(10065). وصحح إسناده البيهقي، والنووي في ((المجموع)) (7/ 387)، والشنقيطي
في ((أضواء البيان)) (5/ 417).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 308)، ((المجموع)) للنووي (7/ 414).
نقل الإجماع على تحريم الوطء حال الإحرام:
ابن عبدالبر (1)، وابن رشد (2)، والنووي (3)،ونقل الإجماع على فساد النسك
بالوطء: ابن المنذر (4)، وابن حزم (5)،والشربيني (6)، وابن مفلح (7)
والشنقيطي (8).
المطلب الثاني: متى يَفسد الحج بالجماع؟
لا يخلو الجماع في الحج من ثلاث أحوال:
الحال الأولى: من جامع قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه بالإجماع، نقله ابن
المنذر (9)، وابن حزم (10)، وابن عبدالبر (11)، وابن رشد (12)، والزيلعي
(13)، والشربيني (14)، والشنقيطي (15).
الحال الثانية: من جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فسد حجه عند
جمهور الفقهاء من المالكية في المشهور (16)، والشافعية (17)، والحنابلة
(18)، واختاره ابن باز (19).
الأدلة:
أولاً: آثار الصحابة
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج
حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة) ((الاستذكار)) (4/ 257)،
((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55). وقال شمس الدين ابن قدامة: (في الجملة
كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه إلا أنه في الجماع أظهر لما
ذكرنا من تفسير الأئمة، ولأنه قد جاء في موضع آخر وأريد به الجماع، وهو
قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ
*البقرة: 187*) ((الشرح الكبير على المقنع)) (3/ 328، 329).
(2) قال ابن رشد: (أجمع المسلمون على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين
يحرم) ((بداية المجتهد)) (1/ 329).
(3) قال النووي: (أجمعت الأمة على تحريم الجماع في الإحرام، سواء كان
الإحرام صحيحا أم فاسدا، وتجب به الكفارة والقضاء) ((المجموع)) للنووي (7/
290، 414).
(4) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في
حال الإحرام إلا الجماع) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52).
(5) قال ابن حزم: (اتفقوا أن جماع النساء في فروجهن ذاكراً لحجه يفسخ
الإحرام ويفسد الحج) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42).
(6) ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 522).
(7) قال ابن مفلح: (الوطء في قبل يفسد به النسك في الجملة إجماعا)
((الفروع)) (5/ 443).
(8) قال الشنقيطي: (لا خلاف بينهم أنه لا يفسد الحج من محظورات الإحرام،
إلا الجماع خاصة) ((أضواء البيان)) (5/ 29)
(9) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من جامع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفة
أن عليه حج قابل والهدي) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52).
(10) قال ابن حزم: (اتفقوا أن جماع النساء في فروجهن ذاكرا لحجه يفسخ
الإحرام ويفسد الحج ما لم يقدم المعتمر مكة ولم يأت وقت الوقوف بعرفة
للحاج) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42).
(11) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا على أن من وطىء قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد
حجه) ((الاستذكار)) (4/ 258).
(12) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه)
((بداية المجتهد)) (1/ 370).
(13) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 57).
(14) ((مغني المحتاج)) لخطيب الشربيني (1/ 522).
(15) قال الشنقيطي: ((لا خلاف بين أهل العلم: أن المحرم إذا جامع امرأته
قبل الوقوف بعرفات: أن حجه يفسد بذلك) ((أضواء البيان)) (5/ 28).
(16) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 167)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/
68).
(17) ((المجموع)) للنووي (7/ 384)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 340).
(18) قال أحمد: (لا أعلم أحدا قال: إن حجه تام) ((المغني)) لابن قدامة (3/
423)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 350).
(19) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 132).
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ((أن
رجلا أتى عبدالله بن عمرو، فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار إلى عبدالله
بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك واسأله، قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه،
فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: أفأقعد؟ قال: لا، بل تخرج مع
الناس، وتصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلا فحج، وأهد، فرجع إلى عبدالله بن
عمرو، فأخبره، ثم قال: اذهب إلى ابن عباس فاسأله، قال شعيب: فذهبت معه،
فسأله، فقال له مثل ما قال ابن عمر، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره، ثم
قال: ما تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا)) (1).
وجه الدلالة:
أنه قول هؤلاء الصحابة، ولم يفرقوا بين ما قبل الوقوف وبعده، ويدل عليه
أنهم لم يستفصلوا السائل (2).
ثانياً: القياس على فساد النسك بالجماع قبل الوقوف بعرفة، والجامع أن كلا
منهما وطءٌ صادف إحراما تاما قبل التحلل (3).
الحال الثالثة: من جامع بعد التحلل الأول فلا يفسد نسكه باتفاق المذاهب
الفقهية الأربعة (4): الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)،
والحنابلة (8)، وبه قال طائفة من السلف (9).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عروة بن مضرس الطائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك
معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجُّه وقضى
تفثه)) (10).
وجه الدلالة:
أنه إذا تم حجه يوم النحر فلا وجه لإبطاله بعد ذلك.
ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أصاب من أهله قبل أن يطوف
بالبيت يوم النحر فقال: ((ينحران جزوراً بينهما، وليس عليهما الحج من
قابل)) (11).
وجه الدلالة:
أنه قول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا يعرف له مخالف من الصحابة (12).
ثالثاً: أن إحرامه بعد تحلله الأول غير تام، وإنما عليه بقيةٌ من إحرام، هو
حرمة الوطء، وهذا لا يجوز أن يفسِد ما مضى من عبادته (13).
_________
(1) رواه الدارقطني في ((السنن)) (3/ 50) (209)، والبيهقي (5/ 167)
(10065). وصحح إسناده البيهقي، والنووي في ((المجموع)) (7/ 387)، والشنقيطي
في ((أضواء البيان)) (5/ 417).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309، 423).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/
58).
(4) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 29).
(5) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 58)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم
(3/ 18).
(6) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 167)، ((الشرح الكبير)) للدردير وحاشية
الدسوقي (2/ 68).
(7) ((المجموع)) للنووي (7/ 393)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 340).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 425)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 353).
(9) قال ابن قدامة: (الوطء بعد الجمرة لا يفسد الحج، وهو قول ابن عباس،
وعكرمة، وعطاء، والشعبي، وربيعة، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 425).
(10) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيح ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/
97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
(11) رواه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 272)، والبيهقي (5/ 171) (10083).
قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1044): صحيح موقوف.
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 425).
(13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423).
رابعاً: أن الحج عبادة لها تحللان، فوجود
المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدها، كوجود المفسد بعد التسليمة الأولى في
الصلاة لا يفسدها (1).
المطلب الثالث: ما يترتب على الجماع في النسك
يترتب على الجماع في الحج خمسة أشياء:
أولاً: الإثم.
ثانياً: فساد النسك.
وهذان الأمران سبق بحثهما.
ثالثاً: وجوب المضي في فاسده، وعلى ذلك أكثر العلماء (2).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أنه أمر بإتمام الحج والعمرة، وأطلق، ولم يُفرِّق بين صحيحها وفاسدها (3).
ثانياً: أفتى بذلك جمع من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف (4).
رابعاً: وجوب القضاء
الأدلة:
أولاً: أفتى بذلك جمعٌ من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف (5).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على وجوب القضاء ابن المنذر (6)، والنووي (7)، والشربيني (8).
ثالثاً: أن النسك يلزم بالشروع فيه فصار فرضا بخلاف باقي العبادات (9).
خامساً: الفدية
_________
(1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 425).
(2) قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب ويلزم من أفسد حجا أو عمرة أن يمضي
في فاسدهما وهو أن يتم ما كان يعمله لولا الإفساد ونقل أصحابنا اتفاق
العلماء على هذا وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهري فإنه قال يخرج منه
بالإفساد) ((المجموع)) (7/ 388)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 17)،
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 351).
(3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/
37).
(4) قال ابن عثيمين: (لا شك أن الصحابة رضي الله عنهم أعمق منا علما، وأسد
منا رأيا، فهم إلى الصواب أقرب منا فنأخذ بأقوالهم) ((الشرح الممتع)) (7/
159، 160)، وانظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523).
(5) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
159،160).
(6) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من جامع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفة
أن عليه حج قابل) ((الإجماع)) (ص: 52).
(7) قال النووي: (يجب [على] مفسد الحج أو العمرة القضاء بلا خلاف سواء كان
الحج أو العمرة فرضا أو نفلا) ((المجموع)) (7/ 389).
(8) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523).
(9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523).
تجب الفدية على من أفسد النسك بالجماع، وقد
اتفق أهل العلم على ذلك (1)، والواجب في ذلك في الحج بدنة، وهو مذهب جمهور
الفقهاء من المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وبه قال طوائف من
السلف (5)، واختاره ابن باز (6).
الأدلة:
أولاً:
1 - عن عكرمة: ((أن رجلا قال لابن عباس: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما
حجكما هذا فقد بطل فحجا عاما قابلا ثم أهلا من حيث أهللتما، وحيث وقعت
عليها ففارقها فلا تراك ولا تراها حتي ترميا الجمرة وأهد ناقة ولتهد
ناقة))، وعنه أيضاً: ((إذا جامع فعلى كل واحد منهما بدنة)) (7).
2 - وروي عن عمر نحوه (8).
ثانياً: أنه وطءٌ صادف إحراما تاما، فأوجب البدنة (9).
ثالثاً: أن ما يفسد الحج، الجناية به أعظم، فكفارته يجب أن تكون أغلظ (10).
مسألة:
يفسد نسك المرأة بالجماع مطلقا (11)، فإن كانت مطاوعة فعليها بدنة كالرجل،
فإن كانت مكرهة فإنه لا يجب عليها هدي، وهذا مذهب المالكية (12)، والحنابلة
(13)، وبه قال طائفة من السلف (14).
أدلة وجوب البدنة على المرأة إذا كانت مطاوعة
أولاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 - عن عكرمة مولى ابن عباس: ((أن رجلا وامرأته من قريش لقيا ابن عباس
بطريق المدينة, فقال: أصبت أهلي, فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل
فحجا عاما قابلا, ثم أهلا من حيث أهللتما حتى إذا بلغتما حيث وقعت عليها
ففارقها فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة وأهد ناقة, ولتهد ناقة))
(15).
_________
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من جامع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفه
أن عليه حج قابل والهدي) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52). وقال النووي:
(أجمعت الأمة علي تحريم الجماع في الإحرام، سواء كان الإحرام صحيحا أم
فاسدا، وتجب به الكفارة والقضاء). ((المجموع)) (7/ 290، 414).
(2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 340)، ((حاشية العدوي)) (1/ 551).
(3) ((المجموع)) للنووي (7/ 416)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 522).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 368).
(5) قال ابن قدامة: (يجب على المجامع بدنة، روي ذلك عن ابن عباس، وعطاء،
وطاوس، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309،
424). قال النووي: (مذهبنا أنه يلزم من أفسد حجه بدنة، وبه قال ابن عباس
وعطاء وطاوس ومجاهد ومالك والثوري وأبو ثور وإسحق) ((المجموع)) للنووي (7/
416). وقال الشنقيطي: (وهو قول جماعات من الصحابة وغيرهم منهم ابن عباس،
وطاوس، ومجاهد، والثوري، وأبو ثور، وإسحاق، وغيرهم) ((أضواء البيان)) (5/
35، 36).
(6) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 132).
(7) رواه البيهقي (5/ 168) (10067). وصححه الذهبي في ((المهذب)) (4/ 1922).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424).
(10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424).
(11) قال ابن قدامة: (أما فساد الحج، فلا فرق فيه بين حال الإكراه
والمطاوعة، لا نعلم فيه خلافا) ((المغني)) (3/ 309).
(12) لكن يجب على من أكرهها أن يهدي عنها. ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/
399)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 169).
(13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/
550).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309)، وانظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي
(5/ 36)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 132).
(15) رواه البيهقي (5/ 168) (10067). وصححه الذهبي في ((المهذب)) (4/
1922).
2 - عن يزيد بن يزيد بن جابر قال: سألت
مجاهدا، عن المحرم يواقع امرأته، فقال: كان ذلك على عهد عمر بن الخطاب،
فقال: ((يقضيان حجهما والله أعلم بحجهما، ثم يرجعان حلالا كل واحد منهما
لصاحبه، فإذا كان من قابل حجا وأهديا وتفرقا من المكان الذي أصابهما)) (1)
وجه الدلالة:
أنه أمر الرجل والمرأة أن يهديا جميعا، فقال: ((وأهديا)).
ثانياً: أنها أحد المتجامعين من غير إكراه، فلزمتها بدنة كالرجل (2).
ثالثاً: أن الأصل استواء الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل (3).
ب- أدلة سقوط الهدي عنها إذا كانت مكرهة
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ
بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ [النحل: 106].
وجه الدلالة:
أن الكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه، فما دونه من باب أولى.
ثانياً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله
تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (4).
ثالثاً: أنه جماعٌ يوجب الكفارة، فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة
واحدة، كما في الصيام (5).
_________
(1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 537)، والبيهقي (5/ 167) (10063).
قال البيهقي في ((السنن الصغير)) (2/ 158) (هذه المراسيل عن عمر يتأكد
بعضها ببعض)، وقال الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (2/ 30): (منقطع).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309)
(3) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 403).
(4) رواه ابن ماجه (2045) بلفظ: (وضع) بدلاً من (تجاوز لي)، والحاكم (2/
198)، والبيهقي (7/ 356)، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه)، وحسنه النووي في ((الأربعين النووية)) (39)، وقال ابن كثير في
((تحفة الطالب)) (232): (إسناده جيد)، وحسنه ابن حجر في ((التلخيص الحبير))
(1/ 281)، وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 461): (لا تقصر عن رتبة
الحسن لغيره)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2045).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309).
المبحث الثاني:
مقدمات الجماع
المطلب الأول: حكم مباشرة النساء في النسك
تحرم مباشرة النساء في النسك (1)، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية
(2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وحُكي فيه الإجماع (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
[البقرة: 197].
والرفث فسره غير واحد من السلف وبعض أهل العلم بالجماع ومقدماته (7)
ثانياً: أنه إذا حَرُم عليه عقد النكاح فلأن تحرم المباشرة وهي أدعى إلى
الوطء أولى (8).
المطلب الثاني: هل يفسد النسك بالمباشرة؟
مباشرة النساء من غير وطء لا تفسد النسك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية
الأربعة: الحنفية (9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12).
وذلك للآتي:
أولا: أن فساد النسك تعلق بالجماع، ودواعي الجماع ليست مثل الجماع، فلا
تلحق به (13).
ثانيا: أنه استمتاع محض فلم يفسد الحج، كالطيب (14).
المطلب الثالث: فدية من باشر فلم ينزل
من باشر ولم ينزل فعليه دم أو بدله من الإطعام أو الصيام، وهذا مذهب
الشافعية (15)، والحنابلة (16)، وقال به طائفة من السلف (17) وهو اختيار
ابن عثيمين (18).
الأدلة:
أولاً: من الآثار:
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (7/ 291)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 162).
(2) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16).
(3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 396).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 291، 292).
(5) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 340)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 449).
(6) قال الشنقيطي: (اعلم أنهم متفقون على مقدمات الجماع كالقبلة،
والمفاخذة، واللمس بقصد اللذة حرام على المحرم، ولكنهم اختلفوا فيما يلزمه
لو فعل شيئا من ذلك) ((أضواء البيان)) (5/ 30).
(7) قال ابن نجيم: (الجماع فيما دون الفرج من جملة الرفث، فكان منهيا عنه
بسبب الإحرام، وبالإقدام عليه يصير مرتكبا محظورَ إحرامه) ((البحر الرائق))
(3/ 16). وقال الشنقيطي: (الأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين:
أحدهما: مباشرة النساء بالجماع ومقدماته. والثاني: الكلام بذلك كأن يقول
المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا، ومن إطلاق الرفث على
مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ
الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ *البقرة: 187 فالمراد بالرفث في الآية:
المباشرة بالجماع ومقدماته) ((أضواء البيان)) (5/ 13). وقال شمس الدين ابن
قدامة: (كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه) ((الشرح الكبير على
المقنع)) (3/ 328، 329).
(8) ((المجموع)) للنووي (7/ 291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447).
(9) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16).
(10) ((الشرح الكبير)) للدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 68).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 291).
(12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447).
(13) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16).
(14) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447).
(15) ((المجموع)) للنووي (7/ 291، 292).
(16) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 340).
(17) ذكر شمس الدين ابن قدامة أن من باشر ولم ينزل فعليه شاة في الصحيح
وذكره عن سعيد بن المسيب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة ومالك والثوري
والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ((الشرح الكبير)) (3/ 340).
(18) قال ابن عثيمين: (فإن باشر ولم ينزل بل أمذى، أو كان له شهوة، ولكن لم
يمذ، ولم ينزل فليس عليه بدنة، بل عليه فدية أذى ... فالصحيح أن المباشرة
لا تجب فيها البدنة، بل فيها ما في بقية المحظورات) ((الشرح الممتع)) (7/
162).
1 - عن علي رضى الله عنه أنه قال: ((من قبل
امرأة وهو محرم فليهرق دما)) (1).
2 - عن عبدالرحمن بن الحارث: ((أن عمر بن عبيد الله قَبَّل عائشة بنت طلحة
محرما، فسأل، فأجمع له على أن يهريق دما)) (2).
وجه الدلالة:
أن الظاهر أنه لم يكن أنزل؛ لأنه لم يُذكر (3).
ثانيا: أنه استمتاع محض، عري عن الإنزال، فوجبت فيه الفدية، كالطيب (4).
ثالثا: أنه فعل محرم في الإحرام، فوجبت فيه الكفارة، كالجماع (5).
المطلب الرابع: حكم من باشر فأنزل
مَنْ باشر فأنزل لم يفسد نسكه، وحُكيِ الإجماع على عدم الفساد (6)، وعليه
فدية الأذى: دم أو بدله من الإطعام أو الصيام، وهو مذهب الحنفية (7)،
والشافعية (8)، ورواية عن أحمد (9)، وقال به طائفة من السلف (10)، واختاره
ابن عثيمين (11).
الأدلة:
أولاً: أدلة عدم فساد النسك
1 - أنه إنزال بغير وطء فلم يفسد به الحج، كالنظر.
2 - أنه لا نص على فساد النسك به، ولا إجماع، ولا هو في معنى المنصوص عليه؛
لأن الوطء في الفرج يجب بنوعه الحد، واللذة فيه فوق اللذة بالمباشرة، ولا
يفترق فيه الحال بين الإنزال وعدمه، ويتعلق به اثنا عشر حكما (12).
أدلة وجوب فدية الأذى (الدم أو الإطعام أو الصيام) على من باشر فأنزل
أولاً: الآثار:
1 - عن علي رضى الله عنه أنه قال: ((من قبل امرأة وهو محرم فليهرق دما))
(13).
2 - عن عبدالرحمن بن الحارث: ((أن عمر بن عبيد الله قَبَّل عائشة بنت طلحة
محرما، فسأل، فأجمع له على أن يهريق دما)) (14).
وجه الدلالة:
أن الفدية إذا وجبت على من باشر ولم ينزل، فأولى أن تجب على من باشر فأنزل.
ثانياً: أنه استمتاع لا يفسد النسك، فكانت كفارته فدية الأذى، كالطيب (15).
ثالثاً: أنه فعل محرم في الإحرام، فوجبت فيه الكفارة، كالجماع (16).
_________
(1) رواه البيهقي (5/ 168) (9571) ..
(2) رواه الأثرم كما في ((المغني)) لموفق الدين ابن قدامة (3/ 162).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 340).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 291)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 340).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 291).
(6) قال النووي: (لا يفسد نسكه بالمباشرة بشهوة بلا خلاف سواء أنزل أم لا)
((المجموع)) (7/ 291، 292).
(7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16).
(8) ((المجموع)) للنووي (7/ 291، 292).
(9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 60).
(10) قال به سعيد بن المسيب، وعطاء، وابن سيرين، والزهري، وقتادة، وأبو
ثور، وابن المنذر. ينظر ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 322).
(11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 163).
(12) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 60).
(13) رواه البيهقى (5/ 168) (9571).
(14) رواه الأثرم كما في ((المغني)) لموفق الدين ابن قدامة (3/ 162).
(15) ((المجموع)) للنووي (7/ 410).
(16) ((المجموع)) للنووي (7/ 291).
المبحث الأول: تدارك
الواجبات متى ما أمكن
ترك الواجبات لا يسقط بالنسيان والجهل والإكراه متى أمكن تداركه (1).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسي صلاة
أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) (2).
وجه الدلالة:
أنه لم يسقط عنه الصلاة مع النسيان مع خروج وقتها؛ لأنه يمكن تداركه
بالقضاء.
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل
المسيء صلاته: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) (3).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقط الصلاة الحاضرة بالجهل، وإنما أمره
بالإعادة مع أنه جاهل.
ثانياً: أنه ترك مأمورا، والمأمورات أمور إيجابية، يمكن تداركها بفعلها،
بخلاف المنهيات فإنها مضت، ولا يمكن تداركها، لكن إذا كان في أثناء المنهي
فيجب التدارك بقطعه (4).
ثالثاً: أن تارك المأمور جاهلا أو ناسيا غير مؤاخذ بالترك، لكن عدم فعله
إياه يقتضي إلزامه به متى زال العذر إبراء لذمته (5).
_________
(1) ((الشرح الممتع)) (7/ 202، 203). وقال ابن دقيق العيد: (وفي قول النبي
صلى الله عليه وسلم: ((شاتك شاة لحم)) ... دليل على أن المأمورات إذا وقعت
على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل وقد فرقوا في ذلك بين المأمورات
والمنهيات فعذروا في المنهيات بالنسيان والجهل كما جاء في حديث معاوية بن
الحكم حين تكلم في الصلاة وفرق بينهما بأن المقصود من المأمورات إقامة
مصالحها وذلك لا يحصل إلا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها
امتحانا للمكلف بالانكفاف عنها؛ وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها ومع
النسيان والجهل لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي فعذر بالجهل فيه) ((إحكام
الأحكام)) (2/ 545).
(2) رواه مسلم (684).
(3) رواه البخاري (757)، ومسلم (397).
(4) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 202، 203).
(5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 202، 203).
المبحث الثاني: فدية
ترك الواجب
يجب بترك الواجب دم، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)،
والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن الدم وجب على المتمتع لتركه واجب الإحرام للحج من الميقات، وفي حكمه كل
من ترك واجبا.
ثانياً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من نسي شيئا من نسكه، أو تركه
فليهرق دما)) (5).
وجه الدلالة:
أن مثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، ولا مخالف له من الصحابة رضي الله
عنهم، وعليه انعقدت فتاوى التابعين، وعامة الأمة (6).
الفصل السادس: ما يحرم على المحرم، وما يباح له
المبحث الأول: التجارة والصناعة للمحرم
للمحرم أن يتجر ويصنع في الحج (7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن
رَّبِّكُمْ [البقرة: 198] (8).
وجه الدلالة:
أنها نزلت في التجارة في الحج، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كانت
عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في
المواسم، فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن
رَّبِّكُمْ [البقرة: 198]. في مواسم الحج) (9).
1 - قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا
وَعَلى كُلِّ ضامِر ... لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 27 - 28].
وجه الدلالة:
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 25).
(2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 302).
(3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 530).
(4) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 339).
(5) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/
30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس
موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/
314)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن
عباس موقوفاً عليه)، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت، وقال الألباني في ((إرواء
الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً).
(6) قال الشنقيطي: (إذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح، عن ابن
عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها
غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له
حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال.
والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع،
فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم
خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((أضواء البيان)) (4/ 473)،
وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 152)، و ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين
(7/ 367).
(7) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/ 13)، ((مجلة البحوث
الإسلامية)) (10/ 88)، ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (5/ 1742).
(8) قال الجصاص: (قوله لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا
مِنْ رَبِّكُمْ *البقرة: 198* فهذا في شأن الحاج لأن أول الخطاب فيهم وسائر
ظواهر الآي المبيحة لذلك دالة على مثل ما دلت عليه هذه الآية نحو قوله
وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
*المزمل: 20*) ((أحكام القرآن)) (1/ 386).
(9) أخرجه البخاري في باب لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ *البقرة: 198*.
أنه لم يخصص شيئاً من المنافع دون غيرها
فهو عام في جميعها من منافع الدنيا والآخرة (1).
2 - قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة:
275].
وجه الدلالة:
أنه لم يخصص منه حال الحج، فيبقى البيع على أصل الإباحة (2).
ثانياً: عن أبى أمامة التيمي قال: ((كنت رجلا أكري في هذا الوجه وإن ناسا
يقولون ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس يحرم ويلبي ويطوف بالبيت ويفضى من
عرفات ويرمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجا، جاء رجل الي النبي صلى
الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ
فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة: 198]، فأرسل إليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقرأ عليه هذه الآية، وقال: لك حج)) (3).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على جواز ذلك ابن قدامة (4)، والنووي (5)، والشنقيطي (6)،
والجصاص، ووصف القول بسواه بالشذوذ (7).
مسألة:
استحب أهل العلم أن تكون يده فارغة من التجارة ليكون قلبه مشغولا بما هو
بصدده، متعريا عن شوائب الدنيا وتعلق القلب بها، إلا أن ذلك لا يقدح في صحة
حجه ولا يأثم به، ولا يخرج المكلف عن رسم الإخلاص المفترض عليه، ونقل
النووي الإجماع على ذلك (8).
المبحث الثاني: ما يجب على المحرم توقيه
يجب على المحرم أن يتوقى ما يلي:
أولاً: الفحش من القول والفعل (9)، وذلك منهي عنه في الإحرام وغير الإحرام
إلا أن الحظر في الإحرام أشد لحرمة العبادة.
ثانياً: الفسوق: وهو جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام (10).
ثالثاً: الجدال في الحج: وهو المخاصمة في الباطل، لاسيما مع الرفقاء
والخدم، أو الجدل فيما لا فائدة فيه؛ لأن ذلك يثير الشر ويوقع العداوة
ويشغل عن ذكر الله، أما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا
بأس به (11)
_________
(1) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 386).
(2) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 386).
(3) رواه أبو داود (1733)، والحاكم (1/ 618)، والبيهقي (6/ 121) (11995).
والحديث صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 77)، وصححه الألباني في
((صحيح سنن أبي داود))، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (741).
(4) قال ابن قدامة: (أما التجارة والصناعة فلا نعلم في إباحتهما اختلافا)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 313).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 76).
(6) قال الشنقيطي: (لا خلاف بين العلماء في أن المراد بالفضل المذكور في
الآية ربح التجارة) ((أضواء البيان)) (1/ 89).
(7) قال الجصاص: (وعلى هذا أمر الناس من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى
يومنا هذا في مواسم منى ومكة في أيام الحج). وقال أيضاً: (روي نحو ذلك عن
جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وقتادة ولا نعلم أحدا روي عنه
خلاف ذلك إلا شيئا رواه سفيان الثوري عن عبدالكريم عن سعيد بن جبير قال
سأله رجل أعرابي فقال إني أكري إبلي وأنا أريد الحج أفيجزيني؟ قال لا ولا
كرامة، وهذا قول شاذ خلاف ما عليه الجمهور وخلاف ظاهر الكتاب) ((أحكام
القرآن)) (1/ 386).
(8) ((المجموع)) للنووي (7/ 76)، وينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 501).
(9) ((تفسير الطبري)) (4/ 125).
(10) ((تفسير الطبري)) (4/ 135).
(11) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 43)، ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 292)،
((المحلى)) لابن حزم (7/ 186، 195)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55)،
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 7)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 439)،
((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 134)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 348)،
((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 13)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 56، 57،
17/ 144 - 147).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ
الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:
197].
وجه الدلالة:
أن هذا نهي بصيغة النفي، وهو آكد ما يكون من النهي، كأنه قيل: فلا يكونن
رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (1).
2 - قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25] (2).
ثانياً: من السنة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)) (3)
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا
الجنة)) (4).
وجه الدلالة:
أن من جملة ما فُسِّر به الحج المبرور: أنه الحج الذي لم يخالطه شيء من
المأثم (5).
_________
(1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 438)، ((أحكام القرآن)) (2/
347)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 13).
(2) (وفي هذه الآية الكريمة، وجوب احترام الحرم، وشدة تعظيمه، والتحذير من
إرادة المعاصي فيه وفعلها) ((تيسير الكريم الرحمن)) لعبدالرحمن السعدي (ص:
536).
(3) رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350).
(4) رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349).
(5) قال القرطبي: (قال الفقهاء: الحج المبرور هو الذي لم يعص الله تعالى
فيه أثناء أدائه، وقال الفراء: هو الذي لم يعص الله سبحانه بعده، ذكر
القولين ابن العربي رحمه الله، قلت: الحج المبرور هو الذي لم يعص الله
سبحانه فيه لا بعده، قال الحسن: الحج المبرور هو أن يرجع صاحبه زاهدا في
الدنيا راغبا في الآخرة. وقيل غير هذا). وقال أيضاً: (الأقوال في تفسير
الحج المبرور متقاربة المعنى وحاصلها أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع
موافقًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل) ((تفسير القرطبي)) (2/ 408).
وقال النووي: (الأصح الأشهر أن المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من
البر وهو الطاعة وقيل هو المقبول ومن علامة القبول أن يرجع خيرا مما كان
ولا يعاود المعاصي وقيل هو الذي لا رياء فيه وقيل الذي لا يعقبه معصية وهما
داخلان فيما قبلهما ومعنى ليس له جزاء إلا الجنة أنه لا يقتصر لصاحبه من
الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة) ((شرح النووي على
مسلم)) (9/ 119). وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 104)، ((التمهيد))
لابن عبدالبر (22/ 39)، ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 6)، ((أحكام القرآن))
لابن حجر (1/ 87)، ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (5/ 1741)، ((مرعاة
المفاتيح)) لأبي الحسن المباركفوري (8/ 390)، ((مجلة البحوث الإسلامية))
(71/ 74، 75).
|