الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الفصل الأول:
النيابة عن الحي
المبحث الأول: النيابة في الفرض عن القادر.
القادر على الحج لا يجوز أن يستنيب من يحج عنه حجة الفريضة (1).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن المنذر (2)، وابن قدامة (3)، وابن حجر (4).
ثالثاً: أن على القادر الحج ببدنه، فلا ينتقل الفرض إلى غيره إلا فيما وردت
فيه الرخصة وهو إذا عجز عنه، أو كان ميتاً، وبقي فيما سواهما على الأصل،
فلا تجوز النيابة عنه فيه (5).
المبحث الثاني: النيابة في الفرض عن غير القادر:
_________
(1) قال سند: (اتفق أرباب المذاهب أن الصحيح لا تجوز استنابته في فرض الحج)
((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 2).
(2) قال ابن المنذر: (أجمعوا أن من عليه حجة الإسلام، وهو قادر لا يجزئ إلا
أن يحج بنفسه، ولا يجزئ أن يحج عنه غيره) ((الإجماع)) (ص: 59)، ((الشرح
الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 180).
(3) قال ابن قدامة: (لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج
الواجب إجماعاً) ((المغني)) (3/ 223).
(4) قال ابن حجر: (اتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزئ في الفرض
إلا عن موت أو عضب، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه
ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن
استغناؤه والله أعلم) ((فتح الباري)) (4/ 70).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 112).
يجب على من أعجزه كبر، أو مرض لا يرجى برؤه
(1) أن يقيم من يحج عنه إن كان له مال، وهذا مذهب الشافعية (2)، والحنابلة
(3)، وهو رواية عن أبي حنيفة (4)، وقول صاحبيه (5)، وذهب إليه طائفة من
السلف (6)، واختاره الكمال ابن الهمام (7)، وابن حزم (8)، وابن باز (9)،
وابن عثيمين (10).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
وجه الدلالة:
عموم الآية، فمن استطاع الحج ببدنه وماله فقد وجب الحج في حقه، فإن كان
عاجزاً عن الحج ببدنه، مستطيعاً بماله، فإنه يلزمه أن يقيم غيره مقامه.
ثانياً: من السنة:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه
جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده
في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج
عنه؟ قال: نعم)) (11) (12).
وجه الدلالة:
_________
(1) يشترط أن يكون العذر مستمرًّا، كالهرم، أو مرض مزمن، فلا يدخل المريض؛
لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى
خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه. ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 179). ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 70).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
31).
(4) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 275).
(5) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 85)، ((فتح القدير)) للكمال
ابن الهمام (2/ 416).
(6) منهم علي بن أبي طالب والحسن البصري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن
المبارك وأحمد وإسحاق. ((المجموع)) للنووي (7/ 100)، ((تفسير القرطبي)) 4/
151.
(7) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 416).
(8) قال ابن حزم: (من لا مال له، ولا قوة جسم إلا أنه يجد من يحج عنه بلا
أجرة أو بأجرة يقدر عليها; فوجدنا اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا
الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في أنه يقال:
الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا, ولنصب المنجنيق عليه وإن كان مريضاً مثبتاً؛
لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له, وكان ذلك داخلاً في نص الآية)
((المحلى)) (7/ 56).
(9) قال ابن باز: (العاجز لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، فإنه يلزمه أن ينيب
من يؤدي عنه الحج المفروض والعمرة والمفروضة، إذا كان يستطيع ذلك بماله؛
لعموم قول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا *آل عمران: 97*) ((مجموع فتاوى ابن باز))
(16/ 122).
(10) قال ابن عثيمين: (إن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من
يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده
في الحج، شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: (نعم)، وذلك
في حجة الوداع، ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه،
فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/
15).
(11) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334)
(12) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من
الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله ابن العباس بن
عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (7/ 57).
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ
المرأة على وصف الحج عن أبيها بأنه فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، ولو لم يجب
عليه لم يقرها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يقر على خطأ،
فدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله يجب عليه أن ينيب (1).
ثالثاً: أن هذه عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فجاز أن يقوم غيرُ فعله فيها
مقامَ فعله، كالصوم إذا عجز عنه افتدى (2).
المبحث الثالث: إذا استناب للفريضة ثم برئ:
من استناب للحج ثم برئ قبل الموت فهل يجب الحج عليه أو يسقط عنه؟ فيه قولان
لأهل العلم:
القول الأول: يجزئ عنه، ويسقط عنه الفرض، وهذا مذهب الحنابلة (3)،
والظاهرية (4)، وبه قال إسحاق ابن راهويه (5).وذلك للآتي:
1. أن المنيب أتى بما أُمِر به من إقامة غيره مقامه، ومن أتى بما أُمِر به
برئت ذمته، وخرج من العهدة كما لو لم يبرأ (6).
2. أنه فَعَلَ عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه فتجزئه، ولو تبين
بعد ذلك أن الواجب كان غيرها (7).
3. أن إيجاب الحج عليه يُفضي إلى إيجاب حجتين عليه، ولم يوجب الله عليه إلا
حجة واحدة (8).
4. القياس على المتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي فإنه يجزئ عنه
(9).
القول الثاني: لا يجزئه عن حج الفريضة، وعليه الحج بنفسه، وهذا مذهب
الحنفية (10)، والشافعية في الأصح (11)، واختاره ابن المنذر (12) (13).
وذلك للآتي:
1. أن هذا الحج بدل إياس، فإذا برأ تبين أنه لم يكن مأيوساً منه، فلزمه
الأصل (14).
2. قياساً على الآيسة من الحيض إذا اعتدت بالشهور، ثم حاضت لا يجزئها تلك
العدة (15).
3. أن جواز الحج عن الغير ثبت بخلاف القياس، لضرورة العجز الذي لا يرجى
زواله، فيتقيد الجواز به (16).
_________
(1) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 57)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 11).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 145)، ((المغني)) لابن قدامة (3/
222).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 287)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391).
(4) قال ابن حزم: قال أصحابنا: ليس عليه أن يحج بعد. وقال أيضاً: (إذا أمر
النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لا يستطيع الحج راكباً ولا ماشياً،
وأخبر أنه دين الله يقضى عنه؛ فقد تأدى الدين بلا شك وأجزأ عنه، سقط وتأدى،
فلا يجوز أن يعود فرضه بذلك؛ إلا بنص ولا نص هاهنا أصلاً بعودته - ولو كان
ذلك عائداً لبين عليه السلام ذلك؛ إذ قد يقوى الشيخ فيطيق الركوب؛ فإذ لم
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلا يجوز عودة الفرض عليه بعد صحة
تأديه عنه) ((المحلى)) (7/ 62 رقم 816).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 102)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391).
(7) ((قواعد ابن رجب)) (ص: 7).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 70).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391).
(10) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 146)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي
زاده (1/ 455).
(11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 13، 14)، ((المجموع)) للنووي (7/ 102).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(13) لم يُذكر قول المالكية في الخلاف في المسألة؛ لأن المسألة لا تتصور
عندهم بسبب أن العاجز عندهم لا فريضة عليه. ((مواهب الجليل)) (4/ 3)،
وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 69).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(16) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 335).
الفصل الثاني:
النيابة عن الميت
المبحث الأول: من مات وعليه حج واجب:
من مات وعليه حجٌّ واجبٌ، بقي الحج في ذمته، ووَجَبَ الإحجاج عنه من رأس
ماله (1)، سواء أوصى به أم لا، وهذا مذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3)،
والظاهرية (4)، وقال به طائفة من السلف (5) واختاره الشنقيطي (6)، وابن باز
(7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى في المواريث: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ
دَيْنٍ [النساء: 11].
وجه الدلالة:
أنه عمَّ في الآية الديون كلها، ومن مات وبقي حج في ذمته؛ فإنه دين عليه،
يجب قضاؤه عنه من ماله قبل قسمة التركة (8).
ثانياً: من السنة:
1. عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: ((بينا أنا جالس عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي
بجارية، وإنها ماتت قال: فقال: وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت: يا رسول
الله، إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم
تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها)) أخرجه مسلم (9).
2. عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى
الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟
قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله
فالله أحق بالوفاء)) (10) (11).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث وإن كان في نذر الحج، إلا أنه يدل على فريضة الحج من باب
أولى؛ لأن وجوب حج الفريضة أعظم من وجوب الحج بالنذر، كما أن النبي صلى
الله عليه وسلم شبهها بدين الآدمي، والدين لا يسقط بالموت، فوجب أن يتساويا
في الحكم (12).
ثالثاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
_________
(1) يجب من رأس المال؛ لأنه دين واجب، والدين الواجب يخرج من رأس المال،
فوجب مساواته له. ((المجموع)) للنووي (7/ 109)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن
مفلح (3/ 39).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 98) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 14).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 183)، ((شرح منتهى
الإرادات)) للبهوتي (1/ 519).
(4) قال ابن حزم: (من مات وهو مستطيع بأحد الوجوه التي قدمنا حج عنه من رأس
ماله واعتمر ولا بد مقدماً على ديون الناس إن لم يوجد من يحج عنه تطوعاً
سواء أوصى بذلك أو لم يوص بذلك). وقال أيضاً: (وهو قول من ذكرنا، وأحد قولي
الشافعي، وقول جميع أصحابنا) ((المحلى)) (7/ 62 - 65 رقم 818).
(5) وبه قال ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما والحسن وطاووس، والأوزاعي،
والثوري، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وأبو ثور، وإسحاق، وأضافه ابن حزم
إلى جمهور السلف. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 62، 64)، ((المجموع)) للنووي (7/
112، 116).
(6) قال الشنقيطي: (الأحاديث التي ذكرنا تدل قطعا على مشروعية الحج عن
المعضوب والميت، والأظهر عندنا وجوب الحج فوراً، وعليه فلو فرط، وهو قادر
على الحج حتى مات مفرطاً مع القدرة، أنه يحج عنه من رأس ماله، إن ترك
مالاً؛ لأن فريضة الحج ترتبت في ذمته، فكانت ديناً عليه، وقضاء دين الله
صرح النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المذكورة بأحقيته حيث قال: فدين
الله أحق أن يقضى). ((أضواء البيان)) (4/ 327).
(7) قال ابن باز: (من مات ولم يحج وهو يستطيع الحج وجب الحج عنه من التركة،
أوصى بذلك أو لم يوص) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 122).
(8) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 62).
(9) رواه مسلم (1149)
(10) رواه مسلم (1852)
(11) قال ابن حزم: (فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها)
((المحلى)) (7/ 63).
(12) ((الحاوي الكبير)) (4/ 17)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 324).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة
أتته فقالت: إن أمي ماتت وعليها حجة، أفأحج عنها؟ فقال ابن عباس: هل كان
على أمك دين؟ قالت: نعم؛ قال: فما صنعت؟ قالت قضيته عنها. قال ابن عباس:
فالله خير غرمائك، حجي عن أمك)) (1) (2).
رابعاً: أنه حقٌّ تدخله النيابة، لزمه في حال الحياة، فلم يسقط بالموت،
كدين الآدمي (3).
المبحث الثاني: التبرع بالحج عن الميت:
يجوز التبرع بالحج عن الميت، سواء من الوارث أو من الأجنبي، وسواء أذن له
الوارث أم لا (4)، وهو مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6). واختيار ابن باز
(7) وبه أفتت اللجنة الدائمة (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقض الله فهو أحق بالقضاء))
(9).
وجه الدلالة:
تشبيهه صلى الله عليه وسلم له بالدين، ثم إنه لم يستفصله أوارثه أو لا، فدل
على صحة الحج عن الميت، وقد تقرر في الأصول: أن عدم الاستفصال من النبي صلى
الله عليه وسلم؛ ينزل منزلة العموم القولي (10).
ثانياً: القياس على جواز أن يتبرع بقضاء دينه بغير إذن الوارث، ويبرأ الميت
به (11).
ثالثاً: القياس على صحة الصدقة عنه (12).
الفرع الأول:
من مات، ولم يكن له تركة لم يلزم أحدا أن يحج عنه، لكن يستحب لوارثه أن يحج
عنه (13).
الفرع الثاني:
العمرة كالحج في القضاء (14).
_________
(1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 843).
(2) انظر: ((المحلى)) لابن حزم (7/ 63).
(3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 17)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/
323).
(4) لأنه بموته خرج خرج عن أن يكون من أهل الاذن. ((المجموع)) للنووي (7/
110).
(5) ((المجموع)) للنووي (7/ 110)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469).
(6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 183)، ((شرح منتهى
الإرادات)) للبهوتي (1/ 519).
(7) قال ابن باز عندما سئل عن رجل مات ولم يوص أحدا بالحج عنه، فهل تسقط
عنه الفريضة إذا حج عنه ابنه؟ فأجاب: إذا حج عنه ابنه المسلم الذي قد حج عن
نفسه سقطت عنه الفريضة بذلك، وهكذا لو حج عنه غير ابنه من المسلمين الذين
قد حجوا عن أنفسهم ((مجموع فتاوى ابن باز)) - (16/ 404)
(8) ونص فتوى اللجنة الدائمة: (يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه
أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنه أو مرض لا
يرجى برؤه أو لكونه ميتا؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك) ((فتاوى اللجنة
الدائمة)) (11/ 51).
(9) رواه البخاري (6699)
(10) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 323).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 110).
(12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 397).
(13) ((المجموع)) للنووي (7/ 110)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 42).
(14) قال الشنقيطي: (قاس العلماء العمرة على الحج في ذلك، وهو قياس ظاهر،
والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 329)، وانظر: ((مجموع فتاوى
ابن باز)) (16/ 406).
الفصل الثالث:
النيابة في حج النفل
اختلف أهلُ العلم في مشروعية النيابة في حج النفل على أقوال، أرجحها:
القول الأول: لا تجوز الاستنابة في حج النفل إلا عن الميت والحي المعضوب
(1)، وهذا مذهب الشافعية على الأصح (2)، وهو رواية عن أحمد (3)، واختاره
الشنقيطي (4)، وابن باز (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه
جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده
في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج
عنه؟ قال: نعم)) (6) (7).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال:
نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله
أحق بالوفاء)) (8) (9).
وجه الدلالة من الحديثين:
أن النيابة في الحج إنما شرعت للميت أو العاجز عن الحج، فما ثبت في الفرض
ثبت في النفل (10).
ثانياً: أنه يتوسع في النفل ما لا يتوسع في الفرض، فإذا جازت النيابة في
الفرض فلأن تجوز في النفل أولى (11).
ثالثاً: أنها حجة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها (12).
رابعاً: أن حج النفل لم يجب عليه ببدنه ولا بماله، فإذا كان له تركهما كان
له أن يتحمل إحداهما تقرباً إلى ربه عز وجل (13).
خامساً: أن النفل كالفرض، فلم يجز أن يستنيب فيه القادر على الحج بنفسه
(14).
القول الثاني: عدم الجواز مطلقاً، وهذا قولٌ للمالكية (15)، وقول عند
الشافعية (16)، واختاره ابن عثيمين (17).
وذلك لأنه إنما جاز الاستنابة في الفرض للضرورة، ولا ضرورة في غيره، فلم
تجز الاستنابة فيه، كالصحيح (18).
_________
(1) المعضوب: وهو من كان عاجزا عجزا لا يرجى زواله، وأصله الزمن الذي لا
حراك به؛ كأنه قطع عن كمال الحركة والتصرف ويقال له أيضا: المعصوب؛ كأنه
قطع عصبه أو ضرب عصبه. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: عضب)،
((المجموع)) للنووي (7/ 93، 94).
(2) لكن قيدوا الحج عن الميت بأن يكون قد أوصى بذلك. ((المجموع)) للنووي
(7/ 114)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 254).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224)، ((الإنصاف)) (3/ 296). والمذهب عند
الحنابلة الجواز مطلقاً، ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 397)، وذهب إلى
ذلك الحنفية، ينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 146).
(4) قال الشنقيطي: ((الأحاديث التي ذكرنا تدل قطعا على مشروعية الحج عن
المعضوب والميت)) ((أضواء البيان)) (4/ 327).
(5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 405).
(6) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334)
(7) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من
الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله بن العباس بن
عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (7/ 57).
(8) رواه مسلم (1852)
(9) قال ابن حزم: (فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها)
((المحلى)) (7/ 63).
(10) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/ 275).
(11) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 77).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224).
(13) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 146).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224).
(15) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 3)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و
((حاشية الدسوقي)) (2/ 18). ومذهب المالكية الكراهة، ينظر: ((مواهب
الجليل)) لحطاب (4/ 3)
(16) ((المجموع)) للنووي (7/ 114).
(17) قال ابن عثيمين: (الأقرب للصواب بلا شك عندي أن الاستنابة في النفل لا
تصح لا للعاجز ولا للقادر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 141).
وقال أيضاً: (أما الاستنابة في النفل ففي ذلك روايتان عن الإمام أحمد رحمه
الله إحداهما: أن ذلك جائز، والثانية: أن ذلك ليس بجائز، وفرق بينها وبين
الفريضة، بأن الفريضة لابد من فعلها: إما بنفس الإنسان أو بنائبه، وأما
النافلة فلا، فتهاون الناس الآن في النيابة في الحج أمر ليس من عادة السلف)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 142).
(18) ((المجموع)) للنووي (7/ 114).
الفصل الرابع:
الاستئجار على الحج
يجوز الاستئجار على الحج، وهو مذهب المالكية (1)، والشافعية (2)، ورواية عن
أحمد (3)، واختاره ابن باز (4) وابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحق
ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» رواه البخاري (6).
1. عن أبي سعيد رضي الله عنه: ((أن رهطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم
فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال
بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم
شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا
ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولكن
والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً،
فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: الحمد لله رب
العالمين حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال: فأوفوهم
جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا
حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما
يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما
يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم)) (7).
وجه الدلالة:
أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا الجُعْل على الرقية بكتاب الله،
وأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فصوبهم فيه، فدل على جوزا مثل ذلك،
وأولى منه القرب التي تدخلها النيابة كالحج والعمرة (8).
ثانياً: أنه يجوز أخذ النفقة على النيابة في الحج، فجاز الاستئجار عليه،
كبناء المساجد والقناطر (9).
ثالثاً: أن عليه عمل الناس، ولا يسعهم إلا القول به؛ لأن القول بمنعه يفضي
إلى سد باب النيابة نهائيا؛ لندور النيابة على سبيل التبرع (10).
_________
(1) يجوز عند المالكية مع الكراهة، ولهذا فالمنصوص عن مالك كراهة إجارة
الإنسان نفسه في عمل لله تعالى، حجًّا أو غيره؛ لأنه من باب أكل الدنيا
بعمل الآخرة، ويقول في ذلك: (لأن يؤاجر الرجل نفسه في عمل اللبن وقطع الحطب
وسوق الإبل أحب إلي من أن يعمل عملاً لله بأجرة). ((مواهب الجليل)) (4/ 4)،
((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 18).
(2) يصح عند الشافعية: الاستئجار على ما لا تجب له نية كالأذان، ولا يصح
الاستئجار لعبادة يجب لها نية، كإجارة مسلم لجهاد أو لإمامة ولو لنفل؛ لأنه
حصل لنفسه، واستثنوا من ذلك الاستئجار للحج والعمرة، فيجوز الاستئجار لهما
أو لأحدهما عن عاجز أو ميت. ((الحاوي الكبير)) (4/ 257)، ((المجموع))
للنووي (7/ 120، 139).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/
18).
(4) قال ابن باز لما سئل: هل يجوز أن أستأجر من يقوم بأداء الحج لوالدي،
علماً بأنني لم أقض فريضة الحج بعد؛ لعدم وجود محرم لدي، أو إذا لم يكن ذلك
جائزاً، فهل يجوز أن أقوم بذلك العمل في نفس العام الذي سوف أحج فيه إن شاء
الله؟ فقال: (لا حرج عليك أن تستأجري من يحج عن أبيك، وإن كنت لم تحجي عن
نفسك، أما أنت فليس لك الحج عن أبيك إلا بعد أن تحجي عن نفسك، ولا مانع أن
يحج عن أبيك من قد حج عن نفسه في السنة التي تحجين فيها عن نفسك. والله
الموفق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 412) وقال أيضا لما سئل: هل يجوز أن
أؤجر على حجة والدتي أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي. فقال: (إن حججت
عنهما بنفسك، واجتهدت في إكمال حجك على الوجه الشرعي فهو الأفضل، وإن
استأجرت من يحج عنهما من أهل الدين والأمانة فلا بأس) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (16/ 407).
(5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/ 57، 58).
(6) رواه البخاري (5737)
(7) رواه البخاري (5749)، ومسلم (2201)
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224).
(10) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 14)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين
(10/ 57، 58).
الفصل الخامس: ما
يشترط في النائب
مبحث: أن يكون النائب قد حج عن نفسه حج الفريضة
يشترط في النائب أن يكون قد حج حجة الإسلام عن نفسه أولا، وإلا كانت الحجة
عن نفسه، ولم تجزئ عن الأصيل، وهذا مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، وهو
قول طائفة من السلف (3)، واختاره الشنقيطي (4)، وبه صدرت فتوى اللجنة
الدائمة (5)
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا
يقول: لبيك عن شُبْرُمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي، أو قريب لي. قال: حججت
عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة))، وفي بعض ألفاظ
الحديث: ((هذه عنك وحج عن شبرمة)) (6).
ثانياً: أن النظر يقتضي أن يقدم الإنسان نفسه على غيره؛ لعموم قوله صلى
الله عليه وسلم: ((ابدأ بنفسك)) (7)، ونفسك أحق من غيرك (8).
مسألة: نيابة المرأة في الحج:
تجوز النيابة في الحج سواء كان النائب رجلاً أو امرأة عند عامة أهل العلم
(9).
الدليل
_________
(1) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 20، 21)، ((المجموع)) للنووي (7/ 117).
(2) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 43)، ((شرح منتهى الإرادات))
للبهوتي (1/ 520).
(3) منهم ابن عباس والأوزاعي وإسحاق بن راهويه. ((الحاوي الكبير)) للماوردي
(4/ 21)، ((المجموع)) للنووي (7/ 118).
(4) قال الشنقيطي: (فتحصل من هذا كله: أن الحديث صالح للاحتجاج، وفيه دليل
على أن النائب في الحج لا بد أن يكون قد حج عن نفسه). وقال أيضاً: (الأظهر
تقديم الحديث الخاص الذي فيه قصة شبرمة ; لأنه لا يتعارض عام وخاص، فلا يحج
أحد عن أحد حتى يحج عن نفسه حجة الإسلام، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء
البيان)) (4/ 329).
(5) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 50).
(6) رواه أبو داود (1811)، وابن ماجه 2364)، وابن خزيمة (4/ 345) (3039)،
وابن حبان (9/ 299) (3988)، والطبراني (12/ 42) (12419)، والبيهقي (4/ 336)
(8936). صححه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 517)، وقال البيهقي: (إسناده
صحيح)، ليس في هذا الباب أصح منه، وقال النووي في ((المجموع)) (7/ 117):
(إسناده على شرط مسلم)، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 45):
(إسناده صحيح على شرط مسلم)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 307):
(الصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما رواه الحفاظ)، وصححه ابن حجر في
((الفتوحات الربانية)) (4/ 356)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(7) رواه مسلم (997). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 32).
(9) قال ابن قدامة: (يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن
الرجل والمرأة، في الحج، في قول عامة أهل العلم. لا نعلم فيه مخالفا، إلا
الحسن بن صالح، فإنه كره حج المرأة عن الرجل. قال ابن المنذر: هذه غفلة عن
ظاهر السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تحج عن أبيها،
وعليه؛ يعتمد من أجاز حج المرء عن غيره وفي الباب حديث أبي رزين، وأحاديث
سواه) ((المغني)) (3/ 226). وقال ابن تيمية: (يجوز للمرأة أن تحج عن امرأة
أخرى باتفاق العلماء، سواء كانت بنتها أو غير بنتها، وكذلك يجوز أن تحج
المرأة عن الرجل عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء) ((مجموع الفتاوى))
(26/ 13). وقال الشنقيطي: (دلت الأحاديث المذكورة على جواز حج الرجل عن
المرأة وعكسه، وعليه عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلا الحسن بن صالح ابن
حي، والأحاديث المذكورة حجة عليه) ((أضواء البيان)) (4/ 327).
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن
النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا
رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا
يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (1) (2).
وجه الدلالة:
أنه أذن للمرأة أن تحج عن أبيها مع أن إحرام الرجل أكمل من إحرام المرأة
(3).
فائدة: ينبغي لمن أراد أن ينيب في الحج أن يتحرى في من يستنيبه أن يكون من
أهل الدين والأمانة؛ حتى يطمئن إلى قيامه بالواجب (4).
فائدة: الأفضل أن يحج عن نفسه؛ لأنه الأصل، ويدعو لنفسه ولغيره من الأقارب
وسائر المسلمين، إلا إذا كان أحد والديه أو كلاهما لم يحج الفريضة فله أن
يحج عنهما بعد حجه عن نفسه، برًّا بهما وإحسانًا إليهما عند العجز أو
الموت، على أن يحج أو يعتمر عن كل واحد على حدة، وليس له جمعهما بعمرة ولا
حج (5).
فائدة: إذا كان مستحسناً أن يحج الإنسان عن أقاربه الأموات، فإنه يبدأ بأمه
ثم أبيه، وإن كان أحدهما حج الفريضة فليبدأ بمن لم يحج منهما، ثم الأقرب
فالأقرب؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟
قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك) (6) (7).
_________
(1) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334)
(2) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من
الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله ابن العباس بن
عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (7/ 57).
(3) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 13).
(4) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 53).
(5) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 66).
(6) رواه البخاري (5971)، ومسلم (2548)
(7) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 66).
|