الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الفصل الأول: الفوات
تمهيد
معنى الفوات لغة واصطلاحاً
الفوات لغة: مصدر فاته يفوته فواتا وفوتا، أي ذهب عنه، وخرج وقت فعله (1)
الفوات اصطلاحاً: خروج العمل المطلوب شرعاً عن وقته المحدد له شرعاً (2)
المبحث الأول: فوات الحج
من فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي: ((أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه فأمر منادياً فنادى: الحج عرفة، من جاء
ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج)). (3).
ثانيا: الإجماع:
حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (4)، وابن عبدالبر (5)، وابن قدامة (6)،
والنووي (7).
المبحث الثاني: فوات العمرة
العمرة لا يتصور فواتها باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (8)،
والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11) وذلك لأن جميع الزمان وقت
لها (12).
المبحث الثالث: كيفية تحلل من فاته الحج.
من فاته الحج لزمه الطواف والسعي وحلق الرأس أو تقصيره، وبذلك يتحلل من
الحج، وهو مذهب الحنفية (13)، والمالكية (14)، والشافعية (15)، والحنابلة
(16) وقول طائفة من السلف (17)، وحكى ابن قدامة الإجماع في ذلك (18).
الدليل:
_________
(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (فوت)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي
(فوت)، ((المصباح المنير)) للفيومي (فوت).
(2) ((موسوعة الفقه الكويتية)) (32/ 211).
(3) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305).
قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن
عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه
النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))
(4) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته
الوقوف بها) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 57).
(5) قال ابن عبدالبر: (وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصة
أبي أيوب إذ فاته الحج وذكر عن نافع عن سليمان بن يسار قصة هبار بن الأسود
إذ فاته الحج أيضاً، فأمرهما عمر بن الخطاب كل واحد منهما أن يحل بعمل
عمرة، ثم يحج من قابل ويهدي، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجع، وهذا أمر مجتمع عليه فيمن فاته الحج بعد أن أحرم به ولم يدرك عرفة إلا
يوم النحر) ((التمهيد)) (15/ 201).
(6) قال ابن قدامة: (أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف
حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج. لا نعلم فيه خلافاً) ((المغني)) (3/ 454).
(7) قال النووي: (فإذا أحرم بالحج فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم
النحر فقد فاته الحج بالإجماع) ((المجموع)) (8/ 285).
(8) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 62).
(9) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 294).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 288).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455).
(12) ((المجموع)) للنووي (8/ 288).
(13) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/
220).
(14) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 96).
(15) ((المجموع)) للنووي (8/ 287).
(16) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 523)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 507).
(17) قال النووي: (وهو مذهب عمر وابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس)
((المجموع)) (8/ 287). وقال ابن قدامة: (روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه،
وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن الزبير، ومروان بن الحكم) ((المغني)) (3/
454).
(18) قال ابن قدامة: (ولنا قول من سمينا من الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفاً؛
فكان إجماعاً) ((المغني)) (3/ 454).
عن ابن عمر أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى
طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا
والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن
يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن
أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هدياً فليصم
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (1).
المبحث الرابع: حكم التحلل
من فاته الحج فله الخيار إن شاء بقي على إحرامه للعام القابل، وإن شاء
تحلل، والتحلل أفضل، وهو قول المالكية (2)، والحنابلة (3)، واختاره ابن
عثيمين (4).
لأن تطاول المدة بين الإحرام وفعل النسك لا يمنع إتمامه، كالعمرة، والمحرم
بالحج في غير أشهره (5).
المبحث الخامس: ما يلزم من فاته الحج
المطلب الأول: القضاء
الفرع الأول: حكم قضاء الحج الواجب
من فاته الحج الواجب لزمه القضاء.
الأدلة:
أولاً: الإجماع:
نقله الجصاص (6)، وابن رشد (7)، وبرهان الدين ابن مفلح (8)، وابن نجيم (9).
ثانياً: أنه فرض ولم يأت به على وجهه، فلم يكن بد من الإتيان به ليخرج عن
عهدته، وتسميته قضاء باعتبار الظاهر (10).
مسألة:
إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة بالإجماع (11).
الفرع الثاني: حكم قضاء الحج النفل:
_________
(1) رواه البيهقي (5/ 174) (10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/
290)
(2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 401)، ((حاشية
الدسوقي)) (2/ 95). ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 295)
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456).
(4) قال ابن عثيمين: (إذا فاته الوقوف وطلع الفجر قبل أن يصل إلى عرفة تحلل
بعمرة، أي: بقلب نية الحج إلى العمرة. فطاف وسعى وحلق أو قصر، وإن شاء أن
يبقى على إحرامه إلى الحج القادم فله ذلك، ولكن سيختار الأول بلا شك، ...
ولكن يقال: الأولى أن يتحلل؛ لأن ذلك أيسر وأسهل) ((الشرح الممتع)) (7/
412).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456).
(6) قال الجصاص: (اتفاق الجميع أن على المريض القضاء إذا فاته الحج وإن كان
معذورا في الفوات، كما يلزمه لو قصد إلى الفوات من غير عذر) ((أحكام
القرآن)) (1/ 348).
(7) قال ابن رشد: (لا خلاف أن من فاته الحج بعد أن شرع فيه إما بفوت ركن من
أركانه وإما من قبل غلطه في الزمان أو من قبل جهله أو نسيانه أو إتيانه في
الحج فعلاً مفسداً له، فإن عليه القضاء إذا كان حجا واجبا) ((بداية
المجتهد)) (1/ 370).
(8) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 191).
(9) قال ابن نجيم: (لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذرا
أو تطوعا، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة فدليلها الإجماع) ((البحر
الرائق)) (3/ 61).
(10) (المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 191).
(11) قال ابن قدامة: (إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة، لا نعلم في
هذا خلافا؛ لأن الحجة المقضية لو تمت لأجزأت عن الواجبة عليه، فكذلك
قضاؤها؛ لأن القضاء يقوم مقام الأداء) ((المغني)) (3/ 455).
من فاته الحج النفل لزمه القضاء، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)،
والحنابلة (4)، وحُكيَ فيه الإجماع (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:
196].
وجه الدلالة:
أن الآية تقتضي إيجاب النسك بالدخول فيه، فيلزمه القضاء بالخروج منه قبل
إتمامه (6).
2 - قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أنه لما شرع وأحرم بالنسك صار ذلك واجباً، كأنما نذره نذرا، وهذا هو معنى
قوله: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج: 29] (7).
ثانياً: إجماع الصحابة (8)، نقله الماوردي (9)، وابن قدامة (10).
ومما ورد في الباب من الآثار:
1 - عن الأسود بن يزيد: ((أن رجلاً فاته الحج , فأمره عمر بن الخطاب أن يحل
بعمرة , وعليه الحج من قابل)) (11)، وفي رواية: ((قال الأسود: مكثت عشرين
سنة ثم سألت زيد بن ثابت عن ذلك؟ فقال: مثل قول عمر)).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر
فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة
سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق،
فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه
الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة
أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (12).
وجه الدلالة من هذه الآثار:
أن عمومها يشمل الفرض والنفل (13).
ثالثاً: أن الحج يلزم بالشروع فيه، فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات
(14).
_________
(1) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 82)، ((البحر الرائق)) لابن
نجيم (3/ 61).
(2) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 301)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و
((حاشية الدسوقي)) (2/ 96).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 285).
(4) هذا المذهب، وعن أحمد رواية: (أنه لا قضاء عليه، بل إن كانت فرضاً
فعلها بالوجوب السابق، وإن كانت نفلاً سقطت. وروي هذا عن عطاء، وهو إحدى
الروايتين عن مالك؛ لأنه لو وجب القضاء لكان الحج واجباً أكثر من مرة،
ولأنه معذور في ترك إتمام حجه، فلم يلزمه القضاء كالمحصر، ولأنها عبادة
تطوع، فلم يجب قضاؤها، كسائر التطوعات) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)،
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 47)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
(5) قال ابن نجيم: (لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذراً
أو تطوعاً، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة، فدليلها الإجماع) ((البحر
الرائق)) (3/ 61). ووصفه ابن رشد القول بعدم الوجوب بالشذوذ فقال: (شذ قوم
فقالوا: لا هدي أصلاً ولا قضاء إلا أن يكون في حج واجب) ((بداية المجتهد))
(1/ 370).
(6) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 348).
(7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 413).
(8) روي ذلك عن عمر، وابنه، وزيد، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم.
((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 510).
(9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 239).
(10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455).
(11) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 633)، والبيهقي (5/ 175)
(10107). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 291)، والألباني في
((إرواء الغليل)) (4/ 346)
(12) رواه البيهقي (5/ 174) (10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/
290)
(13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
رابعاً: أن المانع من إجزاء الحج شيئان:
فوات وفساد، فلما كان الفساد موجباً للقضاء وجب أن يكون الفوات موجباً
للقضاء (1).
خامساً: أن الوقوف له وقت محدود يمكن في العادة أن لا يتأخر عنه، فتأخره
يكون لجهله بالطريق أو بما بقي من الوقت أو لترك السير المعتاد، وكل ذلك
تفريط منه، فيجب عليه القضاء لتفريطه (2).
المطلب الثاني: الهدي
من فاته الحج يلزمه هدي، وهو مذهب جمهور الفقهاء من: المالكية (3)،
والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الدليل:
عن ابن عمر أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت
البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر
إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه
فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحجج إن
استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجع إلى أهله)) (6).
3 - قول عمر لأبي أيوب لما فاته الحج: ((اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت،
فإن أدركت الحج قابلاً فحج، وأهد ما تيسر من الهدي)) (7)
_________
(1) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 239).
(2) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 229).
(3) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 301).
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 285).
(5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
(6) رواه البيهقي (5/ 174) (10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/
290)
(7) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 562)، والبيهقي (5/ 174) (10105). وصحح
إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 291) وابن حجر في ((الدراية)) (2/ 46)
وقال: إلا أنه اختلف فيه على سليمان بن يسار، وصححه ابن الملقن في ((البدر
المنير)) (6/ 428).
الفصل الثاني:
الإحصار
تمهيد
معنى الإحصار لغة واصطلاحاً:
الإحصار في اللغة: المنع والحبس (1).
وفي الاصطلاح: هو منع المحرم من إتمام أركان الحج أو العمرة (2)
المبحث الأول: ما يكون به الإحصار
المطلب الأول: الإحصار بالعدو
الإحصار يحصل بالعدو:
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
[البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن سبب نزول الآية هو صد المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
عن البيت، وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن
إخراجها بمخصص.
كذلك فإن قوله تعالى بعد هذا: (فإذا أمنتم) يشير إلى أن المراد بالإحصار
هنا صد العدو المحرم (3).
ثانياً: من السنة:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أحصروا في الحديبية أن ينحروا
ويحلوا (4)
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (5)، وابن تيمية (6).
المطلب الثاني: الإحصار بالمرض وغيره
الإحصار يكون بالمرض وذهاب النفقة وغير ذلك، وهو مذهب الحنفية (7) ورواية
عن أحمد (8)، وقول طائفة من السلف (9)، وهو قول ابن حزم (10) واختيار ابن
تيمية (11) وابن القيم (12)، وابن باز (13) , وابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
[البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أنَّ لفظ الإحصار عام يدخل فيه العدو والمرض ونحوه.
ثانياً: من السنة:
_________
(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: حصر)
(2) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 362).
(3) انظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 75)
(4) رواه البخاري (2731) بلفظ: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا +%
D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A9+-+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%A9+-+%D9%85%D9%86+%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%88%D8%B1+%D8%A8%D9%86+%D9%85%D8%AE%D8%B1%D9%85%D8%A9+%D9%88+%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85))
(5) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم إذا حصره عدو من
المشركين، أو غيرهم، فمنعوه الوصول إلى البيت، ولم يجد طريقا آمنا، فله
التحلل) ((المغني)) (3/ 326).
(6) قال ابن تيمية: (فالمحصر بعدو له أن يتحلل باتفاق العلماء) ((مجموع
الفتاوى)) (26/ 227).
(7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 175)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/
58).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 331)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52).
(9) قال ابن قدامة: (روي عن ابن مسعود، وهو قول عطاء، والنخعي، والثوري،
وأبي ثور) ((المغني)) (3/ 331)
(10) قال ابن حزم: (وأما الإحصار فإن كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه
أو عمرته, قارناً كان, أو متمتعاً, من عدو, أو مرض, أو كسر, أو خطأ طريق,
أو خطأ في رؤية الهلال, أو سجن, أو أي شيء كان: فهو مُحصَر) ((المحلى)) (7/
203).
(11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52).
(12) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (5/ 317).
(13) قال ابن باز: (أن الإحصار يكون بالعدو، ويكون بغير العدو كالمرض)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 7).
(14) قال ابن عثيمين: (والصحيح في هذه المسألة أنه إذا حصر بغير عدو فكما
لو حصر بعدو؛ لعموم قول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ
لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ *البقرة: 196* أي عن إتمامهما، ولم يقيد الله
تعالى الحصر بعدو) ((الشرح الممتع)) (7/ 418).
عن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو
الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كسر أو عرج فقد حل،
وعليه الحج من قابل)). قال عكرمة: سألت بن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا:
صدق (1)
ثالثا: أن المعنى الذي لأجله ثبت حق التحلل للمحصر بالعدو موجود كذلك في
المرض (2).
المبحث الثاني: أنواع الإحصار
المطلب الأول: الإحصار عن الوقوف بعرفة
اختلف الفقهاء فيمن أحصر عن الوقوف بعرفة دون البيت إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه ليس بمحصر، وهو مذهب الحنفية (3). ورواية عن أحمد (4)؛
لأنه إن قدر على الطواف له أن يتحلل به، فلا حاجة إلى التحلل بالهدي كفائت
الحج (5).
القول الثاني: يعتبر محصراً، ويتحلل بأعمال العمرة، وهو مذهب المالكية (6)،
والشافعية (7). لأنه لما جاز أن يتحلل عن جميع الأركان كان إحلاله من بعضها
أولى (8).
القول الثالث: يتحلل بعمرة، ولا شيء عليه إن كان قبل فوات وقت الوقوف، وهو
مذهب الحنابلة (9)، واختاره ابن عثيمين (10). لأنه يجوز لمن أحرم بالحج أن
يجعله عمرة ولو بلا حصر، ما لم يقف بعرفة (11).
المطلب الثاني: الإحصار عن طواف الإفاضة
اختلف الفقهاء فيمن وقف بعرفة ثم أحصر عن البيت على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يكون محصرًا، وعليه القيام بأعمال الحج، ويظل محرماً في حق
النساء حتى يطوف طواف الإفاضة، وهذا مذهب الحنفية (12)، والمالكية (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عبدالرحمن بن يعمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((الحج عرفة)) (14).
وجه الدلالة:
_________
(1) رواه أبو داود (1862)، والترمذي (940)، والنسائي (5/ 198)، وابن ماجه
(2515)، وأحمد (3/ 450) (15769)، والدارمي (2/ 85) (1894)، والحاكم (1/
657)، والبيهقى (5/ 220) (10391). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال ابن
العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 347): (صحيح ثابت)، وصحح إسناده النووي في
((المجموع)) (8/ 309)، وصححه ابن دقيق في ((الاقتراح)) (102)، والألباني في
((صحيح سنن ابن ماجه)) (2515)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (301)
(2) ((المبسوط)) للسرخسي 4/ 193.
(3) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61)، ((الهداية شرح البداية))
للميرغناني (1/ 182)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 454).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329) ..
(5) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 454).
(6) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 95)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95).
(7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(8) والفرق بين هذا القول والذي قبله- وإن تشابهت الصورة بينهما- أن
النتيجة تختلف، فالحنفية يعتبرونه تحلل فائت حج، فلا يوجبون عليه دمًا،
بينما يعتبره المالكية والشافعية تحلل إحصار، فعليه دم. ((الموسوعة الفقهية
الكويتية)) (2/ 200).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52)،
((الإقناع)) للحجاوي (1/ 400).
(10) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 417).
(11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 417).
(12) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/
134).
(13) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 199)، ((حاشية الدسوقي على الشرح
الكبير)) للدردير (2/ 95).
(14) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305).
قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، وقال ابن عبدالبر
في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه النووي في
((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))
أن المراد بكون الحج عرفة أنه الركن الذي
إذا أدركه فقد أدرك الركن الذي يفوت الحج بفواته، ويسقط به الفرض (1).
ثانياً: أنه لما وقف بعرفة فقد فعل ما له حكم الكل، وأمكنه التحلل بالحلق
يوم النحر عن كل محظور سوى النساء، فلم يلزم امتداد الإحرام الموجب للحرج،
ولم يبق عليه إلا الإفاضة التي يصح الإتيان بها في أي وقت من الزمان، ولا
يعجز المحصر عن ساعة من ليل أو نهار يجد بها فرصة قدر الطواف مختفياً في
زمان قدر شهر، والمنع من النساء في هذا المقدار لا يستلزم حرجاً يبيح
الإحلال مطلقاً بغير الطريق الأصلي (2).
القول الثاني: أنه يكون محصراً، ويتحلل، وهذا مذهب الشافعية في الأظهر (3).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:
196.]
وجه الدلالة:
أن عموم الآية يشمل من أحصر عن عرفة أو أحصر عن البيت (4).
ثانياً: أنه إحرام تام، فجاز له التحلل منه قياساً على ما قبل الوقوف بعرفة
(5).
ثالثا: أنه لما جاز أن يتحلل بالإحصار من جميع الأركان، كان تحلله من بعضها
أولى (6).
القول الثالث: أنه إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قبل رمي الجمرة فله
التحلل، وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل، وهذا
مذهب الحنابلة (7).
ودليلهم في التفريق:
أن الإحصار كما يفيد عن جميع أعمال الحج فإنه يفيد عن بعض أركانه، لكن لم
يحصل الإحصار بعد رمي جمرة؛ لأن إحرامه بعد الرمي إنما هو عن النساء،
والشرع إنما ورد بالتحلل من الإحرام التام، الذي يحرم جميع محظوراته، فلا
يثبت بما ليس مثله، فمتى ما زال الحصر أتى بالطواف، وقد تم حجه (8).
المطلب الثالث: الإحصار عن واجب من واجبات الحج
إذا أحصر عن واجب فلا يتحلل، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (9)،
والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12)؛ لأنه يمكن جبره بالدم.
المطلب الرابع: الإحصار عن العمرة
يجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الإحصار، وهو مذهب الحنفية (13)، والشافعية
(14)، والحنابلة (15)، وبعض المالكية (16). وحكى النووي الإجماع على ذلك
(17).
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
- قال تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
[البقرة: 196] عقيب قوله عز وجل وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
لِلّهِ [البقرة: 196] فكان المراد منه فإن أحصرتم عن إتمامهما فما استيسر
من الهدي (18).
ثانياً: من السنة:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم حصروا بالحديبية،
فحال كفار قريش بينهم وبين البيت، وكانوا معتمرين فنحروا هديهم وحلقوا
رؤوسهم (19)
ثالثاً: أن التحلل بالهدي في الحج لمعنى هو موجود في العمرة، وهو التضرر
بامتداد الإحرام (20).
_________
(1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 134)، ((الشرح الكبير)) للشيخ
الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 134)، ((البحر الرائق)) لابن
نجيم (3/ 60).
(3) يعتبر محصراً، فيجب عليه أن يقف بعرفة ثم يتحلل، ويحصل تحلله بما يتحلل
به المحصر، وهو الذبح والحلق بنية التحلل فيهما ولا قضاء عليه. ((الحاوي
الكبير)) للماوردي (4/ 349)، ((مغني المحتاج)) للرملي (1/ 533).
(4) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(6) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329)، (الإنصاف) للمرداوي (4/ 50).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329).
(9) ((حاشية بن عابدين)) (2/ 593)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60).
(10) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 297).
(11) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 533).
(12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 528).
(13) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177).
(14) ((المجموع)) للنووي (8/ 294)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 344).
(15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 327).
(16) كابن القاسم وابن الماجشون. ينظر ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 294).
(17) قال النووي: (ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الاحصار بلا خلاف ودليل
التحلل واحصار العدو نص القرآن والاحاديث الصحيحة المشهورة في تحلل النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية وكانوا محرمين بعمرة وإجماع
المسلمين على ذلك) ((المجموع)) للنووي (8/ 294).
(18) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177).
(19) رواه البخاري (2731)
(20) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177).
الفصل الثالث:
التحلل من الإحصار
تمهيد: حكمة مشروعية التحلل
شرع الله التحلل لحاجة المحصر إليه، ورفعاً للحرج والضرر عنه، حتى لا يظل
محرما إلى أن يندفع عنه المانع من إتمام الحج أو العمرة (1).
المبحث الأول: كيفية تحلل المحصر
المطلب الأول: نية التحلل
اختلف الفقهاء في نية التحلل للمحصر إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: تشترط نية التحلل عند ذبح الهدي وهو مذهب الشافعية (2)،
والحنابلة (3).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))
(4).
ثانياً: لأنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها، فافتقر إلى قصده، ولأن
الذبح قد يكون لغير الحل، فلم يتخصص إلا بقصده (5).
القول الثاني: نية التحلل وحدها هي ركن التحلل، وهو مذهب المالكية (6).
القول الثالث: التحلل معلق ببعث الهدي إلى الحرم وذبحه على إرادة التحلل،
وهو مذهب الحنفية (7).
الدليل:
قوله تعالى وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
منعه الإحلال مع وجود الإحصار إلى وقت بلوغ الهدى محله، وهو ذبحه في الحرم
(8).
المطلب الثاني: ذبح هدي الإحصار
الفرع الأول: مكان ذبح هدي الإحصار
المحصر يذبح الهدي في المكان الذي أحصر فيه، سواء كان في الحل أو في الحرم،
وهو مذهب المالكية (9)، والشافعية (10)، ورواية عند الحنابلة (11)، وهو قول
أكثر أهل العلم (12)، واختيار ابن باز (13)، وابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية حيث أحصر، وهي خارج الحرم.
ثانياً: لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل، لتعذر وصول الهدي إلى محله (15).
الفرع الثاني: زمان ذبح هدي الإحصار
_________
(1) قال الشافعي في حكمة مشروعية التحلل: (جعل الله على الناس إتمام الحج
والعمرة وجعل التحلل للمحصر رخصة) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 3). وقال
الكاساني: (المحصر محتاج إلى التحلل لأنه منع عن المضي في موجب لإحرام على
وجه لا يمكنه الدفع، فلو لم يجز له التحلل لبقي محرماً لا يحل له ما حظره
الإحرام إلى أن يزول المانع، فيمضي في موجب الإحرام، وفيه من الضرر والحرج
ما لا يخفى، فمست الحاجة إلى التحلل والخروج من الإحرام دفعاً للضرر
والحرج، وسواء كان الإحصار عن الحج أو عن العمرة أو عنهما عند عامة
العلماء) ((بدائع الصنائع)) (2/ 177).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 304)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534).
(3) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 307)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 455)،
((المغني)) لابن قدامة (3/ 330).
(4) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330).
(6) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 294)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 94).
(7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 178).
(8) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 336).
(9) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 294)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 195).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 298 - 299).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 327).
(12) قال البغوي: (والهدايا كلها يختص ذبحها بالحرم، إلا هدي المحصر، فإن
محل ذبحه حيث يحصر عند اكثر أهل العلم) ((شرح السنة)) (7/ 285).
(13) قال ابن باز: (يذبح ذبيحة في محله الذي أحصر فيه، سواء كان في الحرم
أو في الحل، ويعطيها للفقراء في محله ولو كان خارج الحرم) ((مجموع فتاوى
ابن باز)) (18/ 7).
(14) قال ابن عثيمين: (يذبحه عند الإحصار، وفي مكان الإحصار، ودليل ذلك
قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
*البقرة: 196*) ((الشرح الممتع)) (7/ 182).
(15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 328).
زمان ذبح الهدي هو مطلق الوقت، ولا يتوقت
بيوم النحر، بل أي وقت شاء المحصر ذبح هديه، وهو مذهب جمهور الفقهاء من:
الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
الدليل:
قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
[البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أنه أطلق عندما ذكر الهدي ولم يوقته بزمان، والتقييد بالزمان نسخ أو تخصيص
لنص الكتاب القطعي، وهذا لا يجوز إلا بدليل، وأيضا قوله تعالى: حَتَّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196] والمراد بمحله للعمرة هو الحرم
دون الوقت، فصار كالمنطوق به فيه، فاقتضى ذلك جواز ذبحه في الحرم أي وقت
شاء في العمرة، فكذلك هو للحج. (4)
الفرع الثالث: العجز عن الهدي
اختلف الفقهاء فيما إذا عجز المحصر عن الهدي هل عليه بدل، إلى أقوال، منها:
القول الأول: أن من لم يجد الهدي ليس عليه بدل، وله أن يتحلل، وهو قول عند
الشافعية (5)، واختاره ابن عثيمين (6). وذلك للآتي:
أولا: لما سكت الله عزّ وجل عن الصيام في الإحصار، وأوجبه في التمتع لمن
عدم الهدي، دل على أن من لم يجد الهدي من المحصرين ليس عليه شيء، فيحل بدون
شيء.
ثانيا: أن الظاهر من حال كثير من الصحابة رضي الله عنهم أنهم فقراء، ولم
ينقل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالصيام، والأصل براءة الذمة
(7).
القول الثاني: من لم يجد الهدي يلزمه أن يصوم عشرة أيام ثم يحل، وهو مذهب
الحنابلة (8)، وأشهب من المالكية (9)، وقول عند الشافعية (10)، واختاره ابن
باز (11).
الدليل:
أولاً: القياس:
لأنه دم واجب للإحرام، فكان له بدل، كدم التمتع والطيب واللباس، ويتعين
الانتقال إلى صيام عشرة أيام، كبدل هدي التمتع (12).
ثانياً: المحصر ليس له أن يتحلل إلا بعد الصيام، كما لا يتحلل واجد الهدي
إلا بنحره (13).
الفرع الرابع: ما يجب من الهدي على المحصر القارن
اختلف الفقهاء فيما يجب على المحصر القارن من الهدي إلى قولين:
القول الأول: يجب على المحصر القارن هدي واحد، وهو مذهب الشافعية (14)،
والحنابلة (15). وذلك لأنه محرم بإحرام واحد ويدخل إحرام العمرة في الحجة،
فيكفيه دم واحد (16).
القول الثاني: المحصر القارن عليه هديان، وهو مذهب الحنفية (17)،وذلك لأنه
محرم بإحرامين فلا يحل إلا بهديين (18).
المطلب الثالث: الحلق أو التقصير
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 180)، وهذا قول أبي حنيفة. وقال أبو
يوسف ومحمد: (إن المحصر عن الحج لا يذبح عنه إلا في أيام النحر).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 304).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 328).
(4) (أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 342).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 299).
(6) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 184).
(7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 184).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 455).
(9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 189).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 299).
(11) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 7).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 455).
(13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330).
(14) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534).
(15) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 399).
(16) ((بدائع الصنائع)) (2/ 179).
(17) ((بدائع الصنائع)) (2/ 179).
(18) ((بدائع الصنائع)) (2/ 179).
الحلق أو التقصير واجب لتحلل المحصر من
الإحرام، وهو مذهب المالكية (1)، والأظهر عند الشافعية (2)، وقول عند
الحنابلة (3)، ورواية عن أبي يوسف (4) واختاره الطحاوي (5)، والشنقيطي (6)،
وابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الدليل:
فعله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فإنه حلق، وأمر أصحابه أن يحلقوا (9)
المبحث الثاني: اشتراط التحلل من الإحصار
المطلب الأول: ما يلزم المحصر إذا اشترط
من اشترط قبل حجه وعمرته فإن أحصر تحلل ولم يلزمه شيء مطلقاً، وهو مذهب
الحنابلة (10)، والأصح من مذهب الشافعية (11)، واختيار ابن باز (12)، وابن
عثيمين (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة
بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، وأنا شاكية فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: حجي، واشترطي أن محلي حيث حبستني)) (14).
وجه الدلالة:
أنه لما أمرها بالاشتراط أفاد شيئين: أحدهما، أنه إذا عاقها عائق من عدو،
أو مرض، أو ذهاب نفقة، ونحو ذلك، أن لها التحلل. والثاني، أنه متى حلت
بذلك، فلا دم عليها ولا صوم (15).
ثانياً: الآثار عن السلف:
_________
(1) ((المدونة)) لسحنون (1/ 398)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 313).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 286)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534).
(3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 526)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330).
(4) ((شرح مختصر الطحاوي)) (2/ 577 - 578).
(5) قال الطحاوي: (وإذا كان حكمه في وقت الحلق عليه , وهو محصر , كحكمه في
وجوبه عليه , وهو غير محصر , كان تركه إياه أيضا وهو محصر, كتركه إياه وهو
غير محصر. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ما قد دل على أن حكم
الحلق باق على المحصرين , كما هو على من وصل إلى البيت) ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 252).
(6) قال الشنقيطي: (الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل: هو ما ذهب إليه مالك
وأصحابه من لزوم الحلق). ((أضواء البيان)) (1/ 86).
(7) قال ابن باز: (والصواب أن الإحصار يكون بالعدو، ويكون بغير العدو
كالمرض، فيهدي ثم يحلق أو يقصر ويتحلل، هذا هو حكم المحصر) ((مجموع فتاوى
ومقالات متنوعة)) (18/ 7).
(8) قال ابن عثيمين بعد ذكره للحديث: (ففي هذا الحديث دليل على وجوب الحلق،
وإن لم يكن مذكوراً في القرآن، لكن جاءت به السنة، والسنة تكمل القرآن)
((الشرح الممتع)) (7/ 183).
(9) الحديث رواه البخاري (2731) بلفظ: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا +%
D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A9+-+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%A9+-+%D9%85%D9%86+%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%88%D8%B1+%D8%A8%D9%86+%D9%85%D8%AE%D8%B1%D9%85%D8%A9+%D9%88+%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85))
(10) (( المغني)) (3/ 265).
(11) ((المجموع)) (8/ 310).
(12) قال ابن باز: (لكن إذا كان المحصر قد قال في إحرامه: فإن حبسني حابس
فمحلي حيث حبستني حل، ولم يكن عليه شيء لا هدي ولا غيره) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (18/ 10).
(13) قال ابن عثيمين: (فإذا كان قد اشترط ووجد ما يمنعه من إتمام النسك،
قلنا له: حلَّ بلا شيء) ((الشرح الممتع)) (7/ 73).
(14) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207)
(15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265) ..
1 - عن سويد بن غفلة قال: ((قال لي عمر: يا
أبا أمية، حج واشترط، فإن لك ما شرطت، ولله عليك ما اشترطت)) (1).
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة: ((هل تستثني إذا حججت؟ فقال: ماذا
أقول؟ قالت: قل: اللهم الحج أردت وله عمدت، فإن يسرته فهو الحج، وإن حبسني
حابس فهو عمرة)) (2)
المطلب الثاني: حكم المحصر إذا وقع في بعض محظورات الإحرام قبل التحلل:
إذا لم يتحلل المحصر، ووقع في بعض محظورات الإحرام فإنه يجب عليه من الجزاء
ما يجب على المحرم غير المحصر، باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (3)،
والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
الدليل:
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ((أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم زمن
الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم. قال:
فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)) (7). وكان ذلك
بعد الإحصار.
المطلب الثالث: القضاء على من أحصر
من تحلل بالإحصار فليس عليه القضاء (8)، وهو مذهب المالكية (9)، والشافعية
(10)، والحنابلة (11)، واختاره ابن باز (12)، وابن عثيمين (13).
الأدلة:
أولاً: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [] البقرة: 196 []
وجه الدلالة:
أن الله تعالى ذكر الهدي والحلق ولم يذكر شيئاً سوى ذلك؛ فدل على أنه لا
قضاء على المحصر (14).
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين أحصروا في غزوة
الحديبية أن يقضوا تلك العمرة التي أحصروا عنها (15).
_________
(1) رواه الشافعي في ((الأم)) (7/ 200)، والبيهقي (5/ 222) (10411) وصحح
إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 309)
(2) رواه البيهقي (5/ 223) (10414).
(3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 178).
(4) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 304 - 305).
(5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 356).
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 527).
(7) رواه البخاري (4190)، ومسلم (1201)
(8) لكن يبقى وجوب أداء الحج في ذمته؛ إن لم يكن حج حجة الإسلام، ويؤديها
على الفور حال استطاعته.
(9) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 195).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 306).
(11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 523).
(12) قال ابن باز: (الذي أحرم بالحج أو العمرة ثم حبسه حابس عن الطواف
والسعي يبقى على إحرامه إذا كان يرجو زوال هذا الحابس قريبا ... وإن لم
يتيسر ذلك وشق عليه المقام تحلل من هذه العمرة أو الحج إن كان حاجًّا، ولا
شيء عليه سوى التحلل بإهراق دم يجزئ في الأضحية، ثم الحلق أو التقصير كما
فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الحديبية، وبذلك يتحلل) ((مجموع
فتاوى ابن باز)) (18/ 9)، وقال في موضع آخر: (لا يلزم القضاء للمحصر) نقلاً
عن كتاب ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) لخالد بن مفلح (2/ 1070).
(13) قال ابن عثيمين: (إن كانت هذه الحجة هي الفريضة، أداها فيما بعد
بالخطاب الأول لا قضاء، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه على القول
الراجح) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 356).
(14) قال ابن عثيمين: (إن كانت هذه الحجة هي الفريضة، أداها فيما بعد
بالخطاب الأول لا قضاء، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه على القول
الراجح) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 356).
(15) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 434).
|