الموسوعة
الفقهية الدرر السنية المبحث الأول: حكم
قتل الصيد للمحرم
قتل الصيد من محظورات الإحرام.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
1 - قوله تعالى: يا أيُّها الذين آمنوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنتم
حُرُم [المائدة: 95].
2 - قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا
لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ
حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة: 96].
3 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا
يُرِيدُ [المائدة: 1].
ثانياً: من السنة
1 - عن الصَّعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه: ((أنه أهدى لرسول الله صلى
الله عليه وسلم حماراً وحشيًّا، فَرَدَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال:
إنَّا لم نردُّه عليك إلا أنَّا حرم)) (1).
2 - عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
ومنا المحرم، ومنا غير المحرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئاً، فنظرت، فإذا
حمار وحشٍ يعني وقع سوطه، فقالوا: لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون،
فتناولته، فأخذته، ثم أتيت الحمار من وراء أكمةٍ فعقرته، فأتيت به أصحابي،
فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
وهو أمامنا، فسألته، فقال: كلوه، حلال)) (2).
ثالثا: الإجماع
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (3)، وابن رشد (4)، وابن قدامة (5)،
والنووي (6)، وشمس الدين ابن مفلح (7).
_________
(1) رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193).
(2) رواه البخاري (1823)، ومسلم (1196).
(3) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من قتل الصيد)
((الإجماع)) (باختصار - ص: 52).
(4) قال ابن رشد: (أجمعوا على أنه لا يجوز له صيده ولا أكل ما صاد هو منه)
((بداية المجتهد)) (1/ 330).
(5) قال ابن قدامة: ((لا خلاف بين أهل العلم، في تحريم قتل الصيد واصطياده
على المحرم) ((المغني)) (3/ 288)، و ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 284).
(6) قال النووي: (أجمعت الأمة على تحريم الصيد في الإحرام) ((المجموع)) (7/
296).
(7) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 467).
المبحث الثاني: ضابط الصيد المحرَّم
الصيد الذي يحظر على المحرِم، هو الحيوان البري المتوحش المأكول اللحم،
وهذا مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، وهو قول ابن عثيمين (3).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
1 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا
يُرِيدُ [المائدة: 1].
وجه الدلالة:
أنَّ معنى الآية أنه أحل أكل بهيمة الأنعام الوحشية إلا الصيد في حال
الإحرام؛ فدلَّ على أن المحظور على المحرم من الصيد هو ما كان وحشيًّا
مأكولاً (4).
2 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنَّ معنى الآية: لا تقتلوا الصيد، الذي بينتُ لكم، وهو صيد البر دون صيد
البحر، وأنتم محرمون بحجٍّ أو عمرة (5).
3 - قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا
لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
[المائدة: 96].
وجه الدلالة:
أنه نصَّ على تحريم الصيد البري على المحرم.
_________
(1) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 524)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/
343).
(2) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 467)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 431).
(3) قال ابن عثيمين: (من محظورات الإحرام: قتل الصيد، والصيد: كل حيوانٍ
بريٍّ حلالٍ متوحشٍ طبعاً، كالظباء والأرانب والحمام) ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (24/ 277). وقال أيضاً: (قتل الصيد، وهو الحيوان الحلال البري
المتوحش) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 391).
(4) ((تفسير الطبري)) (9/ 459)، ((تفسير ابن كثير)) (2/ 9).
(5) ((تفسير الطبري)) (10/ 7).
المبحث الثالث: ما
يباح للمحرم
المطلب الأول: ذبح بهيمة الأنعام ونحوها
يجوز للمحرم ذبح بهيمة الأنعام والدجاج ونحوها.
الدليل:
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (1)، وابن قدامة (2).
المطلب الثاني: صيد البحر
يجوز للمحرم اصطياد الحيوان البحري وأكله.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ
وَلِلسَّيَّارَة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ
حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة: 96].
ثانياَ: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (3)، وابن قدامة (4).
_________
(1) قال ابن حزم: (اتَّفقوا أنَّ له أن يذبح من الأنعام والدجاج الإنسي ما
أحب، مما يملك، أو يأمر مالكه وهو محرمٌ في الحرم) ((مراتب الإجماع)) (ص:
44).
(2) قال ابن قدامة: (ما ليس بوحشيٍّ لا يحرم على المحرم ذبحه ولا أكله،
كبهيمة الأنعام كلها، والخيل، والدجاج، ونحوها، لا نعلم بين أهل العلم في
هذا خلافاً) ((المغني)) (3/ 440).
(3) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن صيد البحر للمحرم مباحٌ اصطياده،
وأكله، وبيعه، وشرؤاه) ((الإجماع)) (ص: 54).
(4) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباحٌ للمحرم
اصطياده، وأكله وبيعه وشراؤه) ((المغني)) (3/ 316).
المبحث الأول: كفارة
قتل المحرم للصيد
المطلب الأول: حكم كفارة قتل الصيد
يجب الجزاء في قتل الصيد في الجملة.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ
وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا
بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ
صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ
عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
[المائدة: 95].
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك في الجملة، ابن المنذر (1)، وابن رشد (2)، وابن قدامة
(3).
المطلب الثاني: كفارة قتل الصيد
يُخيَّر المحرم إذا قتل صيداً بين ذبح مثله، والتصدُّق به على المساكين،
وبين أن يقوَّم الصيد، ويشتري بقيمته طعاماً لهم، وبين أن يصوم عن إطعام كل
مدٍّ يوماً، أما إذا قتل المحرم ما لا يشبه شيئاً من النَّعم، فإنه يُخيَّر
بين الإطعام والصيام، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (4)، والشافعية
(5)، والحنابلة (6).
الدليل:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ
وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا
بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ
صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ
عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
[المائدة: 95].
المطلب الثالث: مكان ذبح الهدي في جزاء الصيد
_________
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم إذا قتل صيداً، عامداً لقتله،
ذاكراً لإحرامه، أن عليه الجزاء) ((الإجماع)) (ص: 53).
(2) قال ابن رشد: (أجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه
الجزاء؛ للنص في ذلك) ((بداية المجتهد)) (1/ 359).
(3) قال ابن قدامة: (وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد في الجملة، وأجمع
أهل العلم على وجوبه) ((المغني)) (3/ 437).
(4) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 82)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/
835).
(5) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156)، ((المجموع)) للنووي (7/ 423).
(6) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 361)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
يجب أن يكون ذبح الهدي الواجب في جزاء
الصيد، في الحرم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (1)، والشافعية (2)،
والحنابلة (3)، واختاره الطبري (4)، وابن حزم (5)، والشنقيطي (6)، وابن
عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى في جزاء الصيد: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنه لو جاز ذبحه في غير الحرم؛ لم يكن لذكر بلوغه الكعبة معنى (8).
ثانياً: من السنة
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر)) (9)، وعنه أيضاً مرفوعاً: ((هذا المنحر,
وفجاج مكة كلها منحر)) (10).
وجه الدلالة:
أنه حيثما نُحِرَت البدن, والإهداء من فجاج مكة ومنى والحرم كله، فقد أصاب
الناحر (11).
ثالثاً: أن الهدي اسمٌ لما يهدى إلى مكان الهدايا، ومكان الهدايا الحرم؛
وإضافة الهدايا إلى الحرم ثابتةٌ بالإجماع (12).
رابعاً: أن هذا دمٌ يجب للنسك؛ فوجب أن يكون في مكانه وهو الحرم (13).
المطلب الرابع: توزيع الصدقة على مساكين الحرم
_________
(1) ((الهداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/
224).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 187،191)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 187).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 376)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 416).
(4) قال الطبري: (يجوز نحر الهدي حيث شاء المهدي إلا هدي القران، وجزاء
الصيد، فإنهما لا ينحران إلا بالحرم) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 272)،
((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 378).
(5) قال ابن حزم: (لا يجوز نحر البدن والهدي في غير الحرم، إلا ما خصَّه
النص من هدي المحصر, وهدي التطوع إذا عطب قبل بلوغه مكة) ((المحلى)) (7/
156).
(6) قال الشنقيطي: (إن اختار جزاءً بالمثل من النعم، وجب ذبحه في الحرم
خاصة; لأنه حق لمساكين الحرم، ولا يجزئ في غيره، كما نصَّ عليه تعالى
بقوله: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ *المائدة: 95*، والمراد الحرم كله،
كقوله: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ*الحج: 33*، مع أن
المنحر الأكبر منى) ((أضواء البيان)) (1/ 443).
(7) قال ابن عثيمين: (ويستثنى من فعل المحظور جزاء الصيد، فإن جزاء الصيد
لا بد أن يبلغ إلى الحرم؛ لقول الله تعالى: فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ
مِنَ النَّعَمِ*المائدة: 95*، إلى أن قال: هَدْيًا بَالِغَ
الْكَعْبَةِ*المائدة: 95*، وهل المراد في الحرم ذبحاً وتفريقاً أو ذبحاً
فقط، أو تفريقاً فقط؟ الجواب: المراد ذبحاً وتفريقاً، فما وجب في الحرم،
وجب أن يُذبح في الحرم، وأن يُفرَّق ما يجب تفريقه منه في الحرم) ((الشرح
الممتع)) (7/ 207).
(8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((الهداية)) للميرغيناني (1/
186).
(9) رواه مسلم (1218)
(10) رواه أبو داود (1937)، وابن ماجه (2491)، وأحمد (3/ 326) (146538)،
والدارمي (2/ 79) (1879)، وابن خزيمة (4/ 242) (2787)، والحاكم (1/ 631)،
والبيهقي (5/ 122) (9775). صححه ابن الملقن في البدر المنير (6/ 427)،
وحسنه الزيلعي في ((نصب الراية)) (3/ 162)، وقال الألباني في ((صحيح سنن
أبي داود)) (1937): حسن صحيح.
(11) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 156 رقم 836).
(12) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((فتح القدير)) للكمال ابن
الهمام (3/ 163).
(13) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226).
يُشتَرَط أن توزَّع الصدقة على مساكين
الحرم، وهو مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، واختاره الشنقيطي (3)، وابن
باز (4)، وابن عثيمين (5). (6)
الدليل:
قوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنَّ في حكم الهدي ما كان بدلاً عنه من الإطعام؛ فيجب أن يكون مثله كذلك،
بالغ الكعبة (7).
المطلب الخامس: موضع الصيام
يجوز الصيام في أي موضع (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنه أطلق الصيام، ولم يقيده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص، وعدم
التصرف بتقييدها من غير دليل (9).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (10)، وابن قدامة (11).
ثالثاً: أن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد، فلا معنى لتخصيصه بمكان، بخلاف
الهدي والإطعام، فإن نفعه يتعدى إلى من يُعطاه (12).
رابعاً: أن الصوم عبادةٌ تختص بالصائم لا حق فيها لمخلوق؛ فله فعلها في أي
موضعٍ شاء (13).
المطلب السادس: اشتراط التتابع في الصيام
لا يشترط التتابع في الصيام (14).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنه أطلق الصيام، ولم يقيِّده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص،
وعدم التصرف بتقييدها من غير دليل (15).
ثانياً: الإجماع
نقل النووي الإجماع على ذلك (16).
_________
(1) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156)
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 449)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452،
46).
(3) قال الشنقيطي: (ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يطعم إلا في الحرم، وذهب
بعضهم إلى أنه يطعم في موضع إصابة الصيد، وذهب بعضهم إلى أنه يطعم حيث شاء،
وأظهرها أنه حقٌّ لمساكين الحرم; لأنه بدلٌ عن الهدي، أو نظيرٌ له، وهو
حقٌّ لهم إجماعاً، كما صرح به تعالى بقوله: هدياً بالغ الكعبة) ((أضواء
البيان)) (1/ 445).
(4) قال ابن باز: (وهكذا الصيد يكون جزاؤه في الحرم، إذا كان جزاؤه غير
الصيام، كالذبح والطعام يكون لمساكين الحرم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/
128).
(5) قال ابن عثيمين: (ولو ذبحه في منى، وفرَّقه في عرفة، والطائف،
والشرائع، أو غيرها من الحل، لم يجزئ؛ لأنه لا بد أن يكون لمساكين الحرم؛
وعلى هذا فيضمن اللحم بمثله لمساكين الحرم. وذهب بعض العلماء إلى أنه لو
ذبحه خارج الحرم، وفرقه في الحرم أجزأه؛ لأن المقصود نفع فقراء الحرم وقد
حصل، وهذا وجهٌ للشافعية، ولا ينبغي الإفتاء به إلا عند الضرورة، كما لو
فعل ذلك أناسٌ يجهلون الحكم، ثم جاءوا يسألون بعد فوات وقت الذبح، أو كانوا
فقراء؛ فحينئذٍ ربما يسع الإنسان أن يفتي بهذا القول) ((الشرح الممتع)) (7/
207).
(6) فائدة: قال ابن عثيمين: (مساكين الحرم: من كان داخل الحرم من الفقراء،
سواء كان داخل مكة، أو خارج مكة، لكنه داخل حدود الحرم، ولا فرق بين أن
يكون المساكين من أهل مكة، أو من الآفاقيين، فلو أننا وجدنا حجاجاً فقراء،
وذبحنا ما يجب علينا من الهدي وأعطيناه إياهم فلا بأس، والدليل أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر عليًّا أن يتصدق بلحم الإبل التي أهداها النبي صلى
الله عليه وسلم، ولم يستثن أحداً، فدل هذا على أن الآفاقي مثل أهل مكة؛
ولأنهم أهلٌ أن يُصرف لهم، وهل المراد بالمساكين، الفقراء والمساكين، أو
المساكين فقط؟ الجواب: المراد الفقراء والمساكين؛ لأنه إذا جاء لفظ
المساكين وحده، أو لفظ الفقراء وحده، فكل واحد منهما يشمل الآخر، وأما إذا
جاء لفظ المساكين ولفظ الفقراء، فالفقراء أشد حاجةً من المساكين، كما
بينَّا ذلك في كتاب الزكاة) ((الشرح الممتع)) (7/ 204 - 205).
(7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 460).
(8) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج
والإكليل)) للمواق (3/ 180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 452).
(9) ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
(10) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف في الصيام أن يصوم حيث شاء) ((الاستذكار))
(4/ 272).
(11) قال ابن قدامة: (أما الصيام فيجزئه بكل مكان لا نعلم في هذا خلافا،
كذلك قال ابن عباس، وعطاء، والنخعي، وغيرهم) ((المغني)) (3/ 471).
(12) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 272)، ((المغني)) لابن قدامة (3/
471).
(13) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 445).
(14) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج
والإكليل)) للمواق (3/ 180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 452).
(15) ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
(16) قال النووي: (الصوم الواجب هنا يجوز متفرقاً ومتتابعاً، نصَّ عليه
الشافعي، ونقله عنه ابن المنذر، ولا نعلم فيه خلافاً) ((المجموع)) (7/
438).
المبحث الثاني:
الجزاء في الصيد
المطلب الأول: تعريف المثلي
المثلي ما كان له مِثْلٌ من النعم، أي مشابهٌ في الخِلْقة والصورة للإبل،
أو البقر، أو الغنم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء (1) من المالكية (2)،
والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أن الذي يُتصوَّر أن يكون هدياً، هو ما كان مثل المقتول من النعم، فأما
القيمة فلا يُتصور أن تكون هدياٌ، ولا جرى لها ذكرٌ في نفس الآية (5).
ثانياً: من السنة:
عن جابر رضي الله عنه قال: ((جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع
يصيبه المحرم كبشاً)) (6).
وجه الدلالة:
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم في الضبع بكبش, علمنا من ذلك أنَّ
المماثلة إنما هي في القَدِّ وهيئة الجسم؛ لأن الكبش أشبه النعم بالضبع
(7).
المطلب الثاني: ما قضى به الصحابة رضي الله عنهم من المِثْلي
ما قضى به الصحابة رضي الله عنهم من المثلي، فإنه يجب الأخذ به (8)، وما لا
نقل فيه عنهم، فإنه يحكم بمثله عدلان من أهل الخبرة، وهذا مذهب الشافعية
(9)، والحنابلة (10)، وبه قال طائفةٌ من السلف (11)، وهو اختيار ابن عثيمين
(12).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنَّ ما تقدم فيه حكمٌ من عدلين من الصحابة، أو ممَّن بعدهم، فإنه يتبع
حكمهم، ولا حاجة إلى نظر عدلين وحكمهما; لأن الله تعالى قال: يَحْكُمُ بِهِ
ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ، وقد حكما بأن هذا مثلٌ لهذا، وعدالتهم أوكد من
عدالتنا؛ فوجب الأخذ بحكمهم (13).
ثانياً: من السنة:
_________
(1) قال ابن تيمية: (ومذهب أهل المدينة ومن وافقهم كالشافعي وأحمد في جزاء
الصيد: أنه يضمن بالمثل في الصورة، كما مضت بذلك السنة وأقضية الصحابة)
((مجموع الفتاوى)) (20/ 352).
(2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 331)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 179).
(3) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 157)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/
526).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 350)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 463).
(5) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 443).
(6) رواه ابن ماجه (2522)، وابن خزيمة (4/ 182) (2646)، والطحاوي في ((شرح
معاني الآثار)) (2/ 164)، والدارقطني (2/ 246) (48)، والحاكم (1/ 622).
وصححه البخاري كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (3/ 920)، والألباني في
((صحيح سنن ابن ماجه)) (2522)، وقال ابن كثير ((إرشاد الفقيه)) (1/ 326):
إسناده على شرط مسلم، وله متابع من حديث ابن عباس مرفوعاً، وإسناده لا بأس
به ..
(7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 227).
(8) قال ابن قدامة: (وأجمع الصحابة على إيجاب المثل) ((المغني)) (3/ 441).
(9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291)، ((المجموع)) للنووي (7/ 439).
(10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351)، ((الإنصاف))
للمرداوي (3/ 380).
(11) منهم: عطاء، وإسحاق، وداود. ((المجموع)) للنووي (7/ 439)، ((الشرح
الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351).
(12) قال ابن عثيمين: (والنوع الذي له مثل نوعان أيضا: نوعٌ قضت الصحابة
به، فيرجع إلى ما قضوا به، وليس لنا أن نعدل عما قضوا به، ونوعٌ لم تقض به
الصحابة، فيحكم فيه ذوا عدلٍ من أهل الخبرة، ويحكمان بما يكون مماثلاً)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 211).
(13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين
ابن قدامة (3/ 351)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 446).
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين
المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ)) (1).
ثالثاً: أن الصحابة رضي الله عنهم إذا حكموا بشيءٍ، أو حكم بعضهم به، وسكت
باقوهم عليه، صار إجماعاً، وما انعقد الإجماع عليه فلا يجوز الاجتهاد فيه؛
ولأن العدول عما قضوا به يؤدي إلى تخطئتهم (2).
رابعاً: أن الصحابة رضي الله عنهم شاهدوا الوحي، وحضروا التنزيل والتأويل،
وهم أقرب إلى الصواب، وأبصر بالعلم، وأعرف بمواقع الخطاب؛ فكان حكمهم حجةً
على غيرهم كالعالم مع العامِّي (3).
المطلب الثالث: ما يجب في صيد الدواب والطيور من الجزاء
الفرع الأول: ما يجب في صيد الدواب
في النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحمار الوحش بقرةٌ إنسية، وفي الضبع كبش
(4)، وفي الغزال عنز (5)، وفي الأرنب عناق (6)، وفي اليربوع (7) جفرة (8)،
وفي الضبِّ جدي (9)، وما لا مثل له، فإنه يحكم بمثله حكمان عدلان، وهذا
مذهب الشافعية (10)، والحنابلة (11).
_________
(1) رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (4/
126) (17184)، وابن حبان (1/ 178)، والطبراني (18/ 245)، والحاكم (1/ 176).
والحديث صححه الترمذي، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/
1164)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (20/ 309)، والشوكاني في ((إرشاد
الفحول)) (1/ 160)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (42)، وحسنه البغوي
في ((شرح السنة)) (1/ 181)
(2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 331)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291).
(3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 351)،
(4) الكبش: فحل الضأن. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: كبش).
(5) العنز: الماعزة، وهى الأنثى من المعز. ((الصحاح)) للجوهري (مادة: عنز).
(6) العناق: أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة. ((معجم مقاييس اللغة))
لابن فارس (مادة: عنق).
(7) اليربوع: حيوانٌ يشبه الفأرة، لكنه أطول منها رجلاً، وله ذنبٌ طويل،
وفي طرفه شعرٌ كثير. ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 295)، ((الشرح الممتع))
لابن عثيمين (7/ 213).
(8) الجفرة: أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر، وفصلت عن أمها. ((معجم مقاييس
اللغة)) لابن فارس (مادة: عنق)، وينظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/
526).
(9) الجدي: الذكر من أولاد المعز. ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: ج د
ي)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: جدا).
(10) ((المجموع)) للنووي (7/ 431)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 526).
(11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351)، ((الإنصاف))
للمرداوي (3/ 385).
الأدلة (1):
أدلة أن في النعامة بدنة
أولاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب،
وعثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، قالوا في النعامة قتلها المحرم، بدنةٌ من
الإبل)) (2).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن قتل نعامةً فعليه بدنةٌ من
الإبل)).
3 - عن عطاء: ((أن ابن عباس, ومعاوية, قالا: في النعامة بدنة يعني من
الإبل)) (3).
ثانياً: أنه لا شيء أشبه بالنعامة من الناقة في طول العنق, والهيئة والصورة
(4).
أدلة أن في بقرة الوحش وحمار الوحش بقرة:
أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((وفي البقرة بقرة، وفي الحمار
بقرة)) (5).
ثانياً: أن حمار الوحش وبقرة الوحش أشبه بالبقرة؛ لأنهما ذوا شعرٍ وذنبٍ
سابغ؛ وليس لهما سنام؛ فوجب الحكم بالبقرة لقوة المماثلة، أما الناقة فليست
كذلك؛ فهي ذات وبرٍ وذنبٍ قصيرٍ وسنام (6).
أدلة أن في الضبع كبش:
أولاً: من السنة:
عن جابر رضي الله عنه قال: ((سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع،
فقال: هو صيد، ويجعل فيه كبش إذا أصابه المحرم)) (7)، وفي رواية: ((جعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشاً)) (8).
_________
(1) قال ابن تيمية: (وأما إجماع الصحابة فإنه روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد
بن ثابت وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، أنهم قضوا في النعامة ببدنة، وفي
حمار الوحش وبقرة الأيل والتبتل والوعل ببقرة، وفي الضبع بكبش، وفي الغزال
بعنز، وفي اليربوع بجفرة، وإنما حكموا بذلك للماثلة في الخلقة، لا على جهة
القيمة؛ لوجوه أحدها أن ذلك مبين في قصصهم كما سيأتي بعضه إن شاء الله،
الثاني أن كل واحدٍ من هذه القضايا تعددت في أمكنةٍ وأزمنةٍ مختلفة، فلو
كان المحكوم به قيمته؛ لاختلفت باختلاف الأوقات والبقاع، فلما قضوا به على
وجهٍ واحدٍ عُلِمَ أنهم لم يعتبروا القيمة) ((شرح العمدة)) (3/ 283). قال
ابن عثيمين: (فهذا كله قضى به الصحابة، منه ما روي عن واحدٍ من الصحابة،
ومنه ما روي عن أكثر من واحد، فإذا وجدنا شيئاً من الصيود لم تحكم به
الصحابة، أقمنا حكمين عدلين خبيرين، وقلنا ما الذي يشبه هذا من بهيمة
الأنعام؟ فإذا قالوا: كذا وكذا، حكمنا به، وإذا لم نجد شيئاً محكوماً به من
قبل الصحابة، ولا وجدنا شبهاً له من النعم، فيكون من الذي لا مثل له، وفيه
قيمة الصيد قلَّت أم كثُرت) ((الشرح الممتع)) (7/ 214).
(2) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (4/ 398)
(3) رواه البيهقي (5/ 182) (10150).
(4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 227).
(5) رواه الدارقطني (2/ 247) (51)، والبيهقي (5/ 182) (10151). ضعف إسناده
الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 241). وانظر: المحلى (7/ 228)، الحاوي
الكبير (4/ 292)، المجموع للنووي (7/ 425)، المغني لابن قدامة (3/ 442).
(6) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 228).
(7) رواه أبو داود (3801)، والدارمي (2/ 102) (1941)، وابن خزيمة (4/ 183)
(2648)، وابن حبان (9/ 277) (3964)، والحاكم (1/ 623). وصححه النووي في
((المجموع)) (7/ 426)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (125)، والألباني
في ((صحيح سنن أبي داود)) (3801)، والوادعي في ((الصحيح المسند)).
(8) رواه ابن ماجه (2522)، وابن خزيمة (4/ 182) (2646)، والطحاوي في ((شرح
معاني الآثار)) (2/ 164)، والدارقطني (2/ 246) (48)، والحاكم (1/ 622).
وصححه البخاري كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (3/ 920)، والألباني في
((صحيح سنن ابن ماجه)) (2522)، وقال ابن كثير ((إرشاد الفقيه)) (1/ 326):
إسناده على شرط مسلم، وله متابع من حديث ابن عباس مرفوعاً، وإسناده لا بأس
به.
ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قضى في الضبع بكبش)) (1).
2 - عن علي بن أبي طالب: ((في الضبع كبش)) (2).
3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((في الضبع كبش)) (3).
4 - وبه قضى: وابن عمر, وجابر, وقد بلغ ابن الزبير قول عمر فلم يخالفه، رضي
الله عنهم جميعاً (4).
أدلة أن في الظبي عنز:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قضى في الضبع بكبش، وفى الغزال بعنز)) (5).
2 - عن محمد بن سيرين: ((أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني أجريت
أنا وصاحبٌ لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية، فأصبنا ظبياً ونحن محرمان، فماذا
ترى؟ فقال عمر لرجلٍ إلى جنبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت، قال فحكما عليه
بعنز، فولَّى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي
حتى دعا رجلاً يحكم معه، فسمع عمر قول الرجل فدعاه، فسأله: هل تقرأ سورة
المائدة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي؟ فقال: لا، فقال:
لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة؛ لأوجعتك ضرباً، ثم قال: إن الله تبارك
وتعالى يقول في كتابه يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ
الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وهذا عبدالرحمن بن عوف))، وفي روايةٍ عن عمر
رضي الله عنه: ((أنه حكم هو وعبدالرحمن بن عوف في ظبيٍ بعنز)) (6).
3 - عن جابر رضي الله عنه: ((أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز))
(7).
أدلة أن في الأرنب عناق:
1 - عن جابر رضي الله عنهما: ((أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز،
وفي الأرنب بعناق)) (8) ..
_________
(1) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي
(5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن
في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار))
(5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245)
(2) رواه الشافعي (7/ 180)، وابن أبي شيبة (3/ 675). وانظر: المحلى (7/
227).
(3) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وعبدالرزاق (4/ 403)، والبيهقي (5/
184) (10167) (7/ 426): إسناده صحيح أو حسن، وحسن إسناده الألباني في
((إرواء الغليل)) (4/ 244) إذا كان ابن جريج سمعه من عطاء ولم يدلسه.
(4) المحلى (7/ 227)، الحاوي الكبير (4/ 292)، المغني لابن قدامة (3/ 442).
(5) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي
(5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن
في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار))
(5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245).
(6) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 608)، والشافعي في ((الأم)) (7/ 254)،
والبيهقي (5/ 180) (10142). قال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 323):
منقطع إلا أنه يستأنس به في هذا، ومثله يشتهر عن أمير المؤمنين عمر ..
(7) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي
(5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن
في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار))
(5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245).
(8) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي
(5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن
في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار))
(5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه قضى
في الأرنب بعناق، وقال: هي تمشي على أربع، والعناق كذلك، وهي تأكل الشجر،
والعناق كذلك، وهي تجتر، والعناق كذلك)) (1).
3 - وجاء أيضاً: عن عبدالله بن عمرو بن العاص, وعمرو بن حبشي، وعطاء (2).
أدلة أن في اليربوع جفرة:
1 - عن جابر: ((أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب
بعناق، وفي اليربوع بجفرة)) (3).
2 - عن ابن مسعود رضي الله عنه: ((أنه قضى في اليربوع بجفرٍ أو جفرة)) (4).
3 - وجاء ذلك أيضاً: عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء
(5).
دليل أن في الضب جدي:
عن طارق قال: ((خرجنا حجاجاً، فأوطأ رجلٌ يُقال له أربد، ضبًّا ففزر ظهره،
فقدمنا على عمر، فسأله أربد فقال عمر: احكم يا أربد، فقال أنت خير مني يا
أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه، ولم آمرك أن
تزكيني، فقال أربد: أرى فيه جدياً قد جمع الماء والشجر، فقال عمر بذلك
فيه)) (6).
الفرع الثاني: ما يجب في صيد الطيور
في أنواع الحمام (7) شاةٌ، عند أكثر أهل العلم (8)، وما عداه فإنَّه تجب
فيه القيمة، سواء كان أصغر منه أو أكبر، وهو مذهب الشافعية (9)، والحنابلة
(10).
أدلة أنَّ في أنواع الحمامة شاة:
أولاً: آثار الصحابة رضي الله عنهم:
1 - عن عمر رضي الله عنه: ((أنه حكم في الحمامة شاة)) (11).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((في حمامة الحرم شاة)) (12).
3 - وجاء ذلك: عن عثمان وابن عمر ونافع بن عبدالحرث رضي الله عنهم، وبه قال
عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وقتادة (13).
أدلة أن ما كان أكبر أو أصغر من الحمام فإن فيه قيمته:
أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((في كل طيرٍ دون الحمام قيمته))
(14).
ثالثاً: أن ما كان أصغر من الحمام أو أكبر فيضمن بالقيمة؛ لأنه لا مثل له
من النعم (15).
_________
(1) رواه البيهقي (5/ 184) (10170)
(2) ((المحلى)) (7/ 228)، ((الحاوي الكبير)) (4/ 292)، ((المغني)) لابن
قدامة (3/ 443).
(3) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي
(5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن
في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار))
(5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245).
(4) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 227)، والبيهقي (5/ 184) (10173). وصححه
ابن حزم في ((الحيرة والالتباس)) (2/ 750)، وقال البيهقي: مرسل
(5) ((الحاوي الكبير)) (4/ 292)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 443).
(6) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 212)، والبيهقي (5/ 182) (10149). وصحح
إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 425)، وصححه ابن الملقن في ((البدر
المنير)) (6/ 401). وينظر: ((الحاوي الكبير)) (4/ 292)، ((المغني)) لابن
قدامة (3/ 443).
(7) الحمام: ما عب وهدر، أي شرب الماء بلا مص ولا رجع صوت، كاليمام
والقمري. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: عبب).
(8) قال ابن المنذر: (أجمعوا أن في حمام الحرم شاة، وانفرد النعمان، فقال:
فيه قيمته) ((الإجماع)) (ص: 54).
(9) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 158)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/
526).
(10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 352، 354)، ((الإقناع))
للبهوتي (1/ 373).
(11) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 214)، قال ابن حجر في ((التلخيص)) (2/
285): (إسناده حسن).
(12) رواه بمعناه الدارقطني (2/ 247) (51)، البيهقي (5/ 182) (10151) وصححه
ابن حزم في ((الإعراب عن الحيرة والالتباس)) (2/ 750)، وصحح إسناده
الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 247)
(13) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 229)، ((المجموع)) للنووي (7/ 424، 440).
(14) رواه البيهقي (5/ 206)، وانظر: ((المجموع)) للنووي (7/ 441).
(15) ((المجموع)) للنووي (7/ 424).
المبحث الثالث: صيد
الحرم
يحرم الصيد في الحرم على المحرم، وعلى الحلال.
الأدلة:
أولاً: من السنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الفتح: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة
الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحل لي إلا
ساعة من نهار، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا
ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يُختلى خلاها)) (1).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذر (2)، والنووي (3).
_________
(1) رواه البخاري (3189)، ومسلم (1353).
(2) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن صيد الحرم حرامٌ على الحلال والمحرم،
وأجمعوا على تحريم قطع شجرها) ((الإجماع)) (ص:60).
(3) قال النووي: (أما صيد الحرم فحرامٌ بالإجماع على الحلال والمحرم، فإن
قتله فعليه الجزاء عند العلماء كافةً، إلا داود فقال يأثم ولا جزاء عليه)
((شرح النووي على مسلم)) (9/ 125).
المبحث الرابع: ما
لا يدخل في الصيد
المطلب الأول: الهوام والحشرات
لا تدخل الهوام والحشرات، في تحريم الصيد عند جمهور الفقهاء، من
الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
وذلك للآتي:
أولاً: أنه لم يأت في تحريم صيدها على المحرم شيء.
ثانياً: أن أصلها لا يُضمن لا بمثلها ولا بقيمتها (4).
المطلب الثاني: قتل الفواسق الخمس
للمحرم قتل الفواسق الخمس: الحدأة (5)، والغراب، والفأرة، والعقرب،
والكلب العقور، في الحل والحرم.
الأدلة:
أولاً: من السنة
1 - عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس
فواسق، يُقتلنَ في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والكلب
العقور)) (6).
2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قالت حفصة: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((خمسٌ من الدواب لا حرج على من قتلهن: الغراب،
والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور)) (7).
ثانياً: من الإجماع:
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 251) ((الفتاوى الهندية)) (5/
416).
(2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 341)، ((المجموع)) للنووي (7/
316).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 284، 303)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 439).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 303).
(5) الحدَأَةُ: طائرٌ يَصِيدُ الجِرْذان. ((لسان العرب)) لابن منظور
(مادة: حدأ).
(6) رواه البخاري (3314)، ومسلم (1198)
(7) رواه البخاري (3315)، ومسلم (1199). وقال أيضاً: (ثبت أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: خمس لا جناح على من قتلهن في الإحرام، فذكر
الفارة. وروينا إباحة ذلك عن أبي سعيد الخدري، وبه قال مالك، والثوري،
والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم، وقال عطاء في الجرذ
الوحشي: ليس بصيد فاقتله، ومنع النخعي المحرم من قتل الفأرة، وهذا لا
معنى له، لأنه خلاف السنة، وقول أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 254 -
255).
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (1)،
والبغوي (2)، وحكاه ابن عبدالبر في الجملة (3). (4)
المطلب الثالث: قتل المؤذيات
للمحرم قتل كل ما آذاه، سواء كان من طبعه الأذى أو لم يكن.
الأدلة:
أولاً: من السنة
عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((خمس
فواسق، يُقتلنَ في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والكلب
العقور)) (5).
وجه الدلالة:
أن الخبر نصَّ من كل جنسٍ على صورة من أدناه، تنبيهاً على ما هو أعلى
منها، ودلالةً على ما كان في معناها، فنصه على الحدأة والغراب تنبيهٌ
على البازي ونحوه، وعلى الفأرة تنبيهٌ على ما يؤذي من الحشرات، وعلى
العقرب تنبيهٌ على الحية، وعلى الكلب العقور تنبيهٌ على السباع التي هي
أعلى منه (6).
ثانيا: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (7)، وابن حزم (8).
ثالثا: أن كل مدفوعٍ لأذاه فلا حرمة له (9).
_________
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على ما ثبت من خبر النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم من قتل التي يقتلها المحرم، وانفرد النخعي فمنع من قتل الفأرة)
((الإجماع)) (ص: 54). وقال أيضاً: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: خمس لا جناح على من قتلهن في الإحرام، فذكر الفارة. وروينا
إباحة ذلك عن أبي سعيد الخدري، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأبو
ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم، وقال عطاء في الجرذ الوحشي: ليس بصيد
فاقتله، ومنع النخعي المحرم من قتل الفأرة، وهذا لا معنى له، لأنه خلاف
السنة، وقول أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 254 - 255).
(2) قال البغوي: (قال الإمام: اتفق أهل العلم على أنه يجوز للمحرم قتل
هذه الأعيان المذكورة في الخبر، ولا شيء عليه في قتلها إلا ما حكي عن
النخعي أنه قال لا يقتل المحرم الفأرة، ولم يذكر عنه فيه فدية، وهو
خلاف النص، وأقاويل أهل العلم) ((شرح السنة)) (7/ 267 - 268).
(3) قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على القول بجملة معنى أحاديث هذا
الباب، واختلفوا في تفصيلها) ((الاستذكار)) (4/ 151).
(4) قال ابن دقيق العيد: (الجمهور على جواز قتل هذه المذكورة في
الحديث، والحديث دليلٌ على ذلك) ((إحكام الأحكام)) (1/ 312). وقال
النووي: (واتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم
والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم
اختلفوا في المعنى فيهن وما يكون في معناهن) ((شرح النووي على مسلم))
(8/ 113). وقال ابن قدامة: (وله أن يقتل الحدأة، والغراب، والفأرة،
والعقرب، والكلب العقور، وكل ما عدا عليه، أو آذاه، ولا فداء عليه، هذا
قول أكثر أهل العلم؛ منهم الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي،
وحكي عن النخعي أنه منع قتل الفأرة، والحديث صريحٌ في حلِّ قتلها، فلا
يُعوَّل على ما خالفه) ((المغني)) (3/ 314).
(5) رواه البخاري (3314)، ومسلم (1198)
(6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 303).
(7) قال ابنُ المنذر: (أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم، على أن
السبع إذا بدأ المحرم، فقتله، لا شيء عليه) ((الإجماع)) (ص: 54).
(8) قال ابن حزم: (أجمعوا أن المحرم يقتل ما عدا عليه من الكلاب الكبار
والحديان الكبار، وأنه لا جزاء عليه فيما قتله من ذلك) ((مراتب
الإجماع)) (ص: 43).
(9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 146).
المبحث الخامس:
أحكام الأكل من الصيد، والدلالة عليه
المطلب الأول: من صيد لأجله
من صيد لأجله، فإنه يحرم عليه أكله، وهو مذهب جمهور الفقهاء من
المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، واختاره داود الظاهري
(4)، وبه قال بعض السلف (5).
الأدلة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن الصعب بن جثامة الليثي أهدى إلى
النبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشيًّا، وهو بالأبواء أو بودَّان،
فردَّه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ما في وجهه قال:
إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم)) (6).
2 - عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت عثمان بن عفان رضي الله
عنه بالعرج في يومٍ صائف، وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم
أُتيَ بلحم صيدٍ، فقال لأصحابه: كلوا، قالوا: ألا تأكل أنت؟ قال: إني
لست كهيأتكم، إنما صيد من أجلي)) (7).
المطلب الثاني: إذا صاد المحل صيدا وأطعمه المحرم، فهل يكون حلالا
للمحرم؟
إذا صاد المحل صيداً، وأطعمه المحرم دون أن يعينه بشيءٍ على صيده، فإنه
يحل للمحرم أكله، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (8)،
والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)، وحكاه الكاساني عن
عامَّة العلماء (12).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ
حُرُمًا [المائدة: 96].
وجه الدلالة:
أن كلمة: صيد، مصدر، أي: حُرِّم عليكم أن تصيدوا صيد البر، وليس بمعنى
مصيد (13).
ثانياً: من السنة
1 - عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم ومنا المحرم، ومنا غير المحرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، فنظرت،
فإذا حمار وحش يعني وقع سوطه، فقالوا: لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون،
فتناولته، فأخذته ثم أتيت الحمار من وراء أكمة، فعقرته، فأتيت به
أصحابي، فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا، فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم وهو أمامنا، فسألته، فقال: كلوه، حلال)) (14).
ثالثاً: أن المحرِم ليس له أثرٌ في هذا الصيد، لا دلالة، ولا إعانة،
ولا مشاركة، ولا استقلالاً، ولا صيد من أجله؛ فلم يُمنع منه.
المطلب الثالث: الدلالة على الصيد
_________
(1) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 78 - 79).
(2) ((المجموع)) للنووي (7/ 324).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 338).
(4) ((المجموع)) للنووي (7/ 324).
(5) قال ابن المنذر: (وقال عطاء، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو
ثور: يأكله إلا ما صيد من أجله، وروى بمعناه عن عثمان بن عفان)
((الإشراف)) (3/ 249). وقال شمس الدين ابن قدامة: (وإن صيد من أجله حرم
عليه أكله، يروى ذلك عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وبه قال مالك
والشافعي) ((الشرح الكبير)) (3/ 289).
(6) رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193).
(7) رواه مالك (3/ 514) (1290)، والشافعي في ((الأم)) (7/ 241)،
والبيهقي (5/ 191) (9705). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/
268)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/ 941).
(8) ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (2/ 565)، ((تبيين الحقائق وحاشية
الشلبي)) (2/ 68).
(9) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 372).
(10) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 779).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/
436).
(12) قال الكاساني: (ويحل للمحرم أكل صيد اصطاده الحلال لنفسه، عند
عامة العلماء) ((بدائع الصنائع)) (2/ 205).
(13) قال ابن كثير: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُمًا أي: في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد؛ ففيه دلالةٌ
على تحريم ذلك) ((تفسير ابن كثير)) (3/ 200).
(14) رواه البخاري (1823)، ومسلم (1196).
الفرع الأول: إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على
صيدٍ فقتله:
اختلف الفقهاء فيما إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ فقتله، على
قولين:
القول الأول: إذا دلَّ المحرم حلالاً على صيدٍ فقتله، يلزم المحرم
جزاؤه، وهو مذهب الحنفية (1)، والحنابلة (2)، وبه قال طائفةٌ من السلف
(3)، وهو اختيار ابن تيمية (4)، والشنقيطي (5)، وحُكيَ فيه الإجماع
(6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب أبي قتادة رضي الله عنهم: ((هل
منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟)) (7).
وجه الدلالة:
أنه علَّق الحلَّ على عدم الإشارة؛ فأحرى أن لا يحل إذا دلَّه باللفظ،
فقال هناك صيدٌ ونحوه (8).
ثانياً: أنَّه قول عليٍّ وابن عباس رضي الله عنهما، ولا يُعرَف لهما
مخالفٌ من الصحابة رضي الله عنهم (9).
ثالثاً: أنَّه سببٌ يُتوصَّلُ به إلى إتلاف الصيد؛ فتعلَّق به الضمان؛
فإنَّ تحريم الشيء تحريمٌ لأسبابه (10).
القول الثاني: إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ، فإنه يكون مُسيئاً،
ولا جزاء عليه، وهو مذهب المالكية (11)، والشافعية (12).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
ظاهر قوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ
[المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنَّه علَّق الجزاء بالقتل؛ فاقتضى ألا يجب الجزاء بعدم القتل (13).
ثانياً: أنها نفسٌ مضمونةٌ بالجناية؛ فوجب ألاَّ تُضمنَ بالدلالة
كالآدمي.
ثالثاً: أنَّ الصيد لا يُضمَن إلا بأحد ثلاثة أشياء: إما باليد، أو
بالمباشرة، أو بالتسبب، فاليد أن يأخذ صيداً فيموت في يده فيضمن،
والمباشرة أن يباشر قتله فيضمنه، والتسبُّب أن يحفر بئراً، فيقع فيها
الصيد فيضمن، والدلالة ليست يداً ولا مباشرةً ولا سبباً (14).
_________
(1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 68)، ((البحر الرائق)) لابن
نجيم (3/ 28).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 336).
(3) قال ابن قدامة: (ويضمن الصيد بالدلالة، فإذا دلَّ المحرم حلالاً
على الصيد فأتلفه، فالجزاء كله على المحرم، روي ذلك عن علي وابن عباس
وعطاء ومجاهد وبكر المزني، وإسحاق، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 288).
(4) قال ابن تيمية: (وكما يحرم قتل الصيد تحرم الإعانة عليه بدلالةٍ أو
إشارةٍ أو إعارة آلةٍ لصيده أو لذبحه، وإذا أعان على قتله بدلالةٍ أو
إشارةٍ أو إعارة آلةٍ ونحو ذلك، فهو كما لو شرك في قتله، فإن كان
المعان حلالاً، فالجزاء جميعه على المحرم، وإن كان حراماً اشتركا فيه)
((شرح عمدة الفقه)) (3/ 182).
(5) قال الشنقيطي: (فذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة إلى أن المحرم الدال
يلزمه جزاؤه كاملاً ... وهذا القول هو الأظهر) ((أضواء البيان)) (1/
440 - 441).
(6) قال عطاء: (أجمع الناس على أن على الدال الجزاء) ((العناية شرح
الهداية)) للبابرتي (3/ 70). قال الطحاوي: (ولم يُروَ عن أحدٍ من
الصحابة خلاف ذلك؛ فصار ذلك إجماعاً) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي
(3/ 70).
(7) جزء من حديث رواه البخاري (1824)، ومسلم (1196).
(8) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 70).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288).
(10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/
197).
(11) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 258)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 77).
(12) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 306).
(13) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 69)، ((الحاوي الكبير))
للماوردي (4/ 307).
(14) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 307).
رابعاً: أنَّ القاتل انفرد بقتله باختياره،
مع انفصال الدال عنه، فصار كمن دل محرماً أو صائماً على امرأة فوطئها،
فإنه يأثم بالدلالة، ولا تلزمه كفارة، ولا يفطر بذلك (1).
الفرع الثاني: إذا دلَّ المحرمُ محرماً على صيدٍ فقتله:
اختلف الفقهاء فيما إذا دلَّ المحرمُ محرماً على صيدٍ فقتله، على ثلاثة
أقوال:
القول الأول: إذا دلَّ المحرم محرماً على صيدٍ فقتله، فعلى كل واحدٍ
منهما جزاءٌ كامل، وهو مذهب الحنفية (2)، وقول طائفةٍ من السلف (3)؛
وذلك لأنَّ الدلالة من محظورات الإحرام، فتوجب ما يوجبه القتل.
القول الثاني: إذا دلَّ المحرم محرماً على صيدٍ فقتله، فالجزاء بينهما،
وهو مذهب الحنابلة (4)، وهو قول بعض السلف (5)، واختاره ابن تيمية (6)؛
وذلك لأن الواجب جزاء المتلف، وهو واحد؛ فيكون الجزاء واحداً (7).
القول الثالث: إذا دلَّ المحرمُ محرماً على صيد فقتله فالدال مسيء ولا
جزاء عليه، وهو قول المالكية (8)، والشافعية (9)، واختاره الشنقيطي
(10).
الدليل:
ظاهر قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ
مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أوجب الجزاء على القاتل وحده، فلا يجب على غيره، ولا يُلحَق به غيره؛
لأنه ليس في معناه (11).
_________
(1) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 29).
(2) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 250).
(3) قال ابن قدامة: (وبه قال الشعبي، وسعيد بن جبير، والحارث العكلي)
((المغني)) (3/ 289).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 289)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي
(1/ 543).
(5) قال ابن قدامة: (وبه قال عطاء، وحماد بن أبي سليمان) ((المغني))
(3/ 289).
(6) قال ابن تيمية: (وإذا أعان على قتله بدلالةٍ أو إشارةٍ أو إعارة
آلةٍ ونحو ذلك، فهو كما لو شرك في قتله، فإن كان المعان حلالاً،
فالجزاء جميعه على المحرم، وإن كان حراماً اشتركا فيه) ((شرح عمدة
الفقه)) (3/ 182).
(7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 289).
(8) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 258)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 77).
(9) ((المجموع)) للنووي (7/ 330).
(10) قال الشنقيطي: (وأما إذا دلَّ المحرم محرماً آخر على الصيد ...
قال بعض العلماء الجزاء كله على المحرم المباشر، وليس على المحرم الدال
شيء، وهذا قول الشافعي، ومالك، وهو الجاري على قاعدة تقديم المباشر على
المتسبب في الضمان، والمباشر هنا يمكن تضمينه; لأنه محرم، وهذا هو
الأظهر) ((أضواء البيان)) (1/ 441).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 330).
|