الموسوعة الفقهية الدرر السنية

8 - الحوالة
• * حكمة مشروعية الحوالة:.
• * فضل التجاوز عن المعسر:.


* حكمة مشروعية الحوالة:
شرع الله الحوالة تأميناً للأموال، وقضاء لحاجة الإنسان، فقد يحتاج إلى إبراء ذمته من حق لغريم، أو استيفاء حقه من مدين له، وقد يحتاج لنقل ماله من بلد إلى آخر، ويكون نقل هذا المال غير متيسر، إما لمشقة حمله، أو لبعد المسافة، أو لكون الطريق غير مأمون فشرع الله الحوالة لتحقيق هذه المصالح.
* إذا أحال المدين دائنه على مليء لزمه أن يحتال، وإن أحاله على مفلس ولم يعلم رجع بحقه على المحيل، وإن علم ورضي بالحوالة عليه فلا رجوع له، ومماطلة الغني حرام لما فيها من الظلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مطل الغني ظلم، فإذا أُتبع أحدكم على مليء فليَتَّبع)). متفق عليه (1).
* إذا تمت الحوالة انتقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبرأت ذمة المحيل.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2287)، واللفظ له، ومسلم برقم (1564).


* فضل التجاوز عن المعسر:
إذا تمت الحوالة ثم أفلس المحال عليه استحب إنظاره أو التجاوز عنه وهو الأفضل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه)). متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2078)، واللفظ له، ومسلم برقم (1562).


9 - الصلح
• * حكمة مشروعية الصلح:.
• * فضل الإصلاح بين الناس:.
• * الصلح في المال على قسمين:
1 - صلح على إقرار:.
• 2 - صلح على إنكار:.


* حكمة مشروعية الصلح:
شرع الله الصلح للتوفيق بين المتخاصمين وإزالة الشقاق بينهما، وبذلك تصفو النفوس، وتزول الأحقاد، والإصلاح بين الناس من أجل القربات وأعظم الطاعات إذا قام به ابتغاء لمرضاة الله تعالى.


* فضل الإصلاح بين الناس:
1 - قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء/114).
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة)). متفق عليه (1).
* الصلح مشروع بين المسلمين والكفار، وبين أهل العدل والبغي، وبين الزوجين عند الشقاق، وبين الجيران والأقارب والأصدقاء، وبين المتخاصمين في غير مال، وبين المتخاصمين في المال.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2707)، واللفظ له، ومسلم برقم (1009).


* الصلح في المال على قسمين:
1 - صلح على إقرار:
كأن يكون لأحد على آخر عين أو دين لا يعلمان مقداره وأقر به، فصالحه على شيء صح، وإن كان له عليه دين حال وأقرَّ به فوضع بعضه وأجل باقيه صح الإسقاط والتأجيل، وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً صح، وإنما يصح هذا الصلح إذا لم يكن مشروطاً في الإقرار كأن يقول: أقر لك بشرط أن تعطيني كذا، ولا يمنعه حقه بدونه.


2 - صلح على إنكار:
بأن يكون للمدعي حق لا يعلمه المدعى عليه فينكره، فإذا اصطلحا على شيء صح الصلح، لكن إن كذب أحدهما لم يصح الصلح في حقه باطناً وما أخذه حرام.
* المسلمون على شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.
والصلح الجائز هو العادل الذي أمر الله ورسوله به، وهو ما يقصد به رضا الله تعالى عنه، ثم رضا الخصمين، وقد مدحه الله تعالى بقوله: ( .. وَالصُّلْحُ خَيْرٌ .. ) (النساء/128).
* الصلح العادل له شروط أهمها: أهلية المتصالحين بأن تصح منهما التصرفات الشرعية، وأن لا يشتمل الصلح على تحريم حلال أو تحليل حرام، وأن لا يكون أحد المتصالحين كاذباً في دعواه، وأن يكون المصلح تقياً عالماً بالوقائع، عارفاً بالواجب، قاصداً العدل.
* يحرم على المالك أن يحدث بملكه ما يضر بجاره من ماكينة قوية، أو فرن ونحوهما، فإن لم يضر فلا بأس، وللجار على جاره حقوق كثيرة أهمها: صلته وبره والإحسان إليه وكف الأذى عنه، والصبر على أذاه ونحو ذلك مما يجب على المسلم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى طننت أنه سيورثه)). متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6015)، ومسلم برقم (2625).


10 - الحجر
• * حكمة مشروعية الحجر:.
• * الحجر نوعان:.
• * فضل إنظار المعسر:.
• * يزول الحجر عن الصغير بأمرين:.


* حكمة مشروعية الحجر:
أمر الله بحفظ المال وجعل من وسائل ذلك الحجر على من لا يحسن التصرف في ماله كالمجنون، أو في تصرفه وجه إضاعة كالصبي، أو في تصرفه وجه تبذير كالسفيه، أو يتصرف بما في يده تصرفاً يضر بحق الغير كالمفلس الذي أثقلته الديون، فشرع الله الحجر حفظاً لأموال هؤلاء.


* الحجر نوعان:
1 - حجر لحظ غيره: كالحجر على المفلس لحظ الغرماء.
2 - حجر لحظ نفسه: كالحجر على الصغير والسفيه والمجنون لحفظ ماله.
* المفلس: هو من دينه أكثر من ماله، ويحجر عليه من الحاكم بطلب غرمائه، أو بعضهم، ويحرم عليه التصرف بما يضر غرماءه، ولا ينفذ تصرفه ذلك ولو لم يحجر عليه.
* من ماله قدر دينه أو أكثر لم يحجر عليه ويؤمر بوفائه، فإن أبى حبس بطلب صاحبه، فإن أصر ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه.
* من كان ماله أقل مما عليه من الدين الحال فهو مفلس يجب الحجر عليه وإعلام الناس به لئلا يغتروا به، ويحجر عليه بطلب غرمائه أو بعضهم.
* إذا تم الحجر على المفلس انقطع الطلب عنه، وليس له التصرف بماله، فيبيع الحاكم ماله ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه الحالة، فإن لم يبق عليه شيء انفك الحجر عنه لزوال موجبه.
* إذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه انقطعت المطالبة عنه، ولا تجوز ملازمته ولا حبسه بهذا الدين، بل يخلي سبيله ويمهل إلى أن يرزقه الله ويسدد ما بقي لغرمائه.
* من لم يقدر على وفاء دينه لم يطالب به، وحرم حبسه، ويجب إنظاره، وإبراؤه مستحب؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/280).


* فضل إنظار المعسر:
إنظار المعسر إذا حل الدين فيه ثواب عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم: (( ... من أنظر معسراً فله بكل يوم مثليه صدقة)). أخرجه أحمد (1).
* من أدرك متاعه بعينه عند إنسان مفلس فهو أحق به إذا لم يقبض من ثمنه شيئاً، وكان المفلس حياً، وكان المتاع بصفته في ملكه لم يتغير.
* الحجر على السفيه والصغير والمجنون لا يحتاج لحاكم، ووليهم الأب إن كان عدلاً رشيداً، ثم الوصي، ثم الحاكم، وعلى الولي التصرف بالأحظ لهم.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23434)، انظر إرواء الغليل رقم (1438).


* يزول الحجر عن الصغير بأمرين:
1 - البلوغ كما سبق.
2 - الرشد: وهو حسن التصرف في المال، بأن يُعطى مالاً ويُمتحن بالبيع والشراء حتى يُعلم حسن تصرفه.
قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (النساء/6).
* إذا عقل المجنون ورشد، أو رشد السفيه بأن يحسن التصرف في المال فلا يغبن ولا يصرفه في حرام أو في غير فائدة زال الحجر عنهما وردت إليهما أموالهما.
* ليُّ الواجد ظلم يُحِلُّ عرضه وعقوبته، فيشرع حبس المدين الموسر المماطل تأديباً له، أما المعسر فله حق الإنظار، والعفو خير وأحسن.