جلسات رمضانية 1410 هـ - 1415 هـ

جلسات رمضانية لعام 1410هـ[1]
رمضان شهر كريم، وفرصة غالية يجب استغلالها في تكثير الحسنات والتقرب إلى رب السماوات بجميع أنواع النوافل والطاعات، وفي هذه المادة بيان منزلة هذا الشهر العظيم وفضله، والحث على الإكثار من الصلوات، وقراءة القرآن، وفضل تناول السحور.


استغلال شهر رمضان للتزود من الأعمال الصالحة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلَّغ النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأظهره الله تعالى على ما سواه، حتى ملكت هذه الأمة مشارق الأرض ومغاربها، وهذا من نعمة الله عز وجل، فصلوات الله وسلامه على محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام: فإن الذي نصر أوَّل هذه الأمة، وأظهر دينها على جميع الأديان، ودك به صروح كسرى وقيصر وغيرهم من أئمة الكفر، قادر على أن ينصر آخر هذه الأمة؛ لأن سنة الله تعالى في عباده واحدة، ولكن الناس إذا أضاعوا أمر الله أضاعهم الله، وإذا نسوا الله نسيهم الله، وإلا فلو رجعنا رجوعاً حقيقياً إلى ربنا عز وجل لوجدنا النصر والكرامة والعزة، ولكن مع الأسف الشديد أن كثيراً من المسلمين أضاعوا أمر الله فأضاعهم الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام: إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا لن يعمَّر، ولن يبقى، فهو موجود من العدم، وصائر إلى العدم، وإن الساعات التي تمر بالإنسان في هذه الدنيا كأنها لحظات، بل هي لحظات: لحظة تتلوها لحظة، وهكذا إلى أن يصل الإنسان إلى آخر نهايته، وهذا أمر يشعر به كل واحدٍ منا.
لقد مضى على رمضان العام الماضي اثنا عشر شهراً برمضان، يعني: بعد رمضان أحد عشر شهراً كلها مضت، ومع ذلك فكأنها أحد عشر ساعة، كأننا بالأمس القريب نصلي رمضان عام (1409هـ)، والآن نصلي عام (1410هـ)، وما هي إلا لحظات زالت، وهكذا أيضاً ما بقي من أعمارنا سوف يزول بهذه السرعة، إذاً فالواجب علينا -أيها الإخوة- أن ننتهز هذه الفرصة، أن ننتهز فرصة وجودنا في الدنيا حتى نعمل للآخرة، والعجب أن الذي يعمل للآخرة ينال الدنيا والآخرة، والذي يعمل للدنيا يخسر الدنيا والآخرة، لا أقول ذلك من عند نفسي ولكني أقول ذلك بكتاب الله، قال الله عز وجل: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97] الحياة الطيبة الدنيا { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97] في الآخرة.
أما عكس ذلك فاستمع: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً } [الكهف:103-105].
أيها الإخوة الكرام: إذا علمنا هاتين الحقيقتين، وهما: أولاً: سرعة الدنيا وزوالها، وأنها تمضي لحظة بعد أخرى، حتى يأتي الإنسان الموت، وعلمنا أيضاً أن الكاسب والرابح هو المؤمن، وأن من لم يكن مؤمناً عاملاً بالصالحات فهو خاسر، استدللنا لذلك بالواقع وبكتاب الله عز وجل، فإنه جدير بنا أن ننتهز فرصة وجودنا في هذه الدنيا لأننا لابد أن ننتقل، لابد أن نُذكر كما كنا نَذكر غيرنا، الذين كانوا من قبلنا وأدركناهم، كانوا يتحدثون كما نتحدث، ويخبرون كما نخبر، وأصبحوا الآن خبراً من الأخبار.

بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
هو في الأول مخبر ويكون خبراً يخبر عنه: فلان رحمه الله، هذا هو الحقيقة.
إذاً فلننتهز -يا إخواني- هذه الفرصة لا سيما في المواسم، مواسم الخيرات التي جعلها الله لعباده، كالأسواق التجارية بل هي التجارة حقيقة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الصف:10-11].
علينا أن ننتهز هذه الفرصة، رمضان متى يأتي؟ ربما يموت الإنسان قبل أن يدركه رمضان الثاني، كما تعلمون أن هناك أناساً كانوا معكم في العام الماضي الآن هم في قبورهم مرتهنون بأعمالهم، لا يملكون أن يزيدوا حسنة في حسناتهم ولا أن ينقصوا سيئة من سيئاتهم، هذا الذي مر عليهم ربما يمر عليك، بل قطعاً سيمر عليك، لكن ربما يمر عليك قبل أن يعود إليك رمضان، إذاً: فانتهز الفرصة! ونحن الليلة في الليلة الثالثة من رمضان انظروا سرعة ذهابه، يعني: مضى منه يومان كاملان، ونحن الليلة في الليلة الثالثة، وسيمر سريعاً فلننتهز هذه الفرصة .


الحث على الطاعات في ليالي رمضان


التعبد لله بالإفطار
أولاً: في الليل، يبدأ الإنسان ليله بالتقرب إلى الله تعالى بأكل الفطور، الإنسان يبتدئ ليله بالتقرب إلى الله تعالى بأكل الفطور، أكل الفطور هو مما يلائم الطبيعة، لأن الإنسان يشتهي الأكل .
ومع ذلك هو عبادة تتقرب بها إلى الله.
إذاً: نبتدئ ليلنا بالتقرب إلى الله تعالى بأكل الفطور، وأنا أقول لكم ذلك من أجل أن ينوي الإنسان عند فطره أنه يفطر طاعة لله ورسوله واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هل منكم أحد يدرك هذه النية؟ أو إذا أذَّن وإذا هو يشتهي التمر والماء أكله تشهياً لا تعبداً، أكثر الناس هكذا، ونحن منهم نسأل الله أن يتوب علينا إلا أن يمن الله علينا بالتذكر، لابد أن يتذكر الإنسان.


إحسان عبادة إجابة النداء والوضوء والصلاة
ثانياً: يجيب المؤذن وهو يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) لكن في حيَّ على الصلاة تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله! يجيب ويدعو وهو مفطر، يجمع بين عبادتين، ثم بعد ذلك يخرج من بيته يمشي إلى أي شيء؟ إلى المسجد متطهراً، لا يخطو خطوة واحدة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، يقدم رجله اليمنى، هذه سنة قولية أو فعلية؟ فعلية، ويقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، هذه سنة قولية، يسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته.
ثم يدخل مع الإمام يصلي مع الإمام كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، فيتقرب إلى الله في هذه الصلاة من وجهين: الوجه الأول: أنه يؤدي فريضة من فرائض الإسلام وهي الصلاة.
الوجه الثاني: أنه يتابع الإمام، ومتابعة الإمام فيها أجر وعبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، قال: ( إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا ) إذاً: تكون عبادة، فيؤدي عبادتين: فريضة الإسلام، واتباع الإمام الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه.
أما إذا أتينا إلى الصلاة أو نظرنا إلى الصلاة، فيالها من روضة يانعة فيها من كل فاكهة زوجان، تكبير لله قرآن تسبيح دعاء هيئات متعددة كلها تنبئ عن التعظيم، أنت ترفع يديك عند التكبير تعظيماً لله تركع تعظيماً لله، ولهذا تقول في ركوعك: سبحان ربي العظيم، لتجمع بين التعظيم القولي والتعظيم الفعلي، إذا رفعت تثني على الله عز وجل؛ لأنه مجيبٌ لمن حمده، سمع الله لمن حمده يعني: أجاب لمن حمده، وتحمد الله عز وجل، ثم تسجد على الأعضاء السبعة، هذه الأعضاء تتناول أدنى ما في البدن وأعلى ما في البدن، ما هو أدنى ما في البدن؟ القدمان، وأعلى ما في البدن؟ الوجه، تسجد كلك، من هامك إلى إبهامك تعظيماً لله عز وجل.
ترى أعلى ما فيك وأشرف ما فيك في مداس الناس في الأرض، والله! لو أمرك أكبر ملك في الدنيا أن تسجد له ما وافقت إطلاقاً، لأبيت أشد الإباء، لكنك ولله الحمد تنقاد وبكل سهولة، وتتلذذ بهذا أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وجعلت قرت عيني في الصلاة ) في سجودك تبتهل إلى الله عز وجل.
تجتهد في الدعاء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( وأما السجود فأكثروا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم ).
ثم ترفع وتجلس بين السجدتين وتسأل الله المغفرة والرحمة والهداية، وتعيد السجود مرة ثانية.
الله أكبر! الركوع مرة واحدة والسجود مرتين، لأن السجود أشد خضوعاً وخشوعاً، لأنك لست تنحني فقط بل تنحني وزيادة، وتضع أشرف ما فيك على الأرض ولهذا كُرِّر في الصلاة، ولم يكرر الركوع في الصلاة إلا في صلاة الكسوف، لأنها صلاة خوف ورهبة، فلهذا كرر فيها الركوع تعظيماً لله عز وجل، ثم عند ختام الصلاة تثني على الله بالتحيات، وبالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليه، وبالسلام عليك وعلى عباد الله الصالحين، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبالاستعاذة بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال.
ما زلنا الآن في أول الليل، ما هي الصلاة التي أديناها؟ صلاة المغرب.


فعل المباح بنية العبادة
ثم تذهب إلى البيت راجعاً يكتب لك ممشاك حيث احتسبته على الله ذاهباً وراجعاً، وتتعشى لتتقوى على طاعة الله، ولذلك ينبغي لنا -نسأل الله أن يوقظ قلوبنا- ألا ننوي بأكلنا وشربنا مجرد التشهي، أن ننوي به: أولاً: امتثال أمر الله عز وجل، لأن الله أمرنا بالأكل والشرب في أي آية؟ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا } [الأعراف:31] { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ } [البقرة:172].
ثانياً: ننوي بذلك حفظ أبداننا؛ لأن بدنك أمانة عندك ائتمنك الله عليه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [التحريم:6] هذه الأمانة الدينية، والأمانة البدنية الدنيوية: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } [النساء:29] { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [البقرة:195] إذاً: فننوي بالأكل حفظ هذا البدن الذي جعله الله أمانة عندك نقيه الشر في الدنيا والآخر.
ثالثاً: ننوي بذلك التنعم بنعم الله، التنعم بنعم الله قربة؟ نعم لأنه يدل على قبولك لنعمة الله عليك، قبولك لمنة الله عليك، ومعلوم أن قبول ذي المنة اعتراف بفضله عز وجل، فأنت تعترف بفضل الله، وتتمتع بنعمه، ولهذا جاء في الحديث: ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه ) إذاً: ويحب أن يتبسط عباده بنعمه؛ لأن الكريم يحب أن ينتفع الناس بكرمه.
رابعاً: تنوي بذلك التقوِّي على الطاعة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( تسحروا فإن في السحور بركة ) أمرنا بالسحور من أجل التقوِّي على الصيام، فأنت تنوي بأكلك وشربك التقوِّي على طاعة الله.
إذاً انقلبت هذه النعمة التي يتمتع بها أكثر الناس تشهياً، انقلبت عبادة، فبإمكان الإنسان الموفق أن يقلب عاداته عبادات، والغافل تكون عباداته عادات، يروح يصلي على العادة، يتوضأ على العادة، يمكن لو عاش في بيئة أخرى غير مسلمة يمكن أن يمشي على ما هم عليه عادة، لكن الموفق يجعل من عاداته عبادات.


قيام رمضان وبعض أحكامه
بعد هذا تذهب إلى المسجد كما قلنا في الأول تتوضأ في البيت وتسبغ الوضوء، وهنا أنبه إلى أنه يحسن للإنسان أن يتوضأ في بيته أحسن من المسجد؛ لأجل أن يخرج وهو متطهر، فإن من توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا وصل المسجد وصلى فإن الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة.
تدخل في صلاة العشاء، تدخل في قيام رمضان؛ لأن التراويح قيام رمضان، لولا أننا نعتقد أنه قيام رمضان لكنا لم نقم رمضان، هو قيام رمضان تماماً، انتبه لا تظن أنه صلاة فقط مجرد هو صلاة لكن هو قيام رمضان، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ) ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيل فيه الصلاة، قالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت: ( كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة -رضي الله عنها وهي من أعلم الناس بصلاته- يصلي أربعا،ً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً ).
هذا الحديث إذاً أربع وأربع ثمان وثلاث إحدى عشر، لكن قولها: يصلي أربعاً، قد يحتمل أن المعنى يصليها جميعاً في تسليمة واحدة، ثم يصلي أربعاً في تسليمة واحدة، وهذا محتمل، لكن يحتمل وجهاً آخر، أنه يصلي أربعاً بتسليمتين يعني: يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم يستريح، والدليل على هذا أمران: الأمر الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) ولم يعهد من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صلى أكثر من اثنتين إلا في الوتر، الوتر كان يوتر بخمس أو بسبع ولا يجلس إلا في آخرها، أو بتسع ويجلس في الثامنة ويتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم، لكن في الوتر ما عهد عنه أنه صلى أكثر من ركعتين، وقد قال هو عليه الصلاة والسلام قوله: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) .
والوجه الثاني: مما يؤيد هذا أنها قالت (ثم) وثم هذه للترتيب والمهلة فيجعل بين الأربع والأربع شيئاً من المهلة، ولهذا أخذ الناس هذا العمل، فصار الناس في صدر هذه الأمة يصلون أربعاً ثم يستريحون ثم يصلون أربعاً، ولهذا سميت تراويح من الراحة، ما هي تراويح بمعنى السرعة، لا، من الراحة! يصلون صلاة طويلة ثم يستريحون، يصلي أربعاً ويستريح، ويصلي أربعاً ويستريح، ثم يصلي ثلاثاً.
وظاهر قولها رضي الله عنها أنه لا يسلم في هذه الثلاث، لأنه وتر والوتر إذا أوتر بثلاث يسردها، لكن قد صح عن ابن عمر أنه يسلم في الركعتين ويأتي بالثالثة، فإن فعلت هذا أو هذا فكله جائز، لكني أرجح أن الثلاث تكون سرداً بتسليمة واحدة.
انتهينا من صلاة أول الليل، بعد ذلك هل يكتب للإنسان أجر إلى الفجر؟ استمع: ( أقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاث ليالٍ، فقالوا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: لو زدت النفل هنا بمعنى الزيادة، لو زدتنا بقية الليلة انظر الهمة العالية، نحن لو أطلنا قال الناس: أطال فلان، ابحثوا عن غيره أخف منه، لكن الصحابة قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: انفلنا بقية الليلة زدنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) اللهم لك الحمد قيام ليلة وأنت نائم! نعم قيام ليلة وأنا نائم، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام نعمة من الله، إذاً يكتب للإنسان الذي يقوم مع الإمام حتى ينصرف قيام ليلة كاملة قاله النبي صلى الله عليه وسلم.


السحور فضله وأحكامه
تقوم في آخر الليل تأكل وتشرب، وهذا الأكل والشرب كله خير، أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( تسحروا فإن في السحور بركة ) وقال: ( فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحور ) اليهود والنصارى يصومون، لكن صيامهم هباء منثوراً بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كفار لا ينفعهم إيمانهم، لو صاموا سنةً كاملة ليست بشيء، ولا تقبل منهم: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران:85] متى يتسحر اليهود والنصارى؟ في نصف الليل؛ لأن نهارهم يبدأ من نصف الليل، لكن المسلمين هم الموافقون للواقع، متى يبدأ نهارهم؟ إذا بدأ النهار وبدأ الصبح، فأوفق من يكون للواقع هم المسلمون، يصومون في النهار ويفطرون في الليل، فهل هذا السحور فيه فائدة؟ نعد الفوائد: أولاً: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: تسحروا.
ثانياً: الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يتسحر، ولم يكن بين سحوره وبين صلاته إلا مقدار خمسين آية، أيضاً يؤخر السحور.
ثالثاً: أن في هذه الأكلة معونة على طاعة الله؛ لأن الإنسان إذا تسحر كفاه ذلك كل اليوم، كم تشرب كل يوم إذا لم تكن صائماً؟ كثير، لكن إذا كنت صائماً سبحان الله! الشرب الذي في السحور يكفيك، هذا من بركته قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تسحروا فإن في السحور بركة ).
رابعاً: إظهار المخالفة لليهود والنصارى؛ لأن هذا السحور هو فصل ما بيننا وبين صيام اليهود والنصارى، ولا شك أن إظهار مخالفة اليهود والنصارى مما يقرب إلى الله: ( من تشبه بقوم فهو منهم ) بل إغاظة اليهود والنصارى مما يقرب إلى الله، بل إغاظة كل كافر مما يقرب إلى الله، قال الله تعالى: { وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } [التوبة:120] وقال الله تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه قال: { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } [الفتح:29].
ما نصانع الكفار لأن الكفار لا يصانعوننا، ولكنا نفعل كل ما يغيظهم، نتقرب بذلك إلى الله، ونعلم أن هذا قربة لنا؛ لأن هذا لنا فيه أجر وهذا وصف محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
الخامس: أنه فيه ما ذكرنا من قبل من فوائد الأكل، يعني: السحور أكل، فيه التنعم بنعم الله، حفظ البدن، امتثال أمر الله، وغير ذلك.
إذاً: تسحرنا -يا إخواني- أجر أم غير أجر؟ أجر، ولكن كل هذه الأمور تحتاج إلى أن الإنسان يتذكر، أكثر الناس لا يتذكر يأكل الأكل يتنعم به ترفهاً بدنياً لا أنه يتنعم به تنعماً عبادياً، لا.
إلا أن يشاء الله، إذا استيقظ الإنسان واستحضر انتفع، أما في النهار فأنت في عبادة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ميزان هذه العبادة ما هي؟ مرتبتها في الإسلام، ركن من أركان الإسلام، تقوم به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولو كنت نائماً، ولو كنت تبيع أو تشتري، أو تتحدث مع أصحابك، أنت في ركن من أركان الإسلام، سبحان الله!


فضل قراءة القرآن في رمضان
هذه نعمة من الله عز وجل في هذا الشهر المبارك، تقرأ القرآن كل حرف من حروف القرآن فيه عشر حسنات.
قال ابن عصفور ويروى مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ) يعني: ثلاثة حروف تعتبر ثلاثين حسنة، وهذا أمر لا يدرك عدده إلا الله عز وجل، كل هذا لأنك تقرأ كلام رب العالمين عز وجل، خالق السماوات والأرض الذي هو أحب حبيب إليك، ما ظنك لو جاءتك رسالة من صديق لك، كل ساعة تطلعها من جيبك وتقرأها، كأنما تواجه صديقك أو حبيبك، أليس كذلك؟ أنت إذا قرأت كلام الله لا شك أن المؤمن أحب شيء عنده هو الله عز وجل، يقرأ كلام الله عز وجل، من جهة التعظيم ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءة القرآن في رمضان.
وكان جبريل يدارسه القرآن وكان يقرأ في كل سنة مرة، إلا السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قرأه عليه مرتين، لماذا؟ من أجل الاستثبات، وأن القرآن ولله الحمد محفوظ إلى آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يتغير، لا بنقص، ولا بزيادة، ولهذا قال العلماء: من أنكر حرفاً منه وهو عالمٌ به فهو كافر، حرف واحد تنكره وأنت تعلم تكون كافراً، لأنك مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، أما الله فيقول: { هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ } [الجاثية:29] ويقول عز وجل: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ } [التوبة:6] هذا كلام الله! أخبر به عن نفسه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد بلَّغ أمته، وقال هذا كلام ربي، بلغهم: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة:67] أما المسلمون فأجمعوا كلهم على أن هذا القرآن الذي بين أيدينا، من فاتحته إلى خاتمته كلام الله، وأنه محفوظ، وأنه ليس فيه زيادة، وليس فيه نقص، بل هو محفوظ بحفظ الله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9] فالحمد لله.
المهم أن كتاب الله عز وجل ينبغي للمؤمن أن يكثر من تلاوته لا سيما في هذا الشهر المبارك، ولا حرج أن يجعل الإنسان لنفسه شيئاً معيناً من القرآن يحافظ عليه، سواءً في رمضان أو في غيره، لا تقل هذا بدعة، أجعل كل يوم جزءاً أو كل يوم نصف جزء أو كل يوم جزئين أو ثلاثة، لأن بعض الناس يشتبه عليه الأمر، يقول: أخشى أني لو أجعل في اليوم شيء معين من القرآن أن هذا بدعة، هذا ليس بدعة هذا تنظيم، أنا لست أتقرب إلى الله عز وجل بهذا العدد المعين جزء أو جزئين، لكن أريد أن أحفظ وأنظم قراءتي للقرآن، لأن الإنسان لو يجعل أنه كل ما فرغ قرأ يمكن يمر عليه الشهرين وما قرأ، لكن إذا جعل له شيئاً معيناً؛ جزء أو نصف جزء أو جزئين أو ثلاثة، حافظ عليه، وسهل عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل ) فلو أن الإنسان منا حرص على أن يجعل له شيئاً معيناً في كل يوم في رمضان، وشيئاً معيناً في كل يوم في غير رمضان، حتى ينظم نفسه بالنسبة لقراءة القرآن كان هذا حسناً وليس ببدعة.
وهكذا يتقلب الإنسان في هذا الشهر من طاعة إلى أخرى، إذا وفق لاستغلال الفرصة، فأنا أوصيكم ونفسي في هذا الشهر بتقوى الله عز وجل واستغلال الفرصة بقدر المستطاع، مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، ولهذا ينبغي لنا بل يجب علينا أن نقرن أفعالنا بالاستعانة بالله عز وجل، نقرنها بالاستعانة، الاستعانة عبادة أم غير عبادة؟ الاستعانة عبادة، إذاً أنت إذا فعلت شيئاً من العبادات مستعيناً بالله، أعانك الله ومع ذلك قربك إليه لأن الاستعانة عبادة.
أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم في هذا الشهر وفي غيره، على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه وهو راضٍ عنا، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


الأسئلة


حكم التهنئة بقوله: مبروك أو كل عام وأنتم بخير


السؤال
ما حكم التهنئة في أول الشهر بقوله: مبروك أو كل عام وأنتم بخير، فهل هي من السنة أم لا؟

الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، التهنئة بشهر رمضان لا بأس بها، وهي عادة معروفة عند الناس يتخذونها من باب الدعاء، يدعو بعضهم لبعض بهذا ولا بأس به، وقد ذكر بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه برمضان، يقول: ( أتاكم رمضان ) مبشراً لهم به، ولكن كلمة: (كل عام وأنتم بخير) هذه يظهر لي أنهم يريدون الدعاء بهذا، يعني جعلك الله في كل عام بخير، لكن لو قالوا كلمة أحسن من هذا وأخص، مثل أن يقول: بارك الله لك في الشهر وأعانك فيه على طاعته، وما أشبه ذلك لكان هذا أحسن من (كل عام وأنتم بخير).


حكم المزاح والضحك في رمضان


السؤال
نلاحظ على كثير من الناس ممن حسنت نياتهم أنهم يفرحون بمجيء رمضان، فيستعدون له بقلوبهم، ولكنهم إذا جاءهم رمضان فإننا لا نلاحظ عليهم أي تغير، فكلامهم يكثر فيه المزاح، وقلوبهم قبل الصلاة وبعد الصلاة وأثناء الصلاة واحدة لا تتغير إلى آخر ذلك، فماذا تنصحهم؟

الجواب
الواقع أن المسلمين يفرحون برمضان على وجهين: الوجه الأول: من يفرح برمضان لأنه ينشط في رمضان على العبادة، ويكثر من العبادة، وهذا لا شك هو الأصل، وهو المقصود، وهو الطيب.
الوجه الثاني: ومنهم من يفرح برمضان لكثرة خيراته، وكثرة نعم الله عز وجل وعفوه على عباده، ولما فيه من الأسباب الكثيرة التي يغفر الله بها للإنسان كالصيام مثلاً.
والذي ينبغي للإنسان أن يفرح في رمضان للأمرين جميعاً، يفرح لأنه ينشط على العبادة ويكثر منها، ويتعبد الله عز وجل بقدر ما يستطيع، ويفرح به أيضاً بما فيه من الخيرات والبركات ونعم الله عز وجل، فإن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وأما كون الإنسان في رمضان لا يضحك ولا يمزح مع أصحابه ولا يتحدث إليهم، فهذا ليس هو المقصود، المقصود ربما يكون ضحك الإنسان ومزحه مع إخوانه من أجل إدخال السرور عليهم، ربما يكون من العبادة أن يدخل الإنسان السرور على إخوانه.
ومع ذلك فإنه ينبغي له ألا يكثر من الضحك والمزاح.


تبييت نية الصيام من الليل


السؤال
ما رأيكم في رجل في آخر يوم من شعبان لم يعلم بطلوع هلال رمضان ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر من أول يوم من رمضان، فهل يستكمل صومه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له ) هل يلزمه القضاء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.


الجواب
إذا كان هذا الإنسان نائماً على أنه إن كان غداً من رمضان فهو صائم فهذه نية صحيحة ويصح بها الصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ).
فهذا الرجل يقول في نفسه: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فإذا تبين أنه من رمضان فقد نوى نية صحيحة، وأما الحديث الذي أشار إليه: ( من لم يبيت النية من الليل فلا صيام له ) فهذا حديث تكلم العلماء فيه، وضعفه كثير من أهل العلم، ورجحوا أنه موقوف وإذا كان موقوفاً، فليس فيه دليل، ثم نقول كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن المراد بذلك من علم؛ لأن النية تتبع العلم، فمن لم يعلم فكيف ينوي؟ فيكون الإنسان الذي يعلم أن غداً من رمضان ليس له الحق أن يؤخر النية حتى يطلع الفجر؛ لأنه عالم بل لابد أن ينوي قبل أن يطلع الفجر، إذا كان عالماً وكلامنا في الشخص الذي لم يعلم.


صفة النية المتعلقة بالصيام


السؤال
هذا السؤال متعلق بالسؤال الذي سبق، يقول: سمعت لك جواباً في برنامج نور على الدرب أن كل يوم له نيته الخاصة به، فما هي صفة هذه النية، وهل هي قول أم نية في القلب؟

الجواب
لا أدري عن هذا السماع الذي سمعه، أنا أرى أن النية الواحدة في أول رمضان كافية عن كل رمضان، ولا حاجة إلى تبييت النية كل ليلة، إلا إذا قطع الإنسان صومه في أثناء رمضان بعذر؛ ثم أراد أن يصوم بعد زوال هذا العذر، فلابد من تجديد النية.
فمثلاً: أول ليلة من رمضان ينوي الإنسان الصوم، ولو سألته هل ستصوم غداً؟ يعني بعد اليوم الأول، لقال: نعم، فهو ناوٍ من حين يدخل رمضان إلى آخر رمضان ونيته واحدة، ثم إن الإنسان إذا قام في آخر الليل، وقرَّب الأكل وأكل وشرب ناوٍ أو غير ناوٍ؟ ناوٍ، لو قيل له: صم ولا تنوِ الصيام، يستطيع أو لا يستطيع؟ لا يستطيع، كما قال بعض العلماء: لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، صحيح! لو أن الله قال: يا عبادي! اعملوا ولا تنووا، لا نطيق، كيف نعمل ونحن نعمل باختيارنا ولا ننوي؟ ما من إنسان يفعل باختياره إلا وهو ناوٍ.
لكن مسألة أن الإنسان يقوم في آخر الليل ويتسحر معروف أنه ناوٍ، لكن لو فرضنا رجلاً نام قبل غروب الشمس اليوم، وما استيقظ إلا بعد طلوع الفجر من الغد، مضى عليه الليل كله وهو نائم، هنا يأتي الخلاف، من قال: إنه لابد أن ينوي لكل يوم من ليلته؛ فصومه على هذا غير صحيح؛ لأنه ما نوى! ومن قال: تكفي النية الأولى، قال: صومه صحيح، وهذا لا شك أنه هو القول الراجح الصحيح، لأن هذا النائم الذي نام بعد العصر اليوم، هل نيته أنه يصوم غداً أو لا يصوم؟ نيته أنه يصوم ما في ذلك إشكال، إلا إذا كان هناك عذر في أثناء الشهر، ثم يزول العذر فلابد أن يجدد النية، مثلاً: لو سافر الرجل وأفطر في سفره، ثم رجع إلى بلده، نقول: لابد أن تجدد النية؛ لأن النية الأولى انقطعت أفطرت، فلابد من أن تجدد النية، والمرأة إذا حاضت تجدد النية.


حكم التهاون في عدم تناول طعام السحور


السؤال
هناك بعض الناس يتهاونون في السحور حيث أنهم ينامون في الساعة الثالثة ويقولون: نقوم قبل الفجر ونشرب ماءً ويكفي ذلك، فما رأي فضيلتكم بذلك؟

الجواب
صحيح أن الأمر يكفي، أي: لو تسحر الإنسان في وسط الليل، ونام إلى قرب طلوع الفجر ثم قام وشرب كفى بلا شك، لكن الأفضل أن يؤخر السحور كله في آخر الليل، لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ) أما الجملة الأولى: ( عجلوا الفطر ) فهي ثابتة في الصحيحين ، وأما الثانية فهي مروية عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا إن لم يصح من قوله فقد صح من فعله أنه كان يؤخر السحور.


حكم استعمال بخاخ الربو للصائم


السؤال
هل استعمال بخاخ الربو يفطر في رمضان؟

الجواب
بخاخ الربو نوعان: النوع الأول المسدس الذي يجعل فيه حبوباً ثم يُطلق وتنفجر في الفم، وتنزل إلى المعدة هذا يفطِّر، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يبقى كل النهار بدونه، فإنه لا بأس أن يفطر والأمر واسع لأنه داخل في قوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:185] وإذا قدر أن هذا من الأمراض المستعصية التي لا يرجى زوالها، فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، ثم إن قدر أن الله عافاه والله على كل شيء قدير؛ فإنه لا يلزمه إعادة الإطعام ولا الصوم، لأن هذا الرجل برئت ذمته في الإطعام فلا تعود مشغولة بدون سبب.
أما النوع الثاني من البخاخ الذي يزول فيه ضيق النفس فهو هواء غاز، لا يصل منه جرم إلى المعدة هذا لا بأس به ولو كان الإنسان صائماً ولا يفطر.


حكم صلاة النافلة بعد الوتر


السؤال
إذا صلى المرء صلاة التراويح وصلى الوتر، ثم خرج إلى منزله ثم ذهب إلى أحد المساجد لاستماع إحدى المحاضرات هل يصلي تحية المسجد إذا دخل ذلك المسجد؟

الجواب
هذه المسألة ينبغي أن نفهمها جيداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) ولم يقل لا تصلوا بعد الوتر، وبين العبارتين فرق، لو قال: لا تصلوا بعد الوتر، قلنا: لا تصل بعد الوتر لا في بيتك، ولا في دخول المسجد، بل يكون هناك تعارض بين هذا الحديث وحديث: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) يعني معنى ذلك أنك إذا ختمت صلاة الليل فأوتر فإذا قدر لك أن تصلي بعد ذلك فلا حرج ما دمت حين أوترت وأنت تظن أنك لن تصلي بعد ذلك فإنك إذا صليت بعده فلا حرج، مثال ذلك: رجل أوتر مع الإمام على أنه لن يصلي، ثم قُدِّر له في آخر الليل فقام، وقال: أحب أن أستغل آخر الليل بالصلاة، فصلى يجوز أم لا يجوز؟ يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وتراً ) وأنا قد جعلت آخر صلاتي بالليل وتراً وأوترت لكن قدر لي أن أقوم أصلي ركعتين صلاة الليل مثنى مثنى، أما إذا وجد سبب فهذا أبين وأبين، إذا وجد سبب للصلاة بعد الوتر فهذا أبين وأبين، مثلاً: أوترت في مسجدك ثم ذهبت إلى مسجد آخر ووجدت الناس يصلون ادخل معهم وصلِّ، فإن أوتروا فقم بعد الوتر وصلِّ ركعة أكمل ليكون شفعاً؛ لأنك قد أوترت من قبل، وكذلك إذا دخلت المسجد فصلِّ ركعتين تحية المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ).


حكم التفريط في قضاء الصيام إلى بعد رمضان الثاني


السؤال
شخص عمره ثلاث عشرة سنة وعليه قضاء ستة عشر يوماً من رمضان الفائت، ولم يبدأ بقضائها إلا في يوم اثنين وعشرين، في هذه الحالة سوف يأتي رمضان قبل إكمال الأيام فهل يقضي بعض رمضان الثاني باقي الأيام، وهل هناك فرق بين البالغ وغير البالغ في هذه الحالة، جزاكم الله خيرا؟

الجواب
نعم هناك فرق بين البالغ وغيره، وهو أنه إذا كان هذا الرجل الذي له ثلاث عشرة سنة، إذا كان لم يبلغ فلا قضاء عليه هو حر، إن شاء قضى وإن شاء لم يقضِ؛ لأن الذي دون البلوغ لا يلزمه الصوم فلا يلزمه القضاء، وأما إن كان بالغاً فإنه يلزمه القضاء ولا يجوز أن يؤخره إلى ما بعد رمضان الثاني، وعلى هذا فإننا نقول لهذا الشخص: إن كنت مفرطاً في هذا التأخير، لأنك لم تبدأ إلا بعد اثنين وعشرين من شعبان، فإن كنت مفرطاً فاستغفر الله، وإذا انتهى رمضان فأكمل الباقي عليك، ستة أيام لأنه صام من ثلاثة وعشرين إلى تسعة وعشرين الجميع سبعة أيام ويبقى عليه ستة أيام يقضيها بعد رمضان، هذا مع التوبة والاستغفار مما حصل منه.


الأفضلية في قراءة القرآن ليلاً


السؤال
مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم كانت في الليل، هل يؤخذ منه أن قراءة القرآن ليلاً أفضل من النهار؟

الجواب
لا شك أن قراءة القرآن في الليل في الغالب أشد حضوراً في القلب، ولا سيما إن كانت ناشئة وهي التي تكون بعد النوم، قال الله تعالى: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [المزمل:6] ولكن هذا غير متعين بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأننا نعلم جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو إمام الأمة، ومتولي أمورها، وهو في النهار مشغول في شأن الخلق، وتدبير أمورهم، وفي الليل لا شك أنه أفرغ، فاجتمع في ذلك أنه أفرغ، وأنه في الغالب أحضر للقلب، فدراسة الناس الآن إذا كان في النهار أفضل لقلبه، وفي الليل يشتغل قلبه، فإنه يقرأ في النهار، وإن نظرنا إلى الغالب فالغالب أنه في الليل أحضر للقلب، وأقرب إلى التدبر.


حكم الاشتراك في قراءة القرآن في رمضان


السؤال
هل يؤخذ من مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم للقرآن فضيلة الاشتراك في قراءته؟

الجواب
هذا لا يؤخذ منه فضيلة الاشتراك، ولهذا لا نفضل الاشتراك على الانفراد مطلقاً، ولا الانفراد على الاشتراك مطلقاً، فإذا كان الإنسان ضعيفاً في القراءة فالاشتراك مع شخص أقرأ منه أحسن، من أجل أن يقوِّم قراءته، إذا كان يكسل أو يأتيه النعاس فاشتراكه مع غيره أحسن، من أجل إذا جاءه النعاس قرص أذنه، حتى لا يأتيه النعاس، مثل ما كان الرسول يفعل مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عبد الله بن عباس لما أحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي قام فصلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان ينعس فكان النبي عليه الصلاة والسلام يأخذ بأذنه إذا نعس، إذا كان هناك مصلحة فالاشتراك أفضل، إذا كان الأصلح في الانفراد لأنه أقوى على التدبر، ولأنه يقرأ الكلام كله بلفظه لا باستماعه، صار الانفراد أفضل، المهم أن الانفراد أو الاشتراك لا يفضل أحدهما على الثاني بكل حال وإنما ينظر للمصلحة.
السؤال: هل يحصل الفضل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم ) الحديث، هل يحصل في الاجتماع في البيت أو المزرعة أو البر على قراءة القرآن؟ الجواب: الله أعلم، ظاهر الحديث أنه لا يحصل إلا إذا اجتمعوا في بيت من بيوت الله، وذلك في المساجد، لأنه يجتمع في ذلك شرف المكان، وشرف القرآن، أما إذا كانوا في مكان آخر فظاهر الحديث أنه لا يحصل لهم هذا.


حكم الإفطار عند الغير لينال فضل تفطير الصائم


السؤال
ماذا يقول فضيلتكم برجل أراد الإفطار عند أخيه المسلم، لا لشيء إلا لأجل أن يتيح لأخيه الآخر فضل تفطير الصائم؟

الجواب
هذا جيد ولاشك، لكن خير منه أن يقول لأخيه: ائتِ إليَّ وافطر معي، لكي ينال هو أجر تفطير الصائم ويسلم من أن يكون للآخر عليه منة، وربما يضيق على الآخر، فلو قال: الليل سأفطر عندك، نعم.
ربما يكون ذاك في ضيق وما استعد له، أو لا يحب أن يفطر معه أحد، يحب أن يفطر هو وأهله، وإذا كان يحب هذا فأولى ما يبر نفسه، يقول: يا فلان! تفضل عندي.
قد يقول هذا الأخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وإذا كان أحب أن يفطر عندي الصائمون فأنا أحب لأخي أن يفطر عنده الصائمون، نقول: ألست أنت تحب أن يفطر عندك الصائمون؟ يقول: نعم أحب ذلك، نقول: هل تقدم بخيرك غيرك؟ لا، في مسائل العبادات أمرنا الله عز وجل بالاستباق إليها، قال: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } [البقرة:148] { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ } [آل عمران:133] لا تؤثر غيرك في القربات أبداً، ولهذا قال العلماء: يكره للإنسان أن يؤثر غيره بالطاعة فلا يؤثر غيره بالصف الأول ويتأخر هو مثلاً، كل طاعة لا تؤثر غيرك فيها، قالوا: لأن هذا دليل على قلة رغبته في الطاعة، لا سيما في مثل مسألتنا، تذهب تسأله أنك تأتي تأكل عنده فطوراً وعشاء، نعم.
مع أن الصحيح في مسألة الإيثار أن نقول: الإيثار بالواجب حرام، والإيثار بالمستحب خلاف الأولى إلا لمصلحة، والإيثار بالمباح حلال، فالإيثارات أقسامها ثلاثة: إيثار بالواجب وهذا حرام، إيثار بالمستحب وهذا خلاف الأولى إلا لمصلحة، إيثار بالمباح وهذا يحمد عليه الإنسان: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر:9] يؤثرون بالأكل يعطون غيرهم يأكلو ولو كانوا جائعين، هذا الشيء من المباح.
الإيثار بالواجب مثاله: رجل ليس معه إلا ماء قليل إن توضأ به كفاه، وإن آثر به غيره نقص عنه وبقي هو يريد يتيمم، نقول: هذا لا يجوز أن تؤثر غيرك، أنت توضأ به وجوباً، إنسان ليس عليه إلا ثوب، وأخوه عريان ولا يمكن أنه يعطيه، إلا وهو متعرٍ، نقول: لا تتعرَ، مع أن مسألة الثوب قد لا تصح مثالاً؛ لأننا نقول: صل به أولاً ثم أعطه صاحبك، لكن مسألة الماء منطبقة تماماً، مثال صحيح.
والإيثار بالمستحب مثل الصف الأول، رأيت إنساناً وأنت في الصف الأول قمت من مكانك وقلت: تفضل يا فلان! هذا خلاف الأولى والفقهاء نصوا بأنه مكروه، لكن الصحيح أنه خلاف الأولى، وأنه إذا وجدت مصلحة فلا بأس، مثل لو أنك تأخرت لهذا الرجل من باب التأليف، لأن بعض الناس إذا رأى أن الناس يؤثرونه ازداد رغبة في الخير والصلاة مع الجماعة، فأنت مثلاً تفعل هذا لأجل أن تؤلفه حتى يرغب هذا طيب، أو إنسان جاء أبوه وتأخر له، هذا أيضاً طيب، لأن أباك في هذه الحالة سوف يراها لك ويحسبها من برك.
أما المباح فهو معروف مثل أن تعطي غيرك الطعام وأنت تشتهيه، لكن تؤثره هذا طيب.


إجزاء صلاة التراويح مع الجماعة عن قيام الليل


السؤال
أنا شاب -ولله الحمد- أصلي التراويح مع الجماعة في المسجد، ولكن في بعض الأحيان أريد أن أصلي في الثلث الأخير من الليل، فهل لي ذلك؟

الجواب
الذي يظهر لي أن من قام مع الإمام حتى ينصرف لا يصلي في آخر الليل؛ لأن الصحابة أنفسهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفلهم بقية ليلتهم فقال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليل ) وفي هذا -والعلم عند الله- إشارة إلى ألا يشق الإنسان على نفسه ويكتفي بصلاته مع الإمام، فإذا اكتفى بصلاته مع الإمام كفى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل قوموا أنتم، إن شئتم فقوموا الباب مفتوح، ما قال هذا، بل قال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) ولكن كما نعلم أن الأئمة فيما سبق يؤدون الصلاة تماماً، يعني يمكنون الناس من الدعاء، ومن سؤال الرحمة، ومن قراءة القرآن على الوجه الذي ينبغي، بخلاف كثير من الأئمة اليوم، كثير من الأئمة اليوم -الله يهدينا وإياهم- يسرعون إسراعاً عظيماً، ما يطمئن الإنسان، ولا يدعو؛ لأنهم يحبون أن الناس يملئون مساجدهم إلا من شاء الله، والناس يحبون العجلة، غالب الناس يحب العجلة، فكثير من الناس يفعل هذا.
أنا حدثني إنسان ثقة رحمة الله عليه يقول لي: دخلت مسجداً في زمان مضى-لكن الآن الحمد لله أخذ المساجد شباب طيب ملتزم، وصار يمشي أحسن من قبل- فأدركت أناساً يركضون ركضاً عظيماً، يقول: إنه دخل وصلى مع الجماعة التراويح، ولما نام في الليل، يقول: كأني دخلت هذا المسجد فوجدت أهله يحندون، الحند: مثل الرقص، كأنهم يرقصون، أي: أن صلاتهم في رؤياه صارت كأنها لعب، ليس فيها فائدة، وهذا لا شك أنه صحيح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي لا يطمئن: ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) وقال عليه الصلاة والسلام: ( تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان -أي: عند الغروب هذا في صلاة العصر- قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا ).


حكم استعمال الإبر الطبية للصائم


السؤال
هناك امرأة أخذت في هذا اليوم إبرة في الرحم وهذه الإبرة ضرورية وهي على موعد لأخذ إشاعة ملونة، ويجب أخذ هذه الإبرة، وقد أخذت الإبرة وخرج على إثرها دم ليس بالقليل، فهل تقضي هذا اليوم؟

الجواب
الصحيح أن الإبر لا تفطر أبداً مهما كانت، إلا إذا كان يستغنى بها عن الأكل والشرب، يعني إذا كانت توضع في المريض بحيث لا يحتاج إلى الأكل والشرب فهذه نقول: إنها بمعنى الأكل والشرب، فتكون مفطرة لا يتناولها الإنسان إلا عند الضرورة، وإذا اضطر إليها تناولها وأفطر والحمد لله.
وأقول لكم بصراحة: نقول لكم هذا ونحن نسأل الله أن يغفر لنا، لأن الإنسان قد يقول قياسها على الأكل والشرب قياس مع الفارق، كيف الفارق؟ يقول: الأكل والشرب يحصل فيه لذة ومتعة بالأكل والشرب بخلاف هذه، هذه تنفع الجسم كما ينفع الأكل والشرب إن قدر أن نفعها للجسم مساوٍ لنفع الأكل والشرب، لكن التلذذ في الأكل والمضغ والحصول في المعدة هذا لا يحصل بهذه الإبر، فيمكن أن يكون الأكل والشرب حرمه الله لما فيه من اللذة والتغذية، ولهذا يقولون: إن المصاب المريض تجد في نفسه شوقاً عظيماً للأكل والشرب، ولو كان يتغذى بها، إذاً ففيها نقص، لكن نحن نقول: إنها تفطر وإن الإنسان إذا احتاج إليها فإنه لا يحتاج إليها إلا في مرض، وإذا كان مريضاً فإنه يحل له أن يفطر ويقضي.
أما الدم فلا يضر لأنها ليست حجامة ولم تأخذ هذا لأجل الدم.
ونسأل الله أن يلحقنا وإياكم خيراً وأن يجعل عملنا صالحاً وخالصاً لله.


جلسات رمضانية لعام 1410هـ[2]
لأول وهلة ينظر إلى الصيام وكأنه جوع مجرد، ومشقة جوفاء، لكن الله الحكيم العظيم ما شرعه إلا لحكم عظيمة، أعظمها: التقوى.
وفي هذا اللقاء بيان لكثير من أحكام الصيام، وإجابات قيمة على أسئلة الحاضرين.


الحكمة من الصوم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإننا في هذه الجلسة سنتحدث -إن شاء الله- عن الصيام وما يتعلق به من أحكام وذلك للأهمية؛ لأن كثيراً من الناس يجهل حكمة الصوم ويجهل كثيراً من مسائله، فنبدأ أولاً بذكر حكمة الصوم.
ما هي الحكمة من أن الله عز وجل فرض على عباده الصوم بل جعله أحد أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام إلا بها، مع أن فيه تعباً على الجسم وعلى النفس، يتجنب الإنسان فيه مشتهياته من الأكل والشرب والنكاح، ويلحقه من الضعف، ضعف النفس، وضعف البدن، ولا سيما في الأيام الطويلة الحارة، ما يجعله أو ما يلحقه المشقة؟ فنقول جواباً على هذا

السؤال
يجب أن نعلم قبل كل شيء أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحكيم، وقد تكرر في القرآن كثيراً، والحكيم هو ذو الحكمة الذي يضع الأشياء في مواضعها { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } وبناءً على هذه العقيدة التي يجب أن يعتقدها كل مسلم، وهي أن الله عز وجل له الحكمة في شرعه وقدره، بناءً على ذلك يرضى المسلم ويسلم بشرع الله عز وجل، كما يرضى ويسلم بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [التغابن:11] قال علقمة -أحد أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: [ ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ] .
فوظيفة المسلم الإيمان بقضاء الله وقدره، والإيمان بشرع الله وحكمه، فنقول: إن الله لم يشرع الصيام إلا لحكمٍ عظيمة، أهمها وأجلها وأعظمها: التقوى.
تقوى الله عز وجل، لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] هذه الحكمة، من أجل تقوى الله عز وجل، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصائم: ( إذا سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم ) أي: لا يسبه ويرد عليه بالمثل، ليقل: إني امرؤ صائم، والصائم لا يسب ولا يشتم ولا يصخب، بل عنده الطمأنينة والوقار والسكينة، وتجنب المحرمات والأقوال البذيئة؛ لأن الصوم جنة، يتقي به الإنسان محارم الله ويتقي به النار يوم القيامة، هذه أعظم حكم الصيام.
ومن حكم الصيام: تعويد الإنسان على المشقة، على تحمل المشقات والتعب، لأن الترف والنعيم وتيسر الأكل والشرب لن يدوم، فيعوِّد الإنسان نفسه على تحمل المشاق.
ومن حكم الصوم كسر حدة النفس؛ لأن النفس إذا كمل لها نعيمها، من أكل وشرب ونكاح، حملها ذلك على الأشر والبطر ونسيان الغير، وأصبح الإنسان كالبهيمة ليس له هم إلا بطنه وفرجه، فإذا كبح جماح نفسه وعودها على تحمل المشاق، وتحمل الجوع، وتحمل الظمأ، وتحمل اجتناب النكاح، صار في هذا تربية عظيمة لها.
ومن حكم الصوم: أن الإنسان يذكر به نعمة الله عز وجل، بماذا؟ بتيسير الأكل والشرب والنكاح، لأن الإنسان لا يعرف الشيء إلا بضده، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
الإنسان لا يدري قدر النعمة إلا إذا فقدها، وانظر الآن مثالاً قريباً: لو أن النفس حبس، أي: صار الإنسان لا يستطيع أن يتنفس لوجد المشقة العظيمة، مع أننا نتنفس ونحن نتكلم، نتنفس ونحن نأكل، نتنفس ونحن نشرب، نتنفس ونحن في اليقظة، نتنفس ونحن في المنام، ولا نشعر بهذه النعمة العظيمة.
وكم مرة يتنفس الإنسان في الدقيقة في الساعة في اليوم في الشهر في السنة، ولا تعرف هذه النعمة، أو لا تعرف قدر هذه النعمة إلا إذا فقدتها، ولهذا إذا أصيب الإنسان بضيق النفس يجد الحرج العظيم، نسأل الله لنا ولكم العافية، لا يلتذ لا بنوم ولا بأكل ولا بشرب ولا بمخاطبة أحد، إذاً إذا صمت وامتنعت عن الأكل والشرب والنكاح عرفت قدر نعمة الله عليك بالأكل والشرب والنكاح، ففيه تذكر نعمة الله.
ومن حكمة الله عز وجل في إيجاب الصوم: أن يذكر الإنسان إخوة له مصابين بالجوع والعطش وفقد النكاح، فيرحمهم ويحنو عليهم ويعطيهم مما أعطاه الله عز وجل، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ينفق ويجود عليه الصلاة والسلام.
وهذه الذكرى -أي: ذكرى إخوانك المعوزين- تحملك على أن تتصدق عليهم، وأن تتبرع لهم، وأن تحسن إليهم، والحكم كثيرة في الصوم، لكن كثير من الناس اليوم نجد يوم صومهم ويوم فطرهم سواء، لا تجد عند الإنسان سكينة الصوم ولا الوقار ولا تجنب السب والشتم والكذب والخيانة أبداً، يوم فطره ويوم صومه سواء عنده، وهذا نقص عظيم في الصوم.
أما ما يصام عنه من الأمور الحسية، يعني: نحن الآن ذكرنا حكمة الصوم.


مفطرات الصوم
ًما هي الأشياء التي يصام عنها؟ الأشياء التي يصام عنها هي التي يسميها العلماء المفطرات، أو مفسدات الصوم، وهي الأكل والشرب والنكاح والقيء وخروج الدم بالحجامة والحيض والنفاس.
هذه المنصوص عليها وفيها أشياء مقيسة ليست منصوصاً عليها.
فالأكل والشرب والنكاح منصوص عليها في قوله تعالى: { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187].
القيء منصوص عليه في حديث أبي هريرة الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ) ذرعه يعني: غلبه: ( ومن استقاء عمداً فليقض ).
خروج الدم بالحجامة منصوص عليه أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) هذه خمسة.
خروج دم الحيض والنفاس منصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ) وقد أجمع العلماء على إلحاق النفاس بالحيض.
بقي علينا أشياء ليست منصوصاً عليها منها ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، يعني: أن الإنسان إذا تناولها اكتفى بها عن الأكل والشرب، هذه تلحق بالأكل والشرب قياساً.
ومنها: خروج المني بشهوة بفعل من الإنسان، فإنه يفطر، من العلماء من قال: إنه ملحق بالجماع، لأن كلاً منهما يوجب الغسل، فكان كلٌ منهما مفسد للصوم ومنهم من قال: إنه منصوص عليه، وذلك أن خروج المني بشهوة هو أعلى أنواع الشهوة، والصوم صوم عن الأكل والشرب والشهوة، لقوله تعالى في الحديث القدسي: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ).
على كل حال، خروج المني بشهوة بفعل من الصائم يفسد الصوم هذا عليه والأئمة الأربعة: مالك و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد وأما خروج المذي بشهوة فلا يفسد الصوم، ولا يمكن أن يلحق بالمني لأن المذي لا يوجب الغسل، وليس هو الشهوة ولهذا يخرج من الإنسان من غير أن يشعر به بخلاف المني، وعلى هذا فلا يصح إلحاقه بالمني، والأصل بقاء الصوم وصحته حتى يقوم دليل على فساده، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يحفظها: كل ما ثبت في الشرع فإنه لا ينقض إلا بالشرع، يعني: ما ثبت بدليل شرعي لا ينقض إلا بدليل شرعي، فإذا ثبت هذا الصيام لا يمكن أن يفسده إلا بدليل من الشرع، ولا دليل على أن المذي ناقض ومفسد للصوم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أيضاً مذهب الظاهرية وهو صحيح.
ذكرنا الأكل، والشرب، والنكاح، وخروج القيء عمداً، وخروج الدم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس، وما كان بمعنى الأكل والشرب، وخروج المني بشهوة، بفعل من الصائم.
هذه الأشياء المفطرة هل فيها كفارة؟

الجواب
لا ليس فيها كفارة إلا واحداً فقط وهو الجماع، الجماع فيه كفارة بشرط أن يكون في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، فإن كان في غير نهار رمضان مثل أن يكون الإنسان يقضي قضاءً، يعني: عليه أيام من رمضان يقضيها فحصل الجماع فإنه ليس فيه كفارة، فإذا كان في نهار رمضان ممن لا يجب عليه الصوم، فكذلك ليس فيه كفارة، مثل: أن يكون الإنسان مسافراً، ومعه أهله وقد صام هو وأهله، ولكن في أثناء النهار أتى أهله، فإنه ليس عليه كفارة ولا إثم أيضاً؛ لأن المسافر يجوز أن يفطر بأي شيء كان، مما أحله الله عز وجل، إذاً عليه القضاء لأنه أفطر فعليه القضاء، وما عدا الجماع ليس فيه كفارة حتى لو أنزل الإنسان فإنه لا كفارة عليه، لكن إذا كان صومه واجباً فعليه إثم وعليه القضاء.


حكم من أفطر ناسياً أو جاهلاً أو غير قاصد
ثم هذه المفطرات لا تفطِّر إلا إذا تناولها الإنسان عالماً ذاكراً قاصداً.
عالماً: وضده الجاهل.
ذاكراً: وضده الناسي.
قاصداً: وضده غير القاصد.
فلو أن الإنسان أكل وشرب يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع فليس عليه قضاء، بل صومه صحيح، لأنه جاهل ولو أكل ناسياً فصومه صحيح، ولو أكل مكرهاً أتاه إنسان وهدده بالحبس أو بالقتل أو بضرب يؤلمه، حتى أكل فلا قضاء عليه وصومه صحيح، وكذلك لو تمضمض ودخل الماء إلى جوفه بدون قصد فصومه صحيح، لأنه غير قاصد.
ما هو الدليل على أن الجاهل والناسي وغير القاصد لا يفطر؟ الدليل عموم وخصوص، أي: هناك أدلة عامة وأدلة خاصة، وأنا أقول لكم: الأدلة العامة يجب إبقاؤها على عمومها فلا يخرج منها أي صورة إلا بدليل، هذا أيضاً خذوها: الأدلة العامة يجب إبقاؤها على عمومها فلا يخرج منها أي صورة، أي: ما يخرج منها أي شيء إلا بدليل، لأن كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم محكم جاء باللغة العربية، فما كان داخلاً تحت الدلالة فإنه باقٍ على ما دل عليه اللفظ إلا بدليل.
الأدلة العامة: قوله تعالى: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286] في أي شيء؟ لا تؤاخذني في أي شيء؟ في كل شيء يقع منا خطأ أو نسيان فلا تؤاخذنا فيه ( قال الله: قد فعلت ) هذه القاعدة العامة العظيمة من الله عز وجل إذا ادعى إنسان أن شيئاً خارجاً منها قلنا له: عليك الدليل.
دليل آخر من القرآن: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب:5].
إذاً ما لا نقصده فليس علينا جناح فيه ما وقع منا بغير قصد فليس علينا جناح فيه: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب:5].
هناك أدلة خاصة في مسألة الأكل جاهلاً أو ناسياً عدي بن حاتم رضي الله عنه أراد أن يصوم، فجعل تحت وسادته عقالين يعني: حبلين يعقل بهما البعير، وجعل يأكل ويشرب وينظر إلى العقالين الأسود والأبيض، لما تبين الأسود من الأبيض أمسك ظناً منه أن قوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة:187] أن المراد به الخيط الحبل، فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذلك بياض النهار وسواد الليل ) ولم يأمره بالإعادة مع أن الذي يأكل حتى يبين العقال الأسود والأبيض سوف يأكل وقد ارتفع النهار وقد ارتفع الفجر، لم يأمره بالإعادة لأنه جاهل بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية.
أيضاً الجاهل بالوقت يظن أن الوقت وقت إفطار وقت أكل وليس كذلك، ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ظهرت الشمس، أكلوا وأفطروا في يوم غيم ظن منهم أن الشمس قد غربت، وبعد ذلك ظهرت الشمس إذاً أكلوا في النهار، لكن جهلاً منهم، جهلاً بالوقت، ما علموا أن الشمس لم تغرب، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ما أمرهم، لو كان القضاء واجباً لأمرهم به كما أمر الذي أساء في صلاته قال له: ( صل فإنك لم تصل ) لو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إليه لا يمكن أن يترك؛ لأنه لو أمر به لكان من الشرع، والشرع محفوظ لابد أن يصل إلى آخر الأمة كما وصل إلى أولهم.
إذاً نقول: لا قضاء، وكما أن هذا مقتضى دلالة الحديث، فهو أيضاً مقتضى الأدلة العامة، { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، وهو كذلك مقتضى القياس على ما صح به الحديث: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) والجهل والنسيان صنوان، يعني: قرينان فإذا عفي عن الإنسان بالنسيان، عفي عنه في جهل ولا فرق.
أما عدم القصد فيؤخذ من قوله تعالى: { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النحل:106] ووجه الأخذ من هذه الآية أن الله رفع حكم الكفر عمن أكره عليه فما دون الكفر من معاصي من باب أولى، كما جاء في الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
هذه لمحة وجيزة سريعة فيما يتعلق بالمفطِّرات ولكن يجب أن نعلم أن الإنسان مأمور بالصوم عن أمرين عن أمور حسية وهي هذه المفطرات، وعن أمور معنوية وهي قول الزور والعمل به والجهل، فعلينا أن نحفظ صيامنا حتى يكون نافعاً مؤثراً، وحتى نتربى به، فلا يخرج رمضان إلا وقد تأثرنا بهذا الصوم، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.


الأسئلة


حكم شم البخور للصائم


السؤال
ذكرت -يا فضيلة الشيخ- في خطبة الجمعة أن من المفطرات البخور، وقلتم: إن له جرماً يدخل في الأنف، مع أنكم ذكرتم في مجالس شهر رمضان كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ، أنه ليس مناط التكليف في المفطرات، في كل ما يدخل في الجوف، فهل البخور بمعنى الأكل والشرب؟ أفيدونا أثابكم الله؟

الجواب
البخور المحظور منه أن تستنشقه لا أن تتبخر به لو تبخرت به وتصاعد إلى أنفك شيء من دخانه بغير قصد لم يضر لكن كونك تجعل المبخرة تحت أنفك ثم تستنشق حتى يصل الدخان إلى جوفك، هذا مثل الماء، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام للقيط بن صبرة : ( وبالغ فيَّ الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) فلما قال له: إلا أن تكون صائماً، بحثنا ما هي الحكمة في أن الصائم لا يبالغ، الحكمة: لئلا ينزل شيء من الماء إلى جوفه، فعلم بهذا أن كل ما يخشى منه نزول شيء إلى الجوف، أو أن كل ما نزل إلى الجوف من طريق الأنف فهو كالنازل إليه من طريق الفم.


وقت الإمساك عن الطعام في رمضان


السؤال
يتفاوت المؤذنون في أذان الفجر، فإذا أذن من نراه أوثق فهل نمسك على أول أذانه، أم لنا أن نأكل حتى ينتهي؟ وهل يجوز للمؤذن أن يحتاط فيؤذن في أول الوقت على ظنه وهو لا يرى طلوع الفجر، إنما يتبع في ذلك التقويم، كل ذلك خوفاً على صيام الناس مع احتمال تصويم الناس قبل الوقت؟

الجواب
الواقع أن مسألة أذان الفجر في وقتنا الحاضر، مشكلة كيف إشكالها؟ الناس لا يمكن أن يروا الفجر بسبب الإضاءة، لا يمكن أن يروه إلا من كان بعيداً، فهم يعتمدون في الحقيقة على الحساب بلا شك، وهنا صرنا نعمل بالحساب بحسب التوقيت اليومي، ولا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري، وهذا حق، أي مسألة أننا لا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري هذا حق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية: ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ) وكذلك الإمساك اليومي أو الإفطار اليومي، معلق أيضاً بالرؤية، قال الله تعالى: { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ } [البقرة:187] وبماذا يتبين الخط الأبيض؟ في اللمس لا، بالشم لا، بالذوق لا، بالرؤية لكن الآن نحن نمشي على الحساب، حتى يتبين لنا بالحساب وإلا ما نشاهده.
على كل حال، ما دمنا نمشي على الحساب، فالحساب أدق من الرؤية، لأن الحساب يبني على تقدير درجات معينة، ولهذا تجد فيه اختلافاً، حتى الحساب الآن فيه اختلاف فهو يمشي على درجات معينة لا على رؤية، ولهذا يقال لنا -ونحن ما جربنا- إن الإنسان الذي يبعد عن الأضواء يجد الفرق العظيم بين تبين الصبح وبين أذان الناس، يعني أن أذان الناس يسبق تبين الصبح؛ لأن هذا مقدر ببعد الشمس عن الأفق بدرجات قد يرى الصبح وقد لا يرى، لهذا نقول: إنه لا يجوز للمؤذن أن يحتاط فيقدم، هذا لا يجوز حرام عليه لأنه إذا فعل ذلك وقع في محاذير، ولنعدها: المحذور الأول: حرمان المسلمين مما أباح الله لهم؛ لأنه إذا أذن وأمسك الناس قبل أن يطلع الفجر، معناه أنه حرم الناس من الأكل والشرب إلى الفجر، وهذا شيء عظيم، ربما يكون الإنسان في هذه اللحظة قام من نومه، يريد أن يشرب ماءً، ولكن سمع الأذان فوقف هذه مشكلة.
المحذور الثاني: أنه قد يصلي الإنسان الفجر على الأذان، أي: شخص يكون متوضئاً وينتظر متى يؤذن حتى يقوم ويصلي كالمرأة في البيت، والمريض في البيت، فيكون هذا صلَّى قبل دخول الوقت وهذا خطر عظيم، كيف يحتاط الإنسان بمنع المسلمين مما أباح الله لهم، وبكون المسلمين يصلون قبل الوقت، أين الاحتياط؟ هذا حقيقة إشغال للذمة، يعني: المؤذن يتعلق الناس بذمته.
المحذور الثالث: أننا إذا قلنا بأن الأذان للفجر لا يجوز إلا بعد دخول الوقت كسائر الأذانات، يعني: أذان الظهر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العصر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان المغرب لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العشاء لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، انتبه! أذان الفجر فيه خلاف بين العلماء، منهم من قال: لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، ومنهم من قال يصح ولو قبل أن يدخل الوقت ولكن في زمن قريب من الوقت، لكن إذا قلنا بأنه لا يصح إلا بعد دخول الوقت، وأذن المؤذن قبل الوقت، يكون أذانه صحيحاً أم غير صحيح؟ غير صحيح.
فالإنسان ينبغي له أن يتقي الله عز وجل، وأن يحتاط في أذان الفجر خاصة، وفي غيره من الأذانات، لكن المشكل الآن أن بعض الناس يجتهد وهو مخطئ، فيقول: أتقدم أربع دقائق من أجل الناس أن يمسكوا، ليس هناك إمساك الإمساك يكون إذا تبين الفجر، أما قول بعض الناس إمساك قبل خمس دقائق ثم الفجر هذا ما أنزل الله به من سلطان، كل واشرب إلى أن ترى الفجر.
فإذا أذن المؤذن وعلم أن المؤذن حريص على ضبط ساعته، وعلى التأني وعدم السرعة، فإن الإنسان ينبغي له -من باب الاحتياط- أن يمسك إذا أذن المؤذن، ولا يأكل وبعض العلماء يرخص له، إذا كان الإناء في يده أن يشرب، وإذا كانت التمرة في يده أو اللقمة في يده أن يأكل، بعض العلماء يرخص في هذا لحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند بسند جيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمع أحدكم الأذان والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي نهمته منه، أو قال: حتى يشرب ) قال: هذا دليل على أنه إذا أذن والإناء في يده فلا بأس أن تشرب، أما أن تأخذ من الأرض بعد الأذان وهو قد أذن على طلوع الفجر فلا تأخذه.
على كل حال الذي أنصح به إخواننا أن يكونوا قد هيئوا أنفسهم وألا يعرضوا صيامهم للخطر.


انتقاض الصوم بالنية


السؤال
رجل مسافر نوى قطع صيامه لكنه لم يجد ما يفطر به، ولما كان قريباً من وقت الغروب استأنف نية الإمساك، فما حكم صيامه؟

الجواب
رجل مسافر نوى أن يفطر يعني: قطع الصوم، ثم أراد أن يعود إلى الصوم من جديد، لما رأى أن المغرب قريب، فهل يصح هذا أو لا؟ نقول: لا يصح، لأنه لما نوى قطع الصوم انقطع، حتى وإن لم يأكل ويشرب ما دام نوى قطع الصوم فإنه ينقطع، ولو استأنف الصوم لم يصح لأن صوم الفريضة لابد أن يكون من قبل طلوع الفجر.


حكم من زاد ركوعاً في صلاة الوتر


السؤال
رجل ركع بعد ما قنت في الوتر وقد ركع قبله، مع العلم أنه هو الإمام، فماذا يفعل؟

الجواب
إذا ركع القانت في الوتر بعد القنوت فإن هذا الركوع يعتبر زيادة في الصلاة، وإذا كان زيادة فالواجب في ذلك سجود السهو ويكون سجوده بعد السلام، لأن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة فمحله بعد السلام، ولا فرق بين الإمام وغير الإمام، لكن المأموم إذا كان لم يفته شيء من الصلاة يتحمل عنه الإمام سجود السهو، أي: لو فرض من المأموم ولو بركعة، ولما رأى الناس سجدوا قام ثم سجد، نقول: أنت أيها المأموم زدت ركوعاً ولكن لما كنت لم يفتك شيء فسلِّم مع الإمام ولا سجود عليك ،يتحمل عنك الإمام، وإن كان قد فاتك شيء فإنه يجب عليك إذا قضيت ما فاتك أن تسجد للسهو.


حكم إخراج النقود بدلاً عن الإطعام على من لا يستطيع الصوم


السؤال
رجل كبير مريض لا يستطيع الصوم، فهل يجزئ إخراج النقود بدلاً عن الإطعام، وهل يجزئ عن ذلك أن يدفعها فيما يسمى تفطير مجاهد؟

الجواب
يجب علينا أن نعلم قاعدة مهمة وهي: أن ما ذكره الله عز وجل بلفظ الإطعام أو الطعام وجب أن يكون طعاماً، وقد قال الله تعالى في الصوم: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184] وقال في كفارة اليمين: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } [المائدة:89].
وفي الفطرة فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، فما ذكر في النصوص بلفظ الطعام أو الإطعام فإنه لا يجزئ عنه الدراهم، وعلى هذا فالكبير الذي كان فرضه الإطعام لا يجزئ أن يخرج بدلاً عنه دراهم، لو أخرج بقدر قيمة الطعام عشر مرات لم يجزئه، لأنه عدول عما جاء به النص كذلك الفطرة، قال بعض الناس: لو أخرج صاعاً من الذهب لم يجزئ عن صاعٍ من الحنطة؛ لأن الذهب غير منصوص عليه والحنطة منصوص عليها، أي: مذكورة من القرآن، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فالذي حمل بعض الناس أن يقولوا هذا القول، قال: أنا معي أصل، هل نص الرسول على الدينار والدرهم؟ لا، (من طعام) وعلى هذا فنقول للأخ الذي لا يستطيع الصوم لكبره: أطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولك في الإطعام صفتان: الصفة الأولى: أن توزع عليهم في بيوتهم، كل واحد تعطيه خمس الصاع من الرز وتجعل معهم ما يؤدمه وأي شيء، فاصنع طعاماً وادع إليه عدد المساكين الذي يجب أن تطعمهم، يعني يمكن إذا مضى عشرة أيام تصنع طعام عشاء، وتدعو عشرة من الفقراء يأكلون، وكذلك في العشر الثانية، والعشر الثالثة، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر وصار لا يستطيع الصوم، يطعم ثلاثين فقيراً في آخر يومٍ من رمضان.
وأما صرفه لما يسمى بتفطير مجاهد، فالمجاهد ليس عندنا حتى نفطره وإذا دفعنا ما يفطره اليوم متى يصل إليه، ربما يصل بعد يومين ثلاث وربما لا يصل إلا بعد العيد والله أعلم، حسب بعد المواصلات، وحسب تسهيل الوصول، لكن شيئاً طلب منك اجعله في بلدك، حتى تكون مطمئناً على وصوله في وقته، ومثل ذلك أيضاً الفطرة لا تخرجها إلا في بلدك مهما كان الأمر، حتى أن العلماء قالوا: يحرم على الإنسان أن يخرج فطرته في غير بلده، فإن كان ليس في بلده فقراء أخرجها في أقرب البلاد إليه من البلاد التي فيها الفقراء، والفطرة والأضاحي مطلوبة من الشخص تتعلق ببدنه، ولهذا قال العلماء: لو كان الإنسان في بلد وماله في بلد أخرج فطرته في البلد الذي هو فيه، وأخرج زكاة المال في البلد الذي فيه المال.
وكوننا نجعل حتى الفطرة والأضحية تذهب إلى المكان الفلاني والمكان الفلاني، والناس الفلانيين والناس الفلانيين هذا خطأ، لأن هذه عبادات مقصودة منا، الأضحية إذا دفعناها إلى مكان ما بقيت بيوتنا ليست فيها أضحية فلا نقيم فيها شعائر الإسلام والأضحية من الشعائر، ولهذا قال العلماء: لو تصدق بقيمة الأضحية ألف مرة ما أجزأت عن الأضحية، لأن الله يقول: { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } [الحج:37] وأنا أرى أن مساعدة المجاهدين في أفغانستان أو في غيرها من بلاد المسلمين ينبغي أن يحث الناس على التبرع، حتى يجعلوا من أموالهم نصيباً للجهاد في سبيل الله، أما أن تجعل الزكوات الواجبة التي هي خارجة على كل حال ومفروضة، تجعل في الجهاد، ولا تبذل أموال خاصة للجهاد، معنى ذلك أننا دفعنا ضريبة الجهاد مما أوجب الله علينا من الزكاة، فكأننا لم نشارك في الجهاد، يعني: الزكاة مطلوبة منا، وفتح هذا الباب للناس أن يجعلوا زكاة أموالهم وزكاة أبدانهم تصرف في الجهاد في أفغانستان أو غيرها، أنا عندي أنه يجب أن يتأمل الإنسان فيه، حتى لا نفتح للناس وقاية أموالهم بزكوات أموالهم، نقول: اجعل من مالك للجهاد حتى تكون مجاهداً أما أن تجعل زكاتك في الجهاد كيف هذا؟ صحيح أن المجاهدين لهم حق في الزكاة، لكن غير المجاهدين سبعة أصناف لهم حق في الزكاة أيضاً، فاجعل التبرع للجهاد من مالك، واجعل من زكاتك للجهاد، واجعل لبقية الأصناف نصيبهم.
على كل حال الذي أريد أن أقوله في مسألة الزكاة: زكاة الفطر لا يجوز أن تخرج في غير بلد الإنسان، الأضحية لا يجوز أن تصرف إلا في بلد الإنسان، الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، جعلها الله للمقيمين في أوطانهم، كما جعل للحجاج هدايا في مكة والله حكيم، أما أن نصرف دراهم للمكان الفلاني والمكان الفلاني، وتبقى بيوتنا معطلة من الأضاحي، أو من العقيقة -مثلاً- بالنسبة للأولاد فلا.
افتح للمسلمين التبرع للجهاد بأموالهم؛ لأن الجهاد بالمال عديل الجهاد بالنفس، دائماً يقرن في القرآن بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، ويقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.
أما أن نجعل زكواتنا والأشياء التي أوجب الله علينا نجعلها في الجهاد، ونبقي دراهمنا محفوظة ما نشارك في الجهاد، هذا فيه شيء من النظر، ولست أقول لا يتبرع! ينبغي أن نتبرع للمجاهدين في كل مكان؛ لأنهم إخوتنا وعلينا نصرتهم، لكن كوننا نجعل واجباتنا التي أوجب الله علينا في أموالنا، أو أوجبها الله شعيرة من شعائر الإسلام، تكون في بيوتنا، نصرفها يميناً وشمالاً هذا فيه نظر.


حكم تنبيه الصائم إذا سها فأكل أو شرب


السؤال
إذا رأيت صائماً يأكل أو يشرب فما حكم التنبيه له، وكيف يكون تنبيهه؟

الجواب
يجب إذا رأيت من يأكل أو يشرب وهو صائم أن تنبهه؛ لأنه وقع في سهو والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولهذا لو رأيت شخصاً نائماً وقت الصلاة، هل تقول: إن النائم مرفوع عنه القلم فلا أوقظه، أو توقظه؟ طبعاً! توقظه، والعلماء قالوا: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة قبل أن يخرج وقت الصلاة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا نسيت فذكروني ) الصائم الذي يأكل ناسياً معذور، لكن العالم به ليس بمعذور؛ لأنه يعلم أن هذا يفعل مفسداً لصومه لولا العذر، إذا كان يعلم بذلك فلينبهه.


حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً


السؤال
ما هو الصحيح فيمن جامع امرأته في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً هل عليه كفارة أم لا؟

الجواب
جميع مفطرات الصوم ومنها الجماع، إذا كان الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو غير قاصد، فإنها لا تفطر، وعلى هذا فمن جامع زوجته ناسياً فليس عليه شيء، وصومه صحيح، ومن جامعها جاهلاً كأن يظن أن الفجر لم يطلع، لا جاهلاً بالحكم لأني لا أظن أن أحداً عاش بين المسلمين يجهل أن جماع الصائم حرام، كل الناس يعلمون أنه حرام، لكن الجاهل في الجماع يمكن أن يكون جهل طلوع الفجر، أي: يجامع زوجته في آخر الليل، وهو لا يظن أن الفجر قد طلع، فيتبين أنه طالع، فحينئذ نقول: صومه صحيح ليس عليه كفارة، ومثل ذلك لو كان يجامع أهله فأذن الفجر، على طلوع الفجر فإنه يجب عليه أن ينزع وصومه صحيح وليس عليه كفارة.


المسافر لا يفطر إلا بعد خروجه من البلد


السؤال
هل يجوز لمن نوى السفر أن يفطر قبل أن يخرج من بيته؟ فإذا كان يجوز له ذلك فما الحكم فيما لو نوى السفر فأفطر قبل الخروج، ثم لم يتيسر له السفر، أرجو التوضيح؟

الجواب
لا يجوز لمن نوى السفر أن يفطر حتى يخرج من البلد، وذلك؛ لأن رخص السفر مربوطة أو منوطة بحصول السفر فعلاً، لأن الله تعالى يقول: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } [النساء:101] إذا ضربتم، ولم يقل: إذا أردتم الضرب في الأرض، فالضرب لا يكون إلا في الخروج من البلد، فلا يجوز لمن أراد السفر أن يفطر، إلا لمن سافر فعلاً.
ولكن هاهنا مسألة وهي: إذا أراد أن يسافر في الطيارة من بلدٍ في القصيم فمعلوم أن المطار ليس في البلد، ليس في بريدة ، وليس في عنيزة ، ولا في الرس ، ولا في البكيرية ، ولا في أي مدينة من مدن القصيم ، مستقل! هل يجوز لمن أراد أن يسافر في الطائرة وهو في المطار أن يفطر؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأنه خرج عن بلده ويجوز أيضاً أن يقصر الصلاة لأنه أيضاً خرج عن بلده، والعلماء قالوا: متى خرج عن عامر البلد فقد شرع في السفر فيجوز له رخص السفر.


الدعاء المأثور عند الإفطار


السؤال
ما هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإفطار؟

الجواب
الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإفطار لم تكن في الصحيحين ولا في أحدهما، لكنها في السنن، ومنها: ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) اللهم لك صمت: وهذا إخلاص، وعلى رزقك أفطرت: وهذا شكر لله عز وجل.
وورد أيضاً فيما إذا اشتد الحر وأفطر الصائم: ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك حين إفطاره، وهذا الحديث واضح أنه في يوم كان شديد الحر، لأن العروق يابسة، والظمأ حصل، فإذا شرب قال: ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر ) أجر الصوم، وأجر مشقة الظمأ.


حكم رؤية الدم بعد تيقن الطهر للمرأة الصائمة


السؤال
امرأة حائض رأت علامة الطهر في الليل فاغتسلت وصامت من الغد، وفي أثناء النهار خرج منها قدر يسير من الدم علماً أنها استوفت في حيضتها المدة المعتادة، هل تصوم وتصلي أم أن ذلك دم حيض، وإذا كان هذا الدم يسيراً ويستمر أياماً فما الحكم؟

الجواب
إذا كانت المرأة هذه قد تيقنت الطهر في آخر الليل وصامت، فإن النقطة والنقطتين بعد الطهر ليست بشيء، لا تمنع لا من صلاة ولا من صيام، كالصفرة والكدرة، وعليه فصوم هذه المرأة صحيح، ولا قضاء عليها، حتى لو جاء في اليوم الثاني والثالث والرابع نقطة أو نقطتان ليس بشيء.


تصفيد الشياطين في رمضان


السؤال
كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم فيما معناه: ( إذا جاء رمضان صفدت الشياطين فلا يخلصون إلا ما كانوا يخلصون إليه في غيره ) وبين ما يفعله كثير من الناس من المعاصي في هذا الشهر الكريم، من إغواء الشيطان لهم، بترك بعض الصلوات أو غيرها من المعاصي؟

الجواب
يجب أولاً أن نعلم قاعدة مهمة، وهي: أن ما ثبت في الكتاب والسنة فلن يخالف الواقع أبداً، فإن وجد في الواقع المحسوس المعلوم ما ظاهره أنه يخالف الكتاب والسنة، فماذا نصنع؟ نقول: يجب تأويل الكتاب والسنة لأن فهمنا يكون حينئذ خطأً، يكون الله ما أراد هذا الذي فهمنا، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم أراد هذا الذي فهمنا.
إذا حصل في الواقع ما يخالف ظاهر الكتاب والسنة، يؤول ويكون فهمنا أن المراد به ما خالف الظاهر فهماً خطأً، لأن كلام الله ورسوله لا يمكن أن يناقض الواقع إطلاقاً، فهذا الذي ذكره السائل أن رمضان تصفد فيه الشياطين، ولا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، والواقع كما قال: يوجد أناس من الفسقة يزداد فسقهم في رمضان، فالشياطين الآن مصفدة عنهم أم مصفدة فيهم؟ والله أعلم مصفدة فيهم.
على كل حال العلماء رحمهم الله قالوا: إن في بعض روايات هذا الحديث تصفد مردة الشياطين، وليست الشياطين كلها تصفد، إنما تصفد المردة، وبناءً على ذلك تسلط غير المردة على هؤلاء الفسقة، ولا مانع، وبعضهم قال: إنها تصفد الشياطين كلها، وذكر المردة في بعض الألفاظ لا يقتضي التخصيص؛ لأن لدينا قاعدة وهي: أن ذكر بعض أفراد العام بحكم مطابق للعام لا يكون ذلك تخصيصاً.
إذاً كيف يحمل؟ يقال: يحمل بالنسبة لأهل الحق والإيمان تصفد الشياطين عنهم فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غير، وحينئذٍ نتخلص من تسليط الشياطين على الفسقة في هذا الشهر.


البخل والتقتير على الزوجة والأولاد


السؤال
رجل يقتر على زوجته وأولاده مما يجعلهم في حاجة إلى مساعدة غيرهم، وقد نشب بينهم خلاف فقال: إن أخذت شيئاً من أهلك فأنتِ حرام عليَّ، وقد ندم مؤخراً على كلامه ويريد أن يرجع عنه، فماذا يفعل وهل يجوز أن يدفع لها أخوها من زكاة ماله؟

الجواب
أولاً: أنا أنصح هذا الرجل المقتر، بأنه آثم عاصٍ لله عز وجل، إذا قتر فيما يجب عليه لزوجته وأولاده، لأن الله أوجب عليه الإنفاق على زوجته وعلى أولاده، فإذا بخل فقد عصى الله عز وجل، والبخل مرض، من الذي يوصف بالبخل؟ اليهود هم أصحاب البخل، هل ترضى لنفسك بأنك تكون مشابهاً لليهود؟ أبداً، لا أحد من المسلمين يرضى أن يكون مشابهاً لليهود أبداً، ولكن البخل من أخلاق اليهود، مع كونه معصية لله ورسوله، مع كون هذا الرجل سفيهاً في عقله، بعد أن كان ناقصاً في دينه فهو سفيه في عقله كيف؟ لمن يعود هذا المال إذا بخل به؟ إذا مات يعود إلى ورثته وقد يكون من بينهم زوجته وهؤلاء الأولاد الموجودون الآن، فإن لم يكن له زوجة ولا أولاد من الذي يرثه؟ بنو عمه البعيدون، فيبخل بالمال على نفسه وعلى أقرب الناس إليه ليكون لبني عمه البعيدين، فإن لم يكن له بنو عم فلبيت المال أبعد وأبعد، هذا مسكين هذا المال الذي يبخل به يرثه إما أولاده أو زوجته الموجودون، وإما بنو عمه البعيدون، وإما من هو أبعد وهو بيت المال.
هذا إن بقي المال مع إنه ربما يسلط عليه آفة تفنيه، ربما يصاب هذا البخيل بأمراض يحتاج معها إلى أموال كثيرة فتفنى أمواله وهو حي.
فنحن نقول لهذا الرجل: أنت الآن ناقص الإيمان سفيه العقل، ونقول له: ( إن كل يوم تطلع فيه الشمس فيه ملكان أحدهما يقول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الثاني: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ) هل تحب الخلف أم التلف؟ يمكن البخيل هذا يحب التلف، إنما كل إنسان يحب الخلف، ما يمكن يحب التلف، ثم نقول اقرأ قول الله عز وجل { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ:39] الذي يرزقك الله، لا تظن أن المليون الذي عندك إذا نقص عشر ليرات معناه: لم يعد تماماً، بل سيصبح أكثر، يتم المليون وزيادة: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ:39].
فنصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله ويقوم بالواجب لزوجته وأولاده حتى يبارك الله له في ماله ويتخلص من مشابهة اليهود، أما بالنسبة للزوجة والأولاد فلها شرعاً أن تأخذ من ماله بغير علمه ما تقوم به كفايتها، تسطو على الصندوق إن كانت تعرف المفتاح، وتأخذ ما تريد بشرط ألا تسرف، تأخذ من المخبأة إذا علَّق الثوب تأخذ منه حاجتها، بشرط ألا تسرف، لها ذلك شرعاً لأن هند بنت عتبة شكت زوجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يعطيها ما يكفيها وولدها قال: ( خذي من ماله ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف ).
فإذاً نقول: أنتِ حرة لكِ الحق أن تأخذي، فإن لم تستطيعي كأن يكون هذا الرجل يحمل مفتاح الصندوق معه، والمخبأة لا يجعل فيها شيئاً أو حصل لها شيء، ماذا تعمل؟ تأخذ من أقاربها ولا تموت هي وأولادها، لها أن تأخذ، وإذا حرم عليها أن تأخذ من أقاربها، لم يلزمها أن تطيعه في ذلك، لها أن تأخذ، وهو الذي يتعب ليتخلص من هذا التحريم.
وإذا كان هذا الرجل حاضراً يقول: إن شاء الله لن أعود إلى البخل فأنا أفتيه أن يكفر كفارة يمين عن هذا التحريم، وينحل التحريم، يطعم عشرة مساكين ويتركها تأخذ من الذي تريد، وخير من ذلك أن يعطيها هو من ماله.


كيفية نصح المقصر في صلاة الجماعة والمستهزئ بالمتدينين


السؤال
زوجي يصلي الأوقات كلها ولكن في غير المسجد، يصليها في المنزل وهو يصوم أيضاً، لكن يكثر الكلام عن الدين والمتدينين والاستهزاء بهم، وأنا أناصحه في ذلك على قدر استطاعتي، فما نصيحتكم وما رأيكم يا فضيلة الشيخ؟!

الجواب
رأيي أن تستمري في نصيحته، أنا أخاطب المرأة السائلة أن تستمر في نصيحة زوجها، ولعل الله أن يهديه لكن لا تستمروا في نصيحته على وجه يضجره، بل تتحين الفرص إذا كان هادئ البال، طيب القلب، مطمئناً راضياً تحدثه، أما أن تضجره كلما دخل قالت: صلِ مع الجماعة، كلما دخل قالت: صلِ مع الجماعة، جلس يأكل يتغدى قالت: صلِ مع الجماعة، يتعشى قالت: صلِ مع الجماعة يشرب القهوة قالت: صلِ مع الجماعة، هذا تضجره ربما يغضب ويقول شيئاً يخرجه من الدين وهو لا يدري.
وأما كونه يسخر بأهل الدين، فهذه نقطة هامة يجب الوقوف عندها، إن سخر بأهل الدين من أجل ما هم عليه من الدين، يعني كراهة لدين الله فهذا كفر مخرج عن الملة، ولو صلى وصام، لأن الله يقول: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة:65-66] كفرهم الله بعد إيمانهم لاستهزائهم بالله وآياته ورسوله.
أما إذا كان يكرههم لا للدين الذي هم عليه، فهذا لا يكفر لكنه أخطأ خطأً عظيماً، لأن الواجب علينا محبة من يحب الله ورسوله، لكن قد يقول لي قائل: كيف نفرق بين من يستهزئ بالمتمسكين بالدين على وجه شخصي، أو يستهزئ لأنه متمسك بالدين؟ يعني قد يقول الإنسان: لا أعرف الفرق، كيف الفرق؟ نقول: لو أن أحداً من الناس الذين يجلهم هذا الرجل، فعل مثل ما فعل هؤلاء الملتزمون، ما كرهه فهذا نعلم أنه لم يكره الدين وإنما كره هؤلاء لأشخاصهم، لكن لو فعله واحد غيرهم ممن يجله ويعظمه، ما كرهه وهذا شيء يقع كثيراً، أي: ما أحب أسمي شخصاً بعينه حتى أضرب به المثل لكن لو وجد عالم من علمائنا المعتبرين، الذي هم محل الثناء عند الناس فعل مثل ما فعل هؤلاء الأخوة الملتزمون، لم تجد هذا الرجل يسخر منه ولا يستهزئ به، لكن إذا فعله هؤلاء سخر منهم.
إذاً الاحتقار هنا لما هم عليه من الدين أم لأشخاصهم؟ هذا واضح بأنه لأشخاصهم بدليل أنه لو فعله إنسان آخر يجله ما استهزأ فهذا هو الفرق.
على كل حال نصيحتي لهذا الرجل أن يقوم بما أوجب الله عليه من الصلاة مع الجماعة، وليعلم أن تركه للجماعة نقص في صيامه وفي دينه أيضاً، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وترك الجماعة في المساجد لا شك أنه معصية.


التقوى والزهد والورع


السؤال
كيف يستشعر الإنسان التقوى وبماذا تحصل؟ وما الفرق بين التقوى والورع؟

الجواب
هذا في الحقيقة سؤال مشكل، كيف يكون الإنسان تقياً، مشكل لكن جوابه سهل، يكون تقياً بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، وأهم ما يكون الصلاة وحضور القلب فيها، وكل المشاكل التي تصيب الإنسان من الخواطر والوساوس والتهاون كله بسبب إضاعة الصلاة: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ } [مريم:59] { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [العنكبوت:45] حاول أنك تكون دائماً مستحضر القلب في صلاتك، تجد أن الله يمن عليك بالتقوى بكل سهولة، فهذا أهم دواء يتداوى به الإنسان،وأما الفرق بين التقوى والورع، فلا فرق بينهما في الحقيقة؛ لأن الورع تعريفه: ترك ما يضر في الآخرة، والتقوى ترك ما يضر في الآخرة، لأن التقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي، وترك الأوامر أو فعل النواهي يضر بالآخرة، والورع كما قال العلماء: ترك ما يضر في الآخرة، لكن ما الفرق بين الورع والزهد؟ فلان زاهد وفلان ورع ما الفرق؟ قالوا: إن الزهد أعلى مقاماً من الورع، الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يضر وبينهما مرحلة، ما هو الذي بينهما؟ الذي ليس بنافع ولا ضار يفعله الورع ولا يفعله الزاهد، لأن الزاهد لا يفعل إلا ما ينفع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


جلسات رمضانية لعام 1410هـ[1-3]
إن الله جل وعلا قد بين لنا الحلال والحرام، وهو الذي بيده التحليل والتحريم، وقد تحدث الشيخ عن الأشياء المحرمة التي ذكرها الله جل وعلا في كتابه، ثم ذكر حكم طعام أهل الكتاب.


وقفات مع آيات بينات من سورة المائدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فإننا في هذه الليلة تَلَونا قولَ الله عزَّ وجلَّ: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } [المائدة:3] إلى آخر الآية.
وهذا من المُحَرَّم المفصَّل، والله سبحانه وتعالى يقول: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [الأنعام:119].
وإنما كان التفصيل في المحرم؛ لأن ما أحله الله لنا أكثر مما حرمه علينا؛ فجعل المحرمات محصورة مفصَّلة معيَّنة، أي: وما سوى ذلك فهو حلال.
وبناءً على هذه الآية: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } لو شككنا في شيء من الأشياء، مطعوماً كان أم مأكولاً أم ملبوساً أم مستعملاً، لو شككنا فيه هل هو حلال أو هو حرام؟ لقلنا: إنه حلال؛ لأنه لو كان حراماً لفصَّله الله لنا؛ فإن الله تعالى قد فصَّل لنا ما حرَّم علينا.
فلو صاد الإنسان طيراً، وأشكل عليه هل هو حلال أو حرام؟ فهو حلال، هذا هو الأصل.
ولو وجد زاحفاً في الأرض من الحيوانات الكثيرة في الأرض، وأشكل عليه أحلال هو أم حرام؟ فهو حلال؛ حتى يقوم دليل على التحريم؛ لأن الله سبحانه وتعالى فصَّل لنا ما حرم علينا.
ومع ذلك فإن هذه المحرمات المفصَّلة إذا اضطر الإنسان إليها صارت حلالاً، ولهذا قال: { إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [الأنعام:119] فما دعت الضرورة إليه من المحرمات ولو كان من أخبث ما يكون من المحرمات، فإنه يكون حلالاً لنا، ولا يُستثنى من هذا شيء؛ لأن الله عزَّ وجلَّ قال: { إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } .
في آية المائدة -التي نحن بصدد الكلام عليها بما تيسر- يقول الله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } [المائدة:3] : فمن الذي حرمها؟ الذي حرمها هو الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه لا يتولى التحليل أو التحريم إلا الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تعالى: { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } [النحل:116].
ولقوله: { قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس:59].
فالذي بيده التحليل والتحريم والإيجاب والإباحة هو: الله عزَّ وجلَّ.


تفسير قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة)
حرم الله علينا الميتة، والميتة قال العلماء: هي: كل حيوان مات حتف أنفه، أو ذُكِّي بغير ذكاة شرعية.
فالأول الذي مات حتف أنفه: هذا ميتة لغة وشرعاً.
والذي ذُكِّي على غير وجه شرعي: هذا ميتة شرعاً؛ وإلا فقد يكون أُنْهِرَ الدم فيه؛ لكنه ميتة؛ لأنه لم يذكَّ على طريق شرعي.
فلو أن رجلاً ذَكَّى شاة بحادٍّ، يعني: بسكين حادة، وقطع كل ما يعتبر قطعه، ولكنه لم يذكر اسم الله عليها، فإنها تكون حراماً، تكون ميتة، لماذا؟ لأنها لم تذكَّ على وجه شرعي.
ولو أن وثنياً أو مرتداً ذبح شاة وقال: باسم الله، وقطع ما يجب قطعه فإن هذه الشاة ميتة شرعاً.
وعلى هذا فلو أن رجلاً لا يصلي ذكى شاة وقال: باسم الله، وقطع ما يجب قطعه فإن هذه الشاة لا تحل؛ لأن الذي لا يصلي مرتد كافر، لا تحل ذبيحته.
إذاً: الميتة ما هي؟ هي: التي تموت حتف أنفها، يعني: تموت بدون سبب، أو بذكاة غير شرعية.
يُستثنى من ذلك: ما استثناه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو: السمك، والجراد؛ فإن السمك ميتته حلال، حتى وإن لم تَصِده، لو وجدته على ساحل البحر ميتاً فهو حلال تأكله، وكذلك الجراد لو وجدته ميتاً فهو حلال تأكله؛ اللهم إلا أن يكون قد قُتل بمواد كيماوية، يُخشى منها الضرر، فهذا لا يؤكل من أجل ضرره؛ لا من أجل أنه ميت، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: ( أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان: فالجراد، والحوت، وأما الدمان: فالكبد، والطحال ).


تفسير قوله تعالى: (والدم)
الثاني: { وَالدَّمُ } [المائدة:3] : الدم: هذا عام يشمل كل دم؛ لكن بشرط ألا يكون الدم مما ذُكِّي ذكاة شرعية، فإن كان مما ذُكِّي ذكاة شرعية فإنه حلال، يعني: لو أنك ذبحت شاة ذبيحة شرعية وماتت، وبدأتَ تسلخها وظهر منها دم ولو كان كثيراً، فإن ذلك حلال؛ لأنه خرج من مُذَكىً ذكاة شرعية، أما ما خرج من حيوان حي فهو حرام، وكانوا في الجاهلية إذا سافروا وانقطع بهم السفر، ونفد طعامهم يَفْصِد الإنسانُ عِرْقاً من ناقته ويَمُصُّه، يشرب الدم، هذا عند الضرورة لا بأس به؛ لكن لغير الضرورة لا يجوز.


تفسير قوله تعالى: (ولحم الخنزير)
قال تعالى: { وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } [المائدة:3]:- وهو حيوان خبيث معروف حرام.
وقد أَعَلَّ الله عزَّ وجلَّ الميتة والدم ولحم الخنزير بقوله: { فَإِنَّهُ رِجْسٌ } [الأنعام:145] { قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } [الأنعام:145] أي: خبيث، خبيث شرعاً، وخبيث طبعاً؛ لأن هذه الثلاثة: الميتة، والدم، ولحم الخنزير تؤثر على صحة الإنسان، تؤثر عليها تأثيراً بالغاً؛ لكن أحياناً تظهر أعراض هذا التأثير بسرعة، وأحياناً تتأخر.


تفسير قوله تعالى: (وما أهل لغير الله به)
قال تعالى: { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [المائدة:3] : أي: ما ذُكِر عليه اسم غير الله، مثل: أن يقول عند الذبح: باسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو باسم المسيح، أو باسم الرئيس، أو باسم الملِك، أو باسم الملَك، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون حراماً لا يحل، كل ما ذُكِر عليه اسم غير الله فهو حرام سواءً ذَكَرَ معه اسم الله أم لم يذكر، لو قال: باسم الله واسم الرسول، ثم ذبح صار حراماً، لأنه اختلط حرام بحلال، ولا يمكن ترك الحرام إلا باجتناب الحلال فصار حراماً.


تفسير قوله تعالى: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)
قال تعالى: { وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ } [المائدة:3] : هذه أربع؛ لكن هذه الأربع من الميتة؛ إلا أن ميتتها على صفة معينة.
المنخنقة هي: التي تموت خنقاً، سواءً خنقاً بالحبل، رُبِط حبل في رقبتها حتى خُنِقَت، أو خنقاً بدخان، أو خنقاً بحبس الهواء عنها، أو بأي سبب من أسباب الخنق، فإنها تكون حراماً وهي من الميتة؛ أي: نوع من الميتات.
الموقوذة هي: التي تموت بضرب، تضربها بعصا حتى تموت، أو بحبل قوي شديد حتى تموت هذه أيضاً حرام؛ لأنها موقوذة.
المتردية هي: الساقطة من العالي؛ من الشيء العالي؛ من جبل، تدحرجت من الجبل حتى ماتت، أو سقطت من جدار، أو ما أشبه ذلك.
والنطيحة هي: المنطوحة التي نطحتها أختها، يعني: شاتان تناطحتا، فقتلت إحداهما الأخرى، هذه أيضاً حرام؛ لأنها نطيحة.
قال تعالى: { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } [المائدة:3] : ما أكل السبُع: السبُع يعني: الذي يعدو على الفريسة من الغنم أو غيرها، فيأكل منها شيئاً ويبقي شيئاً.


تفسير قوله تعالى: (إلا ما ذكيتم)
قال الله عزَّ وجلَّ: { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } [المائدة:3] : يعني: إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموه من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع، فما أدركناه حياً فإننا نذبحه، ويكون حلالاً؛ ولكن كيف نعلم أنه حي، يعني: جئنا إلى شاة قد فرى الذئب بطنها، وهي الآن محتضَرة، تكاد أن تموت، فذبحناها؛ سمينا وذبحناها، كيف نعرف أن فيها حياة؟ قال بعض العلماء: نعرف ذلك بأن يتحرك شيء منها، يد، أو رِجل، أو أذن، أو ذنَب، أي شيء يتحرك فهي دليل على أن فيها حياة فتحل، فإن لم يتحرك منها شيء، فإنها لا تحل، فجعلوا علامة الحياة الحركة، وقالوا: إذا ذبحناها وتحرك منها أي جزء، فإنها تكون حلالاً؛ لأن حركتها دليل على أنها تألمَّت من الذبح، ولا تتألم إلا وفيها حياة، ولو غمَّضت بعينها أو فتحت بعينها؟ كذلك أيضاً دليل على أنها حية.
وقال بعض العلماء: بل العلامة سَيَلان الدم الأحمر الحار، ولو لم تتحرك؛ لأنها قد تكون مع شدة الألم الذي أصابها من أكل الذئب، أو من التناطح، أو من الوقذ، أو من التردي، أو من الإنخناق قد تكون لا تتحرك؛ لأن قواها انحطت؛ لكن إذا سال منها الدم الأحمر الحار فهذا دليل على أنها حية، فتكون حلالاً.
قالوا: والدليل على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أَنْهَرَ الدمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فكُلْ ) وهذا الذبح هو أَنْهَرَ الدم، خرج الدم الحار الأحمر، أما لو ذبحناها فخرج منها دمٌ أسود بارد يسيل بصعوبة، فهذا دليل على أنها قد ماتت.
وهذا القول هو القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .
وعلى هذا فتكون علامة الحياة في هذه الذبيحة هو: سيلان الدم الأحمر الحار الذي يخرج من الحية عادة.


تفسير قوله تعالى: (وما ذبح على النصب)
قال الله تعالى: { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } [المائدة:3] : يعني: ما ذبح للأصنام فهو حرام بكل حال، ولم يَستثنِ الله منه شيئاً؛ ما استثنى منه شيئاً؛ لأنه ذبح لغير الله، فيكون حراماً.
وعلى هذا فما ذُبِح للقبور تقرُّباً لأصحابها فهو حرام، وما ذُبِحَ تعظيماً لملِك من الملوك، أو رئيسٍ من الرؤساء تعظيماً لا تكريماً فإنه حرام؛ لأنه أُهِلَّ لغير الله به، وهو أيضاً شرك مُخْرِج عن الملة، يجب على صاحبه أن يتوب إلى الله؛ لأنه لا أحد يُعَظَّم بالذبح إلا الله عزَّ وجلَّ: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر:2] { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام:162].
وانتبه لقولنا: ما ذُبِح تعظيماً لا تكريماً.
أما لو ذُبِحَ تكريماً له؛ ليأكله ضيافةً، فهذا لا بأس به، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ).
لكن تعظيماً، يعني: نعظمه بمجرد الذبح هذا لا يكون أبداً إلا لرب العالمين عزَّ وجلَّ: { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } [المائدة:3].


تفسير قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم)
ثم قال بعد جُمَلٍ: { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ } [المائدة:5].
قوله: { الْيَوْمَ } أي: وقت نزول هذه الآية.
أُحِلَ لنا الطيبات: كل طيب أباحه الله عزَّ وجلَّ وهذا من فضله وضد ذلك الخبيث، فكل خبيث فهو محرم علينا، وهذا من حماية الله لنا أن مَنَعَنا مما يضرنا؛ لأن الإنسان بشر ضعيف ظلوم جهول؛ لكن الله عزَّ وجلَّ حَمَاه مما يضره، فحرم عليه كل خبيث.
قال تعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } .
مَن هُم الذين أوتوا الكتاب؟ الذين أوتوا الكتاب هم: اليهود والنصارى، كما قال الله تعالى: { أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } [الأنعام:156] فأهل الكتاب هم: اليهود والنصارى.
طعامهم حلٌ لنا:- حسناً! ما هو طعامهم؟ يعني: الخبز، والتمر، والأرز، وما أشبهه؟! لا.
المراد بطعامهم: ذبائحُهم، كما قال ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ترجمان القرآن: [ أي: ما ذبحوه، فهو حلال لنا ] ولا نسأل، لا يلزمنا أن نسأل، وليس من حقنا ولا من المشروع لنا أن نسأل كيف ذبحوه، بل سؤالنا كيف ذبحوه من باب التنطع في دين الله، فإذا وُجِدَت ذبيحةُ يهودي أو نصراني فكُلْها، ولا تقل: كيف ذَبَحْتَها؟! ولا تقل: هل سَمَّيْتَ عليها؟! سؤالك هذا خلاف السنة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد الوَرِعين؛ أهدت إليه المرأة في خيبر شاة فأكل منها، ولا قال: كيف ذبحتيها؟! ولا قال: هل سَمَّيْتِ الله عليها؟! وكذلك دعاه غلام يهودي إلى طعام؛ خبز وإهالة سنخة، وأكل ولم يسأل.
ورأى مع عبد الله بن مغفل رضي الله عنه جِراباً فيه شحم، في غزوة خيبر ، رُمِي به فأخذه عبد الله بن مغفل ، فالتفت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يضحك حين قفز عبد الله وأخذه بسرعة وأقَرَّه على ذلك.
وجاءه قوم فقالوا: ( يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا بلحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سَمُّوا أنتم وكُلُوا ) وكانوا حديثي عهد بكفر، لِتَوِّهِم مسلمين، وحديثُ عهدٍ بالكفر يَخْفَى عليه كثير من أحكام الإسلام، فقال: ( سَمُّوا أنتم وكُلُوا ) وفي هذا شيء من الانتقاد عليهم حين سألوا: هل يحل لنا هذا وإلاَّ لا؟! كأنه قال: لَسْتُم مسئولين عن فعل غيركم، ولا تسألوا عنه، اسألوا عن فعلكم، فعلكم أنتم إذا أردتم أن تأكلوا فسَمُّوا الله على الأكل.
إذا وَرَدَتْنا ذبيحةٌ من يهود أو نصارى

السؤال
كيف ذبحوها، أو هل سَمَّوا الله عليها، هذا خلاف السنة، وهو من التنطع في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هلك المتنطعون ) ؛ لأن الإنسان الذي يتنطع في الدين يتعب ويبقى في قلق وفي شك، لو أراد الإنسان أن يسلك سبيل التنطع لقلنا: حتى الذي يُجْلَب في أسواق المسلمين يحتاج أن نسأل عنه، ربما أن الجزار ما سَمَّى! ربما أن الجزار لا يصلي، لا ندري، وكذلك أيضاً نسأل؛ جاء إنسان يعرض علينا سلعة نقول: تعال، ربما هذا غاصب للسعلة أو سارق، نحقِّق معه.
نقول: تعال، من أين جاءتك السلعة هذه؟! قال: والله! اشتريتها من فلان.
هات فلان.
من أين اشتريتها يا فلان؟! قال: من فلان.
هات فلان.
من أين اشتريتها؟! قال: والله! ورثتها من أبي.
ثم لازم ننظر أسباب الإرث، هي متوفرة أم لا، والموانع منتفية .
!! لو أراد الإنسان أن يتنطع في الدين تعب وهلك؛ لكن هذا من رحمة الله بنا، أن نُجْرِي الأمور على ظاهرها، وما دام الشيء وقع من أهله، فلا تسأل كيف وقع، هذه قاعدة شرعية، إذا وقع الشيء من أهله فلا تسأل كيف وقع، فالأصل السلامة وعدم القوادح، ولهذا قال: ( سَمُّوا أنتم وكُلُوا ) نعم لو جاءتنا ذبيحة لا ندري مَن ذبحها، ونحن في بلاد غير إسلامية، في بلاد -مثلاً- شيوعية، أو في بلاد وثنية، هنا نعم نسأل؛ لأن هذه بلاد غير إسلامية، وغير نصرانية، ليست من بلاد النصارى أو اليهود، فإذاً: لابد أن نسأل خوفاً من أن يكون الذابح ليس أهلاً للذبح.
ونقتصر على هذا القدر.


الأسئلة


حكم الدم المتبقي في الذبيحة


السؤال
ما حكم الدم المتبقي في الذبيحة؟

الجواب
أما الدم فهو معروف هذا الأحمر الذي يخرج من الحيوان هو الدم، واستُثْنِي من ذلك ما يكون بعد الذبح، هذا حلال.
أن تشربه.
أما ما كان بعد الذبح فهو حلال طاهر، يعني: لو شققت القلب بعد ذبحها وفيه الدم هذا وأكلته ما فيه مانع، نعم.


معنى الاستقسام بالأزلام


السؤال
ما معنى الاستقسام بالأزلام؟ الجوب: كان العرب في الجاهلية إذا هَمَّ الإنسان بأمر وتردد فيه استقسم بالأزلام، فوضع أشياء؛ ثلاثة أشياء مكتوب في واحد منها: (افعل)، ومكتوب في الثاني: (لا تفعل)، والثالث: ما فيه كتابة، ثم يضعها في كيس أو ما أشبه ذلك، ويخلط بينها، ثم يخرج منها واحداً، إذا كان فيه (افْعَلْ): فَعَل، إذا كان فيه (لا تفعل): لَمْ يَفْعَل، وإذا خرج السهم الغير مكتوب فيه أعاد الاستقسام مرة أخرى، والاستقسام معناه: طلب القِسْم والنصيب، يعني: طلب ما يُقْسَم لك.
هذا الاستقسام أبدله الله عزَّ وجلَّ في الإسلام بخير منه؛ بصلاة الاستخارة، وهو: أن الإنسان إذا هَمَّ بأمر وتردد فيه صلى ركعتين، فإذا سلَّم دعا بالدعاء المشهور: ( اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك ...) إلى آخره، فإذا استخار الإنسان وتبيَّن له الأمر، أو انشرح صدره لشيء من الأشياء أقدم عليه.
والعلم باختيار الله لك يكون بأسباب: إما أن يرى الإنسان رؤيا ترجِّح أحد الأمرين.
وإما أن ينشرح صدره لأحد الأمرين.
وإما أن يقدَّر له الشيء بدون أن يتسبب له.
وإما أن يستشير أحداً فيشير عليه بأحد الأمرين.
كل هذا يدل على أن الله اختار لك، ولهذا الاستخارة من أحسن ما يكون للإنسان؛ ولكن المراد بالأمر الذي تتردد فيه، فالحديث حديث الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: ( إذا هَمَّ أحدُكم بالشيء فليصلِّ ركعتين ...) إلى آخره، المراد: بالشيء الذي تتردد فيه، ولهذا نحن نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يصلِّ صلاة الاستخارة في الغزو إذا أراد الغزو، ولا يصلِّي صلاة الاستخارة حين أراد الحج، ولا يصلِّي صلاة الاستخارة إذا أراد أن يصلِّي، ولا يصلِّي صلاة الاستخارة إذا أراد أن يعِظَ الناس، أبداً! فهذا ليس على عمومه، بل المراد: إذا هَمَّ بأمر وتردد فيه.


أخذ الدم للتحاليل لا ينقض الصيام


السؤال
ذهبتُ إلى المستشفى فاشترطوا أخذ الدم للتحليل خلال الصيام فهل هذا ينقض الصيام؟

الجواب
أخذ الدم للتحليل لا يضر الصائم شيئاً؛ لأنه ليس بمعنى الحجامة، والأصل صحة الصوم، وكذلك قلع الضرس، لا يؤثر على الصوم؛ ولكنه إذا قلع ضرسه لا يبتلع الدم؛ لأن الدم حرام كما قرأناه قبل قليل، وكذلك لو أرعف أنفُه فإنه لا يضره شيء، وكذلك لو انجرح شيء من بدنه، فإنه لا يضره؛ ولو كثر الدم؛ لأن ذلك بغير اختياره.


حكم صرف الرجل زكاته لأخته الأرملة الفقيرة


السؤال
هذا رجل عنده أخت متزوجة وزوجها متوفَّى عنها، وهي مقيمة في بيت زوجها وعلى ماله، فهل يجوز صرف زكاة أخيها إليها، مع العلم أن لها وارثاً وهي بنتٌ واحدة؟

الجواب
إذا كانت هذه فقيرة فإنه يجوز أن يَدفع إليها من الزكاة ما تقوم به كفايتها؛ إلا إذا كان يستطيع أن ينفق عليها فإنه يجب عليه الإنفاق بقدر استطاعته، فإذا أنفق عليها استغنت بإنفاقه عن الزكاة.


حكم بيع التلفاز


السؤال
فضيلة الشيخ! أنا امرأة أشاهد التلفاز؛ ولكن هداني الله ولله الحمد، فهل يجوز بيعه، أي: هذا الجهاز؟

الجواب
بيع التلفاز لا يجوز؛ إلا إذا بعته من شخص يغلب على ظنك أنه يستعمله في شيء حلال، مثل: أن تبيعه على شخص يستعمله في الأخبار، أو شخص يستعمله في الفيديو الحلال، فهذا لا بأس به، وأما أن تبيعه على عامة الناس، فمن المعلوم أن عامة الناس يستعملون هذا الجهاز في أشياء مُحَرَّمة.
والقاعدة الشرعية: أنه لا يجوز أن يبيع الإنسان شيئاً على شخص يغلب على ظنه أنه يستعمله في شيء مُحَرَّم؛ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان، فإذا جاء شخص يريد أن يشتري هذا الجهاز يعرفه البائع وأنه لم يستعمله في المُحَرَّم فلا بأس من بيعه.


الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال


السؤال
يوجد في المستشفى مريض له ستة أشهر ولم يصلِّ؛ حيث لا يستطيع، وكذلك الصيام، ما هو العمل لأداء الصلاة والصوم عنه؟ وجزاك الله خيراً.


الجواب
أما الصلاة فلا أظن أحداً لا يستطيعها؛ لأن الصلاة يجب أن يصلي الإنسان قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب؛ يومئ برأسه، فإن لم يستطع أومأ بعينه، ولا يومئ بالإصبع كما يفعله العامة؛ فإن هذا لا أصل له، فإن عجز عن الإيماء بالعين صلى بقلبه، يعني: كبَّر وقرأ يعني: الفاتحة بعد الاستفتاح، ثم كبَّر ونوى أنه ركع، وقال: سبحان ربي العظيم، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ونوى أنه رفع، فيصلي بالنية، فإن كان ليس له وعي، فإن الصلاة في هذه الحال تسقط عنه؛ لأنه غير مميِّز.
أما الصوم فإنه إن استطاع أن يصوم صام، وإن لم يستطع فإنه يُنْظَر إن كان مرضُه يُرجى برؤه، انْتُظِر حتى يُشْفَى فيصوم، وإن كان لا يُرجى برؤه: فإنه يُطْعَم عنه عن كل يوم مسكين.


حكم الذهاب إلى الكاهن أو الساحر لفك السحر


السؤال
هذا سؤال طويل، فحواه: أن امرأة زوجها قد أصيب بالسحر، فهل يجوز لها أن تذهب إلى كاهن أو ساحر ليَفُكَّ سحرَه عنه؟

الجواب
أولاً: قد يَتَوَهَّم بعضُ الناس أن الإصابة هذه بسحر وليس كذلك، فأسباب الأمراض كثيرة لا تنحصر في السحر؛ قد تكون سحراً، وقد تكون عيناً، وقد تكون مرضاً ليس له سبب، أو له سبب غير معلوم لنا.
لكن على كل حال إذا تحققنا أنه سحر فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله: هل يجوز أن يُحَلَّ السحر بسحر للضرورة؟ أو لا يجوز؟ وفي هذا قولان في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وإذا استفتَتْ إنساناً فأفتاها بما يرى، وهي واثقة من فتواه فلتعمل بها.


كيفية مدارسة القرآن في رمضان


السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي صورة مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في رمضان للقرآن؟ وهل يدل على أن الاجتماع أفضل من الانفراد على القرآن؟ وهل هناك مزية لليل على النهار في المدارسة؟ نرجو التوضيح! وجزاكم الله خيراً؟

الجواب
نعم.
أما كيفية المدارسة فلا أعلم كيفيتها.
وأما هل المستحب أن يجتمع الناس على القرآن أو أن يقرأ كل إنسان بانفراده؟ فهذه ترجع إلى الإنسان نفسه، إن كان إذا اجتمع إلى إخوانه وتدارسوا القرآن صار أخشع لقلبه وأنفع في علمه فالاجتماع أفضل، يعني: إذا كان إذا اجتمعوا صار هناك حضور قلب، وخشوع، وتدبر للقرآن، وتساؤل فيما بينهم؛ مناقشة في معناه، فهذا أفضل، وإن كان الأمر بالعكس فالإفراد أفضل.
وأما مدارسة جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام فهو من أجل تثبيت القرآن بقلب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الفقرة الثالثة في السؤال، وهو: هل لليل مزية في دراسة القرآن؟ نعم، فدراسة القرآن في الليل لها مزية؛ لكن الإنسان قد يكون له أشغال في الليل مثلاً، أو لا يستطيع أن يدرس في الليل، ويجعل أكثر دراسته في النهار، أو بالعكس، فالإنسان ينظر ما هو أنفع له؛ لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( احرص على ما ينفعك ) فما كان أنفع لك إذا لم يكن محظوراً شرعاً فأنت تلجأ إليه أحسن، أو فإن لجوءك إليه أحسن.


حكم لبس (دبلة) الخطوبة


السؤال
وهذه سائلة تسأل عن حكم (دبلة) الزواج! هل يجوز للمرأة لبسها أم لا؟

الجواب
(الدبلة) إذا كانت مصحوبة باعتقاد، فهي حرام بلا شك، وعلامة كونها مصحوبة باعتقاد: أن بعض الناس يكتب اسم الزوج على دبلة زوجته، واسم الزوجة على دبلة الزوج، وهذا يدل على أن هناك عقيدة، وأن كون اسم زوجته بيده واسمه بيد زوجته، معناه: الاقتران، ولهذا إذا قلنا لبعض الناس الذين عليهم دبل من الذهب: هذا حرام، ويجب خلعها، قالوا: إني إذا خلعتُه تزعل الزوجة، نعم، هذا يدل على أن هناك عقيدة.
فإذا كان لبسها مصحوباً بعقيدة فلا شك أنه حرام.
وإذا لم يكن به عقيدة فقد يقال: إنه حرام؛ لأن أصله من النصارى، فيكون منشؤه منشأً محرَّماً، وفيه تَشَبُّه.
وقد يقال: إنه لما شاع بين المسلمين صار غير خاص بالنصارى، فيكون من جنس الألبسة التي تكون أصلها عند غير المسلمين، ثم تشيع فيهم وفي المسلمين، فيزول التَّشَبُّه.
ولا شك أن عدمها أولى فيما أرى.


حكم استخدام المال العام في المنفعة الشخصية


السؤال
فضيلة الشيخ! أحبك في الله، السؤال: تمر علينا في مكاتب الدولة -حيث أننا موظفون- بعضُ الأمور التي نتحرَّج منها؛ ولكن الناس غير حريصين على السؤال عنها، فما الحكم في هذه الأمور، مثاله: استخدام آلات تصوير الأوراق، واستخدام الهاتف، والخروج أثناء الدوام، والتأخر في الحضور، والانصراف مبكرين، ومجاملة بعض الموظفين الذين تحت رئاستنا، والكثير الكثير، أفتونا مأجورين؟!

الجواب
أولاً: أسأل الله الذي أحببتنا فيه أن يجعلنا وإياك وإخواننا من أحباب الله.
أما بالنسبة لما ذكره من المسائل: فمن المعلوم أن الأصل في المال الذي بين أيدينا للدولة، الأصل أنه محرم، وأنه لا يجوز لنا أن نستعمله في المسائل الخاصة بنا، فآلة التصوير -مثلاً- لا نستعملها في الأشياء التي من خصائصنا، أما إذا كان من مصلحة العمل، فالأمر واضح أنه جائز.
وأما استخدام الهاتف فالظاهر أن الدولة تسمح به إذا كان في داخل البلد، بدليل أنها نزعت (الصِّفْرَ) منه، ونَزْعُها (الصِّفْرَ) يدل على أمرين: الأول: على منع الاتصال الخارجي.
الثاني: وعلى جواز الاتصال الداخلي.
فيكون هذا جائز.
وأما استعمال أوراق الدولة فهذا لا شك أنه حرام إذا استعملتَه في الأشياء الخاصة، أما إذا استعملته في أشياء من مصلحة العمل فلا بأس به.
وأما التأخر في الحضور، أو التقدم في الخروج، فهو أيضاً حرام، ويُعتبر سرقة وقتٍ مملوك لغيرك، فكما أنك لا ترضى أن ينقص راتبك ولو شيئاً قليلاً، فلا يجوز لك أن ترضى أن تُنْقِص وقت الدولة ولا تهتم به.
وأما مجاملة من تحت أيديهم فهذا يُنظَر فيه، إن جاملوه في أمر لهم فيه سعة، فلا بأس، وإن جاملوه في أمر ليس لهم فيه سعة، فإن ذلك لا يجوز، مثال ذلك: لو جاملت الذين تحت يدك في تقديم شخص غيره أحق منه، مثل: هذه المعاملات عندك مكدَّسة، جاءك إنسان من الموظفين عندك، وأخرج من أسفل المعاملات معاملة صديق له، وقال: انظر فيها، فقدمتَها على غيرها، فهذا لا يجوز؛ لأن الله قال: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } [النساء:58] وأما إذا لم يترتب عليه، أي: على مجاملة من تحت يدك شيء من المحرمات، فلا بأس بالمجاملة؛ لأن المجاملة من الأخلاق الحسنة إذا لم تكن على حساب الدين، أو على حساب الغير.


حكم الدم الخارج من المرأة بسبب عملية جراحية


السؤال
امرأة بعد إجراء عملية جراحية لازمها خروج الدم، ويزيد مع الحركة، فما الحكم في صومها وغُسلها؟

الجواب
نعم.
لقد بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الدم بياناً شافياً كافياً، فقال عليه الصلاة والسلام في المستحاضة: ( إنما ذلكِ دم عرق ) وهذا يدل على أن كل دم يخرج من المرأة من العروق ليس له حكم الحيض، فهذا الدم الذي خرج من العملية بالنسبة لهذه المرأة ليس بحيض قطعاً؛ لأنه خرج بسبب العملية، وعلى هذا فلا يلزمها غسل من أجله، ولا يمنعها من صوم، ولا صلاة، ولا معاشرة زوج؛ لأن ذلك ليس بحيض، وكذلك لو كان في المرأة قرحة في رحمها يخرج منها الدم، فإن ذلك لا يمنع من صيام، ولا صلاة، ولا معاشرة زوج، ولا يوجِب الغسل، وذلك لأنه دم عرق، والرسول عليه الصلاة والسلام قال كلمة واضحة بيِّنة، فكل ما كان سببه غير الدم الطبيعي فإنه ليس بحيض.
السائل: إذا لم تميز بين الدم الخارج بسبب العملية ودم الحيض؟ الشيخ: إذا لم تميز بينهما، فإنها أولاً: تجلس أيام عادتها، إذا كان الدم الذي يخرج من العملية ويخرج من الحيض مستمراً، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نسيت عادتها، فإنها تجلس غالب الحيض ستة أيام أو سبعة، من أول كل شهر.


حكم رفع اليدين في دعاء القنوت وتقبيلها بعد الدعاء


السؤال
ما حكم رفع اليدين في دعاء القنوت؟ ومسح الوجه وتقبيلهما بعد الانتهاء من ذلك الدعاء؟

الجواب
أما رفع اليدين في دعاء القنوت فهو صحيح، ثبت عن عمر وبعض الصحابة رضي الله عنهم، كـ أبي هريرة .
وأما مسح الوجه بعد انتهاء الدعاء فليس بسنة، لا في القنوت ولا في غير القنوت.
وأما تقبيلهما فهو أيضاً أبعد وأبعد من السنة، فلا يشرع للإنسان إذا مسح وجهه بعد الانتهاء من الدعاء أن يقبل يديه.
فالرفع -إذاً- سنة، والمسح والتقبيل ليسا بسنة؛ لكن المسح وردت فيه أحاديث ضعيفة، وأما التقبيل فلم يرد فيه حديث، لا صحيح ولا ضعيف.


حكم التصدق بعمل ولائم في مجتمعات غير فقيرة


السؤال
ما حكم الذبائح في رمضان التي تصنع منها الولائم وهي ما تسمى بعشاء الوالدين، وهل هي أفضل من التصدق بالمال أم بما يحب الناس من الأرزاق وغيرها؟ أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب
عشاء الوالدين تسمية حديثة، وأصلها أن الناس فيما سبق فيهم إعواز، وفيهم فقر، ويفرحون بالطعام، إذا حصل لهم، ومن المعلوم أن رمضان من أفضل أوقات الصدقة فكان الناس يحرصون على أن يطعموا الطعام في رمضان، فيصنعون طعاماً للفقراء، يأتون ويتعشون ويحصل في هذا خير كثير.
أما في الوقت الحاضر فمن المعلوم أن الطعام الآن -ولله الحمد- يستغني عنه أكثر الناس، بل أحياناً تدعو الناس أن يأتوا للطعام ولا يجيبك أحد؛ لأن كل واحد مستغنٍ ولله الحمد، ففائدة الطعام الآن قليلة، فلو أنه صُرف هذا الذي يُنفق في الطعام، صُرف دراهم للفقراء لكان أنفع وأفيد وأفضل.
وأما ما يفعله بعض الناس الآن وهي حادثة أيضاً حديثة، أنهم يصنعون كل يوم ولائم، ويذبحون الذبائح، ويقولون: هذه عِشوة، فهذه إذا قصدوا بها التقرب فهي بدعة بلا شك؛ لأن هذا ليس من عادة السلف، والذبح لا يكون قربة إلا في الأضاحي والهدي إلى البيت الحرام والعقيقة، أما رمضان ما فيه ذبح، فيه ذبح للأكل، ما هو ذبح ليتقرب به الإنسان إلى الله عزَّ وجلَّ، وهذه مسألة سمعتُ الآن أنه يجتمع الناس من الحارة، يجعلونها كل ليلة عند واحد، ذبيحة أو ذبيحتان، فهي في الحقيقة ولائم وليست صدقات، ويحصل فيها من إتلاف الأموال وإضاعتها ما هو معلوم.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى أن ندعو للأموات، ونجعل العمل لنا، الأعمال الصالحة اجعلها لنفسك، صلاة قراءة قرآن صدقات، اجعلها لنفسك، واجعل الميت له الدعاء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له ).
والعجيب أن بعض الناس إذا تصدق لنفسه، يكون في إخلاصه ورجاء الثواب أضعف مما إذا تصدق عن ميت! تجده إذا تصدق عن الميت يشعر بأنه سيثاب على ذلك، ويشعر بأن هذا فيه قربة، وإذا تصدق عن نفسه صار أضعف عنده، وهذا لا شك من الجهل.
فأنت يا أخي! انفع نفسك، واجعل لأمواتك الدعاء، هذا هو المشهور.


حكم الذبائح بالصعق الكهربائي


السؤال
طريقة الذبح بالصعق الكهربائي قبل استعمال السكين، سواءً كان من المسلمين، أم من أهل الكتاب؟

الجواب
يقول هذا: طريقة الذبح بالصعق الكهربائي، هل هو حلال أو حرام؟ نقول: أما إذا اقتُصِر على الصعق بالكهرباء حتى ماتت فهي حرام؛ لأنها وقيذ؛ موقوذة.
وأما إذا كان تُصعق ثم تُذبح ويخرج الدم قبل أن تموت، فالذبيحة حلال؛ لكن الصعق فيه أذية لها، وفيه تعذيب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ).
لكن قالوا لي: إنهم كانوا يستعملونه في البقر والشيء الكبير الذي يعجزون عن طرحه، فيضربونه بشيء يصعق به، حتى يُغمى عليه، ثم يذبحونه، فإذا كانوا لا يقدرون عليه إلا على هذا الوجه صار حلالاً، أما إذا كان يمكن أن يُذبح بدون الصعق فالصعق لا شك أنه أذية، وأنه خلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام من إحسان الذبح.


جلسات رمضانية1410هـ [2-3]
في هذا الدرس تحدث الشيخ عن مفاتح الغيب وفصل فيها، وذكر كلام بعض الناس الذين يدّعون أنهم يعلمون ما في الأرحام، ورد على هذه الشبهة بشيء من التفصيل والإيضاح.


وقفة مع قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب ...)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد استمعنا إلى قول الله عزَّ وجلَّ: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام:59].
هذه الآية الكريمة من أنصع آيات العلم تفصيلاً، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر فيها مفاتح الغيب، ثم ذكر فيها تفاصيل أخرى، ومفاتح الغيب بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مذكورة في قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } [لقمان:34].
هذه خمسة أمور .


تفسير قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة)
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } وهو يوم القيامة، وهنا قال: { عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } قدم الخبر ليفيد الاختصاص، فمن ادَّعى علم الساعة فهو كاذب وكافر، ومن صدَّقه أيضاً فهو كافر؛ لأنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله عزَّ وجلَّ، حتى قال الله لرسوله: { يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا } [النازعات:42-44].
وقال: { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ } [الأحزاب:63].
وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) جبريل عليه الصلاة والسلام أشرف الملائكة وأعلمهم، يسأل محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف البشر وأعلمهم عن الساعة، فيقول له: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) يعني: إن كنتَ تجهلها أنت فأنا كذلك أجهلها؛ لأنه لا يعلمها إلا الله.
نعم، للساعة أشراط، يظهرها الله عزَّ وجلَّ مُقَدِّمَة لتلك الساعة؛ لأن الساعة حدث عظيم، فلهذا صار له مقدمات تشير إلى قربه.


تفسير قوله تعالى: (وينزل الغيث)
قال تعالى: { وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } [لقمان:34].
الغيث: المطر، وهو -أي: المطر- غيثٌ ولكن الله سبحانه وتعالى قد لا يجعله غيثاً؛ لأن الغيث قد لا يحصل به الإنقاذ من الشدة، وأحياناً يَنْزِل المطرُ ولا يكون إنقاذاً من الشدة، كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس السنة ألا تُمْطَروا -يعني: ليس الجدْب ألا تُمْطَروا- وإنما السنة أن تُمْطَروا فلا تنبت الأرض شيئاً ) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، الغيث يُنَزِّله الله عزَّ وجلَّ، لا أحد يستطيع أن يُنَزِّل الغيث، مهما كانت قدرته وقوته، لا يمكن أن يُنَزِّل الغيث أبداً؛ لأن ذلك خاص لله عزَّ وجلَّ، والذي يخلق الغيث هو الله، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا نزل المطر حَسَرَ عن ثوبه ليصيب بَدَنَه، وقال: ( إنه حديث عهدٍ بربه ) أي: مخلوق جديد، فيصيب بدني من حين أن خُلق، ولا أحد يستطيع أن يخلق إلا الله عزَّ وجلَّ، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ } [الحج:73] استمعوا، الله عزَّ وجلَّ يطلبنا أن نستمع: { فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ } [الحج:73] هذا الذباب الضعيف المهين لا يمكن أن يخلقه أحد ممن تدعونه من دون الله، ولو اجتمعوا له.
انظر هذا تحدٍّ، تحدٍّ بالآيات الكونية.
وهناك تحدٍّ بالآيات الشرعية: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [الإسراء:88] فالله عزَّ وجلَّ يتحدى الناس، يتحدى الخلق بالآيات الكونية كما في الآية الأولى، وبالآيات الشرعية كما في الآية الثانية.


تفسير قوله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام)
قال تعالى: { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } [لقمان:34]: يعلم ما في الأرحام، ماذا نظن المراد بالأرحام في هذه الآية؟ هل الأرحام بنو آدم، أو بنات آدم؟

الجواب
لا.
بل أرحام كل ذات رحم، من بنات آدم، وسائر الحيوانات، يعلم عزَّ وجلَّ ما في أرحامها، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله سبحانه وتعالى الذي خلقها، لا يعلم ما في الأرحام إلا خالقها سبحانه وتعالى.


تفسير قوله تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً)
قال تعالى: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً } [لقمان:34]: صدق الله، لا تدري أي نفس، نفس هنا نكرة في سياق النفي فتشمل كل نفس، لا تدري أي نفس مهما بلغت في الفراسة، ومهما بلغت في الذكاء، لا تدري ماذا تكسب غداً، نعم الإنسان يخطط بأنه سوف يعمل غداً كذا وكذا؛ ولكن هل ذلك يتم؟

الجواب
قد يتم وقد لا يتم؛ لكن لا تدري يقيناً بأنك غداً تكسب كذا وكذا، أبداً: { وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } [الكهف:23-24].
{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً } كلمة غد، هل المراد بها اليوم الذي يلي يومك؟ أو مستقبل الزمن؟ مستقبل الزمن.
يعني: اليوم الذي يلي يومك وما بعده وما بعده لا تعلم ماذا تكسب فيه.


تفسير قوله تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت)
قال تعالى: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } [لقمان:34]: أي نفس لا تدري بأي أرض تموت، تجد الإنسان يولد في بلد، ويعيش فيها، ولا يطرأ على باله أن ينتقل عنها، ثم إذا أراد الله أن يقبضه في أرض، جعل له حاجة في هذه الأرض، تحثه إلى أن يمشي إليها، فيموت فيها، وهو لا يدري، البعير تنشأ في جهة من جهات الأرض، تولد، تكبر، ثم تُستعمل للركوب أو غير الركوب، وتُذبح في بلاد بعيدة عن بلادها، أو تموت في بلاد بعيدة عن بلادها، كل نفس لا تدري بأي أرض تموت.
وهل تدري في أي يوم تموت؟! لا.
لا تدري، من لا يدري بأي أرض -مع أنه باختياره أن ينتقل من أرض إلى أرض- لا يدري أيضاً بأي يوم يموت، فجهالة الزمن أشد من جهالة المكان؛ لأن المكان يمكن للإنسان أن ينتقل، يمكن يبقى في الأرض ويقول: لا أمشي؛ لكن الزمن يمشي غصباً عنه، لا تدري نفس بأي أرض تموت.
فهذه مفاتح الغيب خمس.


مسألة في معرفة الناس اليوم لما في الأرحام وبعض ما يتعلق بمفاتح الغيب
فإذا قال قائل: ما وجه كونها مفاتح للغيب؟ و

الجواب
الساعة: مفتاح الآخرة.
نزول الغيث: مفتاح حياة الأرض.
ما في الأرحام: يعني: يكون الإنسان في بطن أمه، أو أي حيوان في بطن أمه مفتاح الوجود في الحياة.
عمل الغد: مفتاح عمل المستقبل.
الموت: مفتاح الانتقال من الدنيا إلى الآخرة.
فلهذا صارت هذه الخمس مفاتح.
فإذا قال قائل: إنهم الآن يعلمون ما في الأرحام، هل هو ذكر أو أنثى! فهل يتعارض مع هذه الآية؟ الجواب: قد يقول بعض الناس يتعارض، وحينئذ إما أن نأخذ بالآية، أو نأخذ بما قالوا؛ لأن المتعارضَين لا يثبتان جميعاً، إذْ لو ثبتا جميعاً لم يكن هناك تعارض، فهل تأخذ بما دل عليه القرآن، أو بما هو واقع الآن؟ نأخذ بما جاء به القرآن وبما دل عليه؛ لكن الكلام: هل الواقع يعارض القرآن؟ لا، هذا شيء مستحيل.
لا يمكن أن يوجد شيء له حقيقة معلومة قطعاً فيعارض القرآن أبداً، مستحيل؛ لأن القرآن حق والواقع حق، والحقان لا يتعارضان؛ لأن كل شيئين نعتبرهما حقاً إن قلنا بتعارضهما فهذا إما جمع بين النقيضين، وإما رفع للنقيضين، وهذا كله من المستحيل.
وإذا حدث شيء يعارض القرآن في الظاهر وجب عليك أن تعيد النظر مرة بعد أخرى، ليتبين لك أنه لا معارضة، فإن عجزت عن الجمع، فالواجب عليك أن تقول: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } [آل عمران:7] وتقف؛ لأنه كل إنسان يستطيع أن يجمع بين الواقع والقرآن، قد يكون قاصراً لا يفهم، أو مقصراً لا يجتهد.
إذاًَ: كيف الجمع؟ نقول: { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } [لقمان:34] لم يذكر الله عزَّ وجلَّ مُتَعَلَّق العلم، وإن كان في بعض الأحاديث الإشارة إلى أن المراد العلم بالذكورة والأنوثة، ومعلوم أن الجنين علمه ليس بالذكورة والأنوثة فقط: بالذكورة والأنوثة، أن يخرج حياً أو ميتاً، أن يبقى في الدنيا طويلاً أو قصيراً، أن يبقى غنياً أو فقيراً، أن يبقى شقياً أو سعيداً، كل هذا ممكنٌ، كل هذا يتعلق بعلم الجنين، هل الناس يعلمون هذه الأشياء؟ أبداً، حتى الذكورة والأنوثة لا يعلمونها إلا بعد أن يكون ذكراً أو أنثى، أما قَبْلُ ما يعلمون؛ لأنه لَمَّا كان نطفة لا يعلمونه، حسب علمنا إلى الآن لا يعلمون، إنما يعلمون بعد أن يُخَلَّق، وإذا خُلِّقَ صار من عالم الشهادة لا من عالم الغيب؛ لكنه عالم من عالم الشهادة المحجوبة: { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ } [الزمر:6] ؛ لكن لو نزيل هذه الظلمات الثلاث علمنا به أم لا؟ علمنا به، وشاهدناه.
إذاً: فهو بعد التخليق من عالم الشهادة المحجوبة، لولا هذه الحُجُب لعلمنا به، فإذا وُجدت أجهزة تنفذ من هذه الحجب فلا مانع أن يُعلَم أنه ذكر أو أنثى.
ثانياً: ينَزَّل الغيث: جاء في الحديث الصحيح: ( لا يعلم متى ينزل المطر إلا الله ).
فهل هذا يعارض ما نسمع في الإذاعة: أن الطقس المتوقَّع يكون كذا وكذا وكذا؟ الجواب: لا، لا يتعارض؛ لأنه لا يمكن يتعارض القرآن مع الواقع إطلاقاً، كيف لا يتعارض؟ لأن العلم المذكور: أن الطقس مبني على شيء محسوس، ليس على علم غيب؛ لكنه لا يُعلَم إلا بأجهزة دقيقة، ليس كل واحد يعلم، فهناك -بإذن الله عزَّ وجلَّ- تكيُّفات للجو يكون بها صالحاً للإمطار، فيتوصلون بالأجهزة الدقيقة إلى معرفة هذه التكيُّفات، كما أننا نحن لو شاهدنا السماء مظلمة والغيوم ملبَّدة فإننا نتوقع نزول المطر، نتوقع المطر، إذاًَ: لا معارضة، لا معارضة بين الواقع وبين القرآن الكريم.


تفسير قوله تعالى: (ويعلم ما في البر والبحر ...)
ثم قال الله تعالى في الآية التي نحن بصدد تفسيرها: { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } [الأنعام:59]: (ما) هنا اسم موصول مفيد للعموم، { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } كل ما في البر وكل ما في البحر، لا يخفى عليه شيء، لا دقيقه ولا جليله.
{ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا } [الأنعام:59]: أيُّ ورقة تسقط فهو يعلمها، بأي شيء؟ يعلم هذه الورقة بعينها، ومن أي موضع سقطت من غصن الشجرة، وفي أي مكان من الأرض سقطت، وكيف سقطت، كل ما يتعلق بهذه الورقة الساقطة يعلمها، فما بالك بالورقة النابتة التي تنبت، يكون علمه بها من باب أولى؛ لأن النابتة مخلوقة، والمخلوق معلوم، كما قال تعالى: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14] والساقطة أيضاً مخلوقة؛ لكن الساقطة تسقط مرة واحدة، والمخلوقة تنمو شيئاً فشيئاً، أي ورقة صغيرة أو كبيرة من أي شجرة في أي مكان وفي أي زمان تسقط، فالله تعالى يعلمها.


تفسير قوله تعالى: (ولا حبة في ظلمات الأرض ...)
قال تعالى: { وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ } [الأنعام:59]: حبة، صغيرة أو كبيرة؟ كلها، صغيرها وكبيرها.
{ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ } [الأنعام:59] تصوَّر ما هي الظلمات التي تكون في الأرض؟! يعني: افرض -مثلاًَ- أن الظلمات تتوارد أو تتكاثف عليه الحُجُب في الأرض، لنفرض أن حبة في قاع البحر مندفنة في التراب، في ليلة مغيمة، ممطرة، مظلمة، ننظر الظلمات الآن كم تكون؟ الظلمة الأولى: التراب الذي على هذه الحبة.
والثانية: الماء، ماء البحر.
والثالثة: ماء المطر؛ لأن المطر له ظلمة.
والرابعة: ظلمة الليل.
والخامسة: ظلمة السحاب.
كل هذه الظلمات الخمس داخلة في قوله: { ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ } [الأنعام:59] هذه الحبة الصغيرة الدقيقة في هذه الظلمات يعلمها الرب عزَّ وجلَّ.
قال تعالى: { وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ } [الأنعام:59]: وهذا أعم ما يكون تعميماً من بعده تخصيص؛ لأنه ما من شيء إلا رطب أو يابس، كل رطب أو يابس فهو معلوم لله عزَّ وجلَّ مهما كان وفي أي مكان.
وهذا دليل على عموم علم الله سبحانه وتعالى، وليس المقصود منه أن يخبرنا الله عزَّ وجلَّ عن هذه الصفة العظيمة من صفاته فحسب، بل المقصود شيء آخر.
ماذا يعني كمال صفة العلم لله عز وجل؟! هو أن نتعبد لله تعالى بمقتضى هذا العلم، هذا هو المهم، أن نتعبد لله بمقتضى هذا العلم، إذا أردتَ أن تعمل معصية، إن ذكرتَ أن الله يعلم تُقْدِم عليها أم لا؟ لا تُقْدِم، ما تُقْدِم عليها.
ما دمتُ أعلم يقيناً بأن الله يعلم فإنه لا يمكن أن أقدم عليها أبداً؛ إلا ناقص الإيمان -نسأل الله العافية- هذا يمكن؛ لكن مع تمام العلم، ومع تمام الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء لا تقدم عليها؛ لأن الله قال لنا في الكتاب: { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } [الانشقاق:6] تصوَّر هذه الملاقاة التي ستكون المحاسبة فيها عن علم.
كذلك أيضاً: الفائدة الثالثة، الفائدة الأولى: أن نعرف هذه الصفة العظيمة من صفات الله، والثانية: أن نتعبد لله بمقتضاها.
والثالثة: أن نعامل عباد الله بمقتضاها أيضاً، فلا نخون أحداً، ولا نخدعه في غير موضع الخداع، الخيانة لا نخون أحداً.
الخداع نُقَيِّم، لا نخدعه في غير موضع الخداع، في موضع الخداع نخدعه.
الخيانة لا نخون أبداً بدون تفصيل.
والخداع لا نخدع في غير موضع الخداع؛ لأنه في موضع الخداع يجب الخداع، بل هو صفة كمال، كما قال الله تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء:142].
الخيانة صفة نقص، لا يجوز أن نخون، ولهذا قال الله تعالى: { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ } [الأنفال:71] ولم يقل: فخانهم، قال: { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الأنفال:71]؛ لأن الخيانة ذم، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( لا تخن من خانك ) ولم يقل: لا تخدع من خدعك، بل قال: ( الحرب خدعة ) ويُذكر أن علي بن أبي طالب لما بارزه عمرو بن ود ، وخرج إليه من الصف، صاح به علي رضي الله عنه، قال: [ ما خرجتُ لأبارز رجلَين فظن عمرو أن معه آخر، فالتفت، لما التفت ضربه علي ؛ حتى طيَّر رأسه ] نعم، هذه خديعة؛ لكن خديعة في محلها أم لا؟! في محلها.
وتكون صفة كمال.
لأن هذا الرجل خرج لأي شيء؟ ليقتل علي بن أبي طالب ، إذاً: له أن يتوصل إلى حماية نفسه وقتل عدوه بأي طريق.
المهم أن المقصود من ذكر هذه الصفة العظيمة (العلم) ثلاثة أمور، ما هي؟ الأول: معرفة عموم علم الله، وهذه الصفة العظيمة.
الثاني: أن نتعبد لله بمقتضاها.
الثالث: أن نعامل عباد الله بمقتضاها.
كثيرٌ من الناس إذا أمكنه أن يخون أحداً أو أن يخدعه في غير محل الخداع خانه وخدعه؛ كأنه لا يدري أن الله يعلم عزَّ وجلَّ، وهذا من ضعف الإيمان.


تفسير قوله تعالى: (إلا في كتاب مبين)
وفي ختام الآية الكريمة يقول عزَّ وجلَّ: { إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام:59]: كتاب مبين، إما أن تكون من (أَبَانَ) المتعدي أو من (أَبَانَ) اللازم.
إن كانت من (أَبَانَ) اللازم فهي بمعنى: بيِّن، يعني: في كتاب بيِّن واضح مفصَّل.
أو من (أَبَانَ) المتعدي فيه بمعنى: أظْهَرَ ومَيَّز.
وكلا الوصفين بالنسبة لهذا الكتاب الذي أشار الله إليه كلاهما حق ثابت، والمراد به: اللوح المحفوظ، فإن اللوح المحفوظ كتب الله فيه مقادير كل شيء؛ كما جاء في الحديث الصحيح: ( أن الله لما خلق القلم قال له: اكتب، قال رب: ماذا أكتُب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ) فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم الخير والصلاح والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين.
وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


الأسئلة


حكم صلاة النفل بعد الوتر


السؤال
هذا أخ أرسل إلينا بهذه الملاحظة، وهو: أن بعض الإخوة إذا دخلوا المسجد والإمام يصلي التراويح لم يدخلوا مع الإمام، بحجة أنهم أوتروا، فما هو رأي فضيلتكم؟

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) ولم يقل: إذا صليتم الوتر فلا تصلوا! وبين العبارتَين فرق، فالإنسان إذا انتهى من صلاة الليل يوتر؛ ولكن إذا وجد سبباً للصلاة بعد هذا الوتر فإنه لا نهي عن الصلاة، نعم لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا أوترتم فلا تصلوا، قلنا: لا تصلِّ بعد هذا؛ لأنك مَنْهِيٌّ، فإذا أوتر الإنسان في مسجده، ودخل المسجد، سواءً كان فيه جماعة أم لم يكن فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وإن كان فيه جماعة صار مأموراً بالصلاة من وجهين: الوجه الأول: من أجل دخول المسجد.
والوجه الثاني: من أجل موافقة الجماعة؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام للرِّجُلَين اللذَين رآهما لم يصليا معهم صلاة الفجر، قال: ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة، فصليا معهم، فإنها لكما نافلة ).
فنقول للإخوة: ادخلوا معنا في الصلاة، وإذا كنتم قد أوترتم فلا وتران في ليلة، فانووا إذا دخل الإمام في الوتر انوُوها شفعاً؛ فإذا سلَّم فائتوا بركعة، وهذا له أصل في السنة، أصله في السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأهل مكة الرباعية ويقصرها، كان يقول لهم: ( أتموا يا أهل مكة ، فإنا قومٌ سفر ) فإذا سلم الرسول عليه الصلاة والسلام من الصلاة المقصورة قاموا فأتموها، وليس هذا مخالفة للإمام، المخالفة للإمام أن تخالفه وأنت مرتبط به، لا أن تزيد عليه إذا كان مقتضى صلاتك الزيادة؛ لأنك لم تخالفه حين كنتَ مرتبطاً به.


وقفة مع حديث:(إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده ...)


السؤال
هل يمكن أن نوجه دلالة الحديث الذي أخرجه أحمد و أبو داود وغيرهما بسند صحيح من رواية أبي هريرة مرفوعاً: ( إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ) زاد أحمد وغيره بسند صحيح على شرط مسلم : ( وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر ) هل يمكن أن يوجَّه الحديث على ما إذا أذن المؤذن في بداية بزوغ الفجر، فإن الله قد أرخص له، إذا كان على هذه الصفة، وهو إذا رفعه إلى فيه؟

الجواب
نعم، أنا عندي أن هذا الحديث موجَّه على أحد وجهين: الوجه الأول: إما أن يكون المؤذن يؤذن بالتحري، والذي يؤذن بالتحري قد يصيب وقد لا يصيب، كالمؤذنين عندنا الآن.
والوجه الثاني: أن يكون ذلك بالتأذين من المؤذن عن يقين، ومشاهدته للفجر؛ ولكن هذا من باب الرخصة، لما كان الإنسان رفع الماء ليشرب، تعلقت به نفسه، ولهذا لو كان في الأرض لا تحمله، لا ترفعه من الأرض، بل لابد أن يكون في يدك، وإلاَّ كانت النفس قد تعلقت بهذا الماء الذي رفعه، كان من رحمة الله عزَّ وجلَّ أن يقضي الإنسان نهمته منه، كما لو حضر الطعام والإمام يصلي فإنك تأكل من الطعام، ولو فاتتك الصلاة، فتُسقط بذلك واجباً؛ لأن نفسك متعلقة بهذا الطعام الذي قُدِّم بين يديك.
فالحديث لا يخرج عن أحد هذين الوجهين.
الوجه الأول ما هو؟ أن المؤذن يؤذن بالتحري؛ لكن هذا قد يمنعه رواية أحمد ، أنه يؤذن حين بزوغ الفجر؛ إلا أنه يؤيده ما ثبت في الصحيحين من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( إن بلالاً يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ) هكذا جاء الحديث مرفوعاً بهذا اللفظ.
الوجه الثاني: قلنا: أن هذا من باب الرخصة، وهو أنه لما اشتد تعلق النفس بهذا الماء المرفوع رخص له الشارع أن يقضي نهمته منه، وإن كان في وقت يُمنع منه، ونظير ذلك: ( لا صلاة بحضرة طعام ) أو ( إذا قُدِّم العَشاء فابدءوا به قبل صلاة العِشاء ).
أما ما يفعله بعض الناس إذا أذَّن قدَّم السحور، هذا لا يتفق أبداً، لا مع الحديث ولا مع نص الآية.
أو بعض الناس يجيء بحديث، جاء به من جيبه، وليس من كيسه، جاء به من جيبه، يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستتر بناقته لئلا يرى طلوع الفجر، (عَلَشَان) يأكل، كيف هذا؟! كل واحد يستتر بالجدار ويأكل على مهله.
والله! هذا الحديث جاء في الماء.


حكم تناول الدواء بعد طلوع الفجر للصائم


السؤال
هذه سائلة تقول: بعد طلوع الفجر نَسِيَت أخذ الدواء وأَخَذَتْه والصلاة تُقام، فهل لها صوم، أم تعيده؟

الجواب
الذي أرى أن تعيد صومها هذا، وأن الواجب عليها إذا طلع الفجر ألا تتناول الدواء ولو نسيته، بل تبقى صائمة، ثم إن احتاجت أو اضطُرت في أثناء النهار إلى تناول هذا الدواء، فلتُفطر.


انقطاع الدم أو الصفرة والكدرة قبل الطهر


السؤال
من مدة سنتين أسقطتُ، وبعد الإسقاط أصبح معي خلاف في الدورة الشهرية، حيث أنه يكون في الثلاثة الأيام الأولى منها دم، وفي الثلاثة الأيام الأخيرة ليس معي شيء، فتظهر الطهارة في اليوم السادس، وفي اليوم السابع ينزل معي دم بني اللون (كُدرة) ويستمر أربعة أيام، هل في هذه الفترة جلوس أم لا؟

الجواب
الفترة الأخيرة التي بعد الطهر -إذا كان الدم ليس دم العادة- ليس حيضاً، فلها أن تصوم، وتصلي، ولا حرج عليها،وأما ما قبل الطهر فإنه من الحيض حتى وإن كان صُفرة أو كُدرة، ما دام متصلاً بالدم؛ بالحيض فإنه يعتبر من الحيض، ولهذا تقول أم عطية رضي الله عنها: [ كنا لا نعد الصُّفرة والكُدرة بعد الطهر شيئاً ] أما قبل الطهر فما دام تابعاً للحيض ومتصلاً به فله أحكامه.


حكم الصيام لمن فيه قرحة في المعدة


السؤال
رجل مصاب بقرحة في المعدة، ونصحه الأطباء بالفطر وعدم الصوم خوفاً على حياته؛ ولكنه صام وأغفل كلامهم، هل يأثم لأنه عرَّض نفسه للتهلكة، أم له أجر على ذلك؟

الجواب
إذا كان هذا الرجل يشق عليه الصوم؛ ولكنه يتصبَّر فإنه أخطأ في ترك رخصة الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله قال: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184] فإن تسبب ذلك إلى ضرر فقد يكون آثماً؛ لأنه ألقى بنفسه إلى التهلكة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.


جلسات رمضانية 1410هـ [1-4]
أسئلة متتالية وأجوبة مسددة متوالية في فنون شتى وعلوم متنوعة تترى، في الصيام والقيام والزكاة وغيرها من المسائل الاجتماعية والعلمية تضمنتها هذه الجلسة المباركة.


قاعدة في معرفة الميسر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: كل معاملة تدور بين المغنم والمغرم فهي ميسر، ولا تجوز إلا في ثلاثة أشياء، وهي المسابقة على: الخيل.
والإبل.
والسهام.
وأجاز الشارع هذا لأجل المصلحة؛ لأنها تعين على الجهاد في سبيل الله، وما سوى ذلك من المغالبات والمقامرات فإنها حرام .


قاعدة في معرفة المصالح والمفاسد
يقول الله عزَّ وجلَّ: { قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } [البقرة:219] الإثم أتى به مفرداً، والمنافع أتى بها جمعاً على صيغة منتهى الجموع، وهذه المنافع مهما كثرت ومهما عَظُمت الإثم الذي في الخمر والميسر أكبر من النفع، ولهذا قال: { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } [البقرة:219].
وعلى هذا فنأخذ فائدة أو قاعدة عظيمة في الشريعة، وهي: إذا غلبت المفسدة على المصلحة، وجب ترك الشيء والبُعْد عنه، وإذا تساوت المصلحة والمفسدة أيضاً يُترك؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا غلبت المصلحة على المفسدة أُخِذ بالمصلحة.
فالمهم أن جميع الأشياء: إما أن تكون مصلحتها راجحة، أو مرجوحة، أو مساوية، هذه ثلاثة أقسام، أو يكون الشيء ذا مصلحة خالصة، أو ذا مضرة خالصة.
فالأقسام إذاً خمسة: مصلحة خالصة.
مضرة خالصة.
مصلحة راجحة.
مضرة راجحة.
مصلحة ومضرة متساويتان.
أما ما مصلحته خالصة: فإن الشرع يَحُثُّ عليه.
وأما ما مضرته خالصة: فإن الشرع يُحَذِّر منه.
وأما ما مصلحته متساويتان: فالشرع أيضاً يُحَذِّر منه؛ لأنه إذا اجتمعت مفسدة ومصلحة فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
وأما ما مضرته راجحة: فالشرع أيضاً يُحَذِّر منه.
وأما ما مصلحته راجحة: فالشرع يُرَغِّب فيه.
فصار الشرع يُرَغِّب في شيئين: الأول: ما مصلحته خالصة.
والثاني: ما مصلحته راجحة.
ويُحَذِّر من ثلاثة أمور: 1/ ما مضرته خالصة.
2/ ما مضرته راجحة.
3/ ما تساوى فيه الأمران، والذي تساوى فيه الأمران إنما حذَّر الشرع؛ لأن المفسدة أقبح وأشد تأثيراً من المصلحة؛ لأن المفسدة إذا اجتمعت مع المصلحة فهي أقبح من المصلحة، وأشد تأثيراً، ولهذا نُهي عنها .


الأسئلة


مكفرات الكبائر


السؤال
هل الكبائر يكفِّرها الصوم؟

الجواب
الكبائر من الذنوب لا تكفَّر إلا بتوبة: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [النساء:31] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( ورمضان إلى رمضان مكفِّر لما بينهما ما اجتنبت الكبائر ).


تحريم الخمر قليله وكثيره


السؤال
قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) هل إذا تناولت يسيراً ولا يحصل إسكار ولا يظهر أثره، هل يكون هذا الشيء حراماً؟

الجواب
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من أسكر كثيره فقليله حرام ) معناه: أن الشيء إذا تناولتَ منه كثيراً حصل الإسكار، وإن تناولت يسيراً لم يحصل الإسكار، حَرُم حتى اليسير الذي ليس فيه إسكار سدَّاً للذريعة، وليس المعنى: ما كان فيه قليل من خمر فهو حرام، لا ليس هذا هو المعنى، فالشيء الذي فيه قليل من الخمر يُنظر إن ظهرت آثار الخمر فيه من طعم أو لون أو سَكَر فهو حرام، وإن لم يظهر فإنه ليس بحرام؛ لأنه اضمحلَّ وزال أثره.
ولهذا لو أن الماء أصابته نجاسة يسيرة لم تؤثر عليه بقي على طهوريته، كذلك هذا الشراب لما صار فيه نقطة أو نقطتان من الخمر؛ لكن لم يؤثر فيه، فإنه باقٍ على حِلِّه.
وكذلك العطور إن استُعملت للشرب فهي حرام، أما لغير الشرب، فهي عندي محل نظر، أنا لا أحرمها ولكنني لا أستعملها إلا للضرورة، مثل: تقييم جرح أو شبهه، ولا أقول: إنها حرام؛ لأنها ما اتُخذت على وجه محرم، ثم هي على كل حال ليست بنجسة، فلو أصابت الثياب أو الفرش فهي طاهرة وليست بنجسة؛ لأنه لا يوجد دليل على نجاستها، بل ولا هناك دليل على نجاسة الخمر، بل الأدلة تدل على أن الخمر طاهر طهارة حسية، وإن كان من الناحية المعنوية خبيثاً ومحرماً.


حكم صيام يوم الشك لقضاء يوم من رمضان السابق


السؤال
شخص عليه قضاء يوم من رمضان، ففرَّط في قضائه حتى جاءه يوم الشك من رمضان الحالي، فصام يوم الشك، فجاء الخبر بثبوت شهر رمضان، فما الحكم؟ هل يُلزم بأن يصوم مع الناس؟ أو يجعل هذا اليوم عن القضاء الذي عليه؟ وهل يلزمه شيء من هذا القبيل مع القضاء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.


الجواب
يوم الشك هذا العام جاء الخبر فيه قبل طلوع الفجر، ومعلوم أنه إذا ثبت دخول رمضان فإنه لا يصح أن يصوم فيه أي صوم كان، لا صوم فائت، ولا تطوع، ولا نذر، ولا كفارة؛ لأن أيام رمضان متعينة لرمضان، حتى قال العلماء: لو سافر وصادف سفرُه في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من رمضان وقال: سأصوم الأيام البيض، فإنه لا يجوز؛ لأن رمضان مخصوص للفريضة فقط، فريضة رمضان.
وعلى هذا فنقول للأخ: إن تبيَّن لك قبل طلوع الفجر أن اليوم من رمضان فصُم رمضان، وإن لم يتبيَّن إلا بعد، فألغِ نية القضاء واجعلها لرمضان.


حكم المسابقات الرمضانية


السؤال
هذا يسأل عن الفوازير الرمضانية، يقول: هل هي من قبيل الميسر أم لا؟ علماً أن (الفوازير) هي مسابقات الأطفال، يجمعون إجابة الأسئلة الثلاثين، ثم يجرون (اقتراعاً) والفائز له جائزة، فما الحكم في ذلك؟

الجواب
هذا لا بأس به؛ لأن الجائزة من غير المتعاملَين.
فإذا كانت الجائزة من غير المتعاملَين فلا بأس بها؛ لأنه لو قال قائل: مَن أجاب على عشرة أسئلة من خمسة عشر فله كذا، فلا بأس، أو قال: مَن سبَق على الأقدام مثلاً فله كذا وكذا، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يوجد فيه غُنم وغُرم، بل هذا رجل متبرع محسن جعل هذه الجائزة لمن سبق.


حكم ابتلاع الصائم الريق


السؤال
هل صحيح قول بعض الفقهاء: ويُفْطِر -أي: الصائم- بريق أخرجه إلى بين شفتيه ثم يبلعه؟

الجواب
نعم، قال بعض أهل العلم: إذا أخرج الإنسان ريقه إلى ما بين شفتيه فقد انفصل عن فمه، فإذا أعاده فإنه يُفْطِر، وعلى هذا فالاحتياط ألا يبتلعه بعد أن أخرجه إلى ما بين شفتيه؛ لأنه انفصل من فمه.
أما إذا كان في فمه فإنه لا يُفْطِر حتى لو جمع الإنسان ريقه أو وصلت النخامة إلى فمه فابتلعها فإنه لا يُفْطِر؛ لكن لا ينبغي له أن يبتلع النخامة بعد أن تصل إلى فمه.


مسألة السهو في صلاة التراويح


السؤال
إذا صلى الإمام في التراويح ثلاث ركعات كيف يفعل؟

الجواب
إذا قام إلى الثالثة في التراويح ناسياً فإنه يرجع، حتى لو قرأ الفاتحة فإنه يرجع ويجلس ويتشهد ويسلم، ثم يسجد سجدتين، فقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا قام إلى الثالثة في صلاة الليل، فكأنما قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر، ومعلوم أن الإنسان إذا قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر وجب عليه أن يرجع؛ لأن الفجر لا يمكن أن يُصلَّى ثلاثاً، وكذلك صلاة الليل لا تزد على ركعتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ).
وأنا سمعتُ أن بعض الأئمة إذا قام إلى الثالثة سهواً وذكَّروه استمر وصلى أربعاً، وهذا في الحقيقة جهل منهم، مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) والواجب أن الإنسان إذا ذُكِّر في صلاة الليل أو التروايح ولو بعد أن شرع في القراءة فيجب أن يرجع ويجلس ويقرأ التحيات ويسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو ويسلم.


حكم صلاة التراويح بعد صلاة الوتر


السؤال
من صلى التراويح وقد أوتر، ثم دخل مسجدكم -يعني: هنا- فهل الأولى أن يدخل معكم في صلاة التراويح؟ أم ماذا يفعل؟

الجواب
الأَولى أن يدخل معنا، وإن كان قد أوتر؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة ) وصلاته معنا صلاة ذات سبب، وهو حضور الإنسان إلى الجماعة، كما أن الإنسان لو أوتر ثم دخل المسجد بعد الوتر يصلي ركعتين، لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فذوات الأسباب لا تمنع من كون آخر صلاة الليل وتراً.


حكم المداومة على الوتر بقراءة سورتي الأعلى والكافرون


السؤال
المداومة على الوتر بقراءة سورتي الأعلى والكافرون هل هو سنة؟

الجواب
نعم، من السنة أن يقرأ الإنسان إذا أوتر بثلاث، أن يقرأ في الأولى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } [الأعلى:1] وفي الثانية: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } [الكافرون:1] وفي الثالثة: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص:1] ؛ ولكن إن قرأ غيرها من السور فلا بأس؛ لأن هذا على سبيل الاستحباب، لا علي سبيل الوجوب.


جواز صلاة المفترض خلف المتنفل


السؤال
من دخل المسجد والإمام يصلي التراويح ولم يصلِّ الفريضة بعد فما العمل؟

الجواب
إذا دخلت المسجد والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصلِّ صلاة الفريضة فادخل مع الإمام بنية الفريضة، فإن أدركتَ الإمام من أول الركعة فإذا سلَّم فأتِ بركعتين، وإن أدركته في الركعة الثانية، فإذا سلَّم فأتِ بثلاث ركعات، المهم أنك تدخل مع الإمام وإن كان الإمام متنفلاً وأنت مفترض، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة، وقال: إذا دخل وهم في التراويح ولم يصلِّ العشاء فليدخل معهم بنية صلاة العشاء، ثم يكمِّل ما بقي من صلاته.


معنى قول عائشة: فلا تسأل عن حسنهن وطولهن


السؤال
ما معنى قول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حُسْنِهِنَّ وطُوْلِهِنَّ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنَّ وطُوْلِهِنَّ ) الحديث؟

الجواب
معناه واضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثمان ركعات؛ لكن يفصل بينهن، فيصلي أربعاً يُطِيْلُهُنَّ ويُحْسِنُهُنَّ في القراءة والركوع والسجود والقيام والقعود، ثم يفصل قليلاً، ثم يصلي أربعاً، ولهذا كان السلف رحمهم الله يصلون التراويح هكذا، يصلونها أربع ركعات، ثم يجلسون قليلاً يستريحون، ثم يستأنفون الصلاة، ولهذا سُمِّيت (تراويح) من الراحة؛ لأنهم يستريحون بعد كل أربع ركعات.
وظاهر حديثها هذا: ( يصلي أربعاً ) أنه يقرن بين الأربع، وهذا محتمل؛ ولكن هذا المحتمل من المتشابه الذي يجب أن يُحمل على المُحكم، والمُحكم هو قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) وعلى هذا فيكون أربعاً؛ لكن مثنى مثنى، يسلِّم من الركعتين، ويكون فائدة في ذكرها الأربع أن هذه الأربع لم يفصل بينها بفاصل كالفاصل الذي بينها وبين الأربع الباقية.


حكم قول القائل: ونعوذ بك منك


السؤال
ما حكم قول الإمام: (ونعوذ بك منك) وكذلك، قولهم: (هب المسيئين منا للمحسنين) وهل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر دعاء القنوت؟

الجواب
قول الداعي: (نعوذ بك منك) فهذا من باب التفويض إلى الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الأمر من الله وإلى الله، فهو يعوذ بالله من الله عزَّ وجلَّ، وهو كقوله: لا ملجأ منك إلا إليك، فكما أن الإنسان يفر من الله إلى الله، كذلك يعوذ بالله من الله، والله سبحانه وتعالى يقدِّر الخير بفضله ويقدِّر الشر بحكمته، فهو يعوذ برضا الله من سخطه، ويعوذ بالله من الله عزَّ وجلَّ، أي: يعوذ بالخير من الشر، هذا معنى قوله: نعوذ بك منك، وهذا نظيره في ملوك الدنيا لو أنك قلت للملك: أنا بوجهك، الملك الذي يريد أن يعاقبك مثلاً، تقول: أنا بوجهك، أي: أنني أفر منك إليك، هذا هو معنى قوله: نعوذ بك منك.
وأما هب المسيئين منا للمحسنين فهذه إن صحَّت؛ لأنني لا أدري هل تصح عن السلف؛ لكن إن صحَّت فالمراد هب المسيئين منا للمحسنين، أننا جمع يجمع بين أناس مسيئين ومحسنين، فشفِّع المحسنين في المسيئين، كما لو شفعتَ عند ملك لشخص، وقلت: أعطه لي، أي: بوجهي ومن أجلي، فمعنى: هب المسيئين منا للمحسنين أي: اجعل المحسنين شفعاء للمسيئين.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر دعاء القنوت، فقد نص عليها أهل العلم، واستدلوا بعموم الحديث: ( الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك ) فإذا صلى الإنسان على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر القنوت فلا بأس، وإن ترك ذلك واقتصر على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد فلا بأس؛ لأن الصلاة عمل واحد.


معنى القصَّة البيضاء


السؤال
كثير من النساء تجهل القَصَّة البيضاء؛ لذلك يغتسلن من غير أن يرينها دائماً، فما الحكم؟

الجواب
القَصَّة البيضاء معناها: أن المرأة إذا طهرت من الحيض فإنها إذا جعلت قطنة بيضاء في محل الحيض خرجت بيضاء، ليس فيها كُدرة، فإذا كان الأمر كذلك فهذا هو علامة الطُّهر، ولا يلزم أن يكون هناك ماء أبيض سائل، لا يلزم؛ لأن بعض النساء لا يكون معهن ذلك؛ فإذا رجعت القَصَّةُ البيضاءُ بيضاءَ ما فيها أثر، فهذا هو علامة الطُّهر، وإذا حصل الطُّهر ثم جاء بعده كُدرة أو صُفرة، فإن ذلك لا يضر، قالت أم عطية رضي الله عنها: ( كنا لا نعد الصُّفرة والكُدرة بعد الطهر شيئاً ).


حكم صيام المرأة قبل التأكد من طهرها


السؤال
امرأة نوت الصيام من الليل؛ لكنها لم تغتسل إلا وقت الظهر؛ وذلك لأنها تريد أن تتأكد من أنها طاهرة؛ لأنها تخشى أن يخرج منها دم، وفي وقت الضحى رأت القَصَّة البيضاء، فما حكم صيامها؟

الجواب
صيامها غير صحيح؛ لأنها صامت من غير أن تتأكد من الطُّهر، والأصل بقاء الحيض حتى تتيقن الطُّهر، وهكذا كل ما كان موجوداً فالأصل بقاؤه على وجوده، حتى يقوم اليقين على زوال ذلك الوجود؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين شُكي إليه الرجل يُخَيَّل إليه أنه يجد شيئاً في الصلاة، قال: ( لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) فنقول لهذه المرأة التي لم تتيقن أنها طهرت: انتظري حتى يتيقن الطُّهر، فإذا طَهُرَتْ في أثناء النهار فإن شاءت أمسَكَتْ، وإن شاءت لم تُمسك، أي: إن بقيت على فطرها فلا بأس؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن المرأة إذا طهرت من الحيض في أثناء النهار أو المسافر إذا قدم وهو مفطر، وقدم إلى بلده في أثناء النهار فالراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يلزمهما الإمساك، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله، ولا دليل على وجوب الإمساك بدون فائدة؛ لأنه إذا قلنا: أمسك ويلزمك القضاء، صار مجرد تعذيب لهذا الرجل بدون فائدة شرعية.


حكم استعمال السواك للصائم


السؤال
ما حكم استعمال السواك للصائم؟ وإن كان جائزاً فما حكم ابتلاع ما يبقى في فم الصائم من طعم للسواك؟

الجواب
السواك للصائم وغيره سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( السواك مَطْهَرة للفم مرضاة للرب ) في كل وقت، في الصباح، وفي الظهر، وبعد العصر، ثم إن كان السواك له طعم، مثل السواك الجديد فلا يبتلع الطعم، وإن لم يكن له طعم فلا بأس أن يبتلع ريقه وإن كان قد تسوَّك.


جدول زمني في شهر رمضان


السؤال
ما هو الجدول المناسب اتباعه في شهر رمضان المبارك؟

الجواب
هذا لا يمكن ضبطه -الواقع- يعني: لا يمكن أن نحدد شيئاً معيناً لكل واحد من الناس، الناس يختلفون، هذا عنده عمل، وهذا طالب علم يدرس في مدرسته أو كليته أو معهده، وهذا آخر عنده أشغال أخرى، لا يمكن أن تُحَدَّد؛ لكن الإنسان الكيِّس الحازم هو الذي لا يضيع شيئاً من وقته إلا بما يعلم فائدته؛ لأن الوقت أغلى من المال، المال لو فُرِض أنه نَفَدَ يمكن يُسْتَرْجَع؛ لكن الزمن لا يمكن أن يُسْتَرْجَع أبداً؛ ولهذا الإنسان الكيِّس الحازم الفطن يحرص على وقته أكثر مما يحرص على ماله، والعجب أن كثيراً من الناس، أو أكثر الناس يحرص على ماله ويضعه في الصناديق أو يضعه في البنوك يزعم أن هذا أحفظ له، أو ما أشبه ذلك؛ لكن وقته قد ضيعه ضياعاً كاملاً في غير فائدة، بل قد يكون ضيعه فيما فيه مضرة، وكسب إثماً والعياذ بالله.
فعلينا أن نحرص جميعاً على أوقاتنا التي هي أثمن من أموالنا، وألا نصرفها إلا في خير، إما خير محض، وإما خير راجح، وإما وسيلة لخير.
والله الموفق، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


جلسات رمضانية 1410هـ [2-4]
في هذه المادة تحدث الشيخ عن مسائل في الربا، وكيف يتم التخلص من الأموال الربوية، وذكر ما يشترط عند الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، وكذلك الشروط في اختلاف الأصناف.


تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ...)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: يقول الله عزَّ وجلَّ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [آل عمران:131-132].
فقد صدَّر الله هذه الآيات الكريمة بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: [ إذا سمعتَ الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأَرْعِها سمعَك، فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تُنهَى عنه ] وصدق رضي الله عنه، فإن الله تعالى لا يصدِّر الآيات بهذا الخطاب وهذا النداء وبهذا الوصف؛ وصف الإيمان إلا لأمر هام، إما خيراً يؤمر به الناس، وإما شراً يُنهَون عنه.
وفي هذه الآيات الكريمة الذي خاطبنا الله به شر نهانا عنه، فقال: { لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً } .
وكانوا في الجاهلية يأكلون الربا أضعافاًَ مضاعفة، بالصراحة والوضوح، كان الرجل إذا ديَّن شخصاً أرضاً أو ثمن مبيع أو غير ذلك مما يثبت في الذمة؛ لأن الدين في الشرع: كل ما ثبت في الذمة فهو دين، من ثمن مبيع، أو باقي صداق امرأة، أو أجرة بيت، أو دكان، أو غير ذلك، كل ما ثبت في الذمة فهو دين، كانوا في الجاهلية إذا حلَّ الدين المؤجل قال الدائن للمدين: إما أن تقضي الدين، وإما أن تربي، أي: أن تزيده، فإذا كان (10.
000) مثلاً وحلَّ، وليس عند المدين شيء، قال له الدائن: إما أن توفيني العشرة آلاف بأي وسيلة كانت، وإما أن تُربي، أي: تجعل العشرة مثلاً أحد عشر ألفاً، أو اثني عشر ألفاً، حسب ما يفرضه هذا الدائن الظالم على المدين.
والمدين المعسر يحرم على دائنه أن يتكلم معه بطلب الدين، يعني: لا يجوز أن يقول: أوفني وهو يعلم أنه فقير، فكيف بمطالبته؟! وكيف بحبسه؟! كما يفعل الآن بعض الناس الظلمة والعياذ بالله، يحل الدين على الفقير وهو يعلم أنه فقير لا يجد شيئاً، ثم يطالبه عند الجهات المسئولة، ويطلب حبسه، وهذا لا شك أنه معصية لله عزَّ وجلَّ، وأن الذي يفعل ذلك ربما يعاقب في الدنيا قبل الآخرة، ربما يُصاب بالإعسار والإفلاس، ويتسلط عليه الناس كما تسلط على هذا الفقير.
المهم أنهم كانوا في الجاهلية إذا حل الدين قال: أوفني أو أرْبِ، يعني: زِدْ، فإذا حل مرة ثانية قال: أوفني أو زِدْ، فإذا حل مرة ثالثة قال: أوفني أو زِدْ، حتى يتضاعف الدين، وتكون المئات ألوفاًَ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك.
{ لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } : اتقوا الله يعني: اتخذوا الوقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لتنالكم رحمة الله عزَّ وجلَّ، وإذا لم تفعلوا { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة:24].
{ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [آل عمران:131] يعني: اتقوا الله واتقوا عذابه بالنار التي أعدها الله للكافرين، وفي هذا دليل على أن الربا خصلة من خصال الكفر؛ لأنه قال: { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [آل عمران:131] بعد أن نهانا عن الربا .


مسائل في الربا
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا فيما يكون، وكيف يكون؟


الأشياء التي تجري فيها الربا
أما ما يكون فيه الربا فقال صلى الله عليه وسلم: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح .
-كم هذه؟ ستة.
ستة أصناف- مِثْلاً بمِثْل -يعني: بعتَ ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو براً ببر، أو شعيراً بشعير، أو تمراً بتمر، أو ملحاً بملح، مِثْلاً بِمِثْل- سواءًَ بسواء, يداًَ بيد ) فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام المماثَلة والمقابَضة، إذا بِيْعَ شيء من هذه الأصناف بجنسه فلابد فيه من أمرين: المماثَلة: بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر.
والمقابَضة: يداً بيد.
فإن زِدتَ أو تأخرت في القبض فإنك مرابٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) أي: دخل في الربا، فإذا بعتَ ذهباً بذهب، إذا بعت عشرة غرامات بأحد عشر غراماً فهذا حرام؛ لأجل الزيادة، وإذا بعتَ عشرة غرامات بعشرة غرامات لكن لم تقبض فهذا حرام من أجل عدم القبض.
والربا الذي يكون بعدم القبض يسميه العلماء: ربا النسيئة؛ لأنه تأخر في القبض.
والذي يكون فيه الزيادة يسميه العلماء: ربا الفضل.
فقد ينفرد ربا الفضل، وقد ينفرد ربا النسيئة، وقد يجتمعان.
إذا اختلفت الأصناف، لم يكن إلا ربا النسيئة.
فإذا بعتَ ذهباًَ بفضة فلا بأس بالزيادة والنقص ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.
إذا بعتَ تمراً ببُر، فلا بأس من التفاضل؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.
إذا بعتَ شعيراً بملح، لا بأس بالزيادة؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد ) .
فإن قلتَ: لو بعتُ ذهباً ببُر، هل يجب التقابض؟ ف

الجواب
ظاهر الحديث أنه يجب التقابض؛ لأنه قال: ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم )، وذهبٌ ببُر اختلفت الأصناف، فيجوز أن نبيع كيف شئنا؛ ولكن يجب أن يكون يداً بيد، هذا هو ظاهر هذا الحديث؛ لكن قد دلت السنة أنه إذا كان أحد الصنفين نقداً، يعني: ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض، إذا كان أحد العوضين ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض.
بأي دليل؟ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسْلِفون في الثمار السنة والسنتين -يعني: يعطون دراهماً بتمر بعد سنة أو بعد سنتين- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلف في شيء فليُسْلِف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ) وهذا يتأخر في القبض، وقد جاءت به السنة صريحة.
فدل ذلك على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا اختلفت هذه الأصناف ) يعني: الأربعة فقط، وهي: البر، والشعير، والتمر، والملح.
إذا بِيْع جنسٌ بغير جنسه فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يُشترط التساوي، أما إذا بيع جنس من هذه الأصناف الأربعة بذهب أو فضة، فإنه لا يُشترط فيه التساوي، ولا يُشترط فيه التقابض أيضاً؛ لكن إذا بيع ذهب بفضة، فإنه لابد فيه من التقابض، أما التساوي فليس بشرط؛ لأن الذهب لا يساوي الفضة؛ لكن لابد من التقابض.
ودليل ذلك أحاديث وردت في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن بأن الذهب بالفضة لابد أن يكون فيه التقابض قبل التفرق.


بيع وشراء العملات الورقية
إذا قال قائل: ما تقولون في هذه العملات الورقية؟! الذهب والفضة معلومان بالسنة؛ لكن هذه العملات الورقية ماذا نقول فيها؟ فقد اختلف العلماء فيها؛ لأنها خرجت متأخرة، ما كانت معروفة عند العلماء السابقين، خرجت متأخرة، والمتأخرون اختلفوا فيها على ستة أقوال، وأقرب الأقوال فيها: أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، يعني: إذا بعت شيئاً بشيء متفاضلاً فلا بأس، لكن لابد من التقابض قبل التفرق، وهذا قول وسط بين من يقول: إنه لا يجري فيها ربا فضل ولا ربا نسيئة، وبين من يقول: إنه يجري فيها ربا الفضل وربا النسيئة، فهذا قول وسط، أنه يجري فيها ربا النسيئة؛ لأن ربا النسيئة هو الأشد والأعظم؛ حتى ذهب بعض السلف قديماً إلى أنه لا ربا إلا في النسيئة، بناءً على حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الربا في النسيئة ).
لكن انعقد الإجماع بعد ذلك على مقتضى السُّنَّة الأخرى التي فيها إثبات ربا الفضل، وإثبات ربا النسيئة.
فأقرب الأقوال عندي في مسألة الأنواط، يعني: الأوراق، أوراق العملة أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، وأن ربا الفضل فيها جائز، بل هو ليس رباً شرعياً؛ لأنه مثلما لو بعتُ عليك ثوباً بثوبين لا بأس به بالاتفاق، أو بعتُ عليك بعيراً ببعيرين، لا بأس به أيضاًَ، كذلك لو بعتُ ورقةًَ بورقتين لا بأس به؛ لكن إذا كانت الدولة واحدة، فإن كان ورقة بما يقابلها من معدن آخر فلا بأس بالزيادة، وليس فيه إشكال عندي؛ لكن إذا كانت ورقة بورقة؛ لكن ورقة جديدة نظيفة وأخرى فيها تمزق فهذه في نفسي تردُّد، هل تجوز الزيادة في هذا أو لا تجوز، والاحتياط: ألا يكون فيها زيادة.
والمهم -أيها الإخوة- أن الربا إثم عظيم وجُرم كبير، وقد قال الله تعالى في من لم ينتهِ عن الربا قال: { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } [البقرة:279].
ومع الأسف الشديد أننا نحن معشر الأمة الإسلامية الذين فُضِّلنا على كل الأمم -ولله الحمد- فينا اليوم من يتعاطى الربا وكأنه بيع حلال، ففينا بعد ذلك شبه من اليهود؛ لأن اليهود هم المشهورون بأكل الربا، فمن أكل الربا فإن فيه شبهاً من اليهود، إخوان القردة والخنازير والعياذ بالله.
نسأل الله لنا ولكم الحماية والوقاية من الشر، إنه جواد كريم.


الأسئلة


كيفية التخلص من الأموال الربوية


السؤال
شخص له مبلغ كبير في بنك من البنوك بلغت فوائده الربوية (10.
000) ريال تقريباً، فهل يأخذها ويتصدق بها؟ أو يصرفها في أعمال البر العامة؟ أم يتركها للبنك يتاجرون بها ويربحون بسببها، فيحس بالذنب يلاحقه؟ نرجو توضيح هذه المسألة، وفقكم الله للصواب؟

الجواب
لا شك أن بقاء هذا الشيء الذي يسميه السائل: فائدة، لا شك أن بقاءه في البنك ينمِّي ماله ويزيده؛ لكن إذا كان هذا الرجل لا يحب أن ينمِّي مال البنك فلماذا يعطي البنك ماله؟! إذا كان صادقاً في أن يبتعد عن البنوك وعن فوائدها الربوية فلماذا يضع دراهمه في البنك أصلاً؟! لو أن الناس هجروا البنوك ولم يضعوا أموالهم فيها لأفلست البنوك؛ لأن أموال البنوك وأرباح البنوك من أموال الشعب، تَرِدُ عليهم وينتفعون بها، وهذا الربح الذي يعطونك إياه ليس فائدة مالك أبداً حتى تقول: إني تركتُ فائدة مالي لهم، بدليل أن هذا الربح مُطَّرِد، يزيد بزيادة الدقائق، ليس بزيادة الأيام فحسب، وليس هناك ربح يكون بهذا الوجه.
ثم إن مالك الذي هو مالك ربما يتَّجر بها البنك ويخسر، وربما يتلف، ربما يصيب البنك حريق فتتلف أموال عظيمة من جملتها مالك، ومع هذا يعطونك الفائدة، فالفائدة هذه ليست فائدة مالك، ولكنها رباً صريح يعطيه البنك لمن جعل ماله عنده، وبعبارة أصح: يعطيه البنك لمن أقرضه ماله؛ لأنك أنت إذا أعطيت البنك فقد أقرضتَه المال؛ لأن البنك يضعه في صندوقه وينتفع به، ليس وديعة، وإن كان الناس يسمونها وديعة؛ لكنها كذب، ما هي وديعة، الوديعة أن يبقى مالك بعينه محفوظاً بكيسه، لا يتصرف فيه المودَع أبداً، هذه الوديعة.
أما شيء تعطيه إياه ويضعه في صندوقه ويتصرف فيه فهذا يسميه الفقهاء: قرضاً، وليس وديعة، والمعاني لا تتغير بتغيُّر الأسماء أبداً، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه في آخر الزمان يشرب أقوام الخمر ويسمونها بغير اسمها، فهل تنتقل عن الخمر إلى الاسم الجديد؟ لا.
هي خمر، هكذا أيضاً هذه التي نسميها ودائع وهي عند البنوك ليست وديعة أبداً، بل هي قرض ينتفع بها البنك.
فنقول لهذا السائل: أولاً: لماذا تضع مالك عند البنك وأنت تشعر بأن في هذا تنمية لأموالهم وزيادة فيها؟! فإذا قلت: إنني مضطر إلى ذلك؛ قلنا: الضرورة لا تبيح لك أخذ الربا أبداً، وبيننا وبينك كتاب الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة:278-279] أي: اتركوا الربا الذي أنتم عقدتموه من قبل، حتى ربا الجاهلية الذي تم العقد عليه قبل الإسلام قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: ( ربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع من ربانا: ربا العباس بن عبد المطلب ).
والشرع لا يتغير باستحسان العقول، بعض الناس يقول: لماذا أخلِّي هذا المال الكثير عند البنك يربحُه؟ نقول: ما ربحه، مالك ما ندري هل ربح أم خسِر؟! وهل ربح أضعاف أضعاف الذي أعطاك أو أقل؟! لا ندري، هذا ليس ربحاً، ولا يجوز أن نسميه ربحاً؛ هذا رباً، رباً صريح، ولهذا -كما قلتُ- يزيد بزيادة الساعات والدقائق والأيام، إذا تأخر أضيف إليه زيادة، كلما تأخر، يُحسب بالدقيقة، كيف يقال هذه فائدة؟! أين الفائدة؟! فإذا كان ربك يقول لك: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا } [البقرة:278] اتركوا الباقي، كيف تأخذه أنت؟! أليس الله يعلم أنك لو قبضته وتصدقت به أو صرفته في منفعة عامة أليس الله يعلم أن ذلك يكون؟ الجواب: بلى، يعلم هذا، لماذا لم يقل للعباد: خذوه وتصدقوا به أو اصرفوه في المصالح العامة؟! الله عزَّ وجلَّ لا يمكن أن يحرم عباده مما فيه الخير أبداً، وأن يأمرهم بما فيه الشر! لا يأمر إلا بالصالح أو الأصلح، ولولا أن الصالح أو الأصلح في تركه ما قال: { وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا } ثم في تركه له فوائد عظيمة؛ خلافاً لما يتراءى لبعض الناس من سطح المسألة وظهرها: من أكبر فوائده: أن الناس إذا علموا أو إذا شعروا بأن هذه التي يسمونها فوائد كثيرة تبلغ ملايين ما هي (10.
000) كما قال السائل، فإن هذا سيضطَّرهم إلى أن يوجدوا معاملات بديلاً عن هذا، أما إذا استمروا على هذا أو استمرءوه، قال: آخذ، وأصرفه في مصالح عامة، وربما يشح بها أيضاً، ربما تمنعه نفسه، هو أخذها بهذه النية؛ ولكن مع كثرتها إذا صار يقلِّبها يقول: والله! هذه مليون، مليونان، عشرة ملايين، لا، خلِّها وسننظر فيما بعد، يموت وهو ما صرفها في شيء، أو ربما يغلبه الشح وتبقى، ثم هو لو فرضنا أن الرجل أخذها وصرفها فوراً إلى شيء نافع فغيره لا يدري هل أخذها وصرفها أم لا؟! فيقتدي به، يحصل في هذا شر كبير.
فالمهم أن تركها امتثالاً لأمر الله عزَّ وجلَّ وتحسُّباً للفوائد العظيمة التي ستكون في تركها، لا شك أنه متعيِّن.
وما استحسنه بعض الناس من أن تأخذها وتصرفها في المصالح العامة هذا استحسان في مقابلة النص، ولا -والله- أعلم لأحد حجة إذا وقف بين يدي الله يوم القيامة، وقد قال الله: { وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا } لا أعلم له حجة أن يقول: يا رب! أخذته لأني أرى أن فيه مصلحة، المصلحة كلها في طاعة الله ورسوله، ليست في شيء سواهما، طاعة الله ورسوله فوق كل شيء.
وثِق أيضاً بأنك إذا تركت هذا طاعة لله ورسوله فستكون العاقبة حميدة لك، وستجد لذة طعم هذا الترك إلى أن تموت، لا سيما إذا كثر المال المتروك.
فعلى كل حال نقول: لا تأخذه، ولا تصرفه في المصالح؛ لأنك إن صرفته في المصالح أو تصدقت به تقرباً إلى الله لم يُقبل منك، وبُؤت بالإثم، كسبت الإثم ولم يقبل منك هذا، وإن أنفقته في المصالح أو تصدقت به تخلصاً منه صرت كمن تلوث بالنجاسة ثم حاول أن يغسلها، ما الفائدة؟ إذا كنتَ تعرف أن هذا لا يحل لك ما الفائدة أنك تأخذ وتصرف، قال: والله! الفائدة أنني أحرمهم إياه؛ لأنه ربما يأخذونه ويضعونه في الكنائس، أو يضعونه في أسلحة يقاتلون بها، نقول: إذا كان هذا الاحتمال وارداً عندك، فأصل إدخالك المال محرم؛ لأنهم سيستعينون به على ذلك.


حكم المسابقات


السؤال
هذا سؤال قد طُرح على فضيلة الشيخ في الحلقة الماضية، وهو عن فوازير رمضان، وورد إلينا الآن تنبيه وهو: قضية اصطحاب هذه الفوازير للموسيقى والغناء وظهور بعض البنات ونحو ذلك! والسؤال يتجدد عن حكم هذه الفوازير! قضية فوازير رمضان يحصل فيها غناء وموسيقى؟

الجواب
حسناً! الفوازير هذه، وهو اسم والله! ما أدري إِيْشْ هذه الفوازير! جمع فزُّورَة؟ جمع فزُّورة.
الفزُّورة إِيْشْ هي؟! أََلْغاز.
لكن ما هي لغة عربية الظاهر.
الجواب: على كل حال أنا أقول: إذا كان يصحبها ظهور بنات جميلات فالواجب الإعراض عنها، ولا يجوز الاستماع إليها وفيها موسيقى، ولا يجوز النظر إليها وفيها بنات يفتنَّ الناظر، فيجب الإعراض عنها.
ولكن هذا يمكن أن يستمع الإنسان إليها من جهة أخرى؛ لكن قيل لي: إن فيها مفسدة ثانية، وهي: أنه لا يقبلون الإجابة إلا بعد أن يسلم الإنسان دراهم -قسيمة- يقولون: ما نقبل إلا إذا سلمت دراهم -والله ما أدري- خمسة ريالات، أو خمسة عشر ريالاً، ما أدري، هل منكم يعرفها؟ أو أنهم لا يقبلون الإجابة إلا بشراء كتيب أو دفتر تكتب عليه الإجابة.
إذا كان كذلك وهو أن الإجابة لا تقبل إلا بشراء هذا الكتيب، ولنقل: إنه بخمسة ريالات، هذا الذي سلم خمسة ريالات ما سلَّم لأجل الكتيب، يمكن الكتيب لا يساوى ريالاً واحداً؛ إنما سلَّم لأجل الجائزة، أو سلَّم أيضاً لأجل أن يُقبل فقط حتى نقول: إن العوض هنا معلوم، وهو قبول إجابته، هو لولا هذه الجائزة التي قدِّرت ما تقدم في الإجابة، وحينئذ يكون سلَّم خمسة ريالات بناءً على أنه سيحصل على جائزة، وهذه الجائزة ربما تحصل وربما لا تحصل، وربما تكون أضعاف أضعاف الخمسة ريالات، وربما تكون -ما أدري- أقل.
عل كل حال: إذا بنيتَ هذا على القاعدة المعلومة عند أهل العلم وهي: أن كل عقد يكون دائراً بين الغُنم والغُرم فإنه داخل في الميسر، علمتَ أن هذا من الميسر.
قد يقول قائل: مصلحة أو ريع هذا الكتيب لن يدخل على الذين وضعوا هذه المسابقة، ووضعوا هذه الجائزة، حتى نقول: إنه من باب الميسر، وإنما سيُصرف إلى جهات أخرى، فيقال: هذا صحيح؛ لكن أصل المعاملة بالنسبة للمتقدم هي ميسر؛ لأن يعرف أنه مُخاطِرٌ الآن، إما أن تروح عليه الخمسة ريالات التي صرفها، وإما أن يحصِّل أكثر، فهي في الحقيقة وإن كانت أهون مما إذا كان الذي يأخذه مَن وضَع الجائزة؛ لكن هي داخلة في الميسر، وهذه مشكلة في الحقيقة حصلت من المسابقة في هذا العام.


حكم الزكاة على المدين


السؤال
هذه سائلة تقول في سؤالها: عندي بضاعة أبيع وأرتزق منها، فهل تجب عليَّ الزكاة، علماً بأنني مدينة؟

الجواب
نعم.
القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الزكاة واجبة على من عنده مال زكوي، وإن كان مديناً؛ لأن النصوص التي دلت على وجوب الزكاة في الأموال الزكوية نصوص عامة ما فيها استثناء، ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد؛ لا صحيح ولا ضعيف، في أن ما يقابل الدين يُسقَط ولا تجب فيه الزكاة أبداً، بل كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبعث الناس إلى أخذ الزكاة من أهل المواشي ومن أهل الثمار ولم يقل لهم: اسألوا أهل الثمار: هل عليهم ديون أم لا؟! مع أنه كما سمعتم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، غالبهم يصير عليه دين، ولا تقوم فلاحته إلا بالتديُّن لها، ومع ذلك ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس الذين يقبضون الزكاة يقول: اسألوهم: هل عليهم ديون؟ فأسقِطوا عنهم ما يقابل الدين! فلما لم يقل ذلك مع دعاء الحاجة إليه عُلِم أن الدين ليس بمانع من وجوب الزكاة فيمن عنده مال زكوي.
وقول بعض الفقهاء رحمهم الله: إن الزكاة وجبت مواساة، وأن المدين ليس أهلاً للمواساة، هذا من جملة ما أشرنا إليه، من جملة التحسين المعارِض للنص، وكل شيء يعارض النص فإنه مرفوض وغير مقبول.
فالصحيح أن الإنسان الذي عنده مال زكوي سواءً كان دراهم أو كان تجارةً أو كان سائمةً من بهيمة الأنعام، أو كان ثماراً؛ فإنه يجب عليه أن يزكيه إذا وجبت فيه الزكاة, ولو كان عليه دين، فإذا قدَّرنا أن رجلاًَ عنده بضاعة تساوي [10.
000] ريال، وهو مدين بعشرة آلاف ريال، عليه دين (10.
000) ريال وجب عليه أن يزكي التجارة التي عنده، وإذا احتاج إلى قضاء الدين أعطيناه نحن من الزكاة، وقضينا دينه؛ لأنه غارم، فالحمد لله! الله لن يضيع أحداً، فالذي يؤدي الزكاة وعليه دين نقول له: إذا اضطررت يوماً من الأيام إلى أن نقضي دينك قضيناه من الزكاة.
وعلى هذا فنقول في جواب سؤال المرأة: إنه يجب عليها أن تزكي هذا المال الذي تتجر به ولو كان عليها دين.


حكم تتبع المساجد لطلب الصوت الحسن


السؤال
أرشدونا فيما هو الأفضل: تتبُّع المساجد لطلب الصوت الحسن، أم الذهاب إلى من يطبق السنة ويحافظ على الخشوع؛ ولكنه لا يمتاز بصوت حسن، مع أن الحاجة داعية إلى ذلك؟

الجواب
لا شك أن الصوت الحسن مرغوب، والإنسان يحب أن يستمع القرآن من صوت حسن، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أذن الله لشيء إِذْنَه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ) أي: ما استمع الله تعالى لشيء مثلما يستمع لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن.
وسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن، واستمع لقراءته، ثم قال له النبي عليه الصلاة والسلام في الصباح، قال: ( لقد استمعتُ إلى قراءتك الليلة، وقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داوُد -أي: صوتاً حسناً- فقال: أوَسَمِعْتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم.
قال: لو علمتُ لحبَّرتُه لك تحبيراً ) يعني: زينتُه أحسن.
وفي هذا دليل على أن الإنسان لا بأس أن يحسِّن صوته من أجل أن يستمع الناس إليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي موسى لما قال هذا.
لكن إذا كان الذهاب -أي: ذهاب الرجل- يؤدي إلى هجران المساجد الأخرى، وضعف همم أصحاب الحي، فإن بقاء الإنسان في مسجده أفضل، وكذلك أيضاً لو كان مسجد حيه يطبق السنة أكثر صار أيضاًَ صلاته في مسجد حيه أفضل.
وهذا القارئ الذي يقرأ يمكن للإنسان أن يستمع إلى قراءته في مسجل ويخشع لها، ثم الخشوع في الحقيقة هو حضور القلب بين يدي الله عزَّ وجلَّ، وليس هذا البكاء الطويل العريض الذي أحياناً يصل إلى إزعاج لبعض الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشوعاً، وكان إذا سجد يُسمع لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل، خفي، ليس بهذا الصراخ الذي يُسمع من بعض الناس.
فالذي أرى أنه لا بأس أن الإنسان يذهب إلى مسجد حسن الصوت، إذا كان هذا ألذ وأطيب لقلبه وأخشع؛ ولكن يُلاحظ أنه إذا كان هناك من يطبق السنة أكثر فهو أولى، وكذلك إذا ذهب إلى هذا المسجد تخلو مساجد الحي أو تضعف همم الناس، فإن وجوده في مسجده أفضل ليكثِّر الناس، ولا سيما إذا كان رجلاً له قيمة في المسجد، فإن هذا أيضاً ربما يُحدث شيئاًَ في قلب الإمام.
أما أولئك الذين سمعنا أنهم يأتون من نحو ثمانين كيلو، ومائة كيلو، وما أشبه ذلك، فهذا لا شك أن هذا تصرف خاطئ، خاطئ جداً؛ لأن هذه المسافة؛ ثمانين كيلو، ساعة ذهاب، وساعة إياب، بدون فائدة، إلا مجرد الاستماع لهذا الصوت، هذا إضاعة وقت، والوقت أشرف من أن يُضاع في مثل هذا الشيء، صحيحٌ أن قصد العبادة فيه أجر لا شك؛ لكن إلى هذا الحد؟! تضيع عليك ساعتان من هذه الليالي الشريفة؟! هذا -في رأيي- أنه تصرفٌ خاطئ، وكلامنا على الشخص الذي يكون في البلد نفسه.


حكم نزول السائل الأصفر من المرأة الحامل


السؤال
هذه سائلة تقول: إذا نزل من المرأة الحامل سائل أصفر، فهل تقضي هذا اليوم علماً بأنها في الشهر الثامن؟

الجواب
لا، الحامل لا يضرها ما نزل منها من دم أو صُفرة؛ إلا إذا كان عند الولادة أو قبلها بيوم أو يومين مع الطلق، فإنه إذا نزل منها دم صار نفاساً، وكذلك في أوائل الحمل، فإن بعض النساء في أوائل الحمل لا تتأثر عادتهن، تستمر على طبيعتها وعادتها، فهذه أيضاً دمُها يكون دمَ حيض.
وأما ما يحدث أحياناً في أثناء الحمل فهذا لا يضر ولا يؤثر، تصوم المرأة وتصلي إلا أنها عند الصلاة تتحفظ لئلا يخرج شيء منها أثناء الصلاة، بقدر الإمكان، وكذلك أيضاًَ تتوضأ لوقت كل صلاة.


التحذير من خروج النساء إلى الأسواق


السؤال
تشكو النساء من فراغ كثير خصوصاً في مثل هذه الليالي؛ لا يجدن أمامهن إلا التلفاز أو الفيديو، فما نصيحتكم لهنَّ في قضاء هذه الأوقات؟ وآخر يشتكي من كثرة خروج النساء إلى الأسواق، نرجو التوجيه؟

الجواب
أما خروج النساء إلى الأسواق فلا شك أنه محزن ومؤسف، والمسئولية تقع أول ما تقع على الرجال أولياء الأمور؛ لأنهم هم الذين نصبهم الله تعالى قوَّامين على النساء، فقال: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء:34]، وقال: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة:228] .
ولا يجوز للإنسان أن يدع نساءه هكذا طلقاً، يذهبن حيث شئن، لا في الليل ولا في النهار، لا في رمضان، ولا في غيره، بل الواجب عليه الملاحظة والمراقبة، لا سيما مع خوف الفتنة، بأن تخرج المرأة متطيبة أو متبرجة أو ما أشبه ذلك.
فأنا أجعل المسئولية الكبرى على أولياء الأمور، يجب أن تُمنع المرأة من الخروج من البيت إلى الأسواق في الليل، حتى لو أدى ذلك إلى منعها من المسجد؛ ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) لأني أمنعها من الخروج إلى المسجد حيث إنها إذا خرجت إلى المسجد مرت على السوق، وقامت تتجول فيه بلا فائدة، فأنا أمنعها لا عن المسجد؛ ولكن عمَّا يكون بعد المسجد، وإلا أحرصُ عليها بأن أتلقاها من حينِ ما تخرج من المسجد وأذهب بها إلى البيت.
وأما فراغ النساء في البيوت، فالمرأة هي التي جعلت الفراغ لنفسها، وعندي أنه لا فراغ، أما بالنسبة للفتيات الصغار فغالبهنَّ في المدارس، وهي عليها مسئولية للمدرسة، يمكنها أن تُمضي ليلها في مطالعة الدروس، ما دامت لم تَنَمْ.
وأما الكبار فشئون البيت كثيرة، يمكنها أن تسعى في أمور بيتها أو تنام كما كانت النساء من قبل، كانت النساء من قبل ليس عندهن تلفاز، وليس عندهن فيديو، ولا راديو، ولا شيء، وأمورهن قائمة، بل هي والله أحسن من الوقت هذا، تجد المرأة الفارغة قلبها متعلق بعبادتها وشئون بيتها، وليس لها نظر ولا التفات إلى أي شيء آخر؛ لكن النساء هنَّ اللاتي أشغلن أنفسهن بهذه المشاهد، أو هذه المسامع، وهنَّ في غنى عنها، فبإمكانها إذا انتهت صلاة التراويح أن تبقى في البيت إن كانت تدرس، تراجع دروسها، إن كانت مدرِّسة تراجع ما تريد أن تدرِّسه، إن كانت تقرأ القرآن قرأت القرآن، إن كانت لا تقرأ اشتغلت بشئون بيتها، إذا لم يكن شغل وانتهى الشغل تنام، وليس بإشكالٍ المسألةُ، المسألةُ ليس هنالك إشكال، وليس هناك فراغ؛ لكن النساء هنَّ اللاتي يخلقن هذا الإشكال، ويطلبن حلَّه وحله -والحمد لله- يسير وسهل.


حكم العمل بجهاز الكمبيوتر في معرفة ما في بطون الأمهات وغير ذلك


السؤال
سائل يسأل عن حكم العمل بجهاز الكمبيوتر؛ حيث أنه يحكم على ما في بطون الأمهات بالذكورة أو الأنوثة ويخبر قبل شهر بالطلوع والغروب والسحاب والمطر؟!

الجواب
نعم، الاشتغال بهذا لا بأس إذا لم يشغل عما هو أهم منه؛ لأن هذا داخل في عموم قوله تعالى: { وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } [البقرة:282] وفي قوله تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ } [الجاثية:13] وفي قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة:29] .
فهذه المسائل لا بأس بتعلُّمها؛ إلا إذا أشْغَلَت عما هو واجب وأهم منها فهذا شيء آخر؛ لكن إذا لم تشغل فإنها مفيدة جداً، وفيها مصلحة أيضاً حتى للمسلمين عموماً، حتى لا يبقى الشعب المسلم أبله؛ يترقى الناس إلى الصنائع العظيمة التي تخدمهم خدمة لا يتصورها العقل.
ولقد جاءتني ورقة من امرأة، تقول لي: لماذا تقول: الكمبيوتر؟! لأن الكمبيوتر لغة إنجليزية، ولكن قل: العادُّ، أو الحاسِبُ، أو ما أشبه ذلك، فأنا تعجبتُ! سبحان الله! عندي رجال كثير ما قالوا في هذا شيء، وهذه المرأة تنتقدني، والانتقاد في محله يُشكر الإنسان عليه، ولهذا هل يمكن أن نغيره؟ أقول: إن غيرناه فذاك هو الأحسن، وإن لم نغيِّره فلا حرج؛ لأن اللغة العربية الفصحى فيها كلمات مترجمة منقولة من لغة أخرى، حتى في القرآن الكريم كلمات أصلها أعجمية؛ لكن استعملها العرب فكانت من كلامهم، وتسمى هذه الكلمات كلمات معرَّبة، فلا حرج أن نسمي هذه الأسماء بما سماها أصحابها، وليس في هذا بأس.
على كل حال أقول: إن الاشتغال بالكمبيوتر لا بأس به إذا لم يشغل عن واجب أو ما هو أهم؛ لأن فيه مصلحة.
وأما العلم بما في بطن الأنثى بعد أن يُخَلَّق فهذا أمر وقع الآن وعُلم، ولا يعارض قول الله عزَّ وجلَّ: { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } [لقمان:34] لأن هذا العلم إنما يكون بعد الوجود، وعلم الله تعالى لما في الأرحام كائن قبل الوجود، يعلم ما سيكون في رحم هذه الأنثى وإن لم تحمل، ويعلم أيضاً ما في بطنها قبل أن يُخَلَّق، ويعلم مآل هذا الحمل، ويعلم حياته وعمله وكل أحواله، وهم لا يتوصلون إلا إلى علم شيء محسوس بعد وجوده، وبعد وقوعه، وهو: الذكورة والأنوثة.
وكذلك أيضاً علمهم بما سيكون من المطر، هو علم يُدرك؛ لكنه بآلات قوية الحساسية، والله عزَّ وجلَّ جعل لكل شيء سبباً، فالأمطار لها أسباب، والغيوم لها أسباب، كله في هذا الغلاف الجوي، فهناك آلات دقيقة جداً جداً يتبين بها بعد دراستها وإجراء الاختبار عليها أن الجو متكيِّف لأن يكون المطر قريباً أو بعيداً وهو يقول إنه إلى شهر، وهذا علم جديد؛ لأن الذي أعرف أنه إلى (24) ساعة، وأنهم وصلوا الآن إلى ثلاثة أيام، ما أدري هل زاد ذلك أم لا.
فهذه أيضاًَ أمور تُدرك بالحس، وليست من أمور الغيب، ولا بأس أن يصدقها الإنسان؛ لكن لو قال قائل لإنسان: إنه سيكون لك كذا، وسيكون لك كذا، هذا هو الذي من علم الغيب، ولا يجوز لأحد أن يصدقه، ولهذا أحذركم من قراءة بعض المجلات التي تَرِدْ إلى المملكة فيها الطالع المنحوس، والطالع المسعود، وما أشبه ذلك، ويذكرون طالع الإنسان: أنت في أي نجم ولِدْت؟ إن ولدت في كذا سيحصل كذا وسيحصل كذا، هذا حرام ولا يجوز أن نصدقه، والتصديق به من الكفر.


حكم الصور على الفرش والبطانيات


السؤال
ابتلينا بالصور في الثياب والكتب والمجلات والفُرُش، فما حكم الفُرُش والبطانيات التي يكون فيها رسماً لحيوانات، وهل تجوز الصلاة في الغرف التي فيها مثل هذه البطانيات؟

الجواب
الواقع أننا كما قال السائل ابتلينا بهذه الصور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ) وإذا أخذنا بعموم هذا الحديث شمل كل شيء فيه صورة؛ ولكن جمهور أهل العلم يقولون: إن الصورة التي تُمْتَهَن -وهي: التي في الفرش- لا بأس بها، ويجوز أن يستعملها الإنسان؛ ولكن مع ذلك أنا أشير أن الإنسان يدعها حتى في الأشياء التي تُمْتَهَن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم إلى بيت عائشة ورأى نمرقة -يعني: وسادة- فيها صورة، فوقف، وعُرِفَت الكراهية في وجهه، فقالت عائشة رضي الله عنها: ( إني أتوب إلى الله ورسوله، ماذا صنعتُ يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يُعَذَّبون، يقال: أحيوا ما خلقتم ) ثم أمرها صلى الله عليه وسلم أن تشقها نصفين، فهذا يدل على أنه حتى وإن كانت في الأشياء التي تُمْتَهَن فإن تجنبها أولى، فتجنب هذه الصور أولى بكل حال؛ حتى في الفرش والمَخاد والمساند.
لكن هناك شيء أيضاً ابتلي الناس به، وهو ما يكون في المجلات والجرائد، وعندي أنه لا يلزم الإنسان أن يطمس كل ما يجد في المجلات والجرائد من أجل المشقة، والله سبحانه وتعالى يقول: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج:78] والإنسان لم يشترِ هذه المجلات والجرائد من أجل صورها، بل من أجل ما فيها من الأخبار والعلوم، ولهذا يوجد مجلات مخصوصة للصور، تجدها مشتملة على هذه الصور، هذه لا شك أنها حرام، ولا يجوز للإنسان أن يدخلها بيته.
وبهذه المناسبة أقول: إنه يجب على الرجال أن يلاحظوا النساء الناقصات في العقول والدين، فإن النساء ابتلين الآن بشراء مجلات الأزياء، تجد المرأة عندها مجلة أو مجلتان من مجلات الأزياء تنظر إليهم، وهذا من الغزو الفكري الذي غزا به أعداءُ المسلمين المسلمين في عقر دارهم وهم لا يعلمون، ما بالنا وبال هذه الألبسة التي قد تكون محرمة في ذاتها، وقد تكون محرمة من أجل ما اشتملت عليه من التشبُّه، ثم هي أيضاً تُعرض في صور -والعياذ بالله- شبه عارية، في صور فاتنة، تلقى الصورةَ طويلةً وجميلةً ومتخصِّرةً وواضعةً يدها على خصرها، وعليها هذا الزي، كأنما تقول لنسائنا: افعلن مثلما فعلتُ، فالواجب على الرجال إذا رأوا مثل هذه المجلات بأيدي النساء أن يأخذوها ويحرقوها، وأن يوبخوا النساء في اقتنائها؛ حتى لا ينتشر الشر بيننا، أنا أقول: إن البلاد الإسلامية التي تحلل كثير منها من الأخلاق أول ما ابتُليَت به مثل هذه المجلات، دُخِّلت على الناس في البيوت، فاقتدى الناس بها، وأخذوها شيئاًَ فشيئاً، حتى أصبحت الأزياء في كثير من بلاد الإسلام أصبحت مزرية، لا يجيزها ذو عقل سليم، فضلاًَ عن صاحب الدين.
أما الصلاة في الأماكن التي توجد فيها مثل هذه الصور فإن كانت من الأشياء المباحة كالذي يُمْتَهَن على قول جمهور أهل العلم فلا بأس بها، وإن كانت من الأشياء التي غير مباحة، مثل الصور المعلقة فإنه لا يُصلى في هذا المكان حتى تُنَزَّل الصور، مع أن هذه الصور المعلقة لا يجوز أن تعلَّق أبداً مهما كان المصوَّر، بعض الناس يضع صورته في برواز ويعلقها في المجلس، أو يضع صورة والده، أحياناً يضعون صورة الوالد وهو ميت، نسأل الله العافية، وبعض الناس يضع صور اللاعبين؛ لاعبي الكرة، وللناس إرادات وأهواء، المهم كل الصور المعلقة لا تجوز أياً كان المعلَّق.
والصلاة على تلك البُسُط لا شك أنها تشغل المصلي، الشيطان حريص على إشغال المصلي لا سيما إذا كان أمامه صورة، فسوف تشغله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم في خميصة -ثوب مُعَلَّم له أعلام- فنظر إلى أعلامها نظرة -كما جاء في الحديث- نظرة واحدة فلما انصرف من صلاته أمر بأن تؤخذ هذه الخميصة وتُعطى أبا جهم ، وتؤخذ أمبجانية أبي جهم بدلاًَ عنها، فتأمَّلَ الرسول عليه الصلاة والسلام، ونظر إليها نظرة، فكيف بمن يجلس وينظر الصور، وينظر الرأس واليدين والرجلين، ويخطط ويزين، الشيطان أيضاًَ يجيء له بتخيلات أخرى غير الموجودة في الفراش، فالواجب أو الذي ينبغي للإنسان أن يتجنب كل ما يشغله عن صلاته.
إن شاء الله تعالى إلى جلسة قادمة.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.