جلسات
رمضانية 1410 هـ - 1415 هـ جلسات رمضانية لعام
1411هـ [1-1]
إن الواجب على المسلم أن يتدبر في أحكام الله وأوامره لأجل أن يؤجر على
ذلك عند الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الأحكام صيام شهر رمضان متى فرض
الله صيام شهر رمضان؟ وكيف كان تطور فرضية شهر رمضان من الله سبحانه؟
ومن الذين كلفهم الله سبحانه بصيامه؟ حتى نقوم بالعبادة خير قيام،
فننال الأجر الكبير والثواب الجزيل من الله تعالى.
مسائل تتعلق بصيام
رمضان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: يقول الله تعالى: { وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [القصص:73] .
ثم إن الله تعالى جلل هذه النعمة بما أنزله من الغيث والمطر على غالب
بلادنا ولله الحمد.
ثم إن هذه النعمة جُلِّلت بأمر ثالث وهو: انتهاء الحر قبل أن يأتي هذا
الشهر المبارك؛ لأنه لو بقي على ما كان عليه لاختلت عبادات كثير من
الناس في هذا الشهر، ولقلقوا، ولفاتهم الخير الذي جعله الله تعالى في
هذا الشهر.
هذه النعم وأمثالها وأمثال أمثالها، وأضعافها، وأضعاف أضعافها كلها يجب
على المرء المؤمن أن يتأملها، حتى يعرف نعم الله عليه من الفضل
والإحسان، وحتى يحب الله عزَّ وجلَّ، فإن من أكبر أسباب محبة الله: أن
ينظر الإنسان إلى نعم الله سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الأثر: ( أحبوا
الله لِمَا يغذوكم به من النعم ) .
فإن الإنسان بطبيعته التي جبله الله عليها يحب من يحسن إليه ولو كان من
بني جنسه، فكيف إذا كان المحسن عليه هو الخالق عزَّ وجلَّ، فإنه يحبه
أكثر وأكثر.
ولكن من الناس من انحرف عن هذه الفطرة والعياذ بالله، وعن هذه الطبيعة
التي خلق الله الخلق عليها، وجَبَلَهم عليها، فصار إذا أصابتهم نعمة
أضافها إلى سببها، ونسي المسبب لها وهو الله، كما ثبت ذلك في الصحيح:
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم الغداة على إثْر سماء كانت من الليل في الحديبية -يعني: على
إثْر ماء مطر نزل- فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله
أعلم، قال: قال الله عزَّ وجلَّ: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من
قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من
قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) مع أن الكواكب
ليست سبباً لنزول المطر؛ لكنها ظروف وأوقات لنزول المطر، يقدر الله
سبحانه وتعالى الأمطار في نوء دون نوء، وفي وقت دون وقت، لحكمة اقتضت
هذا.
أقول: إن بعض الناس لينسبون النعم إلى غير مسديها، أي: إلى غير الله
عزَّ وجلَّ، ينسبونها إلى قوتهم، وإلى بسالتهم إذا كان هناك حرب
وانتصار، وإلى أناس لا يملكون لهم ولا لأنفسهم نفعاً ولا ضراً.
والواجب أن ننسب النعم أولاً وآخراً إلى الله عزَّ وجلَّ، حتى نعطي
للحق حقه، لأن هذا ما يقتضيه الدين الإسلامي، فـ { إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } [النحل:90] .
في هذه السنة، وبعد زوال هذه الغمة العظيمة يجيء هذا الشهر في وقت
معتدل، إبَّان دخول فصل الربيع الذي هو أحسن فصول السنة، وأريحها
للبدن.
لذلك سيكون إن شاء الله تعالى صومنا في هذا الشهر سهلاًَ، والليل أطول
مما مضى من الأعوام السابقة.
فالذي ينبغي لنا أن نستغل هذه الفرصة فيما يقرب إلى الله عزَّ وجلَّ.
ولكن أبشركم ونفسي بأن الإنسان إذا قام مع الإمام حتى ينصرف في صلاة
التراويح، فإنه يُكتب له قيام ليلة كاملة، ولو كان نائماً على فراشه؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بأصحابه ذات ليلة حتى مضى شطر
الليل، قالوا: ( يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا! قال: إنه من قام
مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة ) وهذا يدل على أن هذا القيام
الذي نسميه في أول الليل يغني عنه قيام في آخر الليل؛ لأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يرشدهم إلى أن يقوموا في آخر الليل، لم يقل: من شاء
منكم فليقم في بيته، بل قال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له
قيام ليلة ) من أجل ألا يتعب أبدانهم.
ومع ذلك فإن العشر الأواخر من هذا الشهر كان منهج النبي صلى الله عليه
وسلم إحياؤها، يحيي الليل كله، ويوقظ أهله؛ لأنها أفضل أيام الشهر،
ولياليها أفضل ليالي الشهر، وفيها ليلة القدر التي من قامها إيماناً
واحتساباً غُُفر له ما تقدم من ذنبه، كما صح في ذلك الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
درسنا في هذه الليلة أن نعرف: متى فُرِضَ الصيام؟ وكيف تطور فرضُه؟
وعلى من يجب الصيام؟
فرضية الصيام
أما الأول: فإن الصيام فُرض في السنة الثانية من الهجرة، كما فُرضت
الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، على قول بعض أهل العلم.
فُرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فُرض: أن من شاء
صام، ومن شاء افتدى أي: أطعم عن كل يوم مسكيناً.
ثم فُرض الصيام عيناً، وكان لابد أن يصوم الإنسان.
فإذاً: تطور الصيام مرتين: المرة الأولى: التخيير.
والثانية: تعيين الصوم.
ثم هناك تطور آخر، فكان الناس إذا صلوا العشاء أو نام الإنسان ولو قبل
العشاء، فإنه يحرم عليه الأكل والشرب والجماع إلى أن تغرب الشمس من
اليوم الثاني؛ ولكن الله خفَّف وقال: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا
عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ
لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187] فيسَّر الله على
عباده، وصار الإنسان له أن يأكل ويشرب ويجامع إلى طلوع الفجر، سواء نام
قبل ذلك أم لم ينم.
من يجب عليهم صيام
رمضان
أما مَن يلزمه الصوم فإنه مَن جَمَعَ ستة شرائط: 1/ الإسلام.
2/ والبلوغ.
3/ والعقل.
4/ والقدرة.
5/ والإقامة.
6/ وانتفاء المانع.
أما الإسلام: فضده الكفر.
فالكافر لا يلزمه الصوم، أو نلزمه به، ولا نلزمه بقضائه إذا أسلم؛ لأنه
قبل أن يسلم ليس من أهل العبادات، حتى لو صام لم يصح صومه، ولم يُقبل
منه.
وأنه إذا أسلم فإننا لا نأمره بالقضاء، لقول الله تعالى: { قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ
} [الأنفال:38] فإذا أسلم في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء ما مضى، وإذا
أسلم في أثناء اليوم لم يلزمه قضاء ذلك اليوم؛ ولكن يمسك بقية الشهر في
المسألة الأولى، وبقية اليوم في المسألة الثانية.
أما العقل: فضده الجنون، وإن شئت فقل: ضده فَقد العقل، من جنون أو غيره
:- فالمجنون ليس عليه صوم، وفاقد العقل لحادث أو كبر أو غير ذلك ليس
عليه صوم، وليس عليه كفارة؛ لأنه قد رُفع عنه القلم، فليس من أهل
التكليف.
وأما البلوغ: فضده الصغر.
فالصغير لا يلزمه الصوم؛ لكنه يختلف عن المجنون أو عن فاقد العقل، لأنه
إذا صام صحَّ صومه، بل إن العلماء يقولون: يجب على وليه أن يأمره
بالصوم ليعتاده، ويتمرن عليه، اقتداءً بـ السلف الصالح ، الصحابة رضي
الله عنهم كانوا يصوِّمون أولادهم حتى إن الصبي ليبكي من الجوع، فيُعطى
لعبة يتلهى بها إلى الغروب.
وأما القدرة: فضدها العجز.
وقد قسم أهل العلم العجز إلى قسمين: 1- عجزٌ مستمر.
2- وعجزٌ طارئ غير مستمر.
فالعجز المستمر: كعجز الكبير عن الصوم، وعجز المريض مرضاً لا يرجى برؤه
كالسرطان، والجُذام، وشبهه، فهؤلاء لا يلزمهم الصوم؛ لأنهم عاجزون عنه؛
ولكن يلزمهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، وكيف يكون الإطعام؟ للإطعام
صفتان: الصفة الأولى: أن يصنع طعاماً غداءً وعشاءً، ومعلوم أن الغداء
يكون بعد رمضان، غداءً وعشاءً، ويطعمهم إياه، كما كان أنس بن مالك يفعل
ذلك حينما كبر.
الصفة الثانية: أن يعطي كل واحد مُدَّاً من الأرز، ويَحْسُن أن يجعل
معه لحماً أو شيئاً يؤدِّمه، والمُدُّ: مقابل خُمُس الصاع في صاعنا هنا
في القصيم ، وذلك لأن المُدَّ الموجود في عهد الرسول عليه الصلاة
والسلام كان ربع صاع النبي صلى الله عليه وسلم، الصاع في عهد الرسول
صلى الله عليه وسلم كان أربعة أمداد، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم
بالنسبة إلى صاعنا أربعة أخماس، بل يقل قليلاً.
أما القسم الثاني من العجزة، فهو: العاجز عن الصوم عجزاً طارئاً يُرجى
زواله: فمن مرض مرضاً طارئاً بحمى أو غيرها، فهذا ينتظر حتى يُشفى، ثم
يصوم، كما قال الله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ
عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184].
فإن قُدِّر أن هذا المرض تمادى به واستمر حتى مات فليس عليه شيء، لا
إطعام، ولا صيام؛ وذلك لأن الله أوجب عليه أن يقضي، ولم يدرك القضاء،
فصار كمن مات قبل دخول رمضان، لا يلزمه أن يُصام عنه، إلا إذا شُفي
وقدر على الصوم؛ ولكنه تهاون حتى مات، فإنه يُقضى عنه بعدد الأيام التي
قدر فيها على الصوم فلم يصم.
أما الشرط الخامس فهو: الإقامة.
الإقامة يعني: أن يكون الإنسان مقيماً: وضده المسافر، فالمسافر لا صوم
عليه، يخيَّر بين أن يصوم ويفطر والصوم أفضل، إلا مع المشقة فالفطر
أفضل؛ لقوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى
سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184] وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يصوم في السفر؛ إلا أنه أفطر لما شق على أصحابه.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في
يوم شديد الحر في رمضان، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، و عبد الله بن رواحة ) .
وأما انتفاء المانع فهو: ألا تكون المرأة حائضاً ولا نُفَساء، فإن كانت
حائضاًَ أو نُفَساء فإنه لا يلزمها الصوم، بل لو صامت الحائض أو
النُّفَساء لم يصح صومها، بإجماع المسلمين.
وإذا حاضت المرأة في أثناء نهار رمضان وهي صائمة بطل صومها، وإذا حاضت
بعد غروب الشمس ولو بلحظة، فصومها صحيح، حتى لو أحست (بمغص) قبل أن
تفطر ولكنها لم ترَ الدم إلا بعد الفطور فإن صومها صحيح؛ خلافاً لما
يظن بعض النساء أنها إذا حاضت قبل أن تصلي المغرب بطل صوم يومها، فإن
هذا لا أصل له، ولا صحة له.
هذه الشروط الستة، شروط من يجب عليه الصوم أداءً.
ومنها ما هو شروطٌ للوجوب أداءً وقضاءً مثل: الإسلام، والعقل، فإن فاقد
العقل لا صوم عليه، لا أداءً ولا قضاءً، وكذلك الكافر لا صوم عليه، لا
أداءً ولا قضاءً، البلوغ أيضاً شرط للوجوب أداءً وقضاءً، فالصبي لا يجب
عليه الصوم، لا أداءً ولا قضاءً.
بقي الإقامة، والقدرة، وعرفتم التفصيل فيها.
وإلى هنا ينتهي درسنا لهذه الليلة.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة على دينه،
والثبات عليه.
الأسئلة
كيفية قضاء المسلم
وقته في رمضان
السؤال
كيف يقضي المسلم وقته في رمضان؟
الجواب
لابد أن نعلم أن الأعمال منها ما هو فاضل ومنها ما هو مفضول، وأن
المفضول قد يقترن به من المصالح ما يجعله أفضل من الفاضل، ولذلك كان من
هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يتحرى الأفضل، لا يدوم على حال
واحدة، فيصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، وكذلك يقوم
حتى يقال: لا ينام، وينام حتى يقال: لا يقوم، فمثلاً قراءة القرآن في
رمضان لا شك أنها فاضلة، وأن فيها أجراً؛ لكن لو أن الإنسان خرج في
جنازة يشيعها كان هذا أفضل؛ لأن الجنازة تفوت، وقراءة القرآن لا تفوت،
كذلك لو أتى له شخص يسأله عن مسائل العلم، واشتغل بذلك، لو وفد إليه
وفد يحتاج إلى تلقٍ وإلى ضيافة، فاشتغل بذلك، كل هذا على أجر، حتى إن
الرسول صلى الله عليه وسلم يشتغل مع أهله وهو معتكف، كما جاءت إليه
صفية تحدثه ذات ليلة، وجلس يحدثها عليه الصلاة والسلام.
حكم الإطعام عن الأيام المتعددة وإعطائه
مسكيناً واحداً
السؤال
هل يجزئ طبخ الطعام بأن يطعم المساكين بعدد أيام الصوم، إذا أطعم
طعاماً هل يجزئ أن يعطي عن الأيام المتعددة مسكيناً واحداً؟
الجواب
لا يجزئ أن يعطي عن الأيام المتعددة مسكيناً واحداً؛ لأن كل يوم يجب أن
يكون له مسكين؛ لقول الله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة:184] فلابد أن يكون المساكين
بعدد الأيام التي عليه، فلو أطعم واحداً أو اثنين وعليه عشرة أيام ما
يجزئ، ولو أطعم تسعة لابد أن يكمِّل العاشر، نعم.
مصلى المرأة في
بيتها ليس له حكم المسجد
السؤال
بعض النساء وخاصة الكبيرات في السن تتوضأ قبل الصلاة بمدة، فتأتي قبل
الأذان فتصلي ركعتين أو أكثر، فهل تعتبر هاتان الركعتان تحية للمسجد؟
وهل يعتبر مكانها الذي تصلي فيه في المنزل مثل المسجد بالنسبة للرجال؟
الجواب
مكان المرأة الذي تصلي فيه في البيت ليس مسجداً، بل هو مصلى، ولهذا لا
يصح لها أن تعتكف فيه، ولا يلزمها إذا جلست فيه أن تصلي ركعتين، فهو
ليس بمسجد.
وعلى هذا فإذا تطهرت قبل الوقت نظرنا إن كان في وقت نهي فإنها لا تصلي
إلا سنة الوضوء على القول الراجح، وهو أن النوافل التي لها سبب ليست
داخلة في النهي، وما عدا ذلك، أي: من النوافل التي ليس لها سبب فإنه لا
يجوز لها أن تصلي إذا كان الوقت وقت نهي.
أما إذا لم يكن وقت نهي فلها أن تصلي ما شاءت.
حكم أداء صلاة
الراتبة قبل الأذان
السؤال
وهل تجوز صلاة السنة الراتبة القبلية قبل الأذان؟
الجواب
لا تجوز، السنة الراتبة القبلية لابد أن تكون بعد دخول الوقت، فلو أن
الإنسان صلى الراتبة القبلية قبل دخول الوقت ولو بلحظة؛ فإنها لا تجزئه
عن الراتبة، بل لابد أن يعيدها.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة خطيرة وهي: صلاة الصبح؛ لأن
المؤذنين يؤذنون قبل الوقت، عندما يؤذنون قبل الوقت بخمس دقائق، أو ست
دقائق، فيأتي بعض الناس -ولاسيما في أيام الصيام- ويتعجل ويصلي، وهذا
خطر عظيم، إذا كبر للإحرام قبل دخول الوقت فصلاته غير صحيحة، يعني: لا
تبرأ بها ذمته، وإن كانت تصح نفلاً؛ لكنها لا تبرأ بها الذمة، ولذلك
ينبغي في صلاة الفجر وسنتها أن تتأخر على الأقل عشر دقائق بعد الأذان،
حتى نتيقن أو يغلب على ظننا أن الوقت قد دخل.
حكم إطعام الصغير
والكافر من كفارة الصيام
السؤال
هل يجزئ في الإطعام أن يُطعم صغيراً أو كافراً؟
الجواب
الصغير الذي يأكل الطعام لا بأس أن يطعم منه، وأما الكافر فلا يجوز أن
يطعم من الكفارات؛ لأنه يشترط في الكفارات أن يكون مصرفها إلى
المسلمين؛ لكن الزكاة أوسع؛ لأنها تجوز للكافر المؤلَّف الذي يؤلَّف
على الإسلام، وأما الكفارات: كفارة الصيام، أو كفارة اليمين، أو كفارة
الظهار، فإنها لا تجزئ إذا صرفت إلى الكافر.
حكم إفطار المصاب
بمرض السكر أو السرطان
السؤال
ذكرتم في خطبة الجمعة الماضية أن السكر من الأمراض المستديمة، وأن
المصاب بمرض السكر له أن يفطر ويطعم، ومن المعروف أن كثيراً من
المصابين بمرض السكر يصومون ولا يضرهم، فما مقياس المرض المستديم؟ وهل
المصاب بمرض السكر يفطر على كل حال؟
الجواب
لا.
لا يفطر على كل حال؛ لا المصاب بمرض سكر، ولا المصاب بمرض السرطان، لا
يفطر المريض إلا إذا كان الصوم يشق عليه، فإذا كان الصوم يشق عليه فإنه
يفطر.
وأمراض السكر تختلف؛ لكن مرض السكر فيه نوع لا يمكن أن يصبر صاحبه عن
تناول الحبوب، وإذا فقد هذه الحبوب يُغمى عليه وربما يموت، ويستمر معه
هذا شتاءً وصيفاً، فمثل هذا يُعتبر من الأمراض الممتدة التي يُطْعِم
مَن أصيب بها عن كل يوم مسكيناً.
تفضيل قراءة القرآن
في رمضان
السؤال
إذا كان طالب العلم قد وضع برنامجاً لنفسه في اليوم والليلة، فيجعل
مثلاً الثلثين من الوقت لحفظ المتون والاطلاع، وما تبقى لأكله وشربه
وقراءة القرآن، فهل يستمر على ذلك ولو في رمضان؟ أم يجعل أكثر وقته
لقراءة القرآن؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراًَ.
الجواب
الذي ينبغي في رمضان أن تجعل أكثر قراءتك لكتاب الله عزَّ وجلَّ؛ لأن
لقراءة القرآن في هذا الشهر مزية ومنفعة لا تكون في غيره من الشهور،
ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ينزل عليه جبريل في رمضان يدارسه
القرآن؛ لأنه أُنْزل في هذا الشهر، فكان هذا الشهر أولى الشهور به.
فالذي ينبغي أن يكثر من قراءة القرآن في هذا الشهر، ويطالع ما يحتاج
إلى مطالعته أو حفظه في كتب العلم، والعلم لا يذهب بذَهاب رمضان، يمكن
أن يتدارك ما نقص عليه في رمضان فيما بعد.
كيفية تعليم كافر
أسلم قبل رمضان بأيام
السؤال
إذا أسلم كافر قبل رمضان بأيام؛ ولكن صعُب تعليمه بشروط الصيام بسبب
اللغة، مع العلم أنه أُخذ إلى مكتب الدعوة، وعَرَف أنه يصوم عن الأكل
والشرب؛ ولكن لا يعرف ما الفائدة من هذا الصوم، فما العمل؟ أرشدونا إلى
كيفية مساعدته جزاكم الله خيراً.
الجواب
إي نعم، العمل أن يُبَيَّن له أن الصوم عبادة، وأن الإنسان إذا صام
رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وأن الجنة فيها
باب يُقال له: الريان، لا يدخله إلا الصائمون، ويُبَيَّن له أيضاً أن
خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، فيُبَيَّن له فضائل
الصوم، حتى يرغب، وإذا كان لا يجيد اللغة فيُعَلَّم ولو بالإشارة.
بم يثبت دخول رمضان؟
السؤال
إنَّا قد رأينا الشيخ الجليل يَسأل بعد أن انصرف من صلاة العشاء عمن
سمع ثبوت دخول الشهر من الإذاعة أو غيرها، مع أن شهري رجب وشعبان قد
تمَّ كل واحد منهما ثلاثين يوماً، أفلا يثبت دخول شهر رمضان بتمام عدة
شعبان ثلاثين؟
الجواب
صحيح؛ لكن هم يقولون: إنه لم يثبت دخول رجب ولا شعبان، وإذا كان كذلك،
فاحتمال أن الشهور التي قبلها كانت تامة، فتتم ثلاثة أشهر، وحينئذ لابد
أن نتأخر يوماً، لهذا سألنا، مع أن الذي كان يغلب على الظن أن لديهم
شيئاً من الاقتناع بأن الليلة من رمضان على كل حال؛ لأنهم -كما سمعتُ-
طلبوا من الناس أن يتحروا الهلال ليلة الجمعة، وإذا كان كذلك، فهذا يدل
على أنهم مقتنعون بأن ليلة الجمعة الثلاثين من شعبان؛ لأن التحري لا
يكون إلا في ليلة الثلاثين؛ أما قبل ليلة الثلاثين فلا داعي للتحري،
هكذا قالوا؛ على كل حال الحمد لله أنه ثبت، وكان من نيتنا أننا نصلي
صلاة القيام بناءًَ على أنهم طلبوا أن يتحرى الناس الهلال ليلة الجمعة.
كما أن الذي قال بالمذهب أيضاً يقيم التراويح هذه الليلة؛ لأنها غَيْمٌ
أو قتر، وإذا كان غَيْماً أو قتراً، أو إذا كانت السماء غَيْماً أو
فيها قتر، فإن الصوم واجب على المسلمين في المذهب وإن لم يُرَ الهلال،
فتُصلى التراويح أيضاً؛ لكن هذا القول نرى أنه ضعيف، ولا نعمل به؛ إلا
أننا بناءً على ما غلب على ظننا، من أن الجهات المسئولة مقتنعة، أو
غالب على ظنها أنه سيكون الليلة من رمضان.
نصيحة لمن لم يخشع
في صلاة التراويح
السؤال
أثناء صلاة التراويح أحس بضيق في نفَسي وعدم الخشوع، فبماذا تنصحونني؟
الجواب
أنصحك بأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الظاهر أن هذا من
الشيطان، فإنه قد يأتي الإنسان في حال عبادته فيضيِّق عليه الأمر، إما
بضيق التنفس، أو بالملل، أو ما أشبه ذلك.
فإذا أحس بهذا فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليتدبر ما يقرؤه في
حال صلاته، أو ما يستمع إليه من إمامه، فإن التدبر من أسباب الخشوع في
الصلاة.
الدعاء الوارد في
الجلوس بين السجدتين
السؤال
أرجو بيان الدعاء بين السجدتين، حيث أراك تطيل فيهما؟
الجواب
نعم، الدعاء بين السجدتين معروف: رب اغفر لي، وارحمني، وعافني،
وارزقني، واجبرني.
والإطالة: ممكن للإنسان أن يأتي بدعاء آخر يختاره لنفسه، ويمكن أن يكرر
الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا أحياناً يكرر الدعاء
ثلاث مرات.
حكم إخراج كفارة
اليمين نقوداً
السؤال
هل يجوز في الكفارات أن تدفع مالاً لهيئة الإغاثة، أو لإعانة
المجاهدين، أو إفطاراً؛ حيث إن كل مجاهد يحتاج إلى أربعة ريالات تكفيه؟
الجواب
لا.
الإطعام لا يجوز أن يُدفع دراهم ولا قروشاً، بل لابد أن يكون إطعاماً،
كما جاءت به السنة، وإذا كان يريد أن يدفع دراهم إلى هيئة الإغاثة أو
إلى المجاهدين، ووكَّل شخصاً يشتري بهذه الدراهم طعاماً ليطعمه من يجب
إطعامه فلا بأس، إذا وثق منه.
حكم من أخر قضاء
رمضان حتى جاء رمضان الثاني
السؤال
ما الحكم الشرعي في رجل أخر قضاء الصوم الواجب عليه حتى أدركه رمضان
ولم يقضِ ما عليه؟ فهل يلزمه إطعام إذا قضاه بعد دخول رمضان الآخر،
أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما إذا كان بعذر من جهل أو مرض أو سفر فلا شيء عليه، وأما إذا كان
لغير عذر فقد اختلف العلماء في هذه المسألة: منهم من قال: يلزمه مع
القضاء إطعام لكل يوم مسكيناً.
ومنهم من قال: إنه لا يلزمه الإطعام.
وهذا القول هو الصحيح، أنه لا يلزمه الإطعام؛ لكن عليه أن يتوب
ويستغفر، ودليل ذلك قوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ
عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184] ولم يذكر
الله الإطعام، وقوله: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184]
يشمل كل يوم من أيام الدنيا، سواء كان قبل رمضان أو بعد رمضان،
والواجبات لا يُلْزَم بها العباد إلا بدليل، حتى لو فُرض أنه صح عن بعض
الصحابة الأمر بالإطعام، فلعل هذا على سبيل الاستحباب، وأما الإيجاب
وتأثيم الناس بترك الإطعام ففي النفس منه شيء، ولهذا كان القول الراجح
من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن من أخَّر القضاء عن رمضان الثاني
بلا عذر فهو آثم، وعليه أن يتوب ويستغفر، ويكفيه أنه يصوم بدون إطعام.
الذكر الذي يقال بعد
الوتر
السؤال
ماذا يقول المصلي بعد الانتهاء من صلاة التراويح؟ و
الجواب
أما إذا أُتِمَّت التراويح بالوتر، فإنه إذا انتهى من الوتر وسلَّم منه
يقول: سبحان الملك القدوس؛ ثلاث مرات، ويرفع صوته في الثالثة.
وأما إذا كانت قياماً بدون وتر، فلا أعلم في هذا شيئاً؛ لأن هذا ليس
كالصلوات الخمس التي يستغفر الإنسان فيها ثلاثاً ويقول: اللهم أنت
السلام ومنك السلام، ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول
شيئاً إذا تطوع سواء في الصلوات الراتبة أو في قيام الليل، إلا في
الوتر فيقول: سبحان الملك القدوس؛ ثلاث مرات، ويرفع صوته في الثالثة
كما جاء في الحديث.
حرمة خلو المرأة مع
السائق الأجنبي عند ذهابها إلى المسجد
السؤال
للأسف جداً! هناك بعض النسوة تأتي إلى المسجد لصلاة التراويح مع
السائق، وهذا أمر نحب أن تنبهوا عليه في هذه الليلة وغيرها؛ لما يكثر
منه في المساجد؟
الجواب
أولاً أنبه على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد،
وأكثر أجراً؛ لكن إذا كانت محتاجة إلى الصلاة في المسجد، لكونها في
البيت لا تستطيع أن تصلي لكثرة الأولاد الذين يشغلونها، فإن الصلاة في
المسجد قد تكون أفضل من هذه الناحية، بشرط أن يكون عند أولادها من يقوم
عليهم، وأما أن تأتي للمسجد وتترك الأولاد فهذا إضاعة أمانة، وهي إلى
الإثم في هذه الحال أقرب منها إلى الأجر.
وإذا كانت أو إذا كان الأفضل أن تأتي إلى المسجد فإنه لا يجوز أن تأتي
وحدها مع السائق؛ لأن ذلك من الخلوة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه
وسلم، وهي من أخطر الخلوات، كما سمعنا عن وقائع وقعت إذا خلا السائق
بالمرأة، ولا تستهين المرأة بهذا الأمر، لا تقل: هذا السائق رجل
-مثلاً- طيب، وأنا آمنة منه، لا.
الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يزين في نفوسهما شراً فيقع
المحظور.
المهم: أن المرأة يحرم عليها أن تأتي وحدها مع السائق، أما إذا كانت مع
نساء فلا بأس؛ لأن هذا ليس بسفر، وليس بخلوة.
وسنجعل إن شاء الله انتهاء الدرس في الساعة الرابعة بالتوقيت الغروبي.
والله أعلم.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
جلسات رمضانية لعام
1411هـ [2-1]
إن الله سبحانه وتعالى لم يفرض على عباده فرائض إلا لحكم أرادها،
وفوائد ومصالح تعود عليهم، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وقد ذكر
الشيخ رحمه الله في هذه المادة عدداً من فوائد صيام شهر رمضان المبارك،
ثم ختم ذلك بأجوبة على بعض الأسئلة المتعلقة بشهر رمضان.
حكم ترك صيام رمضان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه هي الجلسة الثانية في شهر رمضان لعام: (1411هـ) للقاء
بكم في الجامع الكبير في عنيزة ليلة الثلاثاء.
ولقد رأيتم ما صنعنا في صلاة الوتر، حيث قرأنا سوراً غير السور التي
تقرأ في العادة، والتي هي السنة، وذلك لأجل أن يتبين للناس أن قراءة
سورة الأعلى وسورة الكافرون وسورة الإخلاص ليس على سبيل الوجوب؛ لكنه
على سبيل الاستحباب.
كما أنه ليس من شرط الوتر القنوت، أعني: الدعاء بعد الركوع، فالوتر: أن
يأتي الإنسان بصلاة الوتر واحدة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو
تسعاً، أو إحدى عشرة، والقنوت ليس بشرط لصحة الوتر، فإن قنت الإنسان
فهو خير، وإن ترك فهو خير، وكلٌّ جاءت به السنة؛ لكن في رمضان يحب
الإنسان أن يداوم على الدعاء لكثرة الجمع، وكثرة الجمع من أسباب إجابة
الدعاء، أما في غير رمضان فالأولى ألا يداوِم الإنسان على القنوت، أي:
على الدعاء بعد الركوع.
ثم إننا استمعنا في كتاب ربنا عزَّ وجلَّ إلى قوله تعالى: { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ
عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
[البقرة:183] فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن الصيام فرض عيني
يجب على كل مسلم، وسبق في الدرس الماضي بيان شروط الوجوب، وأنها ستة،
وهذا الفرض هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وقد ذكر فقهاء الحنابلة
رحمهم الله عن الإمام أحمد بن حنبل : أن من ترك الصيام تهاوناً فهو
مرتد كافر، كمن ترك الصلاة، وحجة هذا القول: أن كلاً منهما ركن من
أركان الإسلام، والشيء لا يقوم إلا بأركانه، كأركان الخيمة وعمد الدار؛
ولكن القول الراجح أنه ليس شيء من أركان الإسلام سوى الشهادتين تحصل
الردة بتركه إلا الصلاة، كما في حديث عبد الله بن شقيق قال: [ كان
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير
الصلاة ].
على كل حال هو فرض، وهذا الفرض ليس خاصاً بهذه الأمة بل بجميع الأمم،
كما قال تعالى: { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }
[البقرة:183] وهذا يدل على أهميته، أي: الصوم، وأنه مصلح لكل الأمم،
وأنه لا بد للأمم من صوم .
فوائد مقتطفة من
صيام رمضان
فوائد من قوله
تعالى: (كما كتب على الذين من قبلكم)
وفي قوله تعالى: { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }
[البقرة:183] فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة، وأنها
لم تُكَلَّف شيئاً لم تُكَلَّف به الأمم السابقة.
لأن من المعلوم أن في الصوم نوع مشقة؛ ولاسيما في أيام الصيف الطويلة
الحارة؛ ولكن الله سلَّى هذه الأمة بأن الصوم قد كتب على مَن قبلَهم.
وهذه فائدة عظيمة؛ لأن الإنسان يتسلَّى بما يصيب غيره، كما أشار الله
إليه في قوله عن أهل النار: { وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ
ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف:39] لأن
العادة أن الإنسان إذا شاركه غيره في العقوبة هانت عليه العقوبة؛ لكن
يقول الله لأهل النار: { وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ
ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف:39] فلن
يعين بعضكم بعضاً، ولن يسلي بعضكم بعضاً.
وتقول الخنساء في رثاء أخيها صخر ، تقول:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي
وهذا يدل على أن الإنسان يتأسى بغيره، ويتسلَّى به، ففي قوله: { كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } تسلية لهذه الأمة أن ترى
أنها كلفت بأمر شاق، لم تكلف به الأمم السابقة.
الفائدة الثانية: رقي هذه الأمة إلى الخصال الحميدة التي ترقَّى إليها
مَن سبقَها.
يعني: أن جميع الفضائل التي سبقت إليها الأمم فإن هذه الأمة ولله الحمد
حازتها، لم تُحرم هذه الأمة خصلة من الخصال الحميدة التي وصلت إليها
الأمم السابقة.
فهاتان فائدتان عظيمتان في قوله: { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ } .
كف النفس عن محارم
الله وإلزامها بطاعة الله
ثم قال تعالى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] وهذه الفائدة
هي روح الصوم، وهي: تقوى الإنسان لربه عزَّ وجلَّ :- والتقوى: اسم من
الوقاية، فهي -أي: التقوى- أن يَتَّخِذ الإنسانُ وقاية من عذاب الله؛
ولكن بماذا يَتَّخِذ وقاية من عذاب الله؟ بفعل الأوامر، واجتناب
النواهي.
وقد قيل في تعريف التقوى:
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
يعني: أن تدع الصغائر والكبائر، هذه التقوى.
فالتقوى: أن يقوم الإنسان بما أوجب الله عليه، وأن يدع ما حرم الله
عليه؛ لأن هذه هي الوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى.
ومن المعلوم أنه لا أحد يقوم بما أوجب الله عليه إلا وهو عالم به.
إذاً: فالعمل مسبوق بعلم، أليس كذلك؟ ولا يترك شيئاً محرماً عليه إلا
وقد سبقه العلم بذلك، وهذا يغني عن قول بعضهم: التقوى: أن تعمل بطاعة
الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تدع ما نهى الله على نور من
الله، تخشى عقاب الله، كل هذه تعاريف؛ لكنها تنصب في هذا المعنى
الجامع، وهي فعل الأوامر وترك النواهي.
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من لم يدع قول الزور، والعمل
به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) يعني: ليس لله
إرادة وغرض في أن يعذب الخلق بحرمانهم من الأكل والشرب، إنما الحكمة من
الصوم هي: أن يدع قول الزور، والعمل به، والجهل وهو: ليس عدم العلم،
الجهل: العدوان على الغير، هذا هو الجهل، كما قال الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالجهل هو: العدوان على الغير.
إذاًَ: من فوائد الصوم: كف النفس عن محارم الله، وإلزامها بطاعة الله.
تربية النفس على
الصبر والتحمل
ومن فوائد الصوم: أن فيه تربية للنفس على الصبر والتحمل.
على أي شيء؟ الصبر عن المحبوب، وعلى المكروه.
فالصوم جامع لأنواع الصبر الثلاثة، ففيه: صبر على طاعة الله.
وصبر عن معصية الله.
وصبر على أقدار الله المؤلمة.
الصبر على طاعة الله: لأن الإنسان يحبس نفسه على أن يقوم بهذا الأمر،
هذا صبرٌ على ماذا؟ على طاعة الله.
صبرٌ عن محارم الله: يتجنب الصائم ما حرم الله عليه، سواءً كان محرماً
لخصوص الصوم كالأكل والشرب، أو محرماً على سبيل العموم كالغيبة والكذب،
فهو يصبر نفسه عن فعل المحرم.
صبر على أقدار الله المؤلمة: وهي ما يصيب الصائم من الهلع والعطش
والجوع والخمول؛ لأن كل هذا يحصل للصائم، لاسيما في أيام الصيف الطويلة
الحارة.
لذلك كان فيه تربية عظيمة للنفس على الصبر والتحمل.
تذكر الإنسان لما
أنعم الله به عليه من الغنى
ومن فوائد الصوم: أن الإنسان يتذكر به نعمة الله عليه بالغنى، وتيسير
الأكل والشرب والنكاح؛ لأنه في النهار لا يأكل، ولا يشرب، ولا يتمتع
بالنساء، يعني: لا يتمتع بالنساء بالجماع.
فيتذكر نعمة الله عليه بتيسيرها، وأنه إذا حرمها فات عليه كثير من
مقاصده، فيتذكر النعمة.
استشعار الإنسان
لحال إخوانه الفقراء
ومن فوائد الصوم أيضاً: أن الإنسان يتذكر به حال إخوانه الفقراء.
فإن الفقراء يعجزون عن الأكل والشرب والنكاح، فيتذكر حال إخوانه فيعطف
عليهم، ويرحمهم.
كثير من الناس في عهدنا -ولله الحمد- لا يجدون صعوبة في الأكل والشرب؛
لأنه ميسر؛ لكن يجدون صعوبة في النكاح، فإذا صام الإنسان وامتنع عن
إتيان أهله تذكر حال الشباب الذين يحتاجون إلى نكاح، فعطف عليهم،
وأعانهم، وساعدهم؛ لأن الشيء لا تعرف فائدته إلا بضده، إذا وُجد الضد
عرف قدر النعمة، أما إذا كان دائماً في نعمة؛ فإنه لا يعرف قدرها.
إتمام الإنسان
لحقيقة العبودية
من فوائد الصوم أيضاً: أن الإنسان يتمم حقيقة العبودية.
كيف ذلك؟ لأننا نرى العبادات إما فعل أمر يحتاج إلى جهد، وإما ترك شيء
محبوب إلى النفوس، وإما بذل محبوب إلى النفوس.
فالصلاة مثلاً جهد يحتاج إلى عمل، ولا يخفى علينا جميعاً أن الناس في
أيام الشتاء يحتاجون إلى وضوء، وإلى خروج إلى المساجد في الأيام
الشاتية الباردة، فيحصل في هذا نوع من المشقة، فيقول الإنسان: أنا عبد
لله، أفعل ما أمر ولو شق عليَّ، ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام
من الرباط: إسباغ الوضوء على المكاره، إسباغ الوضوء على المكاره جعله
من الرباط، وجعل كثرة الخطا إلى المساجد من الرباط أيضاً.
وكفٌّ عن محبوب: لأن الإنسان قد يهون عليه الشيء من الجهد؛ لكن لا يصبر
عن المحبوب، ففي الصيام كف النفس عن المحبوب: الأكل، والشرب، والنكاح؛
لاسيما الشاب الذي كان قريب عهد بالزواج، يشق عليه تركه؛ لكن إذا تركه
طاعة لله في موضع لا يعلم عنه إلا الله، كان في هذا تحقيق العبودية.
الثالث ما هو؟ بذل المحبوب: وهذا في الزكاة، فالزكاة بذل محبوب إلى
الإنسان، وبذل المحبوب شاق على النفس، قد يكون بعضُ الناس يهون عليه أن
يصاب بدنُه، ولا يهون عليه أن يصاب مالُه، ولا يخفى عليكم قصة الرجل
الذي عثر، فانجرحت إصبعه، فقال: (شُوَيْ وشخص لاَّ في النِّعْلَة)
يعني: جرح رجله أهون عليه من قطع النِّعْلَة.
إذاًَ: المال صار حبيباً إليه، وكل شخص يحب المال.
فتجد أن العبادات -سبحانه الله! سبحان الذي شرعه!- متنوعة لأجل أن
يُعرف تمام عبودية الإنسان لله؛ لأن الإنسان قد يهون عليه شيء، ولا
يهون عليه الشيء الآخر.
البخيل ربما لو تقول: اركع لله واسجد طول النهار، ولا تبذل درهماً
واحداً، يفعل ولا يبالي! والكريم الكسول يقول: خذ مني من الدراهم ما
شئت، ولا تكلفني بسجدة واحدة، نعم، لأنه كسول خامل! فإذا تنوعت
العبادات عُرف حقيقة عبودية الإنسان لله عزَّ وجلَّ.
فهذه أيضاًَ من فوائد الصيام.
إعانة الإنسان على
التخلي عن الأشياء المحرمة
من فوائد الصيام -ولاسيما في وقتنا هذا وما قبله-: أن الإنسان المدمن
على الشيء المحرم يكون الصوم عوناًَ له على التخلي عنه.
نعم، إذا كان مدمناً على أكل شيء محرم، أو شرب شيء محرم، فإن الصوم
يكون عوناً له على التخلي عن هذا الشيء، ولنضرب لهذا مثلاً بمن ابتلوا
بشرب الدخان، فإن الصوم يعينهم على التخلي عنه، كيف؟ لأنهم في النهار
لن يتناولوه، لن يشربوا، أيش يبقى عندنا؟ يبقى الليل، فيمكن أن يشتغل
بالأكل المباح، وبالسمر مع إخوانه الذين لا يشربون الدخان, ويتلهى وإن
شق عليه؛ لكن يتلهى ويصبر حتى يمرن نفسه، وهو إذا مرَّن نفسه في خلال
شهر كامل عن شرب الدخان فسوف يسهل عليه الإقلاع عنه.
هذا من فوائد الصوم.
والله سبحانه وتعالى عليم حكيم، فقد تكون هناك حكم كثيرة فاتتنا؛ لكن
أهم شيء أنه سبب للتقوى، ولذلك يجب على الصائم مراعاة الواجبات فعلاً
والمحرمات تركاً ما لا يجب على غيره؛ حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام
قال: ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن أحد سابَّه أو
شاتمََه فليقل: إني امرؤٌ صائم ) إلى هذا الحد؟! حتى لو أن أحداً اعتدى
عليك بالسب والشتم لا تقابله، قل: إني صائم.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( من غشنا فليس منا ) .
وقال عليه الصلاة والسلام: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا
ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قالوا: من هم يا رسول الله؟!
خابوا وخسروا، قال: المُسْبِل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب
) .
المنفق سلعته، يعني: المروج سلعته بالحلف الكاذب، مثل أن يقول: والله
ما في السوق أحسن منها، أو يقول: والله لقد أعطيت بها كذا وكذا وهو
كاذب، أو يقول: لقد اشتريتها بكذا وكذا وهو كاذب، أو ما أشبه ذلك، ثم
يحلف على هذا الشيء، فيكون منفقاً سلعته بالحلف الكاذب، هذا من الذين
لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
أما المسبل: فهو الذي أسبل ثوبه خيلاء، فإذا أسبل ثوبه خيلاء فإن الله
تعالى لا يكلمه، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.
أما إذا أسبله لغير الخيلاء فإن عذابه أهون، ويعذَّب لكن أهون، قال فيه
النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما أسفل من الكعبين ففي النار ) أي: أنه
يعاقب بقدر مخالفته فقط، فإذا نزل عن الكعبين نحو (سنتيمتر) نعم يعذَّب
من هذا القدم بمقدار (سنتيمتر) فقط، والباقي ليس فيه عذاب، ولا يلحقه
الإثم بأن الله لا يكلمه، ولا ينظر إليه, ولا يزكيه.
ولا تستغرب أن يكون العذاب على بعض البدن؛ لأن هذا موجود حتى في
الدنيا، إذا كوي الإنسان مع شيء من جسده صار الألم على نفس المكان؛ لكن
الجسم كله يتألم لا شك؛ لكن المباشر هو ما وقع عليه الكي.
ولا تستغرب أيضاً وقوع ذلك شرعاً، هذا المثال الذي ذكرنا حسي؛ لكن
شرعاً أيضاً؛ حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى أقدام بعض الصحابة
بعد وضوئهم لم يمسها الماء، فنادى بأعلى صوته: ( ويل للأعقاب من النار
) فجعل الذي يعذب الأعقاب التي حصل فيها الإخلال بالواجب، وهو غسل
القدم.
إذاً: يجب على الصائم وعلى غيره أن يتجنب المحرم، وأن يقوم بالواجب؛
لكن هو في حق الصائم أولى، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي للصائم أن يكون
عليه وقار الصوم في قوله ودلِّه وفعله -في قوله، وفي دلِّه يعني: هيئته
ووقاره وسكونه، وفي فعله- ولا يجعل يوم صومه ويوم فطره سواء، ولكن نحن
-نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- نجعل يوم صومنا ويوم فطرنا سواء، بل بعض
الناس يجعل يوم صومه أردى من يوم فطره، تجده ينام إلى الظهر، ومن الظهر
إلى العصر، ومن العصر إلى الغروب، وربما يدع صلاة الظهر وصلاة العصر
إلى أن يقوم عند غروب الشمس والعياذ بالله، أين الصوم؟! أين الصوم؟!
صوم هذا لن ينفع، صوم هذا عذاب عليه فقط، حَرَم نفسه من الأكل والشرب؛
لكنه لم يأت بجوهر الصوم ولبه وحقيقته، صومه شكلي فقط، تبرأ به الذمة؛
لكنه ناقص جداً، مُخَرَّقٌ مُخَرَّق، ويوشك أن تجتاح أوزار هذه الأعمال
ثواب صومه عند الموازنة يوم القيامة، تُوازَن الحسنات والسيئات، ربما
تكون سيئات أعماله في هذا الصوم أكثر من حسناته بالصوم، فيضيع عليه،
ويكون خاسراً لها.
إذاً: علينا أن نراعي هذه المسائل في صومنا، وأن نعرف ما هي الحكمة من
الصوم، حتى نقوم بذلك، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم عليها، أنا أشد
الناس تقصيراً في هذا؛ ولكن أسأل الله العفو لنا ولكم.
هذه بعض ثمرات الصوم الذي أوجبه الله على عباده في كل ملة في هذا الدين
الذي ختم الله به الأديان، وفي جميع الأديان السابقة: { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] .
ثم بين الله أن هذا الصوم ليس شهوراً ولا سنين، وإنما هو أيام معدودات،
كم؟ إما ثلاثون يوماً أو تسعةٌ وعشرون يوماً، أيامٌ معدودة قليلة،
فاصْبِر نفسَك، واتقِ الله في هذه الأيام، حتى تربي نفسك وتعتاد على
التقوى فيما يُستقبل من عمرك.
إجابة دعوة الصائم
ثم ذكر الله عزَّ وجلَّ أحكام الصوم، ومن لا يستطيعه لسفر أو مرض، ثم
قال: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا
بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة:186] لأن الصوم زمن إجابة دعاء.
وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن للصائم دعوة لا
ترد ) .
وهذه فرصة؛ لأنه ذكر إجابة الدعاء بعد ذكر الصوم؛ لكن قال: {
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } [البقرة:186] بماذا؟ بما فرضتُ عليهم من الصوم
والتقوى: { وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
[البقرة:186].
تحريم أكل أموال
الناس بالباطل
ولما ذكر الله التحريم في هذا الزمن القصير، أياماً معدودات، وفي أشياء
خاصة مما أحل الله للإنسان حرمها الله تعالى لحق نفسه، ذكر التحريم
العام، فقال: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
} [البقرة:188] بعد آية الصوم قال: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ } [البقرة:188] هذا حرام مطلقاً، أن نأكل أموالنا بيننا
بالباطل، وندلي بها إلى الحكام، كيف ندلي بها إلى الحكام؟ يعني: أن
الإنسان يجد ما يجب عليه لأخيه من مال، ويقول: أنا وأنت نذهب إلى
الحاكم، والحاكم إذا تحاكم إليه الخصمان، وليس للمدعي بينة فماذا يصنع؟
سيقول للمدعى عليه: احلف أنه ليس عندك شيءٌ لفلان، فإذا حلف برئ، يعني
برئ بمعنى: أنها انقطعت الخصومة.
ولهذا قال: { وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ } [البقرة:188] لأن
كثيراً من الناس يأكل أموال الناس بالباطل عن طريق المحاكم؛ يجيء لشخص:
ويقول: أقرضني من فضلك عشرة آلاف ريال، وأنا أجيء بها لك إن شاء الله
في أقرب فرصة ممكنة ممكن ألا يجيء بها إلا يوم القيامة؛ لكن هو يقول:
في أقرب فرصة ممكنة.
حسناً! تذهب لفلان يكتب بيننا، أو شهود.
قال: لا، ما تأمنِّي؟! أنا عندك خائن؟! ثم يخجِّله حتى يعطيه عشرة آلاف
ريال بدون شهود.
ثم بعد مدة يأتي يطلبه: فيقول له: اصبر، يأتي الله بالرزق، أنا قلت لك:
في أقرب فرصة ممكنة، ولم تحصل الفرصة حتى الآن.
وهكذا، وفي النهاية؟ يقول: ما عندي لك شيء.
اتق الله! كيف ما عندك لي شيء؟! قال: نعم، عندك شهود؟ وإلا أنا وأنت
إلى المحكمة.
إذا حضرا عند القاضي ماذا يقول؟ القاضي سيقول للذي قال: إني أقرضتُه
عشرة آلاف، سيقول: هات الشهود، إذا ما عندك شهود يحلف خصمك.
الخصم سيحلف أو لا؟ الغالب أنه يحلف؛ لأن نيته سيئة، فيحلف.
فيقال للمدعي: في أمان الله، اخرج، ليس لك شيء.
إذاً: أكل المال بالباطل، مدلياً بذلك إلى الحكام: { لِتَأْكُلُوا
فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
[البقرة:188].
وإن الإنسان -ختاماً لهذا الكلام على هذه الآية أو الآيات- إذا تأمل
القرآن وجد فيه معانٍ عظيمة من كل زوج بهيج: في الأخبار، في الأحكام،
في البلاغة، في كل شيء؛ لكن يحتاج إلى تأمل، خذ بعض الآيات في وقت
فراغك، وصفاء ذهنك، وتأملها تجد فيها العجب العجاب؛ لأن الكلام كلام
الله عزَّ وجلَّ، لا تنقضي عجائبه أبداً.
لكن الغفلة الحاصلة منا لا نرى هذه المعاني العظيمة في كتاب الله عزَّ
وجلَّ؛ لأن أكثر من يقرأ القرآن يحب أن ينتهي منه ويختمه، ويجيء إلى
آخر رمضان قال: ختمتُ القرآن عشر مرات، أو عشرين مرة، هذا ما هو
المقصود، المقصود تدبُّرٌ: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
} [ص:29] ماذا قال؟ { لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } [ص:29] لم يقل:
ليقرءوه سرداً بدون تأمل: { لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ } [ص:29] هذا
التدبر: تفكُّر في المعاني.
{ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص:29] وهذا امتثال.
فأولاً: قراءة.
ثم تدبر وتفكُّر في المعاني.
ثم امتثال وتذكُّر .
الأسئلة
حكم أداء السنة
الراتبة قبل دخول وقتها
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرتم في اللقاء الأول أن الذمة تنشغل في الراتبة، وأن
الإنسان إذا أداها قبل الأذان فإنها لا تبرأ بها الذمة، أرجو توضيح هذا
القول! وهل هي واجبة؟ لأن هذا ما تبادر لي! وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نعم، الإنسان مطالَب بفعل الفرائض والنوافل؛ لكن تختلف الفرائض عن
النوافل من وجهين: الوجه الأول: قوة الطلب والأمر في الفرائض أكثر من
قوته في النوافل.
الوجه الثاني: أن ترك النوافل ليس فيه إثم، بخلاف ترك الفرائض.
إذاً: فإذا صلى النافلة المؤقتة في غير وقتها، فإن الطلب لم يسقط بذلك؛
لكن ليس الطلب الذي يأثم به الإنسان، بل هو طلب لا يأثم به، فهذا الرجل
نقول له: إنك لم تُسْقِط الطلب بهذه الراتبة أو بهذه النافلة؛ ولكنه لا
يأثم بذلك، والعبارة لا شك أن فيها إيهام إذا كانت على ما ذكر السائل؛
لأني الآن لا أستحضر اللفظ، إذا كانت على ما ذكر السائل ففيها إيهام أن
النوافل يأثم الإنسان بتركها، ولكنه في الواقع لا يأثم بتركها؛ لكنه
مطالب بفعلها إلا أنه طلب دون الطلب بالفرائض، فإذا فعل النافلة
المؤقتة في غير وقتها فإن الطلب لم يسقط بذلك.
أحوال الناس تجاه
صلاة التراويح
السؤال
الذين يحضرون هذا الدرس انقسموا إلى ثلاثة أقسام: منهم من بقي عند
الباب خارج المسجد، ومنهم من دخل وصلى تحية المسجد وجلس ينتظر، ومنهم
من دخل معنا في الصلاة، فما حكم هؤلاء بالفضل بينهم؟
الجواب
إذا دخلوا وصلوا مع الإمام فهم على خير، وزيادة في الأجر؛ ولكنهم إذا
شاركوا الإمام في الوتر وهم قد أوتروا من قبل، فإنهم يشفعون الوتر، أي:
أنهم يقومون فيأتون بركعة؛ لأنه لا وتران في ليلة.
وأما الذين دخلوا وصلوا تحية المسجد وجلسوا فقد أخطئوا بعض الشيء، لأن
الذي يدخل المسجد ويجد الناس يصلون مأمور بالدخول معهم، وموافقتهم من
أجل أن يحصل الاجتماع، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرجلين
الذين جاءا وهو يصلي الفجر، ولم يدخلا في القوم قال: ( ما منعكما أن
تصليا معنا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: إذا صليتما في رحالكما ثم
أتيتما مسجدنا فصليا معنا، فإنها لكما نافلة ) .
وأما الذين لم يدخلوا وبقوا في السوق فليس عليهم شيء؛ لأن الصلاة التي
يصليها الإمام نافلة، إن شاءوا دخلوا وصلوا، وإن شاءوا لم يدخلوا، فليس
عليهم شيء؛ لكن قد فاتهم الأجر، إلا إذا كانوا يتكلمون بصوت يشوِّش على
الجماعة، فإنهم في هذا يكونون آثمين؛ لأن التشويش على المصلين يؤدي إلى
إفساد العبادة أو نقصها، وهذه جناية، ولهذا لما خرج النبي عليه الصلاة
والسلام على أصحابه وهم يصلون في المسجد، وكل واحد منهم يقرأ ويرفع
صوته، قال عليه الصلاة والسلام: ( إن المصلي يناجي ربه -ليس يناجي
أحداً سواه، والله يسمع ولو كان الصوت خفياً- فلا يجهرن بعضُكم على بعض
في القراءة ).
وفي حديث آخر: ( لا يؤذينَّ بعضُكم بعضاً ) فجعل الرسول عليه الصلاة
والسلام هذا إيذاءً، وصدق رسول الله، إذا سَمعتَ إنساناً يَجهر
بالقراءة حولك، وأنت تصلي لا شك أنه يؤذيك، ويشوش عليك، وربما تكرر
الآية مرتين أو ثلاثاً مع الانشغال.
ومن هنا نأخذ خطأ أولئك الذين يصلون في المنارة، الآن بعض الناس في
المنارة يفتحون مكبر الصوت على المنارة وهو يصلي الفريضة أو النافلة،
هذا لا شك أنهم مخطئون، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة؛ لأنهم
يؤذون من حولهم من أهل البيوت، يمكن بعض الناس يريد يصلي، ومن النساء
من تصلي في بيتها، وهذا مكبر الصوت يشوش عليها، ما يتركها تصلي، ربما
يوجد أناس في البيوت يحتاجون إلى نوم وراحة، لمرض أو غير مرض، فيشوش
عليهم هذا الصوت، ويزعجهم ويقلقهم، وأيضاً في المساجد المتقاربة يحصل
التشويش، ولقد حُدِّثْت أن بعض الناس في المساجد القريبة تكون قراءة
إمام المسجد الذي هو جار لمسجدهم قراءة جيدة، وإلقاء طيب، وصوت جميل،
فينسجمون معه، ويتركون إمامهم، فإذا قال المسجد المجاور: { وَلا
الضَّالِّينَ } [الفاتحة:7] قال هؤلاء: آمين، أحياناً ربما يرفعون معه،
هذا من أعظم الجناية على الناس.
ولهذا أنا أرجو منكم إذا سمعتم مسجدنا على هذا أن تنصحوه لله، وتقولوا:
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الحكم بيننا وبينك فهذا كلامٌ
لأصحابه، قال: ( لا يؤذين بعضُكم بعضاًَ في القراءة ) هذا كلام النبي
صلى الله عليه وسلم وهو الحكم عليه الصلاة والسلام: { فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }
[النساء:59] نحن لا نعارضك بعقولنا، حتى تقول: أنا عندي عقل مثلك،
نعارضك بنص واضح، وأنت تؤذي، لا أحد يشك في أذيتك.
ثم أي نتيجة تحصل بذلك؟! ما هي النتيجة؟! هل هو يصلي للناس الذين خارج
المسجد أم لأهل المسجد؟! لأهل المسجد، فأي نتيجة في هذا؟! إذا كنت
محتاجاً إلى استعمال مكبر الصوت من أجل أن ينشِّطك فاستعمله داخلياً
فقط، وفيه بركة، على أني أنا أحب أن الإمام لا يجعل شيئاً يتكئ عليه
للنشاط في القراءة، بل يجعل النشاط في القراءة أمراً ذاتياً من نفسه،
ما يعتمد على مكبر الصوت أو غيره، فيُخَلِّي نفسه ليتعود، لأجل يرفع
الصوت، ويحسِّن النغمة بقدر الاستطاعة، حتى لا يعتمد على نغمة صوت مكبر
الصوت.
ثم إن فيه ضرراً أيضاً من ناحية ثانية، كما احتج عندي بعض الناس
بالإقامة في المنارة، بعض الناس الآن إذا أراد أن يقيم وهم كثير يقيمون
في المنارة، يقولون: هذه الإقامة أفسدت علينا أولادنا، إذا قلنا: قم
للصلاة، قال: لم يقم بعد، فإذا أقام ذهب يتوضأ وفاته بعض الصلاة أو كل
الصلاة، فكانوا يشتكون من هذا، لكني أنا ما أحببت أن أجيب على شكواهم،
قلت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا
إلى الصلاة ) وهذا يدل على أن الإقامة في مسجد الرسول تُسمع من خارج
المسجد، فلا أستطيع أن أنهى عن شيء قد تكون السنة دلت على جوازه.
الصلاة أضر وأضر؛ لأن الذي يسمع صوت الإمام وهو يصلي يقول: هذه أول
ركعة، والصلاة تُدرك بركعة.
قال له الثاني: لا يا أخي! الصلاة تدرك بتكبيرة الإحرام قبل أن يسلم.
فيقول بعض العلماء: إن الإنسان إذا أدرك تكبيرة الإحرام قبل السلام فقد
أدرك الصلاة.
فاصبر إذا ما بقي إلا تكبيرة الإحرام قبل السلام دخلنا.
فيفوتون الصلاة عليهم.
إذاً: ففيها ضرر حتى على الناس، أنهم ينتظرون آخر ركعة ويحضرون.
فإذاً: لا فائدة، بل مضرة على من أراد الصلاة في هذا المسجد، ومضرة على
المساجد الأخرى، ومضرة على الناس في بيوتهم.
وإذا أردنا أن نقول: من الناحية الاقتصادية إن فيها مضرة أيضاً، وهي:
استهلاك الكهرباء، أنت قد تقول: إن هذا مكبر الصوت بسيط، يعني: عن
(لمبتين) أو ثلاث؛ لكن إذا كان في البلد مائة مكبر مثلاً كم تكون
الكمية؟ كبيرة، تكون الكمية كبيرة، وبيت مال المسلمين محترم.
لكن أنا أقول: لا بأس إذا كان ينشط الإنسان أنه يستعمله في داخل
المسجد، ما فيه إن شاء الله بأس، ولا نقدر نتحجر على الناس كثيراً، أما
أن يجعله على المنارة فهذا لا شك أنه أذية على مَن حوله من المساجد،
وعلى الأفراد في البيوت، وأذية على الناس أيضاً من جهة الذين يريدون أن
يصلوا معه، ينتظرون آخر ركعة.
حكم قضاء الفوائت
المتروكة عمداً
السؤال
أنا في سنوات مضت أفطرت يوماً بجهل مني بسبب رفقة السوء، والآن بعد أن
منَّ الله عليَّ بالهداية، ندمتُ على ذلك، فهل أقضي ذلك اليوم، أم ماذا
أفعل؟ أفيدونا! جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الصحيح أنه لا يجب على الإنسان قضاء الفوائت التي تعمد تركها من صلاة
أو صوم؛ لأن هذه العبادات كالصلاة والصوم مؤقتة بزمن معين، والعبادة
المؤقتة بزمن معين إذا أخرها الإنسان عن وقتها بدون عذر شرعي فإن قضاءه
إياها لا ينفعه، وإذا كان قضاؤه إياها لا ينفعه لم يكن من إلزامه
بالقضاء فائدة، ولهذا كان الصحيح أن نقول لهذا السائل: لا يلزمك أن
تقضي اليوم الذي تركته؛ ولكن أكثر من الأعمال الصالحة، والتوبة إلى
الله، والحسنات يذهبن السيئات.
حكم من جامع أهله في
نهار رمضان بدون إنزال
السؤال
رجل كان يعتقد أن الجماع في نهار رمضان دون الإنزال لا يفسد الصوم،
فماذا عليه؟
الجواب
إذا كان مثله يجهله، يعني: بمعنى أنه عامي حقيقة، ولا يطرأ على باله أن
هذا مفسد للصوم، فإن صومه صحيح غير فاسد، وليس عليه قضاء، وليس عليه
كفارة.
أما إذا كان مثله لا يجهله، يكون مثلاً قد قرأ وعرف، أو سمع من الناس
فإنه لا عذر له، فالمؤمن إذا كان صادقاً في جهله ومثله يجهله؛ فلا شيء
عليه، لا قضاء، ولا كفارة، ولا إثم؛ لعموم قوله تعالى: { رَبَّنَا لا
تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286] .
ولأن الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أفطروا في
يوم غيم ثم طلعت الشمس، ولم يؤمروا بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين
بالوقت، والأكل والشرب كالجماع لا فرق بينهما كلاهما مفسد، فإذا لم
يفسد الأكل والشرب في حال الجهل، فكذلك الجماع.
جواز صلاة ركعتين من
التراويح بنية راتبة العشاء
السؤال
هل تجزئ ركعتان من صلاة التراويح عن راتبة العشاء الآخرة؟
الجواب
إي نعم، إذا نوى الإنسان أن هاتين الركعتين عن الراتبة كما لو صلى
العشاء في مسجد، وجاء إلى مسجد آخر ووجدهم يصلون التراويح، ودخل معهم
بنية أن التسليمة الأولى لراتبة العشاء، فإن ذلك يجزئه، لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
السائل: إذا فعلها وهو إمام، يعني: ربما يقتدي به الناس! الشيخ: نعم،
أما إذا فعلها وهو إمام فعلى نيته أيضاً، ولكن الذين وراءه على نياتهم،
إذا كانوا ينوون بها قيام الليل فهي من قيام الليل.
حكم تناول الإبر غير
المغذية في نهار رمضان
السؤال
امرأة مريضة بالسكر، أمرها الطبيب أن تأخذ إبرة (الأنسولين) الخاصة
بمرض السكر قبل الإفطار بربع ساعة، هل هذه الإبرة تفطر في هذه الحال،
أم لا؟
الجواب
هذه لا تفطر؛ لأن جميع الإبر لا تفطر، إلا ما كان يغني عن الأكل
والشرب، وهو الذي يُحقن في الإنسان عن طريق الأنف فيستغني به عن الأكل
والشرب، أما ما سوى ذلك فإنه لا يفطِّر، ولا يمكننا أن نقول للناس: إن
صومكم فسد بدون دليل شرعي، وليس عندنا دليل شرعي يدل على أن كل ما وصل
إلى البدن فهو مفطِّر، لأن الله تعالى بيَّن قال: { وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا } [البقرة:187] فما كان أكلاً وشرباً أو بمعنى الأكل
والشرب، فهو مفطِّر، وما عدا ذلك فإن الإنسان لا يَجْسُر أن يقول: هذا
مفطر، ولهذا نرى أن الذي يقول: إن هذه الأشياء مفطرة احتياطاً نرى أنه
احتاط من وجه، ولكنه لم يحتط من وجه آخر، لم يحتط من حيث إبطال عبادة
الناس بدون دليل؛ لأن إبطال عبادة الناس بدون دليل أيضاً يحتاج إلى
احتياط، لا تبطل عبادة الناس إلا بدليل واضح تقابل به ربك، نعم، إذا
استشارك وقال: ماذا تشير عليَّ؟ فحينئذ ربما نقول: أشر عليه بما ترى
أنه أحوط، وهو تجنب هذا الشيء الذي فيه الشبهة، أما إذا قال: هل يفطِّر
أو لا؟ فتقول: يفطِّر، هذا صعب إلا بدليل.
حكم استعمال النساء
حبوب منع الحيض في رمضان
السؤال
امرأة عادتها الشهرية خمسة عشر يوماً، خمسة أيام في أول رمضان، وعشرة
أيام في العشر الأواخر من رمضان، فتريد أن تستعمل حبوباً لمنع العادة
في العشر الأواخر من رمضان، فما الحكم في ذلك؟ مع العلم أن قصدها
الصلاة والتهجد مع المسلمين لا أنها لصعوبة القضاء؟
الجواب
بناءً على ما سمعتُ من أطباء ثقات أرى ألا تستعمل هذه الحبوب؛ لأنها
ضارة على الرحم، وعلى دم المرأة، وعلى العادة، وعلى الجنين، يعني
يقولون: من أسباب تشوُّه الأجنَّة الذي كثر في هذا الزمان تناول هذه
العقاقير.
فالذي أرى أن لا تستعملها، بل أرى أن ترضى بما قدَّر الله عزَّ وجلَّ
من هذا الحيض، وليكن لها أسوة بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عائشة
في حجة الوداع أحرمت بعمرة كسائر النساء، فأتاها الحيض في أثناء الطريق
بـ سرف ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ( ما
لك؟ لعلك نفستِ! -يعني: حضتِ!- قالت: نعم يا رسول الله! قال: هذا شيء
كتبه الله على بنات آدم ) ما هو عليك أنت وحدك.
كتبه الله كتابة شرعية أم كونية؟ كتابة كونية، قدر الله عزَّ وجلَّ
بكتابته الأزلية التي كتبها في الأزل أن بنات آدم يحضن، فكأنه يقول:
هذا شيء مكتوب، ولا فرار عن المكتوب، فاصبري، ثم أمرها عليه الصلاة
والسلام أن تحرم بحج، وتدخل الحج على العمرة لتكون قارنة.
الشاهد: أني أقول: لا تستعمل النساء هذه الحبوب؛ لما ثبت عندي من
أضرارها، ولأن الرضا بما قدر الله على النساء من الحيض الذي فيه
الامتناع عن الصوم وعن الصلاة خير من فعل الأسباب المانعة للحيض.
ثم اعلم أيضاً أن كل شيء يكون بمقتضى الطبيعة التي جَبَلَ الله عليها
الخلق إذا وجد ما يصادم هذا الشيء فإنه يكون ضرراً على البدن، هذا شيء
يعرفه الإنسان، وإن لم يكن طبيباً، شيء بمقتضى الطبيعة والجِبِلَّة
لابد أن يخرج فإن حبسه لا شك أنه ضرر، واعتبر ذلك بما لو كان بولاً أو
غائطاً، وأكلتَ حبوباً تمسكه، هل سيؤثر ذلك على البدن؟ نعم، سيؤثر على
البدن لا شك، وإن كان ما جاءك بول، ولا غائط؛ لكن سيؤثر انحباسه في
العروق، والعادة أنه يخرج، لا شك أنه ضرر، كذلك هذا الدم؛ دم الحيض.
فالذي نرى أن النساء يتركنه، والحمد لله إذا أفطَرَت فقد أفطَرَت بأمر
الله، وإذا ترَكَت الصلاة فقد ترَكَت الصلاة بأمر الله.
حكم ذهاب الأئمة
لأداء العمرة وتركهم إمامة المساجد
السؤال
أنا إمام في مسجد وأريد أن أذهب في العشر الأواخر إلى مكة ؛ لأنني أشعر
أنني إذا بقيتُ هنا سوف أحس بالفراغ؛ لأني مرتبط بإخوة لهم نشاط، وسوف
يذهبون إلى مكة ، وأحب الذهاب معهم من أجل أن أستفيد في الوقت، مع
العلم أنني سوف أستأذن من الأوقاف، وأقوم بتوكيل من يصلي عنِّي، أفتوني
جزاكم الله خيراً؟
الجواب
بالمناسبة: قد أتتنا ورقة من الأوقاف اليوم بمنع سفر الأئمة إلى العمرة
أو غيرها، وأنهم لا يرخصون لأحد، وهذا حقيقة، يعني: أنه قد يكون قراراً
مفيداً؛ لأنه يوجد بعض الناس -الله يهدينا وإياهم- من اليوم إلى آخر
رمضان يفرون، إما إلى مكة ، وإما إلى أفغانستان ، وإما إلى غيره،
فيَضِيْعون ويُضَيِّعون ما أوجب الله عليهم، وبعضهم إذا دخلت العشر
يذهب.
ولكن الذي نرى أن المرتبط بأمر واجب يجب عليه أن يبقى في هذا الأمر؛
لأن الله يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ } [المائدة:1] والعقد الذي بينك وبين الدولة إن صح أن
نسميه عقداً أن تكون إماماً في كل وقت، لاسيما في حاجة الناس في رمضان.
ويقول: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }
[الإسراء:34] .
وأنت يا أخي! لا يزين لك الشيطان القيام بالنافلة مع ترك الواجب، إن
فعل الواجب أفضل بكثير من فعل النافلة، قال الله تعالى في الحديث
القدسي: ( وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه ).
لكن قد تقولون: لماذا أنت تذهب أيضاً في العشر؟ أو بعد نصف الشهر؟ فأنا
أقول: إننا نجد مصلحة كبيرة في تعليم الناس، ولولا أنه يتسنى لنا
التعليم ما ذهبنا؛ لكن نظراً إلى أنه يحصل في التعليم استفادة كثيرة،
يمكن بعضكم شاهدها، مع الاستئذان من إدارة الأوقاف، ومع وضع أحد يقوم
باللازم إن شاء الله تهون علينا، وإن اعترضتم وسدَّدتم ما نذهب.
على كل حال أنا أرى إن شاء الله تعالى أنَّا في حِل؛ لأننا نذهب إلى
مصلحة كبيرة، يعني: حتى بعض الناس من دخول الشهر وهم يقولون: ائتي
الناس كثيرون، والناس كثيرون، والناس كثيرون؛ لكن ما هو بصحيح أن
الواحد يذهب شهراً كاملاً.
جلسات رمضانية لعام
1411هـ [2]
يجب على كل مسلم يريد أن يعبد ربه على بصيرة وعلم أن يعلم ويفقه كل
عبادة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، حتى تكون عند الله أرجى
للقبول.
وقد تكلم الشيخ في هذه المادة عن كل ما يفسد الصيام ويبطله، ويكون
حائلاً بين العبد وبين قبول صيامه، ثم أتبع ذلك بأجوبة نافعة في
الموضوع.
مفسدات الصوم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن درسنا في هذه الليلة؛ ليلة الخميس الموافق للخامس من شهر
رمضان عام: (1411هـ) سيكون إن شاء الله في بيان مفسدات الصوم، التي
يسميها العامة المفطِّرات.
ويجب أن نأخذ قاعدة قبل الدخول في مفسدات الصوم بخصوصها، وهي: أن
مفسدات العبادات سواء كان ذلك من مفسدات الوضوء التي تسمى نواقض
الوضوء، أو من مفسدات الصلاة التي تسمى مبطلات الصلاة، أو من مفسدات
الصوم، أو من مفسدات الحج، أو من مفسدات المعاملات، كلها لابد فيها من
دليل، وذلك لأن الأصل في العبادات التي يقوم بها العبد على مقتضى الشرع
الأصل فيها الصحة حتى يقوم دليل من الشرع على أنها فاسدة.
هذه قاعدة متفق عليها بين العلماء؛ لأن الأصل أن ما وقع صحيحاً، فهو
صحيح، حتى يقوم دليل على فساده، ولهذا استفتى جماعة من الصحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم في قوم يأتون إليهم بلحم ولا يدرون هل سَمُّوا
الله عليه أم لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( سَمُّوا أنتم وكلوا
) لأن الأصل في الفعل الواقع من أهله أنه صحيح حتى يقوم دليل الفساد.
وعلى هذا فإذا قلنا في مفسدات الصوم: إن هذا مفسد فلابد لنا من دليل،
فإن لم يكن هناك دليل فإن قولنا مردود علينا، كل إنسان يقول لك: إن هذا
مفطِّر فطالبه بالدليل، قل: أنا صائم بأمر الله، وعلى مقتضى شريعة
الله، فأتني بدليل من عند الله يدل على أن هذا الشيء مفطِّر، فإن لم
تأتني بدليل فأنا قائم بأمر الله، متبع لشريعة الله، مخلص لله، ومن
عَبَدَ الله مخلصاً له الدين، متبعاً لشريعة سيد المرسلين فإن عمله
صالح مقبول عند الله، أفهمنا هذه القاعدة؟ إذاً: نقول: لا يمكن أن
نقول: إن هذا الشيء مفطِّر إلا مقروناً بالدليل، فإن لم يكن فلا قبول.
فنقول: المفطِّرات أشياء محصورة: ا/ الأكل.
2/ والشرب.
3/ والجماع.
4/ والإنزال بشهوة بفعل من الصائم.
5/ وما كان بمعنى الأكل والشرب.
6/ والقيء عمداً.
7/ وخروج الدم بالحجامة.
8/ وخروج دم الحيض.
9/ وخروج دم النِّفاس.
هذه تسعة أشياء عرفناها بالتتبع؛ لأنه ليس في الكتاب والسنة أن هناك
تسعة أشياء مفطِّرة، أو مفسدة للصوم؛ لكن العلماء رحمهم الله يتتبعون
الأدلة، ويستقرئونها، ويستنتجون منها ما يستنتجونه من الأحكام .
الأكل والشرب
والجماع
الأكل، والشرب، والجماع.
هذه ثلاثة دليلها في آية واحدة، وهي قوله تبارك وتعالى: { فَالْآنَ
بَاشِرُوهُنَّ } [البقرة:187] يعني: النساء: { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ
اللَّهُ لَكُمْ } [البقرة:187] يعني: بالجماع، أي: اطلبوا الولد الذي
كتبه الله لكم بالجماع: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187]
الصيام يعني: الإمساك عن هذه الأشياء الثلاثة إلى الليل، والليل يكون
بغروب الشمس كما سنذكره إن شاء الله.
إذاً: هذه ثلاثة ذُكرت في آية واحدة.
قوله تعالى: { بَاشِرُوهُنَّ } أي: بذلك الجماع؛ لأنه قال: {
وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } ولا ابتغاء للولد إلا
بالجماع.
والجماع مفسد للصوم، سواء كان الصوم فرضاً أو نفلاً، فمن جامع وهو صائم
فسد صومه؛ لكن إذا كان في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم ترتب عليه خمسة
أشياء: الأول: الإثم.
الثاني: فساد الصوم.
الثالث: لزوم الإمساك إلى الغروب.
الرابع: القضاء.
الخامس الكفارة.
خمسة أشياء، إذا وقع الجماع من صائم في نهار رمضان يلزمه الصوم، ترتب
عليه هذه الأشياء الخمسة.
الأول: الإثم؛ لأنه انتهك واجباً، بل فريضة من فرائض الإسلام.
والثاني: فساد الصوم؛ لأنه ارتكب محظوراً من محظورات الصوم وهو:
الجماع؛ لأن الله قال: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }
وهذا لم يتم الصيام إلى الليل.
الثالث: وجوب الإمساك، يعني: يجب أن يمسك وإن كان صومه فاسداً؛ عقوبة
له، واحتراماً للزمن؛ لأننا لو لم نلزمه بالإمساك، لكان كل واحد ما
يهمه يفعل المفطِّر ويأكل ويشرب؛ لكن نلزمه بالإمساك عقوبة له،
واحتراماً للزمن.
الرابع: وجوب القضاء؛ لأنه أفسد عبادته، فلزمه قضاؤها كما لو أحدث
المصلي في صلاته، فإنه يلزمه قضاؤها.
والخامس: الكفارة، والكفارة مغَلَّظة، وقد بيَّنَتها، ففي الصحيحين :
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: ( يا رسول الله! هلكتُ! قال: ما أهلكك؟ قال: وقعتُ على
امرأتي في رمضان وأنا صائم، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام: هل يجد
رقبة؟ قال: لا.
هل يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.
هل يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا.
...).
كم هذه من خصلة؟ ثلاث: عتق رقبة؛ فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين؛
فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً.
( .
فجلس الرجل، ثم جيء بتمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للرجل: خذ
هذا فتصدَّق به، فقال: يا رسول الله! أعَلى أفقرَ مِنِّي؟! والله ما
بين لابَتَيها أهل بيت أفقر مني! -طمع الرجل- فضحك النبي عليه الصلاة
والسلام، ثم قال: أطعمه أهلك ).
الشاهد من هذا: وجوب الكفارة.
حسناً! قلنا: إنه تجب الكفارة إذا كان في نهار رمضان، والإنسان ممن
يلزمه الصوم، فإن كان لا يلزمه الصوم كرجل مسافر، ولنقل: إنه ذاهب إلى
العمرة، وهو صائم هو وأهله في مكة ؛ لكن في أثناء النهار جامع زوجته،
ماذا يترتب عليه؟ لا يترتب عليه من هذه الأمور الخمسة إلا واحد فقط،
هو: القضاء، وإلا فليس عليه إثم، ولا يلزمه الإمساك، ويفسد الصوم لا
شك، الصوم يفسد، وليس عليه كفارة.
ولهذا يجب على المفتين إذا سألهم أحدٌ في مكة وقال: إنه جامع أهله، لا
يقول: عليك الكفارة، بل يسأله: هل أنت من أهل مكة أو أنت من المسافرين
المعتمرين؟ إن قال: أنا من المعتمرين، ماذا يقول؟ يقول: ليس عليك إلا
القضاء، الآن كل واشرب بقية النهار، ولا حرج عليك، واقضِ هذا اليوم أنت
وأهلك.
إن قال: أنا من أهل مكة فالصوم يلزمه، يقول: عليك خمسة أشياء: حسناً!
إذا قُدِّر أن الشخص جامع في نهار رمضان والصوم لازمٌ له، ولم يُنْزِل،
هل تلزمه هذه الأحكام الخمسة؟ نعم، يعني: العبرة بالجماع.
ولو أنزل بدون جماع! لا تلزمه الكفارة، ولكن بقية الأحكام الأربعة
تلزمه: الإثم، والإمساك، وفساد الصوم، والقضاء؛ لكن الكفارة لا تلزمه؛
لأن الكفارة لا تلزم إلا بالجماع فقط.
حسناً! هذه ثلاثة أشياء.
إنزال المني بشهوة
الرابع: إنزال المني بشهوة بفعل الصائم.
انتبه! فلو نزل بغير شهوة؛ لأنه قد ينزل لمرض، فإنه لا يفسد الصوم.
لو نزل بشهوة بغير فعل من الصائم، يعني: وهو نائم، لا شيء عليه.
ولو فكَّر فأنزل؛ لكن ما حرَّك شيئاً، لا شيء عليه؛ لأن هذا ليس من
فعله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما
حدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم ).
حسناً! إذا قال قائل: نطالبك بالقاعدة التي ذكرتَ وهي: الدليل، أين
الدليل على أن الإنزال بشهوة بفعل الصائم مفسد للصوم؟ نقول: الدليل على
هذا: قوله تعالى في الحديث القدسي في الصائم: ( يدع طعامه وشرابه
وشهوته ) والمني شهوة، والدليل على أنه شهوة قول النبي صلى الله عليه
وسلم: ( وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته
ويكون له فيها أجر؟! قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه
وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) والذي
يوضع المني، فسماه الصحابة الشهوة، وأقرهم النبي عليه الصلاة والسلام،
والشهوة مما يدعه الصائم، فهذا هو الدليل.
ولذلك اتفق الأئمة الأربعة: مالك ، و أحمد ، و الشافعي ، و أبو حنيفة
على أن إنزال المني مفطِّر.
حسناً! إنزال المذي؟ المذي الذي يأتي بتحرك الشهوة؛ ولكن بدون إحساس،
كثير من الناس مذَّاء، بمجرد ما يحس بالشهوة ينزل هذا المذي بدون
إحساس، فهل يفسد الصوم؟ لا، لا يفسد الصوم؛ حتى لو كان بفعل الإنسان،
لو فُرِض أن الإنسان قبَّل زوجته فأمذى فصومه صحيح، وليس عليه إثم؛
لأنه لم يفعل مفسداً.
ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا أمذى بفعله فسد صومه؛ ولكننا نقول على
القاعدة التي أشرنا إليها في الأول: أين الدليل؟ ليس هناك دليل، ليس
فيه دليل على أن الإمذاء مفسد للصوم.
ما كان بمعنى الأكل
والشرب
ما هو الخامس من المفطِّرات؟ الأكل، والشرب، والجماع، والإنزال؛ إنزال
المني بفعل من الإنسان.
ما كان بمعنى الأكل والشرب.
نعم.
ما كان بمعنى الأكل والشرب فإنه مفطِّر، وهي: الإبر المغذية، ليست التي
تنشِّط الجسم، لا، الإبر المغذية التي يُستغنى بها عن الأكل والشرب،
بمعنى: أنه إذا تناولها الإنسان اكتفى عن الأكل والشرب، هذه مفطِّرة؛
لأنها بمعنى الأكل والشرب، انتبه! إذا قال قائل: ما هي أكل ولا شرب،
نقول: إنها قائمة مقام الأكل والشرب، والشريعة الإسلامية لا تفرق بين
متماثلين، ولا تجمع بين مختلفين، فإذا كان هذا بمعنى الأكل والشرب وجب
أن يُعطى حكم الأكل والشرب.
إذاً: فساد الصوم بهذه الإبر المغذية من باب القياس أو من باب النص؟ من
باب القياس، ما فيه دليل لا من القرآن ولا من السنة؛ لكن فيه قياس.
وبناءً على ذلك فإن قاعدة من ينكرون القياس تقتضي ألا تكون هذه الإبر
مفطِّرة، أليس كذلك؟ لأن الذين ينكرون القياس مثل الظاهرية رحمهم الله
يقولون: ما فيه أكل وشرب، غيره ما نقبل أنه يكون مفطِّراً، ونحن ننكر
القياس.
وعلى قولهم تكون هذه الإبر غير مفطِّرة.
لو جاءنا رجل فقيه غير ظاهري من أصحاب القياس والمعاني وقال: هذه الإبر
لا نوافقكم في قياسها على الأكل والشرب؛ لأنها تختلف عن الأكل والشرب،
والقياس لابد فيه من تساوي الأصل والفرع في علة الحكم.
الأكل والشرب تحصل فيه لذة عند الأكل، يتلذذ الإنسان فيه بفمه، وبلعه،
وملء معدته منه، فيجد لذة وراحة.
هذه الإبر هل يجد فيها ذلك؟ لا، لا يجد فيها ذلك، أليس كذلك؟ نعم.
لا يجد فيها ذلك، ولذلك يقولون: أنتم لا تقيسون جماع الرجل لزوجته بين
فخذيها على جماعه إياها في فرجها، مع أنه في كل منهما لذة، وفي كل
منهما إنزال؛ لكن لذة الجماع غير لذة الفخذين.
إذاً: لذة الأكل والشرب غير لذة هذه الإبر.
فإذاً: لا تقيسونها.
الحقيقة: لو قال لنا قائل هذا القول لتوقفنا، ما هناك جواب بيِّن على
هذا الإيراد؛ لكننا نقول: من باب الاحتياط: أن الإنسان لو تناول الإبر
المغذية التي تغني عن الأكل والشرب، فإنها تفطِّر، ثم إن الغالب أن
الإنسان لا يتناول هذه الإبر إلا وهو مريض يحتاج إلى الفطر، فنقول:
الحمد لله، إذا تناولت هذه، اضطررت إليها وتناولتها، فأنت الآن مفطر،
كُلْ إن أمكنك واشرب؛ لأنك مفطر بسبب المرض.
إذاً: ليس القول بتفطير هذه الإبر المغذية قولاً يقينياً؛ ولكنه قول
احتياطي، أما الإبر الأخرى التي لا تغني عن الطعام والشراب؛ فإنها لا
تفطر، ولا إشكال عندي فيها، سواء أُخِذت عن طريق الوريد، أو عن طريق
العضلات، أو من أي طريق؛ حتى لو نشَّطت البدن، وحصل فيها تنشيط للبدن،
أو شفاء للبدن، فإنها لا تفطِّر؛ لأن العلة ليست تنشيط البدن، العلة
تغذيته عن طريق الأكل والشرب، وإلا لقلنا: كل منشِّط مفطِّر، ومعلوم أن
الإنسان لو اغتسل في أيام الحر، ينشط وإلا لا؟! ينشط بلا شك، هل نقول:
يفطر؟ لا، ما نقول: يفطر.
إذاً: لا يمكن لإنسان نظر بتأمل أن يقول: إن جميع الإبر مفطِّرة، لا،
ما يمكن، بل نقول: إن الإبر التي لا يُستغنى بها عن الطعام والشراب غير
مفطِّرة مهما كانت، من أي نوع كانت، ومن أي مكان ضُرِبت.
القيء عمداً
السادس: القيء عمداً.
لو أن الإنسان تقيأ عمداً، أدخل إصبعه مثلاً في فمه حتى قاء، أو نظر
إلى شيء كريه حتى قاء، وجعل ينظر إليه حتى قاء، أو شمَّ رائحة كريهة
وجعل يتعمدها؛ لأجل يقيء فقاء، أو عصر بطنه بشدة حتى تقيأ، نعم.
المهم إذا قاء عمداً فإن صومه يفسُد ويبطُل.
نأخذ بالقاعدة، ماذا؟ ما هو الدليل؟ الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه
-ذرعه القيء يعني: غلبه- ومن استقاء عمداً فليقضِ ) هذا الحديث.
وفيه أيضاً تعليل، وهو أن الإنسان إذا قاء، وأخرج ما في معدته من
الطعام لحقه الهزال والجوع الشديد، ولاسيما إذا تقيأ من أول النهار،
وفي الأيام الطويلة، لابد أن يلحق الجسم تعب شديد.
فمن رحمة الله نقول: إذا تقيأ الإنسان عمداً إن كان لغير عذر فهو حرام
عليه في الصوم الواجب؛ لأنه يفسد صومه.
وإن كان لعذر قلنا: من رحمة الله أن نقول: إنك أفطرت، لماذا؟ لأنه إذا
تقيأ لعذر يبيح له الفطر قلنا له: الآن كُل واشرب؛ لأن كل من أفطر لعذر
شرعي، فإنه يجوز أن يأكل ويشرب.
خذوا بالكم من هذه القاعدة، فهي مفيدة أيضاً: كل من أفطر لعذر شرعي في
أول النهار فإنه يجوز أن يأكل ويشرب بقية النهار، فهمتم القاعدة هذه؟
إي نعم، هذه القاعدة مفيدة جداً للإنسان، فنقول لهذا الرجل الصائم: إذا
قال لك الأطباء، أو أنت رأيت أنه من الضروري أن تتقيَّأ، افرض أن
الإنسان أكل طعاماً متسمماً، الطعام المتسمم من أقوى علاجه أن يتقيأ
الإنسان الطعام، فإذا تقيأه خرج هذا الطعام المتسمم، وخف عليه، فإذا
فعل هذا قلنا له: الآن قمت تقيأت بعذر شرعي، فكُل واشرب حتى تعود عليك
قوة بدنك.
فصار القول بأن القيء مفطِّر من رحمة الله؛ لأنه إذا كان الإنسان غير
محتاج إليه قلنا له: لا تتقيأ في الصوم الواجب، تفسد صومك، وإن احتاج
إليه قلنا: تقيأ وكُل واشرب بقية يومك؛ لأن القاعدة التي ذكرنا أن مَن
أفطر لعذر شرعي فإن له أن يأكل ويشرب بقية اليوم.
عرفتم يا جماعة؟!
الحجامة
السابع: الحجامة.
خروج الدم بالحجامة، وعلى القاعدة نطلب الدليل.
الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وهذا
يدل على أن المحجوم يفطر.
وفيه أيضاً تعليل، وهو أن الحجامة إذا خرج منها دم كثير ضعُف البدن
واحتاج إلى تغذية، ولهذا نجد الأطباء إذا أُخذ من الإنسان دم متبرع به،
يأمرونه أن يشرب عصيراً أو شبهه ليعوِّض ما نقص من الدم.
إذاً: الحجامة نقول: تفطِّر الصائم.
والدليل: قوله عليه الصلاة والسلام: ( أفطر الحاجم والمحجوم ).
والتعليل: أنه يحصل بالحجامة ضعف شديد للبدن، يحتاج معه إلى تغذية.
فالتفطير بالحجامة من رحمة الله، ولهذا نقول للصائم صوم فرض: يحرم عليك
أن تحتجم، فإن اضطررت إلى ذلك فاحتجم وكُل واشرب، عوِّض البدن عن هذا
النقص.
حسناً! فإن قال قائل: إنه قد جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي
الله عنهما قال: ( احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، واحتجم
وهو صائم ) وفي بعض الألفاظ: ( احتجم وهو محرم صائم ) فالجواب على ذلك:
أنه إن صحَّت اللفظة: احتجم وهو صائم إن صحت فإنها لا تدل على أن
الحجامة غير مفطِّرة، ولا تدل على أن هذا الصيام فرض، فإذا كان الصيام
الذي احتجم فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس فرضاً؛ فلا إشكال
إطلاقاً؛ لأنه إذا احتجم أفطر وأكل وشرب؛ لأنه متنفِّل، والصائم
المتنفل هو أمير نفسه، إن شاء استمر، وإن شاء أفطر.
فيحتمل أنه نفل، ويحتمل أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتجم في صيام
فرض؛ لكنه أفطر؛ و ابن عباس رضي الله عنهما لم يعلم ماذا كان للرسول
بعد أن احتجم وهو صائم.
فلا نأخذ بهذا النص المشتبه وندع نصاً محكماً؛ لأن النص المحكم مقدم
على النص المتشابه، ويجب أن يُحمل النص المتشابه، سواء في القرآن أو في
السنة، على وجه يوافق النص المحكم.
لهذا نقول: ليس في هذا الحديث ما يدل على أن المحتجم لا يفطر.
ثالثاً: من حَمْل حديث ابن عباس : أنه قبل أن يقول الرسول عليه الصلاة
والسلام: (أفطر الحاجم والمحجوم) ويكون حديث ابن عباس بناءً على
البراءة الأصلية؛ لأن الأصل أن الحجامة لا تفطِّر، ثم جاء الحكم الشرعي
بأنها مفطِّرة.
فإذا قال قائل: الحجامة مفطِّرة للمحتجم؛ لأن العلة في ذلك واضحة، ما
هي العلة؟ الضعف الذي يلحق البدن، والنقص ولكن الحاجم بأي سبب يُفطَّر؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأن الحجامة في ذلك العهد تحتاج
إلى أن يمص الحاجم قارورة الحجامة.
قارورة الحجامة فيها أنبوبة دقيقة يمصها الحاجم، إذا شطَّبَ محل
الحجامة بالموسى، ووضع القارورة على محل التشطيب، رصَّها قليلاً، ثم
فرَّغ الهواء الذي فيها بمصها، يمكن في أثناء المص يتسرب شيء من الدم
في فم الحاجم من غير أن يشعر به، فأقيمت المَظِنَّة مقام المَئِنَّة.
هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
أما غيره من العلماء الذين قالوا: بأن الحجامة مفطِّرة، قالوا: الله
أعلم، ما ندري، ولعلَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم)
جعل الحاجم مفطراً؛ لأنه أعان المحتجم على ما يفطر به، فاكتسب من إثمه
إذا كان الصوم واجباً؛ ولهذا يقول شيخ الإسلام : لو حَجَم بغير هذه
الطريقة بآلات منفصلة -ما يمصها- فإنه لا يفطر.
يعني: الحاجم؛ لأنه ليس هناك ما يحتمل أن يفسد صومه بدون أن يشعر به.
الحيض والنفاس
الثامن: خروج دم الحيض، والتاسع: خروج دم النِّفاس.
وانتبهوا لقولنا: خروج دم الحيض، فإنه يعني: أن الحيض لو تحرك وانتقل
من موضعه؛ ولكن لم يخرج، فإن الصوم باقٍ لا يبطُل؛ خلافاً لما تفهمه
النساء، من أن المرأة إذا رأت الحيض في ما بين أذان المغرب وصلاة
المغرب، فإن صومها يبطُل، هكذا عندهن، وعند بعضهن أيضاً: إذا رأت الحيض
في ما بين أذان المغرب وصلاة العشاء فإن صومها يبطُل، هذا غير صحيح،
هذا كلام لا أصل له.
ولذلك يجب علينا أن نعلم النساء.
نقول: إذا غابت الشمس والحيض لم يخرج ويبرز فإن الصوم صحيح، ولو خرج
وبرز بعد غروب الشمس بدقيقة واحدة فالصوم صحيح؛ لأنه يقول: خروج دم
الحيض، لابد من خروجه، خروج دم الحيض أو النِّفاس.
النِّفاس مثله أيضاً: النِّفاس لو أن المرأة أصابها الطلق قبل غروب
الشمس؛ ولكن لم يخرج الدم إلا بعد غروب الشمس فصومها صحيح، وإن خرج قبل
غروب الشمس فسد صومها.
وحينئذ نرجع إلى القاعدة الأولى، الدليل، نعم؛ لأنه قد يقول قائل: كيف
تفطر المرأة إذا خرج دم الحيض والنِّفاس، مع أن ذلك بغير اختيارها؟!
فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة مقرراً حالها: (
أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُم؟! ) ولهذا أجمع العلماء على أن الحائض
لا صوم لها، ومثلها النُّفَساء.
وعلى هذا فنقول: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت
لم تصلِّ ولم تصُم؟!) .
والحمد لله المرأة لم تختر أن يأتيها الدم فيمنع صحة صومها، وإنما هذا
شيء كتبه الله على بنات آدم، فلا تجزع مما كتب الله، دخل النبي عليه
الصلاة والسلام على عائشة رضي الله عنها، وهي تبكي، وكانت محرمة
بالعمرة، فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة ، فجعلت تبكي رضي الله عنها،
فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: ( ما لكِ؟ لعلكِ
نفِستِ! قالت: أجل -نفِستِ يعني: أتاها الحيض- قال: إن هذا شيء كتبه
الله على بنات آدم ) يعني: ليس خاصاً بكِ، كل النساء تحيض.
فلهذا نقول للمرأة: لا تتعبي نفسك وضميرك، هذا شيء مكتوب على النساء،
فإذا أتاها الحيض فلا تصُم، وما يفعله بعض النساء من محاولة منع الحيض
في شهر رمضان، فإنه خطأ منهن، وذلك لأن هذه الموانع -الحبوب- ثبت عندنا
أنها مضرة، وأنها تؤثر على المرأة، وعلى الرحم، وعلى الدم، وعلى
الأعصاب، وعلى النسل.
ولهذا نرى الآن كثرة الأولاد المشوَّهين.
يقول بعض الأطباء: إن هذا من أسباب تناول هذه الحبوب والعقاقير، ومعلوم
أن تشوُّه الولد مشكِل، فيه كآبة على الولد، وفيه كآبة على الوالدين,
وفيه ضرر عظيم.
هذه المفطرات الآن تسعة؛ ولكنها لا تفطر إلا بشروط، سنتكلم عليها -إن
شاء الله تعالى- في الدرس القادم؛ لأن الوقت انتهى الآن.
نعم، وأيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم سمى الحيض نفاساً، وقال: (
لعلكِ نفِستِ! ).
الأسئلة
حكم صلاة تحية
المسجد بعد صلاة الوتر
السؤال
نلاحظ على بعض القادمين إلى المحاضرة جلوسهم دون تأدية تحية المسجد،
حيث أن المفهوم السائد لدى بعض الناس: أنه لا تصح الصلاة بعد صلاة
الوتر، نرجو توضيح ذلك؟
الجواب
لا ينبغي للإنسان إذا دخل المسجد أن يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي
ركعتين ) بدون أي شيء، لو دخل في أي وقت، في الظهر، في العصر، في
الفجر، في كل وقت؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قطع خطبته ليأمر
من جلس أن يقوم فيصلي ركعتين: ( فقد دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم
يخطب الناس يوم الجمعة، فجلس، فقال له: هل صليتَ؟ قال: لا، قال: قم
فصلِّ ركعتين وتجوَّز فيهما ) انظر قطع الخطبة وأمره أن يصلي مع أن
استماع الخطبة واجب، وأمره أن يصلي مع أنه إذا صلى سوف يتلهَّى عن سماع
الخطبة.
ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أن الإنسان إذا دخل يوم الجمعة والمؤذن
يؤذن بين يدي الخطيب فإنه لا يجيب المؤذن، يصلي الركعتين؛ لأن استماع
الخطبة أهم من إجابة المؤذن، فإن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن
سنة.
فإذاً: نقول للذين يدخلون بعد أن صلوا الوتر في مساجدهم: لا تجلسوا حتى
تصلوا ركعتين، ويجب أن نفهم كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على وجهه،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا تصلوا بعد الوتر، بل قال: (
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) وبين العبارتين فرق عظيم، لو قال: لا
تصلوا بعد الوتر لكان يُنهى الإنسان إذا أوتر أن يصلي؛ لكن لما قال: (
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) معناه: إذا ختمتم الصلاة في الليل
فاختموها بالوتر؛ ولكن إذا وُجد سبب يقتضي الصلاة بعد الوتر فصلوا.
ولهذا نقول: لو أنك أوترت مع الإمام، ثم قدِّر لك أن تقوم في آخر
الليل، فصلِّ إذا شئت أن تصلي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهَ
أن يصلي الإنسان بعد الوتر، بل أمر أن نجعل آخر صلاة الليل وتراً، وهذا
الرجل حين أوتر مع الإمام ما كان يظن أنه سيقوم في آخر الليل مثلاًَ،
فقام، إذا أحب أن يصلي ويتطوع فليتطوع؛ ولكن يتطوع بركعتين ركعتين، ولا
يوتر؛ لأنه ليس في الليلة الواحدة وتران.
حكم بلع الريق
المختلط بطعم السواك في نهار رمضان
السؤال
ما حكم استعمال السواك الرطب للنكهة في نهار رمضان إذا كنتُ أحس بطعمه
قد دخل في جوفي؟
الجواب
استعمال السواك الذي له طعم في حال الصيام في رمضان إن ابتلع الإنسان
ريقه المتغيِّر بطعم السواك أفطر وفسد صومه، أما إذا تفله فإن الصوم لا
يفسُد، ولهذا ينبغي للصائم إذا أراد أن يتسوك أن يتسوك بسواك قد زال
طعمُه، حتى لا يؤثر عليه.
حكم تنظيف الأسنان
بالمعجون في نهار رمضان
السؤال
ما حكم تنظيف الأسنان بالمعجون في نهار رمضان؟
الجواب
الأصل أنه لا بأس به إذا لم يبتلع شيئاً من المعجون؛ ولكن مع ذلك ننصح
بعدم استعماله في النهار، والليل واسع والحمد لله، يستعمله في الليل؛
لأن هذا المعجون له نفوذ قوي، يدخل إلى الحلق، والإنسان لا يشعر به،
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ لقيط بن صبرة : ( بالغ في
الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) خوفاً من أن يدخل شيء من الماء من غير
شعور، والفقهاء رحمهم الله قالوا: يكره أن يبالغ الإنسان في المضمضة
إذا كان صائماً؛ لأنه ربما ينزل شيء من الماء إلى جوفه من غير أن يشعر.
فالذي أنصح به: أن يتجنب الصائم استعمال المعجون, وفي الليل ولله الحمد
فسحة.
حكم خروج الماء
الأبيض في نهار رمضان قبل الولادة
السؤال
أنا امرأة حامل يخرج مني ماء أبيض، وأحياناً أصفر، وأنا الآن في شهري
التاسع، وأحس بطلق، هل هذا الماء يفطِّر أم لا؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
لا يفطِّر هذا الماء، وذلك لأن النفاس دم، ولابد أن يكون هذا الدم
مقروناً بالطلق، ولابد أيضاً أن يكون الطلقُ طلقَ ولادة، يعني: يكون
قبل الولادة بيوم أو يومين؛ لأن بعض الحوامل ربما تحس بالطلق؛ لكنه ليس
طلق ولادة، حركات في الجنين؛ ولكنها لا تلد، هذا لا عبرة به، حتى لو
خرج معه الدم، العبرة بطلق الولادة الذي يكون قبل الولادة بيومين أو
نحوها.
فإذا خرج الدم مع هذا الطلق فهو دم نفاس لا يصح معه صوم، وأما الأشياء
الأخرى التي تخرج وهي ليست بدم، فهذه لا تؤثر.
العبرة في بطلان صوم
الحائض غروب الشمس لا الأذان
السؤال
هل المعوَّل عليه في بطلان الصيام بالنسبة للمرأة الحائض هو غروب الشمس
أو سماع صوت المؤذن؟ وهل إذا حاضت بعد غروب الشمس المؤكد، ثم سمعت بعد
ذلك الأذان، هل تفطر أم لا؟
الجواب
العبرة يا إخواني! ليس بأداء المؤذن، العبرة بما جعله الشرع عبرة،
وعلَّق الحكم به، ففي الإمساك العبرة بتبيُّن طلوع الفجر، وليس بطلوعه،
الله ربنا عزَّ وجلَّ يقول: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ } [البقرة:187] ولم يقل: حتى يطلع الفجر،
انظر العبارة، فرق { حَتَّى يَتَبَيَّنَ } [البقرة:187] حتى لو طلع
وأنت ما رأيته ما عليك شيء، لابد أن يتبيَّن؛ ولكن ليس معنى ذلك أني
أقول: اجلس في الحجرة حتى يأتيك النهار؛ لأن هذا الذي يجلس في الحجرة
متى يتبيَّن له الفجر؟ نعم، عند الضحى، أنا قصدي إذا خرجت في مكان ليس
فيه أنوار كهربائية، ولم ترَ الصبح، فكُل واشرب حتى لو أذَّن الناس
كلهم لا يهمك؛ لكن نظراً إلى أن الناس الآن لا يستطيعون أن يخرجوا
لينظروا الفجر، صاروا يعتمدون على الأذان، ولكن الأذان المعتبر هو الذي
يؤذن إذا طلع الفجر، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن بلالاً يؤذن
بليل؛ ليُوْقِظ نائمَكم، ويُرْجِع قائمَكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا
أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ) هكذا قال النبي عليه
الصلاة والسلام.
فالعبرة إذاً بماذا؟ بتبيُّن طلوع الفجر، فلو فُرِض أني أنا في الخارج،
وليس هناك أنوار، وسمعتُ مؤذنين؛ لكن ما رأيت الفجر، وليس هناك مانع
كغيم أو شبهه، فلي أن آكل وأشرب.
غروب الشمس أيضاً، المعتبر غروب الشمس وإلاَّ الأذان؟ غروب الشمس، فإذا
غربت الشمس، وإن لم يؤذن الناس، فكُل واشرب، وإن أذَّن الناس وهي لم
تغرب لا تأكل ولا تشرب؛ لأن بعض الناس قد تغره الساعة مثلاً، أو يرى
الجو قد أظلم، فيظن أن الشمس غربت فيؤذن وهي لم تغرب، لا عبرة به،
المهم أن العبرة بغروب الشمس عند الإفطار، وبتبيُّن طلوع الفجر عند
الإمساك، فإذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس وقبل الأذان فصومها صحيح،
وإن حاضت بعد الأذان قبل غروب الشمس فصومها فاسد، إي نعم.
التقدير الزمني بين
غروب الشمس ووقت صلاة العشاء
السؤال
وهؤلاء مجموعة من النسوة يقلن: نحن نساء نصلي في البيوت، ونجد أن بعض
المؤذنين يؤذنون لصلاة العشاء الساعة الثامنة إلا عشر دقائق، وبعضهم
الساعة الثامنة، وبعضهم الثامنة والربع، بينما وجدنا أن وقت العشاء كما
وضعتموه في تقويمكم الذي وضعتموه على مدار السنة أن وقت العشاء الساعة
السابعة وإحدى وثلاثين دقيقة، فنرجو أن ترشدونا متى دخول وقت العشاء؟
الجواب
وقت العشاء لا يختص بالأذان في الحقيقة؛ لأن وقت العشاء أحياناً في بعض
السنة وفي بعض الفصول يكون بين غروب الشمس ودخول وقت العشاء ساعة وربع
ساعة، وأحياناً ساعة وثلث الساعة، وأحياناً ساعة وخمساً وعشرين دقيقة،
وأحياناً ساعة وثلاثين دقيقة، يختلف، لا يمكن أن يُضبط في جميع الفصول.
أما بالنسبة لرمضان فأنا قرأتُ في الجريدة بالأمس أن المدير العام
لشئون المساجد أمر بأن يكون الأذان في جميع المملكة بعد الغروب
بساعتين، يعني: الساعة الثانية بالغروب، والساعة الثامنة والربع
بالزوال؛ لأن المغرب على ست وربع اليوم هذا، وهو يختلف، فعلى الذي
يمتثل طاعة ولاة الأمور ألا يؤذن إلا بعد الغروب بساعتين، ونحن مأمورون
بطاعة ولاة الأمور، وهو أيضاً في البيان الذي خرج في الصحف، أنا قرأت
في جريدة الجزيرة مبني على فتوى من رئاسة الإفتاء في المملكة العربية
السعودية ، فإذا كان هذا القرار من ولاة الأمور، فإننا مأمورون بطاعتهم
في غير معصية الله، وتأخير العشاء ليس من معصية الله، بل هو من طاعة
الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة متأخراً في صلاة
العشاء، بعد أن رقد النساء والصبيان، نام بعض الناس، فقال: ( إن هذا
لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) صلى الله عليه وسلم.
إذاً: فالتأخير في العشاء أفضل، وفيه طاعة لولاة الأمور، وفيه أيضاً
راحة للناس؛ لأن الناس أكثرهم يتعشى بعد صلاة المغرب، وإذا تعشى يريد
أن يشرب القهوة قليلاً وإذا شرب القهوة يريد أن يتوضأ.
فإذاًَ: تأخير أذان العشاء إلى الساعة الثانية لا شك أنه هو الأفضل
شرعاً وطاعة لولاة الأمور ورفقاً بالناس.
حكم ابتلاع النخامة
في نهار رمضان
السؤال
أشكو كثيراً عندما أصبح صائماً من البلغم، ولا أستطيع إخراجه، فيدخل
إلى جوفي، فما حكمه؟
الجواب
هذه مشكلة، أحياناً يكون عند الناس غلو.
يسأل بعض الناس يقول: دخلت فيه شوكةٌ، وخرجَ منه دم كدم البعوض فقط، هل
يفطِّر؟ ما هو الجواب؟ لا يفطِّر، هو قياساً على ماذا؟ قياساً على
الحجامة، فيقول: هل يفطِّر؟ ويسأل كثير من الناس أيضاً عن دم التحليل،
شيء يسير، يحلَّل الدم ويُختبَر، هل يفطِّر أو لا؟ نقول: ما يفطِّر،
يعني: هذا ليس حجامة، ولا بمعنى الحجامة.
النخامة أيضاً سمع بعضُ الناس أن بعض العلماء قال: إن بلع النخامة
يفطِّر، وبلع النخامة التي قال بعض العلماء: إنه يفطِّر هي: النخامة
التي تصل بنفسها إلى اللسان في الفم، ثم يبتلعها الإنسان، ولا أظن
أحداً يفعل هذا، لا أظن أن أحداً تصل النخامة إلى فمه ثم يبتلعها؛
لماذا؟ لأن النخامة مُسْتَقْذَرة، ما أحد يذهب يبلعها؛ لكن بعض الناس
إذا صارت النخامة في الحلق، وجاءت من الخياشيم وراحت حَدَراً، حاوَل هو
أن يطلِّعها بالقوة فتجده يتنخَّم ويتعصَّر كله لأجل أن تطلع هذه
النخامة البعيدة خوفاً من ماذا؟ من أن يفطر، هذا خطأ، النخامة التي لا
تصل إلى اللسان ليس فيها شيء، خلِّها تروح، ما عليك منها شيء، ولا تفسد
الصوم، لكن هذا من مغالاة بعض العامة، ونحن نشكرهم على احتياطهم لدينهم
يعني: هم يُشكَرون على هذا.
فالذي يذهب إلى احترام الدين وإن أخطأ في المغالاة خير من الذي يتهاون؛
لكن مع ذلك العلم له فضل كبير، نور يهتدي به الإنسان.
فنحن نقول: النخامة أولاً: أنها ليست محل اتفاق بين العلماء.
فإن بعض العلماء يقول: إن النخامة لا تفطِّر حتى لو وصلت إلى الفم
وابتلعها، ردَّها وابتلعها ما تفطِّر، هذه واحدة.
ثانياً: الذين قالوا بأنها تفطِّر يقولون: إن التي تفطِّر هي التي تصل
إلى الفم، ثم يبتلعها، أما شيء من الخياشيم إلى الحلقوم إلى الجوف فهذه
لا تفطِّر إطلاقاً، نعم.
حكم القبلة في نهار
رمضان
السؤال
ما حكم القُبْلة في نهار رمضان، علماً أن الإنسان يقدر أن يضبط نفسه؟
الجواب
نعم، قُبْلة الرجل لزوجته وهو صائم لا بأس بها، هي جائزة.
وإن من العجائب أن بعض الإخوة الذين عندهم قراءة للعلم، وليس عندهم فقه
للعلم، نعم، قالوا: إن قُبْلة الصائم سنَّة، يُسَنُّ أن يقَبِّل
الإنسان امرأته وهو صائم، جعلوها من المستحبات، لماذا؟! قالوا: لأن عمر
بن أبي سلمة سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الصائم يقَبِّل، فقال
النبي عليه الصلاة والسلام: ( سَلْ هذه؟ -يعني: أم سلمة - فأخبرت أم
سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقَبِّل وهو صائم، فقال: يا رسول
الله! أنت لستَ مثلنا، غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر، قال:
إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأتقاكم له ) هذا الحديث أخذ بعضُ
الإخوة منه: أنه يُسن للصائم أن يقَبِّل زوجته اقتداءً بالرسول عليه
الصلاة والسلام؛ ولكنهم أبعدوا النجعة؛ إنما أشار الرسول عليه الصلاة
والسلام إلى أن يسأل أم سلمة ليبين أن هذا جائز، ولهذا قال: ( إني
أخشاكم لله، وأتقاكم له ) يعني: لن أفعل المحرم، ولم يقل: إني
أسْبَقُكُُم إلى الخير، حتى يحث الناس عليه، وهذه من آفة القراءة بلا
فقه.
ولهذا ذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يَرْثِي لهذه الحال،
يقول: [ كيف بكم إذا كثر قُرَّاؤكم، وقلَّ فقهاؤكم؟! ] يعني: يكثر
العلم؛ لكن ما هناك فقه! ما هناك فقه! لهذا أقول: إن القُبْلة للصائم
جائزة ولا بأس بها، وليس فيها حرج، إلا إذا كان الإنسان قوي الشهوة
سريع الإنزال ويخشى أنه إذا قَبَّل يُنزل، فهذا يتجنبها.
صلاة المغرب والعشاء
لا تلزم المرأة إذا طهرت قبل الفجر
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا طهُرَت المرأة قبل صلاة الفجر هل تلزمها صلاة المغرب
والعشاء؟
الجواب
أولاً: إذا طهُرت المرأة قبل صلاة الفجر بعد منتصف الليل، فإنه لا
يلزمها صلاة العشاء، ولا صلاة المغرب.
لماذا؟ لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، بدلالة القرآن والسنة: أما
القرآن: فقد قال الله تعالى: { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } [الإسراء:78] ثم قال: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ
} [الإسراء:78] دلوك الشمس يعني: زوالها، إلى غسق الليل يعني: ظلمة
الليل، وأشد ما يكون الليل ظلمة عند انتصافه، هذه فيها الظهر والعصر
والمغرب والعشاء، ولهذا كانت هذه الأوقات الأربعة كلها متوالية، ليس
بينها فاصل، ثم قال: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } [الإسراء:78] ففصل.
أما السنة فهي صريحة في هذا، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وقت
العشاء إلى نصف الليل ) وهو عليه الصلاة والسلام يعرف ماذا يقول، ويعني
ما يقول وهو أعلم الأمة بشرع الله، وأنصح الأمة، وأعلمهم بما يقول،
أليس كذلك؟ قال: (إلى نصف الليل) ليس هناك حديث يقول: إن صلاة العشاء
إلى طلوع الفجر، أبداً.
الفجر صلاته مستقلة، نصف الليل الأخير يفصل بينها وبين العشاء، ونصف
النهار الأول يفصل بينها وبين الظهر.
على هذا إذا طهُرت المرأة بعد منتصف الليل ليس عليها عشاء ولا مغرب.
وإن طهُرت قبل منتصف الليل وجبت عليها صلاة العشاء دون صلاة المغرب،
وليس هناك دليل لا من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع ولا القياس الصحيح
على أنه يجب عليها صلاة المغرب مع صلاة العشاء، إنما رُوي ذلك عن اثنين
من الصحابة بسند فيه نظر.
فليس هناك في القرآن والسنة والإجماع أنه يجب عليها صلاة المغرب مع
صلاة العشاء إذا طهُرت في صلاة العشاء، ولا صلاة الظهر مع صلاة العصر
إذا طهُرت في وقت العصر، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من أدرك
ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة, ومن أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن
تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) ولم يقل: والظهر، ولو كان إدراكه صلاة
العصر يكون مدركاً لصلاة الظهر لقاله، ولأن المرأة لو حاضت بعد دخول
وقت الظهر لم تلزمها صلاة العصر، ولو حاضت بعد دخول وقت المغرب لم
تلزمها صلاة العشاء.
إذاً: ما الفرق بين الصلاة الأولى والصلاة الثانية؟ حيث نقول: إن طهُرت
في الوقت الثاني لزمتها الأولى، وإن أدركها وقت الأولى لم تلزمها
الثانية؟ هذا خلاف القياس.
الخلاصة -أنا أطلتُ في هذا لأن هذا ينفع طلبة العلم- الخلاصة: أن
المرأة إذا طهُرت من الحيض في وقت صلاة العصر لم يلزمها إلا صلاة العصر
فقط، وإن طهُرت من الحيض في وقت العشاء وهو قبل منتصف الليل لم يلزمها
إلا صلاة العشاء فقط.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
جلسات رمضانية لعام
1411هـ [3]
ذكر الشيخ في هذه المادة الشروط المترتبة على مفسدات الصوم، كالعلم
وضده الجهل، والذكر وضده النسيان، والقصد وضده الإكراه، وأسهب الشيخ في
شرح هذه الشروط، ثم ختم ذلك بأجوبة تتعلق بالموضوع وغيره.
شروط مفسدات الصوم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الموافق للثامن من رمضان عام: (1411هـ)
نتكلم على شروط مفسدات الصوم كما تكلمنا في الدرس الماضي عن المفسدات،
وبينَّا أنها تسعة؛ لكن هذه المفسدات هي محظورات في الصيام، ولا تُفسد
الصومَ إلا بشروط ثلاثة: 1/ العلم.
2/ والذكر.
3/ والقصد.
وذلك لأن المشهور عند أهل العلم أن المحظورات يُعذر فيها الإنسان:
بالجهل.
والنسيان.
والإكراه.
أما المأمورات فإنها لا تسقط بالجهل، والنسيان، والإكراه، بل يفعل
الإنسان ما يقدر عليه، ويتدارك ما يمكنه تداركه.
وهذه القاعدة التي أصَّلها أهل العلم لها دلائل من الكتاب والسنة، وهي
قاعدة مفيدة لطالب العلم.
فمثلاً: الصلاة من باب فعل المأمور أو من باب ترك المحظور؟
الجواب
من باب فعل المأمور.
والفرق بينهما لئلاَّ يشتبه: أن ما طُلب فعله فهو: مأمور، وما طُلب
اجتنابه فهو: محظور.
فالصلاة طُلب فعلها، إذاًَ: هي من باب فعل المأمور، لم تسقط لا
بالنسيان، ولا بالجهل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة
أو نسيها، فليصلِّها إذا ذكرها ) يعني: إذا ذكرها بعد النسيان، وإذا
استيقظ بعد النوم.
النائم تركها بقصد أو بغير قصد؟ بغير قصد، ولم تسقط عنه.
والناسي تركها بغير ذكر، ولم تسقط عنه (فليصلِّها إذا ذكرها).
الجهل: جاء رجل فصلَّى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لا
يطمئن في صلاته، وهو جاهل، لا يعلم أن الطمأنينة ركن، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم له: ( ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ) ولم يعذره بالجهل، بل
كرر ذلك عليه حتى قال الرجل: ( والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا
فعلِّمني، فعلَّمه ).
إذاً: ففعل المأمور لا يسقط بالنسيان، ولا يسقط بعدم القصد، ولا يسقط
بالجهل؛ ولكن يجب أن نعلم أنه يسقط الإثم بالنسيان، والجهل، وعدم
القصد؛ لكن يقارب الإنسان في إيجاد هذا الشيء الذي طُلب منه فعلُه،
واضح يا جماعة؟ فالمحظور إذا فعله الإنسان جاهلاً، أو ناسياً، أو غير
قاصد، فإنه لا يلحقه حكمه، يُعفى عنه نهائياً، كأنه لم يفعله.
ولهذه القاعدة أيضاً دلائل، فاجتناب النجاسة في الصلاة من باب ترك
المحظور؛ لأنه يُقال: اجتنب النجاسة؛ لكن الطهارة من الحدث من باب فعل
المأمور؛ لأنه يقال للمحدِث: تطهَّر، أما النجاسة فالمأمور يعني: يؤمر
باجتنابها، فإذا فعلها الإنسان جاهلاًَ أو ناسياً فلا شيء عليه.
دليل هذه القاعدة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم وعليه
نعلان، وفيهما قذر، وفي أثناء الصلاة جاءه جبريل فأخبره أن فيهما
قذراً، فخلعهما، ومضى في صلاته ) مضى في صلاته.
إذاً: كان أول صلاته متلبساً بمحظور وهو النجاسة، ولم يبطل أول الصلاة،
لماذا؟ لأنه كان جاهلاً، لم يعلم عليه الصلاة والسلام أن في نعليه
قذراً، فعُفي عنه؛ لأنه كان جاهلاً.
حسناً! ترك الأكل والشرب للصائم من باب ترك المحظور، وقد قال النبي
عليه الصلاة والسلام: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما
أطعمه الله وسقاه ) فأسقط عنه حكم هذا المحظور؛ لأنه كان ناسياً.
وهذه القاعدة تنفعك أيضاً في غير العبادات: لو أن الإنسان حلف وقال:
والله لا أدخل بيت فلان، فدخل بيتاً وهو لا يدري أنه بيت فلان، ثم علم
أنه بيت فلان، فهل تلزمه الكفارة؟ لا؛ لأنه كان جاهلاً، لا يعلم أنه
بيته.
ولو قال: والله لا ألبس ثوبي هذا اليوم، ثم نسي فلبسه فليس عليه كفارة؛
لأنه ناسٍ، وبالحلف أصبح فعله محظوراً؛ لأنه ممنوع عليه، ممنوع عليه
باليمين، فإذا فعله فقد فعل محظوراً.
ولو قال لزوجته: إن كلمتِ فلاناً فأنتِ طالق، فنسيَت وكلمَته، فإنها لا
تطلُق، أو كلمت شخصاً لا تعلم أنه فلان، فتبيَّن أنه هو، فإنها لا
تطلق؛ لأنها كانت جاهلة.
فالقاعدة هذه مفيدة لطالب العلم، ويدخل فيها من المسائل ما لا حصر له؛
لكن الإنسان إذا طبقها استراح.
وهناك أدلة منصوصة غير المسائل التي بالاستقراء أخذنا منها الحكم؛ لأن
القواعد تؤخذ أحياناً من الاستقراء، بمعنى: أن الإنسان يجمع مسائل من
السنة أو من القرآن، فتتكون من هذه المسائل قاعدة، وأحياناً تكون
منصوصة عليها.
استمع إلى الآية الكريمة: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا
أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286].
{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب:5].
فنقول: بناءً على هذه القاعدة: يُشترط لإفساد الصوم بالمفطِّرات ثلاثة
شروط: أن يكون عالماً، وضده الجاهل.
وذاكراً، وضده: الناسي.
وقاصداً، وضده: من لم يقصد .
العلم وعدم الجهل
فلو أن الإنسان أكل وهو يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع،
فصومه صحيح؛ لأنه جاهل؛ لكن يجب عليه من حين أن يعلم أن الفجر قد طلع
أن يمسك، حتى لو كانت اللقمة في فمه وجب عليه لفظُها، أو كان الماء في
فمه وجب عليه مَجُّه، ولا يجوز أن يبلع بعد العلم بأن الفجر قد طلع.
مثال آخر: رجل سمع في (الراديو) أذان الرياض ، فظن أنه أذان عنيزة
فأفطر، ثم بعد أن أكل وشرب أذَّن المؤذنون؛ لأن التوقيت بين عنيزة و
الرياض الفرق عشر دقائق تقريباً، أكل وشرب ثم أذن الناس، نقول لهذا
الرجل: صومك صحيح، كيف صومه صحيح وهو أكل قبل أن تغرب الشمس؟ نقول:
لأنه كان جاهلاً، لو علم أن هذا الأذان ليس أذان بلده ما أكل، إذاً: هو
جاهل.
مثالٌ ثالث: رجل احتجم، يظن أن الحجامة لا تفطِّر، يعني: لم يعلم أن
الحجامة تفطِّر، فقيل له: إن الحجامة تفطِّر، بعد أن احتجم، فهل يفطر؟
لا؛ لأنه كان جاهلاً؛ لكن الفرق بين هذا الجهل والجهل في المثالين
السابقين أن الجهل في المثالين السابقين جهل بالحال، والجهل في هذا
المثال الثالث جهل بالحكم، ولا فرق بين الجهل بالحكم والجهل بالحال،
كلاهما يُعذر به، ولا يترتب على الفاعل شيء؛ لأنه جاهل.
مثال رابع: رجل جامع زوجته في نهار رمضان في حال يلزمه الصوم، وهو يدري
أن الجماع حرام، وأنه مفطِّر؛ لكن لم يعلم أن فيه كفارة، نعم، نقول:
صومه فاسد لا شك، لأن عالم أنه يفطِّر؛ ولكن هل تلزمه الكفارة؟ لو قال:
أنا ما علمتُ أن في ذلك كفارة، ولو علمتُ أن في ذلك كفارة ما فعلتُ،
نقول: جهلك بالعقوبة لا يمنع العقوبة، أنت قد علمت أنه حرام، وأنك قد
ارتكبت إثماً، والعقوبة ليست إليك، إلى الله، ولهذا لم يعذر النبي صلى
الله عليه وسلم الرجل الذي جاء إليه وقال: ( يا رسول الله! هلكتُ، قال:
وما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان وأنا صائم ) ثم أمره
بالكفارة، ولم يعذره، مع أن الرجل يعلم عن الكفارة أو لا؟ لا يعلم، جاء
يستفتي.
إذاً: فالجهل بالعقوبة ليس بعذر، تلزمه العقوبة؛ لأنه فعل سبب العقوبة
وهو عالم، وليس معذوراً، فلزمته العقوبة؛ وهي الكفارة.
الذكر وعدم النسيان
ومن شروط مفسدات الصوم الذكر وعدم النسيان.
ونقول: النسيان أيضاً له أمثلة: رجل كان صائماً، فعطش، فشرب ناسياً أنه
صائم، سواءً في الفريضة أو في النافلة، ثم بعد أن شرب ذكر أنه صائم،
فصومه صحيح، وليس عليه شيء.
حسناً! لو رَوِيَ؟ ولو رَوِيَ؛ لكن إذا ذََكََرَ ولو كان الماء في فمه
وجب عليه أن يَمُجَّه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد الذكر؛ لأن العذر زال.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على ما ذكرتم؟ نقول: الدليل على ما ذكرنا
نوعان: عام.
وخاص.
أما العام: فقوله تعالى: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا
أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286] .
هذا يشمل النسيان في الصوم، والخطأ في الصوم، والجهل من الخطأ.
وأما الخاص: ففي الجهل: ما ثبت في صحيح البخاري : عن أسماء بنت أبي بكر
رضي الله عنهما قالت: ( أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم ثم طلعت الشمس ) هكذا قالت.
وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لو كان إفطارهم مفسداً لصيامهم لبيَّنه
النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالقضاء، ولو أمرهم بالقضاء لنُقل
إلينا؛ لأنه إذا أمرهم بالقضاء صار القضاء من الشرع، وإذا كان القضاء
من الشرع فلابد أن يُنقل، وهذه أيضاً من القواعد المهمة لطالب العلم،
أنه إذا لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء فإنه يُعلم أنه ليس
من الشرع؛ لأنه لو كان من الشرع لنُقل؛ لأن الشرع محفوظ؛ كما قال الله
تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ } [الحجر:9] ولا يمكن أن يُنسى، ولما لم يُنقل أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء عُلِم أن القضاء ليس بواجب، إذْ لو
كان واجباً لأمرهم، ولَنُقِل، واضح؟ هذا جهل بالحكم وإلاَّ بالحال؟
بالحال.
الجهل بالحكم: عدي بن حاتم رضي الله عنه أصبح صائماً، وتلا قوله تعالى:
{ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة:187].
أتدرون ماذا صنع؟! أخذ عقالين وهما: الحبلان اللذان تُعقل بهما الإبل،
أسود وأبيض، فوضعهما تحت الوسادة، وجعل يأكل وينظر إلى العقالين، فلما
تبيَّن الأبيض من الأسود أمسك، ظناً منه أن الآية الكريمة يُراد بها
هذا المعنى.
فلما أصبح وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك قال له: ( إن وِسادك
لَعَريض أن وَسِع الخيط الأبيض والأسود ) عريض يعني: واسع؛ لأن الخيط
الأبيض هو: النهار؛ بياض النهار، والأسود: سواد الليل؛ لكن عدياً لم
يتبين له ذلك، فجعل يأكل حتى ارتفع الضياء، ولم يأمره النبي صلى الله
عليه وسلم بالإعادة، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً، ونوع الجهل؟ جهل بالحكم،
فلا يجب القضاء.
القصد وعدم الإكراه
بقي الشرط الثالث ما هو؟ القصد، يمكن أن نستدل عليه بقوله تعالى: {
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب:5] .
وفي قوله تعالى في جزاء الصيد: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ
مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }
[المائدة:95] فإن قوله: { مُتَعَمِّداً } [المائدة:95] يخرج من ليس
بمتعمد، فلابد من القصد.
الذي لا يُقصَد له أنواع: منها: الإكراه: أن يُكره الإنسان على الشيء،
فإذا أكره على الشيء، فإنه لا يلحقه حكم، يعني: يُعفى عنه، والدليل
قوله تعالى في أعظم المحرمات، وهو الكفر: { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ
بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ } [النحل:106] نعم، فهذا يدل على أن المُكرَه على
فعل المحرم معفوٌّ عنه، لا يلزمه شيء.
وبناءًَ على ذلك: لو أن الرجل أكره زوجته الصائمة فجامعها، فإن صومها
صحيح، وليس عليها شيء، وتستمر في صيامها؛ لأنها مكرهة.
ولو أن شخصاً أكره صائماً على أن يأكل، وقال: كُلْ وإلا حبستك، وخاف أن
ينفذ ما قال، فأكل، فليس عليه شيء؛ لأنه مكره.
ولو أن الإنسان تمضمض وهو صائم، فنزل الماء من فمه إلى معدته بدون قصد،
فصومه صحيح؛ لأنه لم يتعمَّد، وقد قال الله تعالى: { وَلَكِنْ مَا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب:5] صومه صحيح.
ولو أن المريض المغمى عليه صُب في فمه ماء من أجل أن يستيقظ، فهل
يُفطر؟ لا.
لماذا؟ لأنه بغير قصد، هو ما قصد؛ لكن صبُّوه عليه، وقال بعض العلماء
في هذه المسألة بالذات: إنه يُفطر؛ لأنه لو كان صاحياً لرضي أن يُعالج
حتى يزول عنه الإغماء؛ لكن المشهور عند الحنابلة رحمهم الله: أنه لا
يفطر بهذا؛ لأنه ليس بقاصد، وإن كان يرضى؛ لكن هو الآن غير قاصد.
فصارت هذه الشروط إذا انتفى واحدٌ منها فإنه لا فطر، والصوم صحيح،
ويبقى الإنسان صائماً، لا ينقص من صيامه شيء.
لو أن شخصاً تطيَّب ببخور، وطار شيء من دخان البخور إلى أنفه، ثم إلى
جوفه بدون قصد، فليس عليه شيء؛ لأنه غير قاصد.
واختلف العلماء رحمهم الله في مسألة، وهي: إذا أكره الإنسان على فعلٍ
محرم: فإذا فعله لدفع الإكراه لا لقصد الفعل فلا شك أنه معذور، ولا
خلاف في ذلك.
لكن إذا فعله لقصد الفعل؛ غاب عن باله أنه يريد دفع الإكراه، فهل يسقط
عنه إثم هذا الفعل أو لا؟ قال بعض العلماء: لا يسقط عنه؛ لأنه نوى
الفعل.
وقال آخرون: بل يسقط عنه؛ لعموم الأدلة الدالة على أنه يُعفى عن
الإنسان في حال الإكراه؛ ولأن العامي لا يفرق بين أن يفعل الشيء لدفع
الإكراه أو يفعله بقصد فعله.
مثال ذلك: جاء شخص إلى عامي وأكرهه على أن يُفطر وهو صائم، قال: لازم
تفطر وإلا، يهدِّده، فأخذ الماء وشرب، قصَد شُرب الماء؟ نعم قاصد، قصَد
شُرب الماء، هذا واحد.
ثانياً: عامي أكرِه على أن يُفطر وهو صائم، فأخذ الماء فشربه دفعاً
للإكراه، لا قصداً للشرب.
الثاني: لا يفطر، لا إشكال فيه، قول واحد؛ لأنه ما قصد الفعل، قصد دفع
الإكراه.
والأول: فيه خلاف: فمنهم من قال: إنه يؤاخذ لأنه قصد الفعل.
ومنهم من قال: لا يؤاخذ لأنه وإن قصد الفعل فهو مكره على الفعل.
وهذا الأخير أصحُّ، ما لم يتناسى الإكراه نهائياً، ويعتمد على أنه
سيعمل هذا المُكرَه عليه، فإنه حينئذٍ لا شك أنه اختار.
فالأحوال إذاً ثلاثة: أن يقصد دفع الإكراه دون الفعل، فهذا لا إشكال
أنه لا حرج عليه.
الثاني: أن يقصد الفعل؛ لكن من أجل الإكراه؟ ففيه خلاف، والصحيح: أنه
لا حرج عليه.
الثالث: أن يقصد الفعل متناسياً للإكراه؛ يعني: كأنه يقول: لما
أُكرِهتُ أريد أن أفعل إذاًَ، ويفعله اختياراً، فهذا لا شك أنه عليه
الحرج، وعليه حكم هذا الفعل.
وإلى هنا ينتهي الكلام على المفطِّرات، وقد عرفنا شروطها، ومعرفة
الشروط مهمة، وأخذنا من هذا التقرير قاعدتين مهمتين، وهما: أن فعل
المأمور لا يسقط بالجهل، والنسيان، وعدم القصد.
بخلاف ترك المحظور، إذا فعل الإنسان المحظور جاهلاً، أو ناسياً، أو غير
قاصد، فلا شيء عليه.
والله الموفق.
الأسئلة
ما يترتب على الصائم
من أحكام إذا أكل أو شرب عامداً
السؤال
ما هي الأحكام المترتبة على من أكل أو شرب عامداً؟
الجواب
إذا أكل الإنسان في نهار رمضان عامداً، ترتب عليه أربعة أحكام، لزمه
الإمساك، وترتب عليه الإثم، ووجوب القضاء، وفساد الصوم ولا كفارة.
يعني: كله ما فيه كفارة إلا الجماع في نهار رمضان، في حال تجب فيه.
حكم من أدركه الفجر
في رمضان وهو جنب
السؤال
قرأتُ في أحد الكتب تحت موضوع: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صوم
رمضان: أن من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدركه الفجر وهو جنُب من
أهله، فهل هذا صحيح؟
الجواب
صحيحٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنُب من أهله،
ويصبح صائماً، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا في القرآن، فقال: {
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ } [البقرة:187] أي: بالجماع: { وَابْتَغُوا مَا
كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }
[البقرة:187].
فإذا أبيح للإنسان أن يجامع إلى أن يتبين الصبح لزم من ذلك ألا يغتسل
إلا بعد تبيُّن الصبح، وهذا يدل على أن الإنسان يجوز أن يصبح جنباًَ
وهو صائم، وكذلك يجوز للمرأة إذا طهرت من الحيض قبل طلوع الفجر أن تنوي
الصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لأن الحائض إذا طهرت من الحيض
قبل اغتسالها، فإنها تشبه الجنب، فيجوز لها أن تنوي الصيام ولو كانت لم
تغتسل، وتغتسل بعد طلوع الفجر.
حكم الشرب عند سماع
أذان الفجر في رمضان
السؤال
رجل يستيقظ من النوم مع الأذان الأخير، وعندما يسمع: (الله أكبر) يشرب،
وهذا الشيء قد اعتاد عليه، فهل صومه صحيح؟ أفتونا.
الجواب
أما صومه فصحيح، وأما عادته فسيئة، والذي ينبغي للإنسان: أن يحتاط
لدينه، وألا يؤذن الفجر إلا وقد انتهى من كل شيء، لاسيما إذا كان
المؤذن يتحرى ولا يؤذن إلا بعد أن يتيقن طلوع الفجر، فإن الواجب عليه
الإمساك، ولا ينبغي للإنسان أن يتهاون، الفرق دقيقة أو دقيقتان.
والعجب أن بعض الناس إذا أذَّن أكلَ وشربَ وأفتى لنفسه بأنه ما دام
المؤذن لم يكمِّل الأذان فله أن يأكل ويشرب، ولكن هذا ليس بصحيح، إذا
كان المؤذن لا يؤذن إلا بعد طلوع الفجر وجب الإمساك من حين أن يسمع
المؤذن.
غاية ما هنالك أنه جاء في مسند الإمام أحمد : أنه إذا سمع الإنسانُ
المؤذنَ والإناء في يده فلا بأس أن يشرب، ما دام الإناء في يده، قد
تهيأ للشرب، فليشرب، هذا أبلغ ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في
هذه المسألة.
حكم من نام عن صلاة
العصر
السؤال
هل يجوز للشخص أن ينام إذا أتى من العمل عن صلاة العصر، مع العلم بأنه
ينام قبل الأذان بنصف ساعة، وهو يأتي متعباً، فهل يدخل في حكم تارك
الصلاة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
هو لا يدخل في حكم تارك الصلاة، ولكن يجب عليه إذا نام قبل الوقت بنصف
ساعة أن يجعل من ينبهه من أهله، أو ساعة منبهة، أو ما أشبه ذلك، فإن لم
يمكن هذا، بأن كان أهله مثله ينامون، والساعة المنبهة لا تؤثر فيه
شيئاً فعليه قضاء صلاة العصر وألا ينام قبل الصلاة، أما أن ينام عن
صلاة العصر، وصلاة العصر هي أعظم الصلوات وأهمها، هي المذكورة في قوله
تعالى: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى }
[البقرة:238] وهي: صلاة العصر، التي قال فيها النبي عليه الصلاة
والسلام في غزوة الأحزاب، يقول عن الكافرين: ( ملأ الله قبورهم وبيوتهم
ناراً، شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر ) هي التي قال فيها النبي
عليه الصلاة والسلام: ( من ترك صلاة العصر، فكأنما وُتِر أهله وماله )
أي: كأنما فَقَد أهلَه ومالَه، إذا فُقِد الأهلُ والمالُ من شخص، تجد
الناس يأتون إليه زرافات يعزونه؛ لكن الذي يترك صلاة العصر من يقول له:
عظَّم الله أجرك، وأحسن عزاءك بترك صلاة العصر، يَقِلُّ مَن ينتبه
لهذا.
إذاً: فأنا نصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله عزَّ وجلَّ، وألا يُضِيْع
صلاة العصر، ولا غيرها من الصلوات، والإنسان الحريص بإمكانه أن يعمل
الأسباب التي تؤدي إلى تدارك هذا الشيء.
حكم من استمر حيضها
في رمضان أكثر من خمس عشرة يوماً
السؤال
امرأة تقول: لقد حضت قبل رمضان بعشرة أيام، وما زال الدم يخرج مني حتى
الآن، ولقد يئستُ من كثرة الغسل، فهل إذا خرج الدم في نهار رمضان أفطر
أم لا؟ وهل علي فعل الصلاة؟
الجواب
الذي يظهر أن هذا الدم إذا كانت المرأة لا تستعمل الحبوب أن هذا
استحاضة، فإذا تجاوز خمسة عشر يوماً فلتغتسل ولتصلِّ ولتصم حتى يأتي
دور الحيض العادي، ثم تجلس عادتها، أما قبل الخمسة عشر فإنها تبقى لا
تصلي ولا تصوم حتى تطهُر.
حكم من أفطر في
رمضان ثم شك في عدد أيام فطره
السؤال
أفطرتُ في رمضان لعذر، فشككتُ في عدد الأيام، فماذا أفعل؟ جزاكم الله
خيراً.
الجواب
خذ بالأنقص، يعني: إذا كنت قد أفطرت لعذر في رمضان، ويعني بذلك -والله
أعلم- رمضان الماضي، ولم تعلم عدد الأيام التي أفطرتها، فخذ بالأنقص،
فإذا كنت تشك هل أفطرت ثلاثة أيام أو أربعة فاجعلها ثلاثة، خذ بالأنقص،
لماذا؟ لأن الأصل عدم الإفطار، فأنت إذا لم تتيقن أنك أفطرت أربعة أيام
فإنه لا يلزمك إلا ما تيقنت وهو الثلاثة.
حكم تلبية المحرم
للعمرة
السؤال
رجل سافر إلى مكة بهدف العمرة، وقام بجميع الأعمال التي يُشرع للمعتمر
فعلها من غسل، ولبس للإحرام، ونزول إلى الحرم، وأكمل عمرته، لكنه لم
يقل وهو في الميقات: لبيك عمرة، فما عليه؟
الجواب
الصحيح أن التلبية ليست بواجبة، وليست بركن، وإنما هي سنة، فإذا لم
يلبِّ الإنسان في حجه أو في عمرته، فإن نسكه تام، بمعنى أنه صحيح، وإن
كان لا شك أنه ناقص بفوات هذه السنة؛ ولكنه لا يقال: إنه ليس بصحيح.
فالرجل المعتمر الذي ذكر عن نفسه ما سمعتموه نقول له: إن عمرتك صحيحة،
وليس عليك إثم.
من قال إنها مثل تكبيرة الإحرام؟ أنا أشرتُ إلى أنها ليست بركن ولا
واجبة.
لزوم تأخير أذان
العشاء وتوحيده
السؤال
تكلمتم في الجمعة الماضية عن أذان العشاء، وأن الذي ينبغي تأخيره، ومع
هذا ما زال بعض المؤذنين يؤذن قبل الوقت المحدد بعشر دقائق، فلماذا لا
يكون هناك إلزام للجميع من الجهة المسئولة؟
الجواب
هذا السؤال ينبغي أن يوجه إلى الجهة المسئولة، ما دام يقول: لماذا لم
يكن إلزاماً من الجهة المسئولة، فيوجَّه إلى الجهة المسئولة.
وربما هؤلاء الإخوة المؤذنين الذين يؤذنون قبل الساعة الثانية، أو قبل
مضي ساعتين من الغروب، ربما أنهم ما علموا بقرار الحكومة، أو ما علموا
بما ذكره الخطباء في هذا البلد، لا أدري.
على كل حال: الأَولى كما قال السائل أن توحَّد المساجد، وأن يكون
الأذان كما قرر ولاة الأمر بعد الغروب بساعتين، ومن سمع منكم مؤذناً
فليتصل به وليخبره، ربما يكون ناسياً، وربما يكون جاهلاًَ لم يعلم.
حكم من أصيبت إصبعة
فمسح على قدمه كلها
السؤال
لقد حصل لي قبل صلاة يوم الجمعة قبل الماضية أن أصيب أحد أصابعي
بإصابة، وعلى إثر ذلك عُمل له لفافة على الإصبع فقط، ومنذ ذلك الحين
وأنا أمسح على ظهر القدم عند كل صلاة، على صفة المسح على الجوارب، وليس
عليها جوارب، فهل عملي صحيح؟ فإن كان غير صحيح فما حكم عملي ذلك؟ وما
حكم الصلوات التي صليتُها؟
الجواب
هذا السؤال ينبني على القاعدة التي قررناها قبل قليل، وهي: أنها من باب
فعل المأمور، وعلى هذا فيلزمه أن يعيد الصلوات التي صلاها بهذا الطهور؛
لأن طهارته غير صحيحة، إذ أن الإنسان إذا لف على إصبعه خرقة فإنه يغسل
بقية العضو.
فيجب على هذا الأخ السائل أن يغسل قدمه كلها إلا الملفوف عليه فيجزئه
أن يمسح عليه.
وعليه: فنقول له: أعد صلواتك الماضية.
حكم إخراج زكاة
الفطر لمن هو في غير بلده
السؤال
أنا من مصر ، وأعمل بـ المملكة ، وأعول أسرة تجب عليَّ نفقتها، هل أخرج
زكاة الفطر عني وعنهم هنا بـ المملكة ؟ أم عن نفسي ويخرجون عن أنفسهم
هناك؟ أو يخرجون عني وعنهم في الوطن الأصلي؟
الجواب
الأَولى أن تخرج أنت عن نفسك هنا؛ لأن الفطرة تابعة للبدن، وأن يخرجوا
هم عن أنفسهم هناك، هذه هي القاعدة، أن زكاة الفطر تتبع البدن، وزكاة
المال تتبع المال، فلو فرضنا أن رجلاًَ في بلد، وماله في بلد آخر
يُتَّجَر فيه، فإنه يخرج زكاة المال في البلد الآخر، لا في بلده هو،
وأما زكاة الفطر ففي بلده هو؛ لأن هذه هي قاعدة الفقهاء رحمهم الله،
على أن زكاة المال تتبع المال، وتُخرج في البلد الذي فيه المال، وزكاة
الفطر تتبع البدن، وتُخرج في البلد الذي فيه الإنسان.
حال حديث: (من أفطر يوماً من رمضان ...)
السؤال
مَن أفطر متعمداً نطالبه بالقضاء، وقد ورد حديث: ( من أفطر يوماً من
رمضان عامداًَ متعمداً فلو صام الدهر كله ما قضاه ) أو كما ورد في
الحديث، نرجو التوضيح؟
الجواب
هذا الحديث ضعيف عند كثير من أهل العلم، وإذا كان ضعيفاً، فإننا نرجع
إلى القاعدة الأصلية: أن الإنسان إذا أفسد عبادته لزمه قضاؤها، كما أن
الإنسان لو كان يصلي ثم أفسد صلاته لِحَدَثٍ، أو ضَحِكٍ، أو أَكْلٍ، أو
شُرْبٍ، لزمه أن يقضي هذه الصلاة، كذلك الصوم إذا أفسده فإنه يلزمه أن
يقضيه، بخلاف الرجل الذي ترك الصيام أصلاً، لم يصُم أصلاً، فإن جمهور
العلماء يقولون: يجب عليه القضاء، والصحيح: أنه لا يجب عليه القضاء، لا
رحمة به أو تخفيفاً عنه؛ ولكن لأن صيامه بعد زوال الوقت لا ينفعه، ولا
تبرأ به ذمته، فلا نلزمه بشيء لا ينفعه.
حكم من نوى في سفره
جمع تأخير فوصل والإمام في الصلاة الثانية
السؤال
سائل يقول بأنه سيذهب إلى العمرة قريباً، ولكن يريد أن يعرف حكماًَ من
أحكام الصلاة في السفر، وهو: أنه عندما يصل إلى مكة ينوي جمع تأخير،
وقد وصل في وقت الصلاة الثانية، فماذا يفعل؟
الجواب
إي نعم، يعني: أن هذا المسافر نوى جمع التأخير فوصل إلى مكة ووجدهم
يصلون صلاة العشاء، وهو لم يصلِّ المغرب ولا العشاء فماذا يصنع؟ نقول:
ادخل معهم في صلاة العشاء وأنت بنية المغرب، فإن دخلت في أول ركعة فإن
الإمام إذا قام إلى الرابعة لا يمكنك متابعته فما تصنع؟ تجلس وتقرأ
التشهُّد وتسلِّم، وتدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن دخلت
مع الإمام في الركعة الثانية فإنك تسلم معه، وإن دخلت معه في الركعة
الثالثة تأتي بعد سلامه بركعة، وإن دخلت في الرابعة تأتي بعد سلامه
بركعتين، إي نعم، هذا هو أصح ما قيل في هذه المسألة، وهو اختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الأحكام الخاصة
والمشتركة بين الرجل والمرأة في العبادات
السؤال
هل المرأة كالرجل بالنسبة لصلاة السنن الرواتب، والوتر، وصلاة الضحى،
والجلوس في المسجد بعد الفجر حتى تطلع الشمس يعني: في مصلاها، وضحوا
ذلك وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الأصل أن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية، إلا ما دل الدليل
على أنه خاص بالرجال فيختص بهم، أو أنه خاص بالنساء فيختص بهنَّ، فصلاة
الجماعة مثلاً قام الدليل على أنها خاصة بالرجال، هم الذين تلزمهم صلاة
الجماعة، وأن يصلوا في المساجد، أما المرأة فلا تلزمها صلاة الجماعة،
لا في المسجد مع الرجال، ولا في بيتها، بل إن بيتها أفضل لها من حضور
الجماعة مع الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا
إماءَ الله مساجدَ الله، وبيوتُهنَّ خير لهنَّ ) وهذه الجملة الأخيرة،
وإن لم تكن في الصحيحين لكنها صحيحة، ( بيوتهن خير لهنَّ ).
وعلى هذا فنقول: المرأة كالرجل في جميع الأحكام، فإذا كانت مسافرة
فإنها تفعل كما يفعل الرجل، بمعنى أنها لا تصلي راتبة الظهر، ولا راتبة
المغرب، ولا راتبة العشاء، والباقي من السنن تفعلها، كما أن الرجل يفعل
كذلك.
أما بالنسبة لجلوسها في مصلاها في البيت حتى تطلع الشمس وتصلي ركعتين
لتدرك العمرة والحجة كما جاء في الحديث الذي اختلف العلماء في صحته
فإنها لا تنال ذلك؛ لأن الحديث: ( من صلى الصبح في جماعة ثم جلس )
والمرأة ليست ممن يصلي الصبح في جماعة، وإذا صلت في بيتها فإنها لا
تنال هذا الأجر؛ لكنها على خير، إذا جلست تذكر الله، تسبح، تهلل، تقرأ
القرآن؛ حتى تطلع الشمس، ثم إذا ارتفعت الشمس صلت ما شاء الله أن تصلي
فهي على خير.
حكم من فعل ذنباً في رمضان
السؤال
فعلتُ ذنباً في رمضان فهل يبطل صيامي أم لا؟
الجواب
لا نعلم عن هذا الذنب، هل هو يُبطل الصوم أو لا! إنما إذا كان هذا
الذنب من مفسدات الصوم، فإنه يبطل صومه، وقد ذكرنا المفسدات فيما سبق
في درس من الدروس.
أما إذا كان معصية لا تتعلق بالصيام فإنها لا تفسد الصوم، مثل: أن
يغتاب الإنسان إخوانه المسلمين في نهار رمضان وهو صائم، هذا ذنب، كبيرة
من الكبائر؛ ولكنه لا يفسد الصوم؛ إنما ينقِّص الصوم.
حكم من نوى العمرة
ثم تجاوز الميقات إلى ميقات آخر فأحرم منه
السؤال
نوينا العمرة من القصيم ، وذهبنا من طريق المدينة ، ومررنا بالميقات
ولم نحرم، ثم ذهبنا إلى جدة ، وجلسنا فيها أربعة أيام، ثم ذهبنا إلى
الطائف وأحرمنا منه، فهل عمرتنا صحيحة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نعم، عمرتهم صحيحة؛ ولكن على كل واحد منهم فدية، أعني: دماً يُذبح في
مكة ، ويوزَّع على الفقراء، وذلك لأنهم تركوا واجباً من واجبات العمرة،
وهو الإحرام من الميقات؛ لأنهم لما مروا بـ ذي الحليفة صار ميقاتهم ذا
الحليفة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هُنَّ لَهُنَّ، ولمن
أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن يريد الحج أو العمرة ).
وكأنهم هم ذهبوا إلى السيل ؛ لأن السيل ميقات أهل نجد ، ومنهم: أهل
القصيم ، فظنوا أنهم إذا ذهبوا إلى السيل ذهبوا إلى ميقاتهم الأصلي،
فكفى عن الميقات الفرعي، الذي هو ذو الحليفة ، وهذا وإن كان بعض
العلماء رخَّص فيه؛ لكنه قول ضعيف، مخالف لظاهر الحديث؛ فإن الرسول
عليه الصلاة والسلام جعل المواقيت أصلي، وفرعي: الأصلي: ما حدده الرسول
عليه الصلاة والسلام: لأهل المدينة : ذو الحليفة .
ولأهل الشام : الجحفة .
ولأهل اليمن : يلملم .
ولأهل نجد : قرن المنازل .
ولأهل المشرق: ذات عرق .
هذه المواقيت أصلية لأهل هذه البلاد؛ لكن قال في حديث ابن عباس : (
ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ) فكان ميقات النجدي إذا مرَّ بـ ذي
الحليفة هو ذو الحليفة ، ولابد.
كيفية قص المرأة
شعرها إذا اعتمرت
السؤال
امرأة تسأل عن الشعر إذا كان بأطوال مختلفة، فهل عليها التقصير من جميع
الطبقات، أم تكفي الطبقة الأخيرة وهي الأطول؟
الجواب
يقول العلماء: إن المرأة يجب عليها أن تقصر من كل قرن أنملة، القرن
يعني: الجديلة، ومعروف أن الجدائل تختلف في الطول والقِصَر.
وعلى هذا: فإذا كان الرأس مختلفاً؛ بعضه طويل، وبعضه قصير، فعليها أن
تقص من كل شيء منه مقدار أنملة.
حكم المريض الذي لا
يرجى برؤه وعليه صوم من رمضان
السؤال
هناك رجل مريض له تقريباً ثمانية أشهر، ومرضه لا يُرجى برؤه، فما
الحكم؟
الجواب
الحكم بالنسبة للصوم أن يكفِّر بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً، إذا كان لا
يمكنه أن يصوم.
أما بالنسبة للصلاة فنقول له: في الفريضة صلِّ قائماً، فإن لم تستطع
فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْب.
جواز طواف الوداع
قبل صلاة الفجر لمن عزم الخروج من مكة بعد الفجر
السؤال
إذا كنتُ أريد أن أسافر من مكة بعد صلاة الفجر مباشرة، فهل يجوز لي أن
أطوف طواف الوداع قبل صلاة الفجر، أرجو توضيح الأفضلية؟
الجواب
إذا كان الإنسان يريد أن يغادر مكة بعد الصلاة مباشرة، وطاف قبل الصلاة
مباشرة فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَفَل راجعاً من
الحج وطاف بالبيت طواف الوداع صلَّى الفجر في المسجد الحرام، ثم ركب،
فدلَّ هذا على أن حيلولة الصلاة بين سفر الإنسان وطواف الوداع لا تؤثر؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
أما لو طاف مبكراً في آخر الليل، وبقي بعد الطواف لمدة ساعة أو نصف
ساعة، ثم أذن، ثم صلى الفجر، فلابد أن يعيد الطواف؛ لأن الطواف لابد أن
يكون آخر شيء، إلا أنه إذا حانت صلاة فريضة، أو شراء شيء في طريقه؛
حاجة في طريقه يشتريها، أو عرَّج على بيت لأقاربه أو أصدقائه وتغدَّى
أو تعشى ومشى، كل هذا لا يضر.
حكم الذهاب إلى
العمرة وترك الوظيفة أو إمامة المسجد
السؤال
أسئلة كثيرة حول موضوع الإجازة الاضطرارية لمن يريد العمرة أو غير ذلك؟
الجواب
على كل حال كلمة اضطرار تعني: أنه لابد من ضرورة، والعمرة ليست ضرورة
أبداً، حتى لو كانت فريضة والإنسان موظف فإنها لا تجب عليه؛ لأنه مشغول
بوظيفة، فكيف وهي تطوُّع.
وكذلك أيضاً بالنسبة لأئمة المساجد، هؤلاء الذين يذهبون إلى العمرة
ويَدَعون مساجدهم، هم في الحقيقة كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً، يذهبون
إلى التطوع ويَدَعون الواجب، وهذا من قلة الفقه، عندهم رغبة في الخير
ولا شك، ولم يحملهم على هذا إلا رغبة الخير؛ لكن عندهم قصور في الفقه،
لا يعرفون ولا يميزون بين الأمور؛ لأن بقاءهم في عملهم الذي يؤدون فيه
واجباً أفضل من ذهابهم إلى العمرة؛ لأن البقاء في العمل من باب
الواجبات، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله قال: ( ما تقرَّب إليَّ
عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه ).
فالإجازة الاضطرارية إذا أخذنا مدلول هذه الكلمة صار معناها أنها لا
تحل إلا عند الضرورة، كإنسان مريض أو إنسان يريد أن يصاحب مريضاً ليس
له أحد يمرضه إلا هو، أو ما أشبه ذلك، هذا فضلاً عما اطلعنا عليه من
الكتاب الصادر من ديوان الخدمة بأن السفر للعمرة أو الاعتكاف في
المساجد، وترك الواجب على الموظف غير مسموح به، نصاً، يعني: نصوا على
العمرة؛ لأنه كثر التشاغل بها، ونصوا على الاعتكاف؛ لأنه كثر الاعتكاف
من بعض الموظفين يعتكفون من أول العشر قبل أن تبدأ الإجازة، ويدعون
أعمالهم، ونص ديوان الخدمة على أن هذا ممنوع، ولا يعتبر ضرورة.
كيفية زكاة المال
الذي ساهم به صاحبه
السؤال
لديَّ مبلغ من النقود في البنك، وأخرج زكاته في رمضان من كل عام، وفي
شهر ذي القعدة من العام الماضي وضعتُ جزءاً منها في مساهمة في أرض،
وحتى الآن لم تنتهِ المساهمة، فهل عليها زكاة؟ جزاكم الله خيراً عنا
وعن المسلمين!
الجواب
الإنسان إذا وضع شيئاً من الدراهم في مساهمة أرض يريد بها التجارة
والكسب فإن الحول الأول لا ينهدم، يعني: أن حول هذه التجارة ينبني على
حول الدراهم، فمثلاً: إذا كان قد اشتراها في ذي القعدة، لا نقول: انتظر
في زكاتها حتى يأتي شهر ذي القعدة، بل نقول: أخرج زكاتها مع زكاة مالك
في رمضان، وإن كانت الأرض لم يتم عليها الحول؛ لأن عروض التجارة ينبني
بعضُها على بعض، والمعتبر: الأول، وإلا لكان الرجل الذي يكون دائماً
يحرِّك تجارته لا يجب عليه الزكاة مثلاً؛ لأن كل أمواله ما يتم عليها
الحول، أو كثيراًَ من أمواله لا يتم عليها الحول.
والحاصل: أن هذه ينبغي لطالب العلم وغير طالب العلم أن ينتبه لها: أن
عروض التجارة ينبني حولها على ماذا؟ على الأصل، فمثلاً: لو كان عندي
مال دراهم تحل زكاتها في رمضان، وفي شعبان اشتريت بهذا المال سلعة
للتجارة، متى أزكي هذه السلعة؟ في رمضان، يعني بعد شهر واحد؛ عروض
التجارة كما قلتُ لكم يُبنى فيها الحول على الأصل.
وإلى هنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جلسات رمضانية لعام
1411هـ [4]
إن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، جاءت في القرآن مقرونة
بإقامة الصلاة وكذلك في سنة المصطفى، مما يدل على أهمية الزكاة، ولذلك
جاء الوعيد الشديد، والتوعد بالعذاب الأليم في كتاب الله وسنة رسوله
لمن لم يؤد الزكاة، سواء كان ذلك جاحداً لفرضيتها أو ممتنعاً عن أدائها
بخلاً منه وتهاوناً، وقد بين الله على لسان رسوله المال الذي تجب فيه
الزكاة، فليتعلم المسلم أمر دينه حتى يلقى الله على بصيرة.
تعظيم ركن الزكاة في
الشرع
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد انتهى ما أردنا أن نتكلم فيه فيما يتعلق بالصوم.
أما الآن فنتكلم في هذه الليلة وهي: الليلة العاشرة من شهر رمضان عام:
(1411هـ) نتكلم عن الزكاة، والزكاة أَوْكد من الصيام، لكن لما كان
الصيام يختص بهذا الشهر بدأنا به قبل الزكاة، وإلا فإن الزكاة باتفاق
المسلمين أَوْكد من الصيام.
والعجب أننا لو رأينا شخصاًَ مفطراً يوماً من رمضان؛ لأنكرنا عليه أشد
الإنكار، ولو رأينا رجلاً لا يزكِّي لم يكن عندنا ذاك الإنكار الذي
ننكره عليه إذا لم يصُم يوماً من رمضان! وهذا من قلب الحقائق، وعدم
الفقه.
لو رأينا شخصاً أفطر يوماً من رمضان، وشخصاًَ آخر لم يصلِّ العصر
لأنكرنا على الأول أشد من إنكارنا على الثاني! وهذا أيضاً من قلة
الفقه، وعدم الوعي، صلاة واحدة يتركها أشد من يوم واحد يتركه من رمضان،
بل أشد من رمضان كله على رأي بعض العلماء الذين يقولون: إن الإنسان إذا
ترك صلاة واحدة كفر، وارتد عن الإسلام، أعرفتُم؟ الزكاة قرينة الصلاة
في كتاب الله، ما أكثر الآيات التي يقول الله فيها: { أَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ } [الحج:41] { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ } [البقرة:43] وهي حق المال.
وقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مَن منعوا الزكاة، قاتلهم حتى يؤدوها،
ولما رُوْفِع في ذلك قال: [ والله لو منعوني عَناقاً -وهي: الصغيرة من
المعز- أو قال: عقالاً -وهو: ما تُقَيَّد به البعير- كانوا يؤدونه إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك ].
انظر عِظَم الزكاة! وكثير من الناس اليوم يبخلون بها .
حكم تارك الزكاة
والوعيد الشديد المترتب عليه
فالزكاة إذاً أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهي قرينة الصلاة في
محكم القرآن.
ومن جحد وجوبها وهو بين المسلمين كان كافراً خارجاً عن الإسلام، نعوذ
بالله.
ومن منعها بخلاً مع إقراره بوجوبها فللعلماء في تكفيره قولان، هما
روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل : رواية يقول: هو كافر، إذا تركها
بخلاً.
ورواية أخرى يقول: هو مسلم.
والراجح: أنه مسلم؛ لأنه ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة؛ لكنه
والعياذ بالله يعرِّض النفس للعقوبة العظيمة التي ذكرها الله في
الكتاب، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة.
ففي الكتاب: يقول الله عزَّ وجلَّ: { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ
بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ } [آل عمران:180] الذي يبخل بما آتاه الله يظن
أن هذا خيراً، أن ماله لا ينقص، فمثلاً: مائة ريال فيها من الزكاة كم؟
ريالان ونصف، إذا أخرج ريالين ونصف من مائة بقي سبعة وتسعون ونصف،
يقول: هذا نقص، إذا خَلِّها تبقى من أجل أن يبقى مالي غير ناقص، فيظن
أن ذلك خيراً؛ ولكن الله يقول وهو أصدق القائلين: { بَلْ هُوَ شَرٌّ
لَهُمْ } [آل عمران:180] شر في الدنيا، وفي الآخرة: أما في الدنيا: فإن
الإنسان أخل بركن من أركان الإسلام، وعرَّض ماله للنقص والآفات التي
تأكله، رغماً عن أنفه، ربما يُسلَّط على هذا الرجل آفات في ماله؛
احتراق، أو غرق، أو سرقة، أو ظلم من الولاة، أو غير ذلك، فيهلك المال،
وربما يُصاب هذا الإنسان بمرض يجعله يضطر إلى أن يطرق باب كل بلد
ومدينة من أجل الشفاء، وهذا أمر مشاهَد، هذا شر الدنيا، وإذا تخلف شر
الدنيا جاء شر الآخرة، ما هو؟ استمع: { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [آل عمران:180] هذا المال الذي بخلوا به
يطوَّقون به يوم القيامة.
يطوقون به يوم القيامة قلائد؟ زينة؟ أجيبوا.
لا.
ليس قلائد زينة، يطوق به كما فسره النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال:
( من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً
أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه، يقول: أنا كنْزُك، أنا مالُك ) أعوذ
بالله، هذا التقليد.
الشجاع: قال العلماء هو: الذكر العظيم من الحيات، والغالب أن ذكور
الجنس أقوى من إناثه في كل ذوات الأرواح، أن الذكور أقوى من الإناث.
أقرع: قال العلماء: يعني: ليس في رأسه شعر، أقرع، ونحن نعرف الأقرع
الرأس يعني: الذي ليس عليه شعر، لماذا؟ قالوا: من كثرة السم، والعياذ
بالله.
( له زبيبتان ): الزبيبتان: غدتان في رأسه، مملوءتان من السم.
( يأخذ بلهزمتيه ) : يعني: شدقيه.
( يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك ): عذاب بدني، وعذاب قلبي.
العذاب البدني: بماذا؟ نسأل الله العافية بأنه يعض شدقيه؛ لأن الشدق هو
الذي يدخل منه الأكل، أكل المال يكون من طريق الشدقين، فهذان الشدقان
اللذان هما طريق الأكل يأخذ بهما هذا الشجاع الأقرع.
هذا عذاب بدني.
العذاب القلبي: ما هو؟ ( يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك ) لأنه إذا سمع
هذا الكلام سوف يمتلئ قلبه غماً وحزناً، أن بخل بماله حين كان قادراً
على إنفاقه، والآن يقدر وإلاَّ لا؟ ما يقدر: { إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ
مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا
تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } [المائدة:36] ما ينفعه الآن، فتجد قلبَه يمتلئ
حسرة وندماً على ما حصل منه من هذا البخل، اللهم قِنا شُحَّ أنفسنا.
أما الآية الثانية فقال الله تعالى فيها: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
} [التوبة:34-35] في هذه الآية -أيضاً يا إخواني- فيها عذابان: عذاب
بدني، وعذاب قلبي.
البدني: { فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ }
: الجباه: من الأمام، والظهور: من الخلف، والجُنوب: من اليمين والشمال،
من كل ناحية -والعياذ بالله-: { فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ
وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } هذا عذاب بدني.
والعذاب القلبي: { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ } توبيخ، تقريع،
تنديم والعياذ بالله.
{ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ
تَكْنِزُونَ } تصوَّر ماذا يكون قلبه والعياذ بالله! يتقطع حسرات؛
ولكن: { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [سبأ:52]
لا يمكن الآن -نسأل الله العافية- انتهى كل شيء.
وقد جاءت السنة بتفسير هذا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام حين أخرجه
مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقَّها -وحقُّها أعظمُه:
الزكاة- إلا إذا كان يوم القيامة صُفَّحَت له صفائح من نار، وأُحمي
عليها في نار جهنم ...) صفائح يجوز فيها إعراباً وجهان: الأول: النصب.
والثاني: الرفع.
صُفِّحَت يعني: الذهب والفضة.
أو صُفِّحَت صفائحُ من نار: ( .
فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهره -جنبُه: يريد
جنبيه؛ لكنه مفرد مضاف، فيكون ماذا؟ عامَّاً، حسناً!- كلما بردت أعيدت
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد -وهو في هذا
العذاب والعياذ بالله- ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار )
هذا بيَّن كيف يُكوى بها.
حسناً! نار الآخرة أعظم من نار الدنيا، فُضِّلت عليها بكم؟ بتسعة وستين
جزءاً، يعني: أن نار الدنيا كلها نارٌ تساوى (1 من 70) من نار الآخرة،
هذه تُصَفَّح من نار، نفس هذه الصفيحة تكون ناراً مشتعلة، يكوى بها
جنبُه وجبينُه وظهرُه، وإذا بردت لا تُترك، تعاد مرة ثانية، يُحمى
عليها في نار جهنم، ويُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، والمدة خمسون ألف
سنة.
يا إخوان! والله ما هي دقيقة ولا ساعة ولا يوم ولا شهر، خمسون ألف سنة
وهو في هذا العذاب، نسأل الله العافية.
ماذا ينفعنا المال وهذه نتيجتُه؟! ثم إذا خلَّفه الإنسان إلى مَن
يخلِّفه؟! قد يخلِّفه إلى قوم لا يقولون: اللهم ارحمه، إلى قوم يأكلونه
ولا يترحمون على مَن خلَّفه لهم، فيُعاقب، فيكون لهم غُنْمُه، وعليه
غُرْمُه.
ثم هذه الزكاة التي أوجب الله عليك ليست كثيرة، قليلة بالنسبة للمال،
ومَن الذي أعطاك المال؟ الله، أعطاك الكثير، وطلب منك القليل، وهو
لنفسك ليس لله، كما قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ
الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }
[فاطر:15].
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران:97].
إنا لنعجب من قوم يقرءون القرآن، ويسمعون الأحاديث، وتجد الواحد منهم
يتحيَّل بأنواع الحيل ليسقط الزكاة، وإذا أُفْتِي بشيء ذهب إلى مُفْتٍ
آخر، لعله يفتيه بما هو أهون، ولا يقول لنفسه: خذي بالأحوط، خذي
بالأحوط ما دمتِ في زمن الرخاء، لا، إذا سَمِع شيخاً يقول: يجب عليك
زكاة الدَّين، قال: حسناً! نذهب إلى شيخ آخر يقول: لا يجب عليك زكاة
الدَّين.
عرفتم؟! حسناً! خُذ بالأحوط، إذا لم يكن هناك نص واضح يفصل بين الناس،
فالأحوط أحسم؛ لأننا الآن في زمن سعة، نتصرف في أموالنا؛ لكن بعد الموت
لا نتصرف، ما نستطيع.
كذلك أيضاً نجد بعض الناس لا يحاسب نفسه محاسبة دقيقة في إخراج الزكاة،
صاحب دكان، ولا يُحصي ماله الذي في دكَّانه، يأخذه جُزافاً، يعني:
خرصاً، وليته إذا خرص أخذ بالأحوط، يأخذ بالأقل، هذا هو الغالب، أو
يتهاون، أو إذا قوَّم السلعة التي للتجارة قوَّمها بأدنى القيمتين، كل
هذا من الأمور التي سببها الشُّح والبخل، وهي ضرر عظيم على الإنسان في
دينه، وفي دنياه.
فالإنسان العاقل يعلم أن هذا المال من الله، وأن الذي أوجب فيه الزكاة
مَن؟ هو الله عزَّ وجلَّ.
وأن الزكاة ولله الحمد جزء يسير بالنسبة لما أعطانا الله.
المال الذي تجب فيه
الزكاة
ثم هذه الزكاة لا تجب في كل ما نملك، أكثر ما نملكه من الأموال ليس
فيها زكاة، لا تجب الزكاة إلا في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، هذا
ضابط، الضابط في الزكاة: أنه لا تجب إلا في الأموال النامية حقيقة أو
حكماً، كيف حقيقة؟ حقيقة يعني: تزيد حقيقة.
أو حكماً يعني: هي لا تزيد؛ لكن في حكم الزائدة.
فمثلاً: المواشي يعني: الإبل والبقر والغنم تزيد أم لا؟ حقيقةً،
التجارة تزيد حقيقةً، الدراهم التي أعدها الإنسان لزواجه، يجمع دراهم،
ولا يبيع فيها ولا يشتري؛ لكنه قد أعدها لحاجة لزواج، أو شراء بيت، أو
ما أشبه ذلك، هذه لا تزيد حقيقةً؛ لأنها لا تزيد، عنده عشرة آلاف ريال
باقية ما زادت؛ لكنها حكماً تزيد؛ لأنه لو عمل بها لزادت.
هذا هو الضابط في الأموال الزكوية، أنها لا تجب الزكاة إلا في المال
النامي حقيقةً أو حكماً.
الآن رجل عنده ضأن، وعنده دجاج، وعنده حمام، وعنده أرانب، وعنده ضباء،
نعم، كم هذه؟ خمسة أنواع.
ما الذي يجب فيه الزكاة؟ نوع واحد من الخمسة: الضأن، والباقي ما فيه
زكاة؛ إلا إذا كان تجارة.
ولو كان عند الإنسان ألف دجاجة، يعدها للنماء والتبييض، ما وجبت عليه
زكاة فيها.
لو عنده ألف رأس من الضباء، يريدها للتنمية، ليس بها زكاة.
عنده ألف حمامة، الحمامة يقولون: إن في وقتنا هذا بعضُ الحمام يساوي
ألفَي ريال، نعم، ((1000×2000)) من ألفين كم؟ مليونان، نعم.
هل عليه زكاة في هذا؟ ما فيه زكاة إذا كان للتنمية، وليس للتجارة.
إذاً: الحمد لله، الأموال أكثرها لا تجب فيها الزكاة، إنما تجب الزكاة
في الأموال النامية حقيقةً أو حكماً، وهي أنواع خمسة.
الأسئلة
تعظيم أمر الصيام
السؤال
في أول كلامكم عن الزكاة تكلمتم أنها أهم من الصيام، وأن الإنسان لو
أفطر يوماً من رمضان أو رمضان، فإن تارك الزكاة أعظم، أفلا بيَّنتم لنا
عِظَم الذنب فيمن يُفطر يوماً من رمضان؛ لأنه ربما يفهم البعض أن ذلك
هين.
وفقكم الله لرضاه؟
الجواب
لا شك أن الإنسان إذا أفطر يوماً من رمضان فإنه أعظم من فعل الكبائر؛
لأن تَرْكَ ركنٍ من أركان الإسلام أعظم من الكبائر؛ يعني مثلاً: أعظم
من الزنا، أعظم من شرب الخمر؛ لأن أركان الإسلام عليها مدار الإسلام،
فهي بمنزلة الأعمدة للإسلام، لا يقوم إلا بها.
ولا يجوز للإنسان أن يتساهل في أي يوم من أيام رمضان؛ لكننا ذكرنا أن
الناس عندهم نقص في الفقه، أو عند بعضهم نقص في الفقه، يعظِّمون الصيام
كثيراً؛ ولكنهم في الصلاة أو في الزكاة لا يرون لها عَظَمَة كعَظَمَة
الصيام، حتى إن بعض الناس -يُقال لي، والله أعلم- يُقال: إنه يصوم ولا
يصلي، نعم، يصوم ولا يصلي، أليس هذا من الجهل؟! لأن الذي يصوم ولا يصلي
لا يُقبل صيامه، لو يصوم كل رمضان ما يفطر ولا في الليل مثلاً، يواصل
كل رمضان، فإن الله لا يقبله منه إذا كان لا يصلي، لماذا؟ لأنه كافر،
ومن شرط قبول الأعمال: أن يكون العامل مسلماً؛ لقوله تعالى: { وَمَا
مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ
كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } [التوبة:54] النفقات نفعها متعدد،
ومع ذلك لا تقبل من الذي ينفق إذا كان كافراً، يعني: الآن الكافر، لو
فرضنا واحداً من الكفار شق الطرق، ووضع ماءً للشرب، وبنى مساجد ومدارس،
وطبع كتباً، هل تنفعه هذه؟ ما تنفعه أبداً، ولا تقبل منه؛ لأنه كافر.
فالذي يصوم ولا يصلي بشِّروه بأن صومه مردود عليه، غير مقبول منه، فلا
يُتعب نفسه؛ لكن هناك شيء هيِّن جداً، وهو ماذا؟ أن يتوب إلى الله،
ويصلي، ويرجع إلى الإسلام، وحينئذٍ يُقبل صومه وسائر أعماله الصالحة.
الشجاع الأقرع ليس خاصاً بتارك الزكاة
السؤال
هل الشجاع الأقرع الذي جاء في مانع الزكاة ورد فيمن ترك الصلاة؟ أم أنه
خاص في عقوبة تارك الزكاة؟ أرجو التوضيح!
الجواب
تارك الصلاة له عقوبة أعظم من هذا؛ لأن الشجاع الأقرع إنما يكون تارك
الزكاة معذباً به في عرصات القيامة، ثم يرى سبيله، كما جاء في حديث أبي
هريرة : ( إما إلى الجنة، وإما إلى النار ).
لكن تارك الصلاة معذَّب في نار جهنم بما فيها من أنواع العذاب أبد
الآبدين والعياذ بالله.
فهو أعظم بكثير من تارك الزكاة.
ثبوت أجر من تصدق في
رمضان إلى يد وكيل الفقراء ثم أخرجت بعد رمضان
السؤال
لقد دفعتُ اليوم زكاة المال للمجاهدين الأفغان، وسألت المشرف: هل تصل
للمجاهدين في رمضان، فقال: لا؛ لأنها تُجمع، فقد تصل في رمضان أو في
شوال، فهل يُحسب لي أجرها في رمضان؟
الجواب
على كل حال أنت الآن أديتها إلى وكيل الأفغان، وما وصل إلى وكيل الشخص
فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها،
ما وصل إلى وكيل الشخص فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، هذه القاعدة تنفعك
في عدة أبواب، منه مثلاً: زكاة الفطر، لو كان الفقير قال لك: إذا جاء
وقت زكاة الفطر فإني موكِّلٌ فلاناً يقبض لي، ثم أعطيتَ وكيلَه في أيام
دفع زكاة الفطر؛ ولكنها لم تصل إلى الفقير إلا بعد عشرة أيام من شوال،
هل تكون مقبولة؟ الجواب: نعم.
لماذا؟ لأن وكيل الإنسان قائم مقام الإنسان.
فالذين يقبضون الصدقة للأفغان هم بمنزلة الأفغان؛ لأنهم ليسوا وكلاء
لك، ولهذا لو قدِّر أن هذه الزكاة تلفت عند هؤلاء الذين قبضوها فهل
يلزمك بدلها؟ لا.
لا يلزمك زكاة بدلها، بل قد بلغت محلها.
ولكن هاهنا أيضاً مسألة فيما يتعلق بصرف الزكاة في رمضان، هي الآن
أصبحت مشكلة اجتماعية، كون الناس الآن يختارون رمضان لصرف الزكاة،
أصبحت مشكلة اجتماعية، كيف ذلك؟ صار الناس لا يعرفون الفقراء في غير
رمضان، في غير رمضان ما تجد أحداً يصرف زكاته اللهم إلا نادراً، فيكون
على الفقراء حاجة في غير رمضان ولا يجدون من يتصدق عليهم.
وهذه مشكلة.
ثانياً: أن بعض الناس تحل زكاتُه مثلاً في رجب، ثم يقول: أؤخرها إلى
رمضان؛ لأنه لو أخرجها في رجب يأتي رمضان ويريد أن يخرج زكاة أخرى وذلك
لملاحقة الأغنياء عن عباداتهم، تجدهم دائماً شغالين يطلبون الأغنياء،
ولا كأن رمضان إلا مجالاً للتسوُّل وملاحقة الأغنياء، ولا يلتفت كثير
منهم إلى ما ينبغي أن يلتفتوا إليه من العبادة في هذا الشهر.
فهي في الحقيقة مشكلة.
ولذلك ينبغي لنا أن ندرسها تماماً، وأن ننظر هل من المصلحة أن نجعل
زكواتنا كلها في رمضان؟! أو نجعلها في أوقات أخرى لأشد حاجة.
والعلماء نصوا على أنه يجوز أن تؤخر الزكاة عن وقت وجوبها إلى وقت يكون
فيه الناس أشد حاجة.
التفصيل في زكاة
المال المشترك به في جمعية
السؤال
أنا مشترك في جمعية بحيث لا يأتيني الدور إلا في مدار السنة، فهل هذا
المال الذي يُدار بيننا عليه زكاة أم لا؟
الجواب
مثلاً: هؤلاء عشرة موظفين، كل واحد راتبه (10.
000) ريال، يُخصم من كل واحد (2000) ريال تُعطى لأول واحد، رقم (1).
يأتيه (18.
000) زيادة على راتبه، والثاني، والثالث، إلى آخره، هذا معناه أن كل
واحد منهم لزمه لزملائه ديناً مقداره (18.
000).
فنقول: إن كان هذا الرجل قد أنفق هذه الأموال التي أخذها قبل تمام
الحول فليس عليه زكاة.
أما بالنسبة للذين أعطوا فعليهم الزكاة فيما أعطوا؛ لأن الدائن إذا
ديَّن إنساناً غنياً وجب عليه الزكاة في هذا الدَّين، فصار الآن الآخذ
إذا أنفق ما أخذ قبل تمام الحول فليس عليه شيء، والدافع عليه الزكاة؛
لأنه دائن طالب، والطالب إذا كان مطلوبه غنياً وجبت عليه الزكاة فيما
يطلب منه.
خطورة التساهل في
الديون
السؤال
تساهل كثير من الناس في الديون، وذلك بسبب أنهم يُسدَّد عنهم من
الزكاة!
الجواب
هذا صحيح، أن الناس صاروا يتساهلون في الديون؛ لأنه إذا جاء رمضان قال:
الحمد لله، أنا عليَّ عشرين ألف ريال اذهب للتاجر الفلاني والفلاني
والفلاني هكذا قدِّم كشفاً، ويُقضى عنك ما تيسَّر.
وهذه أيضاً من المشاكل التي تحتاج إلى حل؛ ولكن الإنسان العاقل لا
يُقدم على الاستدانة من أحد إلا في الضرورة القصوى، وأظن أن الضرورة
القصوى عندنا والحمد لله غير موجودة؛ لأنه بإمكان الإنسان أن يكون
عاملاً ولو من عمال البلدية من أجل أن يكتسب الرزق، الناس في الزمن
الأول يخرج الإنسان إلى الأودية يأتي بالحشيش ويبيعه ويشتري عشاءًَ له
ولعائلته، يذهب إلى المُحْتَطَبات، يعني: محل حطب، يحتطب ويأتي ويبيعه
ويأكل وعائلته، والناس هم الناس، كلهم بشر، السابقون واللاحقون.
فالإنسان العاقل لا يستدين إلا للضرورة القصوى، والضرورة القصوى الآن
كما قلت لكم متعذرة، يعني: معدومة، بإمكانه يذهب ويكون عاملاً ولو
بـ(300) ريال أو (400) ريال أو (1000) ريال؛ لكن الناس نسأل الله
العافية، صار بعض الناس يريد أن يباهي الأغنياء، إنسان غني عنده عشرات
الملايين، وبيته مُكَمَّل، يجيء فقيرٌ ما يجد شيئاً يقول: لازم يكون
بيتي مثل بيت هذا، فيذهب ويستدين قيمة سيارة (كدْلَك) قيمتها (80.
000) ألف، مع أنه يحصِّل سيارة داتسون بـ(20.
000) ألف.
لماذا هذا؟ أليس هذا سخافة؟! سخافة وسفه، والعامة يقولون مَثَلاً -في
الحقيقة- مَثَلاً جيداً، يقولون: (مد رجليك على قدر لحافك) اللحاف الذي
نتغطى به، مد رجليك على قدره، إن كان هو طويلاً مدِّد كل رجليك، إن كان
قصيراً قَرْفِص؛ لأنك لو تمد رجليك وهو قصير تعرضت للبرد، فهذا مثل جيد
لو أننا سرنا عليه في حياتنا لحصَّلنا خيراً كثيراً.
على كل حال: هذه مشكلة من المشاكل الاجتماعية، ولا ندري كيف نحل هذه
المشكلة؛ لكن حلها أن نوعي الناس، ونقول: احذروا الدين ما استطعتم، لا
تستدينوا أبداً إلا عند الضرورة القصوى.
حكم تأخير الزكاة عن
وقتها
السؤال
إذا كان الرجل عنده مال تَحُل زكاتُه في رمضان، فهل يجب عليه إخراج
الزكاة كلها في رمضان؟ أو يجوز أن يعطيها الفقراء شيئاً فشيئاً على
مدار السنة؟
الجواب
يجب عليه أن يخرجها فوراً، ولا يجوز أن يعطيها الفقراء على مدار السنة
إلا إذا كان يؤخرها يتحرى أهلها، يعني: بمعنى أنه لم يتهيأ له أن يجد
المستحقين في رمضان؛ لكن يجدهم على واحد واحد، اثنين اثنين، وهكذا،
فإذا كان يؤخرها من أجل أن يتحرى أن تكون في أهلها، فهذا لا بأس به،
والغالب أن الإنسان لا يؤخرها إلا لهذا السبب، أو لما يشبهه، فإذا كان
تأخيرها لهذا السبب فلا بأس.
جواز إخراج زكاة
الذهب على قدر قيمته وإن رخص
السؤال
هذا صاحب محل للذهب يقول: رخص الآن بيع الذهب، وقد حال الحول، فهل لي
أن أؤخر إخراج الزكاة حتى ترتفع أسعار الذهب، ثم أخرج الزكاة؟
الجواب
أقول: جزاه الله خيراً على هذه النية، ولكن الواجب عليه أن يقدر الذهب
الآن، إذا كان لا يريد أن يخرج من عين الذهب فليقدره الآن، ويخرج زكاته
من قيمته الحاضرة، ولو كانت أقل، وكونه يؤخر حتى ترتفع الأسعار هذه نية
طيبة؛ لكنه قد تختلف الأمور، ربما تنزل الأسعار أكثر، ما يدري، فهل إذا
نزلت بَعْدُ يقول: أنتظرْ حتى ترتفع؟ ثم تنزل ثالثة.
فالحاصل: أنه يجب أن يبادر بإخراج الزكاة، ويَعْتَبِر القيمة في وقت
وجوب الزكاة، قَلَّت أم كَثُرت.
حكم زكاة الدين
السؤال
استلف شخص مني مبلغاً من المال، ولم يرده إليَّ بَعْد، هل يجب عليَّ أن
أخرج زكاة هذا المبلغ؟
الجواب
هذه تنبني على زكاة الدَّين، والدَّين اختلف العلماء رحمهم الله في
وجوب الزكاة فيه: فقال بعض العلماء: إن الزكاة واجبة في الدَّين، سواء
كان على معسر أو على موسر.
وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، أن الدَّين تجب فيه
الزكاة ولو كانت على أعسر الناس.
القول الثاني: أن الزكاة لا تجب في الدَّين، لا على غني، ولا على فقير؛
لأنه ليس بيدك.
القول الثالث: الوسط، أنه إن كان على غني وجبت الزكاة فيه, وإن كان على
فقير لم تجب؛ لأن الدَّين الذي على الفقير كالمعدوم تماماً؛ لأنك أنت
لا تستطيع أن تطالبه وهو معسر، بل لا ترفع لسانك إلى لهاتك في مطالبته
إذا كان معسراً، يجب عليك أن تُنْظِره كما أمر الله عزَّ وجلَّ: {
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } [البقرة:280]
إذاً: لست قادراً على هذا المال، وهذا لا تجب فيه الزكاة.
وإن كان على موسر؛ ولكن أنت بنفسك أخَّرت الطلب فعليك الزكاة؛ لأن الذي
على موسر وأنت الذي أخَّرته كأنه في مالك، فتجب فيه الزكاة.
ثم إذا كان على معسر وقبضته، فهل تؤدي الزكاة عنه حالاً لسنة واحدة؟ أو
تستأنف الحول؟ في هذا قولان للعلماء: منهم من قال: تستأنف الحول، ما
عليك زكاة حتى يتم حوله.
ومنهم من قال: تزكيه السنة التي قبضتها، ثم كل سنة تزكيه.
وهذا القول أقرب للصواب.
حكم دفع الزكاة إلى
الابن لقضاء دينه
السؤال
امرأة عندها زكاة من المال، ولها ولد مطلوب، وله معاش؛ ولكن لا يكفي
سداد الدَّين، فهل تعطيه من الزكاة؟
الجواب
يجوز للأم وللأب إذا كان لهما ولد عليه دين لا يستطيع وفاءه أن يقضيا
دينه من زكاتهما؛ لأنه غارم؛ ولكن الأحسن أن يذهب إلى الطالب الذي يطلب
الولد، ويقول: أنت تطلب ابني كذا وكذا خُذ، ولا يعطيه الولد؛ لأن بعض
الناس سفيه، إذا أُعطي لقضاء الدَّين صرفه في غيره، مع أن العلماء
يقولون: إذا أُعطي الإنسان الزكاة لقضاء الدَّين فإنه يحرم أن يصرفها
في غيره، لابد أن يصرفها في قضاء الدَّين، إلا إذا كان الدَّين الذي
على الولد سببه نفقة واجبة على أبيه، يعني: أنه يقول -أبوه غني- فيقول
لأبيه: أعطني النفقة، أبوه يماطل، فاحتاج الابن واستدان من أجل النفقة،
ففي هذه الحال نقول للأب: لا يجوز أن تعطيه من زكاتك، بل يجب عليك أن
تقضي دينه من مالك، لماذا؟ لأن إنفاقك عليه واجب.
ولو قلنا: إنه يجوز دفع الزكاة في هذه الحال لقضاء دين الابن، لكان كل
أب شحيح يمنع النفقة من أجل أن يضطر الولد إلى الدَّين، فإذا استدان
قال: الآن أقضي دينك من زكاتي.
كيفية التعامل مع
امرأة مسنة لا تصلي ولا تصوم
السؤال
توجد امرأة مسنة تبلغ من العمر أكثر من ستين سنة، وهي بكامل عقلها،
ولكنها لا تصلي ولا تصوم، فماذا يجب على من يقوم برعايتها؟ نريد
إفادتنا، جزاكم الله خيراً.
الجواب
الواجب أن تؤمر هذه المرأة المسنة التي في كامل عقلها بالصلاة والصيام،
وإذا لم تفعل يُرفع أمرها إلى ولاة الأمور من أجل أن يجبروها على
الصلاة وعلى الصيام.
أما إذا كانت (مُهَذْرِيَة) ما عندها عقل، فليس عليها صلاة ولا صيام.
مع أني أظن أنه لا يمكن أن يوجد امرأة في كامل عقلها وهي في هذا السن،
تأبى أن تصلي أو تصوم إلا وفي عقلها خلل، ما أظن أن امرأة عاقلة في
مجتمعنا تأبى أن تصوم وتصلي.
حكم الطواف بدون
طهارة
السؤال
ما حكم الطواف من غير طهارة، مع أنه لم يعلم بالحكم، أو كان ناسياً؟
الجواب
الذي نرى أن الطهارة في الطواف ليست بشرط، إلا الحيض، فإنه لا يمكن أن
تطوف المرأة وهي حائض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة لما
حاضت: ( افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت ) ولما قيل له: إن
صفية قد حاضت، قال: ( أحابِسَتُنا هي؟! ).
أما الطهارة من الحدث الأصغر فالراجح أنها ليست بواجبة في الطواف؛
لكنها سنة مؤكدة، لا شك أنها أفضل.
ولا ينبغي للإنسان أن يدع الطهارة إذا أراد أن يطوف؛ لكن لو فُرِض أن
أحداً طاف وانتهى وجاء يسأل، فإننا لا نلزمه بالإعادة، لا سيما إذا كان
قد رجع إلى بلده، وانتهى من نسكه.
حكم طواف الوداع
لصاحب العمرة
السؤال
نحن أخذنا عمرة ووصلنا مكة قبل الفجر، فأخذنا عمرتنا، واشترينا سحوراً
وتسحَّرنا، ثم صلينا بالحرم صلاة الفجر، ونمنا، وصلينا الظهر، وبعد
صلاة الظهر خرجنا إلى بلدنا ولم نطف طواف الوداع، فهل علينا شيء؟ حيث
أن حديث الرسول: ( ليكن أحدكم آخر عهده بالحرم ) ونحن خرجنا بعد صلاة
الظهر مباشرة!
الجواب
الحديث ليس لفظه كما قال السائل، وإنما لفظ الحديث على وجهين: الوجه
الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( كان الناس ينفرون من كل وجه،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد؛ حتى يكون آخر عهده بالبيت
).
واللفظ الثاني: ( أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف
عن الحائض ) .
وطواف الوداع للعمرة محل خلاف بين العلماء، فمن تركه مستنداً إلى فُتيا
عالم موثوق بعلمه، فلا شيء عليه.
أما من اعتقد أنه واجب -وهو القول الصحيح، أن طواف الوداع للعمرة واجب
كما هو واجب في الحج- فإن المعروف عند العلماء أن تارك الواجب يلزمه
فدية تُذبح في مكة وتوزَّع على الفقراء؛ إلا إذا كان الإنسان فقيراً لا
يملك مالاً يشتري به الفدية، فإنها تسقط عنه؛ لقول الله تعالى: { لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة:286] .
ولا يلزمه أن يصوم عشرة أيام -كما قاله بعض العلماء: أن من عجز عن
النسك الواجب لترك واجب يلزمه صيام عشرة أيام- فإن هذا القول لا دليل
عليه، بل نقول: من ترك واجباً فإنه يحتاط بذبح فدية في مكة ، توزع على
الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه.
أما بالنسبة لهؤلاء الذين رجعوا بعد أن بقوا في المسجد الحرام نصف
النهار، ورجعوا بدون طواف، فأرى أن من الاحتياط وإبراء الذمة ما داموا
لم يعتمدوا على قول لأحدٍ من العلماء أن يذبحوا فدية في مكة، كل واحد
يذبح فدية في مكة، ويوزعها على الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه.
هدي النبي صلى الله
عليه وسلم في رمضان
السؤال
كَثُر في زماننا هذا وفي رمضان النوم بعد صلاة الفجر والسهر في الليل،
فما رأيكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيراً، وما هو هدي النبي صلى الله
عليه وسلم في هذا العمل؟
الجواب
لا شك أن ما عليه الناس اليوم، هذه السنة وقبل هذه السنة من كونهم
يمضون ليالي رمضان في أشياء غير نافعة، يعني: ليسو يسهرون على قراءة
القرآن، أو على الصلاة، أو ما أشبه ذلك، غالبهم يسهرون على لغو لا
فائدة فيه، وبعضهم يسهرون على شيء محرم من استماعٍ إلى أغانٍ، أو ألعاب
محرمة، أو ما أشبه ذلك، ثم في النهار ينامون، من حين أن يصلوا الفجر
إلى أن يأتي الظهر، ولا شك أن هذا حرمان عظيم.
والذي ينبغي للإنسان أن ينام في الليل ما شاء الله، وأن يقوم في الليل،
وإذا اقتصر على التراويح مع الإمام حتى ينصرف فهو قد قام ليلته؛ لقول
النبي عليه الصلاة والسلام: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له
قيام ليلة ).
وعلى هذا فينام بعد التراويح إلى أن يأتي وقت السحور، فيقوم ويتسحَّر،
وفي النهار يتعبد لله، إن كان موظفاً أو في عمل قام بما يجب عليه من
العمل، وإذا كان فارغاًَ فليتعبد لله تعالى بأنواع العبادات، يحبس نفسه
يومين وثلاثة في المسجد، في قراءة وصلاة، وسيجد مشقة أول يوم وثاني
يوم؛ لكن بعد ذلك تكون عادة له يطمئن إليها قلبه، وينشرح بها صدره.
أما هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في رمضان فلا شك أن هديه أنه لا
يمضيه إلا في أمر يقربه إلى الله، وكان يأتيه جبريل في الليل يدارسه
القرآن كل سنة مرة واحدة فقط، كل الشهر يعرضه النبي عليه الصلاة
والسلام مرة واحدة، إلا في العام الذي مات فيه، فإنه عارضه مرتين.
حكم إعطاء الزكاة من
يستعين بها على المعصية
السؤال
هل يجوز إعطاء زكاة لشخص يعمل في عمل غير جائز، كبنك ربوي، أو يملك
محلاً للحلاقة، ولكنه محتاج إلى تلك الزكاة، وهو يؤدي الصلاة؟
الجواب
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا ينبغي أن تعطى الزكاة من يستعين بها
على المعصية.
كل إنسان فاسق لا ينبغي أن يعان على فسقه.
فمثلاً إذا كان يشرب الدخان، ما نعطيه الزكاة؛ لأنه إذا أعطيناه،
معروفٌ الْمُبتلى بهذا الدخان أول ما يشتري الدخان، فلا نعطيه.
لكن من الممكن أن نعطي زوجته أو إذا كان له أولاد راشدون، نعطيهم
ونقول: هذا أعطه أهلك، وما أشبه ذلك.
أو نقول لهذا: إن عندنا زكاة، ما الذي يحتاجه البيت؟ يحتاج سكر، أرز،
كذا كذا وكِّلنا نقبض الزكاة لك، ونشتري لك، في هذه الحال لا بأس.
إذا قال: أنت وكيل، اقبض ما يأتيك من الزكاة لي، واشترِ به كذا وكذا،
فهذا جائز.
أما إذا كان الإنسان لا يستعين بالزكاة على المعصية؛ لكنه عاصٍ، فهذا
يُعطى من الزكاة ما دام محتاجاً؛ ولكنه يُنصح عن المعصية، فلعل الله
عزَّ وجلَّ أن يهديه على يد هذا الذي أعطاه.
تقديم تحية المسجد
على الإفطار إذا دخل وقت أذان المغرب
السؤال
إذا دخلتُ المسجد أثناء وقت أذان المغرب في شهر رمضان أو غيره وكنتُ
صائماً، فهل أصلي تحية المسجد أم أجلس للإفطار، ثم أصلي؟ وجزاكم الله
خيراً.
الجواب
ماذا تقولون يا جماعة؟! الإفطار ما يحتاج تعب، تمرة يجعلها في فمه
ويمضغها ويأكلها وهو واقف، ما هي مشكلة.
هذا كسؤال يرِدْ أيضاً: هل يُفْطِر المؤذن قبل أن يؤذن المغرب أو يؤذن
ثم يُفْطِر؟ ماذا تقولون؟ يُفْطِر ويؤذن مع بعض.
الأذان بسيط.
لا، هذا أسهل، هذا أيضاً يأكل التمرة وهو واقف ويصلي تحية المسجد.
المهم على كل حال يبدأ بالإفطار؛ لأن الإفطار ما يضر، يعني: الإفطار لا
يلزم منه الجلوس، هو يقول: يجلس يفطر، نقول: ما هو لازم، يأكل تمرة وهو
واقف، ثم يصلي ركعتين، ثم يكمل الفطور.
التفصيل في مرور
المرأة أمام النساء أثناء الصلاة
السؤال
هل تنقطع صلاة النساء وهنَّ يصلين التراويح إذا مرَّ بعض النساء أمام
صفوفهنَّ أو لا تنقطع؟
الجواب
لا تنقطع إذا كنَّ مع الإمام؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
فالمرأة لا تقطع الصلاة إذا مرت بين صفوف الرجال خلف إمامهم، ولا تقطع
الصلاة إذا مرت بين صفوف النساء خلف إمامهن، أو خلف إمامتهنَّ أيضاً؛
لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
ودليل ذلك أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرَّ -وهو على حمار في
منى ، في حجة الوداع- مرَّ بين يدي بعض الصف ولم ينكر ذلك عليه أحد، مع
أن الحمار يقطع الصلاة، وهذا دليل على أنه إذا مرَّ ما يقطع الصلاة بين
أيدي المأمومين، فإن ذلك لا يضر.
ولكن يبقى السؤال: هل يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المأمومين؛ لأن
المأمومين لن يدافعوه، يتركوه يمشي؛ لكن هل يجوز أن يمر بين أيديهم؟ أو
نقول: إنه لا يجوز لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم
المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر
بين يديه ) ؟ قال أهل العلم أو قال بعض العلماء: إنه لا يجوز أن يمروا
بين أيدي المأمومين.
وقال آخرون: بل يجوز؛ لأن هذا لا يؤثر على صلاتهم شيئاً.
لكن قد يقول قائل: هو لا يؤثر على الصلاة لكن يشوِّش على المأموم، إذا
مرَّ الرجل بين أيدي المصلين يشوِّش عليهم، أو مرت امرأة لاسيما إذا
كانت شابة جميلة تشوِّش عليهم.
فنحن نقول: الأصل الجواز، وإذا كان يؤدي إلى تشويش على المصلين
فليمتنع، ولا يمر من بيد أيديهم.
حكم إعطاء الكفار من
الزكاة الواجبة والمستحبة
السؤال
يوجد في بلاد المسلمين كثيرٌ من العمال غير المسلمين من ديانات متعددة،
فهل يجوز للإنسان أن يتصدق عليهم، سواء كانت صدقة واجبة كالزكاة، أو
صدقة تطوُّع، أو ما يسمى عند العامة بالعشاء؟
الجواب
أما الصدقة الواجبة: فلا تجوز أن تدفع إلى الكافر مهما كان جنسه؛ إلا
إذا كان مؤلَّفاًَ، يعني: من المؤلفة قلوبهم.
وأما صدقة التطوع: فقد قال الله عزَّ وجلَّ: { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ }
[الممتحنة:8] فإذا كان هذا الكافر من قوم لم يقاتلونا في الدين، ولم
يخرجونا من ديارنا، والمراد: إخراج المسلمين، ما هو أنت بالذات، فإنه
لا بأس أن نتصدق عليهم.
أما إذا كان ممن يقاتل المسلمين ويخرجهم من ديارهم، فإننا لا نتصدق
عليه؛ لأنه يلزم من التصدق عليه أن نوفر من ماله مقدار ما تصدقنا به
عليه، ثم هذا المال أين يذهب، يذهب إلى جهة يُقاتَل بها المسلمون،ولهذا
اشترط الله عزَّ وجلَّ أنهم لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا: {
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ } يعني: أن تعاملوهم بالبر
والإحسان، أو بالقسط، بالعدل.
فإذا كان هذا الإنسان الكافر من قوم لا يقاتلوننا، ولا يخرجونا من
ديارنا فلا بأس بالصدقة عليه، وإلا فلا.
إلى هنا تنتهي هذه الجلسة.
جلسات رمضانية لعام
1411هـ [5]
تكلم الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن الأموال التي تجب فيها الزكاة،
ونص عليها الشرع كالذهب والفضة وعروض التجارات، ثم ختم ذلك بأجوبة
يتعلق أكثرها بالموضوع.
زكاة الذهب والفضة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد سبق في الدرس السابق بيان حكم الزكاة، وحكم من أنكر
وجوبها، وحكم من أقر بالوجوب ولكنه تركها بخلاً، وبيان عقوبة من منعها
في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما درس الليلة؛ ليلة الخميس الموافق للثاني عشر من شهر رمضان عام:
(1411هـ) فإنه سيكون في بيان الأموال الزكوية؛ لأننا إذا عرفنا أن
الزكاة واجبة ففي أي مال تجب؟ لا تجب الزكاة إلا في أموال معينة، ليس
كل ما يملكه الإنسان تجب فيه الزكاة؛ ولكن الزكاة تجب في أموال معينة:
الذهب.
والفضة.
والدَّين.
وعروض التجارة.
والمواشي؛ بهيمة الأنعام.
والخارج من الأرض.
نصاب الذهب والفضة
الذي تجب فيه الزكاة
نتكلم على الأشياء المتداوَلة بين الناس كثيراً، وهي: الذهب، والفضة،
والدَّين: الذهب، والفضة: تجب فيهما الزكاة بإجماع المسلمين إلا خلافاً
يسيراً في الذهب؛ لكن جمهور العلماء على الوجوب، والقرآن والسنة يدلان
على ذلك.
الذهب هو هذا الذهب الأحمر، وأما ما يعرف عند الناس بالذهب الأبيض الآن
وهو (البلاتين) فهذا ليس بذهب شرعاً ولا لغة أيضاً؛ لكنه ذهب اصطلاحاً،
كما سمى بعض الناس البترولَ الذهب الأسود، والذهب ليس فيه أسود ولا
أبيض، الذهب هو الأحمر، المعدن المعروف.
وأما الفضة فهي الفضة البيضاء، الوَرِق.
الذهب، والفضة تجب فيهما الزكاة، وهي جزء يسير، جزء واحد من أربعين
جزءاً، والجزء الواحد من أربعين جزءاً يمثل نسبة كم؟ ربع العشر، هذا
شيء يسير، بالنسبة لما خوَّلك الله عزَّ وجلَّ، إذا أعطاك الله تعالى
أربعين جزءاً من الذهب، لم يوجب عليك إلا جزءاً واحداً، وهذا الذي أوجب
عليك ليس خسارة كما سبق في الدرس الماضي، بل هو غُنْم وغنيمة.
الفضة كذلك تجب فيها الزكاة ومقدارها: جزء واحد من أربعين جزءاً؛ لكن
لما كانت الفضة أرخص من الذهب صار نصابها أكثر من نصاب الذهب، فنصاب
الذهب: (20) مثقالاً، ونصاب الفضة: (140) مثقالاً، فالذي عنده (100) من
المثاقيل من الفضة ليس عليه زكاة، والذي عنده (20) مثقالاً من الذهب
عليه الزكاة؛ لأن الذهب أغلى من الفضة، فلذلك كان نصابه أقل من نصاب
الفضة.
فكم يساوي نصاب الذهب بالنسبة للموازين العصرية الموجودة الآن؟ الحقيقة
أن الذين حرروا هذا اختلفوا: فمنهم من قال: يساوي (71) غراماً.
ومنهم من قال: (94) غراماً.
ومنهم من قال: (85) غراماً.
وبالجنيه قال بعضهم: (10) جنيهات سعودية، و(5 من 8).
وبعضهم قال: (11) وثلاثة أسباع.
ولكن إذا أراد الإنسان أن يحتاط ويعتبر الأقل فهذا احتياط، وإذا قال:
إنه لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، فهذا يأخذ بماذا؟ بالأكثر.
فمن راعى الاحتياط أخذ بالأقل، ومن راعى براءة الذمة أخذ بالأكثر،
وقال: لا يلزم المرء إلا ما تيقن وجوبه، ومن توسط أخذ بالوسط.
حسب علمي أنا، وأنا واحد من الناس المختلفين في هذا، أنه بالغرامات، هل
يُقال غرام وإلاَّ جرام بالجيم؟
الجواب
كلاهما.
حسناً! بالغرامات (85) غراماً، أعني: نصاب الذهب (85) غراماً، هذا نصاب
الذهب.
يقول بعض الناس: إن الذهب -يعني: الجنيه- السبائك ليس خالصاً من كل
وجه، بل يضاف إليه أشياء توجب أن يبقى متماسكاً، وإلا لكان ليناً لا
يثبت، فلذلك زادوا في النصاب، في مقابل ما وُضع معه من المعدن.
والذين يقولون: إن هذه الزيادة غير مقصودة لذاتها، فهي كالملح في
الطعام، ولهذا لو بعت طعاماً لا ملح فيه بطعام فيه ملح لم يكن هذا ربا؛
مع أن الطعام الذي فيه ملح معه غيره، لكن هذا الغير مقصود وإلاَّ غير
مقصود؟ غير مقصود، قالوا: فالمادة التي تضاف إلى الذهب هذه غير مقصودة،
فيُلغى حكمها، ويكون الحكم للذهب وكأنه خالص وإن كان فيه شيء من المادة
أو المعدن غير الذهب.
فحسب معلوماتي أنا أنه (85) جراماً، فما بلغ ذلك ففيه الزكاة، وما دون
ذلك فليس فيه الزكاة.
الخلاف الوارد في
زكاة الحلي والراجح فيه
حسناً! لا فرق في الذهب بين أن يكون نقداً كالجنيهات التي يتبايع الناس
فيها، أو سبائك أي: قطع من الذهب، وهذه تكون عند التجار الكبار
يتبايعونها، أو حلياًَ من الذهب على القول الراجح من أقوال أهل العلم،
أن الحلي ولو كان يستعمل ففيه الزكاة، ودليل هذا عمومات الأدلة الدالة
على وجوب زكاة الذهب والفضة بدون تفصيل، والأصل في الأدلة والاستدلال
بها أن ما جاء عاماً فالأصل دخول جميع الأفراد فيه إلا ما دل الدليل
على استخراجه وتخصيصه، وهذا قاعدة مسَلَّمة دلت عليها اللغة العربية،
ودلت عليها السنة النبوية، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنكم إذا
قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد سلمتم على كل عبد
صالح في السماء والأرض ) من أين أخذنا هذا؟ من صيغة العموم، أنها شملت
جميع أفراد الصالحين، حتى الملائكة والجن وغيرهم، فدلَّ ذلك على ماذا؟
على أن العام يشمل جميع أفراده.
فإذا كان كذلك قلنا: إن الذهب المستعمل حلياً دخل في العموم، فهو فرد
من أفراده، فمن أخرج الحلي من الذهب والفضة عن وجوب الزكاة فعليه
الدليل.
نحن تتبعنا أقوال أهل العلم منذ زمن، سواء الرسائل التي أُلِّفت
حديثاً، أو كلام العلماء الأولين، لم نجد عندهم دليلاً عن معصوم، إنما
هي آثار عن الصحابة مُعارَضَةٌ بمثلها، والميزان عند الاختلاف هو كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: { فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } [النساء:59].
ويقول عزَّ وجلَّ: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ
إِلَى اللَّهِ } [الشورى:10] .
فهم استدلوا بآثار صحيحة؛ لكن عن غير معصوم -عن بعض الصحابة- وهي
معارضة بأقوال آخرين من الصحابة، استدلوا بأحاديث ضعيفة، ولا يقولون
بها أيضاً، استدلوا بحديث جابر : ( ليس في الحلي زكاة ) وفيه عافية بن
أيوب وهو ضعيف، وهو هالك عند بعض العلماء المحدِّثين، وهم أيضاً لا
يقولون بهذا الحديث؛ لأننا لو أخذنا بالحديث لكان الحلي لا زكاة فيه
مطلقاً، وهم يقولون: إنه إذا أُعد للإجارة ففيه الزكاة، وإن أُعد
للنفقة ففيه الزكاة.
إذاً: لم يأخذوا بهذا الحديث مع ضعفه، فلماذا يأخذون به في بعض الصور،
ويدعونه في بعض الصور؟! واستدلوا بأقْيِسَة قالوا: كما أن ثياب الإنسان
أو ثياب المرأة ليس فيها زكاة فكذلك حُلِيُّها؛ لأن الكل لباس.
وهذا القياس مردود من وجهين: الوجه الأول: مخالفته للنص.
والوجه الثاني: تناقضه.
إذا قالوا: النص يجوز تخصيصه بالقياس.
قلنا: نعم، صدقتم! النص يجوز تخصيصه بالقياس، ومنه: قياس العبد إذا زنى
على الأَمَة إذا زنت، الأَمَة إذا زنت كم تُجلد؟ نصف ما على المحصنات
من العذاب، ولم يذكر الله زنا العبد؛ لكن بالقياس على الأمة، فهو مخصص
لعموم قوله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [النور:2].
ونحن لا ننكر أن يكون القياس مخصِّصاً؛ لكن إذا كان في مقابلة النص فلا
نقبله، وما هو النص؟ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن امرأة أتت
النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مُسكتان غليظتان من ذهب
-المُسَْكَتان هما: السواران- قال: تؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا.
قال: أَيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَك الله بهما سُوارَين من نار؟! فخلعتهما
وألقتهما إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: هما لله ورسوله ) غضبت
لله، فتركتهما، كما فعل سليمان حين غضب لله حينما ألهته الخيل عن صلاة
العصر، فجعل يضرب سوقها وأعناقها غضباً لله, فهي فعلت ذلك حرمت نفسها
من هذين السوارين غضباً لله عزَّ وجلَّ.
فهذا الحديث نص مؤيد بالعمومات الثابتة في الصحيح، مثل: حديث أبي هريرة
: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ...) وقد أشرنا إليه في
الدرس الماضي.
فإن المرأة التي عندها حلي من الذهب يُقال: إنها صاحبة ذهب؛ حتى في عرف
الناس، يقال: هذه المرأة عندها ذهب، فهي صاحبة ذهب.
وما الذي أخرجها؟! قالوا: أخرجها، أن في بعض الأحاديث: ( وفي الرِّقَة
ربع العشر ) الرِّقَة: الفضة المضروبة عند أكثر أهل اللغة، وعند بعض
أهل اللغة أن الرِّقَة: الفضة مضروبة كانت أو لا، وممن ذهب إلى هذا
الرأي: ابن حزم ، قال: إن الرِّقَة هي: الفضة مطلقاً، وقال: إن الزكاة
في الحلي واجبة بهذا الحديث نصاً.
إذاً: فالقياس الذي ذكروه لا يُقبل لوجهين: الوجه الأول: مصادمة النص،
والقياس المصادم للنص يسمى عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، لا عبرة به.
الوجه الثاني: أن هذا القياس الذي زعموه متناقض، لا في طرده ولا في
عكسه.
نقول لهم: ما الأصل في الثياب؟ أوُجُوب الزكاة أم لا؟
الجواب
لا، عدم الوجوب.
ما الأصل في الذهب؟ الوجوب.
إذاً: كيف نقيس ما الأصل فيه الوجوب على ما الأصل فيه عدم الوجوب؟!
ثانياً: لو أُعِدت الثياب للتأجير فعندهم لا زكاة فيها، كالعقار المعد
للتأجير، ولو أُعِد الحلي للتأجير ففيه الزكاة! إذاً: أين القياس؟! لو
أُعِدت الثياب للنفقة، معنى النفقة: امرأة عندها ثياب كثيرة، كلما
احتاجت باعت وأكلت، فليس فيها زكاة، ولو أعدت حلي الذهب للنفقة، كلما
احتاجت باعت منه وأكلت، ففيه الزكاة.
إذاً: أين القياس؟! لو أن المرأة التي عندها حلي عَدَلت عن لبسه ونوته
للتجارة صار للتجارة، ولو أنها عَدَلت عن لباس الثياب ونوتها للتجارة
لم تكن للتجارة عندهم؛ لأنه يشترط للتجارة أن يكون الإنسان مَلَكَها
بفعله بنية التجارة.
إذاًَ: أين القياس؟! فتبيَّن أن دعوى القياس غير مقبولة لوجهين: الوجه
الأول: مصادمة القياس للنص الوارد.
والثاني: تناقضه.
نعم.
إذاًَ: لا قياس.
والمسألة -كما يعلم طلبة العلم- خلافية بين العلماء من قديم الزمان؛
ولكن الواجب على طالب العلم أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح
عنده، والواجب على العامة أن يتْبَعوا من يرونه أقرب إلى الحق بعلمه
وأمانته.
زكاة الدين
الدَّين: الديون على الناس إن كانت من غير الذهب والفضة فلا زكاة فيها
إطلاقاً.
مثاله: لو أن شخصاًَ سرق لك بعيراً فذبحه أو باعه، وجبت في ذمته لك
بعير؛ لكن هذه البعير الذي في ذمته ما فيها زكاة.
إنسان في ذمته لك (100) صاع بُر ليس فيه زكاة .
شروط الدين الذي تجب
فيه الزكاة
إذا كان الدين من الذهب والفضة ففيه الزكاة؛ لكن بشرط أن يكون على
مَلِيء، يعني: غني، باذل.
المليء: مَن جَمَع وصفين هما: الغنى، يعني: القدرة على الوفاء.
والبذل، يعني: أنه ليس بمماطل.
فإن كان فقيراًَ، أي أن الدين على فقير فلا زكاة عليه، لو بقي (20)
سنة.
فإذا قدَّرنا أن شخصاً فقيراً في ذمته لك (1000) ريال، بقي (10) سنوات،
فليس فيه زكاة.
لماذا؟ لأنك غير قادر على هذا المال.
لكن لو قال قائل: إنك قادر على المال، تقدر تشكوه، ويُلزم بالدفع! ف
الجواب
هذا حرام، حرامٌ أن تطلب أو تطالب الفقير بقضاء الدين، إذا علمتَ أنه
فقير يحرم عليك أن تقول: يا فلان! أعطني، ويحرم عليك أن ترفعه للمحكمة؛
لأن الله يقول: { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ } [البقرة:280].
الشرط الثاني: أن يكون باذلاًَ، يعني: غير مماطل، فإن كان مماطلاً
نظرتَ، إن كان يمكن مطالبتُه فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط منه
وإلاَّ منك؟ إن كان يمكن مطالبتُهّ! فالزكاة واجبة عليك؛ لأن التفريط
منك، إذا شئتَ شكوتَه وأعطاك.
وإذا كان لا يمكن مطالبتُه إما لكونه قريباً لك، لا يمكن أن تطالبه، أو
لكونه زعيماً؛ كوزير، وأمير، وما أشبه ذلك، أو لكونك في بلد لا يأخذون
الحق، لو طالبتَ ما التفتوا إليك، فإن هذا لا زكاة عليه.
إذاً: فلا زكاة على الدين إن كان على فقير، أو على مماطل لا تُمْكِن
مطالبتُه.
ولكن الدين الذي على فقير أو مماطل لا تُمْكِن مطالبتُه إذا قدرتَ عليه
واستوفيتَ حقك، فقد اختلف العلماء، هل تبتدئ حولاًَ جديداً كأنك ملكتَه
الآن؟ أو تزكيه سنة كالثمر الحاصل؟ فإن ثمار اليوم تأخذها وتزكيها،
يعني: ثمار النخل والزرع، عندما تأخذها تزكيها.
والأحوط: أن تزكيه؛ ولكن سنة واحدة فقط، دون السنوات الماضية، ثم تستمر
في تزكيته كلما حال عليه الحول.
طَيِّبٌ! إذا كان لك مال ضائع أو مَنْسي، فافرض أنك وضعتَ (10.
000) ريال في مكان، ونسيتَ، وبعد (10) سنوات هدمتَ البيت الذي أنتَ
واضعٌ فيه الدراهم هذه، ووجدتها، هل فيها زكاة لما مضى؟ لا، ما فيها
زكاة؛ لأنك غير قادر عليها.
كذلك لو ضاع عليك شيء، وبقيت تبحث عنه، وبقي سنوات ما وُجد، ثم جاءك
إنسان به بعد (5) سنوات مثلاً، فليس فيه زكاة؛ لأنه منسي، لا يمكن أن
تنتفع به، فلا زكاة فيه.
فالمال المنسي، والمال الضائع، والمال المغصوب إذا كان غاصبه لا
تُمْكِن مطالبتُه كل هذا ليس فيه زكاة؛ لأن المال الذي يُزَكَّى هو
الذي يقدر الإنسان عليه، وينتفع به.
زكاة الأنعام
أما الماشية، وهي: بهيمة الأنعام؛ الإبل، والبقر، والغنم : فنقول: كل
حيوان لا يُعد للتجارة فليس فيه زكاة؛ إلا الإبل، والبقر، والغنم، كل
حيوان لا يُعد للتجارة فليس فيه زكاة، إلا الإبل، والبقر، والغنم.
حسناً! لو كان عند الإنسان أرانب كثيرة، عنده مثلاً (100)، أو (500)
أرنب تتوالد وهي ليست للتجارة؛ لكنه كلما ولدت وزادت عنده باع منها،
فهذه ليس فيها زكاة.
حسناً! لو كان عنده دجاج كثير ينتج، ليس فيها زكاة.
حمام! ليس فيها زكاة.
الإبل، والبقر، والغنم يُشترط فيها أن تكون سائمة، يعني: ترعى خارج
محله؛ ليس من الزرع الذي زرعه هو؛ ولكن ترعى مِمَّا أنبت الله عزَّ
وجلَّ السنة كلها أو أكثر السنة، فإن كان عنده ماشية؛ لكنه يعلفها أكثر
السنة فليس فيها زكاة؛ حتى لو بلغت أربعين أو خمسين، لو كان عند
الإنسان مائة بعير؛ لكنه يعلفها كل السنة أو أكثر السنة فليس فيها
زكاة؛ لأنه يُشترط لوجوب الزكاة أن تكون سائمة الحول أو أكثر الحول.
زكاة الأرض
أما الخارج من الأرض : فليس كل خارج من الأرض فيه الزكاة أيضاً.
الزكاة قيل: إنها محصورة بعدد.
وقيل: إنها محصورة بوصف، وهو: أن يكون الخارج من الأرض مكيلاً
مُدَّخراً، أما ما لا يُدَّخر فليس فيه زكاة، وأما ما ليس بمكيل فليس
فيه زكاة.
فننظر الآن الفواكه هل فيها زكاة؟ الفواكه! ما فيها زكاة؛ لأنها لا
تُدَّخر.
فإذا قال قائل: تُدَّخر، الآن توجد ثلاجات، تبقى الفواكه فيها ستة
أشهر، سنة! نعم.
قلنا: لكنها هي في نفسها من حيث هي لا تُدَّخر، فجميع الفواكه من
البرتقال والرمان والتفاح وغيره ليس فيها زكاة.
حسناً! ثمار النخل فيه الزكاة؟ نعم.
لأنه مكيل ومدخر.
الحبوب، الحنطة، الأرز، الشعير فيه الزكاة، لأنه مكيل ومُدَّخر.
ولابد فيها من بلوغ النصاب، كل الأموال الزكوية لابد فيها من بلوغ
النصاب.
نصاب الخارج من الأرض: (300) صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، يعني:
(231) بأصواعنا، وصاع نبوي زيادة، فهي قليلة والحمد لله، يعني: أنه لا
يجب على الإنسان إلا ما بلغ النصاب، وكذلك في المواشي، وأنصبتها معروفة
ومتنقلة.
ونكتفي بهذا القدر من هذه الكلمات اليسيرة، التي نسأل الله أن ينفع بها
.
الأسئلة
حكم الذهب الذي
تعطيه الأم لبناتها وكيفية زكاتها
السؤال
هل الذهب الذي تشتريه الأم لبناتها يكون ملكاً لهنَّ أم لها؟ وهل يجوز
لها أن تأخذه وتبيعه؟ وكيف إذا كان لديها ذهب ولدى بناتها ذهب هل يُضَم
بعضُه إلى بعض في الزكاة أم ماذا؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الذهب الذي تعطيه الأم بناتها إن كان على سبيل العارية فهو ملكها،
يُضَم إلى ما عندها من الذهب وتُخْرَج زكاته، ولها أن ترجع فيه متى
شاءت.
أما إذا كان على سبيل الهبة فهو للبنات، وكل واحدة من البنات ملكها خاص
بها، لا يُضَم إلى الأخرى في تكميل النصاب.
وعلى هذا فلو كانت خمس بنات، كل واحدة منهن تملك نصف نصاب، وهُنَّ خمس
بنات، لو نظرنا إلى مجموعهنَّ لقلنا: عندهنَّ نصابان ونصف، فعليهنَّ
الزكاة؛ لكننا لا ننظر إلى ذلك، كل واحدة منفردة عن الأخرى، فلا يكون
عليهنَّ زكاة؛ لأن كل واحدة لا تملك إلا نصف نصاب، فلا زكاة عليها.
حكم إعطاء الزكاة
للأقارب الفقراء
السؤال
امرأة عندها ذهب وتقول: هل يجوز أن أعطي زكاتي لزوجي إذا كان ضعيفاً
وعليه ديون كثيرة؟ وهل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بمن تعول
) عام في كل شيء؟
الجواب
نعم، يجوز للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها إذا كان فقيراً، ولاسيما إذا
كان عليه ديون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة عبد الله بن
مسعود ( زوجك وولدك أحق من تصدقتِ عليهم ) فيجوز لها أن تقضي دين زوجها
من زكاتها، ولا حرج عليها في ذلك.
ويجب علينا ونحن طلبة علم أن نعلم أن النصوص إذا وردت عامة وجب الأخذ
بعمومها، ولا يُخرَج شيء من أفرادها إلا بدليل، هذه قاعدة سبقت الإشارة
إليها قريباً، فقوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَابْنِ السَّبِيلِ } [التوبة:60] هذه ألفاظ عامة تشمل القريب والبعيد،
بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صدقتك على ذي القرابة صدقة
وصلة ) .
فمثلاً: إذا كان الإنسان عنده أب فقير، وعنده صدقة، نقول: هل أبوك داخل
في الفقراء الذين في الآية؟ نعم، لا شك أنه داخل، فقير.
ما هو الدليل على أنك لا تعطيه من زكاتك؟ أين الدليل؟ ما في دليل.
لكن إذا كان الفقير ممن تجب عليك نفقته فلا يجوز أن تعطيه من زكاتك
للنفقة، أخذتم بالَكُم؟! إذا كان القريب ممن تجب عليك نفقته فلا يجوز
أن تعطيه من زكاتك لنفقته، لماذا؟ لأنك إذا أعطيته من زكاتك لنفقته
كأنك لم تخرج الزكاة؛ لأنه الآن أعطيته نفقة، والنفقة واجبة عليك.
فإذاً: القاعدة أن نقول: كل قريب تجب عليك نفقته فإنه لا يجوز أن تعطيه
من زكاتك لماذا؟ لنفقته، وتأمَّل قوله: لنفقته، فإن أعطيته لغير النفقة
فلا بأس.
مثاله: لو أن والدك لزمه غُرْم! تسبب في حادث مثلاً، ولزمه غُرْم، هل
يجوز أن تقضي عنه غُرْمه من زكاتك؟ نعم يجوز.
لكن هل يجوز أن تنفق عليه من زكاتك وأنت يلزمك نفقته؟ لا.
الفرق: أنه لا يلزمك دفع الغُرْم عن أبيك، ويلزمك الإنفاق على أبيك.
وكذلك العكس: لو أن شخصاً له ابن فقير، والأب قادر على الإنفاق عليه،
فأعطاه أبوه من زكاته، ما تقولون؟ هذا شخص له ابن فقير، والأب قادر على
الإنفاق عليه، فهل يجوز أن يعطيه من زكاته؟ لا؛ لأنه تجب عليه نفقته.
لكن لو أن الابن صار عليه غُرْم من حادث حصل منه، أو شيء أتلفه، ولزمه
غرامته، فهل يَجوز لأبيه أن يقضي غرامته من زكاته؟ نعم؛ لأن الأب لا
يلزمه دفع الغُرْم عن ابنه.
فهذه هي القاعدة في هذه المسألة أن نقول: القرابات داخلون في العموم،
فلهم حق الزكاة، الزكاة للفقراء أيِّ إنسان.
لكن إذا كان يلزم مِن إعطائه مِن زكاتك سقوط النفقة عنك فإن ذلك لا
يجزئك، يعني: إذا كان القريب ممن تلزمك نفقته فإنه لا يجوز أن تعطيه من
زكاتك للنفقة.
أما حديث: ( ابدأ بمن تعول ...) يعني: معناه إذا كان عند الإنسان شيء،
فضل من مال، فليبدأ بمن يعول، وليس المراد الصدقة، الصدقة كما ذكرنا
على التفصيل الذي سمعتم.
حكم إعطاء الزكاة
لقريب يشرب الدخان
السؤال
عندي زكاة ولي أخ فقير وعليه دَين؛ ولكن يشرب الدخان، هل لي أن أعطيه
زكاة مالي عن الدَّين؟ وجهني إلى ما فيه مصلحتي!
الجواب
نعم، يجوز أن تقضي دَينه، وإن كان يشرب الدخان؛ لأن الدَّين لا علاقة
له بالدخان.
نعم لو فرضنا أنه تديَّن ليشتري الدخان فهذا قد نقول: إن المسألة قد
يتردد الإنسان في جواز إعطائه؛ لأنه مثلاً إذا لزمه مائة ريال من أجل
الدخان، وقضيتَ عنه اشترى مرة ثانية، وصار كأنك تنفق عليه ليدخن، فهذا
محل تردد.
أما لو كان الدَّين لزمه لغير الدخان، مثل: الإنسان اشترى نفقة لأولاده
وهو يشرب الدخان، فقضيتَ دينَه، فهذا لا بأس به.
حكم إعطاء الخادمة
من الزكاة
السؤال
هل تُعطى الخادمات من الزكاة؟ أرجو الإجابة عليه للحاجة!
الجواب
نعم، يجوز أن تعطى الخادمات من الزكاة إذا كان لهنَّ عوائل فقراء.
أما بالنسبة للخادمة نفسها فهي غنية؛ لأنها تأكل مع أهل البيت، ولها
راتب؛ لكن إذا كان هناك عوائل في بلدها محتاجون فقراء فلا بأس أن
يعطيها الإنسان من الزكاة؛ لأنها في حاجة.
حكم المذي في نهار
رمضان
السؤال
ما حكم من أنزل الْمَذي بشهوة في نهار رمضان؟ وإذا كان يوجب كفارة؟
الرجاء الإيضاح، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
المذي لا يفسد الصوم، سواء كان ذلك بتفكير، أو بتقبيل، أو بضم، المهم
أن المذي لا يفسد الصوم، وقد سبق بيان المفطِّرات، وأنا أحيل الأخ
السائل على الشريط الذي تكلمنا فيه عن المفطِّرات؛ لأنه إن شاء الله
سيستفيد منه.
حكم الدم القليل
الخارج من فرج المرأة في غير وقت الحيض
السؤال
امرأة طهُرت من الحيض في أول يوم من رمضان، وبعد (9) أيام صار يأتيها
بعد مجيئها من صلاة التراويح دمٌ يسيرٌ خفيفٌ أحمرٌ فاتح لمدة (3)
ليال، ينقطع بسرعة، فماذا عليها وهو في غير وقت حيضها؟
الجواب
هذه ليس عليها شيء، وهذا الذي يخرج منها ينقض الوضوء فقط، ولا يوجب
غسلاً، ولا يُسقِط صلاةً، ولا يُفسد صوماً، وقد أُثر عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه أنه قال: [ إذا كان الدم ينقُط نقطة أو نقطتين كدم
الرُّعاف فإن هذا ليس بشيء ] وهذه قاعدة مفيدة للنساء، فالنقطة
والنقطتان ليست بشيء، لا تضر المرأة؛ لكنها تنقض الوضوء.
إخراج زكاة الحلي
يكون بقدر قيمته حال الاستعمال
السؤال
إذا كان الحلي مخلوطاً بفصوص، وعند الشراء تُحسب قيمة الفصوص، وعند
البيع لا تُحسب، هل يعتبر وزنه مع الفصوص على اعتبار وقت الشراء؟ أو
يوزن مجرداً عن الفصوص؟
الجواب
الفصوص لا تُحسب من الزكاة، أو ليس فيها زكاة، إنما يُعتبر الذهب
خالصاً هو الذي فيه الزكاة، وأيضاً يُعتبر قيمته ملبوساً، يعني: لو
فرضنا هذا السوار يساوي خمسمائة وهو جديد؛ لكنه بعد الاستعمال يساوي
أربعمائة فالزكاة على الأربعمائة ما هي على الجديد؛ لأنها هي لا تملك
الجديد الآن، تملكه الآن مستعملاً، وهذه ربما يخطئ فيها بعض الناس،
يذهب إلى الصائغ ويَزِنُه على اعتبار أنه جديد، ويُقَوِّمُه على أنه
جديد وليس كذلك، بل يقال للصائغ: كم تشتري هذا المُكَسَّر لو عرضناه
عليك؟ إذا قال: أشتريه بكذا وكذا، ولا يُمْكِن أن أزيد، قال: ما
يُمْكِن يزيد على هذا.
إذاً: تُزكَّى قيمته الحاضرة، وهو مستعمل.
وأما ما فيه من الفصوص والخليط الذي ليس بذهب فليس فيه زكاة؛ لكن أنا
لَفَتَ نظري قولُه: إنه عند البيع يُحسب، وعند الشراء لا يُحسب، كيف
هذا؟ فهم عند الشراء يحسبوه، يعني: أغلى من الذي يباع من غير فصوص،
يعني: الجرام باثنين وخمسين بالفصوص، وبدون فصوص باثنين وأربعين ريال.
طَيِّبٌ! وعند الشراء! وعند الشراء باثنين وأربعين.
وعند البيع! عند البيع يحسبوه بدون فصوص، حتى لو كان فيه فصوص.
{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى
النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ
يُخْسِرُونَ } [المطففين:1-3] كونهم إذا باعوا يحسبونه ذهباً، وإذا
اشتروا لا يحسبوه.
على كل حال: إذا تراضوا بينهم، أنا ما أقول شيئاً، لا أقول شيئاً، إذا
تراضوا، وقال الذي عرض المستعمل على الصائغ: ألغِ قيمة الفصوص، ورضي،
ما يُلام، إذا قال: أنا ما آخذ إلا بدون قيمة الفصوص، هذا شأنه، يعني:
ما نلومه، يعني: أن الصائغ يقول: أنا لا أحسب الفصوص بشيء، إذا رضي
البائع بهذا نعم، ما فيه شيء.
نصيحة لرجل أسرف على
نفسه بالمعاصي
السؤال
أنا شاب أسرفتُ على نفسي بالمعاصي كثيراً؛ ولكنني لا زلتُ متمسكاً
بالصلاة على الرغم من أنني أؤخرها عن وقتها كثيراً، وأخشى أن أتركها
نهائياً فأكفر بالله، فما رأيكم؟ وفقكم الله!
الجواب
الرأي يا أخي السائل! أن تقبل على الله عزَّ وجلَّ، وما دام معك أصل
الإيمان -الحمد لله- بالصلاة، فجاهد نفسك على ترك المعاصي، وفعل
الطاعات، وثِقْ أنه كلما ازداد الإنسان إقبالاً على الله ازداد إقبال
الله عليه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقبلين على الله الذين
يقبل الله عليهم، قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( مَن تقرَّب إليَّ
شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، ومَن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقرَّبتُ منه
باعاً، ومَن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ففضل الله أوسع من عملك.
فأقبِل على الله يا أخي! وأكثِر من الطاعات، وجاهد نفسك، واليوم يكون
فعلك للطاعات جهاداً، وغداً يكون طبيعة وجِبِلَّة؛ لأن الإنسان إذا
اعتاد على الشيء صار له عادة.
لكل امرئ من دهره ما تعودا
فأنت عليك أن تقبل إلى الله عزَّ وجلَّ بجِد وإخلاص حتى يعينك الله.
وأقول للجميع: كلما توليت عن طاعة، فاعلم أن سبب ذلك وجود معصية من قبل
جعلتك تتولى عن الطاعة، ودليل ذلك قوله تعالى: { فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ } [المائدة:49] جعل التولي مصيبة ببعض ذنوب سابقة.
ولهذا إذا رأيت من نفسك إعراضاً عن الطاعة فحاسب نفسك، لابد أن هناك
معاصٍ هي التي أوجبت لك أن تتولى عن الطاعة، ولو كنت نقياً لكنتَ
مقبلاًَ على طاعة الله.
أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره، وعلى حسن عبادته،
إنه جواد كريم.
نصيحة لرجل يريد حفظ
القرآن وتعلم العلم
السؤال
أنا شاب جاوزتُ الثلاثين من عمري، فهل حفظي للقرآن الكريم بعد هذا
العمر يبقى في ذاكرتي؟ أرجو إعطائي النصيحة في ذلك، وكيف أتعلم ما
ينفعني من أمور ديني، أي: كيف أبدأ؟ علماً أنه لا يوجد لدينا من يقوم
بالتدريس يومياً في بلدنا، بل هناك بعض المحاضرات الشهرية، فأرجو
إفادتنا، وجزاكم الله عنا وعن طلاب العلم خيراً.
الجواب
أما بالنسبة لحفظ القرآن فليس له سن معين؛ لكن القرآن يحتاج إلى تعاهد
أكثر من غيره؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( تعاهدوا القرآن،
فوالذي نفسي بيده لهو أشد تَفَصِّياً من الإبل في عُقُلِها ) فأنت احفظ
القرآن ولا تيأس، ولو كان بلغت الثلاثين؛ ولكن تعاهده وأكثر من قراءته،
ولك في كل قراءة تقرؤها في كل حرف عشر حسنات، ولو للتحفظ، حتى ولو كان
للتحفظ، فحافظ على القرآن ولو كنت ابن الثلاثين، وإذا علم الله من نيتك
أنك حريص على حفظه وبقائه أعانك عليه؛ لأن الله يقول: { وَلَقَدْ
يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [القمر:17]
.
والصحابة الذين أسلموا حفظوا القرآن وهم كبار، ولم يمنعهم تقدم السن من
حفظ القرآن.
أما طلب العلم فأنا أشير عليك إذا كان بإمكانك أن تلتحق بالكليات مثل:
الجامعة الإسلامية، أو جامعة الإمام محمد بن سعود، وتدرس فيها، وتقرأ
على المشايخ الموجودين في المنطقة، ثم ترجع إلى بلدك وتكون معلماًَ،
أنا أشير عليك بهذا إذا أمكن، فإن لم يمكن فالعلم في وقتنا هذا ولله
الحمد ميسَّر، هناك أشرطة كثيرة، ورسائل، وكتب، وأنا أشير عليك مرة
ثانية بأن تحضر إلى البلاد التي فيها فروع للكليات وتدرس فيها، وتدرس
على علماء المنطقة، ثم ترجع إن شاء الله إلى بلدك معلماً مرشداً.
حكم رفع البصر إلى
السماء في الصلاة
السؤال
أنا أرى كثيراً من الإخوة المصلين هداهم الله يرفعون أبصارهم إلى أعلى،
خصوصاً عند دعاء القنوت، فما توجيهكم في ذلك؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يرفع بصره إلى السماء، وهو من كبائر الذنوب؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم توعَّد عليه، واشتد قوله في ذلك؛ حتى قال
عليه الصلاة والسلام: ( لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ
أبصارُهم ) وعيد شديد، حتى إني رأيت بعض العلماء قال: إذا رفع الإنسان
بصره إلى السماء بطلت صلاته، ووجب عليه أن يعيدها من جديد؛ لأنه محرم،
وسوء أدب مع الله، أنت بين يدي الله كيف ترفع بصرك إلى السماء؟! هذا
حرام ولا يجوز؛ لا في دعاء القنوت، ولا بعد قول: سمع الله لمن حمده؛
لأننا رأينا بعض الناس إذا قال: سمع الله لمن حمده رفع وجهه إلى
السماء، وهذا حرام ولا يجوز.
حكم من أخر صلاة
العشاء إلى بعد منتصف الليل
السؤال
امرأة أخَّرت صلاة العشاء الآخر إلى منتصف الليل، الساعة: (12)، أو
(12.
30) تقريباً، فما حكم صنيعها ذلك، مع أنها بالغة عاقلة؟
الجواب
لا يجوز لإنسان لا الرجل ولا المرأة أن يؤخر صلاة العشاء إلى ما بعد
منتصف الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقت العشاء إلى نصف
الليل ) معناه ما بين الثلث والنصف فقط، وهذا أفضل، يعني: تأخير صلاة
العشاء إلى ثلث الليل، ما بين الثلث والنصف أفضل، ولهذا فإن المرأة في
بيتها لو جاءت تسأل: هل الأفضل لي أن أصلي عندما يؤذن للعشاء، يعني
صلاة العشاء الأخيرة أو أن أؤخرها إلى ثلث الليل؟ قلنا: أن تؤخريها إلى
ثلث الليل أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ذات ليلة حتى
استعجله الصحابة، فخرج إليهم وصلى عليه الصلاة والسلام وقال: ( إنه
لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) ثلث الليل كم في الوقت الحاضر؟ نحسب من
غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
مداخلة: الساعة: (12).
الشيخ: لا، لا، لا يصل (12).
(11).
الشيخ: بالتوقيت العربي كم؟ مداخلة: الفجر؟ الشيخ: نعم.
مداخلة: (10.
15)، (10.
10)، (10.
05).
الشيخ: حسناً (10.
05).
مداخلة: حسب التقويم.
الشيخ: لا.
مداخلة: إذا جاء نصف الليل .
الشيخ: نصف الليل كم؟ حسناً! (10.
10)، يعني: معناه إنه (05.
05) بالتوقيت العربي .
! مداخلة: النصف.
الشيخ: هذا النصف، (05.
05)، نعم، الآن عندنا التوقيت العربي: الخامسة إلاَّ ربعاً، يعني:
الباقي: ثلث وينتصف الليل.
مداخلة: (11.
30).
الشيخ: نعم.
(11.
30).
جلسات رمضانية لعام
1411هـ[6]
لقد أمرنا الله عز وجل بأوامر، ونهانا عن نواهٍ، ولذلك يجب على الأمة
أن تأخذ أوامر الله وتنفذها على السمع والطاعة، ومن هذه الأوامر أمر
الزكاة، حيث أنها أعظم ركن بعد الصلاة، ومن واجبات الزكاة أن نصرفها
حيث أمرنا الله عز وجل في الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرآن
الكريم.
أهل الزكاة وبيان
أحوالهم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الخامس عشر من شهر رمضان
عام: (1411هـ) نكمل ما نريد أن نتكلم عليه من مسائل الزكاة.
وموضوع الدرس هو: أهل الزكاة، بيانهم، وأحوالهم.
وذلك أن الزكاة لا تكون مقبولة عند الله حتى توضع في المواضع التي أمر
الله أن توضع فيها، فمن وضعها في غير أهلها فكمن صلَّى الصلاة في غير
وقتها، وحينئذ تكون مردودة عليه غير مقبولة منه؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي: مردود
عليه، غير مقبول منه.
ولم يجعل الله سبحانه وتعالى تقسيم الزكاة موكولاً إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، ولا إلى مَن دونه من الأمة، بل تولى سبحانه وتعالى قسم ذلك
بنفسه، وبيَّنه أكمل بيان، فقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً
مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة:60] يعني: أن الله
فرض أن تكون الصدقات لهؤلاء، وهذا الفرض ناشئ عن علم وعن حكمة، ولهذا
قال: { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة:60] فهو سبحانه وتعالى
أعلم بمن هو أهل للزكاة، وهو سبحانه وتعالى أحكم؛ حيث وضعها في موضعها.
نرجع إلى أول الآية فنقول: إن الآية قد صُدِّرت بـ(إِنَّمَا) وإِنَّمَا
من أدوات الحصر، والحصر يعني: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه.
ويعني: أن هناك أشياء خرجت عن هذا المحصور؛ لأنه لو دخل كل شيء لم يكن
للحصر فائدة، وانتبه لهذه النقطة؛ لأنه سيكون عليها عَود إن شاء الله
في آخر الآية.
أقول: إن الحصر يفيد أن هناك شيئين: محصور فيه، وخارج عن الحصر؛ لأننا
لو لم نقل بذلك لم يكن للحصر فائدة.
إذاً: فالزكاة محصورة في هؤلاء الأصناف الثمانية، لا تخرج عنهم، ومن
أخرجها عنهم فقد وضعها في غير موضعها، قال الله تعالى: (إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ) وما المراد بالصدقات؟ الزكوات؛ لأن كلمة صَدَقَة تُطلق
على الزكاة الواجبة، وعلى صدقة التبرع، وعلى الإنفاق على الأهل، وعلى
الإنفاق على النفس، كل مالٍ يُبذل لله فإنه صدقة، لكن المراد بالصدقات
هنا: الزكوات، بدليل قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ
سَكَنٌ لَهُمْ } [التوبة:103] .
وبدليل: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر كتب: [ هذه فريضة
الصدقة -يعني: الزكاة- للفقراء .
] اللام للتمليك والاستحقاق، أي: أنهم يملكونها على وجه الاستحقاق لها،
فهم يملكونها على أنها حلال لهم، كما لو كسبوها بالبيع والشراء [ .
للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم ] أربعة في نسق
واحد، كل هؤلاء الأربعة داخلون في ضمن ما تقتضيه اللام، اللام من
الاستحقاق والتمليك.
الفقراء والمساكين محتاجون؛ لكن الفقراء أحوج من المساكين، ودليل ذلك
أن الله بدأ بهم في الاستحقاق، وإنما يُبدأ بالأهم فالأهم، والأَولى
فالأَولى .
الفقراء
الفقراء: يقول العلماء: هم الذين لا يجدون شيئاً من الكفاية، أو يجدون
دون نصفها.
فمثلاً: إذا كان هناك رجل عنده عائلة، ليس له كسب لا من عمل، ولا من
تجارة، ولا من غلة وقف، نسمي هذا فقيراً.
مثال آخر: رجل عنده راتب وظيفة مقداره (2000) ريال؛ لكن عنده عائلة
كبيرة لا يكفيها إلا ستة آلاف ريال في الشهر، والراتب (2000) ريال في
الشهر، ما هذا؟ فقير.
لماذا؟! لا يجد نصف الكفاية؛ لأن راتبه (2000) ريال، ومصروفه .
! (6000) آلاف.
إذاً: فهو لا يجد نصف الكفاية.
مثال ثالث: رجل عنده راتب (3000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000)
ريال، هذا مسكين؛ لأن المسكين يجد نصفها فما فوق؛ لكن لا يجد الكل.
مثال رابع: رجل راتبه (4000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال،
هذا مسكين؛ لأنه لا يجد الكفاية، إنما يجد أكثر الكفاية.
مثال خامس: رجل عنده راتب (6000) ريال، وإنفاقه الضروري (6000) ريال.
هذا غني، ليس فقيراً، ولا مسكيناً.
إذاً: عرفنا أن الفقير هو الذي لا يملك نصف الكفاية؛ يعني: لا يملك
شيئاً، أو لا يملك إلا أقل من النصف.
المساكين
وأما المسكين فهو: الذي يملك النصف؛ لكن لا يملك الكل.
هذا هو الفرق بينهما.
هذان الصنفان يأخذان الزكاة لحاجتهما أو للحاجة إليهما؟ لحاجتهما.
إذاً: فما دام في الحاجة على وصف الفقر والمسكنة فهما من أهل الزكاة،
وإذا اغتنيا فليسا من أهل الزكاة.
حسناً! الغنى ينقسم إلى قسمين: غنى بدن.
وغنى مال.
أما غنى المال فعرفتموه، الذي يجد الكفاية.
أما غنى البدن فهو الذي لا مال عنده؛ لكنه يستطيع أن يكتسب ببدنه، قوي
مكتسِب، ما عنده مال، ما عنده ادِّخار؛ لكن يستطيع أن يعمل وينفق على
نفسه وأهله، هذا نقول عنه: إنه غني.
ولهذا جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه الصدقة، فنظر
فيهما عليه الصلاة والسلام فقال: ( إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها
لغني، ولا لقوي مكتسِب ) هذا نسميه غناً بدنياً، أو نسمي صاحبه غنياً
بالبدن.
فإن كان قوياً لكن لا يكتسب لأن البطالة في البلد كثيرة، لا يجد عملاً!
أسميه فقيراً؟ نعم؛ لأنه قوي كالفيل من قوته؛ ولكنه لا يجد عملاً؛ لأن
هناك بطالة، فنقول: هذا فقير.
{ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } [التوبة:60].
العاملون عليها
الثالث: { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } [التوبة:60] : انتبه لكلمة
(عامل عليه)، ولم يقل: (العامل فيها)، { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا }
و(العاملين فيها) بينهما فرق عظيم: العامل عليها يعني: الذي له ولاية
عليها، ولهذا جاء حرف الجر (على) دون (في)، فمن هو العامل عليها؟ هو
الموكل من قبل ولي الأمر على قبض الزكاة من أهلها وصرفها في مستحقها،
هذا العامل عليها.
إذاً: العمالة نوع من الولاية.
أما العامل فيها فليس له حق منها، ولنضرب مثلاً يتضح به المقام: أرسل
ولي الأمر هيئة لقبض الزكاة من سائمة بهيمة الأنعام، من الإبل، فقبضت
من الزكاة أربعين بعيراً، هذه الإبل تحتاج إلى راعٍ، استأجرنا لها
رعاة، فعندنا الآن على هذه الإبل عاملون عليها وهم: الهيئة الذين نصبهم
الإمام، أو نصبهم ولي الأمر، وعندنا عاملون فيها وهم: الرعاة.
العاملون عليها يُعطَون نصيبهم من الزكاة، وأما العاملون فيها فيُعطون
نصيبهم من بيت المال، يُجعل لهم راتب من قبل ولي الأمر، ولا يأخذوا
شيئاً من الزكاة؛ لأن الله قال: { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا }
[التوبة:60] ولم يقل: العاملين فيها.
هؤلاء نعطيهم لحاجتهم؟ أو للحاجة إليهم؟ للحاجة إليهم.
نعم، للحاجة إليهم، ولهذا نعطيهم ولو كانوا أغنياء؛ لو كان العامل
عليها غنياً ثرياً عنده أموال كثيرة أعطيناه من الزكاة؛ لأننا لسنا
نعطيه لحاجته، بل للحاجة إليه.
حسناً! هذا رجل معتبر في البلد يعطيه الناس زكواتهم يفرقها، هل يكون من
العاملين عليها؟ لا؛ لأننا قلنا: العاملون عليها الذين ينصبهم مَن؟ ولي
الأمر، لهم ولاية؛ لكن هؤلاء وكلاء عن أصحاب الزكاة وليسو عاملين
عليها، فالذي عليه الزكاة يجب أن يؤديها إلى الفقير إما بنفسه وإما
بوكيل، وهؤلاء وكلاء عمَّن عليهم الزكاة، عن أصحاب الأموال؛ ولذلك لا
يعطَون من الزكاة على أنهم عاملون عليها.
ولو تلف المال عند هذا الرجل، هل يكون مضموناً للفقراء أو لا؟
الجواب
مضمون للفقراء على كل حال؛ لكن إن كان متعدياً أو مفرطاً فالضمان عليه
دون صاحب المال، وإن كان غير متعدٍّ ولا مفرِّط فالضمان على صاحب
المال.
المهم أن المال مضمون للفقراء؛ لكن لو تلف المال عند العاملين عليها،
هل يكون مضموناً للفقراء؟ لا؛ لأن العامل عليها يقبضها باسم ولي الأمر،
فإذا دفع أهل الأموال الزكاة إلى العاملين عليها فقد برئت ذممهم؛ لأن
العاملين عليها أيديهم أيدي ولاة الأمور، فقد وصلت إلى أصحابها،
انتبهوا! وبناءًَ على ذلك فإن جمعيات البر الخيرية المصرَّح لها من قبل
الدولة إذا وصلها المال، فقد برئت ذمم أصحاب المال؛ لأن هؤلاء وكلاء عن
الدولة وعن ولي الأمر، بخلاف الذي يُرسل أهل الأموال زكاتهم إليه،
لكونه عارف بالبلد، وثقة، فإن هذا لو تلف المال عنده لكان مضموناً
للفقراء.
عليه أو على صاحب المال؟ حسب التفصيل الذي ذكرنا؛ عليه إن فرَّط أو
تعدى، وإلاَّ فعلى صاحب المال.
المؤلفة قلوبهم
الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم : قال تعالى: { وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ } [التوبة:60] لماذا أنث المؤلفة مع أن (القلب) مذكر؟ لأن
القلوب جمع.
وكل جمع مؤنث، نعم، كما قال الزمخشري :
لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنثُ
نعم، كل جمع مؤنث، فيجوز تأنيثه إلا جمع المذكر السالم فإن اللغة
المشهورة أنه لا يؤنث، فلا يصح أن تقول: جاءت المسلمون؛ لكن يصلح أن
أقول: جاءت الرجال؛ لأن الرجال جمع تكسير، والمسلمون جمع مذكر سالم.
قال ابن مالك :
والتاء مع جمعٍ سوى السالم مِنْ مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللَّبِنْ
إذاً: المؤلفة قلوبهم أُنِّث الوصف؛ لأن القلوب جمع، فيجوز تأنيثه.
المؤلفة قلوبهم يعني: الذين يُعطَون من الزكاة لتأليف قلوبهم وجذبها
إلى الإسلام وإلى الإيمان، قال العلماء: والمؤلفة قلوبهم أصناف: أولاً:
مَن يُعطى ليَقوَى إيمانُه.
والثاني: مَن يُعطى ليُؤمِن نظيرُه.
والثالث: مَن يُعطى ليُدفَع شرُّه.
كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم.
والرابع: مَن يُعطى لإيمانه، يعني: ليُؤمِن، ليس ليَقوَى إيمانه، بل
ليُؤمِن.
فنعطيهم لهذه الأغراض.
رجل رأيناه مقبلاً على الإيمان؛ لكن يحتاج إلى جذب، فأعطيناه من الزكاة
ليؤمن، نقول: صحيح؛ لأنه مؤلَّفٌ قلبُه.
رجل آخر مؤمن لكن إيمانه مهزوز، فأعطيناه ليثبت، يصح.
الثالث: مؤمن؛ لكن له نظير إذا أعطينا هذا ورأى الأموال أسلم نظيره،
نعطيه من أجل أن يسلم نظيره، فهنا المصلحة لغيره، أعطيناه مع أن
المصلحة لغيره.
الرابع: أن يكون هناك إنسان شرير من المسلمين فنعطيه لكف شره وأذاه.
كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم.
ولكن اختلف العلماء: هل يُشترط أن يكونوا سادة ذوي طاعة في قومهم -لأن
السادة إذا صلحوا صلح من تحتهم- أو لا يُشترط ذلك؟ فأكثر العلماء على
أن المؤلفة قلوبهم لابد أن يكونوا سادة كبراء في قومهم، حتى نكسبهم
ومَن وراءَهم.
ولكن بعض العلماء يقول: بل نعطي المؤلَّف، وإن لم يكن سيداً في قومه من
أجل إقامة دينه، وإذا كنا نعطيه إذا كان فقيراً لغذاء البدن؛ فالمؤلَّف
قلبُه نعطيه لأجل غذاء الروح وتقوية الإيمان، وتقوية الإيمان عند الرجل
أهم من أن يُملأ بطنُه من الطعام.
والراجح: أن ولي الأمر ينظر للمصلحة.
الرقاب
قال تعالى: { وَفِي الرِّقَابِ } [التوبة:60]:- الرقاب: يقول العلماء
أيضاً: إنها أصناف: الصنف الأول: رجل مكاتَب يُعان في أداء كتابته.
والصنف الثاني: رجل رقيق يُشترى فيُعتق.
والصنف الثالث: أسير عند الكفار وهو مسلم فيُعطى آسروه من الزكاة
ليفكُّوه.
هذه ثلاثة.
أما الأول: المكاتَب: فصورته: أن العبد يَشتري نفسه من سيده بثمن مؤجل،
وهذا مشروع، وأوجبه كثير من أهل العلم، بالشرط الذي ذكر الله في
القرآن، وهو قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
خَيْراً } [النور:33].
والأمر للوجوب عند الظاهرية، وعند كثير من المتأخرين، مثل: محمد رشيد
رضا ، وبعض العلماء.
وأكثر العلماء على أن الأمر للاستحباب؛ لأنه ملكه ولا يُلزم بإخراج
ملكه عن سيطرته.
على كل حال، ليس هذا موضع البحث في هذا والترجيح.
فإذا كاتب العبدُ سيدَه، واشترى نفسه من سيده بثمن؛ فإننا نعينه من
الزكاة من أجل أن نخلص نفسه من الرق.
والثاني: رقيق عبد: اشتريناه من سيده بالزكاة وأعتقناه.
والثالث: أسير مسلم عند الكفار: افتديناه، وقلنا للكفار: أطلقوا أسيرنا
بمال، ونعطيهم من الزكاة.
ومثله أيضاً: مَن كان أسيراً عند غير الكفار، كما يوجد في عصرنا الحاضر
ما يسمى بالاختطاف، لو أن فئة ظالمة خطفت رجلاً مسلماً وقالت: لا أطلقه
إلا بمال، فإنه يجوز أن نعطيهم من الزكاة؛ لأنه لا فرق بين اختطاف
هؤلاء وأسر الكفار، كلٌّ يراد به إنقاذ المسلم من الظلَمة.
قوله: { وَفِي الرِّقَابِ } جاءت (في) بدلاً عن (اللام)؛ لأن الرقاب لا
يشترط فيهم التمليك؛ ولهذا لو ذهبنا إلى سيد المكاتَب، وقلنا: يا فلان!
هذه قيمة الكتابة، يجوز؟ نعم يجوز، حتى وإن لم يعلم العبد؛ لأنه لا
يُشترط التمليك.
الغارمون
قال تعالى: { وَالْغَارِمِينَ } [التوبة:60]: الغارمون هم: المدينون،
وقسمهم العلماء رحمهم الله إلى قسمين: 1- غارم لنفسه.
2- وغارم لغيره.
الغارم لنفسه: هو من لحقه الدَّين لغرض نفسه، كرجل تديَّن واشترى
سيارة، تديَّن واشترى بيتاً للسُّكنى، تديَّن وتزوَّج، وما أشبه ذلك،
هذا غارم لنفسه، لمصلحة نفسه.
والثاني: غارم لمصلحة غيره: مثل: رجل رأى بين قبيلتين من الناس شحناء
وعداوة ربما تؤدي إلى الاقتتال، فقال لهم: يا جماعة، اصبروا! لنجلس على
بساط البحث والصلح لنصلح بينكم، فنعطيكم أنتم (10.
000) ريال، وأنتم نعطيكم (10.
000) وكفوا، فوافقوا، وتصالحوا على (10.
000) ريال تُدفع لكل قبيلة، الرجل هذا غرم الآن، التزم بماذا؟ بغُرْم.
بكم؟ بعشرين ألف ريال.
فهل يُعطى هذه الغرامة؟ أو نقول: نحن لم نوكلك حتى نعطيك؟
الجواب
نعطيه هذه الغرامة، حتى لو كان غنياً يستطيع أن يدفع ليس عشرين ألفاً
فحسب! بل عشرين مليوناً، فنعطيه ونقول: تفضل، هذه عشرون ألفاً أعطِ
القبيلة رقم [1] عشرة، وأعط القبيلة رقم [2] عشرة.
فهمتم؟ نعم.
لماذا نعطيه؟ لأن هذه مصلحة عامة، ينبغي أن يُشجع الفاعل عليها.
ولو قلنا: والله نحن ما وكلناك، والغُرْم عليك لكان في هذا تحطيم لأهل
الإصلاح، أليس كذلك؟ كلٌّ يقول: أنا ما علي، اتركهم يقتتلون، ما دمتُ
إذا سعيتُ بينهم بالصلح على مال صار المال عليَّ فأنا ما عليَّ منهم،
ولهذا قال العلماء: إن هذا من ذاك، المكافأة لهذا الرجل على معروفه
العظيم الذي كفَّ فيه القتال.
الغارم لنفسه مسكين، لا يُعطى إلا إذا كان فقيراً، ويُعطى بقدر غُرْمه
فقط، وإذا كان يُخشى إذا أُعطي لغُرْمه أن يُتلف المال ولا يقضي
الدَّين، قلنا: اجلس في بيتك ونحن نقضي غُرْمك، نذهب إلى الطالب ونوفي
عنه؛ لأننا لو أعطيناه وسلطناه على المال لأضاعه وأتلفه، إذاًَ: نذهب
نحن إلى الطالب ونعطيه، ونقول: فلان مطلوب لك منه بألف ريال، فخذها وإن
لم يعلم ذلك، وإن يعلم المطلوب ما علينا منه، نحن الآن أعطيناه، ولهذا
قال الله: (وفي الرقاب والغارمين)، ولم يقل: للغارمين، لو قال:
للغارمين لكان يجب علينا أن نملِّك الغارم هذا المال؛ لكن قال (في)
التي للظرفية، يعني: أن الزكاة تكون في هذه الجهة؛ لا للشخص الغارم؛
ولكن يُشترط للغُرْم للنفس: أن يكون عاجزاً عن السداد، فإن كان قادراً؛
فإنه لا يُعطى.
واشترط بعض العلماء: أن يكون غُرْمه في غير حرام، فإن كان في حرام؛
فإنه لا يُعطى، بل يقال: تُبْ أولاً، ثم نعطيك ثانياً.
فإن كان هذا المدين، وهو الغارم لنفسه قادراً على الوفاء؛ فإننا لا
نعطيه؛ لأنه ليس بحاجة.
ولو كان عنده سيارة تساوي (10.
000) ريال، وهي سيارة كبيرة عليه، بمعنى أن مثله لا يقتنيها؛ لأنها
فخمة، أنا قلت: بعشرة آلاف ريال، وأظنها تساوي أكثر.
عنده سيارة بمائة ألف؛ ولكنه يستطيع أن يبيعها بمائة ألف، ويشتري سيارة
بعشرين ألفاً، والدَّين الذي عليه (60.
000)، ماذا نقول؟ لا نعطيه؛ لأنه قادر على الوفاء.
اشترط بعض العلماء أن يكون الغُرْم في غير حرام: فلو كان هذا الرجل
غارماً؛ لكن غُرْمه بسبب شراء الدخان، فعلى هذا القول لا نعطيه؛ لأننا
لو قضينا دَينه الحاصل عليه في المحرم لكان في هذا إغراء له على
المحرم، أليس كذلك؟ لذلك قالوا: لا يُعطى حتى يتوب، فنقول لهذا الرجل:
تُبْ من شرب الدخان ونقضي دَينك، أما أن تأتي إلينا تطلب منا أن نوفي
عنك ثمن شيء محرم من أجل أن تزيد في شراء المحرم، فإننا لا نعين على
الإثم والعدوان.
وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه يُشترط أن
يكون الغُرْم في غير حرام؛ لأنه إذا كان في حرام وسدَّدنا عنه فقد
أعناه على الحرام.
لو أنه غرم في زواج، هل يُعطى؟ نعم يُعطى؛ لأن هذا غُرْم في غير حرام،
بل قد يكون في واجب، فيُعطى ويُسدَّد، كل الدين الذي عليه؟ نعم، كل
الدَّين، لو يبلغ (100.
000) نسدِّده، ولو من زكاة رجل واحد.
وبعض الناس أخذ على العادة القديمة، حيث يوزع زكاته على عشرة ريالات،
وريالين، وما أشبه ذلك، هذا زمن مضى، الآن العشرة ريالات ليست بشيء عند
الناس.
نعم، يقول: أنا أحب أن يكون نفعها عاماً، وينسى أن الوقت تغيَّر، الآن
إذا أعطيته شيئاً كثيراً انتفع انتفاعاً كبيراً؛ لكن إذا أعطيته عشرة
ريالات، مباشرة يذهب يشتري بها برتقالاًَ، لماذا؟ لأنها لا تساوي
شيئاًَ، فيبددها.
لذلك يجب أن نقول: شمول الزكاة مع إعطاء اليسير في الوقت الحاضر قد
تكون من غير المصلحة، أما حين كان الناس يشترون الذبيحة بخمسة عشر
قرشاً، يعني: بريال إلا ربعاً، ويشتري البُر الذي تطبخ فيه الذبيحة
الكاملة بربع ريال، فإن هذا يصح أن نقول: توزَّع الزكاة على عشرة وعلى
ريال، وما أشبه ذلك؛ لكن الوقت اختلف.
في سبيل الله
قال تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة:60] : في سبيل الله،
سبيل بمعنى: طريق، وسبيل الله: كل ما يوصل إلى الله فهو في سبيل الله،
قال الله تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }
[الأنعام:153] فكل ما يوصل إلى الله فهو من سبيل الله.
فمن ثَمَّ حصل خلاف بين العلماء في المراد بسبيل الله، فقال بعض
العلماء: المراد بقوله: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } كل ما كان مقرِّباً
إلى الله من الجهاد، والعلم، وإصلاح المدارس، وبناء المساجد، وإصلاح
الطرق، كل شيء.
ولكن أكثر أهل العلم قال: المراد من { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } ما
تُبذل فيه النفقة لإعلاء كلمة الله، وهو جهاد الكفار، كما قال تعالى: {
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً
بَلْ أَحْيَاءٌ } [آل عمران:169].
وقال تعالى: { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ
لَوْمَةَ لائِمٍ } [المائدة:54] .
وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } [التوبة:111] ماذا؟ { بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة:111].
فالمراد من { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } الجهاد، وهذا هو الصحيح، ويدل
لصحة هذا وأن المراد بقوله: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } خصوص الجهاد،
الحصر الذي استفدناه من قوله:(إنما) وهذا هو الذي أشرتُ إليه، وقلتُ
لكم إنه سيأتي عودٌ عليه في آخر الآية.
فالمراد الجهاد في سبيل الله: وهو قتال الكفار، ولا فرق بين أن تعطي
المجاهدين أو تشتري أسلحة ليجاهدوا بها، لا فرق، فيجوز مثلاًَ أن تشتري
أسلحة بالزكاة وتعطيها إياهم؛ لكن الذي يتولى الشراء ولي الأمر، أنت
ادفع الدراهم ليُشترى بها السلاح، ويجوز أن تعطي المجاهد نفسه، ليجاهد
في سبيل الله.
ابن السبيل
أما قوله: { وَابْنِ السَّبِيلِ } [التوبة:60]: فالسبيل هو: الطريق.
وابن: الذي ولَدَهُ الطريق.
لا! لماذا؟! الطريق لا يلد أحداً؛ لكن ابن السبيل المراد به: المسافر؛
لأنه لملازمته للسفر أو للطريق صار مثل الابن له؛ لأن الابن والأب
متلازمان، قالوا: ومنه قوله العرب: ابن الماء، لطير الماء.
فهناك طير يُسَمَّى طير الماء معروف، يُسَمَّى ابن الماء، مع أن الماء
لم يلده؛ لكنه ملازم له.
إذاًَ: فابن السبيل هو: المسافر، فإذا وُجد مسافر في بلد قد انقطع به
السفر أُعطي من الزكاة ما يوصله إلى بلده، ولو كان هو في بلده غنياً؛
لأنه الآن محتاج.
فهؤلاء ثمانية أصناف، هم أهل الزكاة، إذا صُرِفت في غيرهم فإنها لا
تُقبل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا
فهو رد ) .
واعلم أن الواجب بمقتضى الأصول الفقهية أن نأخذ بالعموم، فلا نخرج
أحداً من هؤلاء إلا بدليل، فكل من كان فقيراً فهو من أهل الزكاة، سواء
كان أخاً لك، أو عماً، أو خالاً، أو ابن أخ، أو ابن عم، أو ابن خال، أو
أباً، أو أماً، أو جداً، أو جدةً، أو غير ذلك، كل من انطبق عليه وصف
استحقاق فهو مستحق، هذا هو الأصل.
فإذا قال لنا قائل: هؤلاء لا تدفع الزكاة إليهم.
ماذا نقول؟ نقول: نحن عندنا عموم، هات الدليل على أنها لا تقبل، إن جاء
بدليل فعلى العين والرأس، إن جاء بتعليل تشهد له النصوص فكذلك على
العين والرأس.
حكم إعطاء بني هاشم
من الزكاة
إذا كان الرجل من بني هاشم وهو فقير! هل يأخذ من الزكاة؟
الجواب
لا يأخذ.
إذاً: فيه دليل، فبنو هاشم خرجوا من هذا العموم بالدليل، والدليل أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث العباس بن عبد المطلب على الصدقة، وأراد
العباس أن يأخذ منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّها لا تَحل
لنا، إنَّها أوساخ الناس، لا تَحل لآل محمد ).
فبنو هاشم لا يأخذون من الصدقة الواجبة، هل يأخذون من صدقة التطوع؟ فيه
خلاف، اختلف العلماء: قال بعض العلماء: لا يأخذون لعموم الحديث: ( إن
الصدقة لا تحل لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس ).
وقال بعض العلماء: تحل لهم.
لكن على القول بأنها تحل لهم فيه حلُّ مُشْكِلٍ: إذا وجدنا رجلاً من
بني هاشم فقيراً والناس الفقراء يأخذون من الصدقات وهو ما يأخذ! إذا
قلنا بجواز صدقة التطوع فإشكاله ينحل، لماذا؟ لأننا سنعطيه صدقة تطوع.
وإذا قلنا بالقول الثاني: إن صدقة التطوع لا تحل لبني هاشم، ماذا؟ يصير
مشكلاً على الفقير.
نعطي له.
يكون مُشْكِلاً.
حينئذٍ ندخل في قاعدة عامة أخرى، وهي: وجوب إنقاذ الجائع، فنعطيه من
باب إنقاذ الجائع، مسكين، كل يوم الصباح نعطيه خبزاً، إذا جاء الظهر
قال: أعطوني، قلنا: لا، الخبزة تكفيك؛ لأننا لا نعطيك إلا على سبيل
الإنقاذ، والخبزة في اليوم وفنجان شاي تنقذك، نعم.
ولهذا على قول بأن الصدقة التطوع والواجبة لا تحل لبني هاشم، فيه إشكال
كبير! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنهم إذا مُنعوا الخُمُس
يُعطَون من الصدقة، ولو من الزكاة.
إذا مُنعوا من الخُمُس الذي هو: خُمُس الفيء، والآن ما هناك خُمُس،
نعم؛ لكن يجب على ولي الأمر أن يعطيهم من بيت المال، يرتب لهم رواتب من
بيت المال، إذا لم يمكن هذا قال: فإنها تحل لهم الصدقة؛ ولكن قوله هنا
ضعيف رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للعباس : ( إنها
لا تحل لآل محمد )، لم يقل: لأنهم يُعطَون من الخُمُس، مع أنهم في ذلك
الوقت يُعطَون من الخُمُس، بل قال: ( لأنها أوساخ الناس ).
فالصحيح: أنها لا تحل لهم الصدقة الواجبة سواء مُنعوا الخُمُس أو لا.
وأما صدقة التطوع فهي محل نظر؛ لكن جمهور العلماء على جواز صدقة التطوع
لهم.
الراجح في مسألة
قضاء دين الأموات من الزكاة
ذكرنا قبل قليل أنه يجوز أن نقضي الدَّين عن المدين وإن لم يعلم،
واستدللنا بأن الله قال: { وَالْغَارِمِينَ } [التوبة:60] بـ(في)، فهل
يجوز أن نقضي من الزكاة دين الميت؟ حكى ابن عبد البر أنه لا يجوز دفع
الزكاة في قضاء دين الميت بالإجماع، وأن العلماء أجمعوا على أنه لا
يُقضى من الزكاة دَين على ميت.
وقال بعض العلماء: بل يُقضى منها دَين الميت؛ لأن قضاء الدين لا يُشترط
فيه التمليك، حتى نقول: لابد أن يكون المدين حيَّاً؛ ولكن هذا القول
ضعيف.
والصواب: ما عليه الجمهور، الذي حكاه بعضهم إجماعاً، أنه لا يُقضى من
الزكاة دين على ميت، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ
الزكاة من أهل الأموال، ويؤتي بالرجل المدين ليُصلَّى عليه، ولم يُحفظ
عنه يوماً واحداً أنه قضى دين الميت من الصدقة، مع أن الصدقات متوفرة؛
لكن لما فتح الله عليه واتسع المال عنده صار يقضي دين الميت ويصلي
عليه، وهذا دليل واضح على أن الأموات لا يجوز أن تقضى ديونهم من
الزكاة، وأيضاً فإن مقتضى العادة أن الناس يعطفون على الأموات أكثر مما
يعطفون على الأحياء، فإذا قلنا بجواز قضاء الدين عن الميت، انهمك الناس
في قضاء الديون عن الأموات ونسوا الأحياء، مع أن الديون تذل الأحياء
ولا تذل الأموات، تذل الأحياء في حياتهم؛ لأن الدين ذل؛ إلا من مات
قلبُه هذا ما يذله شيءٌ أبداً؛ لكن القلب الحي يكون دينه ذلاً، وإذا
مات صار ديناً في ذمته.
فإذاًَ: يكون هناك جنايتان: إذلاله في حياته، وتعلق الدين بذمته بعد
وفاته؛ لكن الميت ليس عليه إلى جناية واحدة فقط، وهو تعلق الدين، مع أن
السنة تدل على أنه لا يوفى ديون الأموات من الزكاة.
ولهذا: القول الراجح بلا شك عندي ما عليه جمهور العلماء، وحكاه بعض
العلماء إجماعاً بأنه لا يُقضَى دين الأموات من الزكاة، أما التبرع
بقضاء دين الميت هذا شيء واسع، ولا أحد يمنع منه.
ثم قال الله تعالى: { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ } [التوبة:60] أي: أن الله فرض علينا الزكاة، وأن نصرفها في
هذه المصارف.
{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فلعلمه عزَّ وجلَّ ولحكمته جعل الزكاة
في هذه الأصناف، ولم يُسند قَسمها لا إلى الرسول، ولا إلى مَن بعده.
وإلى هنا انتهى ما أردنا أن نتكلم فيه .
الراجح في قضاء دين
الأقارب
ولكن ذكرتُ لكم أن الواجب الأخذ بالعموم، وأن كل من انطبق عليه وصف من
هذه الأوصاف فإنه تُدفع إليه الزكاة إلا بدليل، وذكرنا دليلاً في بني
هاشم، وقلت لكم: أو بتعليل اقتَضَتْه القواعد الشرعية، ومن التعليل
الذي اقتضته القواعد الشرعية أن تدفع الزكاة من أجل حماية المال.
مثال ذلك: إنسان نزل به ضيف، وإذا نزل بك ضيف وجب عليك أن تضيِّفه،
وكان هذا الرجل عنده زكاة، فاشترى بزكاته ضيافة للضيف فهذا غير جائز؛
لأنه يجب عليه أن يضيفه من ماله الخاص، فإذا انتهت الضيافة فلا بأس أن
يعطيه من الزكاة؛ لأن الضيافة واجبة؛ فأنت الآن إذا دفعت الزكاة معناه
أنك حميت مالك من ضيافة هذا الرجل.
كذلك إنسان له أب فقير، والولد غني يستطيع أن ينفق على أبيه، فقال:
أدفع زكاتي لأبي لكي يستغني بها عن الفقر؟ نقول: لا يجوز هذا؛ لأن
إنفاقه على أبيه واجب، فإذا دفع الزكاة نفقة لأبيه حمى ماله.
كذلك إنسان حصل لأبيه حادث، صدم سيارة وتكسرت السيارة، ثم قدرت بخمسة
آلاف، فدفع من زكاته (5000) عن الغرامة التي لزمت والده، هذا جائز؛ لأن
الإنسان لا يجب عليه أن يتحمل الغُرْم عن أبيه، وكذلك بالعكس، لو كان
الإنسان له ولد حصل منه حادث، وأُلزم بغُرْم خمسة آلاف، فيجوز للأب أن
يقضي غُرْمه من زكاته؛ لأن تسديد غُرْم الولد ليس واجباً على الأب.
كذلك الزوجة هل يجوز أن تقضي دين زوجها؟
الجواب
نعم يجوز ذلك؛ لأن الزوجة لا يجب عليها الإنفاق على زوجها، ولا قضاء
دينه.
هل يجوز للزوج أن يقضي دين زوجته؟ الجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأنه ليس
واجباً عليه أن يقضي دين زوجته.
فالحاصل إذاً أن نقول: الأصل أن العمومات في أصحاب الزكاة باقية إلا
بدليل من نص أو تعليل تعتبره الشريعة.
والله الموفق .
الأسئلة
وجه تقديم (الثيبات) في قوله تعالى: (ثيبات
وأبكاراً)
السؤال
لقد ذكرتم بأن إعطاء الزكاة للفقراء أفضل من إعطائه للمساكين، وذلك
لذكرهم أولاً في الآية الكريمة: { لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }
[التوبة:60] وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: { ثَيِّبَاتٍ
وَأَبْكَاراً } [التحريم:5] فهل يعني أن الثيب أفضل من البكر؛ وذلك
لورود اسمها أولاً في الآية؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه قاعدة التقديم أخذنا من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، لما دنا
من الصفا بعد أن طاف قال: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعَائِرِ اللَّهِ } [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به.
وقال العلماء في آية الزكاة: بدأ الله بالفقراء لأنهم أشد حاجة من
المساكين، وإنما يُبدأ بالأهم فالأهم، وهذا شيء واضح.
وأنا لم أقل إن إعطاء الفقراء أفضل من المساكين، فأحب أن يصحح الأخ
سؤاله، قد يكون إعطاء المسكين أفضل من إعطاء الفقير؛ لكون المسكين صاحب
طاعة وعبادة وعائلة وتعفُّف، والفقير ليس على هذا الوصف، فهنا وإن كان
الفقير أشد حاجة لكن إعطاء المسكين في هذه الحال أفضل.
ونحن لم نقل: إن إعطاء الفقير أفضل، وأنتم سمعتم ما قلتُ.
قلنا: الفقير أهم؛ لأنه أشد حاجة، وهنا فرق بين هذا وهذا، فقد يكون
فقيراً جداً وهناك مسكين أنشط منه، ونفضل إعطاء المسكين؛ لأن التفضيلات
لها اعتبارات كثيرة.
وأما ما أشار إليه في الآية الكريمة: { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }
[التحريم:5] فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتزوج المرأة ليطرب
نفسه، ويتمتع، ويتلذذ، وإنما يعتبر عليه الصلاة والسلام اعتبارات أخرى،
ولهذا لم يتزوج بكراً إلا عائشة لأنها ابنة أبي بكر الصديق رضي الله
عنه، فلهذا بدأ بالثيبات، ليشير إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام لا
يتزوج المرأة لبكارتها ولكن للمعاني الجليلة ولو كانت ثيباً.
فهذا هو وجه تقديم الثيبات على الأبكار في الآية الكريمة.
الأحوال التي يستحق
فيها العاملون على الزكاة الأخذ منها
السؤال
إذا كان العاملون عليها -يعني: الزكاة- لهم رواتب من الدولة فهل لهم
شيء من الزكاة؟
الجواب
نعم، إذا كان لهم رواتب على العمل على الزكاة، فإنهم لا يُعطَون من
الزكاة.
وأما إذا كان لهم رواتب على أعمال أخرى، وانتدبوا في الزكاة، فلهم
الأخذ منها.
وجوب الزكاة في
المواشي على السائمة منها
السؤال
من المعلوم أن البادية الآن يُطعمون المواشي ويتركونها في البر، فهل
عليها زكاة أم لا؟
الجواب
المواشي إذا لم تكن سائمة فليس فيها زكاة إلا إذا كانت للتجارة، فمثلاً
المواشي التي عند البادية إذا كانوا يعلفونها كل السنة أو أكثر السنة،
وليست تجارة، إنما هي تنمية فليس عليهم فيها زكاة، ولو بلغت مئات
الرءوس، يعني: لو فرضنا عنده (100) بعير يكد عليها، وليس هو ممن
يتَّجرون بالإبل؛ لكنهم ممن يقتنونها وينمُّونها، فإن هذا لا زكاة عليه
في إبله؛ لأنها ليست سائمة، أما لو كان ممن يتجرون بالإبل يبيعون
ويشترون فيها فعليه الزكاة، ولو لم يكن عنده إلا بعير واحد إذا بلغت
قيمتها النصاب.
مقدار النصاب في
عشرة آلاف ريال
السؤال
أنا شاب أمتلك من المال فوق (10.
000) ريال، وسمعت الوعيد الشديد على مانع الزكاة، فأرشدني بارك الله
فيك إلى ما يلي: النصاب الذي تجب الزكاة فيه! وما مقدار الزكاة عني؟
كيف أبدأ بأداء الزكاة؟ هل أبدأ بدفعها؟ أم أبدأ بحساب الحول، ثم إذا
حال الحول أخرجتُها؟
الجواب
الزكاة واجبة على المال، وإن أعده الإنسان لضرورته، فإذا كان عند
الإنسان مال، قد أعده للزواج فإن الزكاة واجبة فيه، قد أعده لشراء
البيت فإن الزكاة واجبة فيه، قد أعده لشراء الكتب فإن الزكاة واجبة
فيه؛ خلافاً لما يظن بعض العوام أن ما أعده الإنسان لضرورات حياته،
فليس فيه زكاة، هذا خطأ، المال النقدي فيه الزكاة على كل حال؛ لكن لابد
من أن يبلغ النصاب، وأن يتم الحول عليه، فلو أن الإنسان ملك (10.
000) ريال كما في السؤال؛ لكن قبل أن يتم حولها أنفقها، تزوج وبذلها في
المهر، فليس فيها زكاة؛ لأن من شرط وجوب الزكاة؟ تمام الحول.
أما النصاب فإنه في الفضة (56) ريالاً من الفضة، أو ما يعادلها من
العملة السعودية، الوَرَق، وإذا قلنا: أو ما يعادلها فإنه يختلف اختلاف
قيمة الفضة، الفضة أحياناً ترتفع قيمتها، وأحياناً تنخفض قيمتها،
فمثلاً: بلغ الريال الفضة من الفرانسي أكثر من (100) ريال بالعملة
الورقية، الآن في هذه السنة الريال بسبعة عشر ورقةً، الفرانسي كم نزل؟
من (100) إلى (17).
الريال العربي الفضة أرخص من الفرانسي، يعني: يُمكن في (10)، أنا ما
أدري عن قيمته، ما سألتُ عنه؛ لكنه يساوي (10) تقريباً، والذي يُسأل
عنه: التجار، إما الصيارفة وإما مؤسسة النقد، وإما التجار الذين
يتعاملون بالفضة، فإذا قالوا: إن الريال الفضة يساوي (10) ريالات عملة،
وكان نصاب الفضة [56] ريالاً، فكم نصاب العملة؟ (560)، وإذا قالوا:
يساوي [5] كم يصير؟ (280)، حسب السعر، وإذا قالوا: يساوي (20) صار
النصاب من العملة: (1120).
المهم أنه ما يمكن ضبطه؛ لكن اربطه بالفضة، وهي: [56] ريالاً.
على كل حال: الأسئلة نتركها للدرس القادم، ليلة الثلاثاء إن شاء الله.
نصيحة لأئمة المساجد
في تبكيرهم لصلاة الفجر في رمضان
السؤال
مما يلاحظ في رمضان أن أئمة المساجد يبكرون في صلاة الفجر جداً، ولا
يقرءون إلا من قصار المفصَّل، فهل هذه هي السنة؟ وكيف يُجمع بين ذلك
وبين الأحاديث العامة، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على راتبة
الفجر في الحضر والسفر، ويجلس بين الأذان والإقامة قدر (50) آية؟ أرجو
التعليق مع التوضيح.
الجواب
والله مشكلة الناس في الأذان مشكلة مقلقة؛ لأن أمرها خطير جداً، فأذان
الفجر حسب تقويم أم القرى فيه تقديم (5) دقائق، فالذي يؤذن على تقويم
أم القرى يكون قد أذن قبل الوقت بخمس دقائق، وإذا صلى الإنسان بعد
الأذان مباشرة، فقد صلى قبل الوقت، وصلاته مردودة عليه، وغير مقبولة.
والناس الآن نسأل الله لنا ولهم الهداية يتبارون أيهم يخرج أولاًَ، لا
يتبارون أيهم أحسن عملاً، لا.
كأن الأفضل من يخرج أولاً، وهذا غلط من الأئمة؛ لأن الإمام هو الذي
بيده الإقامة، ومن المؤذنين الذين يبكرون.
انظروا مثلاًَ أذان العشاء قررت الحكومة أن يكون بعد الغروب بساعتين،
التزم أناس طاعة لله وطاعة لولي الأمر؛ لأن الله أمرنا أن نطيع ولاة
أمورنا، وولاة الأمور عللوا التأخير بثلاث علل وفوائد، نعم، وهناك
زيادة على هذه العلل، وهو أنه أيسر للصائمين، والوقت متَّسع، وتأخير
صلاة العشاء أفضل ففيه أيضاً طاعة لله ورسوله؛ لأننا أمرنا بطاعة ولي
الأمر إلا في المعصية؛ لكن مع ذلك بعض المؤذنين نسأل الله لنا ولهم
الهداية أصروا إلاَّ أن يخالفوا الأمر، كأنما يقولون: { سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } [النساء:46] وهذا لا شك أنه
قلة فقه، لا أستطيع أن أقول قلة دين؛ لأنهم على دين؛ لكن قلة فقه، فلو
أنهم أطاعوا الله بطاعة ولاة الأمور لكان خيراً لهم، ولكان خيراً للناس
عموماً، من أجل أن يظهر المسلمون بمظهر الاتحاد والاتفاق، لا يظهرون
بمظهر واحدٍ إلى الآن، فأحدهم يكون قد انتهى من الصلاة، والآخر ما بعدُ
أذَّن، كما هو الواقع الآن في صلاة العشاء، هناك أناس يمكن انتهوا من
الصلاة، والآخرون لم يؤذنوا بعد.
فالفجر خطره عظيم جداً، والواجب التأخر، حتى نتيقن طلوع الفجر؛ لأن
الله تعالى يقول في القرآن: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ } [البقرة:187] يتبيَّن لكم، حتى قال بعض
المتأخرين: إن الله لم يقل: حتى تتبيَّنوا، إشارة إلى أننا لا نذهب
نطالع على الفجر هل طلع وإلاَّ لا، بل نبقى نأكل حتى هو يتبيَّن، وليس
نحن نذهب ندوِّرُه ونطلبه؛ لأن الله قال: حتى يتبيَّن لكم.
وعلى كل حال: سواء كان هذا مراد الله عزَّ وجلَّ أو أن المراد حتى
يتبيَّن بنفسه أو بتبيُّنه، الله أعلم؛ لكن على كل حال لابد من
التبيُّن، ولابد من التريُّث، حتى يؤدي الناس سنة الفجر، كما أمر النبي
عليه الصلاة والسلام بأن لا نزال نأكل حتى يتبيَّن الفجر، أمرنا بذلك
حينما قال: ( إن بلالاً يؤذن بليل؛ ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم، فكلوا
واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر.
قال بعض الرواة: وكان رجلاً أعمى، لا يؤذن حتى يقال: أصبحتَ أصبحتَ ).
وهل نحن الآن، هل يقال: أصبحتَ أصبحتَ إذا سمعنا المؤذنين؟! لا.
ما يقال: أصبحتَ أصبحتَ، يعني: الذين يذهبون الخلاء، ونحن لا نطيعهم؛
لكن هم يقولون: نحن إذا كنا في الخلاء لا يتبيَّن الفجر إلا بعد أذان
الناس بثلث ساعة، نعم، ولهذا يُشَنِّعون علينا، يقولون: لماذا ما تنهون
الناس عن هذا التلاعب، يصلون قبل الفجر، ويمتنعون عن الأكل قبل الفجر،
فنقول: والله نحن عندنا أشياء نمشي عليها، وهناك تقويمات، الفلكيون
العصريون اتفقوا عليها، ومسألة التبيُّن أمر نسبي، قد يتبيَّن لغيركم
ولم يتبيَّن لكم.
على كل حال: أنا أود أن نحتاط لديننا، وألا نتعجَّل في صلاة الفجر، حتى
نتيقن طلوع الفجر.
أما تقصير صلاة الفجر في أيام الصيام فليس من السنة، ليس من السنة أن
تقصِّر؛ لكن قد يكون هناك عوارض تقتضي تقصير الصلاة، مثل: لو كان الوقت
بارداً، والسماء ممطرة، والناس يُخشى أن يلحقهم البول والإدرار، ورأى
الإمام من المصلحة أن يخفف حتى لا يشق على الناس؛ لكان هذا تخفيفاً
عارضاً، والتخفيف العارض يقع حتى من الرسول عليه الصلاة والسلام، كان
يدخل في الصلاة عليه الصلاة والسلام وهو يريد أن يطيلها، فيسمع بكاء
الصبي فيخففها عليه الصلاة والسلام مراعاة لأمه.
والحمد لله رب العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
جلسات رمضانية لعام
1411هـ [7]
لقد فضل الله عز وجل شهر رمضان على سائر الشهور، لكثرة اجتماع العبادات
فيه، ففرض فيه الصيام، وأنزل القرآن، وشرع زكاة الفطر، والاعتكاف في
مساجده سبحانه، ولذا فقد حقق الله تعالى لأمة محمد عليه الصلاة والسلام
انتصارات عظيمة في شهر رمضان كغزوة بدر وفتح مكة وغير ذلك من
الانتصارات.
الفتوحات والشرائع
التي وقعت في شهر رمضان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنه بمناسبة إقبال العشر الأواخر من شهر رمضان، والتي يمضي
الناس أكثرَها في التهجد، فإن هذه الجلسة آخر جلسة في هذا العام، وذلك
في ليلة الثلاثاء، الموافق للسابع عشر من شهر رمضان، عام: (1411هـ)
اليوم السابع عشر الذي كلما مر يتذكر المسلمون فيه انتصاراًَ عظيماً
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل للأمة الإسلامية إلى يوم
القيامة، انتصار الحق على الباطل، الانتصار الذي ارتفع به مجد الإسلام،
وازداد المسلمون به إيماناً، ولم يكُ من الانتصارات التي لا يزداد بها
المنتصرون إلا بطراً وعمىً عن الحق والعياذ بالله.
انتصار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتصاراً يزدادون به شكراً
وعبادة ورجوعاً إلى الله لا رجوعاً إلى ما كانوا عليه من الفسق واللغو،
كما يفعله من يفعله من هذه الأمة.
ولهذا يجب على الأمة الإسلامية إذا أزال الله عنها ما تكره أن تشكر
الله على هذه النعمة، وأن تزداد عبادة وتقرباً إلى الله؛ لأنها إن لم
تفعل فستُسلب عنها النعمة التي عادت إليها على وجه أشد وأنكى من الأول؛
لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ
بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ *
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ }
[المؤمنون:67-77] أكبر من الأول: { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }
[المؤمنون:77] آيسون من كل خير والعياذ بالله.
فنسأل الله تعالى أن يهدي الأمة الإسلامية، وأن يردها رداً جميلاً، وأن
يجعل لها مما جرى في الأيام الماضية القريبة عبرة وعظة يحملها على
الرجوع إلى الله، وعلى تحكيم كتاب الله بين عباد الله، وعلى البُعد عن
المجون والسرف والترف الذي منه يكون التلف .
غزوة بدر الكبرى
في هذا اليوم، وهو يوم بدر خرج النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة
يريد عيراً لقريش، يعني: حمولة جاءت من الشام إلى مكة ، يريد أن يأخذها
عليه الصلاة والسلام؛ لأن قريشاً هي التي اعتدت عليه، فلا يقول قائل:
كيف يخرج يأخذ أموال الناس؛ لأن أموال قريش غير محترمة بالنسبة للرسول
عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ حيث إنهم حرب للرسول عليه الصلاة والسلام
وأصحابه، والحربي دمه غير محترم، وماله غير محترم، وهم الذين أخرجوا
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم.
فعلم كبير العير بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وهو أبو سفيان ،
وكان ذلك اليوم مشركاً، فأرسل إلى أهل مكة يستنجدهم ويستصرخهم يقول:
أنقذوا عيركم فخرجوا، ولكنهم والعياذ بالله خرجوا أشَرَاًَ وبطراً
ورئاء الناس، وخرجوا بكبرائهم لِمَا أراد الله عزَّ وجلَّ، خرجوا
بكبرائهم ورؤسائهم، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع الله بينهم
وبين رسوله صلى الله عليه وسلم على غير ميعاد.
فالتقوا في بدر ، وكانوا ما بين (1900)، والنبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه (300) رجل وبضعة عشر رجلاً فقط، ومع ذلك ليس معهم إلا سبعون
بعيراً وفرسان فقط؛ ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم على عدوهم.
قال الله تعالى: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي
مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } [الأنفال:12] الملائكة تثبت
المؤمنين: { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ }
[الأنفال:12] المؤمنون تثبيت، وهؤلاء رعب، والتثبيت يقتضي الثبات
والمقاومة، والرعب يقتضي الخوف والهرب: { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ }
[الأنفال:12] يعني: لا تأتوا من أسفل، من فوق: { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ
كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال:12] قال العلماء: يعني: كل البدن؛ حتى البنان
الذي هو أطراف البدن يُضرب من قبل الملائكة.
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
[الأنفال:13].
فانتصر المسلمون ولله الحمد، وقتلوا من قريش (70) رجلاً، وأسروا (70)
رجلاً، قتلوا كبراءهم؛ أبا جهل ، وغيره، حتى إنهم صاروا حول قُلُب بدر
جثثاً مضى عليها الزمن، وانصهرت من الشمس، ووَرمت، وجيَّفت، فسُحب منهم
(24) رجلاً من أشراف قريش وأُلقوا في القَلِيب.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أقام ثلاثة أيام في مكانه؛ لأن هذه من
عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا ظهر على قوم أقام في عرصتهم ثلاثة
أيام، ثم ركب راحلته ووقف على القَلِيب، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء
آبائهم: يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان! يكلمهم، يقول: ( هل وجدتم
ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً -الله أكبر!-
قالوا: يا رسول الله! كيف تكلمهم وهم جيَف؟! قال: ما أنتم بأسْمَعَ
لِمَا أقول منهم ) يعني: أنهم يسمعون أكثر منكم، يوبخهم عليه الصلاة
والسلام، ويا حسرتهم والعياذ بالله على هذا التوبيخ! ثم رجع النبي عليه
الصلاة والسلام غانماً معه الأسرى.
فتح مكة
وفي هذا الشهر أيضاً حصل فتح مكة ؛ لكنه في العشرين من هذا الشهر، فتح
مكة أم القرى ، التي كانت مملوءة شركاً وكفراً، ففُتِحت ولله الحمد،
فصار بدل الكفر إيمان، وبدل الشرك توحيد ولله الحمد، وجعل النبي عليه
الصلاة والسلام يطعن الأصنام التي أقيمت حول الكعبة ويقول: جاء الحق
وزهق الباطل، وجعلت تتهاوى ولله الحمد.
وهذا الشهر الكريم فيه عبادات الصيام والقيام، وقد تكلمنا عليهما،
والزكاة كما هو الغالب عند كثير من المسلمين يخرجونها في هذا الشهر،
وتكلمنا على ما شاء الله منها.
مشروعية الاعتكاف في
رمضان
وفيه أيضاً: الاعتكاف : الاعتكاف من العكوف، وهو: لزوم الشيء، كما قال
إبراهيم: { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا
عَاكِفُونَ } [الأنبياء:52] فهو: لزوم المساجد لطاعة الله، حتى يتفرغ
الإنسان للعبادة، وينقطع من الدنيا، ويقبل على ربه.
وأصل مشروعية الاعتكاف من أجل طلب ليلة القدر، انظر الليلة العظيمة! من
أجل طلبها.
اعتكف النبي عليه الصلاة والسلام العشر الأول يعني: أول الشهر، ثم
اعتكف العشر الأاوسط، يترجاها، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر،
وأُرِيَ في المنام أنه يسجد في صبيحتها على الماء والطين.
فلما تمت العشرون الأولى أَخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أنه
أُرِيَ ليلةَ القدر، وأنه رأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في ماء
وطين، وكان هذا الصبح (20)، قال: ( من كان منكم معتكفاً فليعتكف العشر
الأواخر ) لأنه ما جاءت الليلة هذه التي رآها في المنام، فلما كان ليلة
(21) أمطرت السماء، وكان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام من عريش، وهو
الذي يسميه الناس: (عِشَّة).
فلما أمطرت السماء، وَكَفَ المسجدُ، وخَرَّ المطر على الأرض، وصارت
الأرض طيناً، فلما صلى النبي عليه الصلاة والسلام الصبح سجد على الماء
والطين، ليلة (21).
فاعتكف النبي عليه الصلاة والسلام العشر الأواخر كلها.
فهذا هو أصل مشروعية الاعتكاف، ولهذا لا يُسن الاعتكاف إلا في رمضان في
العشر الأواخر منه، طلباً لليلة القدر، وما ذكره بعض الفقهاء من أنه
يُسن للإنسان أن يعتكف كل وقت، وأنه يُسن إذا دخل المسجد أن ينوي
الاعتكاف مدة لبثه فيه، فإنه قول عارٍ عن الدليل، أين النبي صلى الله
عليه وسلم من هذا؟ لم يعتكف في حياته في غير رمضان إلا مرة اعتكف في
شوال؛ لأنه ترك الاعتكاف في رمضان، لما أراد أن يعتكف خرج وإذا نساؤه
قد ضربن أخبية، يردن الاعتكاف، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (
آلْبِرَّ يُرِدْنَ؟! ) يعني: هل هنَّ يُرِدْنَ البِرَّ، يقُمْن
يعتَكِفْنَ؟! أو من أجل كل واحدة تنظر للثانية، وتسوِّي الخباء مثلها؟!
ثم أَمَر بالأخبية فنُقضت، ثم ترك الاعتكاف تلك السنة، ما اعتكف عليه
الصلاة والسلام، ثم قضاه في شوال، ولم يعتكف أبداً في غير رمضان.
إذاً: نقول لا يُسن للإنسان أن يعتكف في غير رمضان، بل لا يُسن أن
يعتكف إلا في العشر الأواخر من رمضان، فيلزم المسجد للعبادة من صلاة
وقراءة وذكر وغير ذلك، ولا يخرج منه إلا لما لابد له منه، مثل: لو لم
يكن في المسجد ميْضأة يخرج يتوضأ، وليس فيه مرحاض فيخرج يقضي حاجته،
يحتاج إلى مراجعة الطبيب يخرج، وإلاَّ فيبقى في المسجد؛ لكن لا بأس أن
يكلم أحداً من خارج المسجد، وهو في داخل المسجد، ويخرج رأسه إليه؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في مسجده، ويخرج رأسه إلى عائشة
ترجِّله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يتخذ الشعر، حيث إنه في ذلك
الوقت كان عادة الناس.
هذا مما يُسن في العشر الأواخر؛ الاعتكاف.
ويجب أن يكون الاعتكاف في مسجد تُصلى فيه الجماعة، والأفضل أن يكون في
الجامع؛ لئلا يحتاج إلى الخروج من المسجد للجمعة؛ إلا من كان إماماً أو
مؤذناً في مسجد فإنه لا يجوز أن يعتكف في الجامع؛ لأنه إذا اعتكف في
الجامع أهمل واجباً عليه وهو: الإمامة، والأذان، ومعلوم أن القيام
بالواجب أحق من القيام بالسنة، خلافاً لما يظن بعض الناس الذين ليس
عندهم فقه، تجدهم يحرصون على السنة ويهملون الواجب، يتركون ما أوجب
الله عليهم من الوفاء به، من التزام الإمامة والأذان، ويذهبون إلى
الشيء المستحب، هذا خطأ، هذا كالذي يعمر قصراً ويهدم مصراً.
قال أهل العلم: ولا بأس أن يزوره أحد من أهله أو من أصدقائه، ويتحدثون
إليه يسيراً، كما حصل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاءته
امرأته صفية بنت حيي في ليلة من الليالي، وتحدثت معه ساعة، ثم انقلبت.
وفي هذه العشر الأواخر استحباب التهجُّد كل الليل إذا أمكن؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله, وشد المئزر،
وأحيا الليل، وأيقظ أهله، ولم يكن يوقظهم في العشر الأواسط، ولا الأول،
يوقظهم للتهجد في العشر الأواخر؛ لأن العشر الأواخر تُرجى فيها ليلة
القدر؛ ليلة القدر التي من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما
تقدم من ذنبه، فينبغي للإنسان أن يحيي الليل كله بالتهجُّد إذا أمكن.
واعلم أن الاشتغال للعبادة في مقدمات العبادة تابع للعبادة، فإذا قام
الإنسان وتوضأ ومشى إلى المسجد، فكل هذا يعتبر تابعاً للعبادة، فهو من
العبادة.
وهذا التهجد ليس محصوراً في عدد معين على وجه الوجوب، يعني: معناه لا
يجب أن نقتصر على (11) ركعة، لنا أن نزيد إلى (13)، إلى (15) ركعة، إلى
أكثر من ذلك؛ حسب نشاطنا وقوتنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد
وإن كان هو بنفسه لم يزد على (11)، أو (13) ركعة؛ لكن لم يحدد، ما قال
للناس: لا تزيدوا على هذا، بل سأله رجل قال: ( يا رسول الله! ما ترى في
صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة أوترت له
ما قد صلَّى ) فهذا الرجل لا يعرف كيف صلاة الليل، فكيف يعرف قدرها؟
فأخبره النبي عليه السلام بالكيفية ولم يخبره بالكمية، يعني: بالقدر،
فدلَّ هذا على أن القدر موكول للإنسان، أحياناً يرغب الإنسان أن يطيل
القراءة والركوع والسجود ويقلل العدد، وأحياناً يرغب أن يخفف القراءة
والركوع والسجود ويكثر العدد، والأمر في هذا كله واسع ولله الحمد، ليس
شيءٌ منه واجباً، بل هو على حسب راحة الإنسان، وعلى حسب نشاطه.
مشروعية زكاة الفطر
وينبغي في هذه العشر في آخرها -بل يجب- دفع صدقة الفطر، وهي صاع من
طعام، أي طعام كان، وأطعمتنا اليوم هي: الأرز، والبُر، والتمر،
والمكرونة.
والواجب صاع من الطعام؛ لكن المكرونة فيها شيء من جنس المصران، يعني:
مجوفة، هذه لا تعتبر بالكيل؛ لأن الكيل سيكون نصف الصاع فضاء، ولكن
تعتبر بالوزن، الوزن قال العلماء: إن المعتبر البُر الرزين وهو البُر
الجيد وليس البر الخفيف.
فإذا اتخذ الإنسان من هذا مكيالاً يسع ما قدره العلماء من البُر
الرزين، فهذا هو الصاع، وقد سَبَرْنا ذلك ووجدنا أن الصاع النبوي
بالنسبة للصاع المعروف عندنا هنا في عنيزة أربعة أخماس، بل إن الصاع
الموجود عندنا يزيد بعض الشيء.
وبناءً على ذلك فإذا كان صاع النبي صلى الله عليه وسلم (4) أمداد
نبوية، فصاعنا الآن كم؟ (5) أمداد نبوية، فإذا أخرج الإنسان أربعة
أخماس صاع بصاعنا الموجود، فقد أخرج الفطرة كاملة، والفطرة: صاع من
البُر، أو التمر، أو الأرز، صاع من هذه الأطعمة لا فرق بين أن تكون
القيمة متفقة أو مختلفة، ولذلك قدرها النبي عليه الصلاة والسلام صاعاً
من طعام، قال أبو سعيد : [ وكان الطعام يومئذِ: التمر، والشعير،
والزبيب، والأقط ] مع أن هذه الأربعة مختلفة القيمة؛ لكن لا عبرة فيه.
ولهذا كان القول الصحيح الراجح الذي لا شك فيه عندنا أن إخراج القيمة
في زكاة الفطر لا يجزئ، وإخراج الفرش والملابس لا يجزئ، لابد أن تكون
من طعام؛ كما فرضها النبي عليه الصلاة والسلام قال ابن عمر رضي الله
عنهما: ( فرض النبي عليه الصلاة والسلام زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو
صاعاً من شعير ) وكان الشعير في ذلك الوقت طعاماً لهم، كالتمر.
وهذه الفطرة أفضل وقت في إخراجها صباح العيد قبل الصلاة، هذا أفضل شيء،
ويجوز قبل ذلك بيوم أو يومين، لا أكثر، ولا يجوز أن تؤخر لما بعد
الصلاة، فإن أخرتها بعد الصلاة بدون عذر فهي صدقة، ولا تُقبَل منك
زكاةً، بل تكون صدقة من الصدقات، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
أعمال الإنسان
الموفق وأعمال الإنسان الغافل
أما بقية الخمس دقائق فإننا نتكلم فيها على موعظة ينبغي للإنسان أن
ينتبه؛ لأن مواسم الخيرات أوقات ربح للإنسان الموفق، فالموفق ينتهزها
بالعمل الصالح المقرب إلى الله عزَّ وجلَّ، ولاسيما في رمضان، فيجتهد
في أداء الصلاة فريضةً، وبالتطوع، وبالزكاة إذا كان الحول قد تَمَّ،
وبالصدقة، وببر الوالدين، والإحسان إلى الخلق، وصلة الرحم والجيران
والأيتام وغير ذلك، ويتمرن في هذا الشهر على العبادة، وعلى مكارم
الأخلاق والإقبال على الله، وما هي إلا أيام وليالٍ معدودة، ثم تنتهي
وتزول، نحن الآن في الليلة السابعة عشر، ولو سألنا سائل: كم نقدر المدة
التي مضت؟ نقول: كأنها أمس، كأنها لحظات.
إذاً: فاعتبر المستقبل في الماضي، فكما أن الماضي مضى سريعاً،
فالمستقبل سوف يمضي سريعاً، فأنت انتهز الفرصة، ولا تضيع الوقت،
والإنسان الموفق -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم موفقين- هو الذي يتخذ من
عاداته عبادات، والغافل هو الذي يجعل عباداته عادات، الغافل يجيء
مثلاً: يقوم يتوضأ ويصلي على العادة، ويتناول الطعام والشراب واللباس
أيضاً على العادة.
أما الإنسان الموفق فهو الذي يجعل العبادات عبادات، يشعر بأنه يتقرب
إلى الله، وكذلك يحتسب الأجر، وأنها ستكون ذخراً له؛ يعني: سلفاً
مقدماً: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً }
[البقرة:245] الأعمال الصالحة هي في الحقيقة سلف، دراهم تقدمها لتأخذها
مضاعفة: ( الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة )
الإنسان العاقل يشعر بأن الأمور العادية يمكن أن تكون عبادات، الأكل
والشرب نحن نتناوله على أنه شهية لنفوسنا من طبيعتنا، لكن الموفق يمكن
أن يجعل هذا الأكل والشرب عبادة، مثلاً: في السحور، كلنا نجلس على
مائدة السحور، نعم، هل نشعر ونحن نأكل السحور بأن النبي عليه الصلاة
والسلام يقول: ( تسحروا فإن في السحور بركة ) ؟! إلا من شاء الله وهم
قليل.
إذاًَ: إذا جلست على السحور تذكر: أولاً: أمر النبي عليه الصلاة
والسلام في قوله: (تسحروا).
ثانياً: سنته، أنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان يتسحَّر، فكأنه
أمامك يتسحر وأنت تقتدي به.
ثالثاً: رجاء بركة هذا السحور؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(فإن في السحور بركة).
هذه الأمور الثلاثة، ما ندري هل نحن نشعر بها عند التناول للسحور أو
لا؟! أو نأكل السحور بنية دنيَّة؛ من أجل أن نستعين به على الصوم، أكثر
الناس هكذا يبيتون في السحور، لأجل يتقوَّون على الصوم، ولهذا إذا كان
في أيام الصيف الشديد الحرارة، الطويل النهار، ملأ بطنه من الماء حتى
يكون كالقربة، من أجل ألا يعطش.
لكن الإنسان الموفق يلاحظ الأمور الثلاثة التي ذكرناها، وهذا يأتي
بالتبعية.
في الإفطار نتناول الإفطار؛ لأن الطبيعة تقتضي ذلك وتطلبه، فنأكله
تمتعاً وتلذذاً؛ لكن هل نحن نشعر بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:
( إذا أفطر أحدكم فليفطر على رُطَب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن يجد فعلى
ماء ) هل نشعر بهذا؟! وأننا نفطر امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة
والسلام؟! أو نشعر بأننا نفطر ونبادر بالفطور رجاء الخير؛ لأن النبي
عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )؟
احرص أن تكون مائدة الإفطار عندك وقت الأذان، من أجل أن تبادر، فلا
يؤذن وأنت بعيد عن الأكل، إن أذن وأنت بعيد عن الأكل ربما يفوتك الخير،
بادر بالأكل: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ).
وفي الأثر أن الله تعالى يقول: ( أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً ) .
إذاً: انظر! العبادات عند الغافل عادات، والعادات عند العاقل عبادات.
كلنا يلبس الثياب عند الصلاة، وعند الخروج إلى السوق، هل نحن نشعر
بلباسنا عند الصلاة أننا ممتثلون قول الله عزَّ وجلَّ: { يَا بَنِي
آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف:31] عندنا
مثلاً ومن عاداتنا أننا نغطي الرأس بالزينة، يعني: الواحد منا يلبس
غترة وشماغاً، فهل إذا أراد أن يصلي يحرص على لباس الغترة والشماغ
وجميع اللباس وإلاَّ لا؟! نعم؛ لأن الله يقول: { خُذُوا زِينَتَكُمْ }
[الأعراف:31] ؛ لكن لو كنا في بلد اعتادوا ألا يلبسوا اللباس فوق
الرأس، صار كشف الرأس عندهم لا نقص فيه، ولا ينقص الصلاة شيئاً؛ لماذا؟
لأن الزينة لا تتناوله.
فالزينة في كل موضع بحسبه، إي نعم.
مداخلة: هل لبس (المشلح) زينة يا شيخ؟ الشيخ: لا، لبس (المشالح) الآن
بدأت تَخِفُّ، كان الناس من قبل يلبسون (المشالح) كثيراً، حتى صغار
السن، الواحد له (13) سنة، (14) سنة يشتري له أبوه (مشلحاً)، ويرى أن
هذا فخراً، الآن صار الأمر بالعكس، تأتي المسجد وما تجد فيه إلاَّ إن
وجدتَ واحداً، أو اثنين، وحتى أيضاً الموجودون يلفتون النظر.
على كل حال، كل شيء بحسبه.
فالخلاصة: أنه ينبغي أننا نختم هذا الشهر بكثرة الأعمال الصالحة
والرجوع إلى الله، واسألوا الله تعالى الثبات، والقبول، واغتنام
الفرصة.
والله الموفق .
الأسئلة
نصيحة في منع النساء
من النزول إلى الأسواق في ليالي رمضان
السؤال
أمر مهم وخطير نشاهده في العشر الأواخر من رمضان، وهو كثرة نزول النساء
إلى السوق لشراء ملابس العيد؛ لكن الطامة الكبرى أنه ينقلب الليل
نهاراً، وموسم العبادة والتجارة مع الله إلى موسم تجارة مع الخلق، مع
أنه يمكن النزول في النهار، فما نصيحتكم للنساء وللرجال؟ وما تعليقكم
على هذا؟
الجواب
نصيحتي لهؤلاء النساء وأوليائهنَّ: أن يتقوا الله عزَّ وجلَّ في هذه
الليالي المباركة التي يُرجى فيها الأجر، فإن نزول النساء إلى الأسواق،
ولا سيما أن بعض النساء تنزل على وجه فيه فتنة -والعياذ بالله- من
الطيب واللباس الجميل، والحركات التي تثير الشهوة، فنصيحتي لهؤلاء أن
يمنعوا نساءهم منعاً باتاً من النزول في الليل، وأن كل واحد منهم يقول
لكل واحدة من النساء: أي حاجة تريدينها أطلبيها مني وأنا آتي بها، أو
أنزل أنا وإياكِ بالنهار.
أما بالليل فعليهم أن يريحوا الخلق من الفتنة؛ لأنه كثيراً ما تثار
الشهوة إلا من هذه المسألة.
ومعلوم أن مزاحمة المرأة للرجال من الأشياء المحرمة، حتى إن المرأة في
المسجد يُندب لها أن تكون بعيدة عن الرجال، خير صفوف النساء آخرها، بل
إن المرأة لا مكان لها في صف الرجال، تصلي وحدها خلف الصف، كله من أجل
أن لا تقرب من الرجل، بينما لو جاء رجل يصلي في مكانها لكانت صلاته
باطلة؛ لأن الرجل لا يقوم خلف الصف وحده إلا لعذر، أما هي لا تقوم في
الصف، تكون خلف الصف، كل ذلك من أجل البعد عن الفتنة.
وأرى من الواجب على الرجال أن يمنعوا النساء من النزول في ليالي العشر،
حفظاً لهنَّ، وحفظاً للشباب الذين يتجولون في هذه الأسواق.
حكم قضاء الاعتكاف
الفائت في رمضان
السؤال
ذكرتَ في أثناء الكلام عن الاعتكاف أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك
الاعتكاف سنة، وقضاه في شوال، فهل يُسن قضاء الاعتكاف مطلقاً؟ أو يجب
قضاؤه وجوباً؟ أرجو التفصيل في ذلك؟
الجواب
ليس بواجب أن يُقضى الاعتكاف؛ لأنه سنة، والسنة إن شاء الإنسان فعلها
وإن شاء تركها.
وأما قضاؤه لمن فاته فإن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم
التأسي، فإذا كان من عادة الإنسان أن يعتكف وترك الاعتكاف في رمضان
لعذر، وقضاه في شوال، فله قدوة وأسوة وهو الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقد يقول قائل: إن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في شوال
لئلا تظن الأمة أن استحبابه نُسِخ من أجل فعل نساء النبي عليه الصلاة
والسلام، كما أن العلم بليلة القدر نُسِخ من أجل تلاحِي رجلين من أصحاب
النبي عليه الصلاة والسلام، فإن النبي عليه الصلاة والسلام خرج ذات يوم
ليخبر أصحابه أن ليلة القدر في تلك السنة في الليلة المعينة، فتلاحى
رجلان، يعني: تخاصما، فرُفِعت، فيمكن أن يقول قائل: إن النبي صلى الله
عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال لما لم يعتكف العشر الأواخر من
رمضان؛ لئلا تظن الأمة أن الاعتكاف نُسِخ، لا من أجل التشريع؛ لكن
الأصل المشروعية.
حكم اعتكاف النساء
في المساجد
السؤال
ما حكم اعتكاف النساء في المساجد الخاصة بهن؟ وهل يجوز لها أن تعتكف مع
زوجها في المسجد إذا كان هناك خباء لهما؟ وإذا كان لا يجوز في الحالتين
فهل للنساء نصيب في الاعتكاف؟ أرجو بيان ذلك، وجزاك الله خيراً.
الجواب
أما اعتكاف المرأة في بيتها فليس بشيء كما نص عليه العلماء؛ لأن الله
قال: { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [البقرة:187] .
وأما اعتكافها في المسجد مع زوجها فهذا يمكن، مثل أن تكون حجرة الزوج
في المسجد داخل المسجد، وتعتبر من المسجد فإن الاعتكاف ممكن من الزوج
وزوجته في هذه الحجرة.
وأما صنع الأخبية لهنَّ في وسط المساجد في عصرنا الحاضر ففيه تضييق على
الناس، وربما يكون فيه فتنة تربو مفسدتها على مصلحة الاعتكاف.
القيام ببر الوالدين
أعظم من الاعتكاف في الحرم
السؤال
أيهما أفضل لمن أراد الاعتكاف في المسجد الحرام: أن يعتكف، أم يقوم
بشأن والديه بالذهاب بهما للحرم وإرجاعهما للمنزل طيلة ليالي العشر؟
الجواب
الأفضل له أن يقوم بشئون والديه؛ لأن بر الوالدين أفضل من الجهاد في
سبيل الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله عبد الله بن مسعود
، قال: ( يا رسول الله! أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها؟
قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: بِر الوالدين، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل
الله ) فبر الوالدين لا شك أفضل من الاعتكاف، فإذا كان والداه محتاجَين
له فإن الأفضل القيام بحاجتهما سواء في مكة أو في بلدهما.
جواز الخروج من
المعتكف للحاجة
السؤال
إذا أردتُ الاعتكاف في المسجد الحرام، فهل يجوز لي أن أذهب لكي أشتري
طعاماً، خصوصاً وأني لا أجد من يحضر لي طعاماً؟ ومتى تنتهي مدة
الاعتكاف إذا كانت في العشر الأواخر؟
الجواب
نعم، يجوز للمعتكف إذا لم يكن له أحد يأتيه بأكله وشربه أن يخرج ويأكل
ويشرب ثم يرجع؛ لأن هذه حاجة لا بد منها.
وأما متى ينتهي الاعتكاف فإنه ينتهي بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛
لأن رمضان ينتهي بغروب الشمس من آخر يوم من أيامه، والاعتكاف إنما
يُشرع في رمضان، فإذا انتهى رمضان انتهى زمن الاعتكاف، وعلى هذا فإذا
خرج الإنسان من المسجد بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان إلى بيته،
فإنه يعتبر قد اعتكف العشر الأواخر.
أقسام الفقراء الذين
يسألون الناس
السؤال
يقول الله عزَّ وجلَّ: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [المعارج:24-25] فكثيراً ما
نوافق من يسألون في أبواب المساجد أو في الحرم، وقد يكون جلوسهم
وسؤالهم بشكل دائم قد اعتادوا عليه، فهل من المستحب أن نعطيهم لنحقق
ترغيب الله في ذلك؟ أرجو التفصيل في ذلك، وصلى الله وسلم على نبينا
محمد.
الجواب
أولاً: لابد أن نعرف من هو المحروم؛ لأن كثيراً من العامة يفسرون
المحروم بغير معناه الصحيح، كثير من العامة يفسرون المحروم بأنه البخيل
الذي حرمه الله من الانتفاع بماله، وليس كذلك؛ وإنما المحروم من حرمه
الله المال، وهو الفقير، والسائل: يشمل السائل لفقره، والسائل لحاجة؛
لأن السؤال مِن الناس مَن يسأل لحاجته، ومنهم من يسأل لضرورته، ومنهم
من يسأل تكثُّراًَ، ومنهم من يسأل مرضاً والعياذ بالله، فيه مرض يحب
السؤال.
فالذين لهم حق هم الذين يسألون لضرورتهم، يعني: إذا علمتَ بأن هذا
السائل في ضرورة إلى ما سأل تعرف حاله تماماً، أو لحاجته، إذا عرفت أن
هذا يحتاج، ليس هو في ضرورة يعني: أكله وشربه ولباسه وسكنه موجود؛ لكن
يحتاج إلى ما يحتاج الناس إليه مثل وقتنا الحاضر: الثلاجة، والمروحة،
والمكيف، هذا ليس ضرورياً؛ لكنه حاجة لا شك، فإذا سأل لحاجته وأنا أعرف
فإنه يُشرع لي أن أعطيه.
أما إذا سأل تكثُّراً فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من سأل
الناس أموالهم تكثُّراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر ) فإذا
عرفت أن هذا الرجل يسأل تكثُّراً؛ لأني أعرف أنه غني؛ فإنني لا أعطيه،
بل إن من حقه عليَّ أن أنصحه، وأن أقول له: اتقِ الله، فإن المسألة
كَدٌّ يُكَدُّ بها وجه الرجل، حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة
لحم، أنصحه؛ لأنني لو أعطيته في هذه الحال لأغريتُه، وشجَّعتُه على أن
يسأل بدون حاجة.
فهنا لا نعطيه، بل ننصحه؛ لأنه معتدٍ بسؤاله، والسؤال حرام عليه، وقد
قال الله تعالى: { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
[المائدة:2].
كذلك أيضاً من كان سؤاله مرضاً؛ لأن بعض الناس يحب السؤال، فهو مريض،
هذا أيضاً هل الأحسن أن نتابع مرضه، ونأخذ به، أو الأحسن أن نحاول
القضاء على مرضه؟ الثاني لا شك.
إذاً: فلنحاول القضاء على المرض، وننصحه، ونقول: هذا لا ينبغي، بل هذا
حرام عليك أن تسأل بغير حاجة.
هذه مواقفنا مع هؤلاء السُّؤَّال.
ومن السائلين -والعياذ بالله- من يظهر بمظهر المصاب بعاهة، فتجده لا
يتكلم، مع أنه إذا خرج من المسجد صار قس بن ساعدة ، يعني: خطيباً
مُصْقعاً؛ لكنه في المسجد لا يتكلم، يؤشر إشارة، أو يأتي بأصوات غريبة،
ولقد جاء في هذا المسجد رجل منذ سنوات صلى معنا المغرب، وصار يسأل
الناس وهو محدق إلى الأرض، كأن في ظهره وجع، لا يستطيع أن يرفع ظهره،
ويظهر للناس بهذا المظهر، من صلاة المغرب، وجاء الدرس، وانتهى الدرس،
والرجل هكذا محدودب إلى الأرض، جالس ونحن نتوجع له، مسكين! ما يستطيع
يرفع ظهره، وإلى أن أقيمت صلاة العشاء، وصلى العشاء، وتفرق الناس وهو
على هذه الحال، سبحان الله! يعطيه الله جلداً على هذه الحال! وأقسم لي
رجل صدوق ثقة قال: هذا الرجل الذي رأيناه البارحة والله إنه ليقفز قفز
الغزلان في الحائط، يقول: رأيته أنا بعيني.
فيوجد بعض الناس والعياذ بالله عنده مرض السؤال، هذا لا ينبغي أن
نساعده، بل الذي ينبغي أن ننصحه؛ حتى يتخلص من هذا المرض.
وجوب إخراج زكاة
الفطر طعاماً
السؤال
ذكرتُم أنه لا يجوز أن تُخرج زكاة الفطر نقداً، فإذا طَلب ذلك ولي
الأمر فهل يُطاع؟
الجواب
لا.
لا يُطاع؛ بمعنى: أنه لا تبرأ الذمة بدفعها؛ ولكن يُعطى ولي الأمر ما
طلب؛ لئلا ننابذه، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( اسمع وأطِع،
وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ).
والأحوط للإنسان، والأبرأ لذمته أن يُخرجها من الطعام؛ لأنه قادر عليه.
ونظير ذلك: أن يقول ولي الأمر: لا أحد يصلي بطهارة، هل يُطاع؟ لا.
ما يُطاع، حتى لو صلى الإنسان بغير طهارة ما قُبِِلت منه؛ ولا يجوز أن
يُطاع أحدٌ في معصية الله.
فالأحوط بلا شك لهذا الذي يجبره ولي الأمر أن يسلم زكاة الفطر دراهم أن
يخرجها من الطعام، وينوي بهذه الدراهم التي أعطاها امتثال أمر النبي
عليه الصلاة والسلام في السمع والطاعة.
حكم الجهل بصيغة
التشهد
السؤال
امرأة كبيرة في السن تصلي ولله الحمد؛ ولكنها تقول بأنها لا تعرف أن
تقرأ إلا التحيات لله والصلوات والطيبات فقط، فتقول: فما الحكم في ذلك؟
وهل تصح صلاتها أم لا؟
الجواب
إذا كانت لا تعرف من التحيات إلا هذه الكلمات الأربع: التحيات لله
والصلوات والطيبات، فإنها ما عجزت عنه يسقط عنها، لقول الله تعالى: {
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة:286] .
وقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16] .
والتحيات لا نعلم لها بدلاً، الفاتحة إذا عجز الإنسان عنها ولم يحفظ،
قلنا له: اقرأ ما سواها من القرآن بقدر الفاتحة، وإذا قال: لا يعرف
شيئاً من القرآن، قلنا: سبِّح، واحمَد، وهلِّل، وكبِّر بمقدار الفاتحة،
ثم اركع، أما التشهد فلا بدل له، فإذا كانت لا تعرف إلا هذه الأربع
يسقط عنها، لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }
[التغابن:16].
ما ينبغي فعله يوم
العيد وليلة العيد
السؤال
ماذا يفعل المسلم في ليلة العيد ويوم العيد، خاصة وأن الناس قد اعتادوا
في هذه الأيام أن يخرجوا إلى الأسواق والمنتزهات؟
الجواب
ليلة العيد كغيرها من الليالي يعني: ينبغي للإنسان أن يستغلها بما
ينفعه عند الله عزَّ وجلَّ، ومن ذلك: كثرة التكبير، والتحميد،
والتهليل: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله
أكبر، ولله الحمد.
وأما الخروج إلى المنتزهات إذا كان خروجاً نزيهاً ليس فيه تبرج النساء،
ولا اختلاط بهن فإنه لا بأس به؛ لأن الأصل الحِل، وإن كانت الحال
الأولى أحسن، وهي أن نستغلها بطاعة الله عزَّ وجلَّ؛ لكن الشيء الذي لم
تدل الشريعة على تحريمه الأصل فيه الحِل.
ولكن يجب أن نلاحظ شيئاً آخر، وهو: ألا نتخذ من هذا التنزُّه أذية؛
لأنه أحياناً يحصل أذية إما بالسيارات، وإما بالدراجات الهوائية، فبعض
الناس يتجول في الأسواق بالسيارات ويُفَحِّط، ويستخدم بوق السيارة
المزعج، أو يكونون صغاراً معهم دراجات هوائية يؤذون بها الناس، ويعرضون
أنفسهم لخطر السيارات، وشر من ذلك أيضاًَ: ما يفعله بعض الناس من
المفرقعات، الذين يشغلون الناس بها ليلاًَ ونهاراً، ما يكفيهم أن
يقتصروا على ليلة العيد حتى يعلم الناس أنه عيد، قد علموا أنها عيد
بدون مفرقعاتهم؛ لكن هم يقولون: نحن نفعل هذا من أجل أن يعرف الناس أنه
عيد، وهم لا يقصدون هذا، فهم إلى قبل البارحة، وهم يضربون هذه
المفرقعات للإخبار بدخول شهر رمضان، وهو قد شارف على الانتهاء الآن،
سبحان الله!
مشروعية الاعتكاف في
رمضان دون غيره
السؤال
إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل (11) و(13) ولم يزد
عليها، ولكنه لم يحدد عدد ركعات صلاة الليل، أليس في اعتكافه في رمضان
عدم تحديد لزمن الاعتكاف أيضاً؟ فإذا كان ليس كذلك فمن أين أخذنا تحديد
زمن الاعتكاف؟
الجواب
نحن أخذنا عدم تحديد ركعات الصلاة من جواب الرسول عليه الصلاة والسلام.
أما الاعتكاف فإنه لم يشرعه النبي عليه الصلاة والسلام إلا في رمضان،
وقد بيَّن أنه اعتكف من أجل ليلة القدر، ومن المعلوم أن ليلة القدر لا
تكون في غير رمضان، فإن ليلة القدر قطعاً في رمضان لقول الله تعالى: {
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة:185]
فالقرآن أُنزِل في رمضان، وفي أي ليلة؟ في ليلة القدر: { إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1].
فإذا أخذنا بالدليل الأول والثاني تعيَّن أن تكون ليلة القدر في رمضان،
والرسول عليه الصلاة والسلام إنما اعتكف طلباً وابتغاءً لليلة القدر.
الجمع بين الأدلة في
مسألة سماع الموتى
السؤال
سمعنا في أول الدرس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينادي أهل
القَلِيب في بدر ، وأخبر أنهم يسمعون، فكيف نجمع بين هذا وبين قوله
تعالى: { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل:80] ؟
الجواب
الجواب على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن كثيراً من المفسرين قال: إن
معنى قوله: { لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل:80] يعني: أن الميت لا
يسمع دعاء الحي، فلو أنك أتيت إلى جثة إنسان، وقلت: يا فلان! اتقِ
الله، اترك المعاصي، واعمل بالطاعات، هل يسمع؟ ما يسمع.
وقالوا: المراد بالسمع: سمع الإجابة، يعني: أنك مهما قلتَ للميت لم
يسمع سمع إجابة.
فكذلك هؤلاء الذين دعوتَهم هم بمنزلة الأموات، لن يستجيبوا، وهذا القول
أصلح.
القول الثاني: { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل:80] : يعني:
لو ذهبت إلى المقبرة تدعوهم، ما أسمعتهم.
فإذا كان كذلك فهذا العموم مخصوص لأهل بدر ، ومخصوص أيضاً، بأهل قَلِيب
بدر ، ومخصوص بالإنسان عند موته إذا دُفن، فإن الإنسان إذا دُفن وانصرف
عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم وهم ذاهبون عنه.
جواز إخراج الوالد
الزكاة عن أولاده وأولاد أولاده
السؤال
هل يحق لوالدي أن يخرج زكاة الفطر عني وزوجتي وأولادي، علماًَ أني في
منزلٍ مستقل وقادر على أن أخرجها؟ فما حكم إخراجها عني من قِبَل والدي؟
الجواب
زكاة الفطر واجبة على الإنسان نفسه، لقول ابن عمر : ( فرض النبي صلى
الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر، والعبد، والذكر، والأنثى،
والصغير، والكبير من المسلمين ) كل إنسان تجب عليه الفطرة بنفسه؛ لكن
إذا أخرجها ولي الأمر عن نفسه وعمَّن تحت ولايته فلا بأس، فإن ابن عمر
رضي الله عنه كان يخرجها عن نفسه وعن من يَمُونُهم.
فإذا أخرجها الإنسان عنه وعن أهل بيته وعن أولاده ولو كانوا في مكان
آخر ورضوا بذلك فلا حرج، بل قد يكون في هذا بر لوالديه؛ لأن بعض الآباء
لو قال له الابن: يا أبتِ! أنا أريد أن أخرج زكاة الفطر لنفسي، ربما
يغضب، ويقول: أتراني عاجز؟! أنا من يوم وأنت صغير وأنا الذي أخرج
زكاتك، واليوم تجيء وتقول: أنا سأخرج زكاتي لنفسي؟! يعني: بعض الآباء
ما عنده فهم، فإذا رأى الولد أن من أسباب رضا والده أن يمكنه من دفع
الزكاة فلا بأس، وإلا فالأصل أن الزكاة واجبة على كل إنسان بنفسه.
استحباب ذكر الدعاء
على الصفا والمروة في كل شوط
السؤال
في العمرة هل نقول الدعاء على الصفا و المروة في كل شوط، أو في الشوط
الأول فقط؟
الجواب
الدعاء الذي على الصفا و المروة الذي هو: التكبير، وقول: ( لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله
إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده ) يقال في كل
مرة، كلَّما صعدتَ على الصفا وصعدتَ على المروة فإنك تقوله.
أما قوله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ } [البقرة:158] فإنها لا تقال إلا مرة واحدة إذا دنا الإنسان
من الصفا قرأ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
} لا إذا صعد عليه، بل قبل أن يصعد، ولا يكرره مرة ثانية، ولا يقوله
عند المروة ، خلافاً لما يفعله العامة الآن يقرءون هذه الآية كلما
صعدوا الصفا وكلما صعدوا المروة ، وهذا جهل منهم، وطلبة العلم عليهم
مسئولية في هذا، إذا سمعوا أحداً يقول هذا الكلام وهو يعرفه، ويؤخذ
بقوله، قالوا له: هذا غير مشروع، فسينتفع؛ لكن بعض الناس ممن لا يعرفك
لو قلت: هذا غير مشروع أقام عليك الدنيا، وكيف ما هو مشروع؟! هذا موجود
في المنسَك.
والقرآن أيضاً.
كالذين يقولون: إذا انتهيت من القراءة قُل: صدق الله العظيم، هذا غير
مشروع، ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا انتهى من القراءة يقول:
صدق الله العظيم، قال: أعوذ بالله! أنت ما تقرأ القرآن؟! أليس الله
يقول: { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ } [آل عمران:95] ؟! نعم، يعرف كيف يستدل؛
لكنه أعمى، ما يستدل بدليل واضح في المسألة.
قال الله: { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ } يعني: إذا كمَّلت القراءة؟! لا، نحن
نقول: صدق الله، والذي لا يقول ذلك ليس بمؤمن، لكن هل هو مشروع كلما
توقفتَ عن القراءة تقول: صدق الله؟! لا، غير مشروع.
جواز الخروج من
الحرم بنية الرجوع من غير طواف وداع وسنية ركعتي طواف الوداع
السؤال
إذا أراد معتمر أن يخرج إلى جدة لاستقبال زملائه في المطار، فهل عند
خروجه من مكة عليه طواف وداع، مع العلم أنه سيرجع بعد عدة ساعات، في
نفس اليوم؟ وهل لطواف الوداع ركعتين بعده؟
الجواب
أما الشق الأول من السؤال: فليس عليه طواف وداع؛ لأن الرجل خرج وسيرجع،
ولهذا لما خرج الصحابة إلى منى في الحج لم يطوفوا للوداع، مع أنهم
خرجوا إلى الحِل، فإن عرفة من الحِل، فإذا خرج الإنسان من مكة ونيته أن
يرجع فلا وداع عليه.
وأما الشق الثاني وهو: صلاة ركعتين بعد طواف الوداع، فإن أهل العلم
يقولون: كل طواف فإنه مشفوع بركعتين سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام
لما طاف للوداع في حجه صلى بعده صلاة الفجر، ثم ركب، ولهذا لو أن
إنساناً اقتصر بعد الطواف على صلاة فريضة فإنها تجزئه عن صلاة
الركعتين؛ لأن المقصود أن يعقب الطواف بصلاة.
الزكاة في ثمر النخل
السؤال
عندي نخل في البيت، قد يبلغ النصاب، وأود أن أبيع منه إن استغنيتُ عن
بعض الثمر، فهل على الثمر زكاة، أم في نفس النخل؟
الجواب
الأصل في زكاة ثمر النخل أنه في عين التمر؛ ولكن إذا رأى الإنسان من
المصلحة أن يخرج من قيمته، فلا حرج في ذلك.
|