جلسات رمضانية 1410 هـ - 1415 هـ

جلسات رمضانية 1415هـ [1]
اختص الله شهر رمضان بخصائص تميزه عن غيره من الشهور، فسن قيامه وصيامه، وجعل من أعظم مميزاته ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وفي هذا اللقاء تعرض الشيخ لذكر بعض خصائص هذا الشهر، وأجاب عقب ذلك عن عدة أسئلة، تدور معظمها حول أحكام صيام وقيام رمضان وكذا الزكاة وغيرها.


خصائص شهر رمضان
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من اللقاءات التي تقررت في شهر الصيام، شهر رمضان، وأعني بذلك اللقاء الأول ليلة الخميس الثالث من شهر رمضان، عام (1415هـ) وأسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً وأن يتبعه بلقاءات نافعة.
يجدر بنا أن نتكلم في هذا اللقاء على شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي خصه الله تعالى بخصائص لم تكن موجودة في غيره، فمن ذلك أن الله تعالى أنزل فيه القرآن، والقرآن أنزله الله عز وجل هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، يهتدي به الناس في أمور دينهم وأمور دنياهم، ولهذا كان القرآن مشتملاً على قضايا العباد في دينهم ودنياهم، في فردهم ومجتمعهم، في حربهم وسلمهم، في رخائهم وشدتهم، في منامهم ويقظتهم، في مرضهم وصحتهم، في كل شيء.
الدين الإسلامي الذي جاء به القرآن الكريم يحل جميع المشاكل، ولكن قد تقع المشاكل إما لقلة العلم بألا يكون الإنسان واسع العلم فيخفى عليه شيء من القرآن أو السنة، وإما لقصور الفهم، يعني عنده علم لكنه قاصر الفهم، لا يفهم جيداً، فتفوته بعض الدلالات من الكتاب والسنة، تجده يحفظ لكن لا يفهم، فيفوته في ذلك خير كثير وعلم غزير، وإما من سوء القصد والإرادة، وهذا أسوأ الأمور الثلاثة في سوء القصد والإرادة.
بمعنى أن الإنسان لا يريد الحق، يبحث في الأدلة، يتأمل، يفكر، لكن لا يريد الحق، يريد أن ينتصر لقوله ولو كان باطلاً، يريد أن يكون إماماً بين الناس مشهوراً بينهم، يرائي كما يرائي المجاهد في قتاله، فهذا أيضاً يفوته خيرٌ كثير، ويحجب عنه ما تدل عليه النصوص من المسائل والأحكام، وإلا فإن القرآن هدىً للناس وبينات واضحة من الهدى والفرقان، وقد قال الله تبارك وتعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } [النحل:89] كل شيء يبينه القرآن.
وقد ضل قومٌ حين زعموا أن دين الإسلام تنظيم لمعاملة فيما بين الإنسان والخالق، يعني يقتصر على العبادات، والأحوال الشخصية، ضل هؤلاء لأنهم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم والعياذ بالله، وإلا فإننا نقول لهم: أي آية أطول في كتاب الله؟ آية الدين هي أطول آية في كتاب الله، ومع ذلك فهي في المعاملات، وما يوثق المعاملات من شهادة أو رهان، فكيف يقال: إن الإسلام لا شأن له في أمور الدنيا؟ ولا يقول ذلك إلا جاهل أو مغرض، فالقرآن الكريم تبيان لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، لكنه لغير المسلمين ليس هدىً ولا بشرى ولا رحمة؛ لأنهم والعياذ بالله { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [التوبة:124].
لأنهم يزيدون بنزولها تصديقاً، ويزيدون بنزولها عملاً فيزدادوا إيماناً { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة:125] لأنهم يزدادون بنزول الآيات كفراً إلى كفرانهم، وتكذيباً إلى تكذيبهم، واستكباراً إلى استكبارهم، فلا تزيدهم إلا رجساً -والعياذ بالله- إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يتوفانا على الإيمان.
فالقرآن يا إخواني! تبيانٌ لكل شيء، لكن الذي يحجب عنا مدلوله هو واحد من أمور ثلاث هي: الجهل، قصور الفهم، سوء القصد، الجهل يعني قصور العلم، ما يكون عندنا علم واسع، أو الفهم قاصر، أو سوء القصد والعياذ بالله، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب العقيدة الواسطية ذلكم الكتاب المختصر الواسع العلم، قال فيه: (من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق).
(من تدبر) لابد من تدبر وتفكر في المعنى، لابد أن نحسن القصد وهو قوله رحمه الله: (طالبا ًالهدى منه -والنتيجة- تبين له طريق الحق) وصدق رحمه الله.
فالمهم أنه بإنزال هذا القرآن صار الصيام فرضاً في هذا الشهر، وهي مناسبة عظيمة .


فرضية صيامه
ومن خصائص شهر رمضان أن الله فرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -وهذا ركن واحد- وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام ).
ولكن الصيام نوعان: صيام جسدي، وصيام قلبي عملي.
الصيام الجسدي: هو الإمساك عن ملذات الجسد مثل: الأكل والشرب والنكاح.
الصيام القلبي العملي: هو الإمساك عن المحرمات، وعن ترك الواجبات، وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه حيث قال: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] يعني فرض الصيام من أجل أن نتقي الله لا من أجل أن يعذبنا الله تعالى باجتناب ما نشتهيه من مأكل ومشرب ومنكح أبداً، قال الله تبارك وتعالى: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [النساء:147] لكن الحكمة البالغة العظيمة هي ماذا؟ التقوى { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) قول الزور: كل قول محرم من الغيبة، والنميمة، والسب، والشتم، وغير ذلك.
العمل بالزور: العمل بالمحرم من النظر المحرم والعمل المحرم.
والجهل: العدوان على الغير.
والجهل خصه وإن كان زوراً لأن فيه عدواناً على الآخرين، وليس المراد بالجهل هنا عدم العلم بل هو العدوان على الغير.
وعلى ذلك جاء قول الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينَ
يعني لا يعتدي أحد علينا فنعتدي فوق عدوانه، لكن تعرفون هذا كلام جاهلي، والشرع يبيح لنا أن نعتدي على من اعتدى علينا بمثل ما اعتدى علينا، فصيام رمضان ليس المقصود به أن نترك الأكل والشرب والنكاح بل المقصود هو أن ندع قول الزور والعمل به والجهل.


مشروعية قيامه
ومن خصائص هذا الشهر قيام لياليه، من أول ليلة إلى آخر ليلة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) والتراويح التي نصليها الآن هي من قيام رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ثلاث ليالٍ في رمضان وكثر الناس، حتى ملئوا المسجد، ثم تخلى وقال: ( إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ) وعلى هذا فالتراويح سنة بفعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم ترك الناس الجماعة بقيام رمضان زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج أمير المؤمنين عمر ذات يوم فوجد الناس يصلون أوزاعاً، الرجل وحده والرجلان والثلاثة فرأى أن يجمعهم على إمام واحد فجمعهم على أبي بن كعب ، و تميم الداري ، وأمرهما أن يقوما للناس بإحدى عشر ركعة، هكذا في الموطأ بإسناد صحيح ثابت.
وأما حديث يزيد بن رومان أن الناس في عهد عمر كانوا يقومون بثلاث وعشرين ركعة فهذا أولاً ليس فيه التصريح باطلاع عمر على ذلك، وما فعل في عهد الخلفاء ليس كما فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أن ما فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهو سنة إقرارية لأنه على فرض أن الرسول لم يطلع عليه فالله قد اطلع عليه ولو كان لا يرضي الله لنزل به الوحي، وأما زمن الخلفاء فما فعل في عهدهم ولم يطلعوا عليه فإنه لا يقال إنه من سنتهم، ثم إن في سنده -أعني حديث يزيد بن رومان - مقالاً معروفاً، وعلى هذا فتكون السنة في قيام رمضان إحدى عشرة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد عمر الذي أمر بهذه التراويح من قيام رمضان، ولذلك لا ينبغي أن نفرط بها، ولا ينبغي أن نختصرها وننقرها نقر الغراب كما يفعل بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية، لا يمكنون المأمومين من الطمأنينة ليسبحوا ويدعوا لأن هذا وقت قد لا يعود على الإنسان مرة أخرى، وقت ثمين، فالذي ينبغي للأئمة أن يطيلوا في التراويح يطيلوا القيام والركوع والسجود والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، حتى يتمكن الناس من الدعاء والتسبيح.
ثم إنه ينبغي للإنسان أن يواظب على هذه التراويح، وإذا دخل مسجداً فصلى فيه فلا يخرج حتى تنتهي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلب الصحابة منه أن ينفلهم بقية الليلة ويقوم بهم إلى الفجر قال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) وهذه من نعمة الله، يكتب لك قيام ليلة وأنت نائم في فراشك، فضل ونعمة، فليحرص الناس على التراويح، ولا ينصرفوا إذا صلوا في مسجد حتى ينصرف الإمام؛ ليكتب لهم قيام ليلة.
وإذا دخل الإنسان والإمام يصلي صلاة التراويح وهو لم يصل صلاة العشاء فليدخل مع الإمام بنية العشاء، حتى لو كانوا جماعة، ليدخلوا مع الإمام بنية العشاء وإذا سلم من التراويح أتموا ما بقي، ولا يضر أن تكون صلاة المأموم فرضاً وصلاة الإمام نفلاً، لأن مثل هذا وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة، فهي في حقه نفل وفي حقهم فرض.
ولما قال بعض العلماء: إنه لا يصح أن يكون المتنفل إماماً للمفترض، حاولوا رد حديث معاذ ، يعني تحريفه، فقال بعضهم: لعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يطلع ما اطلع عليه، فلا يكون هذا إقراراً من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا من العجب!! والرد على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن معاذ بن جبل شكاه بعض جماعته شكاه لمن؟ للرسول عليه الصلاة والسلام حين كان يطيل بهم، فغضب عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: ( أفتانٌ أنت يا معاذ ؟ ) وأمره أن يخفف، فكيف يقال: إن الرسول لم يعلم.
ثانياً: على فرض أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعلم به فهل الله علم به؟ نعم لا شك، وهل يقر الله تعالى أحداً يفعل ما لا يرضيه؟ أبداً، ولهذا لما كان قومٌ يخفون ما لا يرضيه بيَّنهم الله وفضحهم { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } [النساء:108] ففضحهم الله، فاحتمال أن الرسول لم يعلم به وهو بعيد، يرد بأن الله علم به وأقره، ولو كان ليس من شريعته ولا يرضاه لبينه، إذاً بطل هذا التأويل.
وقال آخرون: بل إن معاذاًَ ينوي النفل مع الرسول والفرض بقومه، سبحان الله، صلاته مع الرسول التي يأتي إليها من مكانه ليكون خلف الرسول عليه الصلاة والسلام يجعلها نافلة ويجعل صلاته بقومه فريضة هل هذا معقول؟! أبداً، الفريضة هي الأولى، والفريضة هي التي يتحرى أن يكون مأموماً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن بلاء بعض العلماء أنهم يحكمون قبل أن يستدلوا، أو يعتقدون قبل أن يستدلوا، ونحن نقول: استدل ثم اعتقد، استدل ثم احكم، هذا الصواب.
فالحاصل أنك إذا جئت وقد فاتتك صلاة العشاء ووجدت الناس يصلون صلاة التراويح فادخل معهم بنية العشاء، وإذا سلم الإمام فأتم ما بقي عليك.
ومن خصائص هذا الشهر المبارك: أن فيه ليلة القدر، أي ليلة الشرف، وليلة التقدير، فالقدر من القدر الذي هو الشرف ومن التقدير لأن هذه الليلة شريفة عظيمة، أعني ليلة القدر إذ أنها خير من ألف شهر، وفيها تنزل الملائكة والروح الذي هو جبريل، وفيها من كل أمر يأمر الله به يكتب فيها ما يكون في السنة، وهي سلام، وتنتهي إلى طلوع الفجر { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [القدر:5].
هذه الليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم يسهر الليالي من أجل إدراكها، بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعزف عن الدنيا، ويعتكف في المسجد تحرياً لهذه الليلة، فاعتكف العشر الأول طلباً لها، ثم العشر الوسطى طلباً لها، ثم قيل له إنها في العشر الأواخر، وأري أنها في العشر الأواخر فكان يعتكف في العشر الأواخر.
إذاً: يمتاز شهر رمضان بأن فيه ليلة القدر.


الاعتكاف
ومن خصائص هذا الشهر الاعتكاف، والاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله، يعني: أن يبقى الإنسان في المسجد متفرغاً لطاعة الله عازفاً عن الدنيا، ولهذا لا يبيع ولا يشتري ولا يأتي أهله، بل ولا يخرج من المسجد إلا لما لابد منه شرعاً أو حساً، مثال الذي لابد منه شرعاً: لو أصاب المعتكف جنابة وخرج يغتسل، هذا لابد منه شرعاً، ومثال ما لابد منه حساً: لو أن المعتكف ليس له من يأتيه بالطعام والشراب، فخرج ليتعشى أو يتسحر فلا بأس، والسحور يسمى الغداء المبارك، لأنه يؤكل غدوة يعني في مقدم النهار، وليس في النهار.


انتصارات المسلمين في رمضان
وقد أوقع الله تعالى في هذا الشهر المبارك انتصارات عظيمة للمسلمين، أولها: غزوة بدر ، فقد كانت في السنة الثانية من الهجرة، وفيها انتصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الكفار انتصاراً ساحقاً مع قلة العَدد والعُدد، وكثرت عَدد الأعداء وعُددهم، كان الأعداء ما بين التسع مائة إلى الألف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما بين ثلاثمائة إلى بضعة عشر زائداً على الثلاثمائة، ومعهم سبعون بعيراً وفرسان يتعاقبون عليها، وحصل النصر العظيم، حتى قتل في تلك الغزوة سبعون من قريش وأسر سبعون.
وقتل من صناديدهم أربعة وعشرون، وسحبوا حتى وضعوا في قليب بدر ، فركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ووقف على البئر، وجعل يكلمهم ويوبخهم يا فلان بن فلان باسمه واسم أبيه: ( إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟! -و

الجواب
نعم- فقيل: يا رسول الله! كيف تكلم أناساً صاروا جيفاً، فقال: ما أنتم بأسمع بما أقول منهم لكنهم لا يجيبون ) لأنهم جيف وموتى.
أما الانتصار الثاني: فهو فتح مكة البلد الأمين، الذي استولى عليه المشركون وبقوا مستولين عليه إلى السنة الثامنة من الهجرة، ففتحه الله على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أحق الناس بولايته كما قال تعالى في المشركين: { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [الأنفال:34].
وقصة بدر وفتح مكة موجودة في كتب التاريخ، كما أن بقية الغزوات موجودة، ومن أراد أن يطلع على ذلك فعليه بـ زاد المعاد لـ ابن القيم رحمه الله فإنه جامع بين التاريخ والفقه، أو بـ البداية والنهاية لـ ابن كثير .
أسأل الله لي ولكم الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، وأن يجعل شهرنا هذا شاهداً لنا لا علينا، وأن يرزقنا فيه العمل بما يرضيه، إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


الأسئلة


حكم من بدأ صيام رمضان في غير بلده


السؤال
شخص قدم إلى المملكة هذا اليوم، وأمسك هذا اليوم، وكان قادماً من إحدى الدول التي لم يدخل فيها رمضان إلا هذا اليوم فهل يقضي يوم أمس أم ماذا يفعل؟

الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لا يمكن أن نقول: يقضي يوم أمس لأنه صادفه في محل لم يثبت فيه دخول الشهر، ولكن ينظر إن تم الشهر هنا في المملكة العربية السعودية فقد صام هو تسعة وعشرين وانتهى الشهر بحقه، وإن لم يتم الشهر هنا بل دخل شوال في يوم الثلاثين من رمضان فعليه أن يقضي يوماً لأنه لا يمكن أن ينقص الشهر عن تسعة وعشرين.


توجيه حديث: (من قام مع الإمام)


السؤال
أشكل على بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) مع أنه لم يكن هناك أئمة يصلون بالناس صلاة التراويح فكيف يجاب على هذا الإشكال؟

الجواب
لا إشكال في هذا إطلاقاً، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وأول ما يدخل في هذا العموم الرسول عليه الصلاة والسلام، فكأنه قال لهم: من قام معي حتى أنصرف كتب له قيام ليلة، لكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد أن يأتي بكلام عام ليكون للأمة إلى يوم القيامة، فقال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) .
وأيضاً فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سَنَّ لهذه الأمة صلاة قيام الليل في رمضان جماعة علم أن الأمة سوف تتخذ منه أسوة عليه الصلاة والسلام، فصح أن يقول: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ).


معنى تقييد الشياطين في رمضان


السؤال
ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشياطين في رمضان تقيد، وهل هو تقييد حقيقي أم لا، وهل هذا يشمل جميع الشياطين أرجو التوضيح؟

الجواب
بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المراد بهذا، حين قال: ( فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من قبل ) يعني لا يستطيعون أن يضلوا مثلما أضلوا من قبل، في بقية الشهور، فهي لا تصفد تصفيداً مطلقاً بحيث لا تغوي أحداً، بل هي تغوي لكنه ليس كإغوائها في غير رمضان، لقوله: (فلا يخلصون إلى ما كان يخلصون إليه من قبل) هذا وجه.
وجه آخر: أن في بعض ألفاظ الحديث ( تصفد مردة الشياطين ) يعني الأقوياء في شيطنتهم، وعلى هذا فيكون من دونهم يمكن أن يوسوس للناس، لأن بعض الناس قال: كيف تصفد الشياطين ونجد في بعض الناس من يزداد فسقه في رمضان، نقول: هؤلاء تسلط عليهم من دون المردة، أو يقال: إنه لولا رمضان لكان هذا الإغواء أكثر وأشمل وهذا التأويل الثاني أقرب إلى الواقع؛ لأن الواقع أن أهل الخير يكون لديهم رغبة في الخير، وبعداً عن الشر، وأهل الشر ربما يزداد شرهم في رمضان.


حكم استخدام مكبرات الصوت المشتملة على الصدى المتردد في الصلاة


السؤال
ما حكم استعمال مكبرات الصوت التي فيها صدى يتردد منها قراءة الإمام في الصلاة؟

الجواب
أرى أنها حرام؛ لأنه يلزم منها زيادة حرف أو أكثر في القرآن، وهذا لا يجوز، والواجب على الأئمة أن يتقوا الله عز وجل وألا يتخذوا للقرآن مزامير كمزامير اللهو دون أن تكون مزامير كمزامير آل داود، مزامير آل داود حسن الصوت المجرد، أما أن يضيفوا إليه آلة تكرر معه بحيث يكون الحرف الأخير ثلاثة أو أربعة أو خمسة حروف فهذا والله تحريف للقرآن، ولا يجوز، والواجب عليكم بارك الله فيكم أن تنصحوا الأئمة الذين يتخذون هذا، وقولوا أنتم لستم تنشدون أغنية، بل تقرءون كلام الله فلا تزيدوا فيه حرفاً من الحروف، اتقوا الله في كتاب الله، واتقوا الله في عباد الله، وقد يتخذون القرآن غداً كأنه مزامير لهو.


دعاء الاستفتاح في صلاة التراويح


السؤال
هل لصلاة التراويح دعاء استفتاح خاص كصلاة القيام، أم هو الدعاء العادي؟

الجواب
استفتاح صلاة التراويح ليس كاستفتاح صلاة التهجد الذي يكون بعد النوم، بل هو استفتاح كسائر الصلوات، يقول الإنسان: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبر، أو يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.
كلما افتتح التسليمة استفتح، مثلاً أربع ركعات بتسليمتين، يستفتح بالأولى ويستفتح أيضاً في التسليمة الثانية، وبلغني أن بعض الأئمة يستفتحون في الركعتين الأوليين فقط، يعني في التسليمة الأولى والباقي لا يستفتحون، من أجل السرعة، سبحان الله! أنت بين يدي الله، وأنت تقوم رمضان، والمسألة ليست إبلاً ناثرة، عبادٌ يقومون لله عز وجل، كيف لا تدعهم يستفتحون ويطمئنون في الصلاة وكأن الإنسان مرغم على أن يصلي هذه الصلوات، وهذا لا شك من الشيطان، فنحن نقول: الاستفتاح سنة كلما افتتح الصلاة ولو في التراويح.


السنة في افتتاح صلاة التراويح وصلاة الليل


السؤال
هل السنة في التراويح أن نفتتحها بركعتين خفيفتين كصلاة القيام؟

الجواب
لا.
ليس هذا هو السنة، لأن صلاة القيام تفتتح بركعتين خفيفتين حيث إن الشيطان إذا نام الإنسان عقد على قافيته ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت الثانية، فإذا صلى انحلت الثالثة، ولهذا كان المشروع تخفيف الركعتين الأولين في صلاة الليل ليكون ذلك أسرع في حل العقد.


حكم البخور للصائم


السؤال
ذكرت أنه لا يستخدم البخور في نهار رمضان لأن فيه جرماً يصل إلى المعدة، سؤالي: كيف الاحتراز منه وهو يستخدم في البيوت والمساجد والطرقات؟

الجواب
أطالب هذا الأخ بصحة النقل، هو كذب علي، سواء متعمد أو غير متعمد، لم أقل لا تستعمل البخور، أنا أستعمل البخور وأنا صائم وليس في ذلك شيء، الذي ذكرنا أنه لا يستنشق البخور، يعني لا يضعه عند أنفه ويستنشقه، لأنه إذا فعل ذلك دخل الدخان حتى يصل إلى الجوف، وما وصل إلى الجوف عن طريق الأنف، فهو كالذي يصل إلى الجوف عن طريق الفم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ لقيط بن صبرة : ( بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) فنقول تبخر وضع شماغك على المبخرة ولا حرج، حتى وإن كان أنفك داخل الغترة، ما يضر لأن الدخان ما يتصاعد إلى جوف الخياشيم إلا بالاستنشاق، لكن لا تستنشق، فليفهم هذا، فإن كان قد وقع في يد الأخ من هذه المطويات التي توزع باسمنا وفيه أنه لا يتبخر فليخبرنا جزاه الله خيراً من أجل أن ننبه على من طبع هذه المطوية، لأنه أحياناً الكتب المختصرة أو هذه المطويات يطبعها من هب ودب، ثم يزيد فيها وينقص، ولهذا نحن نحذر منها إذا رأى الإنسان فيها ما يستنكره فليحذر منه، وليتصل بمن نسبت إليه حتى يستفهم.
السائل: إذا كان هذا الجرم مفطراً ألا يفسد الصلاة، كذلك إذا استنشق أثناء الصلاة وهذا مما لا يحترز منه؟ الجواب: أصل البخور في أثناء الصلاة منهي عنه، وإن لم يستنشقه لماذا؟ لأنه حركة لا تتعلق بمصلحة الصلاة، وكل حركة لا تتعلق بمصلحة الصلاة فإنه منهي عنها، وإن كثرت بغير ضرورة أبطلت الصلاة، وليس كل شيء لا يفطر الصائم أو يفطره يفسد الصلاة أو لا يفسده، فالمهم أننا نقول لا يتبخر المصلي مطلقاً سواء استنشق البخور أم لا.
وإن قصد أن في المسجد رائحة بخور فهل يضر شمه؟ الجواب: لا يضر الشم، حتى الإنسان إذا تبخر يكون فيه رائحة بخور، وإذا تعطر يكون فيه رائحة العطر ولا يضر.


حكم المرضع التي تفطر لأجل طفلها


السؤال
امرأة عندها طفل رضيع، وصيامها يؤثر على هذا الطفل، فإذا أفطرت هذه المرأة لمصلحة طفلها ماذا يجب عليها؟

الجواب
إذا أفطرت المرضع لمصلحة الرضيع بحيث يتأثر بقلة اللبن مع الصيام فإنها تقضي الأيام التي أفطرتها فقط، وقال بعض أهل العلم: إنها إذا أفطرت من أجل مصلحة الرضيع وحده فإنها تقضي ما أفطرت، ويطعم من تلزمه نفقة الرضيع عن كل يوم مسكيناً، ولكن في ظني والعلم عند الله أنه في هذه الأيام لا يتأثر اللبن لأن الأيام باردة، والمرأة لا تحتاج إلى ماء، والنهار قصير، لكن أيام الصيف هي أيام حر، أيام يطول فيها النهار، ويمكن أن يتضرر الطفل إذا صامت الأم.
السؤال: هل يجوز للمرأة المرضع أن تفطر إذا خافت على طفلها من قلة الحليب وهل تصوم يوماً وتفطر يوما؟ الجواب: هذا كما أجبنا في الأول، لكن قوله وهل تفطر يوماً وتصوم يوماً يعني لو فرضنا أنه لا ينقص لبنها إلا إذا واصلت الصوم، وأما إذا أفطرت يوماً وصامت يوماً فإنه لا ينقص، فنقول لها: إذاً تصوم يوماً وتفطر يوماً.


حكم استعمال البخاخ للعلاج


السؤال
أضطر لاستعمال بخاخ الصدر وله رائحة النعناع فهل يفطر استعماله، وماذا أفعل وأنا محتاج إليه؟

الجواب
هذا لا يفطر حسب ما استمعته الآن، لأن فيه شيء مثل الغاز ما يلبث حتى ينتهي.
على كل حال إذا علم أن فيه جرماً فلا يبتلع الجرم، تكفيه الرائحة، وهذا الهواء البارد ربما يفتح مناسم الهواء يعني النفس.
ووصول الشيء إلى الحلق لا يفطر الصائم، والذي يفطر الصائم ما يصل إلى المعدة، كما قال هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن لا يورد إنسان على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الدخان، فهم يقولون: إنه يصل إلى الرئة ولا يصل إلى المعدة، لأن هذا ليس بصحيح، فإنه يصل إلى المعدة ويصل جزء كبير منه إلى الرئة، ولهذا يوجد أثر الدخان في أمعاء الشارب، فهو يصل بلا شك إلى المعدة، ثم هو يسمى شرباً، يقال شرب: فيدخل في قوله { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ } [البقرة:187] يدخل في ذلك من حيث إنه يفطر الصائم، لا من حيث إنه مأمور به، بل هو منهي عنه، وشرب الدخان حرام، لأنه ضرر في البدن، وإتلاف للمال، وضياع للوقت، وسبب للانقباض عند فقده، وسبب لمشقة الطاعة على الإنسان، وسبب لكراهة الإنسان الجلوس مع أهل الخير؛ لأنه لا يمكن أن يدخن بين أيديهم فتجده يكره الجلوس معهم، وإذا كان تائقاً إلى شرب السجارة ثم جاء رجل طيب حبيب يتحدث إليه بالخير تجده أثقل عليه من جبل أحد ، لماذا؟ لأنه يريد أن يدخن، فيقول: ما هذا عندما ولعت السجارة وما بقي إلا علاقة بالكبريت جاء هذا الرجل وقام على رأسي، فيكره هذا فهو شر.
والعجب أن بعض الدول الكافرة الآن تمنع منه منعاً باتاً، والجهال منا يشربونه بالأسواق وفي المجالس وفي كل مكان، نسأل الله لنا ولهم الهداية.


حكم استخدام لصقات طبية في رمضان


السؤال
حول موضوع التدخين يباع في بعض الصيدليات لصقة طبية توضع على الجسم تعطي الجسم حاجته من (النيكوتين) إلى أربعة وعشرين ساعة كخطوات للإقلاع عن التدخين، السؤال: إذا وضعت في الليل لمدة أربع وعشرين ساعة، ثم توضع غيرها فهل يكون الإنسان مفطراً في رمضان عند استخدامه لها؟

الجواب
لا يكون مفطراً في رمضان، وله أن يستعملها، بل قد يجب أن يستعملها إذا كان هذا طريقاً إلى الكف عن استعمال الدخان، ولا بأس للإنسان أن يترك المحرم شيئاً فشيئاً، لأن الله تعالى لما أراد تحريم الخمر لم يحرمه بتاتاً مرة واحدة، بل جعل ذلك درجات، فأباحه أولاً، ثم بين أن مضرته أكثر، ثم نهى عنه في وقت من الأوقات، ثم نهى عنه مطلقاً، فالمراتب أربع: أحله في قوله تعالى: { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } [النحل:67] وهذا في سياق الامتنان فيكون حلالاً.
عرض بتحريمه في قوله: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } [البقرة:219] منعه في وقت من الأوقات: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } [النساء:43] وهذا يقتضي أن نتركه عند الصلاة.
وحرمه بتاتاً في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } [المائدة:90] ولهذا نزل تحريم الخمر وآنية الصحابة مملوءة من الخمر، حتى خرجوا بها إلى الأسواق وأراقوها في الأسواق وسبحان الله فما الفرق بيننا وبينهم؟ الفرق بيننا وبينهم في الامتثال كالفرق بين زمانهم وزماننا، لم يتلكأوا، لم يقولوا نشرب ما بقي في الأواني أبداً، تدار بينهم الكئوس فخرجوا وأراقوها في الأسواق امتنعوا منعاً باتاً، ولم يقولوا: إذا قد اعتدنا عل هذا وما أشبه ذلك لا، تركوه نهائياً؛ لأن عندهم من العزيمة ما يسهل عليهم الشدائد.


زكاة ما اتخذه الإنسان لنفسه


السؤال
رجل له عمائر سكنية، يؤجرها فكيف يؤدي زكاتها وهل يشترط في الأجرة أن يمضي عليها حولاً كاملاً من حين أن يستلمها من المستأجر؟

الجواب
العمائر المعدة للتأجير ليس فيها زكاة، لأن الإنسان قد اتخذ هذه العمائر لنفسه، وما اتخذه الإنسان لنفسه مما لا تجب الزكاة في عينه فليس فيها زكاة، انتبه للقيد، ما هو القيد؟ مما لا تجب الزكاة بعينه احترازاً من حلي الذهب والفضة، لأن الزكاة تجب في عينهم، فما اتخذه الإنسان لنفسه مما لا تجب الزكاة في عينه فليس فيها زكاة، دليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) فالعمائر المعدة للاستغلال ليس فيها زكاة، لكن الزكاة في الأجرة، فمتى يؤدي زكاة الأجرة؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يؤدي زكاة الأجرة من حين أن يقبضها، ولو لم تتم سنة، قياساً على الحبوب والثمار، فإن الإنسان يؤدي زكاتها من حين جنيها، لقوله تعالى: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام:141] وقال: هذه تشبه الحبوب والثمار، فيؤديها إذا قبضها ولو لم يمض لها إلا ستة أشهر، وقال بعض أهل العلم يؤدي زكاتها -أي زكاة الأجرة- إذا تم لها سنة من العقد، فإذا عقد في محرم وقبض الأجرة في آخر ذي الحجة وجبت عليه الزكاة لأنه تم لها حول، وإن قبضها قبل ذلك فلا زكاة فيها إلا أن تبقى بيده حتى يتم الحول فحينئذٍ يزكيها، النقود زكاتها ربع العشر لأنها دراهم.
لكن أسألكم الآن أيهما أحوط ما قاله شيخ الإسلام أو الثاني؟ ما قاله شيخ الإسلام أحوط، وإذا كان أحوط فليكن أولى إبراءً للذمة، والزكاة في الواقع ما هي غرم الزكاة غنيمة، وربما ينزل البركة فيما بقي من المال.


زكاة عروض التجارة


السؤال
رجل له شريك وعندهما معرض سيارات ويقومان ببيع سيارات لغيرهما بنسبة معينة، ولهما سيارات تخصهما يبيعانها، فكيف يخرجان الزكاة مع بيان حال الأرباح الموجودة عندهما ولم يقسمانها حتى الآن؟

الجواب
المال المشترك المعين كالمال المنفذ زكاته، وأما المال الخاص فمنفرد، لأن الزكاة مال منفرد، تقوم السيارات الموجودة في نهاية السنة لأنها للتجارة، والأرباح ستكون عندهما قد أخذاها من قبل فتزكى مع أموالهما، مع قيمة السيارة لأن الربح تبعٌ للأصل، لا يشترط فيه الحول، والتي لغيرهما في المعرض فقط ما عليها شيء بالنسبة لهما، أما بالنسبة لمالكي السيارات فعليهم الزكاة فيها.


جلسات رمضانية 1415هـ [2]
جعل الشيخ رحمه الله هذا اللقاء مخصصاً لشرح آيات سورة البقرة المتعلقة بالصيام، وكان درسه مزيجاً من الأحكام الشرعية واللفتات الوعظية المؤثرة، وكان آخر هذه الأحكام هو الحديث عن اختلاف مطالع القمر في البلدان وأقوال العلماء في ذلك.
وفي أسئلة موجهة إليه أجاب عن مسائل شرعية تتعلق بالصلاة والصيام وغيرها.


وقفات مع آيات الصيام من سورة البقرة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وفتح الله به آذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وأعيناً عمياً، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الثاني من لقاءات شهر رمضان المبارك، وهذه هي الليلة السادسة من شهر رمضان عام (1415هـ) أسأل الله تعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات مباركة علينا وعليكم، وعلى من بلغتهم من إخواننا المسلمين، في هذه الليلة سيكون حديثنا إن شاء الله عن الصيام، وخير ما نعتمد عليه كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] إذا صدر الله تعالى القول بـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فإنما ذلك لأهمية الموضوع ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا؛ فأرعها سمعك -يعني استمع لها- فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه ] فنحن الآن نرعِها أسماعنا.


وقفة مع قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام)
يقول جل وعلا: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة:183] كتب بمعنى: فرض، والكاتب هو الله عز وجل، هو الذي يفرض ما يشاء، ويوجب ما يشاء، ويحرم ما يشاء، يبيح ما يشاء، عز وجل، له الحكم في عباده كوناً وشرعاً، فلا معقب لحكمه وهو السميع العليم، والصيام في الشرع هو التعبد لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام، فهل يمكن أن نبدل هذا بقولنا من أذان الفجر إلى أذان المغرب؟ لا.
لأنه قد يؤذن للفجر قبل الوقت، وقد لا يؤذن إلا بعد الوقت، وكذلك في المغرب قد يؤذن قبل الوقت، وقد لا يؤذن إلا بعد الوقت، فالمدار على طلوع الفجر وعلى غروب الشمس؛ لكن لما كان الناس في بيوتهم صاروا يعتمدون على المؤذنين إذا كان المؤذنون ثقاة، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ).
فالصيام إذاً شرعاً: هو التعبد لله في الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
هذا الصيام شرعاً.
وقوله عز وجل: { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [البقرة:183] فيه فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة حتى لا نقول: لماذا فرض علينا الصوم دون غيرنا؟ فقال: إن الصوم مفروض على الأمم السابقة.
الفائدة الثانية: استكمال فضائل الأمم السابقة؛ لأن هذه الأمة كملت فضائل الأمم السابقة، فكل فضائل الأمم السابقة موجودة في هذه الأمة، وما كان من نقص فإنه كمل بهذه الأمة، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مثل نفسه بالنسبة لمن قبله من الأنبياء برجل بنى قصراً مشيداً عظيماً، فكان الناس يطوفون به، ويتعجبون منه، ويقولون: ما أحسن هذا القصر إلا موضع هذه اللبنة -في مكان لبنة ما تم- قال: ( فأنا اللبنة ) كمل الله به البناء.
فكل الخيرات في الأمم يا إخواني! موجودة في هذه الأمة ولله الحمد، لكن هذه الأمة إذا عصت الله عز وجل فإنها لا يبالى بها، بل معصية هذه الأمة أشد من معصية الأمم التي قبلها لماذا؟ لأن الفضائل إذا استكملت صار المفرط فيها أشد لوماً، لكن مع ذلك خفف الله عن هذه الأمة، مع كوننا نحن أحق باللوم من غيرنا، لكن الله خفف عنا، قال الله تعالى في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [الأعراف:157] في بني إسرائيل إذا فعل الإنسان منهم ذنباً لا يكفيه أن يتوب فيما بينه وبين الله، يكون ذنبه مكتوباً على بابه في الصباح -فضيحة- أما هذه الأمة فذنوبها مستورة ولله الحمد.
يفعل الإنسان الذنوب ثم يتوب فيما بينه وبين الله فتبقى مستورة، نسأل الله تعالى أن يستر عيوبنا ويغفر ذنوبنا.


وقفة مع قوله تعالى: (لعلكم تتقون)
وقوله تعالى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] فيه بيان الحكمة من الصوم، فالله لا يريد منا أن نمتنع عن شهواتنا من أكل وشرب ونكاح فقط .
بل يريد منا أن يكون ذلك وسيلة لما هو أهم.
فما الأهم من الصوم؟ التقوى، هذا هو الأهم، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى الآية الكريمة التي معنا: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ولهذا كان الموفقون من الناس الصائمين لا يكون يوم صومهم ويوم فطرهم سواء أبداً، يوم الصوم تجد الإنسان متقياً لله خاشعاً، قائماً بالواجبات، فاعلاً للمستحبات، يكثر من القراءة والذكر والصلاة والصدقة ومكارم الأخلاق.


وقفة مع قوله تعالى: (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً ...)
قوله: { أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ } [البقرة:184] تقليل؛ لأن المعدود جمع مؤنث، وجمع المؤنث كله جمع قلة، وعلى هذا فالله عز وجل قلل هذه الأيام لأنها ثلاثون يوماً من ثلاثمائة وستين يوماً ثلاثون يوماً من ثلاثمائة وستين قليلة، ثم هي والحمد لله في أفضل مناسبة في شهر رمضان.
{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:184] يعني: من كان مريضاً أو على سفر فليفطر وعليه عدة من أيام أخر، فهذان عذران يعذر بهما المرء عن الصوم، أولهما المرض، وهل المراد مطلق المرض ولو وجع السن، أو وجع العين اليسير، أو المراد به المرض الذي يشق معه الصوم؟ الثاني؛ وذلك لأن المرض الأول لا يكاد يخلو منه أحد، ثم المرض الأول لا تأثير للصوم فيه، ولا تأثير للفطر في شفائه، فلذلك لابد أن يقيد المرض بما يشق معه الصوم، أياً كان المرض، حتى لو فرض أن الإنسان أوجعته عينه وجعاً شديداً وقلق حتى لا يصبر عن الطعام والشراب فليفطر.
فإن قال قائل: أيهما أفضل للمريض، أن يفطر ويقضي، أو الأفضل أن يصوم؟ قلنا: الأفضل هو الأيسر؛ لأن الله تعالى إذا رخص لنا برخصة فإنه يحب منا أن نأتي رخصه، لماذا؟ لأن الرخصة تسهيل وكرم، والكريم يحب أن تؤتى تكرمته، أليس كذلك؟ يعني حتى في بني آدم الرجل الكريم إذا بسط السماط ووضع فيه الطعام هل يحب أن الناس يأتون إليه ويأكلوا أو لا؟ نعم يحب هذا، فالله عز وجل إذا رخص للعباد رخصة يحب أن يأتي الناس رخصته، فنقول: المريض الأفضل في حقه هو الأيسر، إما الصوم وإما الفطر، وبعض الناس -نسأل الله لهم الهداية- يخاطرون بأنفسهم، يكونون مرضى يشق عليهم الصوم، أو يقول لهم الطبيب الثقة لابد أن تشرب الماء كل أربع ساعات، ومع ذلك يقول: لا.
أتصبر، أصوم أتصبر هذا غلط، ربما لو يكون صومك سبباً لهلاكك، ربما تكون معيناً على قتل نفسك، ولهذا يجب على الإنسان إذا خاف الضرر أن يفطر.
قوله: (( أَوْ عَلَى سَفَرٍ )) [البقرة:184] السفر أيضاً مبيحٌ للفطر، وهل يشترط في السفر المبيح للفطر أن يكون الصوم فيه شاقاً أو لا؟

الجواب
لا، لكن قد يقول قائل: لماذا فرقتم بين المريض وبين المسافر؟ المريض قلتم لابد أن يكون الصوم شاقاً مع المرض، والمسافر قلتم يفطر ولو لم يكن شاقاً.
قلنا: لأن السنة بينت ذلك، فالناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومون ويفطرون بدون مشقة، فدل هذا على أن مجرد السفر رخصة، للصائم أن يفطر ويقضي بدل الأيام التي أفطرها، ولكن هل الأفضل أن يصوم المسافر، أو الأفضل أن يفطر؟ نقول: الأفضل الأيسر، إن كان الأيسر لك أن تصوم صم، وإن كان الأيسر أن تفطر أفطر، وعلى هذا فالذين يذهبون إلى مكة للعمرة لو سألوا هل نصوم أو نفطر، قلنا: الأفضل الأيسر، إذا كان الأيسر لك أن تفطر يوم قدومك من أجل أن تؤدي العمرة بنشاط فأفطر، الأمر واسع والحمد لله، فإن قال هل الأفضل أن أؤدي العمرة أول ما أصل وأفطر، أو أن أبقى على صومي وأؤديها في الليل؟ الأولى أفطر وأد العمرة؛ لأن الأفضل للمعتمر أن يكون أول ما يبدأ به في مكة أن يؤدي العمرة حتى كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينزل عن راحلته إلا عند المسجد ثم يؤدي العمرة.
وإذا كان الصوم يشق في السفر لكن مشقة ليست شديدة فما الأفضل؟ الأفضل الفطر، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( رأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه -صائم فازدحم الناس ينظرون إليه ويظللونه- قال: ما هذا؟ قالوا: صائم قال: ليس من البر الصيام في السفر )لأن هذا شق على نفسه وترك الرخصة.
أما إذا شق مشقة شديدة فإن الصوم معصية، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان حتى بلغ كراع الغميم -مكان معروف- فجاءوا إليه وقالوا: يا رسول الله! إن الناس قد شق عليهم الصيام -يعني وينتظرون ما تفعل- فدعى بماء وهو على راحلته ووضعه على فخذه والناس ينظرون فشرب، وكان ذلك بعد صلاة العصر، يعني ما بقي إلا قليل وقت، ومعلوم أن الناس إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد شرب أن نفوسهم سوف تطمئن بالفطر؛ لأن إمامهم عليه الصلاة والسلام شرب أمامهم فتطمئن النفوس، فشرب الناس وخف عليهم الأمر، لكن بعض الصحابة عفا الله عنهم اجتهد، وكأنه قال: لم يبق إلا جزء يسير من الوقت فسأستمر في الصوم، فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرونه، قالوا: يا رسول الله! إن بعض الناس قد صام -يعني قد استمر في صيامه -قال: ( أولئك العصاة أولئك العصاة ) كررها، يعني أنهم عصوا ببقائهم على الصوم مع المشقة.
إذاً: المريض يفطر ويقضي، المسافر يفطر ويقضي، الأمر واسع ولله الحمد.


وقفة مع قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية ...)
قال تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة:184].
قوله: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } ما معنى يطيقونه؟ أي يفعلونه بدون مشقة { فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني الذي يستطيع الصوم دون مشقة إذا شاء أن يترك الصوم ويفدي فلا بأس، لكن الصوم خير، ويعني ذلك أن الإنسان مخير بين الصيام وبين الإفطار ويفدي ولا يصوم، ولكن هذا قد يكون مشكلاً لأننا قررنا أنه لا فطر إلا لعذر، مرض أو سفر، كيف يكون للإنسان المطيق له أن يترك الصوم ويفدي، نقول: نعم، يمحو الله ما يشاء ويثبت، كان في أول ما فرض الصيام يخير الإنسان، إن شاء صام، وإن شاء فدى، والدليل على هذا قوله: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } فدل ذلك على أن الإنسان يطيق الصوم، فخيره الله بين الفدية وبين الصوم ولكنه قال: إن الصوم خير.
وهذا هو أول ما فرض الصوم كما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه أول ما نزل فرض الصوم كان من شاء صام ومن شاء افتدى، ثم نزلت الآية التي بعدها { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:185] فتحول الحكم إلى المريض الذي لا يرجى زوال مرضه، لأن المريض الذي يرجى زوال مرضه ما فَرْضُه؟ أن يفطر ويقضي، لكن المريض الذي لا يرجى زوال مرضه كمرض السرطان مثلاً، أو غيره من الأمراض التي لا يرجى زوالها، أو إنسان كبير يتعب لأن الكبر لا يرجى زواله، فهذا يفدي بدلاً عن الصوم؛ لأنه لا يمكن أن يقضي لو أفطر ما قضى، فيفدي وكيف يفدي، يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين كم يطعم؟ تسعة وعشرين مسكيناً.
وإذا كان الشهر ثلاثين، يطعم ثلاثين مسكيناً.
ولا يجوز أن تكرر على مسكين واحد، يعني لو قال: أنا سأطعم هذا الفقير كل يوم، قلنا: لا يجوز، لابد أن يكون المساكين بعدد الأيام، كيف؟ إما أن تصنع طعاماً إذا مضت عشرة أيام، أو تصنع عشاءً فيه اللحم والطعام وتدعوا عشرة فقراء، فإذا مضى عشر أخرى تصنع مثل الطعام الأول وتدعو عشرة فقراء، غيرهم وإذا مضت عشرة أيام وهي الأخيرة تصنع طعاماً وتطعم عشرة مساكين غير الأولين، وإن شئت فملكهم الطعام، يعني خذ رزاً ربع صاع لكل فقير وفرقه على فقراء بعدد الأيام.
ثم قال عز وجل هذا زمن الصوم: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة:185] وقد سبق الكلام على هذا في اللقاء الأول.


وقفة مع قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
قال تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:185] هل معنى هذا أن من لم يشهد لم يلزمه الصوم؟ اتفق العلماء أنه ليس الواجب أن يراه كل واحد، لأن هذا شيء متعذر، لكن إذا شهده من تثبت بشهادتهم الرؤية وجب الصوم، وبماذا تثبت الرؤية؟ رؤية شهر رمضان تثبت بشاهد واحد، إذا جاء إنسان عدل ثقة بدينه معروف بقوة البصر وشهد وقال: أشهد أني رأيت الهلال فإن الناس يصومون، لأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [ تراءى الناس الهلال -يعني جعل بعضهم يري بعضهم الهلال- فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام ] و ابن عمر كان واحداً، إذا شهد شاهد بدخول رمضان فإنه يثبت دخوله، وكذلك شوال، لكن شوال لا يثبت إلا بشاهدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ) فلابد من شاهدين؛ لأن شوال يكون فيه الفطر فاحتيج إلى الاحتياط فيه أكثر من رمضان، هكذا أيضاً علله بعض العلماء، لكن على كل حال سواء صحت هذه العلة أو غيرها فإن دخول رمضان يثبت بشهادة واحد، عدل في دينه، قوي في بصره، فلو جاءنا رجل ضعيف البصر لكن عدل في الدين ما فيه إشكال، وشهد أنه رأى الهلال، ونحن نعرف أن بصره ضعيف هل يقبل؟ لا يقبل، لماذا؟ لأن بصره ضعيف، ونعلم أن ما رآه تخيل أو توهم.
ويذكر أن بعض القضاة الأذكياء جاءه رجل ثقة كان مع الذين يتراءون الهلال، وكان في القوم شباب ذووا نظر وبصر أقوياء، فجاء هذا الرجل الثقة العدل يشهد عند القاضي، قال: رأيت الهلال، فقال القاضي للآخرين: هل رأيتم الهلال؟ قالوا: ما رأيناه، والرجل معروف بأنه ثقة وصاحب دين، قال: رأيته قال: نعم، قال: فتشهد قال: أشهد، والآخرون يقولون: ما رأيناه، فالقاضي تحير كيف هؤلاء الشباب الذين بصرهم قوي ما رأوه، وهذا الرجل الكبير الشيخ يقول أنه رآه، ولا يستطيع أن يرد شهادته لأنه ثقة عدل، قال: هل تستطيع أن تريني إياه إذا ذهبت أنا وأنت إلى المكان الذي رأيته فيه؟ قال: نعم تفضل، فذهب القاضي والراعي إلى المكان، فقال: هل رأيته قال نعم هذا هو ويشير، القاضي جعل يحدد بصره ما يرى، ويقول: هل تراه يقول: نعم والقاضي ما يراه، فتنبه القاضي فمسح حاجب الرجل -الشعر الذي فوق العين مسحه- وقال له: هل ترى الهلال؟ قال: لا ما أراه، فصار يرى شعرة بيضاء.
فلابد من أمرين العدالة في الدين، والثاني قوة البصر الذي يكون به النظر { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } .
إذا رآه أهل بلد وثبت عندهم هل يلزم جميع الناس أن يصوموا أم ماذا؟ فيه خلاف يبلغ ستة أقوال للعلماء، ليس قولين بل ستة أقوال، لكن أشهرها التالي: الأول: أنه إذا ثبتت رؤيته في بلد إسلامي فإن جميع المسلمين في أقطار الدنيا عليهم أن يصوموا لأن قوله: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ } الخطاب فيه للمسلمين، ومن المعلوم أنه ليس المراد كل واحد لأن هذا متعذر فيكون المراد إذا شهده من تثبت به الرؤية وجب على المسلمين كلهم.
وهذا القول فيه راحة في وقتنا الحاضر، لأننا نسمع أن في بعض البلاد تجد الناس في نفس البلد مختلفين، منهم من يتبع السعودية مثلاً، ومنهم من يتبع القضاء الذي في بلده، ومن يتردد فإذا قلنا بهذا القول: إذا ثبتت رؤيته بالبلاد الإسلامية لزم جميع الناس الصوم ما بقي إشكال، لكن هذا القول يشكل عليه أثر ونظر.
أما الأثر: فما رواه مسلم في صحيحه في قصة كريب مولى أم الفضل أنه قدم من الشام إلى المدينة ورأى الناس سيصومون غداً فأخبرهم أنه ثبت هلال الشهر في الشام قبل ثبوته في المدينة بليلة، ولكن أبى الحبر ابن عباس رضي الله عنهما أن يأخذ بهذه الشهادة، وأبقى الناس على صيامهم، وقال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا أثر.
أما النظر: فهو أن الواقع أن مطالع الهلال تختلف بحيث يرى في جهة ولا يرى في الجهة الأخرى، كما أن مطالع الشمس تختلف فتطلع في جهة قبل أخرى، ويطول مكثها في الأفق أكثر من جهة أخرى، الآن نحن في زمن الشتاء والكرة الأرضية النصف الجنوبي منها في زمن الصيف، ولهذا إذا سمعت أخبار شمالي الكرة الأرضية وجنوبها؛ فإن الجنوب أقصى ما يكون في الحرارة، والشمال أقصى ما يكون في البرودة، وذلك أن الشمس تكون على الجنوبيين أطول مدة، وعلى الشماليين أقصر، أو بالعكس.
فكما أن مطالع الشمس تختلف بحسب الواقع فمطالع الهلال تختلف بحسب الواقع، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة، فإن اتفقت المطالع وجب الصوم، وإن اختلفت لم يجب الصوم.
وهذا القول أقرب إلى الأثر وإلى النظر.
هناك قول ثانٍ: أن العبرة بما يحكم به ولي الأمر ما لم يخالف الشرع، إن خالف الشرع ليس عبرة، لكن إن كان محتملاً وحكم فإن كل من تحت ولايته ولو اختلفت المطالع يلزمهم الصوم، وهذا هو الذي عليه العمل اليوم فمثلاً: بلادنا -بلاد السعودية - جنوبها وشمالها تختلف فيه المطالع، ومع ذلك إذا حكم ولي الأمر بالصوم صام الجميع، هذا القول هو الذي عليه العمل الآن، ثم من الناس من يأخذ برؤية السعودية ومنهم من لا يأخذ حسب خلاف أهل العلم رحمهم الله.


وقفة مع قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ...)
قال تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } [البقرة:185-187] وإنما نص الله على إحلال الرفث إلى النساء ليلة الصيام؛ لأن الناس كانوا في الأول إذا صلوا صلاة العشاء أو ناموا ولو قبل صلاة العشاء حرم عليهم الأكل والشرب والجماع إلى أن تغرب الشمس من اليوم الثاني، وهذا فيه مشقة أو لا؟ نعم فيه مشقة، لاسيما مع طول النهار، إذا نام قبل صلاة العشاء أمسك إلى غروب الشمس من الغد، وإن صلى العشاء أمسك إلى غروب الشمس من يوم الغد، فشق ذلك على الناس، فأحل لهم هذه { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187] الحمد لله نعمة.


الأسئلة


حكم تكرار الآية في النافلة


السؤال
في صلاتنا اليوم خلفك وفقك الله سمعناك كررت قول الله عز وجل: { آمَنَّا بِاللَّهِ } [البقرة:8] أكثر من مرة فهل مثل ذلك سنة في القيام؟

الجواب
ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الليل ما لم يثبت في صلاة الفجر، فمن ذلك أنه كرر قول الله تعالى: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118] كررها إلى الصباح، وهو يصلي، وكذلك كان لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية تسبيح إلا سبح، ولا آية وعيد إلا تعوذ، ففي صلاة الليل أشياء مشروعة لا تشرع في الفريضة، مثل هذه، فنحن نكرر هذا لعل قلوبنا تلين وتخشع وتذكر الإيمان بالله، ويمر بنا أيضاً آيات قد تكون جديرة بأن نكررها لكن نخشى من الإطالة والملل، فمن أجل هذا كررنا (آمنا بالله).


الاختلاف في مكيال زكاة الفطر وضابط مقدار ذلك


السؤال
ذكرت وفقك الله في كتاب مجالس رمضان : أن الصاع في زكاة الفطر في كيلوين وأربعين غراماً، وهذه قابلت رفضاً كبيراً عند كثير من الناس في منطقتنا، فهم يقولون: إن الصاع من الأرز يختلف عن الصاع من الأقط أو من الدقيق أو من القمح، فما رأي فضيلتكم، وبماذا نرد عليهم؟

الجواب
نحن قدرناها بكيلوين وأربعين غراماً بالبر الرزين، ليس في كل شيء، فمن فهم أن هذا الوزن لكل شيء فقد أخطأ، بالبر الرزين، يعني البر الجيد الدجن، والبر معروف وهو القمح، فإذا اتخذت إناءً من القمح الجيد ووزنته وإذا امتلأ يزن كيلوين وأربعين غرام صافي من غير الإناء فهذا هو الصاع، خذ هذا الإناء معك وكِلْ به كُلّ شيء، تمر أو أرز، أو غيره، إذا كان الشيء خفيفاً فسيكون أقل من هذا الوزن، إذا كان الوزن خفيفاً سيكون الصاع أقل من هذا الوزن لأن حجم الخفيف أكبر، وإن كان ثقيلاً فسيكون الوزن أكثر ولابد، أكثر من كيلوين وأربعين غراماً، الآن وزن هذا من الرصاص وعندك بالة من القطن بحجم هذه الطاولة، يمكن هذه تكون أرجح منه، فالحجم ليس ملازماً للوزن، الوزن شيء والكيل شيء، ونحن قدرنا هذا بالبر الرزين.
وكيفية ذلك كما قال العلماء: أن تتخذ إناءً يسع هذا الوزن من البر ثم تكيل به ما سواه، ونحن قدرنا هذا بناءً على تتبع ما قاله العلماء في زنة الصاع النبوي، ونص العلماء على أن المكاييل نقلت إلى الوزن لأنها أضبط، إذ أن الموزون يختلف، فلذلك نقلت إلى الوزن، وهذا الصحيح.
الوزن أضبط، لكن ما هو الذي يعتبر في الوزن، كل شيء أو البر الرزين؟ الثاني: ولهذا إيراد السائل التمر والأقط هذا صحيح، لكنها ليست على ما فهمه هو، أن كل كيلوين وأربعين غراماً من أي طعام كان فهو صاع، لا.
قد ينقص عن الصاع، فالمعتبر هو البر الرزين، يعني: الجيد الثقيل.


حكم استعمال الصائم لحبوب توضع تحت اللسان


السؤال
شخص مصاب بمرض القلب وقد وصف له الطبيب حبوباً يضعها تحت لسانه عند شعوره بالألم ولا يبلعها، ولا يجد طعمها في حلقه، فهل يفطر لو استعملها في نهار رمضان عند شعوره بالألم؟

الجواب
لابد أن نعرف، هل هذه الحبوب تذوب أم لا، إن كانت تذوب، فلابد أن تجري مع الريق وحينئذٍ يفطر، أما إذا كانت لا تذوب أو أنها إذا ذابت لا يبتلع ريقه فلا بأس، لأنها لو كانت تذوب ولا يبتلعه المريض فلا بأس، كما أنا الآن نتمضمض والماء له طعم، ومع هذا لا يفسد الصوم لأن الفم في حكم الباطن أو الظاهر؟ الظاهر، ولهذا وجب تطهيره في الوضوء، ووجب تطهيره في الغسل.
فالمهم إن كانت هذه الحبوب تذوب ويبتلع ريقه الذي ذابت فيه؛ فإنه يفسد صومه، ويلزمه القضاء، وإن كانت لا تذوب أو تذوب ولكنه لا يبتلع الريق فإنها لا تضره كما لو ذاقت المرأة طعم الطعام، أو ذاق الإنسان طعم الماء عند المضمضة، أو ما أشبه ذلك.


حكم المعتمر الذي ترك طواف الوداع


السؤال
اعتمر رجل ولم يوادع، وكانت عمرته قبل أسبوعين وهو سيعود إلى مكة بعد أسبوعين، فهل يقضي طواف الوداع، أم يلزمه الفدية بكل حال؟

الجواب
أولاً المعتمر لا نقول أن طواف الوداع واجب عليه، ولا نقول أنه غير واجب، إن كان المعتمر طاف وسعى وقصر ومشى إلى بلده فلا حاجة لإعادة الطواف، ويكفيه طواف القدوم الذي هو طواف العمرة؟ وإن كان بقي في مكة ولو ساعة وجب عليه أن يطوف للوداع، فإذا خرج بدون طواف فإن احتار وذبح فدية في مكة توزع للفقراء مع غناه وقدرته فهذا هو الأفضل أو الواجب، وإن لم يفعل لفقره أو حاجته أو ما أشبه ذلك فلا شيء عليه، ولا ينفع إعادته فيما بعد لأنه يسقط بفوات سببه لأن سببه الوداع فإذا طال الفصل فإنه يسقط وعليه الفدية.


فعل المعاصي في الليل وأثره على الصيام في النهار


السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) هل فعل هذه الأمور في الليل كفعلها في النهار أفدني أفادك الله؟

الجواب
المراد فعل هذه الأشياء في النهار، لأنه قال: ( فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) فهل ترك الطعام في الليل أم في النهار؟ في النهار، إذاً لو أن الإنسان فعل معصية في الليل ولكنه في النهار إذا صام حفظ نفسه فإن ذلك لا يؤثر على صومه، لأن المعاصي التي يفعلها في الليل لا تؤثر على صومه، لكن على كل حال كل إنسان يجب عليه أن يتجنب المعصية فإن سولت له نفسه فعلها فعليه أن يقلع ويتوب في الحال.


الوسطية في الصلاة


السؤال
إذا كان مع الإمام رجل كبير في السن ومريض بضيق النفس، فإذا سجد وأطال تأثر من ذلك بسبب ضيق النفس وطلب منه التخفيف واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيكم أَمَّ بالناس فليخفف )وإذا خفف طلب منه كبير السن -العاجز عن مسايرة المصلين- الإطالة خاصة في السجود وقال: إنه لا يضرك الإطالة والضعيف أمير الركب، فماذا يفعل هذا الإمام والحال هذه؟

الجواب
بقي قسم ثالث وهو الوسط الذي يقول: اجعل الصلاة وسطاً، فليجعل الصلاة وسطاً، والناس اليوم يفضلون التخفيف والإسراع، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر الناس بالتخفيف لتكون صلاتهم كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمهم بالصافات، و(ألم) السجدة، بل صلى يوماً من الأيام صلاة المغرب بالأعراف، فالتخفيف ليس راجعاً إلى هوى الناس، بل راجع إلى موافقة السنة، فما وافق السنة فهو التخفيف، ثم يقال لهذا الذي يتضايق إذا أطال الإمام السجود بعض الشيء يقال له: الصلاة غير واجبة، أنت الآن تصلي تطوعاً، والتطوع يمكنك تركه، فينبغي للإمام أن يكون وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء.


ما يجب على الإمام إذا زاد في التراويح


السؤال
إذا سها الإمام في صلاة التراويح فقام إلى ثالثة ثم سلم وقد صلى ثلاث ركعات، ثم نبهه من خلفه بعد ذلك فماذا يفعل والحال هذه؟

الجواب
إذا صلى في التراويح ثلاث ركعات ناسياً ونبه بعد السلام فإنه يسجد لسجود السهو سجدتين ويسلم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى الظهر خمساً، فلما سلم قيل له: ( أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه واتجه إلى القبلة وسجد السجدتين وسلم ).


أحكام سجود السهو لمن فاتته أول الصلاة


السؤال
أرجو تفصيل الحكم في سجود السهو للمسبوق، إذا كان السجود قبل السلام وبعد السلام فإنه من المعلوم أنه إذا سجد الإمام قبل السلام سوف يتابعه المأموم، فهل يعيد هذا السجود أم لا، قياساً على عدم الاعتداد بالتشهد الأول إذا لم يكن في محله، لأنه لا يعتد به أرجو توضيح هذه المسألة في الحالين وفقك الله ونفع بك؟

الجواب
إذا كان سجود السهو قبل السلام فكما قال السائل سيتبعه المأموم المسبوق، ثم إذا قضى ما فاته فإن كان قد أدرك السهو مع الإمام كما لو ترك التشهد الأول وهذا المسبوق قد دخل في الركعة الثانية فإنه يجب عليه أن يسجد قبل السلام لأن سجوده الأول كان متابعة لإمامه في غير محله؛ لأن سجود السهو يكون في آخر الصلاة.
وأما إذا كان السهو الذي حصل من الإمام قبل دخول هذا المسبوق معه كما لو ترك التشهد الأول وهذا دخل معه في الركعة الثالثة فإنه إذا أتم ما عليه لا يعيد سجود السهو؛ لأن سجود السهو في حقه إنما كان متابعة للإمام وقد حصلت، أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المأموم لا يتابعه، بل يقوم لقضاء ما فاته، فإذا أتم صلاته فإن كان قد أدرك الإمام في السهو سجد للسهو بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فلا سجود عليه.


عدم إجزاء سندات الجمعية عن كفارة العاجز عن الصوم


السؤال
إذا كان هناك رجلٌ مريض ومرضه لا يرجى شفاؤه فمن المعلوم أن عليه كفارة عن كل يوم، فهل يكفي أن يدفع هذه الكفارة قيمة إفطار صائم حسب ما يوزع من هذه الكروت من قبل جمعيات البر الخيرية أو غيرها، فإذا دفع الإفطار لثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً حسب عدة الشهر لذلك المريض فهل يكفيه؟

الجواب
لا أرى أنه يكفيه، أولاً: لأن هذا الذي دفعه قد يؤكل وقد لا يؤكل، ربما يوضع الكرتون ليؤكل ولا يأكله أحد، والفدية لابد أن نعلم أنها وقعت في يد مستحقها، وأيضاً ربما يتكرر أكل الفقير الواحد لهذه الفدية، أليس كذلك؟ ربما يكون الذي تعطي يأكله اليوم فلان من الناس، واليوم الثاني يأكله نفس الرجل، واليوم الثالث كذلك، فهل تكون أطعمت مساكين أم مسكيناً واحداً؟ ولهذا لا نرى أنه يكفي.


بعض أحكام صلاة الوتر


السؤال
سمعت حديثاً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا صلاتكم في آخر الليل ) فما المراد بهذه الصلاة هل هي صلاة الوتر وها نحن قد صلينا الوتر الآن، أرجو توضيح هذا الحديث نفع الله بك، وجزاك عنا خير الجزاء؟

الجواب
لا أعلم هذا الحديث بهذا اللفظ، لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) وقال: ( من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أول الليل، ومن طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة ) وذلك أفضل ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر من أول الليل، ومن وسط الليل، ومن آخر الليل كما ذكرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فالوتر يكون من بعد صلاة العشاء وسنتها، حتى لو جمع الإنسان جمع تقديم وصلى العشاء مع المغرب، فإنه في هذه الحال يجوز أن يصلي النافلة -يعني الراتبة- بالمغرب والعشاء ويصلي الوتر، حتى وإن كان لم يعزز للعشاء في الأوقات الأخرى.
فعلى كل حال المقصود أن تجعل آخر صلاتك بالليل وتراً.
أنا أسأل: رجل أوتر ثم بعد الوتر رجع ودخل المسجد هل يصلي ركعتين، وهذا ما جعل آخر صلاته في الليل وتراً.
هذه لها سبب، وهو دخول المسجد.
رجل آخر أوتر قبل أن ينام ثم قدر له أن قام له في الليل هل يصلي أو لا يصلي؟ إذا صلى لم يجعل آخر صلاته في الليل وتراً.
نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، انتبه للفرق، ما قال: لا تصلوا بعد الوتر، قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) وهذا الرجل أوتر أول الليل بناءً على أن هذا آخر صلاته، فقد امتثل الأمر، ثم قدر له أن قام وصلى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما نهى عن الصلاة بعد الوتر، فيجب أن نعرف الفرق بين العبارتين، لو قال: لا تصلوا بعد الوتر، قلنا إذا قمت من آخر الليل لا تصلِّ، لكن قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) وقد فعل، أوتر قبل أن ينام بناءً على أنه لن يتسنى له أن يقوم ثم قام.


حكم المدين الذي لم يعد يعلم بمكان الدائن


السؤال
عندي مبلغ من المال لأناس قبل عشرين سنة لا أعرف أين هم الآن ولا محلهم، فماذا أفعل بهذا المال، هل أنفقه في سبيل الله، أم ماذا أصنع به؟

الجواب
أنفقه في سبيل الله، إما صدقة، وإما بناء مسجد، وإما شراء كتب، أو غيرها من أعمال الخير، بنية أنها لأصحابها، والله عز وجل يعلم أصحابه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن إن قدر أن أصحابه يأتون فيما بعد فأخبرهم قل: إني تصدقت بها، وأنتم بالخيار إن شئتم فهي لكم أجرها، وإن شئتم أضمنها لكم، ثم هم بالخيار.


حكم ختم القرآن كله في رمضان


السؤال
حرص بعض الأئمة على ختم القرآن في التراويح هل هو بدعة أم سنة؟

الجواب
لا أعلمه سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن أهل العلم يقولون: ينبغي للإمام أن يقرأ جميع القرآن في صلاة التراويح من أجل أن يسمع المأمومين كل القرآن، ويستحب أن يختم ختمة في كل رمضان.


ما يقوله المأموم في الوتر عند الثناء على الله عز وجل


السؤال
عند ثناء الإمام في دعائه في القنوت وفي التلاوة في صلاة التراويح على الله سبحانه وتعالى كقوله: إنك تقضي ولا يقضى عليك، فإن من خلفه يقولون: سبحانك! أو يا الله! هل هذا وارد عن السلف وله أصل؟ فإذا لم يكن كذلك فماذا يقال والحال هذه؟

الجواب
نعم هذا له أصل، ففي حديث حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فكان لا يمر بآية تسبيح إلا سبح، ولا بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية وعيد إلا تعوذ، لكن في القنوت لم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقنت في صلاة الوتر فلم يصح عنه ذلك، إلا أنه علم الحسن بن علي أن يقول في قنوت الوتر: ( اللهم اهدني فيمن هاديت ) فإذا ورد ثناء على الله عز وجل في قنوت الوتر وقال المأموم سبحانك فلا بأس، وكذلك لو ورد دعاء فأمن فلا بأس، لأن الإمام يدعو لنفسه ولهم.


حكم تلفظ الإمام بكلمة من غير القرآن


السؤال
هل تبطل صلاة الإمام إذا سهى حين رد عليه من خلفه في قراءته فقال الإمام كلمة كاملة من غير القرآن مثل أن يقول: طيب أو نعم، فهل تبطل صلاته بهذا؟

الجواب
الإمام لن يقول ذلك إلا سبق لسان، وإذا كان سبق لسان فإنه لا يضر لأنه بغير قصد، وأما إذا قاله متعمداً فإنها تبطل الصلاة؛ لأن نعم جواب كلام آدميين، أما بدون قصد وإنما هو سبق لسان فإنه لا يضر، وكذلك لو قال آية من القرآن تدل على ذلك مثل لو قال: { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً } [ص:33] فلا بأس.
ولكن -بالمناسبة- يردّ علي ناس كثيرون وتختلط علي الأصوات فلا أعرف، ولهذا يحسن أن يكون الراد واحد واختاروا من تشاءون منكم.
إذا كان أكثر من واحد يختلط عليه ثم بعض الناس يرد خطأ، مشكلة من تصدق، هذا أو ذاك؟! لذلك أنا أرى أن يقتصر الرد على واحد فاختاروا من يكون أندى صوتاً وأضبط قراءة.


حكم قول القائل: العصمة لله وحده


السؤال
ما حكم قول القائل: العصمة لله وحده، لأني وجدت من يشنع على من يقول ذلك، ويصفه بالجهل، ويقول: مما يعصم الله، وما الذي كان يمكن أن يقع حتى عصم منه، وهذا القول -أي العصمة لله- في حصر العصمة بالله وحده ونفيها جزماً عن الأنبياء، أرجو توضيح هذا الأمر نفع الله بعلمك وغفر لك.


الجواب
إن الله عاصم وليس بمعصوم، لأنه حاكم وليس بمحكوم، لا معقب لحكمه، ولهذا قال الله تعالى: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67] وقال نوح لابنه: { لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } [هود:43].
فإذا أراد القائل العصمة لله، أي أنه هو العاصم فهذا صحيح، وإن أراد العصمة لله أي: أنه معصوم، فالمعصوم اسم مفعول، واسم المفعول لابد له من فاعل، فيكون هناك عاصم يعصم الله فالله معصوم، وهذا خطأ، لأنه ليس فوق الله عاصم بل هو العاصم لمن شاء.
أما الرسل عليهم الصلاة والسلام فهم معصومون من الخطأ في الحكم الذي يبلغونه عن الله، لقول الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9].
وغير معصومين عن بعض الذنوب إلا أنهم يتوبون منها، فتقع مغفورة لهم ولا يلحقهم مثلبة بها، هذا أصح ما قيل في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام.
يعني مثلاً نحن يجوز أن نصر على معصية، أما الرسل فلا، لا يمكن أن يصروا على المعصية، لأنه لابد أن يقع من الله تنبيه لهم، فيغفر الله لهم.
الحاصل: أن العصمة لله لا تقال، لأنها توهم أن المعنى لا معصوم إلا الله فيكون له عاصم؛ لأن المعصوم إنسان مفعول لابد له من فاعل، فلا تصح لله عز وجل، أما إذا قلت لا عصمة لله يعني أنه هو وحده العاصم فهذا صحيح، لكن في ظني أن قائلها لا يريد هذا المعنى، إنما يريد المعنى الأول، وهذا خطأ.
الإصرار على المعصية لا يجوز، ومعنى يجوز أن نصر على المعصية ليس جواز الشرع، المراد الجواز العقلي، وإلا كيف نصر على معصية، المعصية حرام، لكن يجوز بمعنى جوازاً عقلياً أن نصر على معصية، وإلا فيجب علينا أن نتوب منها وقد نبهنا على ذلك في حينه.


لا يكفي لصلاة التراويح دعاء استفتاح واحد


السؤال
هل يكفي لصلاة التراويح دعاء استفتاح واحد؟

الجواب
لا يكفي استفتاح واحد؛ وذلك لأن كل ركعتين منفصلتان عن الركعتين قبلهما، ولهذا لو بطلت الركعتان الأخريان هل تبطل الركعتان الأوليان؟ لا، فهما منفصلتان، كل واحدة لها استفتاح، كل واحدة لها سلام، كل واحدة لها واجبات مستقلة فلا يكفي استفتاح واحد، لكن الذي يغلب على الأئمة عفا الله عني وعنهم محبة الإسراع، ومن أجل ذلك كانوا يسقطون دعاء الاستفتاح، كذلك أيضاً يسقطون أمراً هاماً في التشهد يسقطون الاستعاذة من عذاب جهنم، يعني لا يمكن للإنسان الذي يصلي خلف كثير من الأئمة أن يقرأ أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحياء والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
مع أن الاستعاذة من هذه الأربع مأمور بها.
حتى إن طاوساً -وهو من كبار التابعين- لما أخبر ابنه أنه لم يتعوذ أمره أن يعيد الصلاة، ولا شك أنها متأكدة الاستعاذة من هذه الأربع، حتى إن بعض أهل العلم قال إنها من واجبات الصلاة، بل إن بعض الأئمة إذا وصلت إلى: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سلم، يكون هو قد قال: اللهم صل على محمد، ولا يكمل الصلاة على الرسول وإنما يسلم مباشرة.
والمسألة ليست مسابقة، المسألة صلاة قيام، الناس بين يدي الله عز وجل وهم يدعون الله عز وجل، على الأقل يكملون المشروع من التشهد لكن نسأل الله الهداية.


وسائل الخشوع في الصلاة


السؤال
نرجو من فضيلة الشيخ أن يذكر لنا وسائل الخشوع في الصلاة فنحن والله بأمس الحاجة إليها، ونشكو من عدم الخشوع فيها؟

الجواب
المعاصي لها تأثير على القلوب، كلما تراكمت المعاصي على القلب قَلَّ خشوعه، وقلت إنابته إلى الله عز وجل، فالمعاصي لها أثر، فمن أسباب الخشوع في الصلاة: أولاً: كثرة الاستغفار؛ لأن كثرة الاستغفار سبب للمغفرة.
ثانياً: يكثر بين الناس إذا دخلوا الصلاة أن تطيش قلوبهم يميناً وشمالاً، وتتفرق، ومعلوم أن من لم يستحضر للقراءة ويتدبر معناها أنه لا يخشع، لأنه يقرأ وقلبه أين؟ في السوق، مع أصحابه، في الجو، في أي مكان، حتى إنه يفكر في أشياء ليس له فيها مصلحة إطلاقاً، هذا أيضاً من أسباب عدم الخشوع في الصلاة.
ثالثاً: من أسباب عدم الخشوع: أن الإنسان المصلي لا يشعر أنه الآن بين يدي الله عز وجل، يعظمه ويمجده ويسبحه ويسأله، فلهذا لا يحصل الخشوع، بل يقل جداً، ولو كنا نشعر بأننا إذا قرأنا آية من الفاتحة أن الله عز وجل يناجينا بها، إذا قال المصلي: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي، وإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة:6] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
من يشعر بهذا؟ أحياناً نشعر به لا بأس، لكن أكثر الأحيان في غفلة، لذلك لا يحصل الخشوع.
كذلك من أسباب عدم الخشوع: أننا نصلي الفريضة وكأننا نؤدي ديناً واجباً، لا نشعر بأننا قمنا بعبادة فرضها الله عز وجل علينا وأننا نتبع فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنستحضر الإخلاص ونستحضر المتابعة، هذا مفقود في أكثر الناس ولهذا لا يحصل الخشوع.
فنسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا وقلوبكم لذكره وأن يرزقنا خشيته في السر والعلانية، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.


جلسات رمضانية لعام 1415هـ [3]
تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن الزكاة من أربعة جوانب، وهي: مرتبتها وفضلها في الإسلام، والتحذير من منعها، ثم الأموال التي تجب فيها الزكاة.
وأجاب عقب ذلك عن أسئلة في أحكام صلاة التراويح، وكيفية إخراج الزكاة وغير ذلك.


مباحث في أبواب الزكاة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث في شهر رمضان وهو في الليلة العاشرة من شهر رمضان عام خمسة عشر وأربعمائة وألف، هذه اللقاءات التي نرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون نافعة للقائم والسامع، إن لقاءنا هذه الليلة سيكون حول الزكاة: أولاً: في بيان مرتبتها من دين الإسلام.
ثانياً: في بيان فضلها.
ثالثاً: في التحذير من البخل بها.
رابعاً: هل كل مال فيه زكاة، أم الزكاة في أموال معينة.


مرتبة الزكاة في الإسلام
أما مرتبتها من الإسلام: فهي في المرتبة الثالثة؛ لأن أركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله هذا واحد، وإنما كان واحداً لأن العبادة لا تصح إلا بإخلاص ومتابعة، فبشهادة أن لا إلا الله يكون الإخلاص، وبشهادة أن محمداً رسول الله تكون المتابعة.
الثاني: إقامة الصلاة.
الثالث: إيتاء الزكاة.
الرابع: الصوم.
الخامس: الحج.
وهي ركن من أركان الإسلام، معلومة الوجوب بالضرورة من الدين ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضية الزكاة وهو يعيش بين المسلمين فهو كافر؛ لأن فرضيتها من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، هذه مرتبة الزكاة، وهي كما تقرءون كتاب الله قرينة الصلاة في مواضع كثيرة، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كثيرة.


فضل الزكاة
وأما فضلها: فلها فضل عظيم بينه الله تعالى في قوله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103] فهاتان فائدتان عظيمتان، الطهارة والزكاة.
الطهارة من أي شيء؟ الطهارة من الذنوب، الطهارة من الأخلاق الرذيلة كالبخل الذي سماه الله تعالى فحشاء، في قوله: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ } [البقرة:268] أي بالبخل، فهي تطهر من الأخلاق الرذيلة، تطهر من الذنوب، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) والنار إذا رشت بالماء انطفأت بلا شك، وأولى ما يدخل في الصدقة الزكاة فهي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
كذلك أيضاً تزكي الإنسان، كيف تزكيه؟ تجعله في دائرة الكرماء، والله كريم عز وجل وهو يحب المحسنين، والزكاة من الإحسان، فهي تزكي الإنسان وتجعله كريماً، وإذا كان كريماً بماله كان كريماً بنفسه، وإذا كان كريماً بماله كان محباً لغيره.
ومن فضائل الزكاة أنها تزيد المال، عكس ما يظن البخيل، البخيل يقول: إذا كان عندي مائة ريال وأخذت اثنين ونصفاً منها؛ نقصت، كم تكون؟ سبعة وتسعين ونصفاً، لكنها في الواقع لا تنقص المال، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {( ما نقصت صدقة من مال ) بل -هي أي الصدقة- تزيد في المال، كيف تزيد؟ يفتح الله تعالى على المنفق أبواب الرزق من حيث لا يشعر، كما قال الله تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } [سبأ:39] أي يأتي بشيء يخلفه، ويكون بدلاً عنه.
كذلك تقي المال الآفات، ربما يقي الله مالك الآفات بسبب الزكاة قد يسلط على مانع الزكاة من يسرق ماله، قد يسلط على ماله آفات تهلكه، قد يسلط على نفس المالك أمراضاً تفني ماله، لكن الزكاة لا تنقص المال بل تزيده، واعلم أن بعض الناس يروي هذا الحديث فيقول: ( ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده ) وهذه جملة غلط.
أولاً: أنها لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام كلمة بل تزده.
وثانياً: أنها جاءت مجزومة والجزم لحن في اللغة العربية إذا لم يكن هناك أداة جزم، ولو كانت من كلام الرسول لكانت: بل تزيده، نبهت على هذا لأن كثيراً ما يتردد على ألسنة الناس: (ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده) بل تزده هذه غلط.
ومن فضائلها: أنها ترضي الفقراء على الأغنياء؛ لأن الفقير إذا أعطي من المال رضي على الغني، وقال: هذا الغني مَنَّ علي بماله وأشركني في ماله، لكن إذا بخل بالزكاة امتلأت قلوب الفقراء غلاً على الأغنياء، وربما يحصل فساد وسرقات، أو قتل، أو ما أشبه ذلك فهذه من مصالحها.


التحذير من البخل بالزكاة
أما التحذير من منعها والبخل بها فاستمع إلى آيتين من كتاب الله: أولاهما قول الله تعالى: { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ } [آل عمران:180] آتاهم يعني: أعطاهم، لا يحسبونه هو خيراً لهم { بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [آل عمران:180] انظر قال: (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني أن هؤلاء الذين يبخلون لا يظنون أنهم ببخلهم بالمال سيخلدون بل سيهلكون، ويورث المال من بعدهم، فما الذي يجعل طوقاً في عنق الإنسان؟ هو المال، يجعله الله تبارك وتعالى يوم القيامة شجاعاً أقرع، الشجاع يعني الحية أو الذكر من الحيات العظيمة -نسأل الله العافية- هو الذي ليس على رأسه زغب أي شعر، أملس، قال العلماء: وهذا إنما يكون من كثرت السم في رأسه قد تساقط شعره، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من آتاه الله مالاً فلم يؤد منه زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان ) (زبيبتان) يعني: شيئين مثل الزبيبتين- أتعرفون الزبيب؟ هو اليابس من العنب، هاتان الزبيبتان قال العلماء: إنهما وعاءان من السم والعياذ بالله ( فيأخذ بلهزمتيه -يأخذ هذا المال يطوق يوم القيامة هذا الشجاع الأقرع فيأخذ بلهزمتيه أي شدقيه- ويقول: أنا مالك أنا كنزك ) يوبخه، يقول: انظر الآن صرت عدواً لك، كان الإنسان في الدنيا صديقاً حميماً لماله، ولذلك يحرص عليه، ويجعله في الصناديق الوثيقة، ويحميه من الأمطار والمياه والغبار، فهو صديق حميم، هذا المال الذي يكون الإنسان له صديقاً حميماً في الآخرة ماذا يكون يوم القيامة؟ عدواً له، ويوبخه ويقول: أنا مالك وأنا كنزك، فيجتمع على هذا المانع للزكاة ألمان، أحدهما ألم حسي لأنه يعض على شدقيه، والثاني: ألم قلبي لأن قول المال: أنا مالك أنا كنزك لا شك أنه يعصر القلب فيجتمع عليه ألمان.
أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة:34-35] فما معنى يكنزون الذهب والفضة؟ هل معناها: أنهم يحفرون لها في الأرض ويدفنونها؟ لا.
يكنزون أي: يمنعون زكاتها، ولو كانت على قمم الجبال، فمن منع زكاة ماله فقد كنزه، ولو كان على قمم الجبال، ومن أدى زكاة ماله فإنه لم يكنزه ولو كان في قعر الآبار، إذاً: معنى يكنزون الذهب والفضة: لا يؤدون الواجب فيها وأعظمه الزكاة.
(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) إذا قال قائل: كيف يبشر بالعذاب؟ قال بعض العلماء: إطلاق البشارة على العذاب من باب التهكم بهم، وقيل: إن البشارة تكون في الخير والشر لكنها في الخير أكثر، وإنها سميت بشارة لأنها تؤثر على البشرة، الذي يسر يؤثر على البشرة نضرة وسروراً، والعكس انقباضاً وظلمة.
{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } [التوبة:34-35] ونار جهنم فضلت على نار الدنيا كلها، أعظم ما في الدنيا من نار وأكبر ما في الدنيا من النار فضلت عليها نار جهنم بتسعة وستين جزءاً أعاذنا الله وإياكم منها، أهلها { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } [الكهف:29] إذا قرب من الوجه شواه، وإذا سقط في الأمعاء قطعها { وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [محمد:15] { يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ } [الحج:19] { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ } [الحج:20] يمضي من الجلود إلى ما في البطون، { يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ } لم يقل يصب فوق، لأن ما يصب من فوق أبلغ مما يصب فوق، قد يصب الشيء على الشيء فوقه بهدوء ولا يؤثر، يضع هذا ويصب ما يؤثر، لكن يصب من فوق جاء مؤثراً لأنه يأتي من بعد فيؤثر ويكاد يخرق الرأس من تأثيره، فهم يصب من فوق رءوسهم الحميم؛ { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ } .
يحمى على هذا المال في نار جهنم فتكوى به جباههم وجنوبهم وظهورهم.
الجباه مقدم الجسد وخص الجبهة لأنها أعلى ما في الجسد مما يواجه الناس، جنوبهم الأيمن أو الأيسر؟ الأيمن والأيسر، وظهورهم.
قال بعض العلماء: وخص هذه الأربعة لأن المانع للزكاة قد يلاقي من سألها بوجه عابس فعذب الوجه، وقد يولي ظهره عنه ولا يهتم به فعذب الظهر، وقد يعرض عنه بجنبه فعذب الجنب.
وقال بعض العلماء: بل هذه الجهات الأربع، فيعذب من كل جانب؛ لأن الجبهة من الأمام، والظهر من الخلف، والجنوب من اليمين والشمال، فالمعنى أنه يكوى بها من كل جانب، وأياً كان فنعوذ بالله من ذلك.
جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء مفسراً لذلك، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها )، وفي لفظ: ( زكاتها إلا إذا كان يومُ القيامة ) أو يومَ القيامة بالنصب أو بالضم؟ يومُ بالرفع لأن (كان) هذه تامة، يعني إذا وجد يوم القيامة ( إلا إذا كان يومُ القيامة صفحت له صفائح من نار ) الذهب والفضة يكون نار كما أن الحطب إذا أوقدت به يكون ناراً هذه تصفح صفائح من نار، ويكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره -مطابق تماماً للآية- ( كلما بردت أعيدت -نعوذ بالله- في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ).
تأمل كلما بردت أعيدت ليس في دقيقة، ولا ساعة، ولا يوم، ولا ليلة، ولا أسبوع، ولا شهر، ولا سنة؛ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، كل إنسان يمنع زكاته هذا جزاؤه والعياذ بالله، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
وهذان الحديثان وهاتان الآيتان يكفي واحد منها في الفزع والتحذير من منع الزكاة.
ثم عجباً للإنسان! كيف يبخل بالزكاة وهو إذا ترك المال كان للذي من بعده! لا يدفن معه في القبر، ولو دفن معه في القبر ما نفعه، يتركه لغيره فيكون عليه غرمه ولمن وراءه غنمه، وربما يرثه من لا يقول: يرحمه الله، قد يكون ابن عم بعيد، أو ابناً عاقاً، أو أخاً قاطعاً أو ما أشبه ذلك.
إذاً: بحثنا في مرتبتها من الإسلام، والثاني: فضلها، والثالث: التحذير من منعها والوعيد على ذلك.


الأموال التي تجب فيها الزكاة
الرابع: هل كل مال فيه زكاة، أم الزكاة في أموال معينة؟ الزكاة في أموال معينة، وهي النامية حقيقة أو حكماً -انتبه لهذا الضابط-: النامية حقيقة أو حكماً -فمثلاً: الماشية تتوالد، هذه نامية حقيقة أم حكماً؟ رجل عنده أربعون شاةً ولدت كل شاة (سخلتين) إلا واحدة فولدت ثلاثاً، فهل نمت حقيقة أو حكماً؟ كانت في الأول أربعين، والآن مائة وواحداً وعشرين، فهي نامية حقيقة أم حكماً؟ حقيقة بدون توقف؛ لأنه حقيقة.
إنسان عنده مال: ذهب، أو فضة؛ ولكنه لا يحركه، يجمعه ولا يبيع، ولا يشتري، ولا يبضع، ولا يعمل أي شيء، هذا نامٍ حكماً أو حقيقة؟ حكماً وفيه زكاة؛ لأن النقدين معدين للنماء في الأصل.
إذاً: الزكاة لا تجب في كل مال بل فيما هو نامٍ، حقيقة أو حكماً وهذه من نعمة الله، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) عبده الذي يستخدمه ما فيه صدقة، فرسه الذي يركبه ما فيه صدقة، سيارته التي يركبها ما فيها صدقة، بيته الذي يسكنه ما فيه صدقة، وهلم جرا؛ لأن الزكاة إنما تجب في الأموال النامية حقيقة أو حكماً.


أدلة زكاة الذهب والفضة
ولنشخصها فنقول: تجب في الذهب والفضة أياً كانت متى ملك الإنسان نصاباً من الذهب فعليه الزكاة، ومتى ملك نصاباً من الفضة فعليه الزكاة سواء كانت نقوداً أو تبراً أي: قطع من الذهب أو من الفضة أو حلياً أو غير ذلك، ما فيه تفصيل { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } [التوبة:34] عام، ( ما من صاحب ذهب ولا فضة ) عام.
لا فرق، ما يفرق بين شيئين، ومن فرق بين شيئين من الذهب والفضة فعليه الدليل، وعلى هذا فالمرأة إذا كان عندها حلي من الذهب يلزم أن تزكيه إذا بلغ نصاباً وجوباً، لأننا لو سألناها وقلنا لها: يا أمة الله! هل أنت صاحبة ذهب فستقول: لا، جوابها صحيح أم غير صحيح؟ إذا قالت: لا.
فالجواب غير صحيح، أنت صاحبة ذهب وفضة، ولهذا الناس يتحدثون ويقولون فلانة عندها ذهب كثير، عندها ذهب كثير، إذا كنت صاحبة ذهب أو فضة أدي زكاته، إذا كنت صاحبة ذهب أدي زكاته.
فإن قال قائل: أليس الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه ).


الجواب
بلى قال ذلك، يقول: إذاً: ليس على المسلمة في حليها صدقة؛ لأنها أعدته للاستعمال كما أعده صاحب الفرس للاستعمال إذاً لا زكاة، فماذا نقول؟ نقول: هذا قياس فاسد الاعتبار، لأنه قياس مع النص، فإن قالوا: أين النص على الحلي؟ قلنا: العمومات تشمل جميع أفرادها، ومن أخرج شيئاً من أفراد العموم فعليه الدليل، والدليل على أن العمومات تشمل جميع أفرادها قول الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( إنكم إذا قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض ) أين العموم؟ في قولنا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قوله: (عباد الله) لأنه جمع مضاف فهو على العموم، يقول: (سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) لأنه علمهم ذلك حين كانوا يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وعلى ميكائيل .
وما أشبه ذلك، فلا حاجة أنكم تخصصون، الله هو السلام فلا تقولوا: السلام على الله، غير الله ناقص فقولوا السلام عليه، لا تقولوا على فلان وفلان، قولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إلا النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي خصص، ويبدأ به قبل أنفسنا، ماذا نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وانظر ترتيب التشهد مرتب على الأحقية، الأعظم حقاً من الله بدئ به، (التحيات لله والصلوات والطيبات) ثم الرسول: (السلام عليك أيها النبي) ثم نفسك: (السلام علينا) ثم العباد الصالحين: (وعلى عباد الله الصالحين).
فإذا قال قائل: أين ذكر الحلي؟ قلنا: لا يحتاج إلى ذكر فإن العموم يتناول جميع أفراده؟ ثم نقول: لدينا ثلاثة نصوص خاصة بالحلي أشار إليها الحافظ ابن حجر ، بل ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام .
أولها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه: ( جاءت امرأة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وفي يد ابنتها سواران غليظان من الذهب، فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا.
قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ -والجواب: لا يسرها، وحذف الجواب لأنه معلوم- فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول وقالت: هما لله ورسوله ) الله أكبر! ما طابت نفسها ببذل الزكاة فقط، بل بالحلي كله، (قالت: هما لله ورسوله).
ونظير هذا من بعض الوجوه أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً في يده خاتم ذهب، فقال: ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده، ثم نزعه الرسول بيده صلوات الله وسلامه عليه ورمى به، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل: خذ خاتمك انتفع به، قال: والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلم ) هكذا هؤلاء الرجال، هؤلاء النساء، هذه ألقت السوارين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله، والرجل أبا أن يأخذ الخاتم لأن الرسول طرحه.
ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطبة العيد نزل إلى النساء ووعظهن وقال: ( يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ) ماذا صنعن؟ جعلت المرأة تأخذ خرصها وخاتمها وسوارها ثم تلقيه في ثوب بلال ، بدون توقف، وربما تكون الواحدة منهن ليس عندها إلا هذا الخرص، أو هذا الخاتم لكن الإيمان يحمل الإنسان على شيء لا يحمله عليه ضعيف الإيمان.
إذاً: القول الراجح من أقوال أهل العلم أن حلي الذهب وكذلك الفضة تجب فيه الزكاة، وهذا مذهب أكثر الأمة الإسلامية بعد المذاهب المتبوعة، لأنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه، وهو رواية عن إمامنا الإمام أحمد رحمه الله أن حلي الذهب تجب فيها الزكاة، فإن قال قائل: نحن مرت بنا أزمان كثيرة لا نزكي وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، نقول: إذا لم تسمعوا أنتم به في آبائكم الأولين فقد سمع به أصحاب أبي حنيفة ، ثم إن هذا لا يضر أن القول ينتشر بين الناس وهو ضعيف؛ لأن القول بعدم الوجوب هو المشهور من مذهب الإمام أحمد والناس ساروا عليه فيما سبق ثم تبين لبعضهم أن الراجح وجوب زكاة الحلي، وهذا اختيار شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز وفقه الله، وقال عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إن إسناده صحيح، أما الحافظ ابن حجر فقال: إن إسناده قوي، وله شواهد، والحجة تثبت بأدنى من ذلك، وعلى هذا فتكون الأدلة العامة الصحيحة مؤيدة لهذا الحديث الخاص فيقوى بها.
فإن قال قائل لزوجته وهي تريد أن تزكي عن حليها: لا تزكي، والراجح أنه لا زكاة، وكونه عامي (لا يعرف كوعه من كرسوعه) قال: لا، الراجح -بحسب ظنه- أنه ليس فيه زكاة.
قالت: لا، أنا أرى أن فيه زكاة، إما لأنها قرأت أو لأنها وثقت بمن قال: فيه زكاة، قالت: فيه زكاة سأؤدي زكاته.
قال: لا تؤدين الزكاة، هل تطيعه؟ لا تطيعه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فإذا كان ليس عندها مال وهو قال: أنا ما أخرج عنك الزكاة، ماذا تصنع؟ تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، تسلم منها في الدنيا قبل الآخرة، فإن غضب زوجها وقال: أنت البارحة عليك سوارين والآن ما عليك إلا سوار واحد لأنها باعت أحد السوارين للزكاة، ماذا نقول؟ نقول: ليغضب، إذا غضب من طاعة الله فلا أرضاه الله.
إذا قالت هي: إذا ألزمتموني أن أبيع من حليي كل سنة لأداء الزكاة بقيت ليس عندي حلي، نقول: لا.
ليس صحيحاً؛ لأن الحلي إذا نقص عن النصاب لا زكاة فيه، فيبقى عندك من الحلي أربعة وثمانون غراماً، وهذه نعمة مع أن هذا أمر بعيد، ولا سيما هنا في المملكة والحمد لله المال متوفر.
على كل حال الذهب والفضة فيهما زكاة بكل حال.


وجوب الزكاة في العملات الورقية
العملة هل فيها زكاة؟ يقولون لنا:لا هي ذهب ولا فضة؟ نقول: نعم هي ليست ذهباً ولا فضة لكن هي مال الناس اليوم، وهي عند الناس بمنزلة الذهب والفضة، ولو قلنا: لا زكاة في العملة في وقتنا الحاضر كل الزكاة سقطت عن التجار، وهذا لا يمكن أن يقال به، إذاً: أوراق العملة فيها زكاة إذا بلغت نصاباً من الفضة، ونصاب الفضة حسب ما قرره العلماء ستة وخمسون ريالاً وتسأل أنت أهل المصارف تقول: كم تساوي ستة وخمسون ريالاً بالفضة من هذه العملة إذا قالوا: الريال الواحد بعشرة، كم يكون نصاب العملة؟ يكون خمسمائة وستين، وإن قالوا: الريال الواحد بعشرين، فيكون نصاب العملة ألفاً ومائة وعشرين وهلم جرا على كل حال هي هذه.
وإن شاء الله تعالى للحديث بقية في الدرس القادم نذكر بقية الأموال الزكوية، ثم إن شاء الله نذكر من الذي تصرف إليهم الزكاة.


الأسئلة


حكم الزيادة على ركعتين في صلاة التراويح


السؤال
ما حكم من نسي وهو يصلي في صلاة التراويح فزاد ثالثة فلم يتذكر إلا وهو في آخر الثالثة أو في أول الرابعة فماذا يفعل؟

الجواب
صلاة التراويح من صلاة الليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) فإذا قام في التراويح إلى الثالثة ثم ذكر وجب عليه الرجوع، فإن لم يفعل بطلت صلاته، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فإن بقي ناسياً إلى أن جلس للتشهد فليس عليه إلا سجود السهو بعد السلام، لماذا بعد السلام؟ لأنه عن زيادة، وكل سهو عن زيادة فإنه يكون بعد السلام.
وإذا كان في أول الرابعة يجلس أيضاً ويتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام.


حكم تقديم راتبة العشاء على صلاة التراويح


السؤال
ما حكم ترك سنة العشاء الراتبة، وصلاتها بعد التراويح، وذلك لكي يبادر بصلاة التراويح قبل تفرق الناس؟

الجواب
أشير على هذا الإمام أن يقدم التراويح على صلاة الفرض أيضاً!! هذا أسرع ثم يقيم الفرض وتكون سنة الفرض تلي الفرض!! أنا ما أظن إماماً يصل إلى هذا الحد من البلاهة! لا شك أن راتبة العشاء سنة لو تركها الإنسان ما عليه شيء، لكن ما دام يفعلها لماذا لا يجعلها تلي الفريضة التي هي راتبتها؟ فنقول لهذا الإمام: دع الناس يصلون راتبة العشاء ثم صل التراويح التي هي قيام الليل.


حكم ترك الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية


السؤال
ما حكم عدم قراءة المأموم للفاتحة في التراويح لأن الإمام لا يترك له فرصة فيكتفي بقراءة إمامه؟

الجواب
هذا أهون مما سبق، لأن بعض العلماء يقول: إن الصلاة الجهرية إذا استمع الإنسان إلى قراءة الإمام الفاتحة أجزأت عنه، وعلى هذا فلا يجب على المأموم إذا لم يتمكن من قراءة الفاتحة في سكتات الإمام أن يقرأ الفاتحة.
لكن القول الراجح: أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم ولو كان يسمع قراءة إمامه، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ولأنه انفتل يوماً من الأيام من صلاة الصبح فقال: ( مالي أنازع القرآن، لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) فحكم وعلل، قال: اقرأ بفاتحة الكتاب ولو كان الإمام يقرأها فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، فنقول: اقرأ أنت أيها المأموم ولو كان إمامك يقرأ ولكن اجعل قراءتك بعد أن تستمع إلى قراءة الإمام الفاتحة، إذا أكمل الفاتحة فاشرع أنت في الفاتحة وأكملها ولو بدأ الإمام يقرأ.


حكم تغيير النية في الوتر من اثنتين إلى ثلاث


السؤال
ما حكم تغيير الإمام نيته في الوتر بعد التكبير للشفع ينوي أن يجعله ثلاثاً، ونيته عندما كبر أنه يريد أن يصلي شفعاً ثم جعله ثلاثاً؟

الجواب
هذا لا يضر، لأن الشفع من الوتر، فالوتر بالثلاث إن شئت اقسمه وإن شئت صِلْ بعضه ببعض، يعني لك أن توتر بثلاث بتشهد واحد، ولك أن توتر بثلاث بتشهدين وسلامين، فمثلاً: لو دخل الإنسان على أنه يريد أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي الثالثة؛ ولكنه نوى أن يجعلها ثلاثاً سرداً فلا حرج، كما أن العكس جائز، لو دخل على أنه يريد ثلاثاً سرداً ثم عاد إلى اثنتين فلا بأس.


حكم مخالفة المأموم للإمام في النية


السؤال
ما حال المأموم إذا نوى أن يصلي الوتر مع الإمام ركعتين بسبح، وقل يا أيها الكافرون، ثم ركعة، ثم إن الإمام وصل ثلاث ركعات ببعضها؟

الجواب
المأموم لا يضره إذا نوى الوتر سواء سلم الإمام من ركعتين أم لم يسلم، لا يضره شيئاً.


حكم القراءة في الفجر والعشاء من المصحف لأجل ختم القرآن


السؤال
إمامٌ يصلي صلاة الفجر والعشاء بالمصحف حتى يكمل قراءة القرآن في صلاة التراويح؟

الجواب
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة والعلم النافع، يظن بعض الناس أن التراويح لابد فيها من الختمة، وأقول: لم يرد في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين فيما أعلم، بل ولا عن الصحابة أنهم كانوا يلازمون الختمة في التراويح، حسب قراءتنا، ربما يختمون مرة أو مرتين أو لا يختمون، لكن بعض العلماء رحمهم الله قال: ينبغي ألا يقصر عن الختمة في التراويح، ليس في صلاة الفرض، لأنه قد يقرأ في صلاة الفرض من قراءة التراويح وخلفه من لا يصلي معه التراويح، أو يكون هناك إنسان يحضر بعد الفريضة ويكون قد فاته شيءٌ من الختمة، فهذا اجتهاد في غير محله، بل الأولى على الإمام أن يجعل قراءة الفريضة على العادة، وقراءة التراويح وحدها، إن ختم فذاك، وإن لم يختم فلا يضر.


كيفية إخراج زكاة الثمار وعروض التجارة


السؤال
فضيلة الشيخ: أنا صاحب مؤسسة وعقارات، ولا أعلم كيف أخرج زكاة هذه المؤسسة وهذه العقارات، فأرجو منك وفقك الله توضيح كيفية إخراج هذه الزكاة، ثم إن عندي مزرعة فيها قريباً من خمسين نخلة فهل فيها زكاة أرجو نفعي نفع الله بعلمك؟

الجواب
المؤسسة ليس فيها زكاة إلا النقود فقط وما أعد للبيع، وأما ما أعد للبقاء فليس فيه زكاة، فمثلاً إذا كان الإنسان عنده مخازن يخزن فيها المال لكنه لا يريد بيعها فالمخازن هذه وإن كثرت قيمتها ليس فيها زكاة، لأنها مثل العبد والفرس التي ليس فيها زكاة بنص الحديث، وأما ما يباع ويشترى به فهذا فيه الزكاة، لأنه عروض تجارة، كذلك أواني البقالات، والدواليب، وما أشبهها ليس فيها زكاة إلا ما كان يباع، فهذا فيه زكاة، وأما النخل الذي في البستان فتجب الزكاة في ثمره إذا بلغ نصاباً، ونصاب الثمار ثلاثمائة صاعٍ بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهي مائتان وثلاثون صاعاً بأصواع نجد وزيادة صاع نبوي.
أما العقارات فليس فيها زكاة، إلا إنسان عقاري يبيع ويشتري بالعقار، يشتري اليوم هذا ويبيع هذا، هذه فيها زكاة لأنها عروض تجارة، وأما العقارات المعدة للاستغلال فهذه لا زكاة فيها، ولو بلغت ملايين الدراهم، وإنما الزكاة في أجرتها، وأجرتها متى قبضها أخرج زكاتها، وإن لم يتم لها حول على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أو إذا تم له الحول على القول الثاني.


حكم من نذر وهو جاهل بمعناه


السؤال
لي جدة كبيرة في السن تقول: إنها قبل خمس وخمسين سنة جاءها مرض شديد، مكث هذا المرض قريباً من ثلاثة أشهر وهي في حالة لا يعلم بها إلا الله، حتى إنها أشرفت على الموت، وفي إحدى الأيام صحت وهي لا تدري من الفرحة فقالت: صدقة ونذر وقالت: صيام شهرين متتابعين تقول: وأنا في ذلك الوقت لا أدري ما معنى النذر وما يترتب علي، تقول: وراحت الدنيا وكل لاه في طلب العيش وأنا الآن والحمد لله أسمع الراديو والفتاوى من المشايخ فوعيت وتذكرت تلك الأيام وقلت لابد لي من سؤال فماذا تصنع في صيامها الذي نذرت فيه أن تصوم شهرين متتابعين دون أن تدري ما معنى النذر وما يترتب عليه؟

الجواب
الظاهر لي أن هذه المرأة لا شيء عليها، لأنها ما دامت لا تدري ما هو النذر، فإنها لا تلزم بشيء لا تدري ما معناه، لكن في ظني أنه لابد أن يقع في قلبها شيء وإلا لكان كلامها لغواً، بمعنى أنها لما قالت: عليها نذر لابد من أن يقع في قلبها شيء، وإلا لماذا تقول لله علي نذر؟ فنقول: إذا كان قد وقع في قلبها شيء في تلك الساعة فما وقع في قلبها هو اللازم لها، لأن العبرة بالنية، وأما إذا لم يقع في قلبها شيء وهي لا تدري ما المعنى إطلاقاً ولا معنى النذر فالظاهر لي أنه لا شيء عليها، ولكن إن صامت فهو أحوط وأبرأ لذمتها، وقولها: إنه شهرين متتابعين نقول: إذا حصل مرض وأفطرت من أجل المرض أو حيض أو جاء رمضان أو الأعياد أو سافرت فأفطرت فإن هذا لا يضرها ولا يقطع التتابع.


حكم تأخير إخراج الزكاة من أجل ضبطها وإحصائها


السؤال
هل إعطاء الزكاة على الفور، بمعنى: إذا كان حولي يكون في شهر رمضان والبضاعة وزحام الناس يكثر في رمضان، فأحببت أن أؤخره إلى شهر شوال لكي أتفرغ للإحصاء، فهل علي شيء في ذلك؟

الجواب
ليس على الإنسان إذا أخر الزكاة لشهر أو شهرين ونصف وما أشبه ذلك من أجل إحصاء الزكاة وضبطها، فإن هذا التأخير من مصلحة الزكاة، ولمصلحة أهل الزكاة أيضاً حتى لا يفوتهم شيء، فهذا تأخير لا بأس به ولا يضر.


حكم إخراج الزكاة من مال الأيتام


السؤال
عندي أيتام لهم مال، فهل في مالهم زكاة، علماً أن المال لا يباع ولا يشترى فيه، ولم ينفق عليهم منه؛ لأنهم يعيشون في بيتي أفدني أفادك الله؟

الجواب
الأيتام هم الصغار الذين لم يبلغوا، ومن ليس ببالغ لا تلزمه العبادات، لأنه مرفوع عنه القلم ( وعن الصغير حتى يبلغ ) لكن المال تجب فيه الزكاة ولو كان للأيتام، لأن الزكاة حق المال كما قاله أبو بكر رضي الله عنه، استدلالاً بقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } [المعارج:24] وبقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل : ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم ) ولهذا كان الراجح من أقوال أهل العلم أن الزكاة تجب في مال الصغير، وفي مال المجنون؛ لأنها حق المال، وعلى هذا فيلزم إخراج زكاة مال هؤلاء الأيتام إذا كان قد بلغ النصاب.


حكم إسقاط الدين عن المدين من الزكاة


السؤال
أقرضت صديقاً لي فعجز عن السداد وهو فقير، فهل يصح أن أجعل ذلك من الزكاة فأسقطه عنه بنية كونه من الزكاة؟

الجواب
لا يصح أن يسقط الإنسان عن المعسر من دينه شيئاً ويحتسبه من الزكاة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يجزئ الدين عن زكاة العين بلا نزاع، وهذا واضح؛ لأن من أخرج الدين عن العين فهو كمن أخرج الرديء عن الطيب أو عن الجيد، لأن الدين ذاهب، والمال الذي بيدك بيدك وتحت تصرفك، فمثلاً إذا كان عندك مائة ألف ريال كم زكاتها؟ ربع العشر ألفان وخمسمائة ريال، وكان لك عند رجل فقير ألفان وخمسمائة، فقلت: يا فلان! ما في ذمتك هو زكاة، فهل أخرجته؟ فيصير المال الذي عليك أسقطت به ديناً، والمال الذي عندك عين تتصرف فيه، فيؤدي هذا إلى أنه كلما عجزنا عن الديون جعلناها هي الزكاة ولم نؤد شيئاً، ثم إن الزكاة فيها أخذ وإعطاء { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [التوبة:103] والإبراء ما فيه أخذ ولا إعطاء.
وخلاصة الجواب: أنه لا يصح أن تسقط عن الفقير شيئاً من دينه وتحتسبه من الزكاة.


معنى الصدقة في قوله: (خذ من أموالهم صدقة)


السؤال
هل هناك فرق بين الصدقة والزكاة في قول الله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [التوبة:103]؟

الجواب
الظاهر أن المراد بالآية الكريمة الصدقة الواجبة، لأنها هي التي يجب بذلها، أما صدقة التطوع فلا يجب، لكن عموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( الصدقة تطفئ الخطيئة ) يشمل الزكاة وصدقة التطوع.


فدية من لا يرجى برؤه


السؤال
عندي امرأة مريضة مرضاً لا يرجى برؤه فهل يجب علي أن أخرج عن هذه المريضة في كل يوم من أيام رمضان، أم أصبر حتى ينقضي شهر رمضان؟

الجواب
نقول: إن المريض بمرض لا يرجى برؤه كالكبر، والسرطان، والأمراض المزمنة؛ إذا كان الإنسان يشق عليه الصوم؛ فإنه يفدي عن كل يوم إطعام مسكين، سواء أطعمها كل يوم، أو جمع الفقراء جميعاً، لكن يجب أن نعلم أنه لا يكفي أن تكرر الإطعام على واحد من الفقراء، مثلاً تعرف فقيراً وكل يوم تذهب لتطعمه، هذا ما يكفي؛ لأن الواجب عن كل يوم مسكيناً، ولا يكفي أن ترددها على مسكين واحد، وعلى هذا فإن كان رمضان ثلاثين يوماً؛ نطعم ثلاثين مسكين، لكن كيف نطعمهم، نقول: إن شئنا جمعنا عشرة منهم إذا مضت عشرة أيام من الشهر وعشيناهم، وإذا مرت عشرون جمعنا عشرة آخرين وعشيناهم، وإذا مرت ثلاثون جمعنا عشرة غير الأولين وعشيناهم، أو جمعناهم جميعاً في آخر يوم كل الثلاثين.
وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه خادم الرسول صلى الله عليه وسلم لما كبر وصار لا يستطيع الصوم صار يجمع ثلاثين فقيراً في آخر يوم ويطعمهم خبزاً وأدماً، وإن شئت فأعطهم الطعام، وتجعل الصاع من الرز لأربعة مساكين، عن كم يوم؟ عن أربعة أيام.
إذا لم يجد المسكين يسقط عنه لأنه عجز عن الصيام وعجز عن الإطعام، لكن هذا فرض لا واقعي، فالمساكين موجودون إن لم تجدهم في بلدك تجدهم في بلد آخر لابد.
يتعشون قد يختارون ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس، المهم يطعمهم.


جلسات رمضانية 1415[4]
بدأ الشيخ رحمه الله لقاءه بالحديث عن زكاة المواشي والزروع، ثم بدأ يبين أصناف أهل الزكاة الثمانية، وذكر صفاتهم المطلوبة فيهم حتى يكونوا أهلاً لأخذ الزكاة.
ثم أجاب عن سؤال متعلق بمشكلة اجتماعية وهي ما ارتكبته بعض النساء من لبس البناطل وكشف الوجه والخروج إلى الأسواق وتعرضهن للفتن.


الأموال التي تجب فيها الزكاة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع في هذا الشهر، شهر رمضان عام (1415هـ) الذي يتم في الجامع الكبير في عنيزة ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكثر من مثل هذه اللقاءات بين أهل العلم وعامة الناس حتى ينتفع الناس بذلك، وحتى ينتفع العلماء بعلمهم؛ لأن العلم إنما ينتفع به إذا عمل الإنسان به في نفسه، وعمل الناس به من أجله.
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبلاً، ورزقاً طيباً واسعاً يغنينا به عن خلقه.
لقاؤنا هذا تكملة لما سبق من بيان الزكاة، وقد سبق في اللقاء الماضي أن تكلمنا على الزكاة من حيث رتبتها في الإسلام، وفضلها، والوعيد فيمن بخل بها، وعلى الأموال الزكوية وذكرنا ضابطاً فيما تجب فيه الزكاة، وهذا الضابط هو أنها تجب في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، والنمو يعني: الزيادة، وقولنا: حقيقة يعني أن المال ينمو حقيقة، وقولنا: حكماً يعني أنه لا ينمو ولكن في حكم النامي كعروض التجارة مثلاً، فإن عروض التجارة ربما تخسر وربما تزيد، وكالنقود التي أودعها الإنسان ولا يشتغل بها.
وتكلمنا على أن الزكاة أيضاً لا تجب إلا في الأموال النامية وبينا شيئاً منها، وهو وجوب زكاة الذهب والفضة على أي حال كانت، وعروض التجارة أيضاً، فما هي عروض التجارة؟ كل مال أعد للتجارة حتى وإن كانت الزكاة لا تجب في عينه فهو عروض تجارة، الآن هذه الأكواب من الماء ليس فيها زكاة، لكن لو يتخذ الإنسان تجارته من هذه الأكواب وجبت فيه الزكاة، ثيابنا التي علينا ليس فيها زكاة لكن لو أن الإنسان اتخذ متجراً للثياب وجبت فيها الزكاة، هذه عروض تجارة.
والرابع: المواشي وهي خاصة في ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم، وأما الخيل فلا زكاة فيه، وأما الضبي فلا زكاة فيه، وأما الدجاج فلا زكاة فيه، وأما الحمام فلا زكاة فيه، إنما الزكاة في قيمته إن أعد للتجارة، وأما عينه فلا، لا تجب الزكاة في البهائم بأعيانها إلا في ثلاثة أصناف هي: الإبل والبقر والغنم، لكن لا تجب فيها إلا بشرطين: أن تكون سائمة، وأن تبلغ النصاب، فما هي السائمة؟ السائمة: التي ترعى مما أنبته الله عز وجل من العشب ونحوه السنة كلها أو أكثر السنة، هذه السائمة، فأما التي تعلف السنة كلها أو أكثرها فليست سائمة، يعني ما فيها زكاة.
لو كان الإنسان عنده مائة شاة يعدها للنماء ينميها وكلما توالدت باع أولادها أو أبقى أولادها للنماء ولكنه يعلفها فإنه لا زكاة فيها ولو بلغت قيمتها آلافاً، لماذا؟ لفقد شرطٍ من شروط وجوب الزكاة.
ما هو؟ السائمة، ليست تسوم هذه لأن السوم هو الرعي، قال تعالى: { وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } [النحل:10].
حسناً إنسان عنده تسعٌ وثلاثون شاة سائمة من نماء فهل فيها زكاة؟ لا.
لماذا؟ لأنها لم تبلغ النصاب، إذ أن النصاب أربعون شاة، فأول نصاب في الغنم أربعون شاة، وأول نصاب في الإبل خمس، وأول نصاب في البقر ثلاثون.
إنسان عنده خمس شياه يتجر فيها، ويبيع ويشتري، اليوم يكون عنده خمس وغداً عشر وبعد غدٍ ما عنده شيء؛ لأنه باع فهل فيها زكاة؟ ما بلغت أربعين، ولكن هذه عروض تجارة فيها الزكاة إذا كانت تبلغ نصاباً أو عنده ما يكمل به النصاب.
هذا ما نريد أن نتكلم عليه من الأموال الزكوية، الذهب والفضة وعروض التجارة وبهيمة الأنعام، وهي ثلاثة أصناف: إبل وبقر وغنم.
أما زكاة الزروع والثمار فلا نطيل الكلام فيها لأنها لطائفة مخصوصة ولا تأتي إلا في السنة مرة .


الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة
يجب أن نعلم أن الزكاة لها محل لا تجزئ إلا أن توضع فيه، كما أن الصلاة لها محل لا تصح إلا فيه، الصلاة لا تصح إلا في مكان طاهر، لو صُلي في مكان نجس ما صحت الصلاة، الزكاة أيضاً لا تجزئ إلا إذا وضعت في المحل الذي فرضه الله عز وجل.
وقد فرض الله تعالى للزكاة ثمانية أصناف، بينها جل وعلا في قوله: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [التوبة:60] كم هؤلاء؟ ثمانية .


الفقراء والمساكين
الفقراء والمساكين هم الذين لا يجدون كفايتهم، لكن المسكين يجد النصف فما فوق ولكن لا يجد كمال حاجته، والفقير يجد أقل من النصف أو لا يجد شيئاً، وبهذا عرفنا أن الفقير أشد حاجة من المسكين، ولهذا بدأ الله بالفقراء.
فإن قال قائل: هذا لا ينضبط لأن الإنسان لو فرضنا عنده مائة ألف وعنده عائلة هل يتيقن أن هذه المائة الألف تكفيه لمدة سنة؟ لا.
لأنه قد يسرق، وقد تزيد الأشياء غلاءً فاحشاً وترتفع، وفي تقديرنا أنه يكفيه لكن مع ارتفاع الأسعار لا يكفيه، إذاً: ما هو الضابط؟ الضابط يمكن أن يقرب فيقال مثلاً: إنسان عنده راتب ولا يكفيه الراتب للسنة، لنفرض أن راتبه ثلاثة آلاف ريال، ولكنه ينفق في الشهر خمسة آلاف ريال ماذا تقولون في هذا؟ أفقير هو؟ نعم فقير، لأنه لا يجد الكفاية، كفايته خمسة آلاف وراتبه ثلاثة، نعطيه.
إنسان راتبه سبعة آلاف لكن عنده جماعة كثيرة، لا يكفيه إلا عشرة نعطيه؟ الراتب سبعة لكن الإنفاق أكثر، كم نعطيه إذا كان ينفق عشرة آلاف في الشهر وعنده سبعة؟ نعطيه ثلاثة آلاف في الشهر، اضربها في اثني عشر، فنعطيه ستة وثلاثين ألفاً، نكمل سنة.
لماذا نكمل له سنة لا نكمل له بقية حياته، ما هو الجواب؟ أولا: لا ندري متى يموت.
ثانياً: يكون في هذا إجحاف على بقية الفقراء، لكن نعطيه لمدة سنة؛ لأنه بعد السنة سوف يعطى من الزكاة مرة ثانية فتزول حاجته.


العاملون عليها
الفقراء والمساكين والعاملون عليها يعطون لحاجتهم، يقول الله عز وجل: { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } [التوبة:60] من هم العاملين عليها؟ هم الهيئة التي تنصبهم الحكومة لقبض الزكاة وتفريقها، منصوبون من قبل ولي الأمر فعملهم فيها عمل ولاية، وليس عمل وكالة، لماذا؟ لأنهم منصوبون من قبل ولي الأمر، كون لجنة تخرج إلى الناس وتأخذ الزكاة من أموالهم هؤلاء لهم من الزكاة، إلا إذا كان لهم راتب من الحكومة على هذا العمل فلا يحتاجون إلى العمالة.
الذين يتولون الزكاة بالوكالة هل هم عاملون عليها؟ أنا قلت: العاملون هم الذين يتصرفون فيها بالولاية، وأنا أسأل: الذين يتصرفون فيها بالوكالة هل هم عاملون عليها؟ لا.
ولهذا لو أن أحداً من الناس أرسل إليه تاجرٌ زكاته خمسة ملايين، وقال: وزعها على الفقراء، هل يستحق منها شيئاً؟ لا، لأنه يتصرف فيها بالوكالة لا بالولاية، وانظر إلى التعبير الإلهي: { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } ولم يقل: والعاملين فيها، وكلمة (على) تدل على علو واستعلاء، وأن هذا العمل عمل ولاية، وأما الوكلاء الذين يوكلهم الأغنياء في تفريق الزكاة فليسوا من العاملين عليها، لكن إن احتسبوا الأجر فإن العامل في الصدقة كالمتصدق، فهم على خير، بمعنى أنك إذا أعطاك إنسان عشرة ريالات وقال: وزعها على الفقراء ووزعتها فأنت شريك في الأجر، فإن احتسبوا فهذا المطلوب، وإن لم يحتسبوا أعطاهم المالك من ماله لا من الزكاة.


المؤلفة قلوبهم
قال تعالى: { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } [التوبة:60] المؤلفة: يعني الذين يعطون من أجل تأليف القلوب، فمن هؤلاء؟ أسألكم الآن: إذا كان بينك وبين شخص جفاء وعداوة هل تعطيه من زكاتك لتقربه إلى نفسك؟ قلبه مؤلف، أؤلف قلبه لكي لا ينفر مني؟ أقول: لا.
المؤلفة قلوبهم هم الذين يعطون لتأليف قلوبهم على الإسلام، هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم، تؤلف قلوبهم على الإسلام، إنسان كافر لكن نرى أنه يحب أن يسلم، فنعطيه من الزكاة لعل الله أن يهديه، إنسان مؤمن لكن ضعيف الإيمان، عنده شيء من الفسوق، والخروج عن الطاعة نعطيه ونؤلف قلبه من الزكاة.
لكن اشترط أكثر العلماء أن يكون المؤلف من ذوي السيادة، يعني: أنه سيد في قومه، لأن هذا السيد إذا قوي إيمانه نفع الله به أمته، وأما الفرد من الناس فلا يعطى لتأليف قلبه ولو على الإسلام، وهذا قول جمهور العلماء، والصحيح أن الإنسان الفرد يعطى لتقوية إسلامه، لأننا إذا أعطيناه من أجل أن يشتري ثوباً يلبسه، أو رغيفاً يأكله، أو كأساً يشربه، وهذا غذاءٌ جسدي، فلماذا لا نعطيه لنغذيه غذاءً قلبياً دينياً، فالصحيح أن المؤلف لا يشترط به أن يكون ذا سيادة وشرف في قومه، ذكرنا الآن { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } [التوبة:60] أربعة أصناف، هؤلاء لابد أن تسلمهم الزكاة وإذا سلمتهم الزكاة ملكوها ملكاً تاماً، لأن الله تعالى ذكر استحقاقهم باللام (للفقراء) واللام تدل على التمليك.


عتق الرقاب
ثم قال عز وجل: { وَفِي الرِّقَابِ } [التوبة:60] الرقاب: جمع رقبة والمراد بذلك الإعتاق، يعني: وتصرف الزكاة في إعتاق العبيد، فإذا وجدنا عبيداً يباعون ولدينا زكاة فإننا نشتريهم لنعتقهم من الزكاة، وهذا يؤيد إلى ما أشرنا إليه قبل قليل من أن المؤلف قلبه لا يشترط أن يكون ذا سيادة؛ لأننا نعطي الزكاة في تحرير العبيد من الرق، ورق الهوى والمعاصي والشيطان أولى بأن يدفع بالزكاة.
ومن الرقاب أن يفك منها الأسير المسلم، مثلاً: لو أن أحداً من الكفار اختطف مسلماً وقال: لا أعطيكم إياه إلا بفدية، فهل نفديه من الزكاة؟ نعم، نفديه من الزكاة، لأنه يدخل في عموم قوله: { وَفِي الرِّقَابِ } .


الغارمون
قال تعالى: { وَالْغَارِمِينَ } [التوبة:60] معطوفة على الفقراء أم على الرقاب؟ على الرقاب، وذلك لأن العامل أعيد (في) فانفصل ما بعدها عما قبلها فصارت الغارمين معطوفة على الرقاب، يعني: وفي الغارمين، فمن هو الغارم؟ الغارم: من في ذمته حق ماليٌ لا يستطيع وفاءه.
مثلاً: إنسان اقترض من شخص مالاً، وعجز عن وفائه، هذا غارم أم غير غارم؟ غارم.
إنسان آخر اشترى من شخص سيارة ثم عجز عن وفائها هذا أيضاً غارم، إنسان اشترى حوائج لبيته وعجز عن تسديدها هو أيضاً غارم، إنسان تزوج واستقرض لزواجه وعجز عن الوفاء، هل هو غارم؟ نعم.
إذاً: الغارم هو كل من في ذمته حق مالي عجز عن وفائه من ثمن مبيع، أو أجرة، أو قرض، أو ضمان متلف، أو غير ذلك، هذا الغارم.
هل يشترط تمليك الغارم؟ بمعنى أن أقول للغارم: خذ هذه الزكاة أوف بها، أو لا يشترط؟ لا يشترط لأن الله قال (الغارمين) عطفاً على قوله: (في الرقاب) ومعلوم أن الرقاب لا يشترط تمليكها، أنت تشتري العبد، ولا تملكه هذا المال، تشتري العبد بالزكاة وتعتقه، ولا تملكه الزكاة، إذاً: الغارم لا يشترط تمليكه، وعلى هذا فلو ذهبت أنت إلى الطالب الذي يطلب الغارم وقلت: يا فلان! أنت تطلب فلاناً كذا وكذا فيقول: نعم، تقول: تفضل، هذا الطلب تبرأ بذلك ذمتك أو لا، إذا قال قائل: الغارم ما علم ولا درى، نقول: وإن لم يكن يعلم لأنه لا يشترط تمليك الغارم.
هل يجوز إسقاط الدين عن الغارم من الزكاة؟ بمعنى أن يكون علي زكاة تبلغ ألف ريال، ولي غارم مطلوب بألف ريال لكنه فقير، فأقول يا فلان! أسقطت عنك ألف ريال عن زكاتي هل يجزئ؟ لا يجزئ، لماذا؟ أولاً: لأن الزكاة أخذ وإعطاء { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [التوبة:103] هذا في القرآن، وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل : ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ) لابد من أخذ وإعطاء.
ثانياً: الزكاة عن شيء معين بيدك تملكه، والدين في ذمة الفقير هل هو بيدك؟ لا.
ولا تملكه، لكن كما يقول العوام: عبد ابن غنام يوم ألوى في البئر قال له السيد: أنت عتيق، وتعرفون هذه القصة قصة عبد رقيق عند سيده، يؤذيه سيده ويكده ويتعبه ليلاً ونهاراً فيطلب منه العتق، يا سيدي! أعتقني حررني فكني، ولكن يأبى، وفي يوم سولت لهذا العبد نفسه قال: البئر أو ابن غنام - ابن غنام سيده- فوقف على البئر وألقى نفسه في البئر، وفي حال هويه في البئر إذا سيده ينظر قال: أنت عتيق حر لله، حسناً متى قالها؟ بعد أن سقط في البئر، فلذلك صارت مضرب المثل إن صحت القصة فالله أعلم.
على كل حال هذا الإنسان الذي عنده مثلاً مائة ألف وزكاتها بقدر ما في ذمة الفقير إذا أسقط عن الفقير وقال: أريدها من الزكاة نقول ما يصير هذا، المال الذي بيد الفقير مثل التالف ولا يجزي، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والدين لا يجزئ زكاة عن العين بلا نزاع.
سؤال ثان: هل يجوز أن أقضي دين الميت من الزكاة؟ إنسان ميت ليس له تركة، عليه دين هل يجوز أن أؤدي دين هذا الميت من الزكاة؟ لا.
لا يجوز لماذا؟ أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي دين الأموات من الزكاة، أبداً، ولهذا كان إذا قدمت له الجنائز قال: هل عليه دين؟ إن قالوا: نعم، قال: له وفاء؟ إن قالوا: لا.
قال: ما أصلي عليه، صلوا عليه أنتم ولا يصلي عليه مع أن الزكاة عنده، والصدقة عنده، لما فتح الله عليه وكثرت المغانم وكثرت الأموال صار يقول: إذا قيل هذا الميت عليه دين، قال: ( أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) كما قال ربه عز وجل: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب:6] ثم قال: ( من ترك ديناً فعلي، ومن ترك مالاً وضياعاً فلورثته ) إذاً قضاء الدين على الميت من الزكاة لا يجزي، لأن الرسول ما كان يقضيه.
هذه واحدة.
ثانياً: أيهما أولى أن نقضي دين الميت الذي قدم على ربه، وإذا كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه )، أو أقضي دين الأحياء الذين ذل الدين على وجوههم؟ أيهم أولى؟ الأحياء لا شك، ولهذا يقال: الدين هَمٌّ في النهار، وسهر في الليل، هذا صحيح، وذل أيضاً، ولهذا تجد الإنسان المستغرق بالدين يتحاشى الناس، إذاً من الأولى: هذا الميت الذي قدم على ربه وربما يكون أخذ أموال ناس يريد أداءها فيؤدي الله عنه أو هذا الحي؟ الحي.
ثالثاً: لو قلنا بجواز صرف الزكاة في ديون الأموات لكان الناس يفتشون في الدفاتر القديمة يكون سابع جد من أجداده عليه دين، يقول: والله بقي أن أؤدي الزكاة لهذا المدين، ثم إذا تابع السابع السادس الخامس الرابع الثالث الثاني الأول؛ تذهب أموال الناس كلها في قضاء ديون الأموات؛ لأن عاطفة الناس على الأموات أكثر من عاطفتهم على الأحياء فيقول: ارحم هذا الفقير المرتهن بدينه في قبره، ارحمه وأعطه زكاتك واقض ديون الأموات، ثم يذهب الرجل ينظر في دفاتر الناس هل على أبيك دين، أو جدك، أو جدتك، أو أمك، أو أختك؛ فتنتهي الزكاة للأموات.
لذلك حكى بعض العلماء -كـ ابن عبد البر رحمه الله- إجماع العلماء على أن الزكاة لا تدفع في دين الميت، لكن الصحيح أن فيها خلافاً لكنه خلاف مرجوح، فالراجح أنها لا يقضى بها على ميت، وقد عرفتم وجه ذلك من دلالة السنة على هذا ودلالة النظر، هذا في الغارمين.


في سبيل الله
قال تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [التوبة:60] ما المراد بقوله: (سبيل الله)؟ المراد جهاد الأعداء بالسلاح -وأعني بهم الكفار- يدفع من الزكاة، لكن هل يعطى المجاهد أو يشترى به السلاح، أو يجمع بين الأمرين، أو ينظر للأحوج؟ ينظر للأحوج، لأن المجاهدين قد لا يحتاجون إلى السلاح لأن الأسلحة متوفرة لديهم؛ لكن يحتاجون إلى الطعام، والشراب، والرواحل، وما أشبه ذلك، وقد يكون عدد المحتاجين للسلاح كبيراً، وهو مستغنٍ بنفسه، لكن يحتاج إلى سلاح، أين نضع الزكاة؟ في السلاح، وقد تكون الحاجة متساوية فنبذل في هذا وهذا.
هل يبنى بها مدارس، أو يشترى بها كتب، أو يعان بها طلبة علم؟ لا.
في سبيل الله المراد السلاح، صحيح أن العلم في سبيل الله لكنه ليس المراد بالآية، إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا تفرغ لطلب العلم وهو قادر على التكسب فإنه يعطى ما يكفيه من أجل طلب العلم، لكن بشرطين: التفرغ، والثاني: القدرة على التكسب، أما إذا كان غير قادر على التكسب وهو فقير لا نعطي العلم بل نعطيه لفقره وعدم قدرته على التكسب.
{ وَابْنِ السَّبِيلِ } السبيل هو الطريق، فمن ابنه؟ ابنه هو المسافر، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً وانقطع به السفر أو تعطلت سيارته، أو ضاع ماله، أو سرق، وهو يريد أن يصل إلى بلده وهو غني من أكبر الأغنياء؛ لكن الآن ما بيده شيء نعطيه أو لا؟ نعطيه.
لكن نعطيه ما يكفيه لسنة، أو ما يوصله إلى بلده؟ نعطيه ما يوصله إلى بلده.
هؤلاء هم الأصناف التي تدفع فيهم الصدقات قال الله تعالى: { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة:60] يعني الله فرض علينا أن نصرفها في هذه الأصناف، وبين أن هذا صادر عن علم وحكمة من الله عز وجل.
لكن هناك موانع تمنع من صرف الزكاة لمن اتصفوا بهذه الأوصاف وهي: إذا كان هذا الفقير تجب نفقته على الغني، فهل يجوز أن يدفع الغني من زكاته لهذا الفقير ما يكون نفقة له؟ أخوه تجب نفقته عليه، إذا كان غنياً والأخ فقيراً وهو الذي يرثه وجب عليه النفقة، فيقول: أنا بدل ما أنفق عليه ألف ريال أعطيه زكاة، ألف ريال بالشهر هل يجوز أو لا؟ لا يجوز، لأن هذا يحفظ به ماليته، بدل أن يعطيه من ماله ألف ريال يجعلها من مال الفقراء من الزكاة، هذا حرام، ولا تجزئه.
فإن كان على أخيه دين وهذا الرجل الغني قائم بالنفقة، لكن أخوه عليه دين إما أنه أتلف شيئاً فضمنه، أو لأي سيبب، هل يجوز أن يقضي الأخ دين أخيه من الزكاة؟ نعم يجوز، لماذا؟ لأنه لم يدفع عن نفسه واجباً، ولأنه لا يجب عليه أن يقضي دين أخيه.
إنسان غني حدث لابنه حادث سيارة وتكسرت السيارة وغرم عشرة آلاف، والولد فقير ما عنده شيء، هل يجوز لهذا الأب أن يدفع الزكاة في هذا، أي في غرم ولده؟ نقول: يجوز، أن يدفع زكاته في قضاء غرم ولده، لأن الأب لا يلزمه قضاء الدين عن ابنه، وأصل المنع أنه متى كان الإنسان يدفع واجباً عليه في الزكاة فلا يجوز.
نزل به ضيف والضيف يجب إكرامه، والضيف ما معه غداء، ولا عشاء، ولا بنزين لسيارته، فقال هذا الرجل الذي نزل به الضيف: أدفع له من زكاتي؟ لا يجوز، لماذا؟ لأنه يجب عليه ضيافته، وهو إذا دفع من ماله دفع واجباً عن نفسه بالزكاة، وهذا لا يجوز، وعليه لو قال قائل: هل يجوز دفع الأب زكاته لابنه؟ إن قلت: لا.
أخطأت! وإن قلت: نعم.
أخطأت! فيه تفصيل، إن كان للنفقة لا يجوز، وإن كان لغرم جاز.


الأسئلة


نصيحة للنساء بالتزام الحجاب والحياء


السؤال
هذه اللقاءات المباركة نسأل الله أن يرفع بها الدرجات عنده سبحانه لكل من ساهم فيها، ولكن نرى أنها تركز على الأحكام دون الواقع الاجتماعي، وأعرض بين يديكم ما أقلقني وأزعجني.
أولاً: واقع النساء في الأسواق حيث إن بعض المحلات لا تغلق إلا في الساعة الثانية ليلاً.
ثانياً: الشباب على الأرصفة وفي البراري يسهرون الليل مع طوله على الورق واللعب والدشوش، أرجو إحياء نفوسنا بنصيحة ينفع الله بها، وما هو دور طلبة العلم وأهل الصلاح في مثل هذه الأمور؟

الجواب
نحن نشكر الأخ على هذا السؤال ونرى أنه لابد من معالجة المشاكل الاجتماعية؛ وذلك لأن الله تعالى قال: { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي } [يوسف:53] ولكن يا إخوان! المواضع لها أناس، والأحكام لها أناس، فكم من إنسان عنده فقه كبير في الدين، والفقه في الدين هو الفقه المحمود، وهو الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) والفقه في الواقع وسيلة فقط لتطبيق الأحكام الشرعية عليه، لكن الفقه المحمود الذي يرفع الله به الدرجات إنما هو فقه الدين، فالناس يختلفون، هذا رجل عالم بأحكام الدين يعلم الناس، ويفتح للناس باب الاستدلال في الكتاب والسنة، وهذا إنسان عالم بالواقع يتتبع أحوال الناس وينظر فيها؛ لكن قد يكون قاصراً في الفقه في الدين، وكل واحد من الفقهين يكمل الآخر، لكن من الناس من يعطيه الله تعالى حسن إلقاء في الوعظ، تجده يحرك القلوب، وينشط أهل الخير، وبضاعته من العلم الشرعي مزجاة، لكن أعطاه الله تعالى بياناً وفصاحة وقدرة، وأهم شيء عندي أنا هو معرفة الناس بأحكام الشريعة، حتى لا يعبد الله على جهل، ولا سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه المتعالمون، الذين يقدمون على الفتوى وكأنها لعقة عسل، أو حبة حلاوة، ويستشرفون لها ويتطلعون، ويريدون أن يتصدروا المجالس، وأن يتزببوا قبل أن يتحصرموا.
لذلك كان واجباً على طلبة العلم العناية بمعرفة الأحكام الشرعية قبل أن يسحب البساط من تحت أرجلهم، ويتولى الفتيا من ليس أهلاً لها، وهناك أناس عندهم قدرة على الموعظة والتأثير أكثر من غيرهم، ونحن نضرب لكم مثلاً برجلين من العلماء المشهورين، ابن الجوزي رحمه الله صاحب التبصرة الواعظ المشهور، عنده قدرة على الموعظة مؤثرة، يجتمع عند موعظته آلاف الناس، وإذا تكلم في الوعظ ربما يصعق بعض الناس ويموت من قوة التأثير، وشيخ الإسلام ابن تيمية لا يستطيع مثل ذلك مع أن انتفاع المسلمين ونفع الإسلام بـ شيخ الإسلام أكثر بكثير؛ لأن عنده من العلم والفقه ما ليس عند ابن الجوزي فالله تعالى خلق وفرق، وليس الناس سواء، أنا من الذين لا يستطيعون المواعظ المؤثرة مثل بعض الناس، ولكن مع ذلك الذي طلبه الأخ السائل سهل ولا يحتاج إلى كبير عناء.
أقول: إن مشكلة النساء في الواقع من عدة أوجه: أولاً: أن بعضهن نزع منهن الحياء -والعياذ بالله- فصارت الأنثى تتطلب الأزياء الكاشفة العارية من حيث لا تشعر، تشتري المرأة ما يسمى بالبردة لتطلع على لباس الكافرات وتقلدها، ثم تدعي أنها تخيطها خياطة إسلامية، إذا كانت خياطة إسلامية ليس مضاهاة لها، وإذا قدر أنها في هذه السنة خيطت خياطة إسلامية؛ في السنة الأخرى لا تخاط، لأننا نعرف أن الشر يتصاعد ولا يتناقض، هذه محنة إلى حد أن المرأة ذهبت تطلب أن تلبس البنطلون، امرأة تلبس البنطلون!! نحن رجال نستحي أن نمشي بالبنطلون حتى فيما بيننا، لا يستطيع الإنسان أن يمشي بالبنطلون؛ إلا أناس اعتادوها فيما بينهم في بلادهم، يا شباب! ما الفائدة من البنطلون للمرأة، إلا أنه يصف الحجم فخذها كبير! فخذه صغير! عجيزتها كبيرة! عجيزتها صغيرة! ثديها صغير! ثديها كبير! هذا هو حتى لو كانت المرأة في الوقت الحاضر تلبس بنطلوناً واسعاً؛ سيجيء الوقت عن قريب الذي تلبس فيه البنطلون الضيق، كما هي العادة الجارية.
ثم إن البنطلون من لباس الرجال، يعني: على فرض أنه ساتر من كل وجه؛ واسع، وفضفاض، وطويل فإن فيه التشبه بالرجال، من الذي يلبس البنطلون حتى في البلاد الأخرى؟ إما كافرات، وإما رجال اعتادوه، ففيه تشبه إما بالكافرات، وإما بالرجال.
ثانياً: عند النساء أيضاً قلة حياء في كشف الوجه، فتجد بعض النساء تلبس (ردفة) خفيفة جداً يظهر منها الوجه، وربما تكسو الوجه جمالاً أكثر مما لو كان مكشوفاً، وتدعي أن هذا هو الحجاب الشرعي، الحجاب الشرعي هو ما شرعه الله ورسوله، وأين في كتاب الله أو سنة رسوله جواز كشف الوجه للأجانب؟ أين ذلك؟ نقول لكل امرأة: أرينا آية من كتاب الله، أو حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام صحيحاً يدل على جواز كشف الوجه؟ أبداً ما هناك إلا حديث أسماء بنت أبي بكر المنكر متناً الضعيف سنداً، وهذا لا عبرة به بإجماع العلماء، أن الحديث الضعيف سنداً أو المنكر متناً لا يحتج به، لأن من شرط الصحيح أن يكون رواه عدل تام الضبط بسند متصل، وأن يسلم من الشذوذ والعلة القادحة، وإنكار المتن علة قادحة لا شك.
يقول هذا الحديث أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام بثياب رقاق -انظر بثياب رقاق يعني تصف ما وراءها- فأعرض عنها، و أسماء بنت أبي بكر في ذلك الوقت يمكن لها ثمانية عشر سنة، هل يمكن لامرأة بهذا الشباب تدخل على سيد المرسلين بثياب رقاق تصفها، يقول: فأعرض عنها ثم قال: ( إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين ) هل يعقل هذا؟ لا يعقل، فالمتن منكر، ثم يسأل كل إنسان نفسه، أيهما أشد فتنة القدم أو الكف؟ القدم أشد فتنة؟ الله لا يقلب رءوسنا! لو أن امرأة أخرجت كفها وامرأة أخرجت قدمها أيهما أشد فتنة؟ الكف لا شك، ثم نقول: أيهما أشد فتنة امرأة ظهر قدمها أو ظهر وجهها؟ الثاني لا شك، هل يعقل أن الشريعة التي نزلت من لدن حكيم عليم أن تبيح للمرأة إظهار الوجه الجميل، ويجب عليها أن تستر الرجل المشوهة، هل يعقل؟ الشريعة من لدن حكيم خبير، لا يمكن أبداً أن يفرق الله بين متماثلين، أو يجمع بين مختلفين، فكيف بين شيئين متباعدين، فرق بين إظهار الوجه وإظهار القدم، ولهذا كلما تدبر الإنسان هذا القول وجده في غاية الضعف، أعني القول بأنه يجوز كشف الوجه.
ثم على فرض أنه جاز كشف الوجه، يجب أن يمنع لأنه ذريعة لكشف ما وراء الوجه، وانظر البلاد التي رخص علماؤها بكشف الوجه للمرأة هل اقتصرت المرأة على الوجه؟ أبداً، أخرجت الوجه والرأس والرقبة والساق والرجل، وسد الذرائع من الطرق الشرعية الثابتة.
انظر إلى قول الله تعالى: { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام:108] سب آلهة المشركين مطلوب، والله تعالى يسبها بأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تجيب دعاءً، ومع ذلك إذا كان سب آلهة المشركين يؤدي إلى سب الله فيمنع لأنه ذريعة، وليس هو بعلة وسبب، بمعنى: متى وجد سب الآلهة وجد سب الله؛ فهو في هذه الحال ذريعة، فحرم الله هذه الذريعة؛ لأنها تؤدي إلى محرم.
كشف الوجه لو قلنا بجوازه، لقلنا بمنعه؛ لأنه يؤدي إلى شيء محرم لا شك فيه، ولهذا نسأل دائماً عن النقاب -وهو البرقع- وهل تغطي المرأة وجهها بشيء ليس فيه إلا نقب للعينين، ولهذا يسما نقاباً، هل يجوز أم لا؟ إن قلت: لا يجوز مشكلة، وإن قلت: يجوز مشكلة أيضاً، فنقول: النقاب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام معروف، كان النساء ينتقبن في عهد الرسول لا شك، والدليل على ذلك أنه قال في المحرمة: ( لا تنتقب ) فدل ذلك على أنه لباسٌ معروف؛ وإلا لم يكن لنهي المحرمة عن الانتقاب فائدة.
ولكن إذا كان النقاب ذريعة إلى شيء لا يجوز؛ فيمنع، وإن كان جائزاً وهو ذريعة إلى ما لا يجوز تفتح المرأة هذه السنة لعينيها فقط، وبعدئذٍ يتوسع النقب، إلى الحاجب، والوجنة، وبعد ذلك لا يشعر، أوسع، حتى يزول الحياء عن المرأة، وإذا زال الحياء عن المرأة فلا تسأل! كل شيء يمكن يسهل معها.
فنقول نحن: النقاب جائز ولا إشكال فيه عندنا لكننا نمنعه ونقول: تغطي المرأة وجهها كاملاً خوفاً من أن يترقى الأمر إلى شيء محرم.
ثالثاً: ومما نعانيه من النساء كثرة تجولهن في الأسواق بدون حاجة، وهذا خطر عليهن من الفساق، وخطر منهن على المعتدلين، لماذا تتجول في السوق، بيتها خير لها، إذا كانت تريد حاجة فلتطلب من محرمها أن يقضي لها هذه الحاجة، أو تذهب على الأقل مع المحرم ويقف هو على صاحب الدكان ويقول: هاتي الحاجة الفلانية ويعرضها عليها.
وكذلك أيضاً من مشاكل النساء أن بعضهن تمشي في الأسواق مشية الرجال بقوة وكلام وحديث، وهذا من المشاكل.
رابعاً: من المشاكل أيضاً ما أشار إليه السائل أنها تخرج في الليل -بعد منتصف الليل- ربما تخرج معها امرأة أخرى وتكلم الرجل، ورأيت بعض النساء يدخلن في الدكان وليس في الدكان إلا البائع فقط، وكل هذا خطر عظيم.
المسئول الأول: كل امرأة مسئولة عن نفسها، عليها أن تتقي الله عز وجل، وأن تحذر من هذا، ثم المسئول بالدرجة الثانية وليها من الرجال؛ لأن الله قال: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } [النساء:34] وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [التحريم:6] فالواجب على الرجال أن ينتبهوا، سبحان الله بعض الرجال لو ضاعت له غنمة واحدة سهر الليل يطلبها، أين ذهبت؟ ماذا فيها؟ بينما هو مهمل أبناءه وبناته الذين بصلاحهم فلاحه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ).
وأما ما أشار إليه السائل من جلوس الشباب على الأرصفة، وضياع الوقت ليس في أمر مباح فقط؛ بل في أمر محرم، فهذا أيضاً مشك


زكاة ما أعد للتنمية


السؤال
هذا سؤال قد وجهته في اللقاء الماضي ولم يعرض، أنا صاحب مزرعة وعندي حمام تقدر بخمسة آلاف ريال ولكني أبيع منها أحياناً في الشهر بخمسمائة ريال، وأحياناً أكثر، وأحياناً أقل، وأحياناً لا أخرج شيئاً فهل عليها زكاة أم لا؟ وما مقدارها؟

الجواب
هذه ليس فيها زكاة، لأنها معدة للتنمية، فلا زكاة فيها، أما الإنسان الذي يتجر بالحمام، يعني يشتري هذا اليوم ويبيعه غداً، ويشتري غيره ليتكسب؛ فإن الحمام تكون من باب عروض التجارة، أما الذي يتخذه للتنمية متى نمت باع نماءها فليس فيها زكاة، ونماءها الذي يبيعه إذا أخذ العوض وهي دراهم؛ فإن بقيت عنده سنة زكاها، وإن أنفقها قبل تمام السنة سقطت زكاتها.


جلسات رمضانية (1415هـ)[5]
تكلم الشيخ عن أول وأعظم انتصار في رمضان للمسلمين، وهو غزوة بدر، وكيف كسر الله شوكة الباطل بعصا الإيمان، وأجاب بعد ذلك عن الأسئلة، ومما ورد سؤال عن أحكام صلاة الوتر، وقد أجاب الشيخ عنه وأطال في ذكر أحكام صلاة الوتر.


انتصارات المسلمين في رمضان
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وفتح الله به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وعيوناً عمياً، فبارك الله في دعوته فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الخامس الذي يتم في شهر رمضان عام (1415هـ) وهو في الليلة السابعة عشرة من هذا الشهر في هذه الليلة، بل في يوم هذه الليلة اليوم السابع عشر مناسبة كبرى للمسلمين ألا وهي غزوة بدر التي انتصر فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه على أبي جهل وأصحابه، انتصر فيها حزب الرحمن على حزب الشيطان.
وسبب هذه الغزوة: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع أن أبا سفيان قدم من الشام بعير لقريش، ومن المعلوم أن المدينة بين الشام و مكة ، فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ندب أصحابه أن يخرجوا إلى هذه العير ليأخذوها، وإنما استباح النبي صلى الله عليه وسلم أموال قريش لأن قريشاً كانوا في حرب معه، وهم أيضاً -أعني: قريشاً- استباحوا ديار المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، فكانت أموال قريش حلالاً للمسلمين، فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من أجل أن يأخذوا هذه العير.
ولكن أبا سفيان كان رجلاً ذكياً، لما سمع بما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خالف عن الطريق وسلك ساحل البحر، وأرسل إلى قريش يخبرهم بما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أخذ عيرهم.
فقامت قريش برجالها، وحدها وحديدها، وفخرها، وخيلائها، وبطرها خرجت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تريد غزوه، وهذا من نعمة الله عز وجل أن أغراهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى خرج كبراؤهم وصناديدهم وزعماؤهم إلى قتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فالتقوا في بدر على غير ميعاد، ليس بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موعد ولكنهم التقوا في هذا المكان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم على قلة وذلة، ليس معه إلا سبعون بعيراً فقط وفرسان، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً يتعاقبون الإبل والفرسين، التقوا بعدوهم، وكان عدوهم ما بين تسعمائة إلى ألف في أقوى ما يكون من العدة، خرجوا كما قال الله تعالى: { مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ } [الأنفال:47].
التقوا بالمسلمين فأنزل الله تعالى في تلك الليلة غيثاً ومطراً لتثبيت الأرض للمسلمين، وجعل الأرض زلقاً للكافرين؛ لأن الكافرين كانوا في جهة أخرى فكان زلقاً لهم، أما المسلمون فكانوا في الرمل؛ ولكن الرمل مع المطر اشتد وقوي، حتى ثبت الله أقدام المؤمنين { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [آل عمران:154].
فأنزل الله هذا المطر وألقى فيهم النوم والنعاس، حتى إن الواحد يسقط سيفه من يده، وهذا يدل على قوة طمأنينتهم وثقتهم بنصر الله عز وجل، إذ لم يكن في قلوبهم رعب؛ لأن من في قلبه الرعب لا يمكن أن ينام، ولكن الله تعالى ألقى في قلوبهم السكينة التقوا بهؤلاء الكفار فصارت ولله الحمد الهزيمة.
قتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون، ولم يستشهد من الصحابة إلا بضعة عشر رجلاً، وقتل من صناديدهم وكبرائهم نحو أربعة وعشرين رجلاً، فسحبوا جميعاً والقوا في قليب في بدر خبيثة منتنة رديئة إذلالاً لهم في الحياة، فلما انتهى القتال ركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته حتى وقف على البئر وقال: ( يا فلان ابن فلان! -يخاطبهم بأسمائهم وأسماء آبائهم- هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً -يخاطبهم وهم أموات- قالوا: يا رسول الله! كيف تخاطب قوماً ماتوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم؛ ولكنهم لا يجيبون ) أموات يسمعون توبيخ الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ولكن لا يجيبون.
وهذا من باب العزة بنصر الله عز وجل، فالمؤمن له العزة بدينه، كما قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون:8] فمن عزة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه وقف على القليب التي فيها صناديد قريش كـ أبي جهل ونحوه يوبخهم.
وأسروا سبعين رجلاً دخلوا بهم المدينة مأسورين، وقتلوا سبعين رجلاً، وسمى الله هذا اليوم يوم الفرقان؛ لأن الله تعالى فرق فيه بين الحق والباطل، وبين أوليائه وأعدائه ومن ذلك اليوم عز الإسلام، وقوي، وخافه المشركون، وبرز النفاق في المدينة -النفاق يعني: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- من السنة الثانية من الهجرة بدأ النفاق الذي يظهر فيه صاحبه بأنه مؤمن وهو كافر؛ لأن الإسلام صار له هيبة، هذه مناسبة في اليوم السابع عشر من شهر رمضان.
وفي رمضان أيضاً مناسبة أخرى وهي غزوة الفتح، ومن المعلوم أيها الإخوة أن انتصار المسلمين في ذاك الزمن انتصار لنا اليوم، لأننا أمة واحدة، فنصرهم نصر لنا، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا شكر نعمته، ونسأله أن ينصر إخواننا المجاهدين اليوم في الشيشان و البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين؛ لأن أعداء الإسلام تكالبوا على الإسلام اليوم، حتى صار زعماء منهم يصرحون ويقولون: إننا قضينا على عدونا الشيوعي؛ ولكن بقي عدونا الأصولي، ويعنون بالأصولي: المسلمين.
وهذا لا شك أنه يرعبهم أكثر مما يرعبهم الشيوعيون؛ لأنهم ليسوا على دين، والمسلمون على دين منصور؛ ولذلك كانوا يخافونه فتسلطوا الآن، وقويت سلطتهم والعياذ بالله، وعدوانهم على المسلمين من كل ناحية، ولكن إن صدقنا الله صدقنا وعده، وإن نصرنا الله نصرنا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد:7] فنسأل الله تعالى أن ينصرنا بنصره، وأن يعزنا بدينه وألا يذلنا بمعاصينا إنه على كل شيء قدير .


فوائد متفرقة في باب الزكاة
في اللقاء الماضي تكلمنا على الأموال الزكوية، أخذنا منها كم صنفاً؟ الذهب والفضة، وعروض التجارة، والأنعام وهي كالآتي: الإبل، والبقر، والغنم.
هل الدين تجب فيه الزكاة أم لا؟ إذا كان على مليء باذل ففيه زكاة، وإن كان على فقير أو على غني مماطل فيه قيدٍ، أيضاً من لا تمكن مطالبته فإنه لا زكاة فيه، والذي لا تمكن مطالبته إما شرعاً وإما حساً، فالذي لا تمكن مطالبته شرعاً الأب، الإنسان لا يمكن أن يطالب أباه أبداً؛ إلا في شيء واحد فقط وهو النفقة الواجبة، يعني لو أن الأب أبى أن ينفق؛ فللابن أن يطالبه عند القاضي، أبى أن يزوج ابنه مع حاجته للزواج وفقره؛ فللابن أن يطالب أباه عند القاضي أن يزوجه؛ لأن له أن يطالب أباه بالنفقة الواجبة، أما الدين فلا، أو يعجز عن المطالبة به حساً كما لو كان الحق أو الدين على أمير، أو على جبار لا يستطيع أن يطالبه.
الخلاصة: إذا كان على غني باذل ففيه الزكاة، وإن كان على فقير أو غني مماطل لا تمكن مطالبته فلا زكاة فيه.
أصحاب الزكاة الذين يستحقون الزكاة أصناف ثمانية، مذكورون في آية من كتاب الله وهي: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة:60].
ما الفرق بين الفقراء والمساكين؟ الفقير أحوج من المسكين، والفقير هو: الذي لا يجد من النفقة إلا أقل من النصف، أو لا يجد شيئاً ودون الكفاية.
هل الوكلاء في تفريق الزكاة لشخص معين من العاملين عليها، أم لا؟

الجواب
لا.
فمثلاً: أعطيتك ألف ريال، وقلت: توزعه على المستحق هل لك منه شيء؟ لا.
إذا كان هؤلاء قد وكل إليهم من قبل الدولة -الحكومة- هل يأخذون؟ الحكومة مثلاً جعلت أناساً على الزكاة يقبضونها ويفرقونها، هل لهم فيها حق؟ الجواب: إذا كان له راتب ما يستحق، وإذا لم يكن له راتب يستحق؛ لقوله: { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } [التوبة:60].
إذا كان رجل راتبه في الشهر ألف ريال ونفقته ألفي ريال، هل يعطى من الزكاة؟ نعم.
كم يعطى؟ اثني عشر ألفاً في السنة .


الأسئلة


كيفية أداء التراويح بعد الجمع في حال المطر


السؤال
من الملاحظ في شهر رمضان هذه السنة نزول بعض الأمطار فهل يجمع الناس بين صلاة المغرب والعشاء؟ ثم إذا جمعوا فهل يصلون التراويح مباشرة، أم ماذا يصنعون؟

الجواب
أظن أننا تلونا بعد صلاة الجمعة قبل الماضية فتوى من اللجنة الدائمة بالتحذير من التساهل في الجمع بين المغرب والعشاء، أو الظهر والعصر وقالوا: إنه لا يجمع في المطر إلا إذا كان يبل الثياب، وتوجد معه مشقة، وعلقنا على ذلك وحذرنا من التهاون، وما زلنا على هذا، لكن إذا كان المطر حقيقة شديداً؛ فإن الجمع جائز، وإذا انتهى من الجمع فالذي أرى أن يخير الجماعة يقول: هل تحبون أن نصلي التراويح الآن وننصرف إلى البيوت، أو تنصرفوا إلى بيوتكم وكل يصلي في بيته، أو تأتون إلى المسجد ونصلي التراويح لكن هذه ممتنعة، لماذا؟ لأنهم لو قالوا: نعم نأتي للتراويح، قلنا: إذاً لا حاجة إلى الجمع، فما بقي عندنا إلا أن نخيرهم إن شاءوا أقاموا التراويح بعد صلاة العشاء وإن شاءوا انصرفوا وكل يصلي في بيته.


كيفية توزيع الزكاة


السؤال
هل أهل الزكاة يعطون من أموال الزكاة بحسب ترتيبهم الوارد في الآية؟

الجواب
ليسوا على الترتيب، بل ربما تعطي المسكين ولا تعطي الفقير، لكن من المعلوم أن كل من كان أشد حاجة فهو بها أولى، وإذا اجتمع قرابة وشدة حاجة وكان هذا القريب ممن لا تلزمك نفقته فهو أولى من البعيد، وكذلك فقراء البلد أولى من الفقراء في غير بلدك، ومن كان أقرب من بلدك أولى ممن كان أبعد.


الصفات الواردة في السنة لصلاة التراويح


السؤال
تكررت أسئلة النية في صلاة الوتر ثلاثاً أو اثنتين، وهذه الأسئلة تدور على الإمام والمأموم، وخاصة إذا كان المأموم ممن ينوي جهراً قبل صلاته؟

الجواب
الوتر صلاة مقيدة معينة، فهي صلاة وتر، وإذا كانت معينة فلابد فيها من النية من أولها، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) وعلى هذا فإذا كان الإمام من عادته أن يصلي أربع تسليمات ثم يوتر، فإن المأموم إذا صلى أربع تسليمات ثم قام الإمام بعد ذلك ينوي الوتر، وإذا نوى الوتر فهو على نيته سواء سرد الإمام الثلاث جميعاً أو سلم بالركعتين ثم أتى بالثالثة؛ لأن الركعتين اللتين تسبق الواحدة هي من الوتر لكنه وتر مفصول، وإذا سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد فهو وتر موصول، وكلاهما جائز.
لكن سمعنا أن بعض الأئمة يصلي أربع تسليمات ويقوم للتسليمة الخامسة على أنها الوتر لكنه يقرأ فيها من قراءة التراويح حرصاً منه على أن يختم، وهذا غلط من وجوه: الوجه الأول: أننا لا نعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ختم القرآن في التراويح أبداً، بل لم يصل إلا ثلاث ليال، وكذلك لا نعلم أن الصحابة كانوا يتعمدون ذلك، صحيح أن بعض العلماء من السابقين واللاحقين قالوا: ينبغي أن يقرأ القرآن كله على الجماعة ويختم.
أما الوجه الثاني: أنه ترك القراءة المشروعة إلى قراءة غير مشروعة، ما هي القراءة المشروعة في الوتر؟ أن يقرأ بسبح في الركعة الأولى، وبالكافرون في الثانية، وبالإخلاص في الثالثة، وهذا عدل وأتى بقراءة غير مشروعة في الوتر.
الوجه الثالث: أنه لبس على المصلين؛ إذ أن المصلي ولو كان قد دخل مع الإمام من أول الصلاة إذا قرأ الإمام من قراءة التراويح سوف يكون عنده شك، يقول: لعلي أخطأت في عدد الركعات السابقة، لعل هذه بقية التراويح ثم يبقى متردداً، وربما ينوي التراويح، فإذا نوى التراويح وصار هو الوتر ثم نواه في أثناء الصلاة لم يصح، ولم يكن وتراً، ولكن ماذا يصنع؟ نقول: إذا لم يصح أن يكون وتراً فإذا سلم إمامك فقم وائت بركعة لتكون شفعاً، ثم صل الوتر بعد ذلك، وإن شئت صليت آخر الليل.
ولهذا يحصل الارتباك للمأمومين إذا فعل الإمام مثل هذا الشيء، والذي ينبغي للإمام أن يعلم أنه لا يصلي لنفسه حتى يصنع ما شاء، بل يصلي لغيره، ولهذا يعبر الصحابة فيقولون: [ صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
فهو يصلي لغيره.
ويوجد أيضاً بعض الأئمة يسرد بالجماعة تسع ركعات، من أول ما يبدأ إلى آخره تسع ركعات، بناءً على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بتسع فسردها ولم يتشهد إلا في الثامنة ولم يسلم، ثم صلى التاسعة وسلم، وهذا أيضاً من الغلط، هو يقول: أريد أن أحيي السنة نقول: نعم أحيها؛ لكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام -وهو أحرص منك على نشر السنة- صلى بأصحابه تسع ركعات؟ أبداً ما صلى إلا ركعتين ركعتين.
ثم في هذا من المشقة على الناس ما هو ظاهر، قد يحصر الإنسان في أثناء الصلاة فإن انفتل من صلاته خجل، وإن استمر في صلاته تعب، بخلاف ما إذا كان المصلي على ركعتين ركعتين، فهو إذا سلم ذهب، ثم إن الناس يكفيهم أن يقال في الحديث الوتر على أصناف متعددة كذا وكذا وكذا ويعرفون، ولهذا ما عهدنا مشائخنا الذين هم أكبر منا، وأحرص منا على نشر السنة، ما رأيناهم يفعلون هذا، يصلون بالناس بتسع ركعات، بل ولا بسبع، ولا بخمس؛ فلذلك ينبغي للإمام أن يكون عنده حكمة في كيفية معاملة الناس، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا صلى أحدكم لنفسه فليطل ما شاء ) لكن للناس يراعيهم حتى لا يحصل عليهم الارتباك والتعب.
نعم لو فرضنا أن قوماً كانوا في بساتين محصورين ما عندهم أحد، واتفقوا فيما بينهم على أن يوتروا بتسع فلا حرج لأن هؤلاء اختاروا بأنفسهم، أما مسجد عام كل يدخل فيه، ولا يعلم الناس عما يريد الإمام؛ فهذه مشكلة، حتى لو فرض أن الرجل هذا أوتر بتسع، ثم إن الناس أول ما يكبرون ماذا ينوون: الوتر أم صلاة الليل؟ ينوون صلاة الليل، وينوون أن تكون اثنتين، ولا ينوون الوتر، معناه كل التسع الركعات هذه لا تجزئهم عن الوتر؛ لأنهم لم ينووا.
فالمهم نحن نحث الأئمة على أن يراعوا الناس الذين وراءهم، والسنة يمكن فعلها في بيوتهم كما فعل الرسول في بيته، فالرسول لم يصل بالناس لا بتسع، ولا بسبع، ولا بخمس، يفعلونها في بيوتهم، ويبينون للناس السنة في القراءة وفي الحديث.


زكاة العسل


السؤال
أنا أتاجر في العسل فهل يجب علي الزكاة فيه، مع العلم بأني أشتري منه وأبيع، ولا يمضي عليه فترة؟ وإذا كان فيه زكاة فما مقدار هذه الزكاة الواجبة؟ وكيف أؤديها؟

الجواب
أما من جهة الذين يبيعون ويشترون في العسل فهؤلاء تجار عسل، وتجب عليهم الزكاة في العسل على أنها عروض تجارة كالتجار، فإذا جاء وقت الزكاة فإنهم يقدرون ثمن العسل الذي عندهم ويخرجون ربع العشر، وكيف أعرف ربع العشر؟ أعرف ربع العشر بأن أقسم الدراهم على أربعين، فما خرج بالقسمة فهو ربع العشر، فإذا كان عندي أربعون ألفاً كم ربع العشر؟ ألف.
إذا أردت أن تعرف مقدار ربع العشر فاقسم ما عندك على أربعين، والخارج بالقسمة هو ربع العشر، أما إذا كان العسل يجنى -يعني: الإنسان عنده منحلة يجني منها العسل ويبيعه- فقد اختلف العلماء رحمهم الله: هل تجب فيه الزكاة أم لا تجب؟ فمنهم من قال: إن الزكاة واجبة فيه ومقدارها العشر، ومنهم من قال: إن الزكاة لا تجب فيه؛ لأنه ليس من الحبوب ولا من الثمار، لكن الأحوط للإنسان أن يخرج الزكاة عنه.


التفصيل في أحكام الاعتكاف


السؤال
فضيلة الشيخ: أرغب الاعتكاف في العشر الأواخر بمشيئة الله تعالى، ولكن عندي مشكلة وهي وجبة العشاء، فهل أخرج في كل ليلة فأذهب إلى أهلي وأتعشى ثم أرجع، وكذلك في صلاة الجمعة، أم لا بد لي من الاشتراط لصلاة الجمعة ووجبة العشاء؟

الجواب
خروج المعتكف ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: قسم يثبت بلا شرط.
الثاني: قسم يثبت بالشرط.
الثالث: قسم لا يثبت لا بالشرط ولا بغيره.
-أما القسم الذي يثبت بلا شرط فهو كل شيء لا بد منه إما شرعاً وإما حساً، كل شيء لا بد منه فاخرج له سواء اشترطت أم لم تشترط، فالطعام لابد منه، فإذا لم يوجد من يأتي بالطعام إلى المسجد فله أن يخرج ويتغدى ويتعشى في بيته ويرجع -يتغدى يعني: السحور- لأن السحور يسمى غداءً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه لغداء مبارك ).
كذلك صلاة الجمعة لا بد منها شرعاً أم حساً؟ الجواب: شرعاً، إذاً: يخرج إذا كان يعتكف في غير مسجد جامع ويصلي الجمعة؛ سواء اشترط أم لم يشترط.
سؤال: الغسل من الجنابة؟ الجواب: لا بد منه شرعاً.
سؤال: الغائط والبول، لابد منه شرعاً أم حساً؟ الجواب: حساً، يخرج بلا شرط.
أما الذي يثبت بالشرط فهو الخروج لما يقصد شرعاً، مثل: أن يخرج لعيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو نحو ذلك، فهذا يجوز بالشرط ولا يجوز بغير الشرط، فإذا كان المعتكف له قريب مريض واشترط أن يزوره كل يوم فله ذلك ولا يبطل اعتكافه، وكذلك لو كان يتوقع موت قريب له أو صديق أو أي إنسان، وقال: إن مات قريبي أو صديقي فلي أن أخرج فله ذلك.
وأما الثالث الذي لا يثبت لا بالشرط ولا بغيره: فهو الخروج لما ينافي الاعتكاف، مثل: أن يكون الرجل حديث عهد بعرس، فيشترط باعتكافه أن يخرج كل ليلة إلى أهله ليجامع زوجته، هل يصح هذا الاشتراط أم لا؟ الجواب: لا يصح.
- إنسان له دكان، واشترط عند اعتكافه أن يخرج كل عصر إلى دكانه، هل يصح أم لا؟ الجواب: لا يصح، لأنه ينافي الاعتكاف.
-إنسان عنده دورة كرة قدم، واشترط في اعتكافه أن يخرج للمبارات؟ الجواب: لا يصح الشرط، لأن هذا ينافي الاعتكاف.


الولي الشرعي في عقد زواج المرأة


السؤال
فضيلة الشيخ: هذا سؤال ورد هذه الليلة من أمريكا ، يقول السائل فيه: امرأة في أمريكا لها أب في الصومال ، وقد تقدم لخطبتها أحد المسلمين هناك في أمريكا ، لكن توقف الأمر عند الولي، وأبوها يشق الوصول إليه، ولها عم في كينيا وقد أرسل العم إلى أمريكا برسالة يوكل فيها من يكون ولياً للمرأة بالوكالة، فهل تصح هذه الصورة، فإن لم تصح فما العمل، أفتنا أفادك الله؟

الجواب
سبحان الله! عمها في كينيا يستطيع أن يبعث برسالة يوكل من يزوجها، وأبوها في الصومال لا يستطيع، كيف هذه الصورة؟ السائل: لعل هذا في الحرب.
الشيخ: إذا تعذر الوصول إلى الولي الأقرب زوجها من بعده، فإن كان لها إخوة أشقاء أو لأب فإن عمها لا يصح له أن يزوجها، وإن لم يكن لها إخوة فعمها الشقيق أو لأب يزوجها، وحينئذٍ إذا بعث برسالة يوكل فلا حرج، يزوجها الوكيل بهذه الرسالة إذا كانت الرسالة ثابتة أن عمها هو الذي أرسلها، بشهود وتصديق ثقة.
وإذا كان لا يمكن لا هذا ولا هذا فيزوجها من يدبر أمر المسلمين هناك؛ لأن من لا ولي لها فالسلطان وليها، ومن يدبر شئون المسلمين هناك هو السلطان.
السائل: إذا كان يمكن الوصول إلى والدها ولكن مع المشقة؟ الشيخ: إذا كان يمكن الوصول إلى والدها مع مشقة شديدة فهذا وجوده كالعدم.


زكاة ذهب المرأة إذا كان زوجها عليه دين


السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان الزوج عليه دين يعجز عنه وعنده زوجة لها ذهب تجب فيه الزكاة وليس لها دخل إلا من زوجها فكيف تخرج زكاة هذا الذهب؟

الجواب
لها أن تأخذ الزكاة من زوجها إذا وافق، وتخرج زكاته، فإن لم يوافق باعت من الحلي بقدر زكاتها وأخرجته.
السائل: الزوج مدين؟ الشيخ: إذا كان الزوج مديناً ما بقي عليها إلا أن تبيع من ذهبها وتخرج الزكاة.


كيفية إخراج زكاة الأراضي


السؤال
رجل يتاجر بالأراضي فكيف يؤدي زكاة هذه الأراضي؟

الجواب
يقدر قيمة الأراضي في وقت وجوب الزكاة ويخرج ربع العشر، سواء كانت قيمتها عند وجوب الزكاة أكثر مما اشتراها به أو أقل، فإذا قدرنا أن رجلاً اشترى أرضاً بمائة ألف، وعند وجوب الزكاة كانت تساوي مائتي ألف -يعني: اثنين- كم يزكي: مائة ألف أم مائتي ألف؟ الجواب: يزكي مائتي ألف.
وإذا اشتراها بمائتي ألف وكانت عند وجوب الزكاة لا تساوي إلا مائة ألف، كم يزكي؟ الجواب: مائة ألف.
لكن أحياناً تركد الأراضي وكذلك السلع لا تتحرك، إن طلبت ارتفعت قيمتها، وإن جلبت نقصت قيمتها، فماذا يصنع؟ نقول: يعمل بالتحري، لقول الله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16]^ فيتحرى القيمة التي تساويها وقت وجوب الزكاة ويعتمد عليها.


كيفية إخراج زكاة المال إذا كان مغصوباً


السؤال
رجل غصب ماله ثم وجد هذا المال بعد سنوات فكيف يؤدي زكاة هذا المال في الوقت الحاضر؟

الجواب
ليس عليه زكاة، المال المغصوب إذا كان عند شخص لا تقدر على استخلاصه منه فليس فيه زكاة، وكذلك المال الضائع لو ضاعت -مثلاً- نقود وبقيت سنوات ثم وجدها فإنه ليس فيها زكاة عما مضى.
والقاعدة: أن كل مال لا تقدر عليه فليس فيه زكاة، كالضائع والمجحود والمغصوب ممن لا يقدر على أخذه منه وغير ذلك.


حكم الاعتكاف لمن يدرس ويريد السفر بعد انتهاء الدراسة


السؤال
فضيلة الشيخ: أنا طالب أدرس هنا ولست من أهل هذه البلاد، وأردت أن أعتكف واشترطت أن أخرج للدراسة واشترطت أيضاً أن أسافر إلى أهلي بعد الانتهاء من دراستي لأكمل الاعتكاف هناك، أرجو تفصيل ذلك مع الدليل في الجواز وعدمه والله يحفظك؟

الجواب
الظاهر أن هذا الرجل مزق اعتكافه بالدراسة مرة وبالسفر مرة أخرى.
وأقول: إن الاعتكاف من الأمور المسنونة، وطلب العلم أفضل من الاعتكاف، فلو دار الأمر بين أن أعتكف أو أن أطلب العلم قلنا: اطلب العلم، يعني: الاعتكاف من الأمور المسنونة ليس من الأمور الواجبة، بل إن بعض العلماء نفى أن يكون مسنوناً، وقال: إن الاعتكاف مضى زمنه لكن هذا القول ضعيف لا شك فيه.
بل قد حكى بعض العلماء الإجماع على أن الاعتكاف مسنون، لكنه لا يجب الاعتكاف إلا بالنذر، من نذر اعتكافاً وجب عليه، وإذا كان من الأمور المسنونة فإن قيام الإنسان بالواجب أفضل من اعتكافه، وإن طلبه للعلم أفضل من اعتكافه، وعلى هذا فمن كان في وظيفة فقيامه بالوظيفة أفضل من اعتكافه، ومن كان طالب علم فقيامه بطلب العلم أفضل من الاعتكاف.
وحينئذٍ نقول لهذا الأخ الذي يدرس: لا تعتكف، دراستك أفضل من اعتكافك، وإذا انتهت الدراسة فسافر إلى أهلك، والحمد لله إذا علم الله من نيتك أنه لولا أنك قدَّمت ما هو الأفضل على المفضول فلعل الله تعالى أن يثيبك على ما نويت.


حكم الدخول إلى المعتكف بعد دخول العشر الأخيرة من رمضان


السؤال
فضيلة الشيخ: من المعلوم لديكم أن الدراسة والأعمال لا تنتهي إلا بعد دخول العشر، فهل يصح الاعتكاف بعد مضي أول العشر، ثم إذا اعتكفت فمتى يكون دخولي في المعتكف ومتى يكون خروجي منه، هل أخرج ليلة العيد أم صباح العيد؟

الجواب
الذي يظهر لي أن الاعتكاف يتجزأ، وإلا فمن المعلوم أن الاعتكاف المسنون الذي جاءت به السنة أن يعتكف الإنسان جميع العشر من حين أن تغرب الشمس يوم عشرين من رمضان إلى أن تغرب الشمس آخر يوم من رمضان، هذا هو الاعتكاف الذي شرعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والذي فعله.
وأما إذا اعتكف خمسة أيام من العشر من أولها وآخرها فهذا لا شك أنه اعتكف بعض المدة، فإن قلنا بأن الاعتكاف يتجزأ وأن الإنسان يمكن أن يتصدق بخمسة دراهم من عشرة صح أن يعتكف بعض العشر دون بعض، وإذا قلنا: إنه عبادة واحدة لا يمكن أن تتجزأ وأن الإنسان إذا جزأه فهو كمن سجد بلا ركوع أو ركع بلا سجود، فبناءً على ذلك لا يحصل له أجر الاعتكاف.
لكن الذي يظهر لي أنه يمكن أن يتجزأ، بمعنى أن الإنسان إذا فرغ من الدراسة اعتكف، ولكن لا يحصل على السنة الكاملة التي شرعها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته، وأما ما جاء من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استفتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نذر أن يعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام؟ فقال له: ( أوف بنذرك ) فهذا لا يدل على أن الاعتكاف يوم أو ليلة من الأمور المشروعة للمسلمين والتي يطلب من الإنسان أن يفعلها، لكنها من الأمور الجائزة التي إذا فعلها الإنسان لا ينكر عليه، لكنها ليست من الأمور المشروعة.
فإذا قال قائل: ما هذه القاعدة التي ذكرت؟ هل يقر الإنسان على شيء غير مشروع؟ قلنا: نعم، يقر على شيء جائز لا ينكر، لكن ليس مطلوباً لا منه ولا من غيره، ونضرب لهذا مثالين: المثال الأول: ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يصلي بهم ويختم بـ(قل هو الله أحد) فسئل عن ذلك؟ فقال: لأنها صفة الله وأنا أحب أن أقرءها ) فأقره النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هل نقول: إنه يشرع لنا الآن في صلاتنا أن نختمها بـ(قل هو الله أحد)؟ الجواب: لا.
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: اختموا صلاتكم بـ(قل هو الله أحد) ولا كان هو يختم بـ(قل هو الله أحد)، لكن رخص لهذا الرجل الذي حملته محبة الله على أن يختم بـ(قل هو الله أحد).
المثال الثاني: ( جاءه رجل فقال: يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها -أي: ماتت بغتة- وأظن أنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم ).
وجاءه سعد بن عبادة يستئذنه في أن يجعل بستانه صدقة لأمه، فأذن له، فهل يقال: إنه يشرع للإنسان أن يفعل مثل هذا؟ أو نقول: لو فعل لم ننكر عليه؟ الجواب: الثاني.
ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من المسلمين أن يقتطع من ماله لأمه أو أبيه إذا مات، لكنه أجاز ذلك.
وندب إلى أن ندعو له دون أن نجعل لهم شيئاً من أموالنا، فقال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به،أو ولد صالح يدعو له ) هذا هو الذي يظهر لنا في حديث عمر بن الخطاب حينما نذر أن يعتكف يوماً أو ليلة في المسجد الحرام فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما الاعتكاف المشروع المسنون الذي يكون على تمام الاقتداء والاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام فهو اعتكاف جميع العشر.


حكم إظهار المرأة جبهتها أثناء الصلاة


السؤال
فضيلة الشيخ: أليس لنا منك نصيب في الموعظة والأسئلة، وسؤالها تقول: هل عدم إظهار المرأة للجبهة عند الصلاة حرام، بمعنى كلمة التحريم، أم الأمر يا فضيلة الشيخ سنة وضح لنا جزاك الله خيراً؟

الجواب
أما قولها: هل لها نصيب من الأسئلة والموعظة فنقول: نعم، لها نصيب كنصيب الرجال، نحن جعلنا للذكر مثل حظ الأنثى في العلم، وهي الآن تسمع بمكبر الصوت ما نعظ به الرجال، وتسمع ما نجيب، وإذا كانت ترسل أسئلة ولكن الشيخ حمود لم يقرأها فالجناية عليه.
السائل: أنا لا أعلم.
الشيخ: على كل حال هي تنتفع بهذا وبهذا.
أما موضوع الجبهة وأنه يجب على المرأة التي تصلي في مكان فيه رجال أن تغطي وجهها في الصلاة فهذا حقيقة لا بد أن تغطي وجهها، لكن عند السجود إن تيسر لها أن تكشف الجبهة والأنف لتباشر ما تسجد عليه فهو أفضل، وإن لم يتيسر فالأمر واسع؛ لأن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نصلي في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه ) وثوبه متصل به كالخمار بالنسبة للمرأة متصلاً بها.
وعلى هذا أقول: إن تيسر لها أن تكشف الوجه عند السجود فهذا طيب، وإن لم يتيسر فلا حرج، وإذا كان ليس حولها رجال كما يوجد الآن في مسجدنا هذا النساء يصلين وحدهن في مكان فإنها تكشف وجهها في الصلاة.


حكم صلاة المنفرد خلف الصف للرجال والنساء


السؤال
فضيلة الشيخ: ما جاء في الحديث: ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ) هل هذا الحكم خاص للرجال أم النساء كذلك، فإن بعض النساء هداهن الله تحتج تصلي وحدها خلف الصف، ولربما صفت واحدة مع الأخرى فقط والفرج في الصف الأخير باقية، نرجو التنبيه على هذا؟

الجواب
النساء إذا كن يصلين جماعة في المدارس أو في البيوت فمصافتهن كمصافة الرجال، بمعنى أن الصف الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، وتلزمهن المصافة، فلو صلت الواحدة منفردة مع وجود مكان لها في الصف الذي أمامها فصلاتها باطلة كالرجل تماماً، وصفوفهن الأول فالأول، وأما إذا كانت تصلي مع الرجال فننظر: إذا كان ليس مع الرجال إلا واحدة فقط فإنها تصلي وحدها، لأنه لا مكان للمرأة في صفوف الرجال، وإن كان معها نساء فإنه لا بد لهن من المصافة، فلو انفردت واحدة منهن عن صفهن فصلاتها باطلة.
فإذا قال قائل: إذا كان النساء يصلين في مكان من المسجد منفرد عن الرجال فهل الأفضل في صفوفهن الأول فالأول أو الآخر فالآخر؟ الجواب: الأول فالأول أفضل، لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: كيف ذلك؟ قال: يتراصون ويتمون الأول فالأول ) أما إذا كانت النساء مع الرجال يعني: في جانب من المسجد يشاهدهن الرجال فإنه كلما تأخرت المرأة عن مشاهدة الرجال فهو أفضل، وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ).


حكم نزول قطرات من الدم من المرأة


السؤال
امرأة أحست بأعراض الحيض وشاهدت نقطاً بسيطة من الدم، ولكن في اليوم الثاني والثالث والرابع لم تشاهد أي دم، فماذا تفعل في هذه الأيام الثلاثة، هل تصوم وتصلي أم لا؟

الجواب
نعم تصوم وتصلي؛ لأن الحيض هو السيلان، مأخوذ من قول العرب: حاض الوادي إذا سال، فالحيض الطبيعي لابد أن يسيل ويخرج إلى الملابس، وتحس به المرأة سائلاً، أما النقطة والنقطتان فليستا بشيء، وقد نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه [ أن المرأة إذا رأت دماً مثل الرعاف -يعني: نقطة نقطة- فإنه ليس بشيء ]^ وبناءً على ذلك تكون صلاة المرأة التي ذكرت عن نفسها ما سمعتم وصيامها صحيحين.


حكم صلاة المسافر خلف إمام يصلي التراويح


السؤال
من قدم على قوم وهم يصلون التراويح وهو مسافر أو في حكم السفر كمقيم يوماً أو يومين ثم يرحل، هل يصح أن يصلي مع الإمام المقيم صلاة العشاء ركعتين قصراً -يعني وهو يصلي التراويح-؟

الجواب
إذا دخل المسافر مع الإمام الذي يصلي التراويح فإنه يصلي ركعتين بنية العشاء ولا حرج؛ لأنه لم يخالف الإمام، بخلاف المسافر إذا دخل مع الإمام المقيم فصلى أربعاً فإنه لا بد أن يصلي أربعاً حتى وإن كان قد أدرك ركعتين، فإنه يجب عليه أن يأتي بالركعتين الباقيتين بعد سلام الإمام، ومثل ذلك أيضاً المستوطن إذا دخل المسجد والإمام يصلي التراويح فإنه يدخل معه بنية العشاء، فإذا سلم الإمام أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء.


حكم تخطي الصفوف إلى الصفوف الأمامية قبل الصلاة


السؤال
فضيلة الشيخ: نشاهد بعض الشباب الذين يصلون معك أنهم يأتون ويكونون في الصف الثالث، فإذا رأوك قد قدمت تخطوا الصف الثاني ولربما الأول لأجل أن يكونوا في الأول، حتى إنه ليدخل أحدهم رجليه بين الرجلين الجالسين أو الواقفين ينتظرون دخولك، وبذلك يحرمون الذين في الصف الثاني من التقدم إلى الصف الأول وهم قد جاءوا قبلهم، لا أعلم ماذا يقول فضيلتكم في ذلك وجزاك الله خيراً؟

الجواب
الذي ينبغي للناس إذا دخلوا المسجد أن يتموا الأول فالأول، وكل يبقى في مكانه، وأما ما يفعله بعض الناس يكون في آخر المسجد ثم إذا قربت الإقامة قام إلى مكانه الذي حجزه في الصف الأول فآذى الناس بالتخطي، فهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في مثله: ( اجلس فقد آذيت )، وأما من ليس له مكان محجوز لكنه صلى وبينه وبين هذا المكان منفتح صف ينتظر إقامة الصلاة ثم يتقدم إلى الصف الأول فهذا لا بأس به، لأنه يقال للصف الثاني: لماذا لم تتقدم؟ تقدموا لمكان مفتوح، لكن لا ينبغي من جهة أن هذا يجعل في نفس الصف الثاني شيئاً على هذا الذي تقدمهم، يعني: يكون في أنفسهم عليه شيء، وكل شيء يوجب حمل القلوب بعضها على بعض فإنه ينبغي تجنبه، فدع المكان مفتوحاً لمن كان سبقك في الصف الثاني، وأنت تكون في مكانه.


حكم أداء العمرة أثناء صلاة التراويح


السؤال
من وصل إلى مكة وهو يريد العمرة فلما وصل وجد الناس يصلون صلاة التراويح، فهل الأفضل له أن يصلي معهم صلاة التراويح أم يشرع في أداء العمرة؟

الجواب
الظاهر أن الأفضل أن يدخل معهم في صلاة التراويح؛ لأنها تفوت بانتهاء صلاة الإمام، والعمرة لا تفوت، وهذا الرجل الذي دخل المسجد قاصداً الطواف -طواف العمرة- لولا هذا المانع يكتب له إن شاء الله أنه بادر بعمرته.


حكم تأخير الإفطار عن وقته المحدد


السؤال
فضيلة الشيخ: أمسكت هذا اليوم بعد الوقت المحدد في الإمساكية بدقيقتين، فهل عليَّ شيء؟

الجواب
نرجو أن لا يكون عليك شيء، ولكنا نقول: لا تعد؛ استعد من قبل واحتط لنفسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ).


حكم زكاة الرواتب الشهرية


السؤال
فضيلة الشيخ: نحن طلاب في الجامعة ولنا رواتب ولربما تأتينا بعد شهر أو شهرين، ولكن لا يبقى عندنا ما يحول عليه الحول فكيف نخرج زكاتها؟

الجواب
هذه ليس فيها زكاة ما دام الإنسان لا يبقى عنده المال إلى تمام الحول فإنه لا زكاة عليه.


بيان الميقات المحدد لمن أراد العمرة


السؤال
أنا رجل أريد أن أذهب إلى العمرة وأنا من سكان جدة وأنا مسافر إلى أهلي، ثم أريد أن آتي بعمرة بعد ذلك بأيام، فهل أحرم من الميقات أم من جدة ؟

الجواب
لا يلزمه الإحرام من الميقات؛ لأنه إنما مر من الميقات مريداً أهله، وإذا أراد العمرة يحرم من أهله، بخلاف الذي ليس أهله في جدة إنما هو من أهل القصيم مثلاً، وسافر إلى مكة للعمرة ولغرض له في جدة ، فهذا يلزمه أن يحرم من الميقات ثم يقوم بالعمرة ثم يقضي شغله، وإلا يحرم من الميقات ويبقى على إحرامه إلى أن ينتهي شغله ثم يذهب إلى مكة ويكمل عمرته.


حكم تركيب اللولب للمرأة من أجل منع الحمل


السؤال
هل تركيب اللولب للمرأة حلال أو حرام، وما هو الحل الأمثل الذي تنصحون به -وفقكم الله- في عدم الحمل لمن كان عندها طفل صغير، فكم من المشاكل التي حصلت بين الزوج وزوجته بسبب هذا الأمر؟

الجواب
أنا مع الزوج الذي يقول: أريد منها -أي: المرأة- أن تحمل، لأنه كلما كثر الأولاد فهو أفضل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( تزوجوا الودود الولود ) أي: كثيرة الولادة، ولا ينبغي للمرأة أن تستعمل ما يمنع الحمل إلا عند الضرورة القصوى، وحينئذ تسأل الطبيب ما الذي تستعمله: أحبوباً أم لولباً؟ وأما بدون ضرورة قصوى فإن مشقة الحمل وتربية الأولاد أمر لا بد منه، والإنسان إذا استعان بالله ووافق شرع الله أعانه الله عز وجل.