جلسات رمضانية 1410 هـ - 1415 هـ

جلسات رمضانية 1412هـ [1]
بدأت هذه الجلسة بالكلام عن الصوم وفضيلته، واحترام هذا الشهر الكريم بعمل الطاعات وهجر واجتناب المنكرات، وضرورة الحرص على الصلوات؛ لما فيها من خير عظيم وأجر كبير.
ثم أجاب الشيخ عن بعض الأسئلة المتعلقة بالنية في الصوم ووقت الإمساك، وكذا بعض أحكام الحاجم والمحتجم والحائض والنفساء وكفارة المريض الذي مات وعليه صوم، وغيرها من الأسئلة.


الصوم وأثره في حياة المسلم
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اقتدى، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإننا في هذه الليلة، ليلة الأحد الخامس من شهر رمضان عام (1412هـ) نفتتح لقاءاتنا معكم كجاري العادة في كل شهر رمضان، وسيكون اللقاء في يومين من الأسبوع، يوم السبت ليلة الأحد ويوم الثلاثاء ليلة الأربعاء بحول الله وقوته، هذا اللقاء ليس محاضرات تقال وتسكب فيها العبارات وتنمق فيها، ولكنه لقاء يتقدم الأسئلة فيه بحث يسير في فقه الصوم، أو الصلاة، أو الزكاة، أو غيرها من شئون المسلمين، ثم بعد ذلك يتلوها الأسئلة .


تعريف الصوم
إن أهم ما يختص به هذا الشهر الصيام الذي فرضه الله على عباده وجعله ركناً من أركان الإسلام، والصيام حقيقة وروحاً ومعنىً هو: إمساك الإنسان عن المحرمات التي حرمها الله عز وجل على الصائم بخصوصه وهي مفسدات الصوم، أو على المسلم عموماً وهي جميع المحرمات، فالصوم حقيقة وروحاً ومعنى هو الإمساك عن المحرمات الخاصة بالصوم أو العامة.
والخاصة بالصوم هي مفسدات الصوم مثل الأكل والشرب، والعامة هي التي تحرم في كل زمان مثل الغيبة والنميمة والكذب والسب والشتم وكل قول منكر، ولكن الإمساك عن الأكل والشرب والنكاح هو وسيلة للإمساك عن المحرمات العامة، لأن هذه المحرمات الخاصة بالصوم -وهي مفسدات الصوم- إنما حرمت على الإنسان من أجل أن تتربى نفسه على ترك المألوف اتباعاً لرضى الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي في شأن الصوم أن الله قال: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) فإذا ترك الإنسان هذه الأشياء المباحة لولا الصوم كان تركه للمحرم العام من باب أولى أن يلتزم به، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] هذه الفائدة وهذه الحكمة تقوى الله عز وجل بالصيام، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) يعني: أن الله سبحانه وبحمده ما فرض علينا الصوم ليضيق علينا بترك المألوف والمحبوب للنفس من طعام وشراب ونكاح، ولكنه فرضه علينا من أجل أن نتجنب قول الزور والعمل به -أي بالزور- والجهل، هذه هي الحكمة من الصوم الذي فرضه الله على عباده.


الإسراف المالي والبدني في رمضان
ونحن نعلم أن الإنسان إذا ربى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك المحرمات فسوف تتربى نفسه على ذلك في المستقبل، فهو مدرسة للنفس تتمرن فيه على ترك المحبوب بمحبة الله عز وجل، أي: لأن الله يحب ذلك، فإذا مرن نفسه في هذا الشهر كاملاً على ترك المألوف والمحبوب لنفسه تبعاً لرضى الله عز وجل ومحبته فإن النفس سوف تتربى وسوف تتغير وسوف يكون رمضان بمنزلة النار لصهر الحديد والذهب والفضة حتى يخرج خالصاً نقياً من الشوائب، فلننظر حال كثير من الناس اليوم: نجد كثيراً من الناس يجعل رمضان مرتعاً للشهوات، ففي الليل يسرف في الأكل عند الإفطار، عند العشاء، عند السحور، في جوف الليل، ليس له هم إلا أن ينظر ما تشتهيه نفسه من الأطعمة ويشتريه، وليته يشتريه بقدر حاجته، بل يشتري كثيراً ويفسد باقيه، وربما لا يجد من يأكله، فيقع في الإسراف البدني والإسراف المالي؛ أما الإسراف البدني فهو ملء البطن، وملء البطن قال فيه حكيم القلوب والأبدان محمد صلى الله عليه وسلم: ( ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه ) الوعاء: الآنية ( فإن كان لا محالة -يعني: هو أراد أن يملأ بطنه- فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه ) ولكن نجد كثيراً من الناس مع الأسف في ليالي رمضان يسرفون إسرافاً عظيماً.
كذلك هذا إسراف في المال؛ لأن الإنسان ينفق مالاً كثيراً في هذه الليالي في غير حاجة، ولو علم الإنسان قدر المال واهتمام الله عز وجل به ما أسرف في بذله قال الله تعالى: { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } [النساء:5] فالمال لا ينبغي أن يكون إلا بيد إنسان رشيد، يعرف كيف يتصرف تملكاً وتصرفاً، أما السفيه فلا يعطى المال، السفيه هو الذي يبذله في غير فائدة كما قال أهل العلم: إن السفيه هو الذي يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة، وأنه يجب الحجر عليه، ومنعه من التصرف.
فالمال له شأن عظيم ولهذا قال: { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } [النساء:5] ومعنى قوله: { جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } [النساء:5] أي: صيرها قياماً تقوم به مصالح دينكم ودنياكم.


نصيحة لمن يؤخرون الصلاة عن وقتها في رمضان
نجد أيضاً بعض الناس يقتل نهار رمضان، يقتله قتلاً، لا يذبحه بسكين بل يقتله بحجر، يقتل هذا النهار الذي هو من أشرف أيام السنة بالنوم، فينام من حين الفجر إلى أن يؤذن الظهر ومن حين أن يصلي الظهر إلى أن يؤذن العصر، ومن حين أن يصلي العصر إلى غروب الشمس، هذا إذا كان حريصاً على الصلاة، وإلا فسمعت أن بعض الناس ينام من حين أن يتسحر ولا يقوم إلا للعمل؛ عمل الوظيفة، ولا يصلي الفجر، لا مع الجماعة ولا في وقتها، ومثل هذا لا تقبل صلاته، كل إنسان ينام عن صلاة الفجر أو غيرها من الصلوات باختياره ولا يقوم فإنه إذا صلاها بعد خروج وقتها لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ًليس عليه أمرنا فهو رد ) أي: مردود.
ثم تجده إذا قام للعمل ورجع من بعد صلاة الظهر، وقد لا يصلي نام إلى قرب الغروب حتى يقوم ليأكل والعياذ بالله، هذا في الحقيقة لم يقدر هذا الشهر حق قدره، وما عرف أن عمر الإنسان أنفاسه غالية، أغلى ما يكون عند الإنسان هو الزمن، هو أغلى من الذهب والفضة والسيارات وغير ذلك.
واستمع إلى قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } [المؤمنون:99-100] ما قال لعلي أتبسط فيما تركت، وأخرج به للنزهة وأركب المراكب الفخمة وأسكن القصور المشيدة، قال: { لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } من المال، قال الله عز وجل: { كَلَّا } [المؤمنون:100] أي: لا رجوع، { إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } [المؤمنون:100] ويجوز أن تكون (كَلَّا) بمعنى حقاً، أي: حقاً إنها كلمة هو قائلها، فهي لها معنيان وكلاهما لا ينافي الآخر، فتكون بالمعنى هذا وبالمعنى هذا، كلا لا رجوع، فهي حرف ردع، كلا بمعنى حقاً أن يقول هذا الكلام { رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون:99-100] هذا البرزخ هو ما بين موت الإنسان وقيام الساعة؛ سواء دفن، أو ألقي في البحر، أو بقي على ظهر الأرض فأكلته السباع، فكل هذا يسمى برزخاً؛ لأن البرزخ هو الفاصل بين شيئين كما قال تعالى: { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ } [الرحمن:20] وهذا الذي بين موت الإنسان وقيام الساعة برزخ بين الدنيا وبين الآخرة.
على كل حال: ينبغي لنا أن نغتنم أوقات هذا الشهر خصوصاً وأوقات جميع أعمارنا عموماً بماذا؟ بما يقرب إلى الله عز وجل، بطاعة الله حتى تكون حياتنا حياة حقيقية، نسعد بها في الدنيا والآخرة.
أقول لكم قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، وأنا أشدكم تقصيراً ولكني أستغفر الله وأتوب إليه، وأسأله أن يلحقني وإياكم بالصالحين إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وإلى الأسئلة ولعل الله أن يجعل فيها خيراً كثيراً.


الأسئلة


القول الصحيح في الإمساك عند سماع الأذان


السؤال
كثير من الأسئلة وردت حول من يتسحر والمؤذن يؤذن هل يصح أم لا يصح؟ وآخر يسأل: هل يصح أن نتابع المؤذن أم نتابع التقويم المنشور الآن؟

الجواب
الأذان علامة على طلوع الفجر إذا كان المؤذن يؤذن إذا رأى الفجر، ودليل هذا قول الله عز وجل: { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة:187] أي: حتى يطلع الفجر ويتبين لكم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم ) أي: من أجل أن يستيقظ النائم ويرجع القائم عن قيامه حتى يتسحر، ( فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ) هذا كله مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في هذا الحديث إدراج من بعض الرواة يقول: وكان -يعني ابن أم مكتوم - رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحت.
والتقويم الموجود -وهو تقوم أم القرى- متقدم على التقويم الذي في ساعة بلال ، وعلى التقويم الذي صنعه بعض طلبة العلم في جامعة الملك فهد التي كانت تسمى جامعة البترول، متقدم عليها في الصبح خاصة بخمس دقائق، يعني: مثلاً اليوم هذا كان في تقويم أم القرى الفجر في الساعة الخامسة، وفي التقويم الذي أشرت إليه الساعة الخامسة وخمس دقائق، وفي تقويم الرابطة - رابطة العالم الإسلامي -الفجر الساعة الخامسة وثلاث دقائق، فعندنا الآن ثلاثة تقاويم، وقد ذكر العلماء: أنه إذا قال رجل لشخصين: أرقبا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجر، وقال الثاني: لم يطلع الفجر، قالوا: فيأخذ بقول الثاني؛ لأن الأصل عدم طلوع الفجر، والفجر لابد أن يتبين، وبناءً على هذا القول.
نقول: الآن عندنا ثلاثة اختلفوا في طلوع الفجر فبقول من نأخذ؟ نأخذ بقول الأخير، لأن الأصل عدم طلوع الفجر.
وعلى كل حال: من أذن على تقويم أم القرى وأكل الإنسان بعده -أي: بعد الأذان- فإنه لا حرج عليه حتى يتم خمس دقائق بين التقويمين، فإذا أتم خمس دقائق فهذا آخر ما علمنا ممن حدد طلوع الفجر، هذا إذا كنا في البلد، أما إذا كنا في البر وليس حولنا أنوار، فلا حاجة للرجوع إلى التقويم، نرجع إلى ما بينه ربنا عز وجل، ما هو؟ أن نرى نحن الفجر، ما دمنا لم نر الفجر وليس هناك غيم ولا قتر، فإننا نأكل حتى ولو فرض أننا في البر والسماء صاحية، وليس حولنا أنوار وصارت الساعة خمس وعشر، خمس وربع، ما رأينا الفجر فلنا أن نأكل، لأن الله حدد لنا.
والعمل بالتوقيت ألجأت إليه الضرورة؛ لأن الناس لا يصعدون على المنارات، ولا يستطيعون رؤية الفجر تماماً بسبب الأنوار، فالضرورة ألجأتنا إليه، وإلا فهو في الحقيقة كلجوئنا إلى التقويم أو إلى الحساب الفلكي في رؤية الهلال، فما دمنا لا نعمل بالحساب الفلكي في رؤية الهلال، فكذلك أيضاً لا نعمل بالتقويم في أوقات الصلوات أو أوقات الإمساك والإفطار؛ لأن هذا كله مبني على حساب، لكن نظراً إلى أن الضرورة ألجأت إلى ذلك قلنا الضرورة لها أحكام نرجع إليها، فإذا اختلفت عندنا التقاويم وكان الحاسبون كلهم ثقات فإننا نأخذ بمن؟ بالأخير؛ لأننا إذا أخذنا بالأخير عملنا بالجميع، كلهم يقولون الساعة خمس وخمس مثل يومنا هذا قد طلع الفجر، لكن إذا قال التقويم الأول: الساعة خمس طلع الفجر، قال الثاني: ما طلع الفجر؟ لكن خمس وخمس كلهم يقولون طلع الفجر، إذاً فلنمسك على هذا.


حكم تبييت النية قبل دخول رمضان


السؤال
رجل لم يعلم بدخول شهر رمضان هذا العام إلا بعد أن رأى كثرة المصلين في صلاة الفجر، وسأل بعد الصلاة ما الخبر؟ فأخبر بدخول الشهر، فهل عليه القضاء لأنه لم يبيت النية، ولو كان قد نوى أنه إن كان غداً من رمضان فسوف يصوم، فماذا عليه؟ وجزاكم الله خيراً.


الجواب
إذا كان نائماً على أنه يتوقع أن يكون رمضان غداً ونوى بقلبه أنه صائم، ما لم يتبين أن غداً من شعبان، فهذا صومه صحيح ولا إشكال فيه.
لاحظوا الفروق لأنها دقيقة، إذا قال: أنا صائم غداً إلا أن يكون من شعبان، فهذا قد جزم بالنية، إذا قال: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، فهذا علق النية، إذا لم ينو لا هذا ولا هذا، نعم على أنه ليس من رمضان، ثم تبين له كما قال السائل: لما رأى الناس كثيرين في صلاة الفجر قالوا له: إنه قد دخل رمضان، فنوى من حين علم، فهذا يختلف عن الصورتين السابقتين، وكل هذه الصور الثلاث عند شيخ الإسلام لا توجب القضاء، يعني: أن صومه صحيح ولا قضاء عليه، ويستدل رحمه الله لذلك بقول الله تعالى: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286] وقال: إن هذا جاهل فلا يؤاخذ.
ربما يرد عليه في الصورة الثالثة أنه نام ولم ينو فأجاب رحمه الله: إن النية تتبع العلم، ولا يمكن أن ينوي قبل أن يعلم، وهذا من حين علم نوى، فصيامه صحيح، فمن أخذ بقول شيخ الإسلام في هذه المسألة فلا حرج عليه، ومن قضى احتياطاً لقول العلماء الآخرين فلا حرج عليه.


حكم خروج بعض الطعام من المعدة إلى الفم


السؤال
حينما يتسحر الإنسان ثم يمسك، فأحياناً يخرج من جوفه بعض الهواء، ويخرج معه شيء من الطعام ويبقى أثره في الفم، فإن رماه وأخرجه من فمه بقي الأثر، وإن ابتلعه فهذا مشكل، فما العمل والحال هذه؟

الجواب
الصورة: الظاهر أنه أحياناً يتجشأ الإنسان فيخرج من معدته بعض الطعام.
نقول: إذا وصل إلى الفم فإنه لا يجوز أن تبلعه، لو بلعته وأنت عالم أفطرت ولكن اتفله، إما في منديل إذا كان معك مناديل أو في طرف ثوبك، وإذا قُدر أنه بقي طعام فاتفل حتى يزول الطعام، لأنك إذا تفلت مرة مرتين سوف يذهب الطعام وحينئذٍ لا يضرك، لكن لو فرض أن الرجل ابتلعه وهو لا يدري أن ذلك حرام عليه فصيامه صحيح، وهذه قاعدة ينبغي أن نأخذها: كل من فعل شيئاً من المفطرات وهو جاهل فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، لقوله تعالى: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286].
ولأن البخاري رحمه الله روى عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ( أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ) فصار إفطارهم في النهار، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، فلما لم ينقل عُلم أنه لم يأمر به، ولما لم يأمر به علم أنه ليس بواجب، وهو كذلك.
فإذا أكل الإنسان أو شرب جاهلاً يظن أنه في الليل فتبين أنه في النهار فصومه صحيح، وإذا أكل شيئاً يظن أنه لا يفطر فصومه صحيح، وإذا احتجم يظن أن الحجامة لا تفطر فصومه صحيح، كل من فعل شيئاً من المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه ولا إثم عليه، كما أن الناسي كذلك لو أن شخصاً نسي فأكل أو شرب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) الحمد لله، الله هو الذي أطعمك وسقاك فاحمد الله، إذا شربت من كأس الماء ناسياً فقل: الحمد لله، وتقول: الحمد لله الذي نساني أو لا؟ لأن الصوم صحيح إنما أطعمه الله وسقاه، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد أن الشيء الذي يكون بغير قصد قلبي فإن الإنسان لا يلام عليه.
ذكر لي أن شخصاً في قديم الزمان اشترى عنباً لأهله، وحمله في منديل وهو صائم، فنسي وجعل يأكل من هذا العنب وكان الناس فيما سبق ليسوا أغنياء يسهل عليهم الحصول على العنب، وكان هذا الشخص قد اشتهى العنب كثيراً، فلما وصل إلى أهله لم يبق في العنب إلا حبة واحدة، وهو يأكل وهو ناسٍ، فقال لما ذكره أهله أنه صائم: إن كان ما أكلت من العناقيد لا يفطر فهذه لا تفطر، وأكلها، فهل يفطر الآن؟ نعم، يفطر بالحبة، والعناقيد التي أكل من قبل؟ لا تفطره، لماذا؟ لأنه ناسٍ أطعمه الله عز وجل، لكن هذه الحبة هي التي أفسدت صومه، لكن قال لي بعض الطلبة: لا يفسد صومه على قاعدة أن الجاهل معذور، وهذا جاهل يحسب أن الأول يفسد الصوم فأكل هذه الباقية بناءً على فساد صومه، أظن أن هذا لا ينطبق عليه العذر بالجهل؛ لأن هذا رجل مفرط، كان الواجب عليه أن يسأل وليس كل من قلنا إنه يعذر بالجهل يعذر في كل حال، إذا كان مفرطاً وقام سبب طلب العلم يجب عليه أن يطلب العلم حتى يتبين.
أما إذا تعدت الفم فدعها تمشي، يعني: لو أن إنساناً -مثلاً- أكل وبقي الأكل في حنجرته يعني تعدى الفم، هذا دعه يمشي لأنه في حكم الباطن.


حكم من صلى الفريضة ثم أدرك جماعة في مسجد آخر


السؤال
سائل يقول فضيلة الشيخ: حضرت إلى هذا المسجد فأدركت الركعة الأخيرة من صلاة العشاء فهل أكمل صلاة العشاء، أم آتي بركعة ثانية فقط، علماً بأني قد صليت العشاء في جماعة قبل أن أحضر إلى هذا المسجد؟

الجواب
الأفضل بلا شك أن تكمل الأربع، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) ولأنه رأى رجلين حين صلى الفجر في مسجد الخيف في منى في حجة الوداع لم يصليا قال: ( ما منعكما؟ قالا: صلينا في رحالنا ) يظنان أن الصلاة غير واجبة في المسجد، صليا في رحالهما، أو كانت رحالهما بعيدة فظنوا أن الصلاة قد انتهت، المهم هذه قضية عين لا تصح أن تكون دليلاً على أن الجماعة لا تجب في المسجد، كما استدل بها بعض الناس، وقال: هذا دليل على أن الجماعة لا تجب في المسجد لأن هذين الرجلين قالا: ( صلينا في رحالنا ) ولم ينكر عليهما صلى الله عليه وسلم بل قال: ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) فظاهر الحديث أنه يصلي مع الإمام حسب صلاة الإمام، وإن اقتصر على الركعتين اللتين أدركهما أو إذا كان أدرك ركعة واحدة فأتى بواحدة تكملة للركعتين، فأرجو ألا يكون في هذا بأس لأن الصلاة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام نافلة، والنافلة يجوز أن يقتصر فيها الإنسان على ركعتين إذا لم يخالف إمامه، والإمام لما سلم فإن ما تقضيه بعد سلامه لا يخالفه.
فخلاصة الجواب: أن الأفضل أن تكمل الأربع وإن اقتصرت على ركعتين فأرجو ألا يكون في ذلك بأس.


وجوب أداء صلاة الجماعة في المسجد وإثم تاركها


السؤال
يوجد في حارتنا جماعة يفطرون جميعاً كل ليلة عند واحد منهم ولهم مسجد لا يصلي فيه إلا هؤلاء الجماعة، ولكنهم في حال الإفطار يصلون في بيت من يفطرون عنده، فهل هذا جائز؟ وهل يجوز لي أن أفطر معهم وأصلي معهم؟ وإذا كان هذا العمل غير جائز علماً بأن إمام المسجد معهم أفتونا وفقكم الله؟

الجواب
أما اجتماعهم على الفطور كل يوم عند واحد فلا بأس به، وأما كونهم يصلون في البيت ويدعون المسجد فهم آثمون بذلك على القول الراجح: أن صلاة الجماعة يجب أن تكون في المساجد المعدة لذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) قال: إلى قوم، مع أن هؤلاء القوم ربما يصلون جماعة في مكانهم.
المهم: أن القول الراجح من أقوال العلماء: أن الصلاة جماعة يجب أن تكون في المسجد، فهؤلاء فيما أرى بناءً على القول الراجح آثمون إذا صلوا في البيت والواجب أن يخرجوا إلى المسجد ويصلوا فيه.


أحكام احتجام الصائم في رمضان


السؤال
سمعنا من فضيلتكم بأن الحجامة تفطر الصائم بدليل حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وهل ما ذكر عن جماهير أهل العلم أنهم ذهبوا إلى عدم فطره وكراهية ذلك بأدلة أخرى قوية تعارض هذا الحديث، كاحتجامه صلى الله عليه وسلم وهو صائم، هل هذا صحيح، نرجو التفصيل في هذه المسألة؟ وإذا كانت الحجامة من المفطرات فهل يدخل فيها الحاجم بظاهر لفظ الحديث؟ وما هو حال الحاجم في زماننا هذا؟

الجواب
تفطير الحجامة للصائم دل عليها حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) قال الإمام أحمد : هو حديث صحيح، وصححه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وله رسالة ينبغي لطالب العلم قراءتها رسالة صغيرة تسمى: حقيقة الصيام ، بحث فيها بحثاً جيداً عن الحجامة والاكتحال والحقنة وأشياء كثيرة مهمة جداً، وفيها أصول وقواعد ينتفع بها طالب العلم، وإذا كان هذا الحديث صحيحاً: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فإنه يجب أن يؤخذ على ظاهره، ولا يحل أن يحرف كما قال بعض العلماء الذين لا يرون أن الحاجم والمحجوم يفطران، قالوا: معنى أنهما كادا يفطران، كيف كادا يفطران؟ والرسول يقول: ( أفطر ) وقال بعضهم: إنهما كانا يغتابان الناس، فقال الرسول: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) كيف يعلق النبي عليه الصلاة والسلام الحكم على وصف غير موجود ونلتمس نحن له وصفاً مفقوداً، يعني: الآن إذا قلنا أنهما أفطرا لأنهما يغتابان الناس صار الحكم مبنياً على الحجامة أم على الغيبة؟ على الغيبة، فكيف نلغي وصفاً علق الشارع الحكم عليه ونعتبر وصفاً لم يعلق الحكم عليه؟!! وأيضاً نقول لهم: هل الغيبة تفطر الصائم؟ لا.
الغيبة صحيح أنهما تنافي مقصود الصيام وروح الصيام لكن لا تفطر الصائم، قال الإمام أحمد رحمه الله: لو كانت الغيبة تفطر لم يبق لنا صوم.
لأنه لا سماح من الغيبة إلا من شاء الله.
وأما حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم ) فإن قوله: ( احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم ) شاذ، يعني ذكر الصيام شاذ، وكذلك أشذ منه قول: ( احتجم وهو محرم صائم ) فإنه شاذ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن محرماً يوماً من الأيام وهو صائم، هذه غزوة الحديبية في ذي القعدة ولم يدخل مكة وكذلك أيضاً عمرة القضاء كانت أيضاً في ذي القعدة وعمرته في حجه كانت في ذي القعدة ودخل مكة في رمضان في غزوة الفتح وهو غير صائم مفطر، فتبين أنه لا يصح الحديث: ( احتجم وهو صائم محرم )، أما وهو صائم وحده، فقالوا: إنه شاذ، ثم على فرض أنه محفوظ يحمل على ما قبل النسخ؛ لأن حديث شداد ناقل عن الأصل، وقد ذكر أهل العلم أن من المرجحات عند التعارض النقل عن الأصل؛ لأن الناقل عن الأصل معه زيادة علم.
أما بالنسبة للحاجم فهل يفطر في وقتنا هذا أم لا؟ فالجواب عليه: من قال من العلماء: إن الإفطار بالحجامة أمر تعبدي فلا تعقل علته، فإنه يرى أن الحاجم في وقتنا يفطر كالمحجوم؛ لأن هذا تعبدي لا نعرف العلة.
ومن رأى أن الحكم معلل كما هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإن الحاجم في وقتنا لا يفطر، وذلك لأن الحاجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمص القارورة التي يكون فيها الدم عند الحجامة، كانوا في الأول في قارورة من حديد ولها أنبوبة صغيرة رفيعة جداً، إذا شَرَطَ الحاجم محل الحجامة بالموسى وضع هذه القارورة على هذا المكان ثم يمص عن طريق الأنبوبة الصغيرة، لكي يفرغ الهواء، وإذا فرغ الهواء انجذب الدم حتى تمتلئ القارورة ثم تسقط، فكانوا فيما سبق يمصون هذه الأنبوبة التي في القارورة، وربما عند المص يصل شيء من الدم إلى حلق الحاجم وهو لا يشعر والمظنة أحياناً تلحق بالمئنة، يعني: أن المظنون يلحق أحياناً بالمتيقن.
فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله نقول: إن الحاجم في وقتنا الذي يحجم بالآلات وليس له علاقة بها لا يفطر، وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أقوم من القول بأن الحكم تعبدي؛ لأن الحكم إذا كان معللاً بعلة تشهد لها النصوص فإنه يجب أن يربط بها وجوداً وعدماً، بخلاف التعبدي المحض.
لو قال لك قائل: لماذا صارت الظهر أربع ركعات ولم تكن ثمان ركعات؟ ماذا نقول: هذا تعبدي، تعبدنا الله بهذا العدد لابد أن نقوم به.


حكم الدم أو السائل الخارج قبل الولادة


السؤال
سائلة تقول: إذا كانت المرأة حاملاً وفي شهرها الأخير خرج منها ماء من غير دم.
فهل عليها صلاة، وماذا تفعل في صومها، وهل هو صحيح أم لا؟

الجواب
يقول أهل العلم: إن المرأة الحامل لا تحيض، إلا أن بعض النساء قد يستمر حيضها في الأشهر الأولى من الحمل على ما هو عليه، وأما الأشهر الأخيرة فلا يمكن أن يخرج منها الحيض، يقول الأطباء: إن الحامل لا تحيض أبداً، وإن الحيض دليل على عدم الحمل، وهذا هو الذي قاله الإمام أحمد رحمه الله، فقال: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الحيض.
على كل حال: هذه المرأة التي رأت الدم في شهرها الأخير نقول: هذا الدم ليس بحيض ولا نفاس ولا يمنع عن صلاة ولا صوم، إلا إذا كان مصحوباً بالطلق وكان عند الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة، فإنه يكون نفاساً؛ لأن الطلق وقرب هذا الدم من الوضع يجعل هذا الدم دم نفاس، وإذا كان دم نفاس فإنها لا تصلي ولا تصوم.
أما إذا كان الخارج ماء فهذا ليس بنفاس ولا حيض حتى وإن كان معه طلق؛ لأن النفاس هو الدم الذي يخرج من الرحم عند الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة.


جواز استخدام (الدس) في نهار رمضان لمعرفة قرب الولادة


السؤال
هل تجوز للطبيبة أن تكشف بما يسمى (الدس) على المرأة الحامل في نهار رمضان لمعرفة قرب الولادة وغيره؟

الجواب
يجوز للطبيبة أن تختبر المرأة عن طريق (الدس) هل ولادتها قريبة أم بعيدة، لكن من باب الاحتياط نقول: ليكن ذلك في الليل؛ لأن بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن كل ما يصل إلى الجوف مفطر إلا ما كان عن طريق الإحليل فإنه لا يفطر؛ لأن الإحليل لا ينفذ، قال الفقهاء رحمهم الله: والإحليل هو الذي يكون عن طريق المثانة التي هي مجمع البول، لأن المثانة يدخل إليها الشيء ولا يخرج منها إلا مع الثقب الذي جعله الله عز وجل، والمثانة: عبارة عن كيس كحوصلة الطائر يتصل به عروق من الكلى تصب فيه الماء الزائد على البدن من الطعام والشراب، ثم يجتمع هذا الماء بهذا الكيس فإذا امتلأ أحس الإنسان بأنه محتاج إلى البول، ويخرج البول من طريق واحد إلى المخرج رأساً، فإذا دخل شيء من المخرج إلى هذه المثانة فإنه لا يفطر وإن كانت في الجوف، قالوا لأن المثانة لا يخرج منها الطعام، يعني: لا يخرج منها ما يدخل إليه، فهي مصب وليست مصدراً.
على كل حال أقول: إن هذه المرأة التي احتاجت إلى عملية ما يسمونها (بالدس) ينبغي أن تجعل ذلك في الليل احتياطاً.


حكم (الكدرة) الخارجة في أيام الحيض وغيره


السؤال
امرأة حملت شيئاً ثقيلاً فأثر عليها فنزلت منها كدرة ولم تنقطع من بداية هذا الشهر، فماذا تفعل؟ مع العلم أن هذا ليس وقت دورتها؟

الجواب
تصوم وتصلي ولا تفطر وصومها صحيح وصلاتها صحيحة؛ لأن هذه الكدرة التي نزلت لها سبب وما هو؟ حمل هذا الثقيل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في دم المستحاضة: ( إنه دم عرق ) فدل هذا على أن جميع العروق وإن خرجت إفرازاتها من الفرج لا تعتبر حيضاً بل هي استحاضة.
وعلى هذا فنقول: إن الذي خرج من هذه المرأة عند حملها هذا الثقيل وهو كدرة وفي غير أيام الحيض أيضاً دم لا عبرة به، أي: لا يمنع من صيام ولا صلاة.


ما تفعله المبتدأة في الحيض إذا تركت الصيام


السؤال
حائض تركت الصيام وعمرها ثلاث عشرة سنة خجلاً من أهلها، تقول: حيث إنهم لم يخبروها أنها حائض، فهل عليها أن تقضي تلك الفترة التي لم تصمها؟

الجواب
الذي نرى أن من تركت الصوم أول بلوغها بالحيض لصغر سنها إذا كانت في بيت بعيدين عن العلم وعن طلبة العلم كالناشئة في البادية فليس عليها صوم؛ لأن الأدلة الشرعية تدل على أن الجاهل الذي ليس عنده أصل يبني عليه معذور، وذلك في عدة أمور: في الصحيحين : ( أن رجلاً دخل المسجد فصلى صلاة لم يطمئن فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فصل فإنك لم تصل -ثلاث مرات يرده- فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فعلمه ) ولم يأمره بقضاء الصلوات الفائتة، لماذا؟ لأنه جاهل وإنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة لأن وقتها باق وهو مطالب بالصلاة في هذا الوقت.
كذلك أيضاً: عمار بن ياسر أجنب فظن أن طهارة التيمم كطهارة الماء، فتمرغ بالصعيد كما تتمرغ الدابة وصلى، فلما حضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا؛ وضرب بيديه الأرض ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ) ولم يأمره بإعادة الصلاة التي كان لا يتيمم لها التيمم الشرعي؛ وذلك لأنه جاهل.
فهذه المرأة التي بلغت وهي صغيرة، وهي بعيدة عن العلم وعن طلبة العلم، وأهلها من الناس الذين عندهم غفلة كما يوجد في كثير من الناس قبل هذا الوعي الجديد والحمد لله، نقول: ليس عليها قضاء.
أما إذا كانت في بيت علم، وفي مكان يمكنها أن تسأل بكل سهولة وصار منها نوع تفريط فإن الأبرأ لذمتها أن تقضي الصوم.
وأما الصلاة فإن الغالب أنها تصلي، وهذا يشكل في الصوم فقط.


كفارة الصيام للمريض الذي لا يرجى برؤه


السؤال
والدي مريض منذ مدة ونصحه الأطباء بعدم الصيام وقد توفي بعدها وعليه خمسة أشهر لم يصمها بسبب مرضه وجهله بأحكام الشرع، فالسؤال هو: ماذا نفعل لكي نقضي صيامه، هل نتصدق عنه، أم نكفر؟ وما هي الكفارة؟

الجواب
المريض الذي لا يرجى شفاؤه لا يجب عليه الصوم أصلاً وإنما يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وأما الصوم فلا يجب عليه، ولا يجب على أوليائه إذا مات أن يقضوا عنه، لأن الفرض الذي يجب على هذا الرجل هو أن يطعم.
وعلى هذا فنقول للسائل: أطعم عن أبيك عن كل يوم من هذه الأشهر مسكيناً، ولا بأس أن تكرر الأشهر كلها على ثلاثين مسكيناً، تعطيهم للشهر الأول ثم للثاني ثم للثالث ثم للرابع ثم للخامس، ومقدار الإطعام من الرز كيلو تقريباً لكل مسكين، ويحسن أن تجعل مع الطعام أو أن تجعل مع البر شيئاً يكون إداماً له من لحم أو غيره.


كفارة من تركت أولادها دون رضاعة حتى ماتوا


السؤال
امرأة من أهل البادية في زمن سابق أنجبت طفلين بهما عيب بسيط في أنفيهما وهو ما يطلق عليه (الشرم) وقمن النساء اللاتي ولدنها بتخويفها بأنها أنجبت شيئاً غير إنسان، فامتنعت من إرضاعهم لمدة ثلاثة أيام ثم توفيا بعد ذلك، علماً بأنها تابت واعترفت بذنبها، وصامت شهراً كاملاً من أجل هذا، فهل صومها صحيح؟ وماذا يجب عليها علماً بأنها قد تقدم بها العمر؟

الجواب
الواجب عليها أن تصوم عن كل نفس شهرين؛ لأنه أمكنها أن تنقذ هذين من الهلكة ولكنها لم تفعل، وهاذان الطفلان لا يمكن أن يقوما بما ينقذ حياتهما لأنهما طفلان، فهي تعمدت ترك الواجب وهو إرضاع هذين الطفلين حتى هلكا فعليها أن تصوم عن كل طفل شهرين متتابعين.
أما الدية فهي بينها وبين ورثة هذين الطفلين إذا عفوا عنها وإلا فإنما تجب على عاقلتها، يعني: يجب على عاقلتها الدية وتكون لورثة هذين الطفلين.


حكم استعمال الأوكسجين للمريض في نهار رمضان


السؤال
ما حكم استعمال الأكسجين الذي يوضع على فم المريض أكثر اليوم؛ هل يفطر؟

الجواب
الأكسجين الذي يعطى للمريض لا يفطر؛ لأن هذا الأكسجين ليس له جرم يصل إلى المعدة حتى نقول: إنه أكل أو شرب، لكنه بارد يفتح الشرايين حتى يتنفس الإنسان، وعلى هذا لا يكون أكلاً ولا شرباً وما ليس بأكل ولا شرب ولا بمعنى الأكل والشرب فإنه لا يفطر.


وقت ابتداء الحداد لمن توفي عنها زوجها


السؤال
توفي زوجي في حادث وأنا معه، ثم جلست في المستشفى ستة أيام ولم أعلم أنه متوفى حتى خرجت، فهل أبدأ مدة الحداد من وفاته، أم من حين علمت.
أفتونا وفقكم الله؟

الجواب
قبل الإجابة على هذا السؤال نحب أن نعطي قاعدة وهي: (أن ما علق بسبب ثبت بوجود ذلك السبب، سواء علم به الفاعل أم لم يعلم) فعدة الوفاة سببها الوفاة، وعلى هذا فيكون ابتداؤها من وفاة الزوج حتى ولو لم تعلم إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشر من موته فإن عدتها تنقضي وليس عليها شيء، وكذلك في الطلاق لو فرض أن رجلاً طلق زوجته ولم تعلم بطلاقه حتى حاضت ثلاث مرات، فإنها في هذه الحال لا يلزمها أن تعيد العدة، بل نقول: الآن خرجتي من العدة، فابتداء العدة في الموت من الموت، وابتداء العدة في الطلاق من الطلاق، وابتداء العدة في الفسخ من الفسخ، المهم أن ابتداء العدة يكون من حين وجود السبب لا من حين علم المرأة، المرأة لو لم تعلم إلا بعد انتهاء العدة لم يكن عليها شيء، انتهت عدتها وتتزوج مباشرة.


هيئة صلاة الليل وحكم من قام إلى ركعة ثالثة في صلاة التراويح


السؤال
لو أن إماماً في صلاة التراويح سها وقام إلى الركعة الثالثة فنبه فلم ينتبه، فهل يكتفي بثلاث أم يأتي برابعة؟

الجواب
الواجب على الإمام إذا سها في صلاة الليل وقام إلى ثالثة الواجب أن يرجع ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) فجعلها اثنتين اثنتين، فإذا قام إلى الثالثة قلنا: ارجع حتى ولو قرأ القرآن نقول له: ارجع، وتشهد وسلم ثم اسجد للسهو بعد السلام، قال الإمام أحمد : إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر.
يعني: يلزم الرجوع فإن لم يفعل بطلت صلاته.


حكم طلب الغيث في القنوت والإطالة فيه


السؤال
ما رأي فضيلة الشيخ فيمن استغاث في القنوت فقال: اللهم أغثنا اللهم اسقنا الغيث.
وآخر يقول: بعض الأئمة يسهب في دعائه في القنوت فيذكر الجنة وعذاب القبر من أجل أن يدخل على الناس البكاء فهل للإمام أن يصنع ذلك؟ وما توجيهكم وفقكم الله؟

الجواب
أما الدعاء بالغيث في القنوت فلا أرى في ذلك مانعاً؛ لأن الدعاء بالغيث دعاء بالحاجة الملحة، وليست حاجة خاصة بالإنسان بل هي حاجة عامة لجميع المسلمين، لا يقال: إن هذا لم يرد، نقول: لأن الذي ورد في طلب الغيث قضايا أعيان، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قطع خطبته يوم الجمعة ليدعو به، مع أن الأصل في الخطبة أنها ليست محل دعاء، فجواز الدعاء بطلب الغيث في القنوت الذي هو دعاء من باب أولى.
أما تحويل دعاء القنوت إلى خطبة وعظ بحيث تذكر الجنة والنار والقبر وفراق الأحباب وما أشبه ذلك، فهذا لا شك أنه خلاف السنة؛ لأن الوعظ له وقت والدعاء له وقت آخر، والذي ينبغي للإنسان ألا يشق على المؤمنين بكثرة الدعاء، فكيف إذا حول الدعاء إلى خطب ومواعظ؟ فإنه يكون هذا أشق على الناس، وأهم شيء أن يسير الإنسان في عباداته على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الخير والبركة، ليست العبادة ذوقاً إذا استحسنه الإنسان تعبد لله به، ولو كانت كذلك لقلنا: إن الصوفية على حق؛ لأن هذا العمل الذي يقومون به يرون أنه من أصلح ما يكون للقلوب، ويتذوقون له ذوقاً جيداً، لكنه ليس بصواب، وما ليس بصواب فهو خطأ وإن ظن صاحبه أنه صواباً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


جلسات رمضانية لعام 1412هـ [2]
ذكر الشيخ في بداية جلسته بالآيات الدالة على الزكاة وفرضيتها، ثم تحدث عن عقوبة مانعيها، ثم ذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة وفصل في أحكامها ونصابها، وعقب ذلك بدأ بالإجابة على الأسئلة المتعلقة بزكاة عروض التجارة وبعض أحكام زكاة الحلي المستعمل.


مسائل تتعلق بالزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني، لقاء مسجد الجامع الكبير في عنيزة في شهر رمضان، الذي كان ليلة الأربعاء.
الثامن من شهر رمضان عام (1412هـ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً، وأن يكثر من اللقاءات المباركة في جميع مساجد المسلمين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، وهدي سلفنا الصالح رضي الله عنهم.
لقاؤنا هذه الليلة سوف نركزه على الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام من حيث العموم، وثاني أركان الإسلام لمن دخل الإسلام، لأن مفتاح الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأول ركن بعد ذلك الصلاة ثم الزكاة.
وقد فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة في كتابه، فقال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103]، وقال: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } [البقرة:43]، وقال الله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ } [البينة:5].
وقال تعالى حين ذكر أصناف أهل الزكاة: { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة:60] .


عقوبة مانع الزكاة
توعد سبحانه وتعالى من منعها في قوله: { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [آل عمران:180]، وقال عز وجل: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة:36-35] .
وجاءت السنة مبينة للآية الأولى أنه ما من إنسان يؤتيه الله مالاً فلا يؤدي زكاته إلا إذا كان يوم القيامة مُثِّلَ له شجاع أقرع، قال أهل العلم: الشجاع الذكر العظيم من الحيات، والأقرع الأملس الرأس الذي ليس على رأسه شعر وذلك لكثرت سمه تمزق شعره والعياذ بالله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان -يعني: غدتان كل واحدة منهما مثل الزبيبة مملوءتان من السم، نسأل الله العافية- فيأخذ بلهزمتيه -يعني: يعض شدقيه- ويقول: أنا كنزك، أنا مالك ).
أما الآية الثانية: ففسرها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم -يعني: الصفائح من النار يحمى عليها في نار جهنم- فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ).
ونحن إذا تأملنا الآيتين والحديث تبين لنا أن مانعي الزكاة يوبخون يوم القيامة ويعذبون، يوبخون يُقال: { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ } [التوبة:35] وفي الحديث يقول: ( أنا مالك، أنا كنزك ) وهذا ألم قلبي.
أما الألم البدني فقد عرفتم ماذا يكون من عض الشجاع الأقرع بشدقي هذا المانع من الزكاة ولكونها تكوى بها الجباه والجنوب والظهور، وهذا الوعيد الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام يدفع الوازع الديني الذي يكون في فطرة كل مؤمن حتى يقوم بأداء الزكاة، وذلك لأن النفس تميل إلى ما ينفعها وتهرب مما يضرها، فلهذا جاءت النصوص تارة بالترغيب وتارة بالترهيب وتارة بالجمع بينهما.
وحينئذٍ لابد أن نعرف ما هي الأموال التي فيها الزكاة؟ وما هي الأموال التي لا تجب فيها الزكاة؟


قاعدة في الأموال التي تجب فيها الزكاة
الأصل والقاعدة أن الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، فالنامية حقيقة مثل: الثمار والزروع تنمو حتى تكمل، وكأموال التجارة التي تكسب، هذه نامية حقيقة، أما النامية حكماً كالذهب والفضة إذا كان الإنسان لا يعمل بهما، هذه لا تنمو، يعني: لو كان عند إنسان مثلاً عشرة آلاف ريال أبقاها في الصندوق فإنها لا تزيد لكنها في حكم التي تنمو، لأنه لو شاء لا تجر بها، فنمت وزادت إذاً هذا الأصل.
القاعدة العريضة والأصل: أن الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية حقيقةً أو حكماً.
الحقيقة مثل؟ الثمار والزروع والمواشي التي تنمو.
الشيخ: وحكماً؟ مداخلة: مثل إنسان جمع عشرة آلاف في صندوق مثلاً.
الشيخ: أنا أريد جنس المال؟ ما هو المال الذي قلناه؟ مداخلة: مثل الذهب والفضة.
الشيخ: مثل الذهب والفضة إذا كان الإنسان لا يتجر بها، هذه تجب فيها الزكاة مع أنها لا تنمو، لو وضعت في الصندوق عشرة آلاف ما تزيد، هذه هي القاعدة العريضة في الزكاة.
وتجب في أصناف نعدها الآن بالأصابع إن شاء الله: - الذهب.
- الفضة.
- عروض التجارة.
- الأوراق النقدية.
- الخارج من الأرض.
- المواشي.
كم؟ هذه ستة.


وجوب الزكاة في الذهب والفضة
تجب الزكاة فيهما بدون تفصيل، للحديث الذي ذكرناه حديث أبي هريرة : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها .
الحديث ) أي فرد يخرج من هذا العموم فإننا نطالب المخرج بالدليل، فلو قال قائل: حلي المرأة من الذهب والفضة هل فيه الزكاة؟

الجواب
نعم.
من أين نستدل؟ من عموم هذا الحديث، حديث أبي هريرة وهو في صحيح مسلم : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة ) والمرأة التي عندها حلي هي صاحبة ذهب، ولهذا يقول الناس في عرفهم وعاداتهم: فلانة عندها ذهب، أو لها ذهب كثير، إذاً أي واحد من الناس من أبي بكر إلى أدنى عالم في عصرنا هذا إذا قال: إن الحلي من الذهب والفضة خارج عن هذا العموم فإننا نقول له: هات الدليل؟ على أن هذا العموم أيضا مؤيد بأدلة خاصة وهي ما رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه: ( أن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -والمسكتان: هما السواران- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: هل يسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله ) وهذا نص في الموضوع مؤيد بالعموم.
ومن عجبٍ أن بعض الناس طعن في سند هذا الحديث، وقد قال عنه ابن حجر في بلوغ المرام : إن إسناده قوي، وقال عنه الشيخ العلامة، شيخ عصره في هذه المملكة عبد العزيز بن عبد الله بن باز : إن سنده صحيح.
ثم حاول آخر أن يطعن في متنه، وقال: كيف يقول الرسول للمرأة: ( أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار ) وهي لا تدري، وهل هذه علة؟ لا، ليست علة لسببين: السبب الأول: أنها قالت: لا، يعني: لا أؤديه، ويحتمل أنها عالمة ويحتمل أنها جاهلة، فإذا قلنا: إن الأصل الجهل فيرجح على احتمال أنها عالمة، قلنا الحديث يقول: ( أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار إن لم تخرجي ) يعني بعد قيام الحجة، وهذا واضح، فالوعيد عليها إذا علمت ولم تخرج، وحينئذٍ تنتفي العلة في متنه.
السبب الثاني: أما قياسهم لحلي الذهب والفضة على اللباس والفرس والرقيق، ومن المعلوم أن اللباس ليس فيه زكاة بالإجماع، والفرس والرقيق ليس فيه زكاة بالنص، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) وكلمة عبد وفرس ليست ذهباً ولا فضة.
ونحن نقول: ما سوى الذهب والفضة من غير ما تجب الزكاة بعينه لا تجب فيه الزكاة إذا اختصه الإنسان لنفسه، ولهذا نقول: أواني البيت ليس فيها زكاة، فرش البيت ليس فيها زكاة، مكاين الفلاحة ليس فيها زكاة، لكن الذهب والفضة تجب الزكاة فيها بعينها، كما تجب في المواشي بعينها إذا تمت الشروط، ولا يصح أن يقاس على الثياب وشبهها؛ لأنه قياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص مُطَّرح؛ لأنه يعبر عنه عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، لا عبرة به، ويدل على تناقض هذا القياس أننا نقول لهم: أولاً: الثوب الأصل فيه عدم الوجوب، والذهب الأصل فيه الوجوب.
ثانياً: الثوب إذا أعده الإنسان للأجرة فليس فيه زكاة، والذهب عندكم إذا عد للأجرة ففيه الزكاة، أين القياس؟! ثالثاً: الثياب إذا أعدها الإنسان للقنية، اشتراها يلبسها ثم بدا له أن يجعلها للتجارة فإنها لا تكون للتجارة، وأنتم تقولون: إن الحلي إذا اشتراه للقنية ثم نواه للتجارة صار للتجارة، وهذا أيضاً تناقض.
على كل حال: الحمد لله أن الأقيسة المخالفة للنص دائماً تكون متناقضة، مع أنها من الأصل فاسدة الاعتبار.
ثم نقول: هب أن الأدلة متكافئة، فما هو الأصل في الذهب والفضة؟ الوجوب.
هذا واحد.
هب أنها متكافئة فما هو الأحوط أن أخرج الزكاة أم لا؟ أن أخرج الزكاة.
وبهذا تبين أن الزكاة واجبة في الحلي المعد للاستعمال، سواء استعمل أم لم يستعمل بشرط أن يبلغ النصاب، والنصاب عشرون مثقالاً من الذهب، وهو حسب ما قال لنا أهل الذهب: خمسة وثمانون جراماً.
وأما الفضة فهي مثل الذهب إذا كانت حلياً وجبت فيها الزكاة كما لو لم تكن حلياً، ونصابها مائة وأربعون مثقالاً، ويبلغ بالجرامات خمسمائة وخمسة وتسعين.
إذاً: الذهب والفضة تجب فيهما الزكاة على كل حال.


زكاة عروض التجارة
عروض التجارة كل شيء اتجر به الإنسان من أي نوع كان من المال، فهو أعم أموال الزكاة، كل شيء يتجر به الإنسان فهو عروض تجارة.
حسناً! المواشي عروض تجارة، إذا كان ينتظر فيها الربح، الثياب، الأواني، العقارات، كل شيء يريد به الإنسان الاتجار يعني التكسب فهو عروض تجارة، من أي نوع من المال.
الصيارفة الآن الذين يبيعون بالصرف تعتبر نقودهم عروض تجارة، ولهذا الصيرفي يجب أن يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب بخلاف غيره، لأن الصيرفي ذهبه وفضته عروض تجارة.
حسناً لو كان عند الإنسان حمير يتجر بها فيها زكاة أم لا؟ مداخلة: فيها زكاة؛ عروض تجارة.
الشيخ: إذا كان عند الإنسان معدات يستعملها يتجر باستثمارها، فماذا تقولون؟ مداخلة: عروض تجارة.
الشيخ: لا ليست عروض تجارة ليس فيها زكاة، المواد التي لا تباع ليس فيها زكاة، فالآلات الصناعية والمكاين، مكاين الخراطة والنشارة والحدادة وغيرها هذه ليس فيها زكاة لأنها ليست عروض تجارة.


زكاة الأوراق النقدية
الشيخ: الأوراق النقدية فيها الزكاة، الأوراق النقدية في الحقيقة ليست ذهباً ولا فضة ولا عروض تجارة.
هل هي فضة أم لا؟ لا.
هل هي عروض تجارة؟ لا.
الصيارفة، صحيح يجعلونها عروض تجارة، يتجرون بها، لكن غير الصيارفة، إنسان -مثلاً- موظف يعدها للنفقة، ليست عروض تجارة، فلو قال قائل: إنه لا زكاة فيها، لأنها ليست ذهباً ولا فضة، ولا عروض تجارة، ولا ماشية، ولا خارج من الأرض، نقول: قد قال بها بعض الناس لكنه قول ضعيف جداً، وإنما نوجب فيها الزكاة لماذا؟ لأنها حلت محل الذهب والفضة، حلت محل النقدين.
إذا قال: ريال مثلاً أو درهم ماذا يريدون؟ ريال من الفضة أو هذه الأوراق؟ هذه الأوراق.
إذاً: فتجب فيها الزكاة لأنها أقيمت مقام النقدين الذهب والفضة.


زكاة الخارج من الأرض
ليس كل خارج من الأرض يكون فيه الزكاة، الخارج من الأرض من الحبوب والثمار فقط، مثل: ثمر النخل، وثمر العنب، الحنطة، الشعير، الذرة، الرز، وما أشبه ذلك، أما ما سوى هذا فليس فيه زكاة، فلو كان عند الإنسان (مبطخة) كبيرة، تنتج من البطيخ الشيء الكثير، فهل فيها زكاة؟ لا ما فيها زكاة، لو صار فيها ريع كثير جداً فلا زكاة فيها، لكن الزكاة فيما يحصل من النقود إذا تم عليه الحول.
إذاً نقول: الحبوب والثمار فقط هي التي فيها الزكاة، أما سائر ما يخرج من الأرض فليس فيه زكاة ولكن يزكى متى؟ يزكى ثمنه إذا تم عليه الحول وبلغ النصاب.


زكاة المواشي
الإبل، والبقر، والغنم خاصة، وما سواها لا زكاة فيه، فلو كان عند الإنسان مائة حمار ليست للتجارة ولكن للتنمية، الإنسان ينمي الحمير من أجل أن يكد عليها ولا يبيعها ويأخذ ثمنها، فليس فيها زكاة، عنده مائة فرس للتنمية ليس فيها زكاة، عنده مائة بغل ليس فيها زكاة، الزكاة في ثلاثة أصناف من البهائم هي: الإبل، والبقر، والغنم، وما عدا ذلك فليس فيه زكاة.
ويشترط بلوغ النصاب، ويشترط أن تكون سائمة، قال العلماء: السائمة: هي التي ترعى ولا تعلف، ترعى كل الحول أو أكثر الحول، أما التي تعلف فليس فيها زكاة، وعلى هذا فالذي يوجد الآن عند البادية يشترون له الشعير ونحوه، ويطعمونه إياه، ليس فيها زكاة، لماذا؟ لأنها غير سائمة.
حسناً! لو أعدها للتجارة فيها الزكاة وإن كانت غير سائمة؟ نعم وإن كانت غير سائمة، والإنفاق عليها كإنفاق التاجر على بضاعته، يعني: لا يمنع الزكاة.


نصاب الأموال الزكوية
حسناً! هذه ستة أصناف من المال كلها فيها الزكاة، ولكن لابد أن تبلغ النصاب، عرفنا نصاب الذهب ونصاب الفضة، عروض التجارة ما نصابها؟ نصابها أن تبلغ نصاب الذهب أو الفضة، إذا كان الذهب أرخص من الفضة اعتبرنا نصاب الذهب، وإذا كان أغلى اعتبرنا نصاب الفضة، يعني: فتقدر بما هو أنفع لأهل الزكاة، إما بالذهب وإما بالفضة، وهل يكمل الذهب بالفضة أم لا؟ في هذا خلاف بين العلماء: منهم من يقول: يكمل نصاب الذهب من الفضة ونصاب الفضة من الذهب.
ومنهم من يقول: لا.
مثاله: رجل عنده نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة، هل يضم أحدهما إلى الآخر؟ يوجد خلاف، والصحيح: أنه لا يضم، وأن نصاب الذهب منفرد، ونصاب الفضة منفرد؛ لأن السنة جاءت هكذا، ولأن البر لا يضاف إلى الشعير في تكميل النصاب.
يعني: لو كان عند إنسان مزرعة ليس فيها إلا نصف نصاب من الشعير، ونصف نصاب من القمح، هل يكمل هذا من هذا؟ لا.
إذاً: الذهب لا يكمل من الفضة، والفضة لا تكمل من الذهب.
وما مقدار الواجب في الذهب والفضة وعروض التجارة والأوراق النقدية؟ ربع العشر.
يعني: واحداً من أربعين، وعلى هذا فإذا أردت استخراج الزكاة فاقسم ما عندك على أربعين، والخارج بالقسمة هو الزكاة، فإذا كان عندك أربعون ألفاً؟ فالزكاة ألف، وكم في خمسين ألفاً؟ مداخلة: ألف ومائة.
الشيخ: ألف ومائة؟! الشيخ: كم في عشرة آلاف الزائدة عن الأربعين ألفاً؟ مداخلة: الشيخ: لا.
مائتين وخمسين، الأربعين فيها ألف والعشرة بها مائتين وخمسين، فالمجموع ألف ومائتين وخمسين.
على كل حال: المسألة بسيطة يعني ما يحتاج إلى تعب، اقسم ما عندك على أربعين والخارج بالقسمة هو الواجب.
الواجب في الخارج من الأرض إن كان يسقى بلا مئونة يعني: يشرب من الأنهار، أو يشرب بعروقه، ففيه العشر كاملاً، وإذا كان يسقى بمئونة كالسواني والمكائن ففيه نصف العشر، إذا جعلنا فيه نصف العشر نقسمه على عشرين، وإن جعلنا فيه العشر نقسمه على عشرة، ويخرج الواجب.
المواشي: قدر النبي عليه الصلاة والسلام أنصبتها نصاباً نصاباً، ويختلف الواجب بحسب النصاب، ففي خمس من الإبل شاة، وفي خمسة وعشرين بنت مخاض يعني: أنثى تم لها سنة، ويختلف في أربعين شاة شاة واحدة، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي ثلاثمائة وتسعة وتسعين ثلاث شياه، يعني: مائتين وواحدة فيها ثلاث شياه، وثلاثمائة وتسعة وتسعين فيها ثلاث شياه، الوقص -أي: النقص والفرق- كبير جداً ما بين مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسعة وتسعين، لكن نحن نقول: سمعنا وأطعنا، إنسان عنده ثلاثمائة وتسعة وتسعين قلنا عليك ثلاث شياه، وإنسان عنده مائتين وواحدة قلنا: عليك ثلاث شياه، فجاء يصيح علينا أنا كيف علي ثلاث وذلك عليه ثلاث شياه، نقول: هذا حكم الله، قل: سمعنا وأطعنا.
المهم أن الماشية أنصبتها محددة وليست كغيرها، يحدد أول النصاب والباقي ما زال بحسابه، هذه من قبل الشرع نمشي عليه.
أما أهل الزكاة فنجعلها إن شاء الله في الدرس القادم حتى نتفرغ الآن للأسئلة التي جاءت وهي غير قليلة.


الأسئلة


العبرة في الإمساك في الصوم


السؤال
رجل طوال الأيام الستة الماضية كان هو وأهله يتسحرون والمؤذن يؤذن، ولا يميز بين المؤذنين من المتقدم ومن المتأخر، ومن الضابط ومن غير الضابط، وينتهي قبل انتهاء آخر مؤذن من الأذان، فما حكم ذلك؟ وهل عليه قضاء؟ وإذا كان جاهلاً في الحكم أرجو بيان ذلك بياناً شافياً.
وجزاكم الله خيراً؟

الجواب
أولاً: إن المؤذنين الذين يؤذنون على توقيت أم القرى يؤذنون قبل الفجر بخمس دقائق، وعلى هذا فالذي يأكل ويشرب والمؤذن يؤذن على هذا التوقيت لا حرج عليه، وقد ذكرنا في الدرس السابق هذه المسألة، وبينا أن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا اختلف عليه رجلان يرقبان الفجر أحدهما يقول: طلع الفجر، والثاني يقول: لا، خذ بقول من يقول: لا، هذه واحدة.
ثانياً: إذا كان هؤلاء جاهلين فإن الجاهل لا يفطر حتى لو أكل بعد الفجر يقيناً، لقول الله تعالى: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286]، وقوله: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب:5]، ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: ( أن الناس أفطروا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم بالقضاء ) ولو كان صومهم فاسداً لأمرهم بالقضاء؛ لأنه يجب على النبي عليه الصلاة والسلام أن يبلغ الناس شرع الله، فلما لم يأمرهم به عُلم أن القضاء ليس بواجب وهو الصحيح، وهو الماشي على القاعدة المطردة في الشريعة الإسلامية: أنه لا تفسد العبادة مع الجهل ولا مع النسيان.
ولما حصلت مثل هذه القضية في عهد عمر رضي الله عنه، سألوه قالوا: يا أمير المؤمنين! ماذا نفعل؟ فقال: [ الأمر يسير، إننا لم نتجانف لإثم ].


حكم استعمال منظار للمعدة في نهار رمضان مما أدى إلى القيء


السؤال
شخص أخذ منظاراً للمعدة وهو صائم وأدخله في بطنه ثم استقاء فما حكم صومه؟

الجواب
أولاً لابد أن ينظر في هذه الآلة التي تنزل إلى المعدة هل هي خالية من مصاحبة دواء أم لا؟ فإن كان فيها دواء أو كان فيها دهن لتسهيل دخولها فإنه يفطر، ولا يجوز استعمالها في حال الصيام إذا كان الصوم واجباً، أما إذا كانت هذه الآلة ليس فيها شيء يصحبها لا دواء ولا دهن، ثم أدخلها فإنه لا حرج عليه، ولكن يجب عليه إذا أحس أنه سيقيء أن يأمر الطبيب بإخراجها حتى لا يقيء عمداً.
هذا إذا كان الصوم واجباً، أما إذا كان تطوعاً فالأمر سهل، لو فسد الصوم ليس عليه شيء.


حكم أخذ الزكاة لمن كان مستغنياً بنفقة واجبة على أحد أقاربه


السؤال
امرأة تطلب من الزكاة وزوجها له راتب يبلغ ألفين ونصف، وعنده منزل يؤجره بمبلغ خمسة وعشرين ألف ريال، يعطي منها ما يقارب من عشرة آلاف لتسديد قرض البنك، وإذا قيل لها: لم تأخذين من أموال الزكاة وزوجك ميسور؟ قالت: إنه -حسب قولها- لا ينفق عليها النفقة الكافية، فهل يجوز لها أن تطلب من الزكاة؟

الجواب
أولاً: إذا كان الإنسان مستغنياً بنفقة واجبة على أحد من أقاربه، أو على الزوج إذا كانت زوجة فإنه لا يجوز أن يأخذها من الزكاة، فإن امتنع القريب أو الزوج من الإنفاق فلمن له الحق أن يأخذ من ماله بغير علمه، فإذا كانت المرأة مثلاً لا ينفق عليها زوجها، فلها أن تأخذ من ماله بغير علمه، ولا يعد هذا سرقة ولا خيانة، لأن هند بنت عتبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول! الله إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك ) فأذن لها أن تأخذ من ماله بدون علمه، فإن كان لا يمكنها ذلك وزوجها بخيل ولو قالت: أعطني، لم يعطها، أو صار يهددها بالطلاق إن طلبت، يعني: بعض الرجال ليس عنده خوف من الله ولا مروءة، يقول لزوجته: إن طلبت مني النفقة سأطلقك، ففي هذه الحال لها أن تأخذ من الزكاة ما يكفيها ويكفي أولادها إذا كان أبوهم لا ينفق عليهم.


آلات النجارة والحدادة ليست من عروض التجارة


السؤال
لماذا آلات النجارة والحدادة ليست من عروض من التجارة؟

الجواب
لأن عروض التجارة هي أموال تروح وتجيء، يقصد بها التكسب، ولهذا سميت عروضاً جمع عرض، والعرض: هو الذي يعرض ويزول، أما آلات النجارة وآلات الحدادة وآلات الخياطة وما أشبهها فهي باقية، ليست مما يعرض فيزول، ولهذا لو فرض أن هذا الرجل الذي عنده آلة حدادة، إنسان يتكسب بالآلات وبالحدادة أيضاً، ويشتري هذه الآلة وهو معدها للتجارة صارت الزكاة واجبة في أصل هذه الآلة لأنها عروض تجارة، وفي استثمارها إذا تم عليها الحول.


حكم من لم تزكِ على ذهبها المستعمل للجهل بذلك


السؤال
ماذا تقولون في امرأة لم تزكِ عن ذهبها طوال السنين الماضية ظناً منها أنه لا يجب في الذهب الذي يستعمل زكاة، فماذا يجب عليها؟

الجواب
الذي نرى أن من لم تعلم بوجوب الزكاة إلا هذا العام لا يجب عليها أن تؤدي الزكاة عما مضى؛ لأن هذه مسألة خلافية، وإذا كانت خلافية وكانت ليس على بالها أنها تجب فيها الزكاة بناءً على القول الثاني فليس عليها زكاة، لكن عليها أن تزكي من حين أن تعلم أن عليها زكاة على ما عندها من حلي ذهب أو فضة.
وهنا نقطة أحب أن أنبه عليها وهي: أن بعض الأزواج يمنع زوجته من إخراج زكاة حليها بناءً على القول الثاني الضعيف الذي أشرنا إليه آنفاً، وهذا حرام عليه، لا يحل للزوج ولا للأب ولا للأخ أن يمنع أحداً يريد أن يزكي ماله، وعلى الزوجة أن تعصي زوجها بهذا، وأن تخرج الزكاة رغماً على أنفه؛ لأن طاعة الله أولى من طاعة الزوج، وقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وزوجها لا ينجيها يوم القيامة من عذاب الله عز وجل، فتقول للزوج مثلاً: إذا قال هذه مسألة خلافية، وأنا ما أعتقد الوجوب، تقول: أنت لك اعتقادك وأنا لي اعتقادي، أنا لا يمكن أن أترك الزكاة وأنا يترجح عندي أنها واجبة، وفي هذه الحال يجب أن تعصيه طاعة لله عز وجل، فإذا قالت: أخشى أن يغضب، فلنا عن ذلك جوابان: أحدهما أن نقول: وليكن ذلك، لأن غضبه في رضى الله ليس بشيء.
والجواب الثاني أن نقول: تداريه، يعني: أخرجي الزكاة من حيث لا يعلم، وبهذا تؤدين الزكاة الواجبة عليك وتسلمين من غضب الزوج وتنكيده عليك.
لكن نحن من هنا نخاطب الأزواج نقول لهم: اتقوا الله! ما دامت الزوجة ترى الوجوب لا يحل لكم أن تمنعوها من أداء الواجب، وكذلك الأب لو قال لابنته: لا تخرجي الزكاة أنا ما أرى وجوبها، فإنها لها الحق أن تقول: لا سمع ولا طاعة، السمع والطاعة لله ولرسوله، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، لكن إذا خافت أن يغضب؛ لأن بعض الناس عقله ضعيف ودينه ضعيف يغضب، فإنها تداريه وتخرج بدون علمه.


صورة إخراج زكاة الحَمَام المعد للتجارة


السؤال
أنا ممن يربي الحَمَام وهي للتجارة وقد سمعت أن فيها الزكاة، فكيف أخرج زكاتها علماً أن بعضها يساوي خمسون ريالاً وبعضها يساوي ألف ريال، وبعضها يساوي مائة ريال، وقيمتها أحياناً تزيد وأحياناً تقل، أرجو توضيح كيفية إخراج زكاتها مع التمثيل إن أمكن؟

الجواب
إذا جاء وقت الزكاة وعندك هذا الحمام الذي تعده للتجارة فقومه، يعني: اعرف قيمته، فالتي قيمتها خمسون ريالاً اكتب خمسون ريال، قيمتها ألف اكتب ألفاً، قيمتها أربعمائة اكتب أربعمائة، قيمتها ثلاثة آلاف -أنا بلغني أنه يوجد حمام بثلاثة آلاف.
خمسون ومائة ومائتين وألف وألفين وثلاثة آلاف وعشرة آلاف، بسيطة اجمع بعضها البعض وانظر كم تبلغ، واقسمه على أربعين وتظهر الزكاة، والعبرة بالقيمة وقت وجوب الزكاة، هذه العبرة، لا عبرة بما اشتريتها به، ولا عبرة بالزيادة في أثناء الحول ثم ترجع وتنقص، انظر قيمتها وقت وجوب الزكاة وأخرج ربع عشرها.


جواز دفع الزكاة أو الصدقة لمن ظهر حاجته إليها


السؤال
ما حكم دفع الزكاة لفقراء الحرم، وأنا لا أعلم عنهم شيئاً، هل تعتبر من الزكاة أم من الصدقة؟

الجواب
من الصدقة إن نواها الإنسان صدقة، ومن الزكاة إن نواها زكاةً، فإذا دفعها الإنسان إلى شخص يظن أنه فقير فتبين أنه غني فزكاته مقبولة، وهذه من نعمة الله، لأننا لو قلنا إنه لابد أن نعلم أن المدفوع إليه من أهل الزكاة لكان في هذا مشقة، لكن يكفي إذا غلب على ظنك أن هذا من أهل الزكاة بأمارة كلباسه وهيئته أو بسؤاله وأنت لا تعلم عنه فأعطه من الزكاة وهي مجزئة وإن بان غنياً.
والدليل على هذا: قصة الرجل الذي خرج فتصدق، فصار الناس يقولون: تُصدق الليلة على غني! فقال: الحمد لله على غني! ثم خرج في الليلة الثانية وتصدق، فصار الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على زانية! -بغي، والعياذ بالله- ثم خرج الثالثة فتصدق، فجعل الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على سارق! فقال: الحمد لله على سارق! فكأنه ظن أن الصدقة لم تقبل، فقيل له: إن صدقتك قد قبلت؛ أما الغني فلعله أن يتعظ فيتصدق، وأما البغي فلعل هذا يكفيها فتتوب من البغاء، فأما السارق فلعل هذا أيضاً يغنيه عن السرقة.
فيتوب من السرقة ويتوب إلى الله، فالمهم أن الإنسان إذا نوى واجتهد وتبين خطؤه في الاجتهاد فإن اجتهاده صحيح ولا إثم عليه.


المعتبر في أداء زكاة عروض التجارة


السؤال
غالب النساء لا تعلم عن الذهب الذي فيه زكاة لأنها تبيع وتشتري منه وتستبدل، فلا يبقى الذهب غالباً سنة، فيحول عليه الحول، فما الحكم في هذا؟

الجواب
إذا كان هذا عروض تجارة، يعني: أن المرأة تتجر بالذهب وتبيع وتشتري فيه، وهي ما دامت لم تبعه تتحلى به ففيه زكاة عروض، ولو كانت تبيع وتشتري فيه، وتعتبر الحول الأول، وهكذا جميع عروض التجارة ليس لها حول، فمثلاً: إذا اشتريت هذه الأرض في محرم وزكاتي تحل في محرم، وبقيت عندي وبعتها في ذي الحجة واشتريت أرضاً أخرى وجاء محرم، هل أزكي الأرض الأخرى أو أقول: إنها لم تتم السنة؟ الجواب: أزكي الأرض الأخرى ولو كنت لم أملكها إلا قبل الحول بشهر؛ لأن عروض التجارة ما يشترط فيها الحول، كلها تتبدل وكأنها سلعة واحدة، فهذه المرأة التي عندها ذهب تبيع وتشتري فيه وتلبسه أيضاً، نقول: هذا لا يشترط أن يبلغ آخر شيء الحول بل العبرة بالحول الأول، فإذا كانت هذه المرأة تحل زكاتها في رمضان وهي تبيع وتشتري في الذهب وفي شعبان اشترت ذهباً جديداً فنقول: إذا جاء رمضان فأدي الزكاة، لو لم يبق إلا شهراً واحداً فإنها تزكي.


حقيقة الحيض الذي يجب به الفطر على المرأة


السؤال
امرأة أحست بآلام الحيض في نهار رمضان، فقيل لها: إن أحسست بذلك حتى وإن كان قبل نزول الدم فلا عليك صيام، فعندما أحست بذلك أفطرت، فتبين لها أنه ليست آلام حيض فماذا تفعل؟ هل تصوم أو تقضي أو تمسك؟

الجواب
أقول: أعوذ بالله من فتنة المضلين الذين يفتون بغير علم، فهذا الذي أفتاها أفتاها بغير علم، وذلك أن الحيض لا عبرة به حتى يخرج، مجرد ألم في بطنها يقال: هذا حيض أفطري، سبحان الله!! يرى بعض العلماء أن الحيض إذا انتقل -ليس إذا أوجع البطن- ولكن ما خرج وبقي داخل الفرج، يرى أنه مثل الخارج، وهذا القول ضعيف.
والصحيح: أنه لا تفطر المرأة أو لا يفسد صومها إلا بخروج الحيض بارزاً، أما ما دام مجرد أوجاع أو أنها أحست بأنه انتقل لكن ما خرج فهذا لا يؤثر شيئاً، والدليل على هذا: أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء ) فعلق الحكم برؤية الماء خارجاً، وكذلك الحيض.
وعليه: فلو أن المرأة قبل غروب الشمس أحست بألم الحيض وانتقال الحيض أحست به، لكن لم يبرز خارج الفرج فإن صومها صحيح، مع العلم أن بعض النساء سمعت أنها تقول: إذا خرج الحيض بين غروب الشمس وصلاة المغرب بطل الصوم، وهذه القاعدة الحقيرة إنها قاعدة قاعدة، يعني: قاعدة لا تمشي، لأن المرأة إذا غابت الشمس والحيض لم يأتها فإن صومها صحيح، ولو نزل الحيض بعد الغروب بلحظة.


حرمة دخول الحائض المسجد


السؤال
فتاة أتاها الحيض فذهبت مع والدتها إلى المسجد لأن بيتهم لا يوجد فيه أحد، فخافت وذهبت مع والدتها إلى المسجد ومكثت فيه إلى أن انتهت الصلاة، فهل يجوز لها ذلك؟ وماذا تفعل بعد ذلك؟

الجواب
إذا كانت المرأة الحائض تخشى على نفسها إذا بقيت وحدها في البيت، فإن الواجب على أهلها أن يبقوا معها؛ وذلك لأن ذهابها إلى المسجد ومكثها فيه حرام، وتخلف أهلها عن صلاة التراويح مع الإمام ليس بحرام؛ بل هو الأفضل.
يعني: لو سألنا سائل: أيهما أفضل للمرأة تأتي وتروح المسجد أو في بيتها؟ قلنا: في البيت أفضل، وعلى هذا نقول لهم: أنتم ابقوا معها في البيت، ليس هناك ضرورة، الذي يمكن أن يكون فيه ضرورة: لو أن امرأة حائض وهي في العمرة وقد أدت العمرة ثم حاضت بعد أدائها، ثم ذهب أهلها للوداع وهي حائض فإنها لا تودع لأن الوداع يسقط على الحائض، لكن إذا بقيت وحدها في البيت خطر عليها، ففي هذه الحالة نقول: اذهبي مع أهلكِ واجلسي في مكان معلوم من المسجد وهم يطوفون وإذا رجعوا ذهبت معهم، لأن هذا البقاء ضرورة، أما مسألة التراويح فليس ضرورة أن أهلها يذهبون إلى المسجد.


أقل نسبة بالريالات السعودية تجب فيها الزكاة


السؤال
ما هي أقل نسبة بالريالات السعودية الموجودة الآن تجب فيها الزكاة، نرجو التوضيح؟

الجواب
من المعلوم أن الأوراق النقدية ليس لها قيمة في ذاتها إنما هي خاضعة للعرض والطلب، ولهذا كانت الأوراق النقدية أول ما ظهرت يختارها الناس على الريال الفضي، الريال الفضي الذي كله فضة يختارون عليه هذه الورق، لأنها أخف، لكن الآن تغيرت الأحوال وصار ريال الفضة يشترى بعشرة أو تسعة أو أقل أو أكثر، المهم أنه يشترى بأكثر من ريال، وقد حررنا نصاب الفضة بالريالات السعودية فبلغ ستة وخمسين ريالاً عربية، فإذا كان عند الإنسان أوراق نقدية نقول: اذهب إلى الصيارفة وقل كم يساوي ريال الفضة العربي؟ فإذا قال: يساوي عشرة، فكم يكون النصاب من الأوراق؟ خمسمائة وستين؛ لأنه من الريال الفضة ستة وخمسين اضربها في عشرة تساوي خمسمائة وستين، طيب وإذا كان الريال الفضي يساوي خمسة فنصفها -أي: نصف خمسمائة وستين- كم نصفها؟ مائتين وثمانين.


تسديد الدين من أموال الزكاة


السؤال
أنا عليَّ دين أسدده عبر أقساط شهرية وأستطيع تسديدها مع بعض الضيق، فهل يجوز أن آخذ الزكاة لتسديد الدين، وإن استغنيت فما هو الثواب المترتب على ذلك؟ هذا سؤالي وسؤال الكثيرين من أمثالي ممن يشتري السيارات بالأقساط؟

الجواب
الذي عليه دين ولا يستطيع الوفاء يجوز أن يأخذ من الزكاة لوفاء دينه، وإن كان قوته ماشياً وليس عليه قصور، لكن الدين يقضى من الزكاة فإن الغارمين لهم حق في الزكاة كما ذكرهم الله عز وجل وكما يأتي الكلام عليهم إن شاء الله في الدرس القادم.


حكم طلاق من هددها زوجها إن ذهبت السوق


السؤال
امرأة يرفض زوجها أن تذهب إلى السوق ولا يأتي لها بحاجاتها، ويقول: إن ذهبت فلا ترجعي، السؤال: هل يقع الطلاق إن ذهبت؟ وما الحل في مثل هذا الأمر؟

الجواب
الطلاق يقع إذا كان الزوج قد نواه، ولا يقع إذا كان لم ينوه وإنما قصد التهديد، والغالب أن الناس يقصدون بهذا التهديد، وأن زوجته غالية عليه، لو عصته ما رأى أنه يطلقها، لكن من الناس من يرى أنه إذا عصته لم تعد صالحة للبقاء معه فيطلقها، وحينئذٍ نقول: إنما الأعمال بالنيات، فمن نوى تهديها ومنعها بهذا الطلاق فإنها إذا عصته لا تطلق لكن عليه كفارة يمين، يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين كيلو إلا قليلاً من الرز، وأما إذا قصد الطلاق فإنها تطلق؛ لأن الأعمال بالنيات.
أما ماذا تصنع وهي تحتاج إلى خروج إلى السوق لشراء ثياب والزوج يمنعها، فإنها تبقى حتى يهديه الله ويسمح لها في بذلك.


طلب موعظة


السؤال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول الصحابة بالموعظة، فنرجو منكم أن توجهوا لنا موعظة ترقيقية ترقق قسوة قلوبنا وتذكرنا بالله والدار الآخرة.
وآخر يقول: نحن نشتاق لنسمع شيئاً جديداً من بعض التوجيهات، وقد كان لكم ذلك من تعليقكم على بعض الآيات في السابق، فنرجو يا فضيلة الشيخ! لو تحدثتم لنا في كل ليلة ولو عن آية من الآيات قبل الأحكام.


الجواب
هذه مسألة سهلة إن شاء الله في الدرس القادم نتكلم على ما وعدنا به من أهل الزكاة وعلى بعض الآيات التي تمر بنا، والموعظة أيضاً إذا تيسر، لكني أنا في الحقيقة بضاعتي مزجاة في مسألة الوعظ، يوجد أناس أقوى مني وعظاً وأشد مني تأثيراً.
ونسأل الله للجميع التوفيق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


جلسات رمضانية لعام 1412هـ [3]
تكلم الشيخ رحمه الله عن أصناف أهل الزكاة الذين يستحقونها، وما هي صفاتهم التي بها يعطون من أموال الزكاة، ثم تطرق لتفسير قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة:1] وأتى بما فيها من أحكام.


الأصناف التي تصرف لهم الزكاة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا هو اللقاء الثالث من لقاءات شهر رمضان في الجامع الكبير في عنيزة ، الواقع في ليلة الأحد، الثاني عشر من شهر رمضان عام (1412هـ).
وقد وعدنا فيما سبق أن يكون هذا اللقاء في الكلام عن أهل الزكاة الذين فرض الله سبحانه وتعالى صرف الزكاة إليهم، وذلك لأن الله عز وجل حد حدوداً لعباده وقال لهم: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } [البقرة:229] فلما فرض عليهم الزكاة بين لهم أين توضع هذه الزكاة، في قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [التوبة:60] هؤلاء ثمانية أصناف: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل.
قال العلماء: وهذه الآية تبين أن أهل الزكاة صنفان: 1- صنف يعطون لحاجتهم.
2- صنف يعطون لحاجة الناس إليهم، هذا من جهة.
وأن أهل الزكاة صنفان أيضاً: 1- صنف يعطونها على سبيل التمليك, ولابد من تمليكهم.
2- صنف يعطونها على أنهم جهة لا يشترط التمليك.


من يعطى لحاجته، ومن يعطى لحاجة الناس إليه
(الفقراء والمساكين) يعطون لحاجتهم.
والعاملون عليها يعطون لحاجة الناس إليهم؛ لأن العاملين على الزكاة هم الذين ينصبهم ولي الأمر ليقوموا بجباية الزكاة وتصريفها في أهلها، فهم محتاجون إليهم.
وفي الرقاب: محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاجون.
(والغارمين): الغارمون قسمان: محتاجون، ومحتاج إليهم؛ فإن كان الغرم لأنفسهم فهم محتاجون، وإن كان الغرم لغيرهم فهم محتاج إليهم، وذلك لأن الغارمين هم المدينون وهم نوعان: غارم لنفسه، وغارم لغيره، فإن كان الغرم في حاجة الإنسان كما لو استدان الإنسان لشراء حوائج له فهؤلاء يعطون لحاجتهم وإن كانوا غارمين لغيرهم وهم الذين يصلحون بين القبائل بعوض يلتزمون به، فهؤلاء محتاج إليهم.
مثال ذلك: رجل فاضل رأى بين قبيلتين عداوة وشحناء فأصلح بينهم بعوض التزم به، فهذا يقال: غارم لغيره، ويعطى من الزكاة ما يسدد به الغرامة التي التزم بها للإصلاح بين الناس.
(وفي سبيل الله) هؤلاء محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاج إليهم؛ لأن في سبيل الله هم المجاهدون والمجاهدون يعطون ولو كانوا أغنياء، إذاً هم يعطون لحاجة الناس إليهم لا لحاجتهم.
فصار الذين يعطون لحاجة الناس إليهم: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لغيرهم، وفي سبيل الله، هؤلاء يعطون لحاجة الناس إليهم.
والفقراء، والمساكين، والرقاب، والغارم لنفسه، وابن السبيل يعطون لحاجتهم.


من يعطى على سبيل التمليك أو أنها جهة من الجهات
الوجه الثاني من أقسام هذه الآية: أنها دلت على أن الذي يعطى الزكاة ينقسم إلى قسمين: من يأخذها على سبيل التملك، ومن يأخذها على أنها جهة من الجهات.
فما صدر بـ(اللام) فهو على سبيل التملك وما صدر بـ(في) فهو على سبيل الجهة، ولننظر: { لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [التوبة:60].
الأصناف الأربعة الأولى يعطونها لسبيل التمليك؛ لأن استحقاقهم صدر بـ(اللام) واللام تفيد الملك.
أما الآخرون الأربعة فإن استحقاقهم صدر بـ (في) وفي للظرفية، والمعنى: أنهم جهة تصرف إليها الزكاة، ولهذا لو رأيت عبداً عند سيده، فذهبت فاشتريته من سيده من الزكاة، فهل أنا ملكت هذا العبد أو لا؟ لا، لكني اشتريته من سيده.
كذلك أيضاً الجهاد في سبيل الله، لو أنني اشتريت أسلحة وأعطيتها المجاهدين ليجاهدوا فيها فهل أنا ملكتهم؟ لا، لأنهم صاروا بدونها بعد انتهاء الحرب، إذاً نقول: ما صدر بـ(في) فإنه لا يشترط فيه التمليك.
الغارم المدين: لو ذهبت إلى الدائن وسددت دين المدين أجزأ أم لا؟ أجزأ مع أن المدين لم يملكه، لأنه صدر بـ(في).


الشرح الإجمالي للأصناف التي تصرف لهم الزكاة


تفسير قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)
الفقراء والمساكين هم المحتاجون الذين لا يملكون كفايتهم وكفاية عائلتهم لمدة سنة، وكيف نعرف ذلك؟ نعرف ذلك إذا رأينا الرجل ليس بيده شيء ويشتري حوائج بيته بالدين، أو رأينا أن له راتباً محدوداً ونفقته أكثر من هذا الراتب، مثل لو كان راتبه ثلاثة آلاف ريال ونفقته أربعة آلاف ريال هذا فقير، يحتاج إلى ربع النفقة، ولهذا إذا كان هذا الرجل راتبه ثلاثة آلاف ريال وإنفاقه أربعة آلاف ريال نعطيه في السنة (12.
000) ريال لنسدد كفايته.
فإذا قال قائل: لماذا حددتم بسنة؟ لماذا لا تعطونه كفايته على الدوام إلى أن يموت؟ قلنا: إعطاؤه إلى الموت غير ممكن، لماذا؟ لأنه لا ندري متى يموت، فإذا قدرنا أنه يموت بعد عشر سنوات وإنفاقه في السنة عشرة، نعطيه على هذا مائة، ولكن لا ندري قد يموت في أول سنة، ولهذا نقدر بسنة.
وأيضاً: الأموال الزكوية لا تجب فيها الزكاة إلا عند تمام الحول، فهو يتمتع بهذه الزكاة حتى يأتي دور الزكاة الأخرى التي تكون عند الحول.


تفسير قوله تعالى: (والعاملين عليها)
أما العاملون عليها فقلت: إنهم الذين ينصبهم ولي الأمر لأخذ الزكاة من أهلها وصرفها في محلها، فهم نائبون عن ولي الأمر، ولهذا إذا وصلتهم الزكاة برئت ذمة المزكي ولو تلفت.
لو أن الجباة الذين تبعثهم الدولة يأتون إلي ويأخذون زكاتي ثم تتلف قبل أن تصل إلى الفقراء فأنا منها بريء، بخلاف ما لو وكلت شخصاً قلت: يا فلان! هذه عشرة آلاف ريال زكاة وزعها على نظرك، ثم تلفت فإنها لا تبرأ الذمة، يجب عليَّ أن أخرج بدلها، ثم أرجع إلى صاحبي إن كان قد تعدى أو فرط فإنه يضمن، وإن لم يتعد ولم يفرط فلا ضمان عليه.
أما العاملون عليها فالذي بلغهم من الزكوات تبرأ به الذمة حتى لو تلف، لأن العاملين عليها جهة صرف.


تفسير قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم)
المؤلفة قلوبهم من هم؟ المؤلفة قلوبهم: هم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام، أو لتأليفهم على قوة الإيمان، ولا يشترط على الأظهر أن يكونوا من السادة أي: من ذوي الشرف في بني جنسهم، بل كل من احتاج إلى التعليم فإنه يعطى، فلو رأينا شخصاً أسلم عن قرب ولكنه مزعزع، فإذا أعطيناه قوي إيمانه، فهنا نعطيه من الزكاة لتأليف قلبه، ولو خفنا شر إنسان فإننا نعطيه من الزكاة اتقاء شره، فهذا كله داخل في المؤلفة قلوبهم.


تفسير قوله تعالى: (وفي الرقاب)
قال العلماء إن لها صور: الصورة الأولى: أن يشتري عبداً من سيده فيعتقه، معلوم لكن من أي مال؟ يشتريه من مال الزكاة ثم يعتقه، أو أن يرى عبداً مكاتباً؛ والعبد المكاتب: هو الذي اتفق مع سيده على أن يبذل له دراهم ثم يعتق بعدها، فيعين هذا المكاتب من الزكاة، هذا أيضاً داخل في قوله: (وفي الرقاب).
الصورة الثانية: أن يرى أسيراً مسلماً عند الكفار فيأخذه منهم بعوض ليخلصه من الأسر أو ما وراء الأسر وهو القتل، هذا أيضاً داخل في قوله: { وَفِي الرِّقَابِ } [التوبة:60] لأنه يفك هذا الأسير.


تفسير قوله تعالى: (والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)
الغارم: هو الذي عليه دين في ذمته كثمن مبيع، وأجرة بيت، وغرم حادث، وما أشبه ذلك، فهذا يعطى ما يسدد دينه، ويجوز أن أذهب إلى الذي يطلبه وأعطيه من الزكاة وأقول: هذا عن فلان لأنه داخل في قوله: { والْغَارِمِينَ } [التوبة:60].
أما في سبيل الله فهو الجهاد, إذا وجدنا أناساً يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، فإننا نعطيهم من الزكاة ما يكفيهم لجهادهم.
وأما ابن السبيل: فهو المسافر الذي انقطع به السفر، ولم يجد ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده.
حاجات البيت: من ثلاجة، وغاز، وفرش، هل تعتبر من الكفاية أم لا؟ الغاز من الكفاية، والثلاجة الآن من الكفاية، والفرش بعضها من الكفاية وبعضها زائد، فمثلاً: فرش الدرج ليس من الكفاية، يعني: لو بقت الدرج غير مكسوة وغير مفروشة لاستقامت الحال، أما الفرش التي تكون في المجالس فهي من الحاجة لا شك.
الزواج هل هو من الكفاية؟ نعم من الكفاية، لأن الإنسان يحتاج إليه، ولأن فيه مصالح كثيرة.
ولهذا من هذا المكان نحث إخواننا أولياء البنات أن يحرصوا على تزويجهم وأن يقتنعوا بما تيسر من المهر لما في ذلك من الخير والبركة، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مئؤنة مهراً أو غير مهر، وأما الصفقات التي يفعلها بعض الناس اليوم مع من ولاهم الله عليهن بحيث يبيعها كأنها سلعة، فهذا حرام ولا يجوز، والواجب أن نختار من هو أفضل في دينه وخلقه ونزوجه بما تيسر، ولكن مع ذلك نقول: إن الفقير المحتاج إلى النكاح يعطى من الزكاة لأنه داخل في قوله تعالى: { لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } [التوبة:60].


حكم إعطاء القرابة والمدين وشراء أسلحة للمجاهدين من الزكاة
هل يجوز أن يعطي الإنسان من زكاته أحداً من قرابته؟ فيه تفصيل: إن كان ممن تجب عليه نفقته فإنه لا يجوز أن يعطيه الزكاة؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد خدم ماله، وأحيا ماله، مثاله: رجل أخ لشخص غني والثاني فقير، فالواجب على الغني أن يقوم بكفاية الفقير ما دام لا يرثه إلا هو، ومن النفقة أن يزوجه فإن أبى زوجناه من الزكاة؛ لأن النكاح من أهم الحاجات وأعظمها وأفضلها.
المدين داخل في قوله: { وَالْغَارِمِينَ } [التوبة:60] وهل يشترط تمليكه أو لا؟ لا يشترط؛ لأنه داخل بـ (في)، الغارمين معطوفة على ما سبق، وهو مجرور بـ(في)، وعلى هذا فلا يشترط أن أملك المدين، بل يجوز أن أذهب إلى الدائن وأقول: إنك تطلب فلاناً كذا وكذا، وهذا سداده، وإن لم يعلم المدين؛ لأنه لا يشترط فيه تمليك المعطى.
هل يجوز أن أشتري أسلحة من الزكاة وأعين بها المجاهدين؟ نعم.
لأنه لا يشترط تمليكهم، وإذا لم يشترط تمليكهم فلي أن أشتري أسلحة وأدفعها إلى جبهات القتال.
هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول أهل الزكاة.


تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)
أما ما اقترحتم من أن نتكلم على شيء من الآيات التي مرت علينا فأهم شيء قوله تعالى، بل هو من أهم شيء: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة:1] فإن هذه الآية موجهة لكل مؤمن أن يوفي بالعهد الذي بينه وبين عباد الله، سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، وهذه الآية كقوله تعالى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [الإسراء:34] فيدخل في ذلك: عقود المبايعات: يجب أن نفي بها، فلا يجوز أن نفسد البيع بعد انعقاده انعقاداً لازماً؛ لأن بعض الناس -والعياذ بالله- إذا رأى أنه مغبون في السلعة ذهب يماطل ويدعي أن فيها عيباً من أجل أن يفسخ العقد، وهذا حرام.
ومن الوفاء بالعقود: الوفاء بالشروط المقرونة بالعقود؛ لأن الشروط المقرونة بالعقود أوصاف للعقود، والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الأمر بها ذاتها والأمر بما تتضمنه من أوصاف، فيجب على الإنسان أن يوفي بالشرط الذي التزمه عند العقد.
ومن ذلك: ما يكون بين الموظفين وبين الدولة من الشروط فإنه يجب علينا أن نوفي بها، فلا نتخلف عن موعد الحضور، ولا نتقدم على موعد النهاية، كذلك لا يجوز أن نذهب إلى العمرة وندع الوظيفة، ولا يجوز أن نذهب إلى المساجد إلى الاعتكاف وندع الوظيفة؛ لأن البقاء في الوظيفة فرض، الوظيفة عقد بين الموظف وبين الدولة وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } فإذا كانت الدولة لا تسمح أن يذهب الإنسان إلى عمرة أو أن ينحصر في مسجد فإنه لا يجوز أن يذهب إلى عمرة ولا أن ينحصر في مسجد، وما يسمى بالإجازة الاضطرارية فهي على اسمها إجازة اضطرارية؛ إن اضطر الموظف إليها فله الرخص، وإن لم يضطر فلا، ولننظر هل الذهاب إلى العمرة يعتبر ضرورة؟ لا، ليس ضرورة حسية، ولا ضرورة شرعية، بل هي نفل من النوافل، والقيام بواجب الوظيفة واجب، فكيف نسقط الواجب من أجل فعل مستحب؟!! ثم إن هذا الواجب قد رتب عليه مكافئة من الدولة، المكافئة تقابل جزءاً من زمن الخدمة، فإذا أهملت أجزاءً فإن هذا يعني أن الأجرة ينقص منها بقدر ما أهملت وهذا أمر خطير جداً، لأن هؤلاء الذين يدعون وظائفهم كل ساعة تمر عليهم فإنهم بها آثمون والعياذ بالله، وقد يتحيل بعض الناس فيقدم إلى مكتب العمل والعمال بأنه في ضرورة فيرجو الإجازة، ويذكر أنه ممرض لأبيه أو لابنته أو لابنه وهو كاذب في هذا، هذا حرام ولا يجوز؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه، بل لا يزيده إلا تأكيداً، والإنسان الذي يتحيل على إسقاط ما وجب الله لا شك أنه متحيل وأنه يخشى أن يقلب قلبه والعياذ بالله.
ومن ذلك أيضاً: أن من المعروف أن الموظف لا يشتغل بالتجارة، بل إما أن يبقى على وظيفته ويدع التجارة، وإما أن يأخذ بالتجارة ويدع الوظيفة، أما الجمع بينهما فالمعروف أن هذا ممنوع، لكن يأتي واحد يتحيل يكتب الدكان باسم أحد من أولاده أو آبائه وهو في الحقيقة له، هذا يعتبر خيانة وأكل للمال بالباطل، ولا يحل للإنسان أن يخادع الدولة التي اشترطت عليه أنه لا يتاجر.
فإن قال قائل: هل المضاربة تدخل في هذا؟ ف

الجواب
المعروف أن المضاربة يكون العامل فيها هو العامل هذا هو المعروف، فإذا أعطى الشخص الموظف شيئاً من ماله لآخر ليعمل فيه والربح بينهما، فالظاهر أن هذا لا يدخل في المنع، لا بأس به، لماذا؟ لأن هذا الرجل الموظف لم يباشر العمل، من الذي يباشره؟ العامل المضارب، أما إذا تولى هو شيئاً من العمل فإنه يدخل في المنع، وعلى الإنسان أن يوفي بكل عقد إذا لم يكن محرماً.
من العقود أو من أوصاف العقود: أن يشترط على المشتري بأن السلعة فيها كل عيب، فهل هذا الشرط صحيح؟ نقول: فيه التفصيل: إذا كان البائع لا يعلم العيوب التي فيها فلا بأس أن يشترط شرطاً عاماً فيقول: أنا بريء من كل عيب فيها، أما إذا كان يعلم بأن فيها العيب الفلاني فإنه يجب عليه أن يبين وإلا كان غاشاً، وقد بلغنا أن معارض السيارات إذا باعوا سيارة على الميكرفون كما يقولون: فإنهم يقولون: للمشتري فيها كل عيب، لا تشتري إلا إطار العجلات، لا تشتري إلا المفتاح، وما أشبه ذلك من الأشياء التي يوهمون فيها المشتري ويغرونه.
فالمهم خلاصة هذه المسألة: أن البائع إذا كان يعلم العيب فإنه يجب عليه أن يبينه نصاً بعينه، وإذا كان لا يعلمه فلا بأس أن يبرأ على سبيل العموم.
وهذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } من أجمع الآيات، ولهذا تأتي هذه الآية على جميع أبواب المعاملات من البيوع والإيجارات والرهون وغيرها، وكذلك أيضاً تأتي على جميع الشروط التي تشترط في عقود الأنكحة والأوقاف وغيرها، فهي من أجمع الآيات: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } .


الأسئلة


جواز الزواج بدون إذن الأم لمن احتاج إليه


السؤال
أنا شاب بحاجة إلى الزواج، والدتي رفضت ذلك، وعذرها أننا لم نزل في بيت مستأجر، وأنه ما زال علينا بعض الديون، فهل يجوز لي أن أخالف رضاها وأجعل أحداً يخطب لي لأنها قد رفضت أن تخطب لي، أرجو النصيحة لي ولها؟ وماذا يفعل الشخص الذي كحالي وأنا موظف أستطيع -إن شاء الله- أن أجمع مهراً أو آخذ من يمين أو شمال، جزاكم الله عني خير الجزاء؟

الجواب
أولاً نصيحة موجهة للوالدة: لا يجوز لأي والدة أن تحول بين الولد وبين الزواج بعلل تافهة لا تمنع، والواجب عليها أن تنصح لابنها كما تنصح لنفسها، وأن تعينه على طاعة الله وعلى ما ينفعه، ولا شك أن النكاح من طاعة الله وأنه مما ينفعه، ولا يضره إذا تزوج بل لا يزيدها إلا خيراً، لأنه قد يتزوج امرأة صالحة تخدمه وتخدم والدته، كما يقع ذلك كثيراً ولله الحمد.
أما بالنسبة له فإني أقول: لا حرج عليك أن تتزوج ولو كرهت أمك؛ لأن هذا مصلحة لك ودفع مضرة عنك، وهو لا يضر الأم شيئاً، فأنت ابحث الآن عن امرأة تكون صالحة ثم تزوج، وفي ظني أن الأم إذا رأت الأمر الواقع فإنها تستسلم له.


زكاة الغنم


السؤال
هل على هذه الأعداد من الغنم زكاة أم لا، (104) من الخرفان منها ما لا يبلغ ستة أشهر.
وجزاكم الله خيراً؟

الجواب
هذا العدد من الغنم فيه الزكاة إن كانت سائمة؛ لأن أدنى نصاب الغنم أربعون شاة، متى كان عند الإنسان أربعون شاة وجبت فيها الزكاة، لكن يشترط أن تكون للنماء والدر والتنمية، وأن تكون سائمة: وهي التي ترعى أكثر الحول، فأما التي للتجارة كالذي يكون مع الشريطية يشترون الشاة صباحاً ويبيعونها مساءً فهذا فيه الزكاة ولو كان أقل من ذلك بكثير ربما تكون شاة واحدة فيها زكاة لأن عروض التجارة معتبر فيها القيمة فمتى بلغت قيمتها نصاباً وجبت الزكاة، وأيضاً إذا كانت للتجارة لا يشترط أن تكون سائمة بل تجب فيها الزكاة ولو كانت معلوفة لأن عروض التجارة بمنزلة سلعة التاجر في الدكان، والتاجر في الدكان يحتاج إلى أجرة الدكان وتنظيف المحل وغير ذلك مما هو معروف.
والحاصل أن هذه الغنم إذا كانت للتنمية والنسل فإنه يشترط أن تكون سائمة: وهي التي ترعى أكثر الحول، أما إذا كانت للتجارة فإن الزكاة واجبة فيها وإن كانت معلوفة.


وصف الاستحاضة وحكمها في الصلاة والصيام


السؤال
أنا فتاة أتتني الدورة في (18/ شعبان) ثم استمرت ثمانية أيام، وهي الأيام التي اعتدتها ولم أشاهد طهراً ولكني اغتسلت، ثم استمر الدم معي حتى هذا اليوم، إلا أنه توقف يوماً واحداً ثم عاد في النزول، مع العلم أنه يتأخر عني الحيض من أربعة إلى خمسة أشهر، كذلك أنا الآن أصوم وأصلي مع وجود هذا الدم.
ما حكم صلاتي وصيامي، وما هو توجيهكم؟

الجواب
الأصل في الدم الذي يصيب المرأة أنه دم حيض هذا الأصل، لكن إذا وجد سبب يثير الدم وخرج الدم من العروق فليس بحيض لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: ( إنما ذلك دم عرق ).
والاستحاضة أن تستمر المرأة أكثر المدة يعني: بأن ترى الدم خمسة عشر يوماً أو أكثر فهذه مستحاضة، والمستحاضة ترجع أولاً إلى عادتها فإذا كانت عادتها من أول الشهر ستة أيام فإنها تجلس من أول الشهر ستة أيام وتغتسل وتصلي، وإذا لم يكن لها عادة بأن كان من أول ما جاءها الحيض استمر معها فإنها تعمل بالتمييز؛ تنظر الدم إذا كان أسود فهو حيض، إذا كان منتناً فهو حيض -يعني: له روائح كريهة- إذا كان غليظاً فهو حيض، وإذا كان بالعكس كان رقيقاً وأحمر ولا رائحة له فهذه استحاضة، هذه علامة، وذكر بعض الناس المتأخرين أن من العلامات: أن دم الحيض لا يتجمد ودم غير الحيض يتجمد وعلل ذلك: بأن دم الحيض يخرج من أقصى الرحم بعد أن كان متجمداً يتشقق ثم يخرج، وأما غيره فالأمر بالعكس، فهذه من العلامات البينة إذا جربت وصارت على ما سمعنا.
وإذا كان من (18/ شعبان) معناه: أنها أخذت اثنا عشر يوماً من شعبان واثنا عشر يوماً من رمضان أي: أربعة وعشرين يوماً، إذاً الآن تغتسل وتصلي وتصوم، وما فات من أيام الصلاة إن قضتها فهو أحسن وإلا فليس عليها شيء.


الضابط في إعطاء الزكاة لمن لا يكفيه راتبه


السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الناس يقول: أخذ بعض الناس من قولكم إذا كان رجلاً كريماً يوسع على نفسه، ولم يكفه الراتب في المأكل فيجوز له الزكاة؟

الجواب
أما الإنفاق فإن الإنسان الذي ينفق نفقة الأغنياء وهو فقير يعتبر سفيهاً ويعتبر مسرفاً ولا يعطى من الزكاة، أما إذا كان ينفق نفقة الفقير أو نفقة مثله ولكن لا يكفيه الراتب فهذا يعطى من الزكاة وإلا لو أطلقنا للإنسان عنان ما يشتهي من المآكل والمشارب لكان لا يكفيه الشيء ولو كان كثيراً، فهذا ينظر كل إنسان بقدر حاجته.


معنى انصراف الإمام من الصلاة، وأجر قيام ليلة


السؤال
فضيلة الشيخ: والله! إني أحبك في الله، ما المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: ( حتى ينصرف ) في الحديث الذي رواه أهل السنن في قوله عليه الصلاة والسلام: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ولو كان نائماً في فراشه ) هل هذا الانصراف من الصلاة أم قيام الإمام من المحراب؟

الجواب
أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أحبابه وأوليائه وحزبه.
أما المسألة الأولى وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ( حتى ينصرف ) فالمراد ينصرف من الصلاة وليس المراد أن ينصرف يقوم ويخرج بل ينصرف من الصلاة، ولهذا قال العلماء: إن الإمام إذا سلم سواء في التراويح أو غيرها لا يطيل القيام مستقبل القبلة بل إذا قال: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ينصرف لئلا يحبس الناس، والناس ما دام الإمام لم ينصرف إلى اتجاههم فإنهم مأمورون بالبقاء، لكن لا يحبس الناس يبقى بقدر ما يقول: أستغفر الله ثلاث مرات، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف، هذا المراد.
وأما قوله: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( كتب له قيام ليلة ولو كان نائماً على فراشه ) فإن قوله: ( ولو كان نائماً على فراشه ) إدراج، يعني: ليست من أصل الحديث، إنما المعنى صحيح؛ فإن الصحابة لما قام بهم النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: ( يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: لو زدت- قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ).
وأحب أن أنبه أن بعض الناس ظن أن الرجل إذا تابع الإمام في الوتر ثم قام بعد سلامه وأتى بركعة ليكون الوتر شفعاً ظن أن هذا يخالف قوله: ( حتى ينصرف ) ونحن نقول: هذا غلط، قوله: ( حتى ينصرف ) فإذا سلم الإمام وأتيت بعده بركعة فإنك قد بقيت حتى انصرف، فالانصراف هو الحد الأعلى ولم يقل عليه الصلاة والسلام: وانصرف مع انصرافه، حتى نقول: إنك إذا شفعت لقد خالفت الحديث، بل قال: ( من قام حتى ينصرف ) ومن بقي مع الإمام حتى سلم ثم جاء بعده بركعة فقد بقي معه حتى ينصرف ولا شك في ذلك.


الفرق بين الفقير والمسكين


السؤال
ما الفرق بين الفقير والمسكين؟

الجواب
الفقير والمسكين إذا ذكر أحدهما مفرداً فهما بمعنىً واحد، وإن ذكرا جميعاً فالفقير أشد حاجة.
قال العلماء: الفقير في آية الصدقات من يجد أقل من نصف الكفاية، والمسكين من يجد النصف فما فوق لكن لا يجد الكفاية التامة، ويتضح الحال بالمثال: رجل راتبه ألفان ونفقته ثلاثة آلاف فقير أو مسكين؟ هذا مسكين؛ لأنه يجد أكثر من النصف، الراتب ألفان والنفقة ثلاثة.
إذاً: هو مسكين.
رجل راتبه ألف ونفقته ثلاثة آلاف هذا فقير.
رجل نفقته ألف وليس له راتب؟ فقير، وهذا أشد.
أما إذا ذكرا جميعاً فكل واحد لوحده.


حكم إنفاق الزكاة في الكماليات


السؤال
إنسان عليه دين فأخذ زكاة من زوجته ليسدد بها دينه ولكنه وضعها في جيبه ثم أنفقها على نفسه وعلى زوجته في أشياء غير ضرورية وذلك في العام الماضي، فهل الزكاة عن زوجته مجزئة في هذه الحال؟ وإن كان لا فماذا يجب الآن؟

الجواب
أما الزكاة فهي مجزئة؛ لأنها وضعت في موضعها، وأما تصرف الزوج فهو خطأ؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتمتع بالكمال وهو عليه دين، صرح بعض العلماء: بأن الذي عليه دين لا يجوز أن يتصدق، مع أن الصدقة تقرب إلى الله قالوا: لأن قضاء الدين واجب والصدقة مستحبة.


وجوب الإنفاق على الجدة


السؤال
ما حكم دفع الزكاة للجدة وهي محتاجة إلى ذلك؟ وما حكم دفع الزكاة إلى أخي وعليه أقساط سيارة وهو محتاج للسيارة للذهاب والإياب بها إلى الجامعة وليس له دخل يستطيع دفع هذه الأقساط؟

الجواب
أما دفع الزكاة للأخ فلا بأس لأنه قضاء دين، وأما دفع الزكاة للجدة فإنه لا يجوز لأن الجدة يجب عليك أن تنفق عليها، اللهم إلا إذا لم يكن في مالك سعة تستطيع الإنفاق عليها فلك أن تعطيها من الزكاة، أما إذا كان في مالك سعة فالواجب عليك أن تنفق عليها من مالك الخاص.


حكم كشف المرأة وجهها أثناء الصلاة


السؤال
فضيلة الشيخ: هل الأفضل للمرأة أن تصلي كاشفة وجهها أم متغطية إذا لم يكن لديها رجال أجانب؟ وهل الغطاء حائل مكروه أثناء السجود؟

الجواب
الأصل للمرأة في حال صلاتها أن تكشف وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير المحارم؛ لأن ذلك أحسن للصلاة وأمكن من مباشرة أعضاء السجود للأرض، ثم إنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يغطي الرجل فاه يعني: في حال الصلاة؛ لأن هذا يكتم النفس ويذهب انشراح الصدر.
فالمرأة إذا كان ليس عندها رجال أجانب من غير المحارم نقول لها الأفضل تكشف الوجه، أما إذا كان عندها رجال أجانب فالواجب عليها أن تغطيه، وفي حال السجود الأفضل أن تباشر الجبهة محل السجود، وعلى هذا فإذا أرادت أن تسجد ولو كان حولها رجال كشفت عن وجهها وباشرت الأرض بوجهها.


معنى الجمع في السفر، ومتى يكون


السؤال
من المعلوم بأن جمع المسافر يكون إما جمع تقديم أو جمع تأخير، سؤالي هنا: ما هو حكم الجمع في وسط الوقتين؟ وهل يجوز لمن أراد السفر أن يجمع جمع تقديم في بلده فهو أيسر له خاصة النساء؟

الجواب
أقول: الجمع ليس معناه أن تكون الصلاتان بين الوقتين، الجمع معناه الضم، أن تضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى إما الثانية للأولى إذا كان جمع تقديم، أو الأولى إلى الثانية إذا كان جمع تأخير، سواء في أول وقت الأولى أو في آخر وقت الثانية أو في الوسط، كلها على حد سواء، لكن افعل ما هو أرفق بك إن كان أرفق جمع التقديم فقدم وإن كان أرفق جمع التأخير فأخر.
وأما جمع المسافر قبل أن يغادر بلده فإنه لا يجوز إلا إذا كان يخشى المشقة مثل أن تكون رحلته في الطائرة ويخشى أن يشق عليه تأخير العصر، أو امرأة كما جاء في السؤال يشق عليها أن تتوضأ في السفر فحينئذ لها أن تجمع جمع تقديم.


زكاة أموال الأسهم في الشركات
السائل: هل يزكى المال الذي تمت المساهمة به في شراء مستشفىً وتشغيله، أم تزكى أرباحه فقط؟ وما حكم تزكية الأسهم في شركات الاستثمار حيث إن السهم قد يكون في بناء أو سيارة أو غيرها؟

الجواب
يجب أن نعلم أن الزكاة في الشركات والمساهمات إنما تجب في النقود فقط، أما الأعيان فلا تجب ما لم يكن يولج بها التجارة، فإن كان يولج بها التجارة فهي من عروض التجارة، أما إذا كان يريد التنمية في ذلك فإن أعيان المساهمات لا تجب فيها الزكاة.


أضرار الخادمات، وحكم وقوف الأبناء في وجه الآباء بسبب ذلك


السؤال
ما حكم من كان عنده خادمة في بيته غير مسلمة فماذا يفعل بها؟ وحول هذا في مسألة الخادمة هناك سؤال مقارب يقول: كثيراً ما يحصل بين والدي ووالدتي خلاف يصل إلى درجة الإهانة كأن يضربها أمامنا ونحن صغار ووالدتي صابرة على هذا، وحدث أن رأت والدتي ووالدي وهو يراود الخادمة عن نفسها، وتبع ذلك أنها ازدادت كرهاً لوالدي وصارت لا تطيقه في البيت، علماً بأن والدي يبلغ من العمر خمس وسبعون سنة، هل على والدتي إثم في أنها تقدم له الخدمة على أكمل وجه ولكنها لا تحدثه إطلاقاً واستمرت على هذه الحال أكثر من ثلاثة شهور، علماً بأنه مسامح لوالدتي على هذا، وهل ينطبق عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في غضب الزوج على زوجته، وأحياناً أقف في وجه أبي في حالة أفقد فيها شعوري خصوصاً عندما أرى والدتي تبكي أو تتشاجر معه فهل يلحقني إثم كبير في ذلك.
أرجو منكم النصيحة والتوجيه في هذا؟

الجواب
هذا يا إخوان! من أكبر الزواجر عن جلب الخدم، رجل له خمسة وسبعون سنة يعني: ليس شاباً فيزني بهذه الخادمة والعياذ بالله وهو داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان -الأشيمط يعني: الشائب- وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه ).
وهذه المسألة التي ذكرها السائل ليست بعيدة لأنه يرد علينا أسئلة مثلها أو أشد والعياذ بالله، ونحن نحذر دائماً من استجلاب الخدم، وقد اتصلت بي امرأة مرة من المرات وقالت: إنها محتاجة إلى خادم، وأنها ترى بأن يأتي زوجها بخادم ولكن الزوج يأبى، فأشرت عليها بمشورة طيبة فقلت: أنا أرى أن يتزوج امرأة ثانية، ولكنها غضبت وضربت بالتلفون.
ولا شك أن هذا خطأ منها بلا شك؛ لأن الزوجة الثانية يأتيها الزوج بالحلال وربما يهديها الله للكبيرة الأولى وتكون لها منزلة البنت تخدمها وتقوم بمصالحها، وإذا ضاقت بالثانية مثلاً نقول: أشيري عليه بثالثة لأن الغالب أنه إذا تزوج الثالثة هانت على النساء كما هو مشاهد؛ لأن الأولى إذا غارت من الثانية وجاءت الثالثة جديدة صارت ضد الثانية فهانت على الأولى والثانية الوسطى لا يهمها الثالثة لأنها كانت بالأول عندها امرأة ثانية يعني: الأمر قد هان عليها.
على كل حال أقول: الإتيان بالخدم مضرتها شديدة، وأن من جملة الأسباب التي تهون مسألتها أن يتزوج الرجال امرأة ثانية يستفيدون السلامة من هؤلاء الخدم ويستفيدون أيضاً أن هؤلاء النساء العوانس اللاتي في البيوت يكون لهن أزواج يحصنون فروجهن، ونستفيد فائدة ثالثة وهي تكثير النسل في الأمة الإسلامية والذي كان عليه الصلاة والسلام يحث عليه يقول: ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء ) لهذا أنا أنصح لإخواننا الذين لهم قدرة وتحتاج بيوتهم إلى نساء أنصحهم بالزواج، وأنصح النساء أن يتحملن ذلك وأن يتذكرن أمهات المؤمنين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات عن تسع، وأن هذا أمر ليس فيه شيء يتعب أو يخجل فلتحتسب المرأة الأولى ولتصبر ولتكن عوناً لزوجها على حل هذه المشكلة.
أما بالنسبة للشخص فأنا أشكره على هذا العمل الطيب وأقول: حاول أن تخرج هذه الخادمة في أسرع وقت ممكن؛ لأن بقاءها في البيت ثغر لا شك.
وأما كونه يقف في وجهه غضباً لله، والمطلوب يا شباب غضباً لله هذا طيب لكنه ينبغي أن يلاطفه في الكلام كما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يلاطف أباه وهو ينهاه عن الشرك يقول: { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } [مريم:42-43] ولم يقل: يا أبت إنك جاهل، قال: { جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } [مريم:43-45] كل هذه: (يا أبت) كلها تلطف مع أبيه وهو مشرك كافر ولكن كان أبوه عنيفاً ماذا قال؟ { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ } [مريم:46] هذا استفهام استنكار، { أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ هذا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً } [مريم:46] نسأل الله العافية.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق، وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، وأن يحمينا وإياكم مما يكرهه إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


جلسات رمضانية لعام 1412هـ [4]
أتى الشيخ رحمه الله في هذه الجلسة بمعانٍ لكلمات مهمة تقال ولا يفهم معانيها عند بعض العامة رغم كثرة تردادها، فذكر معاني الكلمات في سورة الفاتحة، وكذا التشهد وما بعده من الدعاء، وبعض كلمات القنوت.
وأجاب في أسئلته عن بعض الأحكام المتعلقة بالصيام والاعتكاف.


أهمية تدبر النصوص وفهم معانيها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع في شهر رمضان عام (1412هـ) في الجامع الكبير في مدينة عنيزة ، وهو اللقاء الأخير في هذا الشهر، نسأل الله تعالى أن يجعل ما مر علينا من هذه اللقاءات خير وبركة.
إن لقاءنا هذا سيكون موضوعه أمراً غريباً، وذلك أن أكثر المسلمين يقولون ما لا يفقهون، بل إن كثيراً منهم قد أكون بالغت إذا قلت أكثر، ولكن كثيراً منهم يقولون ما لا يفقهون، وأضرب لكم مثلاً في أمر يتكرر علينا في اليوم أكثر من سبعة عشرة مرة، ففي الفاتحة مثلاً التي هم أم القرآن والسبع المثاني والتي فرض الله على عباده أن يقرءوها في كل ركعة من صلواتهم الفريضة والنافلة والتي جمعت جميع معاني القرآن، هذه الصورة لو أننا ناقشنا واحداً من الناس: ما معنى هذه السورة؟ ما معنى آياتها؟ ما الذي تشتمل عليه؟ ما الذي تشير إليه؟ لوجدته خلواً من ذلك، لا يفهم ولا يفقه، ولكنه يقرأ ألفاظ وآيات امتثالاً لأمر الله ورسوله، وهذا حسن لا شك، لكن ليس هذا هو المقصود.
كذلك أيضاً نحن نقرأ التشهد في كل صلاة إما مرة أو مرتين فهل نحن نعرف معاني ألفاظ التشهد؟ كثير من الناس لا يعرفون، إذاً كيف يدعون؟! كيف يثنون على الله بشيء لا يعرفونه؟!! هذا غريب.
كذلك أيضاً: نحن نسبح الله في الركوع وفي السجود، ولكن هل نحن نعرف معنى: سبحان ربي العظيم، معنى: سبحان ربي الأعلى؟ كثير من الناس لا يعرف.
نحن ندعو الآن في القنوت وتأمنون على الدعاء، لكن هل كل جملة معروفة لديكم؟ قد تكون بعض الكلمات غير معروفة لديكم، واضرب لهذا مثلا: (أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا) ما معناه؟ قد يقول قائل: كيف أدعو بهذا الدعاء (أصلح لنا ديننا) أليس الدين صالحاً؟ كيف نسأل الله أن يصلح لنا ما هو صالح؟ يفهم بعض الناس المعنى على هذا الوجه فيبقى حيران، وهو مع ذلك إذا قال إمامه: أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ماذا يقول؟ يقول: آمين، والإشكال في نفسه.
إذاً هذه مشكلة -يا إخوان- ينبغي لنا إن لم أقل: يجب علينا أن نفهم معاني ما نقول، إذا كان الإنسان لو درس كتاباً في النحو أو البلاغة أو الفقه أو الحساب أو الطب أو الكيمياء أو الجغرافيا لابد أن يفهم معناه، فما بالنا لا نفهم معنى كلام الله عز وجل، ما بالنا لا نفهم معنى ما نثني به على ربنا عز وجل.
لابد أن نفهم، لابد أن نفهم.
ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: [ كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقَلَّ فقهاؤكم؟ ] القراء هم الذين يتلون لفظاً، والفقهاء هم الذين يعرفون المعنى ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ).
إذاً لابد أن نعرف، لابد أن نفقه، ولا حرج على الإنسان الذي لا يفهم أن يأخذ بيد طالب علم ويقول: جزاك الله خيراً ما معنى هذه الآية، ما معنى هذا الحديث، ما معنى هذا الدعاء، وإذا قال هكذا يكون طالب العلم ممنوناً بذلك، إذا علم أن صاحبه سأله مسترشداً فإنه سيفرح .


بعض معاني سورة الفاتحة
لعلنا الآن نتعرض لبعض المعاني في سورة الفاتحة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة:2] معنى الحمد: المدح المقرون بالمحبة التامة والتعظيم التام، وهذا هو الفرق بين المدح وبين الحمد، المدح قد يكون مع البغضاء ومع الاستهانة، لكن الحمد لا يكون أبداً إلا مع المحبة والتعظيم، قد يمدح الإنسان شخصاً وهو يبغضه لكن يمدحه خوفاً من شره أو رجاءً لما عنده، لكن الحمد مصحوب بالمحبة والتعظيم.
وما معنى: { رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة:2] أي: الخالق للعالم، المالك المدبر.
وما صلة: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة:3]بـ { رَبِّ الْعَالَمِينَ } لأنها جاءت بعدها: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } صلتها: أن ربوبية الله عز وجل للعالمين ربوبية مبنية على الرحمة، فهو رب وفي نفس الوقت رحيم.
ثم ما صلة: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة:4] بما قبلها، نحن إذا قرأنا: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة:2-3] فإننا نتصور ونتخيل الدنيا، فجاء ذكر الآخرة بعد ذلك: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } لينتقل الإنسان من حال الدنيا إلى حال الآخرة ويكون متعظاً.
ثم بعد هذا الثناء على الله والتعظيم لله، يأتي دور العبادة، { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } [الفاتحة:5] ثم هل العبادة يقوم بها الإنسان بلا معونة الله؟

الجواب
لا.
فيأتي بعد ذكر العبادة الاستعانة: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5].
ثم بعد إخلاص العبادة لله والاستعانة به يأتي دور الدعاء: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } [الفاتحة:6-7].
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ } لم يقل (إلى) ولا (في) ما قال: اهدنا فيه، ولا اهدنا إليه، من أجل أن تشمل الهداية هداية الدلالة وهداية التوفيق، الإنسان بالنسبة للصراط المستقيم قد يكون بعيداً منحرفاً يميناً أو يساراً يحتاج هنا إلى ماذا؟ إلى هداية إليه أم هدايه فيه؟ إنسان بعيد عن الصراط المستقيم منحرف يمين أو يسار، يحتاج إلى هداية إليه أول يدله، نقربه إلى الصراط المستقيم، ثم بعد ذلك إذا دخل الصراط المستقيم يحتاج إلى هداية فيه، ولهذا قال: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ } [الفاتحة:6] ولم يقل: إلى الصراط، ليشمل الهداية التي هي الدلالة، والهداية التي هو التوفيق والثبات على الدين.
وصراط من؟ صراط الذين أنعم الله عليهم، ووصف الصراط أولاً بأنه مستقيم ثم أثنى على سالكيه: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } [الفاتحة:7].
الناس ثلاثة أقسام: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون.
وتأمل البلاغة العظيمة قال: { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ولم يقل: المنعم عليهم.
والأمة الغضبية ماذا قال؟ { الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } ولم يقل: الذين غضبت عليهم، لأن هذه الأمة الغضبية مغضوب عليها من قبل الله ومن قبل أولياء الله.
والضال ضد المهتدي، فالناس ثلاثة أقسام: - القسم الأول: عالم بالحق وعامل به: هذا منعم عليه، فكأن الذي يقول: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } كأنه يسأل الله العلم والعمل.
- القسم الثاني: عالم بالحق مستكبر عنه وهذا مغضوب عليهم.
- الثالث: جاهل بالحق وهذا ضال.
المغضوب عليهم اليهود، والمغضوب عليهم النصارى بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، النصارى قبل بعثة الرسول ضالون، لكن بعد بعثة الرسول وعلمهم بالحق صاروا من قسم المغضوب عليهم، لاحظوا أنكم تجدون في كثير من كتب المفسرين أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، هذا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن اليهود جاءهم عيسى بالحق واستكبروا، فعلموا الحق واستكبروا عنه، النصارى ما جاءهم بعد عيسى رسول لكن تاهوا.
بعد مجيء محمد صار النصارى مثل اليهود بعد مجيء عيسى، يعني: قامت عليهم الحجة، فهم مغضوب عليهم ملعونون، كما لعن اليهود وغضب عليهم، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( لعنة الله على اليهود والنصارى ) ومع الأسف أنه يوجد الآن بيننا وفي بيوتنا خدم ومربيات كما يزعمون من أمة غضب الله عليها ولعنها والعياذ بالله! وإني لأعجب كيف تتردى أحوال المسلمين إلى هذه الحال، يربون أعداءهم بالمال وبالحفاوة، إلى حد أن وصل ضعف الدين ونقص العقل فصار الواحد يقول: إخواننا اليهود والنصارى -نعوذ بالله- إذا رأيت أن يكونوا إخوانك فأنت مثلهم.
يقول: أصحاب الأديان الثلاثة السماوية، دين اليهود والنصارى هل هو قائم الآن؟ لا منسوخ.
والذي نسخه هو الذي شرعه، رضيه لعباده ديناً في وقته وبعد مجيء الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرضى إلا الإسلام، { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران:85] إذاً هي ليست ديانة قائمة الآن، لا قائم من هذه الأديان الثلاثة إلا دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) المراد بالصلاة هنا الفاتحة، لكن لعظمها في الصلاة وكون الصلاة لا تصح إلا بها، أطلق عليها الصلاة، كأن الفاتحة هي الصلاة كلها.
( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) الحمد لله.
نعمة، والله! ليتنا نستحضر هذا المعنى، ليتنا نستحضر هذا المعنى ونحن نصلي، يكون للقراءة طعم ولذة وذوق، لا ننساه أبداً، لكن نسأل الله أن يعفو عنا، نقرأ تلاوة على اللسان ولا نستحضر هذه المعاني العظيمة .


بعض معاني التشهد في الصلاة


معنى كلمة: (التحيات لله)
أما التحيات، فما معنى (التحيات لله) ما هي التحيات؟ أصل التحية: كل لفظ دل على الإكرام، إذاً: كل لفظ للتعظيم والإكرام مستحق لله عز وجل، لا أحد يستحق أن يعظم غاية التعظيم إلا الله عز وجل، إذاً: جميع التعظيمات لله، (الصلوات لله) أي: لا يصلى إلا لله، ولهذا من صلى لغير الله فهو كافر.


معنى كلمة: (الطيبات)
(الطيبات) أي طيبات؟ الطيبات ذات شقين: طيبات في وصف لله، وطيبات وصف للفاعل غير الله، (الطيبات لله) الطيبات باعتبار كونها وصفاً لله أنه عز وجل طيب الذات والصفات والأفعال، سبحانه وتعالى.
وما معنى طيب الذات، والصفات، والأفعال باعتبارها كفعل للإنسان؟ الطيب ما وافق الشرع، والرديء ما خالف الشرع، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ) جاء في الحديث كلا الأمرين: طيب الذات والصفات والأفعال، لا يقبل إلا طيباً هذا فعل المخلوق، المخلوق قد يكون فعله طيباً وقد يكون خبيثاً.
قال الله تعالى: { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } [النور:26] فقسم الناس إلى طيب وخبيث، كل شيء ينقسم إلى طيب وخبيث { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } [البقرة:267] كل شيء طيب وخبيث، النكاح في العقد الشرعي طيب، واللواط خبيث، { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } [الأنبياء:74].
إذاً الطيبات في قوله: الطيبات، الطيبات من أين؟ من الأفعال وغيرها.
نقول تنقسم إلى قسمين: باعتبار إضافتها إلى الله ماذا تكون؟ طيب الذات والصفات والأفعال، وباعتبار فعل المخلوق، ما وافق الشرع فهو طيب، وما خالفه فليس بطيب.


معنى: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)
ما معنى (السلام عليك)؟ السلام من أسماء الله كما قال تعالى في سورة الحشر { السَّلامُ الْمُؤْمِنُ } [الحشر:23] لكن هل معنى (السلام عليك) يعني: الله عليك؟ لا، وإن كان بعض العلماء غفر الله لهم قال: إن المعنى اسم السلام عليك، لكن هذا غير صحيح، بل السلام هنا بمعنى التسليم، أي: سؤال السلامة.
فإذا قلت: (السلام عليك أيها النبي) يعني: أسأل الله لك السلامة.
وهنا إشكال قد يتعلق به الخرافيون، أو يتعلق به المشركون، يقول: السلام عليك، كيف تخاطب الرسول؟ إذاً معناه أن الرسول حاضر، (عليك )لأن الكاف للخطاب، ولا يخاطب إلا الحاضر، لو واحد يخاطب غائب قلت: هذا مجنون، لو كان لك ولد في بلد آخر فقلت يا فلان! اسمع قم للسحر قبل الفجر بنصف ساعة وكل واشرب وتهيأ حتى يطلع الفجر أمسك، تخاطبه وهو في بلد آخر ماذا يقول الناس؟ يقولوا: هذا مجنون، اربطوا هذا ابن الناس، لكن هنا يقول: (السلام عليك أيها النبي) مشكلة! جاء في حديث رواه البخاري عن ابن مسعود : ( أنهم كانوا يقولون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم (السلام عليك) وبعد مماته يقولون: السلام على النبي دون عليك ) ولكن هذا لا يزيل الإشكال، لماذا؟ لأن الصحابة الذين مع الرسول في نفس المسجد يقولون: عليك وهو لا يسمع، فما بالك الذي في العوالي في أقصى المدينة والذي في مكة وفي بلاد أخرى، فالكاف هنا ليست للخطاب المعهود الذي يكون مع الحاضر، لكن يقول شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه القيم الذي نشير به على كل طالب علم وهو ما يعرف بكتاب إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، يقول: إن الإنسان إذا قال السلام عليك، لقوة استحضاره للنبي عليه الصلاة والسلام الذي يدعو له بالسلامة كأنما يخاطبه، وإلا فلا خطاب، ولهذا كان قول ابن مسعود معارضاً بقول من هو أفقه منه وأعلم منه وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه صح في موطأ الإمام مالك : أن عمر خطب الناس على المنبر، يعلمهم التشهد بلفظ: (السلام عليك أيها النبي) في خلافته، السلام عليك أيها النبي، و عمر أفقه من ابن مسعود ، و عمر قاله بمحضر الصحابة ولم ينكره أحد، و عمر قاله على المنبر علناً ليكون هذا من جنس الشعيرة التي تعلن، ولهذا ذهب بعض المعاصرين إلى أن الناس يقولون السلام على النبي إتباعاً لحديث ابن مسعود وكأنه لم يبلغه الحديث الذي ثبت في موطأ مالك رحمه الله باللفظ الذي ذكرته لكم، على المنبر وبحضرة الناس، ولم ينكروا.
(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) نقول في السلام علينا مثل ما قلنا في السلام عليك، إن المعنى: الدعاء بالتسليم والسلام، ولكن الضمير يعود على من؟ علينا إن كنا في جماعة في المسجد، علينا نحن الجمع، وإلا فالمراد علينا نحن معشر أمة محمد.
وأما (وعلى عباد الله الصالحين) فقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قلتم ذلك: فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض ) نسلم على إبراهيم في هذا وعلى موسى وعيسى والأنبياء والملائكة كلها، نسلم عليهم، وفي تقديم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسنا دليل على أنه يجب أن نقدم الرسول عليه الصلاة والسلام على النفس، وهو كذلك، حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا أعظم من حق أنفسنا على أنفسنا، ولهذا يجب فداؤه بالنفس والمال وتقديم هديه على هدي كل أحد.


معنى: (الشهادتين والاستعاذة من عذاب القبر والنار)
(أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله): أي: أقر وأعترف اعترافاً يقينياً كأنما أشاهده رأي العين، ولهذا جاءت بلفظ (أشهد).
ومعنى: (أن لا إله إلا الله): أي: لا معبود حق إلا الله.
(وأن محمداً عبده ورسوله): يعني: أنه عبد لا يعبد، بل هو مرهوب، ورسول لا يكذب صلوات الله وسلامه عليه.
ثم تدعو الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى وآله، والتبريك عليه وعلى آله، ثم تقول: (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنية المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نستعيذ بالله في التشهد الأخير من هذه الأربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال.
عذاب جهنم هو عذاب النار.
وعذاب القبر: هو ما يكون في قبر الإنسان إذا مات، وسواء دفن أم لم يدفن؛ لأن القبر يعبر به عن الحفرة التي يدفن بها الإنسان ويعبر به عن البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، وأيهما المراد؟ البرزخ حتى وإن لم يذكر، لو فرض أن إنساناً مات في البر وأكلته السباع، أو ألقي البحر فهو قبر.


معنى: (الاستعاذة من فتنة المحيا والممات)
(ومن فتنة المحيا والممات) فتنة المحيا، الإنسان -يا إخواني- ما دام حياً فالفتنة قد تدركه نسأل الله العافية، قد يفتن إما بشبهة وإما بشهوة، ولست أريد بالشهوة شهوة الجنس، الشهوة الهوى، يعني: قد يبتلى الإنسان بشبهه يلتبس عليه الحق فيضل، أو بهوى فيضل أيضاً، ولا تقل إني عالم لا يمكن أن أضل، قد لا تضل علماً ولكن تضل عملاً، ولهذا نقول: إن فتنة الدنيا إما في الجهل وإما في الهوى، إما شبهة تعتري الإنسان فيلتبس عليه الحق، وإلا شهوة سيئة يعني إرادة سيئة -نسأل الله العافية- يُفتن، ولهذا جاء في الدعاء المأثور ( اللهم أرنا الحق حقاً ) هذا العلم، ( وارزقنا اتباعه ) العمل.
فتنة الممات: لها معنيان: المعنى الأول: فتنة الإنسان في قبره، لأن كل إنسان ميت يفتن في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، أسأل الله أن يثبتني وإياكم بالقول الثابت، وفتنة الممات الفتنة التي تكون عند الموت، وإنما نص عليها مع أنها في حال الحياة لعظمها، لأن أشد ما يكون الشيطان حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة نسأل الله أن ينجينا وإياكم منه، وأشد ما يكون الإنسان ضعفاً في تلك اللحظة قد ضاقت عليه الأرض وضاقت عليه النفس، ووصلت الحلقوم فهو في أمر لا نتصوره، لا يتصوره إلا من وقع فيه، والشيطان في هذه الحال يحرص غاية الحرص على إغواء بني آدم، حتى إنه ورد في بعض الآثار أن الشيطان يتمثل بأب الإنسان أمامه ويقول: يا بني! يا بني! يا بني! كن يهودياً تابعاً لموسى، فيكون يهودياً، يختم له بسوء الخاتمة، وكذلك يقول: كن نصرانياً تابعاً للمسيح، فيفعل نسأل الله أن يثبتنا وإياكم فالمسألة خطيرة.
وذكر في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة الذي نشهد الله على محبته هو وإخوانه من الأئمة، ذُكر أنه كان في سياق الموت يغمى عليه، فيقول: بعد، بعد، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله ! ما هذا الذي تقول: بعد، بعد؟ قال: إن الشيطان إمامي يعض أنامله يقول: فتني يا أحمد -ما شاء الله- ولكني أقول: بعد بعد، لماذا؟ لأن الإنسان ما دامت روحه في جسده لا تؤمن عليه الفتنة، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: [ من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ] وكم من أناس كانوا على الهدى المستقيم ثم ضلوا والعياذ بالله، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت.


معاني كلمات القنوت
نرجع إلى الجملة التي في القنوت بل جملتان أو أكثر.
(أصلح لنا ديننا) نقول: كيف أصلح لك دينك، ودينك صالح؟ ف

الجواب
أنه ليس المعنى أن يصلح الإسلام من حيث هو إسلام، أن يصلح دين الإسلام نفسه، هل أنت صالح في دينك؟ نعم قد يكون الإنسان صالحاً وقد يكون فاسداً، فمعنى: أصلح لنا ديننا يعني: اجعلنا صالحين في ديننا، ليس المعنى أصلح الدين الذي نحن عليه، لأن الدين الذي نحن عليه هو الإسلام هو صالح، لكن المعنى دين الإسلام نفسه هل هو صالح أو غير صالح؟ ثم اعلم -يا أخي- أن الدين ما يدين به الإنسان، قد يكون حقاً وقد يكون باطلاً، الشرك يسمى دين: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [الكافرون:1-2] .
إلى أن قال: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون:6].
إذاً: أصلح لي ديني الدين الذي أنا أعمل به، أصلحه يعني اجعلني صالحاً فيه، فالصلاح هنا يعود على الدين أم على عمل الإنسان؟ على عمل الإنسان، إذاً: لا إشكال في الموضوع.
يقول بعض الناس: والله نحن نؤمّن على قول القائل: (متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا واجعله الوارث منا) ما معنى: اجعله الوارث منا؟ أسألكم أنا -أنتم جمع ما شاء الله- ما معنى: واجعله الوارث منا؟ مداخلة: .
الشيخ: معناه: أن تبقى هذه الأسماع والأبصار والقوات إلى الممات حتى تكون وارثاً بعده.
إذاً: ينبغي لنا أن نعرف معاني ما نقول، وأن نفقه ما نتكلم به، حتى يكون ذلك نافعاً، أما أن أقرأ القرآن كأنما أقرأه للتبرك، أو أن أدعو بدعاء لا أدري ما هو، يعني ما هو صحيح، نحن ننكر على المطوفين الذين يطوفون عند الكعبة ويقول بعضهم: اللهم اغنني بجلالك عن جرامك، لخطأ في النسخة، جعل الحاء تحتها نقطة، وقد تكون هذه النقطة قيء ذباب، الله أعلم، وكذلك حرام، ويدعو رافعاً صوته: بجلالك عن جرامك، الله المستعان، لماذا؟ لأن هؤلاء الذين يطوف بهم لا يدرون ماذا يقولون، نحن مثلهم وإن كنا نقول نحن بأنفسنا بلا مطوف لكن إذا كنا لا نعرف المعنى لا فرق.
فالذي أدعو نفسي وإياكم إليه: أن نحرص أن نعرف معنى ما نقول، إما بمطالعة الكتب الموثوقة أو بسؤال أهل العلم، الحمد لله العلماء فيهم خير.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في دينه، والعمل بما يرضيه واجتناب معاصيه.


الأسئلة


حكم المريض الذي مات وعليه صوم


السؤال
فضيلة الشيخ: توفيت أمي أمس العصر وهي لم تصم سوى أول يوم من رمضان، ماذا علينا أن نعمل هل نصوم عنها أو نطعم، مع العلم أن عقلها كان معها، أفتونا مأجورين؟

الجواب
إذا كان هذا المرض الذي أصابها في اليوم الثاني من رمضان لا يرجى زواله فإن الواجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن كان مرضاً يرجى زواله ولكن عجزت عن الصوم فلا شيء عليها، لأن المريض مرضاً يرجى زواله الواجب عليه أن يصوم عدة من أيام أخر، فإذا مات قبل بلوغ هذه العدة سقط عنه الصوم كما لو مات الإنسان قبل دخول رمضان، فإنه لا يلزمه الصوم، أما إذا كان المرض لا يرجى برءه فإن العلماء يقولون: إن الواجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً.
بقي قسم ثالث الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) القسم الثالث هو أن يفطر الإنسان في رمضان بعذر من مرض أو سفر ثم يستطيع أن يقضيه بعد ذلك ولكن يتأخر ثم يموت، فهذا هو الذي ينطبق عليه الحديث: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) مثال ذلك: رجل سافر في رمضان أسبوعاً وأفطر هذا الأسبوع ثم عاد إلى وطنه، وبقي شهراً أو شهرين يقول: أنا أصوم متى تيسير لأنني أن أؤخر الصوم إلى شعبان، فمات قبل أن يصوم، نقول: هذا الرجل مات وعليه صيام فيصوم عنه وليه، يعني وارثه، يصوم الوارث إن شاءوا صاموا يوماً واحداً، يعني: لو قدرنا عليه أسبوع كم يوماً؟ سبعة أيام، وله أولاد سبعة وصاموا كلهم يوماً واحداً أجزأ.
فالأقسام ثلاثة الآن: من مرضه لا يرجى برءه، ما الواجب في حقه؟ أن يُطعم عنه، يطعم هو في حياته إن كان حياً أو بعد مماته عن كل يوم مسكيناً.
مريض مرضاً يرجى برءه ولكن استمر به حتى مات؟ لا شيء عليه.
مريض مرضاً يرجى برءه وعوفي من ذلك ولكنه أخر القضاء ثم مات قبل القضاء فهذا يصام عنه.
لكن إذا قالوا لا نريد الصوم عسانا نقضي الذي علينا؟ نقول: أطعموا عن كل يوم مسكيناً ولا يلزمكم الصيام لأنه لو لزمكم الصيام لأثمتم بتركه وقد قال الله تعالى: { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [الأنعام:164].


حكم من تهاون في قضاء الصوم حتى دخل عليه رمضان الآخر


السؤال
ما حكم من كان عليه أيام من رمضان العام الماضي وتهاون وتكاسل فلم يقضها حتى أتى رمضان هذا العام هل يجزئه فقط قضاء الأيام التي عليه من العام الماضي بعد رمضان هذا العام؟

الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أنه لا يجوز للإنسان أن يترك قضاء صوم رمضان الماضي إلى أن يأتي رمضان الحاضر بدون عذر، فإن فعل بغير عذر فعليه التوبة والاستغفار وعليه القضاء، واختلف العلماء: هل يجب عليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم؟ فمنهم من قال: يجب، ومنهم قال: لا يجب، والصحيح عدم الوجوب، وأنه يكفيه التوبة مع قضاء الصوم، لأن الله قال: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة:185] ولم يذكر إطعاماً، والإطعام يحتاج إلى دليل، وذلك لأن الأصل براءة الذمة وعدم الوجوب، فإذا لم يوجد دليل على وجوب الإطعام مع القضاء فإننا لا نوجبه على عباد الله.
فالصحيح من أقوال العلماء في هذه المسألة: أنه يكفيه الصوم لكن لتأخره حتى رمضان يجب عليه أن يستغفر الله عز وجل.


حكم مزاولة الموظف للتجارة ومخالفة عقد العمل بذلك الفعل


السؤال
فضيلة الشيخ: لقد ذكرت في اللقاء السابق بأن النظام لا يسمح للموظف بأن يشتغل بالتجارة، ولكن يا فضيلة الشيخ! بعض الناس راتبه لا يكفيه، فهل يثقل كاهله بالديون، أم يعمل بالتجارة التي أباحها الله سبحانه وتعالى؟

الجواب
أقول لا يثقل كاهله بالديون، ولا يعمل بالتجارة، إذا كان يرى أن التجارة خير له من الوظيفة فليدع الوظيفة، وإن كان يرى أن الوظيفة خير له من التجارة فليدع التجارة.
وأما قوله: التي أحلها الله، فنقول: نعم، الله أحل التجارة، لا شك في هذا، لكن الذي أحل التجارة، أوجب الوفاء بالعقود فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة:1] وإذا كان الموظف يعلم أنه إذا دخل في الوظيفة منع من التجارة، فقد دخل على شرط يجب عليه أن يوفيه بهذا الشرط، ما لم يسقطه من شرطه، يعني: ما لم تسقطه الحكومة.
وهذه العبارة التي أراد أن يهون مسألة التجارة للموظف كقوله: التي أباحها الله، يجب أن نعلم أن الشرع يقيد بعضه بعضاً، فتأتي أحاديث مطلقة لابد أن تقيد وهي كثيرة جداً، اقرأ قول الله تعالى في محرمات النكاح بعد أن ذكر المحرمات: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ } [النساء:24] لو قال قائل: هذه الآية تدل على أن المرأة يجوز تتزوج بلا ولي، يجوز تتزوج بلا رضا، يجوز أن تتزوج بلا شهود، لأن ما في الآية هذه، هل يستقيم هذا الكلام أم ما يستقيم؟ لا يستقيم، فقوله: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [البقرة:275] مطلق يحمل على نصوص أخرى، وهو وجوب الوفاء بالعقد، فأنت الآن دخلت مع الحكومة على أنك موظف لك ما للموظفين وعليك ما على الموظفين، لكن قد يقول قائل: إننا نرى من الموظفين الكبار من يمارس البيع والشراء وهم أكثر منا بملايين الدراهم، فما بالنا نحن الصغار لا نتمكن من البيع والشراء.
والجواب عن هذا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( إنكم سترون بعدي أثرة؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) يعني: ستجدون من يستأثر عليكم من الولاة ولكن اصبروا حتى تلقوني على الحوض، انظر فائدة الصبر أن يلقى الإنسان رسول الله على الحوض، هذا يساوي الدنيا كلها.
وفي حديث عبادة بن الصامت قال: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرةٍ علينا ) ما معنى أثرة؟ يعني استئثار علينا، يعني الذين يأمروننا يستأثرون علينا، حتى مع الأثرة علينا نقوم بالحق الذي لهم ونسأل الله أن يهديهم لأداء الحق الذي عليهم، هذه وظيفتهم، وأما الاحتجاج بشيء ليس حجة عند الله فهذا لا ينفع الإنسان.


بعض أحكام الاعتكاف


السؤال
بما أن العشر الأواخر قد أوشكت فسؤالي ما هي فضيلة الاعتكاف؟ ومتى يدخل الإنسان في المعتكف؟ وما هي مبطلاته؟ وما الذي يشرع للمعتكف حال اعتكافه؟ وما هو الزمن الذي يمكن أن يخرج فيه المعتكف من معتكفه؟

الجواب
هذا السؤال متضمن عدة جمل لكن المهم منها: أن المعتكف يلتزم المسجد لطاعة الله عز وجل، ليتفرغ للطاعة، لأن الإنسان في بيته وسوقه يلهو عن الطاعة، فيتفرغ للطاعة، ويتفرغ لانتظار ليلة القدر لأن نبينا صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول يعني: يلتمس ليلة القدر، ثم اعتكف الأوسط يلتمس ليلة القدر أيضاً، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر، فينبغي أن يعلم المعتكف أنه ليس المراد من الاعتكاف أن يكون سحوره وفطوره في المسجد فقط، لا، المراد بالاعتكاف أن يتفرغ للطاعة، وأن ينتظر ليلة القدر.
ويدخل المعتكف من غروب الشمس يوم عشرين، ويخرج منه بغروب الشمس آخر يوم من رمضان سواء ثلاثين أو تسعة وعشرين، متى ثبت دخول شوال انتهى زمن الاعتكاف.
فالاعتكاف مشروع في العشر الأواخر من رمضان في أي مسجد من المساجد سواء في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي أو في المسجد الأقصى أو في مساجد القرية أو في مساجد المدينة، قال الله تعالى: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [البقرة:187].
وأما ما روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) فهذا إن صح الحديث -وأقول إن صح- لأن ابن مسعود رد على حذيفة لما جاء حذيفة يقول لـ ابن مسعود : [ إن قوماً اعتكفوا في مساجد الكوفة وإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ] قال: [ لعلهم ذكروا ونسيت، وحفظوا وغفلت ] أو كلمة نحوها، وهذا ولا شك أنه يعتبر لمزاً من ابن مسعود لـ حذيفة رضي الله عنه، يعني: أنت تقول وهم ربما حفظوا وأنت لم تحفظ، فأقول على تقدير صحة هذا الحديث: يحمل على الاعتكاف الكامل يعني لا اعتكاف كامل إلا في هذه المساجد الثلاثة، لأن هذه المساجد أفضل مساجد على وجه الأرض وهي التي تشد إليها الرحال، وأما أن نقول لمن اعتكفوا في المساجد ليس لكم اعتكاف فهذا بعيد من الصواب، وكيف يقول الله عز وجل: { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [البقرة:187] بـ(ال) الدالة على الجمع وبـ(مساجد) الدالة على صيغة منتهى الجموع، ثم نقول: لا يدخل في هذا العموم إلا ثلاث مساجد، هذا ليس بصحيح.
أما ما ينبغي أن يفعله المعتكف: فيشتغل بالقراءة والذكر والصلاة، ولا بأس أن يتحدث قليلاً إلى أصحابه الذين معه في الاعتكاف أو الذين يدخلون لزيارته فإنه قد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان معتكفاً فزارته صفية إحدى زوجاته رضي الله عنهن، ولكن لا يعني ذلك أن يجعل الإنسان أكبر وقت في اعتكافه أن يتحدث إلى أصحابه كما يوجد في بعض المعتكفين في المسجد الحرام أكثر أوقاتهم التحدث فيما بينهم فإن لم يكن فالنوم، نوم وحديث، أين الاعتكاف؟ الاعتكاف تفرغ لعبادة الله عز وجل.
أما ما يبطل الاعتكاف: فمباشرة النساء تبطل الاعتكاف، البيع والشراء يبطل الاعتكاف، وطبعاً المباشرة والبيع والشراء خارج المسجد يعني لو خرج الإنسان من المسجد لحاجة ثم باع أو اشترى أو باشر أهله فإن اعتكافه يبطل، يبطل أيضاً بالخروج لغير حاجة، فأما إذا خرج لحاجة مثل أن وجب عليه غسل فخرج يغتسل أو وضوء فخرج يتوضأ أو لئن لم يكن عنده من يأتي بطعامه وشرابه فخرج ليأكل ويشرب فهذه حاجة ولا بأس بها.
أما الخروج للطاعة: كشهود الجنازة، وعيادة المريض، واستماع الذكر والمحاضرات وما أشبهها، فهذه لا تجوز إلا إذا اشترطها عند دخوله الاعتكاف، كأن قال: يا رب! إني اشترط أن أعود فلاناً، أو أن أشيع فلاناً لو مات، أو ما أشبه ذلك.
وقد قسم العلماء رحمهم الله خروج المعتكف إلى ثلاثة أقسام: قسم يجوز بلا شرط.
وقسم يجوز بشرط.
وقسم لا يجوز لا بشرط ولا بغيره.
فالذي يجوز بغير شرط هو الخروج لما لابد منه شرعاً أو لابد منه طبعاً.
الذي لابد منه شرعاً كأن يخرج إلى الوضوء أو إلى صلاة الجمعة إذا كان في غير مسجد جامع أو ما أشبه ذلك.
والذي لابد منه طبعاً كأن يخرج للبراز أو الأكل أو للشرب إذا تعذر من يأتي بهما، هذا جائز سواء اشترطه أم لم يشترطه.
الثاني: جائز بشرط، وهو العبادة التي لا تنافي الاعتكاف: كعيادة المريض، تشييع الجنازة، حضور محاضرة أو ذكر وما أشبه ذلك.
الثالث: ما لا يجوز لا بشرط ولا بغيره كأن يخرج لشيء ينافي الاعتكاف مثل أن يخرج لدكانه يبيع ويشتري يقول: الأيام هذه أيام موسم أيام عيد، أخرج أبيع وأشتري، أو إنسان يخرج ليتمتع بأهله يقول: إنه حديث عهد بعرس ويحب أن يتمتع بأهله نقول: لا بأس أن تتمتع بأهلك لكن لا تعتكف، فهذا لا يجوز لا بشرط ولا بغير شرط، لأنه يبطل الاعتكاف.
ولعلنا نقتصر على هذا الجزء، ونحتفظ بالأسئلة عند الأخ حمود، ونستودعكم الله إلى السنة القادمة إن شاء الله، ومن أراد أن يأتي بالعمرة فسيكون إن شاء الله لنا دروس في المسجد الحرام إن شاء الله تعالى.