شرح بلوغ
المرام عبد الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: بلوغ المرام - كتاب الأيمان والنذور
(1)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
سم.
وقال الحافظ -رحمه الله تعالى- أيضاً:
كتاب: الأيمان والنذور
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه
أدرك عمر بن الخطاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً
فليحلف بالله أو ليصمت)) متفق عليه.
وفي رواية لأبي داود والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: ((لا
تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا تحلفوا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله،
ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون)).
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((يمينك على ما يصدقك به صاحبك)) وفي رواية: ((اليمين على نية
المستحلف)) أخرجهما مسلم.
وعن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك،
وائت الذي هو خير)) متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: ((فائت الذي هو خير، وكفر
عن يمينك)).
وفي رواية لأبي داود: ((وكفر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير)) وإسنادهما
صحيح.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه)) رواه الخمسة،
وصححه ابن حبان.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: كانت يمين النبي -صلى الله عليه
وسلم-: ((لا، ومقلب القلوب)) رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء أعرابي إلى النبي
-صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ فذكر الحديث، وفيه:
قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: ((الذي يقتطع مال امرئ مسلم)) ...
فذكر الحديث؟
سم رعاك الله.
فذكر الحديث
فذكر الحديث، وفيه: قلت: وما اليمين الغموس؟
لا، وفيه اليمين الغموس.
أحسن الله إليك.
قلت: وما اليمين الغموس؟
فذكر الحديث وفيه.
اليمين الغموس.
فذكر الحديث وفيه اليمين الغموس، قال: ((الذي يقتطع مال امرئ مسلم)) ...
قلت: وما اليمين الغموس؟ بعدها، قلت: وما
اليمين الغموس؟ نعم.
أحسن الله إليك.
فذكر الحديث وفيه اليمين الغموس، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: ((الذي
يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب)) أخرجه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- في قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [(89) سورة المائدة] قالت: هو قول الرجل:
لا والله، وبلى والله" أخرجه البخاري، وأورده أبو داود مرفوعاً.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((إن لله تسعاً وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة)) متفق عليه،
وساق الترمذي وابن حبان الأسماء، والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة.
وعن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ
في الثناء)) أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان.
يكفي، يكفي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الأيمان والنذور
الأيمان: جمع يمين، بفتح الهمزة بخلاف الإيمان بكسرها، الأيمان جمع يمين،
والإيمان مصدر آمن يؤمن إيماناً، واليمين هي الحلف، والقسم، أصلها أنهم إذا
تحالفوا قبض كل واحد على يمين صاحبه.
والنذور: جمع نذر، وأصله إيجاب المكلف على نفسه ما لم يجب في أصل الشرع،
إيجاب المكلف على نفسه ما لم يجب عليه بأصل الشرع.
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن ابن عمر -رضي
الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أدرك عمر بن الخطاب" عن
ابن عمر عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- "أنه أدرك عمر بن الخطاب" يعني
ابن عمر ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أدرك، فهو ينقل عن النبي
-عليه الصلاة والسلام-، ولا يلزم من ذلك حضوره القصة؛ لأنه لو قال: عن ابن
عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أدرك عمر بن الخطاب، قلنا: إنه حضر
القصة، لو قال: عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أدرك عمر،
قلنا: إن ابن عمر أدرك القصة وحضرها، لكن هو هنا ينقل عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- "عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أدرك عمر بن
الخطاب" فكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثه بذلك؛ لأن اختلاف الصيغة بين
(عن) و (أن) يختلف فيها كيفية التحمل، وذكرنا مراراً ما قاله ابن الصلاح
نقلاً عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة عن محمد بن الحنفية أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- مر بعمار، والرواية الأخرى: عن محمد بن الحنفية عن عمار أن
النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، قالوا: (عن) متصل، و (أن) منقطع،
ونسبوا ذلك لاختلاف الصيغة، وأن (عن) محمول على الاتصال، و (أن) محمولة على
الانقطاع.
سبب الاتصال والانقطاع هو السياق، وليس مرده الاختلاف في (عن) و (أن) ولذلك
لما قرر ذلك ابن الصلاح قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه
يعني ما أدرك السبب في الحكم بالانقطاع والاتصال، لما قال: عن محمد بن
الحنفية أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر بعمار، محمد بن الحنفية أدرك
القصة وإلا ما أدرك؟ ما أدرك، تابعي محمد بن الحنفية، وحينما قال: عن محمد
بن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به القصة متصلة؛ لأن
محمد بن الحنفية وهو تابعي ينقل القصة عن صاحبها.
وهنا: "عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أدرك عمر بن
الخطاب" ابن عمر ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه حصل كذا لعمر،
فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا، بسبب حلف عمر -رضي الله عنه-.
"عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه
أدرك عمر بن الخطاب في ركب" جمع راكب، مثل صحب جمع صاحب "في ركب، وعمر يحلف
بأبيه" يعني على عادتهم في الجاهلية، وهذا قبل النهي "يحلف بأبيه، فناداهم
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم))
" ما قال: يا عمر لا تحلف بأبيك، هذه طريقته -عليه الصلاة والسلام- حينما
يبلغه منكر، وكثيراً ما يقول: ((ما بال أقوام؟ )) وهو يعرف القائل، لكن ما
يلزم في الخطبة أن يقول: أنت يا فلان قلت كذا، وهذا حرام، لكن أحياناً قد
يحتاج إلى التصريح، شخص مرتكب لمنكر، وضرره متعد، يجب التحذير منه، قال
الخطيب: ما بال أقوام؟ ما بال أقوام؟ في خطبة، خطبتين، ولا انتهى، مثل هذا
يكشف ويفضح من أجل أن يرتدع، يعني في أول الأمر يقال: ما بال أقوام؟ مرة،
مرتين، لكن إذا استمر واسترسل فلم يستح من الله -جل وعلا-، ولا من خلقه هذا
لا يستحيا منه، يُكشف، وجاء ما يدل على ذلك.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- ناداهم قائلاً: ((ألا إن الله ينهاكم أن
تحلفوا بآبائكم)) لأن الحلف بغير الله شرك، كما جاء في الحديث: ((من حلف
بغير الله فقد كفر أو أشرك)) لأن هذا التعظيم باليمين لا يكون إلا لله -جل
وعلا-، ولا يجوز أن يشرك معه غيره، هذا اليمين المقرون بحروف القسم، لو
قال: لعمري مثلاً، قالوا: هذا مشعر بقسم وليس بقسم، ونص أهل العلم على
جوازه، وهو لا يقسم بعمره، لكن إذا قال: وفلان، وأبيه، وأمه، والأمانة،
والكعبة، ومحمد، وما أشبه ذلك يقسم بذلك هذا لا يجوز بحال، محرم.
قال: ((ألا إن الله ينهاكم)) ألا: أداة تنبيه، ((إن الله)) توكيد ((ينهاكم
أن تحلفوا بآبائكم)) ولا غير الآباء، لا يجوز الحلف إلا بالله -جل وعلا-،
باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته.
((فمن كان حالفاً)) من احتاج إلى يمين
ليؤكد كلامه ((فليحلف بالله)) وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه حلف
في مواطن عديدة، ذكر ابن القيم في الهدي أنه حلف في نحو ثمانين موضعاً، حلف
في نحو ثمانين موضعاً، الحلف على الأمور المهمة جرى منه -عليه الصلاة
والسلام- من غير استحلاف، مع أننا نهينا أن نجعل الله -جل وعلا- عرضة
لأيماننا، وأن يكون الحلف بالله من أيسر الأمور عندنا، لا، يكون على الأمور
المهمة، فإذا احتيج إليه فلا مانع منه، وقد يندب إليه إذا أريد تأكيد حكم
من الأحكام الشرعية، أو أمر من الأمور التي لا تتحقق إلا به.
((فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) وعامة أهل العلم على تحريم الحلف
بغير الله، وإن شذ بعضهم وقال: إن الله -جل وعلا- حلف وأقسم ببعض مخلوقاته،
استدل بذلك على جواز ذلك، وأن النهي للكراهة، الله -جل وعلا- له أن يحلف
بما شاء من خلقه، بخلاف المخلوق المكلف بفعل الأوامر، واجتناب النواهي.
((فليحلف بالله أو ليصمت)) لا يتكلم، لا يحلف.
قال: "وفي رواية لأبي داود والنسائي عن أبي هريرة مرفوعاً: ((لا تحلفوا
بآبائكم، ولا بأمهاتكم)) " فضلاً عن غيرهما، يعني أعظم الناس عند المرء
أبوه وأمه، فإذا منع من الحلف بهما فلئن يمنع من الحلف بغيرهما من باب
أولى، مع أنه مأمور أن يعظم والديه، ويحترم والديه، لكن لا يصل هذا
الاحترام، وهذا التعظيم إلى أن يحلف بهما، أو يصرف لهما شيء من حقوق الرب
{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
فَلَا تُطِعْهُمَا} [(15) سورة لقمان] لا يجوز طاعتهما في مثل هذا.
((ولا بالأنداد)) التي تجعل لله -جل وعلا- مشابهة ومساوية، ونظيرة لله -جل
وعلا-، فلا يجوز الحلف باللات ولا بالعزى، ومن حلف بشيء من ذلك عليه أن
يتشهد، ويحقق توحيده بلا إله إلا الله من جديد؛ لأنه أشرك.
((ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله))
بهذا الاسم، وفي حكمه غيره من الأسماء، والصفات الثابتة لله -جل وعلا-،
((ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون)) لأن الكذب حرام، الكذب محرم، فكيف
إذا أكد باليمين؟ يزيد التحريم، لكن الحلف بالله -كما قال ابن مسعود-
كاذباً أيسر وأسهل من الحلف بغيره وإن كان صادقاً، كلاهما محرم، لكن سيئة
الشرك أعظم من سيئة الكذب، وحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، ((ولا تحلفوا
بالله إلا وأنتم صادقون)) ((من حلف منكم فقال في حلفه: واللات والعزى
فليقل: لا إله إلا الله)) وهذا يؤيد ما جاء في الحديث أن ((من حلف بغير
الله فقد كفر أو أشرك)).
قد يقول قائل: جاء في صحيح مسلم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلح وأبيه
إن صدق)) وهذا محمول عند أهل العلم أنه قبل النهي، أو كما قال السهيلي
وغيره: إن الأصل: "وأبيه والله" فقصرت اللامان، فتصحفت الكلمة، وأبيه والله
في الصورة قريبة، ويقرر بعض أهل العلم أنه رأى في نسخة عتيقة من صحيح مسلم
أنها "أفلح والله إن صدق" مع أن القسم لا يوجد في البخاري، مع أن القصة
موجودة في البخاري، والقسم لا يوجد في البخاري.
يقول -رحمه الله تعالى- بعد هذا: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يمينك على ما يصدقك به صاحبك)) وفي
رواية: ((اليمين على نية المستحلف)) أخرجهما مسلم"
إذا كان لشخص على آخر حق، دين، فطلب منه
اليمين، صاحب الدين ليست عنده بينة، وإذا لم توجد البينة عند المدعي اتجه
اليمين إلى المدعى عليه، المنكر، تلزمه اليمين، وإذا نكل المدعى عليه عن
اليمين ردت اليمين إلى المدعي في قول جمع من أهل العلم، فالمدعى عليه إذا
حلف قيل له: احلف، زيد يدعي عليك بأن في ذمتك له مبلغ من المال، قدره ألف،
أو مائة ألف، أو أكثر أو أقل، قال: ما عندي له شيء، طيب يا زيد هات البينة؟
والله ما عندي بينة، أنا أقرضته ما عندنا أحد إلا الله -جل وعلا-، تحلف يا
عمرو أنه ما أقرضك شيء؟ قال: يحلف، والله ما أقرضني شيء، ويقصد في المكان
الفلاني، أو في الشهر الفلاني، ينفعه هذا التأويل وإلا ما ينفع؟ هذا لا
ينفع؛ لأنه على نية المستحلف لا على نية الحالف، هذا إذا كان ظالماً، أما
إذا كان مظلوماً، إذا كان مظلوماً له أن يتخلص باليمين مع التورية، وحينئذٍ
ينتفع إذا كان مظلوماً، أما إذا كان ظالماً فإن اليمين على نية المستحلف.
قال -رحمه الله-: "وعن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها
فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير)) " كفر عن يمينك، يعني إذا حلفت على فعل
محرم، أو ترك واجب يجب عليك أن تحنث في يمينك، وتكفر عنه، أو تكفر ثم تحنث،
أو تحنث ثم تكفر؛ لأنه قال في الرواية الأولى: ((كفر عن يمينك، وائت الذي
هو خير)) وفي لفظ: ((فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك)) ((فكفر عن يمينك،
ثم ائت الذي هو خير)) هذا إذا حلف على ترك واجب، أو فعل محرم، أقسم ألا
يزور أباه أو أخاه أو أمه يجب عليه أن يكفر عن يمينه، ويأتي الذي هو خير؛
لأن الصلة خير، واجبة، وقطيعتها محرمة، وكذلك إذا حلف ألا يصلي أو لا يصوم،
يجب عليه أن يكفر عن يمينه، ثم يأتي الذي هو خير.
إذا حلف على فعل مكروه أو ترك مستحب، حلف
ألا يوتر مثلاً، أو لا يصلي الضحى، أو حلف أن يرتكب شيئاً مكروهاً الذي لا
يصل إلى حد التحريم فإنه حينئذٍ ينبغي له أن يكفر عن يمينه، ويأتي الذي هو
خير، بخلاف ما إذا حلف على فعل واجب، أو حلف على ترك محرم، فإنه يجب عليه
أن يستمر على حلفه، ولا يجوز له أن يحنث؛ لأن الفعل محرم من الأصل، ترك
الواجب محرم، وفعل المحرم لا يجوز، ثم يزداد بعد ذلك شدة بهذه اليمين التي
عقدها على نفسه، أما إذا حلف على شيء مباح فعلاً أو تركاً، فالأمر بيده، هو
مخير، إن أراد أن يستمر يستمر على يمينه، وإن أراد أن يحنث في يمينه ويكفر
فالأمر إليه، لا سيما إذا رأى أن عدم الاستمرار هو الخير بالنسبة له.
((وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها، فكفر عن يمينك، وائت الذي
هو خير)) الرواية الأخرى ((فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك)) قلنا في درس
مضى: إنه إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب، في أي مناسبة قيل هذا؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نحر الهدي، إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب، سبب وجوب الكفارة انعقاد
اليمين، ووقت وجوبها الحنث، قالوا: لا يجوز فعلها قبل السبب اتفاقاً، لا
يجوز أن تبذل كفارة يمين قبل أن تحلف، قبل سبب الوجوب، ولا تذبح الهدي قبل
الدخول في الإحرام الذي هو سبب الوجوب، ويجوز بعد الوقت، يعني بعد دخول
الوقت بالاتفاق وقت الوجوب الذي هنا، وهنا الحنث، يعني يحنث يخالف ما حلف
عليه فعلاً أو تركاً، ثم يكفر هذا لا إشكال فيه بالاتفاق يجزئه.
لكن إن كفر قبل الحنث بعد سبب الوجوب وقبل وقت الوجوب؟ مقتضى الروايات التي
بين أيدينا جواز ذلك، وقال به جمهور أهل العلم، جمهور أهل العلم، ومنهم من
يرى أن فعل الشيء قبل وقته لا يصح ولا يجزئ، كما لو صليت قبل دخول وقت
الصلاة، إلى الآن ما تعين عليك كفارة فكيف تكفر؟ قبل وقت الوجوب لا تجزئ،
لكن جمهور أهل العلم على الجواز، والقاعدة هذه في قواعد ابن رجب، ينبغي
لطالب العلم أن يراجعها، ولها فروع كثيرة جداً، تنفع طالب العلم، فيها فروع
يحتاج إليها.
((فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير)) هذا
في الصحيحين "وفي لفظ للبخاري: ((فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك)) " قد
يقول قائل: إن الواو لا تقتضي ترتيب، فتحمل الرواية الثانية على الأولى أو
العكس، لا سيما وأنه في رواية أبي داود قال: ((فكفر عن يمينك، ثم ائت الذي
هو خير)) فتحمل الرواية الثانية على الأولى؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب،
بدليل الرواية الأخيرة رواية أبي داود، لكن ورود الخبر بهذه الصفة وهذه
الصيغة يدل على جواز الأمرين.
قال: "وإسنادها صحيح" وإسنادها وليس إسنادهما، يعني نسخة الشارح إسنادهما
بالتثنية، لكن الصواب "وإسنادها" وعلى هذا أكثر نسخ البلوغ، وهذا هو الصحيح
المتجه؛ لأننا لا نحتاج أن نقول: رواية البخاري إسنادها صحيح، لا نحتاج أن
نقول: رواية البخاري إسنادها صحيح، هذا من العبث أن نقول: إسنادها صحيح؛
لأنه يفهم منه أننا إذا ذكرنا رواية للبخاري ولم نقل: إسنادها صحيح أن فيها
ما فيها، ويخطئ من يقول: أخرجه البخاري وهو صحيح، أو بإسناد صحيح، لا نحتاج
إذا كان الحديث مخرج في الصحيحين، أو في أحدهما أن نصحح، الأمة تلقت
الكتابين بالقبول، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله -جل وعلا-، والتطاول إلى
هذا الحد أن نصحح ما في الصحيح لا شك أنه ليس بمحله، ولذا صواب العبارة:
"وإسنادها" يعني رواية أبي داود "صحيح" لأن سنن أبي داود لم تلتزم فيه
الصحة، فيه الصحيح والحسن والضعيف، فيحتاج إلى بيان الصحيح من غيره، أما ما
في الصحيحين أو في أحدهما فهذا لا يحتاج أن نقول: صحيح.
من أهل العلم من يفرق بين الكفارة إذا كانت بالعتق أو الإطعام فيجوز
تقديمها قبل الحنث، وبين ما إذا كانت بالصيام فلا يجوز تقديمها على الحنث؛
لأن الصيام عبادة لا يجوز ولا يصح قبل وقته، كما لو صام بعض رمضان في
شعبان، أو صلى صلاة قبل دخول وقتها، لكن أكثر أهل العلم على جواز الكفارة
بجميع خصالها سواءً كان العتق أو الإطعام أو الكسوة أو الصيام.
قال -رحمه الله-: "وعن ابن عمر -رضي الله
تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على يمين
فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه)) رواه أحمد والأربعة، وصححه ابن حبان"
((قال: إن شاء الله)) هذا الاستثناء ينفع ((من حلف على يمين فقال: إن شاء
الله)) كما حلف سليمان -عليه السلام- أن يطأ نساءه تلد كل واحدة منهن
فارساً يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فما
الذي حصل؟ ما ولدت واحدة منهن إلا واحدة جاءت بشق ولد؛ لأنه لم يستثن، وهنا
الاستثناء ينفع، لماذا؟ لأن الأمر إذا علق بالمشيئة يتبين عند حصوله أو
عدمه، فإن حصل فإن الله -جل وعلا- قد شاءه، وإن لم يحصل فإن الله -جل وعلا-
حينئذٍ لم يشأ، والمراد بذلك المشيئة الكونية التي علمها عند الله -جل
وعلا-، ما تتبين إلا بعد ظهور ما رتب عليها، منهم من يقول: إذا حلفت على
أمر مطلوب شرعاً لا ينفعك أن تقول: إن شاء
الله، لماذا؟ لأن الله قد شاءه وأراده، فلا ينفعك الاستثناء حينئذٍ، نظراً
إلى المشيئة الشرعية، لكن مقتضى الحديث أن الملحوظ والمنظور إليه الإرادة
والمشيئة الكونية.
نظير هذا إذا قيل لك: أقرئ فلاناً مني السلام، فقلت: إن شاء الله، ما
أقرأته السلام، يعني يلزمك أن تقرأه السلام؛ لأنك التزمت للشخص؟ لكن علقته
... ، ما شاء الله أني أقرئه منك السلام، فتكون حينئذٍ بالخيار، ما تلزم
نفسك بغير لازم، إذا قال لك: أقرئ فلاناً مني السلام، وقلت: أبشر، من دون
مشيئة، أنت الآن التزمت للرجل، لكن إذا قلت: إن شاء الله خرجت من العهدة،
فإن أقرأته فقد شاء الله منك أن تقرئه السلام، وإن لم تقرئه فقد شاء الله
منك ألا تقرئه.
ومثل هذا اليمين، إذا قلت: إن شاء الله بنية التعليق لا بنية التبرك، فإنك
تنتفع بهذا التعليق، ولا بد أن تقول، ما يكفي أن تضمر في نفسك إن شاء الله؛
لأن قال: ((فقال: إن شاء الله)) يعني قالها لفظاً.
الأمر الثاني: أن يكون هذا التعليق متصل
بالكلام، ما تقول: والله لأفعلن كذا، ثم من الغد تقول: إن شاء الله، وإن
جاء عن ابن عباس أن التعليق ينفع ولو بعد سنة، لكن قال أهل العلم لو قيل
بهذا ما حنث أحد، قبل أن يرتكب ما حلف عليه يقول: إن شاء الله، على رأي ابن
عباس، هذا لا ينتفع به، لا بد أن يكون التعليق بالمشيئة متصل بالكلام، لا
يمنع الانقطاع الاضطراري، انقطع ليتنفس، انقطع ليسعل، أو يتثاءب مثلاً، أو
يعطس، هذه أمور خارجة عن الإرادة فهي في حكم المتصل.
الاستثناء في الإيمان، إذا قال: مؤمن إن شاء الله، هذه مسألة كبيرة من
مباحث الإيمان، وفيها خلاف بين أهل العلم، منهم من يراها من عظائم الأمور،
ومنهم من يرى الجواز، إن كان قوله: إن شاء الله مراده بذلك التبرك فلا
إشكال، ولا يترتب عليه شيء، لكن إن كان مراده التعليق إن شاء الله، التعليق
بالمشيئة، ويش يترتب عليه؟ تعليق الإيمان بالمشيئة، وبعض الناس في كثير من
أحواله، أو في أكثر أحواله التعليق، هل جاء فلان؟ يقول: إن شاء الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم الذين يرون منعها يرون أنه متراخ في إيمانه، والذي يقول: إن شاء
الله تجد من لفظه أنه غير جازم بما يخبر به، هذا سبب المنع ممن منع، ومنهم
من يقول: إن المشيئة مشيئة الله -جل وعلا-، وللمؤمن الإيمان حاصلة، واجتمعت
في إيمان المؤمن المشيئة الكونية والمشيئة الشرعية، فما المانع من تعليقه
بهذه المشيئة؟ ولا يكون فيها شيء من التردد أو التراخي والتساهل في أمر
الإيمان الذي هو عقد قلب ينبغي أن يكون جازماً فيه لا يرتابه أي ريب ولا
تردد.
منهم من يسمي من يعلق إيمانه بالمشيئة
يسميهم شكاكة، حتى أنه سئل بعضهم عن الزواج بمن يعلق بالمشيئة فأبدى في
المسألة احتمالين، الأول: لا، لأنه من الشكاكة، والثاني: نعم، قياساً على
الذمية؛ لأن المسألة يعني حسب تصور أهل العلم لها، وكل ينظر إليها من زاوية
لا شك أنها من كبار المسائل، وهنا إذا قال: إن شاء الله لا حنث عليه،
لماذا؟ لأنه إن فعل فقد شاء الله أن يفعل، وإن ترك فقد شاء الله أن يترك،
هذا إذا نظرنا إلى المشيئة الكونية، أما المشيئة الشرعية فلا يدخل فيها
المأمور؛ لأن الله قد شاءه.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقصد؟ تبرك وإلا تعليق؟
طالب:. . . . . . . . .
على ما يصدقه به صاحبه، ما تنفعه التورية إذا كان ظالماً، وإذا كان مظلوماً
نفعته على ما تقدم.
يقول ابن العربي: أجمع المسلمون بأن قوله: "إن شاء الله" يمنع انعقاد
اليمين بشرط كونه متصلاً.
وقوله: ((فقال)) يدل على أنه لا بد من النطق في هذا الاستثناء، لا بد منه؛
لأنه رتب على القول، ولذا قال أهل العلم في قوله -عليه الصلاة والسلام-:
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) وأنه لا يكفي أن
يعتقد في قلبه ولا يتلفظ، لا بد أن يقول، لا بد أن ينطق، وهنا يقال: لا بد
أن ينطق.
قال بعض المالكية: يجوز الاستثناء بالنية من غير لفظ، يعني يستثني بقلبه،
ولكن الحديث صريح في القول ((فقال)) ولا يترتب الأثر إلا على القول، ومثله
الأذكار من قال كذا فله كذا، لا يكفي أن يذكر بقلبه لا بد أن يتلفظ به.
قال: وحكي عن بعض المالكية صحة الاستثناء من غير لفظ، قال الشارح: "وإلى
هذا أشار البخاري وبوب عليه: باب النية في الأيمان، لكن صريح القول لا
ينطبق إلا على من تلفظ به".
قال -رحمه الله-: "وعنه -رضي الله عنه-
قال: كانت يمين النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا، ومقلب القلوب)) " تقدم
النقل عن ابن القيم -رحمه الله-، وأنه استقرأ الأيمان والأقسام النبوية،
فبلغت عنده نحو ثمانين موضعاً، وكثيراً ما يقول: ((لا ومقلب القلوب))
((والذي نفسي بيده)) ((والذي نفس محمد بيده)) ((لا ومصرف القلوب)) هذه
كثيراً ما يقولها، كثيراً ما يقول: ((والذي نفسي بيده)) ((والذي نفس محمد
بيده)).
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يواظب على هذا اليمين ((لا، ومقلب
القلوب)) والفائدة من ملازمة أو الإكثار من هذه اليمين التذكير بمضمون
اليمين، وهو أنه ينبغي أن يستحضر الإنسان أن قلبه بين أصبعين من أصابع
الرحمن، فلا يتكل على عمله، أو على ما هو فيه من استقامة والتزام؛ لأنه كم
من مهتد قد ضل، وكم من مسلم قد ارتد، وكم من ضال قد اهتدى، وكم من مستقيم
خرج عن حد الاستقامة إلى الفسق والعكس، فالقلوب بين أصبعين من أصابع
الرحمن.
يعني الإكثار من هذه اليمين تذكر السامع، وتذكر المتكلم بمعنى مقلب القلوب،
مصرف القلوب، تجعل الإنسان على خوف وعلى وجل من سوء العاقبة، وأن يستحضر
دائماً الدعاء بالثبات على الاستقامة إلى الممات؛ لأن القلوب بيد الله،
يقلبها كيفما شاء.
القلوب المرادة هنا ليس المراد بها ذواتها، يعني ليس القلب بدل ما هو منكوس
يعتدل، أو يذهب يمين، أو شمال، لا، إنما المراد أحوالها، المراد تقلب
أحوالها من استقامة إلى ضدها، من كفر إلى إسلام، من إسلام إلى ضده، لا سيما
في أوقات الفتن التي تضل الناس كقطع الليل المظلم ((يصبح الرجل مؤمناً
ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) ولذا
على الإنسان أن يلهج في جميع أحواله، ويدعو الله -جل وعلا- بالثبات، ومثل
ما تقدم أن اليمين تجوز بجميع أسماء الله الحسنى وبصفاته الثابتة له في
كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية في حربه للتتار أنه قال: "والله
لنغلبنهم هذه المرة، فقيل له: قل إن شاء الله، فقال: أقولها تحقيقاً لا
تعليقاً، فعلى أي وجه يحمل قوله؟
هذا من باب ((إن من عباد الله من لو أقسم
على الله لأبره)) لكن لا يحسن من كل إنسان أن يبتلي نفسه ويختبر نفسه، لا
بد أن تظهر للإنسان علامات وقرائن تدل على أنه صادق مع الله -جل وعلا-،
وإلا على الإنسان ألا يبتلي نفسه ويمتحنها بمثل هذه المواقف، وبمثل هذه
المضايق؛ لأن فيه نوع تزكية، ومثل هذا الكلام لا شك أنه مما تضيق فيه
الأنظار؛ لأنه قد يقول قائل: إن شيخ الإسلام يزكي نفسه، حيث ادعى أنه ممن
لو أقسم على الله لأبره، فمثل هذا لا ينبغي أن يقدم عليه الشخص إلا إذا ظهر
له بقرائن أنه صادق مع الله -جل وعلا-، وجرب ذلك سراً قبل أن يجربه علناً؛
لأن بعض الناس يقول: بين الآخرين في مجلس من المجالس: اللهم إن كنت مخلصاً
لك فاقبضني إليك الآن، طيب ما قبض، هل معناه أنه غير مخلص؟ يعرض نفسه
للابتلاء، يعرض نفسه لشيء لا يطيقه، ولا داعي لمثل هذا الكلام، نعم إذا
احتيج إلى ذلك؛ لأنه في بعض المواطن قد يحتاج الإنسان لمثل هذا، يعني بعض
الدعاة دعا قبيلة كاملة إلى الإسلام، فقيل له: إن دعوت الله أن يغيثنا
فاستجاب الله دعاك أسلمنا، فعلى الإنسان أن يحتقر نفسه، طيب افترض أنه دعا
ولا سقوا، ويش النتيجة؟ النتيجة أنه لو كان في احتمال أنهم يسلمون ينتفي
هذا الاحتمال، لكن رجح أنه ينكسر بين يدي الله -جل وعلا-، وعلم الله -جل
وعلا- منه صدق النية فأغاثهم ... ، لكن هذه مواطن محاك، هذه محاك لا ينبغي
للإنسان في وقت السعة أن يتعرض لها، وكلام شيخ الإسلام لا شك أنه داخل في
قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن من عباد الله من لو أقسم على الله
لأبره)).
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى
الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ فذكر الحديث، وفيه اليمين
الغموس.
عد الكبائر لا على سبيل الحصر، وليست محصورة بسبع، كما قال ابن عباس: إلى
السبعين أقرب، ومن ألف في الكبائر أوصلها إلى المئات حسب الضابط الذي قرره
أهل العلم على خلاف بينهم، وهذا يثبت أن هناك من الذنوب ما هو كبير، ومنها
ما هو صغير.
"ما الكبائر؟ " ما قال: ما المعاصي؟ ما
الذنوب؟ الكبائر، فالذنوب منها ما هو كبيرة، ومنها ما هو صغيرة، الكبائر
هذه لا تكفر إلا بالتوبة أو رحمة أرحم الراحمين {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(116) سورة النساء] لكن الأصل أنها تحتاج إلى توبة،
وأما بالنسبة للصغائر فاجتناب الكبائر يكفر الصغائر {إِن تَجْتَنِبُواْ
كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31)
سورة النساء] ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان،
والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)).
من هذه الكبائر، والتمييز بين الكبائر والصغائر يختلف فيه أهل العلم، ما
جاءت تسميته بأنه كبير، هذا لا إشكال فيه، في النص، وأما القواعد والضوابط
التي جعلت للفرق بين الكبائر والصغائر، فمنها ما رتب عليه حد في الدنيا، أو
عذاب في الآخرة، أو نفي عنه الإيمان، أو توعد بلعن، وطرد من رحمة الله، أو
غضب، أو ما أشبه ذلك، كل هذه من الكبائر، كما قرر ذلك شيخ الإسلام -رحمه
الله- وغيره.
"ما الكبائر؟ فذكر الحديث"، عد مجموعة من الكبائر، وذكر من ضمن ما ذكر
اليمين الغموس، فعول، صيغة مبالغة بمعنى فاعل؛ لأنها تغمس يمين غامس تغمس
مرتكبها في النار، أو في العذاب.
"اليمين الغموس" استفصل وسأل "وما اليمين الغموس؟ قال -عليه الصلاة
والسلام-: ((التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب)) " الظاهر أن
السائل هو الأعرابي، والمسئول عن التفسير هو النبي -عليه الصلاة والسلام-،
هذا ظاهر السياق كما تدل عليه الروايات، وإن أبدى بعضهم احتمال أن السائل
الراوي عن ابن عمر، والمجيب ابن عمر، لكن لا يوجد ما يدل عليه.
اليمين الغموس هي ((التي يقتطع بها مال
امرئ مسلم هو فيها كاذب)) اليمين تنقسم إلى أقسام: منها لغو اليمين، لا
والله، وبلى والله، كما سيأتي في كلام عائشة -رضي الله عنها-، هذا ما فيه
شيء، لا فيه كفارة ولا، الذي يجري على اللسان بغير قصد، وليست فيه مؤاخذة،
ومنه ما يحلف فيه الإنسان على أمر ماض يغلب على ظنه وقوعه، يقول: والله ما
جاء، قال شخص: جاء زيد أمس، قال: والله ما جاء؛ لأنه يغلب على ظنه أنه لم
يحضر، لا سيما إذا استدل بقرينة تدل على عدم حضوره، فتبين له أنه حضر، يعني
المقرر أن يحضر مثلاً، اتصل على هذا الشخص وقال: فاتت الرحلة، لن أحضر
اليوم، ثم تيسر له في الرحلة التي بعدها مباشرة وحضر، قيل لفلان الذي أخبر:
حضر زيد أمس جاء البارحة، قال: والله ما جاء، هو متصل بي، وقال: خلاص فاتت
الرحلة، هذا على غلبة ظن، هذا ما عليه كفارة.
لو حلف أنه ما جاء، وهو يعرف أنه جاء، رآه بالأمس، قال: والله ما جاء، هذا
ليس فيه كفارة، لكنه يأثم بهذا اليمين التي حلف فيها، وهل تسمى غموس أو لا
تسمى؟ ((يقتطع بها مال امرئ مسلم)) منهم من يقول -نظر إلى قوله-: ((هو فيها
كاذب)): يكفي أن تسمى غموس، وليس فيها كفارة، أعظم من أن تكفر، لكن من رأى
في الحد الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم، قال: هذه ليست غموس، لكنه آثم
بكذبه، وتأكيد هذا الكذب باليمين، ولا كفارة فيها.
إذا حلف على أمر مستقبل، والله لا يفعل كذا في المستقبل، ثم فعله، هذه
اليمين المكفرة المنعقدة، إذا حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، اقترض
من زيد ألف ريال، ثم أقسم أنه ليس عنده شيء، زيد ما عنده بينة، فتوجهت
اليمين إلى المقترض فحلف أنه لم يقترض منه شيء هذه هي غموس؛ لأنه اقتطع بها
مال امرئ مسلم، وهو كاذب في ذلك.
وهذه اليمين عند الجمهور لا تكفر، ومثلها قتل العمد، أعظم من أن يكفر،
واليمين الغموس أعظم من أن تكفر، هذا قول أكثر أهل العلم، ويرى الشافعية
أنها تكفر لعموم الأدلة الدالة على لزوم الكفارة لمن حنث في يمينه.
قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله
عنها- في قوله تعالى" يعني في تفسير قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [(89) سورة المائدة] "قالت: هو قول الرجل:
لا والله، وبلى والله" يجري على اللسان من غير قصد، وهو موجود عند كثير من
الناس، لا يقتطع به مال امرئ مسلم، ولا يترتب عليه شيء، إنما يجري على
اللسان من غير قصد، علماً أنه مع عدم المؤاخذة إلا أنه لا ينبغي للمسلم أن
يجعل الله -جل وعلا- عرضة ليمينه، فيحلف على أدنى شيء، ويعود لسانه على
هذا، لكن إذا حصل وتعود ما عليه شيء، {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ
فِي أَيْمَانِكُمْ} [(89) سورة المائدة] قالت: هو قول الرجل: لا والله،
وبلى والله" أخرجه البخاري" عن عائشة موقوفاً عليها، وهو عند أبي داود
مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا نظرنا إلى ما في الصحيح وهو
أرجح، قلنا: إن ما في سنن أبي داود معل برواية الصحيح، ولو كانت ثابتة
لأثبتها البخاري، وعدوله عنها يدل على عدم ثبوتها، وإذا قلنا: إنه لا مانع
أن يثبت مرفوع ويثبت موقوف، فمرة تنشط عائشة -رضي الله عنها- فتنسبه إلى
النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومرة تقوله من تلقاء نفسها.
وتفسير الصحابي ذكر الحاكم أبو عبد الله أنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يمكن
أن يقول الصحابي في كلام الله شيئاً من تلقاء نفسه، أو من قبل رأيه، لما
ورد من التحذير الشديد أن يقال في القرآن بالرأي، لكن جمهور أهل العلم
حملوا ذلك على أسباب النزول؛ لأن أسباب النزول لا بد أن يكون النبي -عليه
الصلاة والسلام- طرفاً فيها.
وعُدّ ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ
وهذا منها، هذا تفسير لقوله -جل وعلا-: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [(89) سورة المائدة] من يرى أن تفسير
الصحابي له حكم الرفع قال: هو مرفوع، وإن لم تصرح عائشة بذكر النبي -عليه
الصلاة والسلام-، والذي يقول: لا، التفسير يحتمل أن تقوله من تلقاء نفسها
استنباطاً، ولا مانع من ذلك، وكثير من تفاسير الصحابة واضح أنه استنباط.
على كل حال الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً،
وخير ما يفسر به كلام الله -جل وعلا- بكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام-،
إذا وجد، أو بكلام صحابته -رضوان الله عليهم-.
قال -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((إن لله تسعاً وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة))
متفق عليه، وساق الترمذي وابن حبان الأسماء".
يعني الترمذي لما ساق هذا الحديث سرد هذه الأسماء التسعة والتسعين، وهي
موجودة عند ابن حبان، الثابت في الصحيحين العدد المجمل تسعة وتسعين مائة
إلا واحد، عند الترمذي وابن حبان سرد لهذه الأسماء.
يقول ابن حجر: "والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة" اجتهاد، نظر في
النصوص في الكتاب والسنة فجمع منها تسعة وتسعين اسماً، فسردها وليس من قوله
-عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قال: "والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة"
لذلك الاعتماد على ما جاء في الترمذي وابن حبان من تحديد هذه الأسماء
وترديدها على الألسنة، ونظمها في شعر يقال في كل وقت، تحصيلاً لهذا الوعد
ليس في محله؛ لأن هذا اجتهاد من بعض الرواة؛ لأنه قد تكون تركت من الأسماء
ما هو أولى، وإلا فلا حصر في التسعة والتسعين، لا حصر، لكن الحصر مع الوصف
التسعة والتسعين محصورة في كونها من أحصاها، وإلا فالأسماء الحسنى لا يمكن
أن تحصى ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته
أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) هذا يمكن الاطلاع عليه؟
لا يمكن، وقد يعلّم بعض الخلق من الأسماء ما لم يعلمه غيره، ولذا تجدون من
أهل العلم من أهل الاطلاع الواسع من يجمع الأسماء الحسنى من نصوص الكتاب
والسنة، فيتصدى لها آخر فتجد تفاوت بين جمع هذا، وجمع هذا، فيعلم هذا ما لا
يعلمه هذا، وهكذا.
التسعة والتسعين المائة إلا واحد هذه وجه الحصر فيها في كونها من أحصاها،
ما عداها لا يمكن حصره، لكن لا يترتب عليه هذا الوصف.
أولاً: مناسبة الحديث لباب الأيمان أن الله
-جل وعلا- له الأسماء الحسنى فيدعى بها، وتبعاً لذلك يقسم بها؛ لأن القسم
لا يكون إلا باسم من أسماء الله التي منها هذه التسعة والتسعين، فيدعى بها
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [(180) سورة الأعراف]
وأيضاً يقسم بها؛ لأن القسم إنما يكون بأسماء الله لا بغيره.
((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحد)) يعني صريح في التحديد، في
تحديد العدد، من أهل العلم من يقول: الأسماء الحسنى مائة، طيب في الصحيحين:
((تسعة وتسعين مائة إلا واحد)) في أوضح من هذا الحصر؟ ((تسعة وتسعين اسماً
مائة إلا واحد)) يقول: مائة الأسماء الحسنى، كيف صارت مائة؟ يعني هل هذه
معاندة من القائل أو محادة؟ أو نقول: له وجه؟ له وجه وإلا ما له وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هذا الاسم من الأسماء الحسنى الله -جل وعلا- له تسعة وتسعين، فإذا
أضيفت إليه صارت مائة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني الكلام له وجه، وإلا
فالحديث ما في أوضح من هذا الحصر ((تسعة وتسعين مائة إلا واحد)) يعني عدد
لا يحتمل الزيادة والنقصان، لكن مع ذلك قال بعض أهل العلم: إنها مائة، إذا
أضيف إليها لفظ الجلالة المتحدث عنه، المتحدث عنه له تسعة وتسعون، فإذا
أضيف إليها صارت مائة.
((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها)) إيش معنى أحصاها؟ جاء في بعض
الروايات: حفظها، وهل يكفي الحفظ من غير معرفة للمعنى وإفادة من هذا
المعنى؟ ((من طاف أسبوعاً يحصيه كان له بكل خطوة حسنة)) إيش معنى يحصيه؟
يعني يضبط أنه سبعة أشواط بحيث لا يزيد ولا ينقص؟ أو أنه يحضر قلبه فيه،
وأنه في عبادة فلا يغفل ولا يتشاغل عنه بغيره؟ هكذا قرر أهل العلم، ولذا
القول أن من أحصاها مجرد الحفظ ومجرد التكرار ومجرد الترديد عند أكثر أهل
العلم لا يكفي، حتى يعقل معناها، ويفيد من هذه المعاني، ومعرفة الأسماء
الحسنى من أنفع ما ينفع المسلم في حياة قلبه.
ومن أفضل ما يقرأ في هذا ما سطره ابن القيم
في نونيته، يعني ذكر الأسماء الحسنى لا يقال: إنه أحاط بالأسماء الحسنى،
لا، لكن ذكر ما ذكر منها، وبين معانيها، وكيفية الإفادة من هذه المعاني،
يعني إذا عرفت من أسماء الله -جل وعلا- الله إيش تستفيد من هذا الاسم؟ أنه
-جل وعلا- هو المألوه المعبود بحق، وعلى هذا لا يجوز أن تصرف لغيره شيء من
أنواع العبادة، الرحمن، إذا عرفت أنه الرحمن، وعرفت معنى الرحمن، ومعنى
الرحمة طمعت في هذه الرحمة، بطمع نافع، رغبة نافعة، لا رغبة مفاليس، أو طمع
مفاليس، رغبة مقرونة بالعمل، إذا عرفت أنه جبار، إيش معنى الجبار؟ تعرف
معناه، ويورث ذلك في قلبك هيبة منه وخشية ورهبة تحدوك إلى العمل بما أمرك
به، واجتناب ما نهاك عنه، فإذا عرفت الأسماء الحسنى على هذه الطريقة استفدت
منها، وإلا مجرد قصيدة تقال وتقرأ، ماذا تستفيد؟
ومن أهل العلم من يقول: إن حفظها وقراءتها يرتب عليه هذا الجزاء، ومعرفة
معانيها والإفادة من معانيها قدر زائد على ذلك، يعني نظير ما يقال في
القرآن، الأجر المرتب على قراءة كل حرف بعشر حسنات هذا يحصل بمجرد القراءة،
ما وراء ذلك من القراءة على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل أجره زائد
على ذلك، فتكون من هذا النوع، الأذكار من قال كذا فله كذا، من قال: سبحان
الله وبحمده مائة مرة في يوم حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر، هذا
الأجر رتب على مجرد القول، يعني كونك تعقل ما تقول هذا قدر زائد على ذلك،
وإن كان من أهل العلم من يرى أن الذكر بدون عقل لا قيمة له، التلاوة بدون
تدبر لا قيمة لها، لكن إذا تأملنا ما جاء من النصوص في ترتيب هذه الأجور،
وهذه الموعودات على مجرد القول وفضل الله واسع، من قال كذا فله كذا، انتهى،
قال، تحقق الشرط فليتحقق الجزاء.
" ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها
دخل الجنة)) متفق عليه، وساق الترمذي وابن حبان الأسماء، قال ابن حجر:
والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة" إيش معنى إدراج؟ نعم إدخال ما ليس
من كلامه -عليه الصلاة والسلام- في كلامه، وإلحاقه به، بحيث لا يتميز،
والإدراج يكون في أول المتن، وفي وسطه، وفي أثنائه، وفي آخره، وهذا هو
الكثير الغالب كما هنا.
قد يقول قائل: ما الفائدة من تعيين رقم من دون تفصيل؟ رقم إجمالي تسعة
وتسعين من غير تفصيل، نعم؟ نعم الاجتهاد في البحث عن هذه التسعة والتسعين؛
ليعظم الأجر، كما أبهمت ساعة الجمعة، وليلة القدر، يعني لو بينت التسعة
والتسعين انتهى الإشكال، لو حفظت تسعة وتسعين في صفحة واحدة، أو في نصف
صفحة، لكن لما يقال: تسعة وتسعين، ورتب عليها هذا الأجر العظيم، تجعل
المسلم يحرص ويتعب في تحصيلها، فيعظم أجره عند الله -جل وعلا-، وكذلك ساعة
الجمعة حينما جاء الخلاف القوي هل هي من دخول الإمام أو آخر ساعة من العصر؟
وكذلك ليلة القدر حينما جاء فيها الأحاديث الكثيرة التي مجموعها يدل على
الإبهام، التي لا يمكن الوصول إلى ليلة بعينها من خلال ما جاء في النصوص،
تحروها في العشر الأواخر، في السبع الأواخر، في سابعة تبقى، في كذا، في
أوتار، في .. ، كل هذا من أجل أن يكثر الاجتهاد، ولا يتكل الناس على ليلة
بعينها فتزداد أجورهم.
بعد هذا حديث: "أسامة بن زيد -رضي الله
عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من صُنع إليه معروف،
فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء)) " ((من صنع إليه
معروف)) يعني فليكافئه، يعطيه في مقابل هذا المعروف، النبي -عليه الصلاة
والسلام- يقبل الهدية، ويثيب عليها، أما أن تأخذ من غيرك بدون مقابل فلا شك
أنه .. ؛ لأن الهدية لا شك أنها تزيل ما في القلوب، وتقرب المسلم إلى أخيه
((تهادوا تحابوا)) لكن ماذا عن المقابل؟ يعرف زيد من الناس أنه يأخذ ولا
يعطي، ماذا تكون النتيجة؟ ممقوت، لكن " ((من صنع إليه معروف فقال لفاعله:
جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء)) أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان" وهذا
الحديث لا تظهر مناسبته في الباب، إيش دخل حديث: ((من صُنع إليه معروف فقال
لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء)) للأيمان والنذور؟ يعني هو
بكتاب الجامع الذي محله الآداب والأخلاق على ما سيأتي أليق، تظهر مناسبة يا
إخوان؟
ما يظهر مناسبة.
قال الشارح: ولا يخفى أن ذكر الحديث هنا غير موافق لباب الأيمان والنذور،
وإنما محله باب الأدب، الذي سيأتي في كتاب الجامع، آخر كتب بلوغ المرام.
الإنسان إذا صُنع إليه معروف قد يجد ما يكافئه به، أهدي إليه هو يهدي، أعطي
يعطي، لكن بعض الناس ما عنده شيء، يكافئ بالدعاء، ومن أجمع الأدعية "جزاك
الله خيراً" لأن خير يشمل خير الدنيا والآخرة، والدعاء لا شك أنه ينفع،
دعاء المسلم لأخيه لا سيما إذا كان في ظهر الغيب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|