شرح عمدة
الأحكام عبد الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (4)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لكن هل يلتفت يميناً في حي على الصلاة في
الجملتين؟ كلاهما عن جهة اليمين أو إحداهما عن جهة اليمين والثانية عن جهة
الشمال وحي على الفلاح كذلك يميناً وشمالاً؟ يعني قوله: "يميناً وشمالاً"
ينصرف إلى كل جملة جملة أو إلى الجملتين معاً، بمعنى أنه يقول مرة: حي على
الصلاة يميناً ثم حي على الفلاح شمالاً، ثم يعود إلى حي على الفلاح يميناً
والأخرى شمالاً، أو يقول الجملتين: حي على الفلاح يميناً، وحي على الصلاة
شمالاً؟ اللفظ يحتمل، النص يحتمل، وبكل من الاحتمالين قال جمع من أهل
العلم، يعني لو قال: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على
الفلاح امتثل، ولو قال: حي على الصلاة مرتين كلاهما عن جهة اليمين، وحي على
الفلاح مرتين إلى جهة الشمال امتثل؛ لأن اللفظ محتمل، وقال بكل من
الاحتمالين طائفة من أهل العلم، الالتفات فائدته تبليغ أهل الجهاد؛ لأن
الصوت يكون إلى الجهة التي يلتفت إليها أقوى، فإذا كان المؤذن إلى جهة
الأمام فصوته لا شك أنه يضعف بالنسبة لجهة اليمين والشمال، فضلاً عن الخلف،
لكن إذا التفت يميناً وشمالاً وبلغ هؤلاء وبلغ هؤلاء هذه حكمة ظاهرة لهذا
الالتفات، المؤذن إذا كان على المنارة وبدون آلة يتجه مثل هذا الكلام، لكن
إذا كان كما هو وضع المؤذنين الآن في المسجد، داخل المسجد، وقد يكون في
غرفة في داخل المسجد، وعنده الآلة فالالتفات يميناً وشمالاً يضعف الصوت لا
يقوي الصوت، فهل نقول: إن الحكم يدور مع علته فلا يلتفت المؤذن لا يميناً
ولا شمالاً؟ لأن الفائدة من الالتفات زيادة الصوت وزيادة التبليغ، فإذا
التفت بالنسبة للمكبر ضعف الصوت، وهذا أمر محسوس، إذا التفتت يميناً
والمكبر أمامه يضعف الصوت، وإذا التفت شمالاً والمكبر أمامه ضعف الصوت، فهل
نقول: إن هذه العلة ارتفعت وارتفع الحكم معها؟ أو نقول: إن هذا الحكم مما
شرع لعلة فيبقى الحكم ولو ارتفعت العلة؟ وله نظائر، لما اعتمر النبي -عليه
الصلاة والسلام- عمرة القضاء، قال الكفار: يأتي محمد وقد وهنتهم حمى يثرب،
فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأشواط الثلاثة، ومشى بين الركنين؛
لأنهم قالوا هذا يريد أن يغيظهم، الآن هل في أحد يقول: إن مسلمين
يأتون وقد وهنتهم الحمى، ارتفعت العلة، فهل
ارتفع الحكم معها؟ ارتفع وإلا بقي؟ بقي بدليل أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- رمل في حجة الوداع وما في أحد، واستوعب الشوط بالرمل، فارتفعت
العلة وبقي الحكم، فهل نقول هنا: ارتفعت العلة وبقي الحكم؟ أو نقول: يرتفع
الحكم بارتفاع العلة؟ لا سيما وأن ارتفاع العلة ليس هو مجرد ارتفاع، ارتفاع
العلة هنا ما هو ضد العلة وهو ضعف الصوت، ارتفاع العلة لزم منه ثبوت ضد
العلة وهو خفض الصوت، الحنابلة ينقلون عن الإمام أحمد أنه قال: لا يدور
المؤذن إلا إذا كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين، القصر، قصر الصلاة
في السفر إنما شرع لعلة وهو الخوف {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن
تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفعت
العلة التي هي الخوف، وبقي الحكم معلق بوصف لا بد من تحققه، وهو السفر
والضرب في الأرض، ماذا نقول؟ هل المؤذنين يلتفتون وإلا ما يلتفتون؟ الآن
الوصف ارتفع، هذه مسألة عملية، وكل بحاجة إليها، فهل نقول للمؤذن: التفت
يميناً وشمالاً مهما ترتب على ذلك من أثر؟ أو نقول: العلة ارتفعت ومثل ما
قال الإمام أحمد: إذا ما يكون في منارة لا يلتفت؟ يلتفت وإلا ما يلتفت؟ نعم
لشيء مأثور وموروث برؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- وإقراره في عبادة، من
السهل جداً أن نقول: لا يلتفت وبلال يلتفت بين يديه، يعني هل مجرد إسماع من
على اليمين ومن على الشمال يستقل بالتعليل أو لا يستقل؟ يمكن هناك علل
أخرى، حكم ومصالح أخرى، فإذا كانت العلة مركبة من أجزاء لا يرتفع الحكم إلا
بارتفاع جميع الأجزاء، لكن هذه أظهر الوجوه، كونه ما يظهر للناس إلا أنه
يريد أن يسمع من على يمينه ومن على شماله، الخلاصة على كل حال إذا أمكن أن
يحقق العلة ويطبق الفعل، إذا أمكن تحقيق العلة مع تطبيق الفعل فهذا الأمر
لا يرتفع الحكم معه، فإذا كان المؤذن بيده المكبر ويدور به معه، مثل هذا
يلتفت يميناً وشمالاً، وأما إذا ترتب عليه ضعف في الصوت فمن اقتدى والتفت
يميناً وشمالاً ولو ضعف صوته فهو على الأصل، ومن قال بقول جمع من أهل
العلم: إن الحكم يرتفع بارتفاع علته فله ذلك، لكن يبقى أن من اقتدى وتمام
الاقتداء إنما يتم بالالتفات، فإذا التفت
فقد حقق ما عهد في عصره -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلام في ذلك، ولو ضعف
صوته، قد يقول قائل: هذه حرفية ظاهرية، وكثير من الأحكام معقولة العلل،
والمصالح والمفاسد أمر مقرر في الشرع وفي أحكامه، في أحكام الحكيم الخبير،
المصالح والمفاسد مقررة في الشريعة، فالمصالح تطلب والمفاسد تدرأ،
والالتفات مصلحة أو مفسدة إذا كان يضعف الصوت؟ إذا كان يقوي الصوت مصلحة،
لكن إذا كان يضعف الصوت، والمطلوب من المؤذن رفع الصوت، أن يكون صيتاً
ويرفع صوته لدعاء الناس، لا سيما في هاتين الجملتين من الأذان، الناس
يعرفون من الأذان أنه أذن من قوله: الله أكبر الله أكبر، يعرفون أنه أذن،
ويسمعون التكبير، ويسمعون بقية الجمل، لكن المقصود من الأذان وهو دعوة
الغائبين إلى الصلاة يكمن في قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، وعلى كل
حال النظر له وجه، فمن امتثل وطبق فهو على الجادة، وهو على الأصل، ولو ضعف
صوته، أما من رأى أن الحكم مع هذه العلة واقتدى بمن يقول: إن الحكم يرتفع
له ذلك، لا سيما والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقول: لا يدور المؤذن إلا
إذا كان على منارة، يقصد إسماع أهل الجهتين، حي على الصلاة حي على الفلاح،
(حي) يعني هلموا وتعالوا وأقبلوا إلى الصلاة التي هي أعظم العبادات، ثانية
أركان الإسلام، حي على الفلاح بأداء هذه الصلاة، وهو البقاء الدائم والفوز،
ولا يوجد كما يقرر أهل العلم كلمة التعبير بكلمة واحدة عن معنى واضح مفهم
إلا في الفلاح، ويقولون أيضاً: النصيحة، الفلاح لا تقوم كلمة مقامها، كما
أن النصيحة لا توجد كلمة واحدة تعبر عنها، يعني لا يوجد لها ما يرادفها.
"ثم ركزت له عنزة" العنزة يراد منها السترة، وهي عصا في طرفه زج، حديدة
محددة، يمكن غرسها في الأرض "ثم ركزت له عنزة" العنزة هذه الحديدة وليست
القبيلة كما قال بعضهم: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، لا، العنزة المراد بها العصا، وفهم بعضهم أن العنزة
هي العنزة المعروفة من بهيمة الأنعام، فروى الحديث بالمعنى على حسب فهمه،
فقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى شاة وهذا تصحيف.
"ثم ركزت له عنزة، فتقدم وصلى" والسترة
للصلاة سنة مؤكدة، قال بعضهم بوجوبها لثبوت الأمر بذلك ((إذا صلى أحدكم
فليستتر ولو بسهم)) لكن الصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب كونه -عليه
الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، يقول الصحابي: يعني إلى غير سترة،
فاتخاذ السترة سنة مؤكدة، وقال بعضهم بوجوبها، والقول الأظهر أنها سنة
مؤكدة، وفي الحديث: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتازه))
سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"فتقدم وصلى الظهر ركعتين، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة"
لأنه في سفر، لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة، على هذا السنة
للمسافر القصر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يزل يصلي ويقصر الصلاة
حتى رجع إلى المدينة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا)) " يعني يؤذن قبل دخول الوقت
((فكلوا واشربوا)) لأن الامتناع من الأكل والشرب إنما هو بطلوع الصبح
((فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) ابن أم مكتوم رجل أعمى لا يؤذن
حتى يقال له: أصبحت أصبحت، كما جاء في الروايات الأخرى، فأذان بلال لا يمنع
من الأكل والشرب حتى يطلع الصبح بأذان ابن أم مكتوم، وعلى هذا اتخاذ أكثر
من مؤذن وكون أحد المؤذنين يؤذن قبل الوقت هذا في صلاة الصبح خاصة عند أهل
العلم، والدليل على ذلك هذا الحديث، سياق الحديث يدل على أنه في صلاة
الصبح؛ لأن الامتناع من الأكل والشرب إنما يكون في الصبح، بطلوع الصبح.
((يؤذن بليل)) ما المسافة أو المدة التي
تكون بين أذان هذا وأذان هذا؟ من أهل العلم من يقول: إن له أن يقدم قبل
الوقت بعد منتصف الليل، ومنهم من يقول: لا يزيد على مدة السحور، يكون
الأذان الأول يوقظ النائم، ولا يمنع من الأكل والشرب، والثاني يمنع الأكل
والشرب، ومنهم من يقول كما جاء في بعض الروايات: لم يكن بينهما إلا أن ينزل
هذا ويصعد هذا، على كل حال الصبح بحاجة إلى أن يكون لها أكثر من مؤذن؛ لأن
أكثر الناس نيام، فهم بحاجة إلى تكرار بهذا الأذان، وهل يقوم بهذا التكرار
واحد، بمعنى أنه يؤذن مرتين، ليقوم مقام المؤذنين، أو نقول: إن تكرار
الأذان بالنسبة للواحد بدعة، والمطلوب أكثر من واحد؟ محل نظر بلا شك، لكن
اتخاذ مؤذنين مشروع بهذا الحديث وغيره، لكن هل يؤذن المؤذنون الاثنين أو
الثلاثة أو الأربعة في آن واحد في المسجد الواحد؟ كان يُفعل، أين؟ نعم في
المسجد النبوي، كانوا يفعلونه دفعة واحدة، يؤذنون جميعاً، لكن هذا لا شك
أنه خلاف السنة، فالسنة أن يكون الواحد تلو الآخر، أذان ابن أم مكتوم الذي
هو مع طلوع الصبح هو الغاية للأكل والشرب {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ} [(187) سورة البقرة] نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)).
هذا الحديث: "عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) " وعلى هذا الذي
لا يسمع الأذان لا يجيب ولا يتحرى أذان المؤذنين؛ لأن بعض الناس من حرصه
على اكتساب الأجر وهو في مكان بحيث يكون وحده في البر يتحرى أذان المؤذنين
ويجيبه، نقول له: يا أخي أذن أنت ويحصل لك الأجر العظيم، إذا كنت لا تسمع
المؤذن وأنت في البر فأذن، وجاء الترغيب في الأذان في القفار، ويطلب أيضاً
رفع الصوت فإنه لا يسمع صوت المؤذن حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة.
((إذا سمعتم المؤذن)) هل قال: الأذان أو
المؤذن؟ المؤذن فعلى هذا الذي يسمع الأذان من غير مؤذن يجيب وإلا ما يجيب؟
كيف يسمع الأذان من غير مؤذن؟ نعم بالتسجيل، وليس كل أذان في المذياع من
غير مؤذن؛ لأنه إذا كان حي على الهواء ينقل من المكان مباشرة فهو مسموع من
المؤذن، غاية ما هنالك أن الإذاعة بلغت مثل مكبر الصوت، فتسجيل الأذان
وسماعه من المسجل لا يجاب، إنما يجاب إذا سمع المؤذن، سواء كان السمع
المباشر تسمعه بقربك منه، أو لكونه نقل إليك بواسطة آلة حي كما هو في
الإذاعات أحياناً حياً، وأحياناً مسجلاً، فتفرق بين هذا وهذا.
((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول))
المماثلة من وجوه، أولاً: الموافقة في الجمل، بمعنى أنك لا تزيد عليه ولا
تنقص، الأمر الثاني: أن الجملة الشرطية والعطف بالفاء يقتضي أن يكون قولك
للجمل بعد فراغه من قولها، كل جملة في وقتها، بحيث لا تتقدم عليه ولا
توافقه ولا تتأخر عنه كثيراً، العطف بالفاء أنه إذا قال: الله أكبر تقول:
الله أكبر، وجاء في الحديث: ((فإذا قال: الله أكبر الله أكبر)) جمع بين
الجملتين ((فقولوا: الله أكبر الله أكبر)) تمام المماثلة، شوف المماثلة
((فقولوا مثل)) يعني هل من تمام المماثلة أن يكون مدك للصوت مثل مده؟
أولاً: رفعك للصوت لا ينبغي أن يكون مثل رفعه؛ لأن المماثلة تقتضي الإتحاد
من كل وجه، فهل نقول: إنه لا يتأتى أن نقول مثل ما يقول إلا إذا رفعنا
صوتنا مثل رفع صوته، هذا لم يقل به أحد، وإلا لطلب الأذان من كل شخص، لكن
المدود مد لفظ الجلالة، مد لفظ: أكبر، هل المماثلة لا تتم إلا بالمد مثل ما
يمد؟ أو أنك تقول مثل ما يقول من هذه الجمل تؤديها على أي وجه كان؟ على أي
وجه مجزئ، يعني هل المطلوب محاكاة المؤذن في كيفية أدائه لهذه الجمل أو
المطلوب أننا نقول هذه الجمل التي يقولها المؤذن؟ لو نظرنا إلى المماثلة
(مثل) يعني لما قال في الوضوء: ((من توضأ)) مثل وضوئي وإلا نحو وضوئي؟ نعم؟
نحو وضوئي؛ لأنه لا يمكن أن تتحقق المماثلة من كل وجه، وهنا قال: ((فقولوا
مثل ما يقول)) ما قال: قولوا نحو ما يقول، فهل المقصود من المماثلة هنا
المطابقة من كل وجه حتى في رفع الصوت حتى في مد الحروف؟ هناك من وجوه
المماثلة ما لا يستطاع، وهناك ما دل الشرع على أنه غير مراد مثل رفع الصوت؛
لأنه لا يطلب إلا مؤذن واحد، وإلا صار الناس كلهم مؤذنون لو رفعنا الصوت،
بقيت المحاكاة والمماثلة في أداء هذه الجمل من المدود وغيرها، والذي يظهر
أن المطلوب إيجاد جمل الأذان التي يقولها، والعطف بالفاء يقتضي عدم
التأخير؛ لأن بعض الناس يكون في يده شغل يقرأ مثلاً، وهذا المؤذن يحتاج إلى
خمس دقائق، وأنت بإمكانك أن تقول جميع الجمل في دقيقة واحدة، تقول: أستغل
هذه الأربع الدقائق وإذا قرب من النهاية أسرد، ما يفعله كثير من الناس، تبي
تترك شغلك إذا قال: الله أكبر، هنا كان في
مؤذن -رحمة الله عليه- لكنه خلاف السنة بلا شك، يستمر في أذانه أكثر من نصف
ساعة، نقول: انتظر تقول مثل ما يقول؟ لا، لا، بعض المؤذنين يستمر خمس
دقائق، فهل نقول: اترك ما في يدك من قراءة ومن ذكر ومن عمل حتى ينتهي في
خمس دقائق وأنت بإمكانك أن تقول الأذان في دقيقة واحدة؟ مقتضى المماثلة أنك
إذا انتهى من الجملة والعطف بالفاء للتعقيب، فإذا قال: الله أكبر الله أكبر
فقولوا: الله أكبر الله أكبر، فعلى هذا تترك أي عمل في يدك لئلا تخلط في
هذه الجمل أذكار أخرى، فتدخل عليها غيرها، افترض أنك تسبح وإلا تهلل وإلا
شيء، تقول: الله أكبر الله أكبر، إذا وقف المؤذن يتنفس تقول: سبحان الله
وبحمده سبحان الله العظيم، فتدخل أذكار بأذكار محددة فتقع في شيء من
المحظور.
((فقولوا مثل ما يقول)) يعني الجمل التي
يقول قولوها، فإذا قال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله .. إلى آخره، طيب حي على الصلاة، حي على الفلاح،
إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: حي على الصلاة؟ نعم؟ مقتضى المماثلة أن
نقول: حي على الصلاة حي على الفلاح مثل ما يقول، لكن جاء ما يخصص هذا
العموم من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله بدل الحيعلتين، من أهل العلم من
يقول: المماثلة مطلوبة، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله هذا الخاص يضاف على
ما يقوله المؤذن، لكن من نظر إلى المعنى رأى أن التخصص أوجه؛ لأن الدعوة
إلى الصلاة، الجمل كلها أذكار يرتب عليها أجر، لكن كونك تقول بصوت منخفض حي
على الصلاة ماذا تستفيد؟ هل هذا ذكر تؤجر عليه؟ هو يقولها ليدعو الغائبين
إلى الصلاة، لكن أنت لماذا تقولها؟ جاء بدلها بالنص لا حول ولا قوة إلا
بالله، يعني لا حول لنا ولا قوة لنا في إجابة داعي الله إلا بالله -جل
وعلا-، إلا بمعونته وتوفيقه، ولا حول ولا قوة إلا بالله ذكر وإلا ليست ذكر؟
ذكر، وجاء في فضلها أنها كنز من كنوز الجنة، لا حول ولا قوة إلا بالله كنز
من كنوز الجنة، وش تتصور هذا الكنز المطمور المدفون تحت تراب الجنة؟ ترابها
المسك الأذفر، إذا كان هذا التراب الذي يداس بالأقدام فكيف بالكنز؟ لا حول
ولا قوة إلا بالله.
بعد ذلك يقول إذا انتهى من إجابة المؤذن:
"اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة،
وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته" وزيادة: "إنك لا تخلف المعياد" مختلف في
كونها محفوظة أو شاذة، جاء الحث على الأذان والترغيب فيه، جاء أن المؤذنين
أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ((ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول
حتى إذا لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) فالأذان مرغب فيه، وأجره
عظيم، وثوابه جزيل، ولا يسمع صوته إلا شهد له يوم القيامة، وجاء في الخبر
وإن كان لا يسلم ((من أذن اثنتي عشرة سنة كتبت له براءة من النار)) لكنه
حديث تكلم فيه، وعلى كل النصوص الصحيحة الصريحة تغني عنه، والخلاف في
المفاضلة بين الأذان والإمامة معروف عند أهل العلم، وجاء في الحديث:
((اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين)) وجاء ((الإمام ضامن، والمؤذن
مؤتمن)) وعلى كل حال فيه ثواب عظيم، فعلى الإنسان إذا سنحت له الفرصة أن
يؤذن فليحرص على ذلك، نعم.
عفا الله عنك.
باب: استقبال القبلة
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله، وفي
رواية: كان يوتر على بعيره، ولمسلم: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة،
وللبخاري: إلا الفرائض.
باب: استقبال القبلة
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة،
والقبلة إنما هي الكعبة، واستقبالها يكون بالاتجاه إليها {فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] شطر المسجد الحرام،
والمطلوب الكعبة، فإذا كان الإنسان داخل المسجد لا يجزئه إلا أن يستقبل عين
الكعبة، ومن كان خارجه وبعيداً عنه بحيث لا يتمكن من استقبال عينها كفته
الجهة عند الجمهور، وقال الشافعية: لا يجزئه إلا استقبال عين الكعبة ولو
كان بعيداً عنها، قد يقول قائل: هذا مستحيل، الآلاف الأميال ثم يطلب عين
الكعبة، هم يخففون هذا بكون الاستقبال إلى عين الكعبة بغلبة الظن، يعني إذا
غلب على ظنه أنه إلى عين الكعبة كفاه ذلك، وعلى كل حال استقبال العين
مستحيل لمن بعد، ولو قيل بأنه لا يتأتى لبعض من كان داخل المسجد، من كان
داخل المسجد قد لا يتمكن من استقبال أو من رؤية عين الكعبة، لا سيما إذا
كان في صفوف متأخرة أو يحول دونه ودونها أبنية وأعمدة يصعب عليه ذلك، لكن
على من كان داخل المسجد أن لا يدخل في الصلاة حتى يتأكد أنه إلى عين
الكعبة؛ لأنه لا عذر له، العين ممكنة، وإذا أمكنت لم يجزئ غيرها، فليحرص
المسلم على ذلك.
يقول: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان
يسبح" الأصل في التسبيح التنزيه، ويكون بقوله: سبحان الله، فهل هذا هو
المراد؟ تسبيح كما يطلق على التنزيه بلفظ: سبحان الله، يطلق أيضاً على
التنفل، والسبحة هي النافلة، فكان يتنفل -عليه الصلاة والسلام- "على ظهر
راحلته" على دابته "حيث كان وجهه" أينما أتجه وجهه "يومئ برأسه" إلى الركوع
والسجود، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، يصلي حيثما كان وجهه، يومئ برأسه، هذا
في النافلة بدليل الرواية اللاحقة: "غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة،
وللبخاري: إلا الفرائض" الظاهر أنه العكس، للبخاري: "غير أنه لا يصلي على
المكتوبة" ولمسلم: "إلا الفرائض" خرج وإلا ما خرج؟
في نسخ مخرجة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب هي في البخاري، والثانية: الفرائض هذه في مسلم، مخرج عندك وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
أي الجملتين؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلام المؤلف، لكن هو الواقع وإلا لا؟ مخرج وإلا ما خرج؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
معك نسخة مخرجة وإلا كلام المؤلف؟
أعطني إياها أشوف، وهي أيضاً للبخاري هذه موجودة في الصحيحين، وللبخاري:
إلا الفرائض، الذي يغلب على ظني أنها في مسلم أيضاً، لكن تراجع.
"يومئ برأسه" لأنه لا يتمكن من الركوع؛ لأن الركوع لا يكون إلا من قيام،
ولا يتمكن من السجود لأنه يشق عليه، ولا يتمكن من أن يسجد على أعضائه
السبعة على الدابة.
"وكان ابن عمر يفعله" اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وغيرهم من
الصحابة يفعلونه "وفي رواية: كان يوتر على بعيره" في رواية: "غير أنه لا
يصلي عليها إلا المكتوبة" يستدل بها الجمهور على أن الوتر ليس بواجب، من
أين؟ من المقدمتين المذكورتين، من كونه -عليه الصلاة والسلام- يوتر على
البعير، وكان لا يصلي عليها المكتوبة، إذاً الوتر ليس من المكتوبة، إذاً
ليس بواجب، جاء ما يقيد هذا في السفر، أنه يصلي على الدابة في السفر، فهل
يتطوع من شاء على الدابة وهو في الحضر؟ ترى الشخص في سيارته يمشي في طريق
آمن ويصلي نوافل، أو انتقل بعد الصلاة إلى مكان بعيد ويخشى أن يفوت وقت
الراتبة فيصليها في السيارة، يعني القيد الذي جاء، التقييد في كونه في
السفر هل هو معتبر أو غير معتبر؟ معتبر عند الجمهور، وجاء عن أنس ما يدل
عليه الإطلاق، وأنه في السفر والحضر، وأن شأن النافلة موسع فيها، كما أنه
يصلي يجوز له أن يصلي وهو جالس من غير علة، مع قدرته على القيام يجوز له أن
يصلي وهو على دابته في الحضر، يجوز له ذلك، وإن كان الجمهور يقيدون ذلك في
السفر، في السيارات الآن التي يتمكن الإنسان من أداء النافلة اللهم إلا
السجود لأنه يترتب عليه الانحراف عن الطريق، أو عدم رؤية من أمامه، إذا كان
يقود السيارة يصعب عليه أن يسجد سجود كامل، يومئ، وحكمها حكم الدابة بل
أولى، والصلاة في السيارة أيسر من الصلاة في الدابة، وإذا كان يقرأ القرآن
وأيضاً مرت به آية سجدة، أيضاً يسجد حسب ما يمكنه من السجود، بالإيماء.
"وكان يوتر على بعيره، ولمسلم: غير أنه لا
يصلي عليها المكتوبة" بل يلزمه أن يصلي المكتوبة على الأرض بركوعها
وسجودها، ولا يتنازل عن شيء من أفعالها من أركانها وواجباتها، اللهم إلا
عند الحاجة الشديدة والعذر، ففي حديثه عن ابن مرة في السنن أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته، والسماء من
فوقهم، والبلة من تحتهم -يعني الأرض طين- والمطر ينزل، فحضرت الصلاة فأمر
المؤذن فأذن وأقام، ثم تقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على راحلته
فصلى بهم يومئ إيماء، يعني كما يفعل في النافلة، فالحاجة إذا دعت إلى ذلك
لا مانع أن يصلوا على رواحلهم، وقل مثل هذا إذا كان المسافة بعيدة، وهم في
طائرة، أو في باخرة لا يمكنهم النزول، فيصلون على حسب حالهم في الطائرة، أو
في الباخرة على أن يؤدوا الصلاة على أكمل وجه ممكن، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما الناس في قباء في صلاة
الصبح إذا جاءهم آتٍ، فقال لهم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل
عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى
الشام فاستداروا إلى الكعبة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما هاجر إلى المدينة مكث ستة عشر أو سبعة عشر
شهراً يصلي إلى بيت المقدس، وكان يود -عليه الصلاة والسلام- أن تحول القبلة
إلى الكعبة {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [(144) سورة البقرة] والصحابة
يعرفون هذا أنه كان يرغب أن تحول القبلة، فحولت القبلة إلى الكعبة، فمن
بلغه الناسخ عمل به، لا سيما من كان معه في مسجده -عليه الصلاة والسلام-،
منهم من بلغه الخبر بعد فرض واحد في صلاة العصر، فجاء من يخبرهم وهم في
صلاتهم أن القبلة قد حولت فاستداروا كما هم، وأما أهل قباء، لم يبلغهم
الخبر إلا في صلاة الصبح من الغد، في هذا الحديث يقول:
"عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما
الناس في قباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها،
وكانت وجوههم إلى الشام فاستقبلوها" أولاً: القبلة بالنسبة لمن يصلي على
الراحلة قبلته إيش؟ جهته التي يريدها، الجهة حيث كان وجهه، هذه مسألة
دقيقة، إذا قلنا: إن قبلة من يصلي على الدابة أو على الراحلة الجهة التي
يريدها، الطريق الذي يسير إليه، فماذا عنه إذا انحرف يميناً أو شمالاً على
الدابة لأمر طارئ ما كان هو جهته، يصلي على السيارة فاحتاج بقالة لف يمين،
احتاج بنزين لف يسار، ماذا يصنع؟ هذه غير جهته التي يريدها، الذي يقول: إن
جهة من يصلي على الدابة جهته التي يريدها ويقصدها يقول: إذا انحرف يميناً
وإلا شمالاً بطلت صلاته، ومنهم من يقول: إن الأمر أوسع من ذلك ما دام ساغ
له أن يفرط بشرط من شروط الصلاة تخفيفاً عليه في الصلاة النافلة لا يضيق
بمثلها هذه الحاجات التي تميل به يميناً وشمالاً ما دام ترك جهة القبلة،
هذه فائدة نبه عليها بعضهم.
يقول: "بينما الناس في قباء" الناس يعني من
العام الذي أريد به الخصوص، الناس الذين يصلون في هذا المسجد لا جميع
الناس، والعام قد يرد ويراد به العموم، وقد يرد ويكون من العام الذي أريد
به الخصوص، وقد يرد ويكون من العام المخصوص، هناك فرق بين العام المخصوص،
والعام الذي يراد به الخصوص، هنا من العام الذي يراد به الخصوص، أصل
المتكلم ما قصد الناس كلهم {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [(173) سورة
آل عمران] كل الناس جاءوا وقالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟! واحد،
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}
[(173) سورة آل عمران] هل جميع الناس جمعوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-،
هذا عام أريد به الخصوص، وهنا عام أريد به الخصوص، أما إذا أريد العموم من
الأصل ثم دخله المخصصات هذا شيء آخر "بينما الناس بقباء" بالمد والقصر،
بالتذكير والتأنيث، بالصرف وعدمه "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذا
جاءهم آتٍ" عباد بن بشر "فقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد أنزل
عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وقد كانت وجوههم
إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة" القبلة التي كانوا عليها إلى جهة بيت
المقدس قطعية وإلا ظنية؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كانوا عليها، يعني هل هم مترددين في الصلاة إلى بيت المقدس؟ هل يحتمل
النقيض صلاتهم إلى بيت المقدس؟ أو أن هذه القبلة التي سمعوا ورأوا النبي
-عليه الصلاة والسلام- يصلي إليها؟ إذاً قطعية.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما أقصد عينها وإلا ما عينها، استقبالهم
إلى الجهة إلى بيت المقدس هذا مقطوع به، هم على قبلة مقطوع بها؛ لأنها إما
بسماع مباشر من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو رؤية، والعلم الذي يحصل
بالحواس قطعي، العلم الحاصل بالحواس قطعي بلا شك، انتقلوا عن هذه الجهة
القطعية بخبر واحد، فهل خبر الواحد يفيد العلم القطعي أو يفيد الظن؟ لما
انتقلوا من قطع إلى خبر واحد، أولاً: المسألة فيما يفيده خبر الواحد مسألة
خلافية، والأكثر على أنه يفيد الظن، لماذا؟ لأن الواحد الثقة أو المجموعة
من الثقات إذا لم يبلغوا حد القطع الملزم بالقبول الذي لا يحتمل النقيض
مهما بلغوا من الحفظ والضبط والإتقان إلا أن الاحتمال يتطرق إلى خبرهم،
يعني مالك وهو نجم السنن حفظ عنه بعض الأخطاء، الصحابة حفظ عن بعضهم بعض
الأوهام، وما دام هذا الاحتمال قائم، هذا الاحتمال ما دام قائماً الأكثر
يرون أن هذا لا يفيد إلا الظن، لا يفيد العلم القطعي، بمعنى أنه لو قال لك:
جاء زيد، شخص واحد، أو اثنين أو ثلاثة، قالوا: جاء زيد هل تحلف أن زيداً قد
حضر، أو يحتمل أن هذا القائل رأى شخص يظنه زيداً فبان غيره؟ وهم في خبره،
الاحتمال قائم، لكن باعتباره ثقة عدل ضابط لا شك أن غلبة الظن متحققة، حتى
تصل في بعض الناس إلى نسبة تسعة وتسعون بالمائة، يصل الأمر في خبر بعض
الناس إلى أنه يكون في حكم المشاهَد في القطعية، لثقتك به، لكن مهما بلغ من
هذه الثقة إلا أنه لم يصل إلى حد مائة بالمائة لا يحتمل النقيض، هذا قول
جمهور أهل العلم، وهو مبني على التفريق في معنى العلم والظن والشك والوهم،
هذه درجات المعلوم، فإن كان لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه خبره مطابق
صادق مائة بالمائة لا يهم ولا يخطئ أبداً، هذا نقول: يفيد العلم، وهل من
الرواة أو من المخبرين من هذه صفته؟ لا يهم أبداً، ولا يخطئ أبداً، فيهم من
هذه صفته؟ لا يوجد، إذاً لا يوجد هذا إلا في غير المعصوم الذي خبره قطعي
ويقيني، من عداه ما دام الاحتمال قائم فبقدر الاحتمال تنزل نسبته من مائة
إلى مائة، تنزل النسبة من مائة بالمائة إلى أن يصل ثقتك ببعض الناس إلى أن
يصل وضبطه وإتقانه إلى حد تسعة وتسعين بالمائة، وما دام هذا
الاحتمال قائم إذاً خبره لا يفيد العلم
القطعي، يفيد غلبة الظن، وينزل بعضهم إلى تسعين إلى ثمانين إلى سبعين، وما
زال في دائرة الظن، حسب توافر شروط القبول فيه، هذا القول الذي يقول بأن
خبر الواحد لا يفيد في أصله إلا الظن، والقول الآخر وهو قول أهل الظاهر أن
حسين الكرابيسي وأهل الظاهر يقولون: إن الخبر يفيد العلم، إيش معنى هذا؟ أن
أي شخص يخبرك بخبر يلزمك تصديقه، وهل هذا صحيح؟ هذا ليس بصحيح، يعني يفيد
مطلقاً، منهم من يقول: إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم مطلقاً، ومنهم من
يقول: أخبار الآحاد تفيد العلم مطلقاً، ومنهم من يقول: إن أخبار الآحاد
تفيد العلم إذا احتفت بها قرينة، يقول: هذه النسبة التي وجدت، الاحتمال
الذي وجد في احتمال النقيض، يعني أنت الآن أخبرك زيد من الناس وهو أصدق
الناس عندك، هو أصدق الناس وأحفظهم وأضبطهم، وأخبرك أن زيد قدم، أنت عندك
نسبة، ولو واحد بالمائة أنه يخطئ، أترك له مجال يخطئ، ما في أحد ما يترك له
مجال يخطئ؛ لأنه ليس بمعصوم، طيب هذا الاحتمال الضعيف إذا وجد قرينة، أنت
عندك خبر أن زيد من الناس حجز في الساعة الفلانية وبيجي، نعم احتمال أن
الطيارة تفوته، أن حجزه يلغى، احتمالات، لكن هذه قرينة تدلك على أن فلان
سوف يحضر في الساعة الفلانية، جاءك أوثق الناس عندك، وقال: رأيت زيد، خلاص
انتهى، أفاد العلم مائة بالمائة؛ لأن هذه القرينة التي عندك من قبل صارت في
مقابل الاحتمال الضعيف، يقولون: هذه القرينة تجعل خبر الواحد تفيد العلم،
وهنا؟ هنا في قرينة تجعل هؤلاء يقبلون خبره، ويقطعون به، وينتقلون بخبره
المظنون في الأصل عن قبلة قطعية إلى القبلة الأخرى التي استفادوها من خبره،
وإن كان في الأصل لا يفيد إلا الظن، لكن هناك قرائن، منها كون النبي -عليه
الصلاة والسلام- كان متشوف إلى تحول القبلة، وموعود بتحويل القبلة، هذه
قرينة لقبول خبره، وممن صرح بأن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به
القرينة ومفهومه أنه لا يفيد العلم إذا لم تحتف به قرينة، ممن صرح بذلك شيخ
الإسلام ابن تيمية وابن رجب وجمع غفير من أهل العلم، وابن رجب في شرح هذا
الحديث قرر أن خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بالقرينة، وهنا احتفت
به القرينة، كون هذا الرجل يأتي إلى جماعة
من الناس رافعاً صوته؛ لأن الشخص الذي يريد أن يكذب أو يلبس ما يشهر كلامه،
ويرفع صوته بين الناس، لكن مثل هذا الذي جاء رافعاً صوته: أيها المسلمون
أيها الناس ألا أن القبلة قد حولت، ويقبلون خبره، لا شك أن هذه قرينة تدل
على صدقه، إضافة إلى أن الأصل في الصحابة الضبط والإتقان والصدق، هؤلاء
انتقلوا من قبلة مقطوع بها إلى قبلة احتفت القرينة بخبر المخبر حتى صار
خبره مقطوعاً به، فانتقلوا من مقطوع إلى مقطوع، هذا بالنسبة لهم، الأمر
الثاني: أن ما صلوه قبل بلوغهم الناسخ صحيح وإلا ليس بصحيح؟ صحيح بدليل
أنهم لم يستأنفوا الصلاة، كملوا، نصف الصلاة إلى جهة بيت المقدس، والنصف
الثاني إلى الكعبة، فمن عمل بخبر عن الله أو عن رسوله عمل به قبل بلوغه ما
ينسخه، أو قبل بلوغه ما يخصه، أو قبل بلوغه ما يقيده فعمله صحيح، لكن لا بد
أن يكون من أهل العلم، ما يجي واحد بلغه خبر منسوخ والناسخ مستفيض ومعروف
بين العلماء وطلاب العلم وكتب العلم منتشر ومستفيض ويعمل بالمنسوخ، لا، لا
بد أن يكون من أهل النظر، أما من لم يكن من أهل النظر ليس له أن يعمل حتى
يسأل أهل العلم، يبقى أن مثل هذا العمل بالناسخ أو بالمنسوخ قبل بلوغ
الناسخ، العمل بالعام قبل وجود المخصص، والمطلق قبل وجود المقيد، هذا قول
جماهير أهل العلم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، هذا الذي بلغهم، هؤلاء صح
أول صلاتهم عملاً بالمنسوخ؛ لأنه لم يبلغهم الناسخ {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن
بَلَغَ} [(19) سورة الأنعام] أما من لم يبلغه الخبر فلا يلزمه العمل به.
"قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن
يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة"
كما هم، يعني صار الإمام متقدم والصف الأول هو الصف الأول، والصف الثاني هو
الصف الثاني إلا أن الجهة تغيرت، ومثل هذا العمل لمصلحة الصلاة لا يبطلها
ولا يفسدها، وعلم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما حصل، وأقرهم على ذلك،
طيب هذا خارج الصلاة، ووجههم وتوجهوا، لو أن إنساناً يصلي فأخطأ، شخص جالس
وواحد ثاني يصلي جنبه، فجلس هذا الذي يصلي من ركعة، وقال له الجالس: قم يا
أخي أنت ما صليت إلا ركعة، يقبل الخبر وإلا ما يقبل؟ أو أخطأ في القراءة
ففتح عليه، هذا خارج الصلاة، يقبل خبره؛ لأن هؤلاء قبلوا خبر من ليس معهم
في الصلاة، خارج الصلاة، فدل على أن من يخبر المصلي ولو كان خارج الصلاة
يقبل خبره، وإن قال بعضهم: إنه لا يقبل الفتح عليه إلا ممن هو معه في
الصلاة؛ لأن الذي معه في الصلاة يريد أن يحافظ على صلاة هذا المصلي؛ لأن
صلاة هذا المصلي لها أثر في صلاته هو، أما من كان خارج الصلاة قد يفتح عليه
وهو غير متأكد؛ لأن صلاته ما تهم، ولا يهمه أنه يزيد ركعة أو ينقص ركعة،
فبعضهم يقول: إنه لا يقبل خبره إلا إذا كان معه في صلاته، لكن إذا كان ثقة
غير متلاعب ويعرف أنه يقصد مصلحة الصلاة، وحصل عنده تعارض في نفسه، أما إذا
كان متيقن من فعله، نعم لا ينتفي القول هذا، إذا شك أورث عنده شك فإنه
يعتمد خبره، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أنس بن سيرين -رضي الله عنه- قال: استقبلنا أنساً حين قدم من الشام
فلقيناه بعين التمر، ورأيته يصلي على حمار ووجه من ذا الجانب، يعني عن يسار
القبلة، فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يفعله لم أفعله.
هذا حديث عن أنس بن سيرين، وهو أخ للإمام
التابعي الجليل محمد بن سيرين، وأولاد سيرين من الذكور والإناث كلهم ثقات،
وهم من سبي عين التمر، يقول: "عن أنس بن سيرين قال: استقبلنا أنساً" يعني
ابن مالك "حين قدم من الشام" وفي بعض الروايات: قدم الشام، قدم من الشام
خرجوا من البصرة لاستقباله فهو قادم من الشام، في بعض الروايات وهي في
الصحيح: قدم الشام، ومن لا بد من اعتبارها؛ لأنه أنشأ السفر من الشام، ومن
ابتداء الغاية، وإذا قيل: قدم الشام، يعني قدم الشام، هذا ظاهر اللفظ، لكن
يجيزون حذف الحرف إذا لم يحصل لبس {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ
رَجُلاً} [(155) سورة الأعراف] يعني من قومه، إذا لم يحصل لبس جاز الحذف،
فلقيناه بعين التمر، فرأيته، عين التمر موضع حصلت فيه واقعة أسر فيها أولاد
سيرين وغيرهم، المقصود أنه لو لم يكن من بركتها إلا محمد بن سيرين -رحمه
الله تعالى-.
"فرأيته يصلي على حمار ووجه من ذا الجانب" تعني عن يسار القبلة، يصلي على
حمار، الحمار جاء في لحمه أنه رجس، وجاء في روثه: أنه رجس، فهل هذا يدل على
نجاسته؟ وجاء تحريم لحمه بعد أن كان حلالاً، بعد أن كان طيباً مباحاً، يحل
لهم الطيبات، لكنه صار بعد ذلك محرماً، وانتقل من كونه طيباً مباحاً إلى
كونه خبيثاً محرماً، فهل مقتضى هذا أن يكون نجساً؟ النبي -عليه الصلاة
والسلام- ركب الحمار، وأنس -رضي الله عنه وأرضاه- صلى على الحمار، ويستدل
بهذا أهل العلم على طهارة بدن الحمار، ولا سيما إذا كان الوقت حار، أو أجهد
الحمار وأثقل بالأحمال سوف يخرج منه العرق، ويستدلون بهذا أيضاً على طهارة
عرقه، وكثرة معالجته ومعاشرته تدل على طهارته، إذ لم يرد نص يدل على التوقي
منه.
"ووجه من ذا الجانب" يعني من غير القبلة
على يسار القبلة "فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة" يعني كان انحراف يسير،
الانحراف يسير عن جهة القبلة، الأمر سهل، المسألة فيها سعة، وقد جاء في
الحديث المخرج في السنن ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) لكن يقول: "رأيتك
تصلي لغير القبلة" فدل على أنه ينحرف إلى جهة اليسار إلى الحد الذي هو غير
مرضي، يعني إلى حد بحيث يبطل الصلاة لو كانت صلاة استقرار، "رأيتك تصلي
لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله ما
فعلته" النبي -صلى الله عليه وسلم- تنفل على الدابة، لكنه لا يصلي على
الفريضة، وأنس تنفل على الحمار، وصلى على الحمار، وهو محمول على أنها
نافلة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي على الدابة المكتوبة،
السائل يقول: رأيتك تصلي لغير القبلة، يعني السؤال فيه شيء من الرفق، لو
شخص رأى شخص يصلي إلى جهة، وحصل مراراً، يدخل شخص يحضر الدرس يشوف الطلاب
أحياناً، بعض الناس يصاب بشيء من رهبة الجموع أو الكثرة أو كذا، ثم يصلي
إلى غير القبلة، إيش المناسب في توجيهه؟ هذا حصل مرتين، يصلي إلى جهة
الشرق، يدخل يشوف الطلاب والشرح والدنيا يصلي إلى جهة الشرق، هل من المناسب
أن يزبر ويزجر أو يعرض عليه الأمر، أنت صليت أتجه قليلاً يا أخي، القبلة
إلى جهة اليمين إلى جهة الشمال، الجهة خلفك، وش المانع؟ فيوجه برفق ولين،
ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن رآه دخل مع الباب وجلس، فقال له:
((هل صليت ركعتين؟ )) ما قال له: قم وصل ركعتين، فالتلطف بالسؤال مطلوب،
فأجاب -رضي الله عنه وأرضاه-: "لولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يفعله ما فعلته" لماذا؟ لأن العبادات توقيفة، فليس للإنسان أن يجتهد
في العبادات، فالعبادات لا يدخلها القياس، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: ما حكم من جمع التكبيرتين في الأذان ولكن بمد زائد؟
الجمع بين التكبيرتين ذكرنا في الأمس أنه
قول لجمع من أهل العلم، وله ما يسنده وما يدل عليه، وهذا بيناه، ووضحناه
بالأمس، الله أكبر الله أكبر، وأما المد الزائد الذي يولد من الحركات حروف،
فهذا قد يبطل الأذان لا سيما في لفظ أكبر، فإذا مدت الباء انقلب المعنى،
والأكبار هو الطبل.
هذا يقول: من فاتته الفريضة ثم صلى سبع وعشرين مرة.
إعادة الفريضة بنيتها بدعة، الصلاة الصحيحة المجزئة المسقطة للطلب إعادتها
بنية الفريضة بدعة، فلا يشرع أن يعيدها سبع وعشرين مرة، لكن أثر عن بعض
السلف أن منهم واحد لا يعرف غيره من صلى سبع وعشرين مرة، عله أراد بذلك
كثرة التنفل لينجبر ما فاته بفوات الجماعة.
يقول: ما هو العلم الذي يتعين على كل مسلم ومسلمة تعلمه؟
الذي يلزم تعلمه، والذي يجب على كل مسلم ومسلمة ما يصحح العبادات الواجبة،
بحيث يؤدي ما أمر به على سبيل الوجوب على مراد الله -جل وعلا-، يلزمه أن
يتعلمه، يتعلم ما يحتاج إليه من الصلاة، من الزكاة إن كان عنده مال من
الصيام؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
يقول: أنا شاب حلفت أني ما أفعل شيئاً معيناً في فترة محدودة، لكن نسيت مرة
وفعلتها فهل علي شيء؟
إذا حلف أن لا يفعل ما فعل فعليه كفارة يمين.
يقول: تحدثتم عن طلب العلم في الصغر وأنه هو الأفضل، ولكن إذا كان الشخص
كبيراً ولديه أسرة وعمل، ولكنه يرغب بطلب العلم فما تنصحونه كيف يبتدئ؟
يبتدئ على الجادة، وإن كان كبيراً إلا أنه بحكم المبتدئ، يبدأ بكتب
المبتدئين، ومن سار على الدرب وصل، وجد في ترجمة بعض الحفاظ الكبار من لم
يطلب العلم إلا وهو كبير، ومن أبرز الأمثلة ما يذكر في سيرة صالح بن كيسان
وهو من كبار الآخذين عن الزهري، وهو من الثقات الحفاظ، أقل ما قيل في سنه
وقت الطلب: خمسين، وقيل: تسعين.
يقول: ما حكم نزع الشعر بالليزر، فإذا كان في الظهر مثلاً؟
إذا كان الليزر لا يضر، والشعر مما يجوز أخذه أو يستحب فلا بأس.
ألا يقال: إذا كانت تحية المسجد مجرد سنة فلماذا يحرج الإنسان نفسه بأداء
ما فيه شبهة، أنه منهي عنه في وقت النهي؟
بالمقابل الذين قالوا وهم جماهير أهل العلم
أن تحية المسجد سنة، أيضاً قالوا: إن النهي للكراهة، فالمسألة مقابلة بين
سنة وكراهة، وسبقت المسألة بذيولها.
يقول: إذا رضع الطفل الرضاع المحرم من أكثر من امرأة هل تتعدد أمهاته من
الرضاعة أم الحق للأولى؟ تتعدد بتعددهن.
يقول: ذكرتم في درس الأمس الإقامة وأنها تشفع، يعني لفظ الإقامة، قد قامت
الصلاة، قد قامت الصلاة، وأنه خرجت بالرواية، وأن يوتر الإقامة، هذا هو
الأصل، إلا الإقامة فإنها خرجت بالرواية، وذكرتم التكبير وكيفية إخراجه
لكني لم أفهم.
التكبير إذا قلنا: إنه يقرن بين التكبيرتين في الأذان فيقال: الله أكبر
الله أكبر، ثم يقال: الله أكبر الله أكبر فيكونان بمثابة جملتين فقط، وإذا
قرنا بينهما في الإقامة كانتا بمثابة جملة واحدة وهذا مما يرجح به قرن
التكبير.
يقول: مسألة من دخل في أوقات النهي والخلاف فيها، لكن يقول: هل ترجح
المسألة -ركيك السؤال- يقول: سنة أو واجبة؟ فعلى من يقول: بالسنية لا يصلي،
أما إذا كانت واجبة فيصلي ...
القرائن والصوارف من الوجوب إلى السنية كثيرة جداً.
الأسئلة كثيرة جداً، والوقت ضيق على الكتابين، فلعلنا نقتصر على هذا.
نعم.
بارك الله فيك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: الصفوف
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)).
وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يقول: ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) ولمسلم: كان
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح،
حتى رأى أن قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلاً
بادياً صدره فقال: ((عباد الله لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين
وجوهكم)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الصفوف
والصفوف جمع صف، يقول: "عن أنس بن مالك
-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سووا صفوفكم))
" وهذا أمر بالتسوية، والمراد بالتسوية التعديل، تعديل الصفوف عن الاعوجاج،
ومن التسوية التراص في هذه الصفوف، بحيث لا يوجد فيها فرج تكون موضعاً
للشيطان، فالتسوية تكون بتعديل الصفوف، وكثير من المسلمين هداهم الله لا
يهتمون بهذا الأمر، والأمر فيه شديد، كما سيأتي في حديث لاحق ((لتسوون
صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) فالأمر هنا للوجوب، والعلة في ذلك
((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) قد يقول قائل: إن العلة تدل على
الاستحباب وقد قيل بذلك، من تمامها، يعني من كمالها، فالتسوية أمر بالنسبة
للصلاة كمالي؛ لأنه لا يعود إلى ذاتها ولا إلى شرطها فيكون كمالياً، لكن
النص صريح في الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وتمام الشيء بجميع أجزائه،
إنما يكون تمام الشيء بفعل جميع أجزائه، من تمام الصلاة قراءة الفاتحة، من
تمام الصلاة أن الشيء لا يتم ولا يكمل إلا بصورته المجتمعة، بما في ذلك
الأركان والواجبات والسنن، هذا تمامه، تمامه يكون بجميع أجزائه، وأما قول
من يقول: إن التمام لا يدل على الوجوب لأن التمام قدر زائد على أصل الشيء
فليس الأمر كذلك، السلام من تمام الصلاة، ولا تتم الصلاة إلا بقراءة، ولا
تتم الصلاة إلا بركوع، ولا تتم إلا بسجود، وتشهد وسلام وغير ذلك، فلا تتم
الصلاة إلا باجتماع أركانها، وتوافر شروطها وأركانها وواجباتها وسننها
أيضاً، فالصلاة إنما تتم بهيئتها المجتمعة على الصورة التي رئي النبي -عليه
الصلاة والسلام- يصليها ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعرفنا أن من التمام ما
هو ركن، ومن التمام ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، فلا يتعين أن يكون قوله
في الحديث: ((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) هل الصلاة التي لا يقرأ
فيها صلاة تامة؟ ليست بتامة، ناقصة؛ لأن التمام في مقابل النقصان، فالشيء
الناقص قد يكون نقصه نقصاً مخلاً، كترك الأركان والواجبات إذا كانت عن عمد،
وقد لا يكون مخلاً في المستحبات، فلا يتعين أن يكون التمام في المستحبات،
كما يقول من يصرف الوجوب إلى الندب بالعلة؛ لأن العلة تصرف عند أهل
العلم العلة تصرف لكن متى تصرف؟ إذا تمحضت
للندب، أما هنا ليست خالصة للندب، فالتمام يقابله النقص، فإذا نقص من صلاته
واجباً، أخل بصلاته لا سيما إذا كان عن عمد، أما إذا كان عن سهو فيجبر
بالسجود على ما سيأتي، ويؤيد القول بالوجوب حديث النعمان بن بشير الذي
يليه: -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((لتسوون صفوفكم)) اللام لام الأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، وهذا أمر
مؤكد، اللام هذه موطئة لقسم محذوف، واللام تكون هذه حينئذٍ للتأكيد، كأنه
قال: والله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، ومخالفة الوجوه تكون
بإعراض بعضهم عن بعض، وذلك تابع لمخالفة القلوب، فإذا انصرف بعض المسلمين
عن بعض بالوجوه، هذا ناشئ وناتج عن تنافر القلوب، الذي من آثاره التقاطع
والتدابر، وكل هذه الأمور محرمة، وما أدى إلى المحرم فهو محرم، فعدم تسوية
الصفوف يؤدي إلى هذا المحرم فهي محرمة، وهذا وعيد شديد، لا يظن الإنسان أن
هذا أمر سهل، أن يتقاطع المسلمون ويتهاجروا، هذا من عظائم الأمور، والله لا
تدخلوا الجنة حتى تحابوا، وجاء النهي عن التقاطع والتدابر والتهاجر، وهذا
من أسبابه، ونلاحظ في المساجد الآن قد يكون في هذا المسجد، تكون بعض
السواري سبب في تقدم بعض الناس أو تأخرهم عن الصف، والناس في الغالب يتبعون
الفرش، فإذا مالت الفرشة يميناً أو شمالاً انحرفوا عن الصف، فعلى الإنسان
أن يعنى بهذا عناية تامة؛ لئلا يقع في الوعيد الشديد المذكور في الحديث،
وعلى الإمام أن يتعاهد الجماعة، ويسويهم كما يسوي النبي -عليه الصلاة
والسلام- أصحابه كالقداح، على كل حال هذا الأمر في غاية الأهمية، يرد ها
هنا مسألة وهي وضع الخطوط في الفرش من أجل تسوية الصفوف، لا شك أن هذا أمر
حادث لم يوجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولا في عهد سلف هذه الأمة،
والقاعدة أن ما وجد سببه في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمكن فعله
ولم يفعله يكون بدعة، وهل يمكن إيجاد مثل هذه الخطوط في عهده -عليه الصلاة
والسلام-؟ وهل الحاجة الداعية لإيجاد هذه الخطوط في عهده -عليه الصلاة
والسلام- مثل الحاجة الداعية إليه في عهدنا؟ أولاً: الحاجة تختلف، من
الحاجة الشيء اليسير الخفيف الذي لا يقتضي
إحداث، فإذا كان الصف قصير في حدود عشرة رجال يمكن تسويتهم بالراحة؛ لأن
هؤلاء ما يحتاجون إلى خطوط، لكن إذا كان الصف يستوعب مائة، وكلكم أدركتم في
مصلى العيد قبل وضع الفرش كيف يصلي الناس؟ كأنهم حول الكعبة، دوائر، نحن
أدركنا هذا، وتسوية الصفوف واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذا
كثرت الجموع كيف يسويها الإمام؟ نعم عليه أن يهتم بذلك، ويعنى بذلك، وينبه
الجماعة، لكن كثير من الناس يحتاج إلى تنبيه أكثر من البعض، فهذه الخطوط
السبب قائم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، والحاجة موجودة، لكن ليست في
قوة الحاجة الداعية إلى الآن، أولاً لاهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام-
بالصفوف، والأمر الثاني اهتمام الصحابة وامتثالهم أمر النبي -عليه الصلاة
والسلام-، وقصر الصفوف، كل هذا يخفف من الحاجة في عهده -عليه الصلاة
والسلام-، أما في عصرنا فالناس قل الاهتمام عندهم، فإذا وجد من المأمومين
من يعاند الإمام، ويتلفظ ببعض الألفاظ إذا طلب منه التسوية فلا شك أن
الانصراف والتساهل موجود، فيحتاج الناس إلى ما يعنيهم، وهذا يخفف في حكم
هذه الخطوط، فلا يحكم ببدعيتها؛ لأن الحاجة داعية؛ الحاجة ماسة إلى ذلك،
كما أن الحاجة داعية إلى وجود ما يكبر الصوت، الناس إذا كثرت الجموع ما
يسمعون شيئاً، بل قد تتعرض صلاة بعضهم للبطلان، لا يسمعون تكبير، ولا
يسمعون رفع ولا سجود ولا خفض، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك إلى أمر أصله مباح
فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى- وعلى ضوء مثل هذا الكلام جاءت الفتوى
بإيجاد مثل هذه الخطوط، والعمل بها، والخط أيضاً الموجود أمام الحجر الأسود
من أجل بداية الطواف ونهايته، الحاجة داعية إلى ذلك، لكن تحقيق هدا الخط في
المطاف للمصلحة ظاهر، لكن ترتب عليه مفاسد، وجد زحام شديد، ووجد من يصلي
على هذا الخط، فوجد فيه مصلحة ومفسدة، والحكم حسب ما يترجح من هذين، ووجد
بناء على فتوى بأن المصلحة ظاهرة، كثير من الناس لا يدري من أين يبدأ
الطواف؟ ويسأل سائل يقول: إنه بدأ الطواف من رجل إسماعيل، وين رجل إسماعيل؟
نعم، المقام، بدأ الطواف من رجل ... ، مثل هذا يحتاج إلى ما يعينه على
تصحيح عبادته، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة
أكبر من هذه المصلحة، فالأصل العدم، ولذا احتمال يعاد فيه النظر، على كل
حال مثل هذه الخطوط أمرها -إن شاء الله تعالى- يسير، والمصلحة ظاهرة وراجحة
ولا مانع منها، لكن يبقى مسألة زخرفة الفرش وغيره والتصفير والتحمير هذا
أمر مكروه جداً، فينبغي العناية به، وأيضاً ما يتعلق بالمساجد من زخرفة مما
يلهي ويشغل المصلين أيضاً هذه مسألة تحتاج إلى مزيد عناية، ونرى الأمر
يزداد، ومع الأسف أن الذي يشرف على بناء هذه المساجد من طلاب العلم، لكن
إذا انتهى المسجد وإذا فيه ما يشغل المصلين، فالكلام النظري ما يكفي، لا بد
من التطبيق العملي.
" ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) ولمسلم: كان رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح" يسويها يهتم
بها ويعدلها تعديلاً تاماً، بحيث يتحاذى المصلون بالمناكب والأقدام، كان
الصحابة -رضوان الله عليهم- يلزق كعبه بكعب جاره، وهذه مسألة أيضاً فرط
الناس فيها، ووجد فيها إفراط ووجد فيها تفريط، لكن الكثير التفريط، تجد بين
المصلي وجاره شبر من هنا ومن هنا، وإذا أراد أن يتكايس ليطبق سنة وسع ما
بين رجليه، علشان إيش؟ يحاذي ما بين الأقدام، لكن أين المحاذاة بالمناكب؟
مقتضى المحاذاة بالمناكب والأقدام أن لا يشغل المصلي أكثر من حجمه، يعني لا
يحل الإشكال أنك تمد رجليك، ما يصلح هذا، الخلل موجود في الصف ولو مديت
رجليك؛ لأن المطلوب المحاذاة بالبدن كله من المنكب إلى القدم.
"كأنما يساوي بها القداح" واحدها قدح، وهو
السهم قبل أن يراش وينصل، يعني قل: مثل المسطرة، القدح مثل المسطرة، وتجد
بعض الناس إذا صف رجل إلى جهة الشمال ورجل إلى جهة الجنوب، وتعجب كيف
تطاوعه رجله يسوي كذا؟ أبداً، الأصل أن الأصابع إلى جهة القبلة؛ لتكون مثل
المسطرة، والصفوف كذلك تكون بالمساواة، لكن قد يقول قائل: إن هذا رجله
قصيرة، وهذا رجله طويلة، وهذا ساقه طويلة بتقدم ويتأخر، هذه أمور لا تملك،
لكن يحرص الإنسان بقدر ما يستطيع من تطبيق ما يملكه فعليه أن يسوي الصف
بالمحاذاة بين المناكب والأقدام، ولا يتقدم ولا يتأخر، قد يكون هذا نحيف
وهذا بدين، هذا متقدم إلى الأمام، وهذا متقدم إلى الخلف لأنه بدين، هذا ما
هو بيده الأمر، الأمر ليس بيده، لكن عليه أن يسعى في تطبيق ما يملك، حتى
رأى أن قد عقلنا عنه، قال: ما نحتاج إلى تنبيه آخر، تصور النبي -عليه
الصلاة والسلام- أننا لا نحتاج إلى تنبيه آخر من كثرة ما يسوي هذه الصفوف.
"ثم خرج يوماً وقام حتى كاد أن يكبر" أراد
أن يشرع في الصلاة يكبر "فرأى رجلاً بادياً صدره" ناتئاً صدره، قد يقول
قائل: أنا أحاذي بالمناكب والأقدام ويطلع بطنه، هذا إيش يسوي ذا؟ هذا ما
فيه حيلة، يفعل ما أمر به والزائد ما عليه منه "بادياً صدره" صدره إعرابها؟
فاعل لإيش؟ فاعل لاسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله "فقال: ((عباد
الله)) " الأصل يا عباد الله منادى ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين
وجوهكم)) كما جاء في الحديث في الرواية السابقة، الرواية الأولى متفق
عليها، والثانية لمسلم، من أفراد مسلم ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين
وجوهكم)) هذا من المتفق عليه؛ لأنه موافق للرواية الأولى، على كل حال تسوية
الصفوف واجبة، ويأثم من يكون سبباً في اختلال الصف، ووصل الصفوف واجب، من
وصل صفاً وصله الله، لكن بالمقابل قطعه لا يجوز، من قطع الصف قطعه الله
لغير حاجة، لكن قد تدعوه الحاجة إلى أن يقطع الصف؛ لأنه لا يتمكن من أداء
صلاته على الوجه المطلوب إلا بقطعها، يعني هذا المكان ضيق جداً بحيث لا
يتمكن من الخشوع في الصلاة، أو غير مستوي، رجل مرتفعة، ورجل طامنة، مثل هذا
ما يستطيع أن يؤدي الصلاة على الوجه المطلوب، فمثل هذا يعفى عنه، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جدته مليكة دعت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- لطعام صنعته، فأكل منه، ثم قال: ((قوموا فلأصلي لكم)) قال أنس:
فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا،
فصلى لنا ركعتين ثم أنصرف -صلى الله عليه وسلم-.
ولمسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى به وبأمه فأقامني عن يمينه،
وأقام المرأة خلفنا، اليتيم قيل: هو ضميرة جد حسين بن عبد الله بن ضميرة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جدته"
جدة من؟ جدة أنس وإلا جدة إسحاق؟ إذاً ما الداعي إلى ذكر إسحاق؟ الأصل أن
يقتصر على الصحابي، هذه الجادة عند أصحاب المختصرات كالمؤلف، إذا ذكر
الراوي عن الصحابي فللحاجة إليه، هاه؟
نعم؟
القولان معروفان عند أهل العلم، لكن ما ذكر
المؤلف التابعي إلا لأن له علاقة في الحديث، وأن الضمير يعود إليه، ولا شك
أن مليكة هي زوجة أبي طلحة، فهي جدة لإسحاق، مليكة هذه أم أنس بن مالك
اسمها إيش؟ نعم أم سليم، فهل اسمها مليكة؟ لا، على كل حال الخلاف موجود
والشراح أطالوا في هذا، والمؤلف ما ذكر التابعي إلا ليرجح أنه هو المقصود،
وأن الضمير يعود إليه.
"أن جدته مليكة دعت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-" نأتي إلى السند المؤنن هنا، إذا قلنا: إن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة يروي القصة عن أنس كما هو مقتضى (عن) أن جدته مليكة فهل نقول: إن
إسحاق يروي قصة لم يشهدها أو يروي قصة عمن شهدها، وإذا قلنا: إن جدته، وإذا
قلنا: إنه يروي القصة عمن شهدها فتكون الجدة جدة أنس، عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جدته، انتبهوا يا الإخوان
إلى صيغ الأداة، الآن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، كما قلنا في حديث
محمد بن حنفية عن عمار أو أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، في
التفريق بين السند المعنعن والمؤنن، الآن هذه قصة مليكة دعت النبي -عليه
الصلاة والسلام- إلى طعام، فمن الذي يروي هذه القصة؟ هل الذي يرويها أنس
وإسحاق يرويها عن أنس كما هو مقتضى (عن)؟ فيروي القصة عمن شهدها، فيكون
الكلام كالصريح بأن الجدة جدة أنس، إذا كان يروي القصة عن أنس وهذا ما
تقتضيه (عن) الصيغة الصريحة، أيضاً ما كل ما جاء بلفظ (عن) يدل على
الرواية، ننتبه لهذا، قد يأتي الراوي بـ (عن) ولا يقصد بها الرواية، مثال
ذلك؟ ما جاء عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، هذه رواية عنه أو عن
قصته؟ نعم؟ نعم عن قصته وليس طريقها الرواية هذه أبداً؛ لأنه قتل كيف يروي؟
فهل نقول: بأن المراد بـ (عن) هذه الرواية أنه يروي هذه القصة عن أنس، وأن
جدة أنس مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحينئذٍ يستقيم السياق؟
وإذا قلنا على القول الثاني وهو الذي يرجحه المؤلف بإيراده ذكر التابعي أن
الجدة جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، إلا أن يكون الضمير التفت فيه من
التكلم إلى الغيبة، فيكون أن جدتي مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-، لا نطيل في هذا لأن الشراح كلهم ما توصلوا إلى نتيجة بينة، والخلاف
قائم؛ لأن عود الضمير في جدته يحتمل، وهي جدة لإسحاق مؤكد، لكن هل هي جدة
لأنس بن مالك هذا الكلام.
"دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى
طعام فأكل منه، ثم صلى" أكل -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى، عتبان بن مالك
دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- فصلى ثم أكل، فلماذا قدم الأكل هنا وقدم
الصلاة هناك؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وهنا؟ الدعوة للطعام، وهناك الدعوة للصلاة، الدعوة للطعام فقدم الطعام،
وهناك الدعوة للصلاة فقدمت الصلاة.
"دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته له فأكل منه، ثم قال:
((قوموا كي أصلي لكم)) قال أنس: "فقمت إلى حصير لنا" الحصير فعيل بمعنى
مفعول يعني محصور، أو بمعنى فاعل يعني حاصر، إيش؟ حصير الحصير أكثركم يعرف
الحصير لأنه أدرك الحصير، من خوص النخل نعم، هذا هو، لكن هل اشتقاق الفعيل
هذه من اسم الفاعل {حِجَابًا مَّسْتُورًا} [(45) سورة الإسراء] يعني
ساتراً؟ وجاء في وصف جهنم، ماذا قال في سورة الإسراء؟ {وَجَعَلْنَا
جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [(8) سورة الإسراء] حصيراً يعني حاصرة
لهم، اسم فاعل، وهل الحصير يحصير من يجلس عليه أو هو محصور محدد الطول
والعرض؟ على كل حال هو يحتمل هذا وهذا، والأمر سهل.
"فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس" الحصير، الصلاة على الحصير، هنا
صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فصلى على الحصير، وترجم البخاري -رحمه
الله تعالى-: باب ما جاء في الصلاة على الحصير، وكره بعضهم الصلاة على
الحصير، لماذا؟ للآية؛ لأن فيه مشابهة لجهنم ولو في الاسم، والنبي -عليه
الصلاة والسلام- صلى على الحصير، يقول: "فقمت إلى حصير لنا قد أسود" نعم من
طول الاستعمال، من كثرة الاستعمال يسود، يجتمع عليه غبار وأوساخ، مثل الفرش
الآن، هذا بقايا طعام، وهذا شاي ينكب، وهذا لبن، وهذا كذا، ومع الزمن يسود
"قد أسود من طول ما لبس" الأصل من طول ما جلس عليه، الحصير يجلس عليه، ولبس
كل شيء بحسبه، فلبس الحصير بالجلوس عليه، ولبس القلم بالكتابة فيه، لبس
الكتاب بالمطالعة فيه، فلبس كل شيء بحسبه.
"من طول ما لبس، فنضحته بماء" النضح دون
الغسل، لكن هل النضح مجرد الرش على البساط، أو على الحصير أو على الفرش
المتسخ يجدي ويغني، أو إن كان هناك شيء يابس يرطبه؟ اليابس أسهل من الرطب؛
لأن اليابس لا ينتقل، فيطلق النضح ويراد به الغسل، فلعله غسله حتى زال ما
به من وسخ, وإلا مجرد النضح يثير هذه الأوساخ "فنضحته بماء، فقام عليه رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني يقدم هذا الحصير الخلق المستعمل المسود من
كثرة الاستعمال لأشرف الخلق؟! من قرأ ما جاء في عيش النبي -عليه الصلاة
والسلام- عرف حقارة هذه الدنيا، وحقيقة هذه الدنيا، وساد النبي -عليه
الصلاة والسلام- من أدم، حشوها ليف، وينام على حصير يؤثر في جنبه -عليه
الصلاة والسلام-، وعنده ملاءة تصفط صفطتين، يضرب بعضها على بعض وينام عليها
لتلين، لكن لما جعلت أربع رضي وإلا رفض -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنها تلين
أكثر، فإذا لانت، فإذا لان الفراش ثقل الإنسان عن الطاعة، فكيف لو رأى الآن
فرش الناس أطول من قامة؟! والنبي -عليه الصلاة والسلام- لو أراد أن تبسط له
الدنيا، لو أراد أن تحول له الجبال ذهب حولت، لكنه رفضها؛ لأنها لا تزن عند
الله جناح بعوضة، كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، أو كمن استظل بظل
شجرة، هذا بيتخذ هذه الأمور المريحة، لا، ليدخر له أجره، ويوفر له حظه
ونعيمه في الآخرة، وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، وحج أنس بن
مالك على رحل ولم يكن شحيحاً، إنما إظهار للعبودية والحاجة على وجهها،
والآن إذا اعتمر الإنسان يبحث عن فندق خمس نجوم، ما يليق به، لو ما وجد إلا
أربع نجوم رجع، ويبحث عن أغلى الحملات، تذكر أرقام خيالية في الحملات من
أقرب الأماكن إلى مكة، أرقام شيء ما يخطر على بال، ينفق الشخص الواحد في
هذه الحملة ما تنفقه عشر أسر لمدة سنة، بدون مبالغة هذا موجود، لكن لو يذكر
الرقم كان قال: مبالغ فيه، لماذا؟ علشان إيش؟ لمدة أربعة أيام، وحج أنس
-رضي الله عنه- على رحل ولم يكن شحيحاً، هذا الذي يذهب إلى أقدس البقاع
ليؤدي هذه العمرة، ويتقرب إلى الله -جل وعلا- في أفضل الأماكن، ويبحث عن
خمس نجوم، هذا كيف يجتمع قلبه أثناء عبادته في هذا المكان؟! ...
|