شرح عمدة
الأحكام عبد الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (5)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
هذا كيف يجتمع قلبه أثناء عبادته في هذا المكان، هذا الملحظ يخفى على كثير
ممن فتح الله عليه، وبسط عليه الدنيا، ومع الأسف أن بعض الناس يقترض ويبحث
عن هذه الأمور، فننتبه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق يفرش له
حصير أسود، ويجيب دعوة عجوز، وهذا لا يزيد المرء إلا عزاً في الدنيا
والآخرة، بعض الناس يتعاظم ويرفع أنفه كأنه خلاص الناس تنظر إليه على أنه
لا نظير له في الدنيا، لا أبداً، تنظر إليه كالنمل، الإنسان لا يستطيع أن
يرفع نفسه ألبتة إلا بالتواضع
"فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-" سيد الخلق، سيد ولد الآم، تُرى الأهلة الثلاثة، ولا يوقد
في بيته نار، هل الرب -جل وعلا- لما كرمه وعظمه وشرفه يريد أن يهينه بهذا؟
لا والله، يريد أن يكرمه بهذا، الآن لو يقدم الطعام ينقصه بعض الأشياء، بعض
الكماليات، لو ما في سلطة مثلاً، تجد الإنسان يغضب ويزمجر، ويقول .. ، يرمي
أهله بأبشع الأوصاف لأتفه الأسباب، وتجد الإنسان لا سيما إذا تعود إكرام
الناس له، إذا رأى أن شخصاً قصُر عمن قبله ولو يسيراً حمل في نفسه عليه،
النفس لا نهاية لها، إلا إذا زمت بزمام الشرع، وخطمت به، وقد يجلس الإنسان
على المائدة، وفيها من أنواع الأطعمة التي جلبت من جميع القارات، هذا شيء
حاصل، فأين الشكر المقابل لهذه النعم؟ نعم مائدة واحدة عليها من القارات
الست كلها، شيء ما يخطر على البال، يعني توافر نعم ما حصل، ومع ذلك لا نجد
إلا من منّ الله -جل وعلا- عليه بالشكر، والنعم -كما هو معلوم- إذا شكرت
زادت، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن بالمقابل
{وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] وكفر
النعم شأنه عظيم، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ
كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [(28) سورة إبراهيم]
نعم تسلط الأعداء هذا سببه، عدم شكر النعم، وشكر النعم بتحقيق العبودية لله
-جل وعلا-، وتحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته، والبعد عن جميع مظاهر الشرك،
ومشابهة المشركين {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة
النور].
على كل حال هذه حاله -عليه الصلاة
والسلام-، ومن قرأ في سيرته وشمائله أدرك شيئاً من هذا، فجدير بطالب العلم
أن يعنى بسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقراءة شمائله، ودلائل نبوته،
وجميع ما يتعلق به؛ لأن هذا هو التطبيق العملي للشرع، حياته -عليه الصلاة
والسلام- وعيشه ومعاملته للقريب والبعيد، كما هنا، الآن من أوضح الأمثلة،
تعاون مع عجوز، دعته عجوز فيجيب الدعوة، لكن هل من هذا أن يوجد امرأة مثلاً
تدعو رجلاً على وليمة في فندق، هذه واقعة، تدعو رجل من بلد آخر، تقول: إنه
زميل لها في الدارسة في الخارج، والرسول دعته هذه المرأة وأجاب، هل بمثل
هذا النص يستدل على مثل هذه التصرفات؟! هل الفتنة مأمونة؟ هل هذه عجوز جدة
صحابي هل هذا مثل هذا؟ أبداً، نقول: نعم مسألة واقعة، ويأصلون بمثل هذا
الكلام بعض التصرفات الشنيعة، لكن أين هذا من هذا؟ فلا بد من أمن الفتنة،
وأن لا يفتح باب في مثل هذه الظروف التي نعيشها مع الهجمة الشرسة على
الإسلام، ومبادئ الإسلام، والمسلمين والمسلمات على وجه الخصوص.
"فقام -عليه الصلاة والسلام- وصففت أنا واليتيم" و (أنا) ضمير إيش؟ فصل،
إعرابه؟ لا محل له من الإعراب، يؤتى به ليتسنى العطف على ضمير الرفع
المتصل، وهذا مضى نظيره.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فأفصل بالضمير المنفصل
صففت أنا واليتيم.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فأفصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما، وبلا فصل يرد ... بالنظم فاشياً وضعفه اعتقد
"فصففت أنا واليتيم وراءه" فمصافة الصبي؛
لأن اليتيم لم يبلغ الحلم، من مات أبوه من بني آدم ولم يبلغ الحلم يسمى
يتيم، وأنس قد احتلم في هذا الوقت، كبير؛ لأنه لما قدم النبي -عليه الصلاة
والسلام- إلى المدينة عمره عشر سنوات "فصففت أنا واليتيم وراءه" فمصافة
الصبي صحيحة، إذا صحت صلاته صحت مصافته، "والعجوز من وراءنا" إذاً المرأة
لا تصافف الرجال، ولو كانت محرم، لكن إن حصل أنها صفت مع محرم لها الصلاة
صحيحة، لكن موقفها خلف الرجال، والعجوز من وراءنا، وهي واحدة، فذة، خلف
الصف، و ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) وبهذا الحديث يخرج المرأة من عموم
حديث: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) يعني الرجال، وهذا الحديث الذي معنا
مخصِص "والعجوز من وراءنا، فصلى -عليه الصلاة والسلام- ركعتين ثم أنصرف"
نافلة، والتجميع في النافلة جائز، حصل منه -عليه الصلاة والسلام- في
مناسبات، وفي حديث ابن عباس الآتي، وكونه -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم في
رمضان ثلاث ليالٍ جماعة، فالتجميع في النافلة سائغ، لكن كونه ديدن وعادة
مطردة لا يصلي نافلة إلا جماعة هذا يخرج العبادة من المشروعية إلى حيز
الابتداع، يعني كون الشيء يجوز بعض أفراده، لا يعني أنه يجوز باطراد؛ لأن
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل ذلك، فعله أحياناً.
"ولمسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى به وبأمه، فأقامني عن
يمنيه، وأقام المرأة خلفنا" القصة واحدة أو مختلفة؟ القصة مختلفة؛ لأنهم في
هذه ليس معهم يتيم "فأقامني عن يمينه" وهذا موقف المأموم الواحد عن اليمين،
كما سيأتي في حديث ابن عباس، وموقف الاثنين خلف الإمام، هذا الأصل، لكن إن
جعل واحداً عن يمينه، والآخر عن شماله فعله ابن مسعود، لكن السنة كما هنا
موقف الاثنين من الإمام خلف، والمرأة من ورائهم، وأقام المرأة خلفنا،
واليتيم؟ اليتيم هو ضميرة، جد حسن بن عبد الله بن ضميرة، حسن أو حسين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلكم عندكم حسين؟ ما في أحد عنده حسن؟
يقول: هو جد حسن بن عبد الله بن ضميرة، فإن كان اثنين حسن وحسين إخوان فهي
جدتهما ولا إشكال، لكن الذي يغلب على الظن أنه إما حسن أو حسين، فهذا راجع
إلى نص واحد، يعني ما هي مسألة روايات، هذا كلام أثبته المؤلف هنا، وهو نص
واحد، إما هذا أو هذا، ففي هذا إجابة الدعوة، وهي من حق المسلم على المسلم،
وإذا دعاك فأجبه، ولو كان امرأة مع أمن الفتنة مع أمن الفتنة، وعدم الخلوة،
وجواز صلاة النافلة جماعة، صلى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه أن
المرأة لا تصف مع الرجال؛ لأنها واحدة، وصفت ورائهم، ولو كانوا من محارمها،
لكنها لو خالفت وصلت مع محارمها صلاتها صحيحة، لكنه خلاف الأصل، نعم؟ الفاء
هذه؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الفاء السببية، والفعل المنصوب بأن المضمرة وجوباً بعد فاء السببية
الواقعة بعد الأمر، نعم.
عفا الله عنك.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي -صلى
الله عليه وسلم- يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فأقامني عن
يمنيه.
هذا حديث ابن عباس لما بات عند خالته
ميمونة بنت الحارث زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، أم المؤمنين التي
تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- بسرف، وماتت بسرف، بات عندها ليلة،
ونقل من السنن مما حفظه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الليلة، ما
أثبت في داووين الإسلام، ونفع الله به، فهذا المبيت من ابن عباس، ابن عباس
لم يحتلم في هذا الوقت، صغير، فيجوز للإنسان أن يبيت عند أقاربه ولو كانت
امرأة عند زوجها، إذا كان الزوج يرضى بذلك، وقد نام ابن عباس في عرض
الوسادة، وناما في طولها، إذا كان يرضى بذلك فلا بأس، فبات ابن عباس عند
خالته ميمونة، ولا تتصور أنه بينام في ملحق، أو بينام في الدور الثاني أو
الثالث، أو الجناح الفلاني، لا، المسألة كلها غرفة واحدة، هذه بيوته -عليه
الصلاة والسلام-، ما في قصور شاهقة، نعم النفس يا إخواني ما لها نهاية،
ليست لها نهاية، إلى عهد قريب والناس إذا جلس الإنسان في المجلس لو يمد يده
مس الجدران، ولو مدد برجليه رده الجدار الثاني، والذي ما هو بمصدق يشوف
الآن البيوت القائمة، يشوف في بلد بجوار الرياض اسمه: رغبة، البلد القديم
تهدم، وخرج الناس عنه، تشوف بين الأجصاص أجصاص التمر، ما بين كل واحدة
والثانية خمسة أمتار، ما بقي إلا هن؛ لأن الفروش حصى جص باقيات قائمات، ما
بين الواحدة والثانية خمسة أمتار، يعني تصور أن البيت بجصتين، لا، أدركنا
بيوت خمسين متر، ستين متر، خرج الناس منها، لما توسع الناس في أمور الدنيا،
صارت هذه البيوت سجن، خرجوا إلى أربعمائة متر، توسعوا، ثم بعد ذلك صارت
الأربعمائة سجن، توسعوا الناس إلى الألف، والألف والخمسمائة إلى أن سكن
الناس القصور، وصار ذلك سبباً في تنكيد حياتهم في الدنيا قبل الآخرة،
الإنسان يعيش مديون عمره كله علشان بيت، كل هذا بسبب ليقال أو مثل الناس،
بات ابن عباس في عرض الوسادة والنبي -عليه الصلاة والسلام- مع زوجه في
طولها، وأنا أعرف بيت لما توفي أبوهم خرج منهم اثنين وعشرين أسرة، كل أسرة
في بيت، كانت النفوس طيبة، ولا يوجد مشاكل مثل الآن، الآن صارت البيوت هذه
الحديثة على حد زعمهم، وهي في الحقيقة تنانير صناديق من اسمنت لو بيطفأ
الكهرب لا
تطاق الحياة فيها، صارت سبباً لقطعية
الرحم؛ لأن الشخص ما يدعو أخاه؛ لأنه عنده بزران بيخربون الأثاث،. . . . .
. . . . عليهم، نعم، إذا كان الفرش يمشط بالمشط وبالاستشوار، وش اللي يجيب
بزارين يلعبون؟! ما يدعو أخاه علشان الفرش هذا، وعلشان الأثاث، وعلشان ...
، من يتصور حديث ابن عمر: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يعني
الناس إلى وقت قريب من أراد أن يعمر بيت يقف باب المسجد أعان الله من يعين،
ولبنة وطين ويومين ثلاث وهو منتهي البيت، الآن يجلس ثلاث سنين يعمر، ويجلس
ثلاثين سنة مدين، إن تيسر له يسدد بعد، علشان إيش؟ الدنيا ما تسوى، وكان
ابن عمر كما في الصحيح يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا
تنتظر الصباح" بيوت كانت عند الوجهاء والكبار والأعيان تعد قصور في ذلك
الوقت، لكن لو دخلتها اليوم .. ، موحشة، بيوت ضيقة، تقول: كيف أخذت الناس
في ذلك الوقت .. ؟ لكن النفس ما لها نهاية.
النفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
النفس تقبل الزيادة، وإذا ترد إلى قليل تقنعُ، يعني تظن أن هذا الذي يشرب
قارورة البيبسي، قارورة العائلة الكبيرة بنفس واحد، هذا مع التمرين صار
يشرب، لكن لو كان يكتفي بالشيء اليسير كفاه، وهذا كله من الاهتمام بالدنيا
والإعراض عن الآخرة، مع أن الإنسان خلق لهدف عظيم، وهو تحقيق العبودية لله
-جل وعلا-، وأمر أن ينسى نصيبه من الدنيا الذي يعينه على تحقيق هذا الهدف،
العبودية.
هنا يقول: "بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي من
الليل" ولد يمكن عمره عشر سنوات ذاك الوقت "فقمت عن يساره" ما قال مسكين
تعبان كل النهار يدلج خلوه يرتاح، قام هو، وهو ما جاء إلا لهذا القصد، لهذا
الهدف "فقمت عن يساره، فأخذ برأسي، فأقامني عن يمنيه" لأن موقف المأموم
الواحد من الإمام عن يمين الإمام، فلو صلى عن يساره لم تصح صلاته، وهذا
العمل اليسير بإدارة ابن عباس من جهة اليسار إلى اليمين هذا لا يؤثر في
الصلاة؛ لأنه يسير، ولمصلحة الصلاة.
عفا الله عنك.
باب: الإمامة
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى
الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله
رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الإمامة
الإمامة: مصدر أم مثل الإعانة والإقامة والإجازة، أصل الكلمة المصدر أم يؤم
أماً، إذا جئنا لإقامة: أقام يقيم إقامة، وأعان يعين إعانة، وأجاز يجيز
إجازة، مصادر، أصلها إقوامة، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، وقلبت ألفاً،
فاجتمع مثلان حذف أحدهما، إما الأصلي أو الزائد على الخلاف المعروف، وهنا
الإمامة مصدر أم يؤم إمامة، فهو إمام، أصل أم حرف مضعف عبارة عن حرفين،
أولهما ساكن، الحرف مضعف المشدد، عبارة عن حرفين، المشدد المدغم أحدهما في
الآخر، فإذا فك الإدغام، ما عندنا يرتد ويرتدد، عندنا، فالمضعف المشدد
عبارة عن حرفين، فأم يؤم أماً، هذا الأصل، وإمامة، فلها مصدران، والإمامة
تطلق ويراد بها العظمي، فالإمام الأعظم هو الذي يتولى أمور المسلمين
العامة، وإمام الصلاة هو الذي يتولى شؤونهم في هذه العبادة على وجه الخصوص،
وبه يأتمون، وبه يقتدون، وما جعل الإمام إلا ليؤتم به، على ما سيأتي.
يقول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
((أما يخشى)) " (أما) تنبيه، ((يخشى)) يخاف ((أما يخشى)) إما أن تكون
تنبيهية مثل (ألا) للتنبيه، وقد تكون استفهام توبيخي، كما قال بعضهم، ((أما
يخشى الذي يرفع رأسه)) يعني من الركوع أو من السجود، وفي حكمه الشروع في
الركوع، والهوي إلى السجود قبل الإمام، والذي يؤم الجميع أما يخشى الذي
يتقدم ويسبق الإمام؛ لأن ذكر بعض الأفراد .. ، ((أما يخشى الذي يرفع رأسه))
هل هذا خاص برفع الرأس قبل الإمام، أو شامل لمسابقة الإمام كما يدل على ذلك
بعض الروايات، لكن هذا من باب ذكر بعض الأفراد، التمثيل ببعض الأفراد.
((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام))
المأموم الذي يرفع رأسه قبل الإمام ((أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل
صورته صورة حمار)) ألا يخاف من هذا الوعيد الذي يسابق الإمام؟! ألا يخشى؟!
ألا يخاف؟! المسابقة سبب للمسخ، والسبب قد يترتب عليه أثره، وقد يتخلف
الأثر لوجود مانع، ولذا قال: ((أما يخشى)) ما قال: إن الذي يرفع رأسه قبل
الإمام يحول الله رأسه رأس حمار، هنا قال: ((أما يخشى)) لأن هذا مجرد سبب،
والسبب قد يترتب عليه أثره وقد لا يترتب لوجود مانع، وقد تدخر له العقوبة
في الآخرة، وهذا أشد؛ لأن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة.
((أن يحول الله رأسه رأس حمار)) حقيقي، أو
صورته صورة حمار حقيقي، ومنهم من يقول: معنوي، يمسخ مسخاً معنوياً، بأن
يكون بليداً كالحمار، لكن الأصل في اللفظ الحقيقة، وما المانع؟ والقدرة
الإلهية صالحة لمثل هذا، وقد ذكر الشراح أنه حصل مرتين، يعني حسب إطلاعهم،
أن شخصاً يسابق الإمام حول الله رأسه رأس حمار، أو جعل صورته صورة حمار،
قالوا: هذا وجد مرتين، هذا أمر مخيف، يعني تصور حال إنسان قد يكون له مقام
عند الناس، ثم يخرج إليهم يوم من الأيام برأس حمار، أو صورته صورة حمار،
والمسخ يوجد في آخر هذه الأمة، بل يكثر، كما قرر ذلك أهل العلم، اعتماداً
على بعض النصوص والآثار، ويكون لطائفتين كما قال ابن القيم -رحمه الله
تعالى-، لطائفتين من الناس، للعلماء، علماء السوء الذين يبدلون شرع الله
بالتأويل والتحريف، وللحكام الظلمة الذين يظلمون الناس، على كل حال هذا من
المسخ الخاص، ولا يغيب عن أذهاننا أن المسخ شنيع، لكن أيها أعظم مسخ البدن
أم مسخ القلب؟ يعني أهل العلم يقررون أن مسخ القلب أعظم من مسخ البدن، يعني
الدنيا يوم يومين ثلاثة عشرة سنة، سنتين، عشر سنين، تنتهي، لكن الآخرة؟ لأن
مسخ القلب أثره في الآخرة، وقد يكون مسخ البدن عقوبة عجلت له، يكفر له بها،
قد، وهنا: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس
حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) الأمر ليس بالسهل، ومع ذلك ما الذي
يستفيده من يرفع قبل الإمام؟ أو يسجد قبل الإمام؟ هل في نيته أن ينصرف قبل
الإمام؟ يسلم قبل الإمام وينصرف؟ لا يمكن، ما يمكن أن يسلم قبل الإمام، وإن
سلم قبل الإمام بطلت صلاته، إلا إذا أطال الإمام إطالة تعوقه عن أمر من
أموره، ونوى الانفراد كما حصل في قصة معاذ لما أطال الصلاة، فهذا له عذره،
الذي يسابق الإمام، يسجد قبله، يرفع قبله، هذا لا يستفيد، ما الذي يستفيده
من عجلته هذه؟ لكن ما ذلك يوجد، تجد من يسجد قبل الإمام، والمأموم مربوط
بإمامه ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) والعبرة بأفعال الإمام، العبرة
بالأفعال، والأقوال إنما هي للدلالة على الأفعال، وعلى الإمام أن يكون
مقارناً له القول، يكون القول مقارن للفعل، بحيث لا يتقدم القول على
الفعل ولا يتأخر؛ لأنه إن تقدم عرض
المأمومين لمسابقته، وإن تأخر فقد فات محله، فات محل التكبير إذا تأخر عن
الانتقال، فلا يعرض صلاة المأمومين للبطلان، بل عليه أن يقرن القول بالفعل،
الذي يرفع رأسه قبل الإمام ليتأكد مثلاً صوت الإمام ضعيف أو سمعه ثقيل،
ورفع رأسه بيشوف رفعوا أو ما رفعوا ثم يعود، أو يسمع صوتاً يظنه تكبير
فيرفع رأسه ثم يعود، هذا لا شيء عليه، فالإشكال في تعمد المسابقة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما
جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع
فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد
فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في
بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً، وصى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا،
فلما أنصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع
فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى
جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)).
أجمعون أو أجمعين؟ بالواو؟
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) " حصر، ما الفائدة
من إيجاد هذه الوظيفة الشرعية؟ الفائدة يؤتم به، ويقتدى به، فلا تختلفوا
عليه، هذا من مقتضى الإئتمام، عدم الاختلاف، فهو مؤكد لمفهوم الجملة
السابقة، منطوق الجملة الثانية مؤكد لمفهوم الجملة الأولى؛ لأن مفهوم
الإئتمام عدم الاختلاف، فلا تختلفوا عليه، وعمومه يتناول الأقوال والأفعال
والنيات، عموم ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)) يتناول
الجميع، نحن نختلف عليه في شيء من الأشياء، صلى الظهر لا بد تصلي الظهر،
صلى العصر لا بد تصلي العصر، صلى فريضة لا تتنفل، تنفل لا تصلي فريضة، هذا
بالنسبة للنيات، لكن أخرجت النيات، وإن قال جمع من أهل العلم بأنه وجوب
متابعته حتى في النية، لكن من قال بأنه لا يلزم الموافقة في النية استدل
بحديث إمامة معاذ لقومه، يصلي بهم نفل، وهم مفترضون، صلاة المفترض خلف
المتنفل معروف عند الحنابلة لا تجوز، لماذا؟ لأنه إنما جعل الإمام ليؤتم
به، فلا تختلفوا عليه، هذا الأصل يشمل الجميع، لكن العموم يخصص، فيخرج من
هذا العموم الاختلاف في النية، يقول ناظم الاختيارات:
وعند أبي العباس ذلك جائز ... يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة
لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ ... وقد كان صلى الفرض خلف محمدِ
فأخرجت النيات بفعل معاذ، بقي الأقوال
والأفعال، ومما يؤيد إخراج النيات أنه في التمثيل، ما مثل إلا بأفعال
وأقوال، فقال: ((إذا كبر فكبروا)) إذا كبر الإمام يكبر المأموم، (كبر) فعل
ماضي، والفعل الماضي الأصل فيه أنه يكون بعد الفراغ في أمر مضى، كبر ومضى
وانتهى، فكبروا، فهل نقول: إذا كبر إذا فرغ، أو نقول: إذا شرع كما جاء في
بعض النصوص؟ أو نقول: إذا أراد، كما جاء في بعض النصوص؟ لأن الفعل الماضي
يطلق ويراد به الفراغ منه، كما هو الأصل؛ لأنه فعل مضى وانتهى، ويطلق ويراد
به الشروع فيه، يطلق ويراد به إرادة الفعل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام إلى الصلاة، يعني
هل الإنسان ما يتوضأ إلا إذا وقف في الصف؟ لا، إذا أراد القيام إلى الصلاة
يتوضأ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] هل معنى هذا أنك ما
تستعيذ بالله إلا إذا فرغت من القراءة أو إذا أردت القراءة؟ إذا أردت،
فالفعل الماضي يطلق ويراد به إرادة الفعل، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل،
عندنا ((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من التكبير، إذا فرغ من التكبير
فكبروا، لكن قوله: ((إذا ركع فاركعوا)) هل نقول: إذا فرغ من الركوع اركعوا،
كما قلنا في التكبير؟ أو إذا شرع في الركوع اركعوا؟ نعم؟ إذا شرع، ليس
معناه إذا فرغ من الركوع اركعوا؛ لأن الركوع المراد به .. ، هل الركوع
الانتقال من القيام إلى انحناء الظهر، أو المراد به انحناء الظهر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الانحناء هو الركوع، الانتقال من الوقوف إلى الركوع هذا ليس بركوع، فإذا
انحنى ظهره، هذا هو الركوع، فلا نقول: إذا فرغ مثل ما نقول: إذا فرغ من
التكبير، إذا فرغ من الركوع اركعوا، إذا شرع فيه انحنى ظهره اركعوا، وإذا
ركع فاركعوا، وإذا كبر فكبروا، مقتضى التعقيب بالفاء أن يكون فعل المأموم
عقب فعل الإمام، التعقيب بالفاء يقتضي المباشرة من غير تراخٍ، فلا ينتظر أو
يتأخر عنه، فإذا كانت المسابقة محرمة، فالتأخير أيضاً لا يجوز؛ لأنك مأمور
بالاقتداء، فإذا لم تركع معه ما لحقت شيء، ما اقتديت به.
((وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله
لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فإذا قال: سمع الله لمن حمده، سمع،
أولاً: فيه إثبات السمع لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، من غير
تعرض له بتأول ولا تحريف ولا تشبيه، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، ومقتضى
السمع الإجابة، سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، من الذي يقول:
سمع الله لمن حمده؟ وإذا قال -يعني الإمام-: سمع الله لمن حمده، فقولوا،
فمن يقول: سمع الله لمن حمده؟ النص على الإمام، والمنفرد بالاتفاق يقول:
سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول وإلا ما يقول؟ لا يقول، ما يقول؟
المأموم يقول: سمع الله لمن حمده وإلا ما
يقول؟ مقتضى هذا الحديث أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، لماذا؟ لأن
التعقيب بالفاء إذا قال: فقولوا، لا يترك فرصة لقول المأموم سمع الله لمن
حمده، بل مجرد ما ينقطع صوت الإمام من قول سمع الله لمن حمده يقول المأموم:
ربنا ولك الحمد، والشافعية يقولون: كل مصلٍ يقول: سمع الله لمن حمده، لأنها
ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))
وهو يقول: سمع الله لمن حمده، لكن مثل هذا مخصص لفعله -عليه الصلاة
والسلام-، وعند أهل العلم أن الفعل لا عموم له، وإذا قال: سمع الله لمن
حمده، النبي -عليه الصلاة والسلام- أفعاله منها ما يفعله باعتباره إماماً،
فيقتدي به الأئمة، ومنها ما يفعله باعتباره مكلفاً، فيقتدي به المكلفون، لو
جاء شخص وقال: والله يوم الجمعة ما أنا بداخل إلا مع الإمام، الرسول -عليه
الصلاة والسلام- ما عمره تقدم إلى الجمعة، أنا باقتدي بالرسول، ما أنا
بداخل إلا مع الإمام للخطبة، نقول: لا يا أخي، أنت لك ما يخصك، والإمام له
ما يخصه، الجمهور على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، بمقتضى هذا
الحديث، وإذا قال: فقولوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك
الحمد، وصحت الرواية بأربع صيغ، ربنا ولك الحمد كما هنا بالواو دون اللهم،
وبحذف الواو ربنا لك الحمد، وباللهم مع الواو، اللهم ربنا ولك الحمد، وبحذف
الواو اللهم ربنا لك الحمد، وكلها ثابتة، وإن ادعى ابن القيم -رحمه الله
تعالى- أنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، لكنها في البخاري.
((فقولوا: ربنا ولك الحمد، فإذا سجد فاسجدوا)) إذا شرع في السجود فاسجدوا،
نظير إذا ركع فاركعوا ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)) بعض
الروايات: ((أجمعين)) فأجمعون على أنها تأكيد للواو في صلوا، و ((أجمعين))
على أنها حال، ويأتي ما في هذه المسألة.
يقول هنا: "وعن عائشة -رضي الله عنها-
قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً
وصلى وراءه قومٍ قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا" والسبب في قيام المأموم
خلف الإمام الجالس ما جاء في بعض الروايات من مشابهة فارس والروم، يقومون
على أئمتهم، على ملوكهم ((كدتم أن تشبهوا فارس والروم)) فأمرهم بالجلوس
بالإشارة "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ" وذلك أنه
لما سقط من؟ نعم، فجحش شقه الأيمن "فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً،
فأشار إليهم أن اجلسوا" الإشارة المفهمة في الصلاة لا تبطلها؛ للحاجة
إليها، إذا دعت إليها الحاجة، حديث الكسوف لما دخلت أسماء فوجدتهم يصلون،
فسألت عائشة وهي تصلي، فأشارت عائشة إلى السماء، فقالت: آية؟ فأشارت
برأسها: أي: نعم، الإشارة المفهمة ليست بكلام، لكن عند الحاجة إليها، وردت
النصوص بها، وهنا أشار إليهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن اجلسوا، فلما
انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) كما تقدم ((فإذا ركع فاركعوا))
وفي السنن: ((ولا تركعوا حتى يركع)) منطوق هذه الجملة مؤكد لمفهوم الجملة
الأولى ((وإذا رفع فارفعوا)) وفي السنن: ((ولا ترفعوا حتى يرفع)) وهذه
مثلها ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) على ما تقدم
((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين)) كما تقدم، فماذا عن صلاة الإمام
الجالس؟ ما حكمها؟ وما حكم الاقتداء به في الجلوس؟ حديثا الباب يدلان على
أن الإمام إذا صلى جالس يصلي المأموم جالس، ولا يجوز له أن يقوم، في مرض
موته -عليه الصلاة والسلام- لما خرج إليهم وهم يصلون بإمامة أبو بكر جلس عن
يساره، وأتموا الصلاة من قيام، ما أشار إليهم أن اجلسوا.
أولاً: المالكية يرون أن إمامة القاعد لا
تصح مطلقاً، ولا يصلى خلفه لا من قيام ولا من قعود، لماذا؟ جاء في الخبر:
((لا يؤمن أحد قاعداً بعدي قوماً قياماً)) لكنه حديث ضعيف، الحديث ضعيف،
ويتمسك به المالكية، إذاً بقي عندنا رأي الشافعية والحنفية، ورأي الحنابلة،
الشافعية والحنفية يقولون: تصح إمامة القاعد، كلهم مع الحنابلة، كلهم
يصححون إمامة القاعد، لكن عند الحنفية والشافعية يصلون خلفه قياماً، ويرون
أن ما حصل في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- من صلاة خلفه قياماً ناسخ لما
جاء في هذا الحديث؛ لأنه متأخر عنه، وإلا فالحديث صحيح صريح في وجوب متابعة
الإمام في القعود، مرض موته -عليه الصلاة والسلام- الذي صلى فيهم وهو قاعد
وهم قيام متأخر بلا شك، لكن القول بالنسخ مع إمكان الجمع ضعيف عند أهل
العلم، فيحمل الأمر بالجلوس على صورة، الحنفية والشافعية يقولون: منسوخ
وانتهى الإشكال، لا يجوز لأحد أن يصلي وهو يستطيع القيام من قعود أبداً،
ولو صلى الإمام قاعداً؛ لأن حديث مرض موته متأخر فهو ناسخ، انتهينا منه،
الحنفية، ماذا يقولون؟ يقولون: لا هذا في موضعه، وهذا في موضعه، لدينا
العمل بالنصوص كلها، نعمل هذا الحديث في الصورة المشبهة له، ونعمل حديث مرض
موته -عليه الصلاة والسلام- في الصورة المشبهة له، فإذا صلى بل إذا ابتدأ
إمام الحي قاعداً لمرض يرجى برؤه لزم متابعته بالقعود، إذا ابتدأ لا بد أن
تبدأ الصلاة من قعود، ما هو تفتح الصلاة من قيام ثم يقعد الإمام يتابعونه،
علشان إيش؟ علشان أن أبا بكر -رضي الله عنه- ابتدأ الصلاة من قيام، فيريدون
أن يخرجوا هذه الصورة، إذا ابتدأ إمام الحي، ما يقولون: هذه فرصة، جماعة
المسجد فرصه، إذا عندهم مقعد وما هو بإمام فرصة يقدمونه علشان يصلون وهم
قعود، لا، لا بد أن يكون إمام الحي، وأن تبتدئ الصلاة من قعود، وأن يكون
المرض يرجى برؤه، إذا بترت الرجلان للإمام وقرر أنه لن يقوم على قدميه خلاص
هذا ما يرجى برؤه، فمثل هذا لا يقعدون وراءه؛ لأن هذه أمور طارئة، يعني مو
بثابتة عادية، القيام للقادر عليه ركن من أركان الصلاة ((صل قائماً فإن لم
تستطع فقاعداً)) فلا يهدر هذا الركن من أجل شخص لا يرجى
برؤه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما
صلى بهم وأشار إليهم أن يجلسوا، هو إمام الحي، وابتدأ الصلاة من قعود،
ويرجى برؤه، فحينئذٍ يصلى خلفه قعود؛ لتنزل على هذه الصورة، وأما بالنسبة
لما حصل في مرضه -عليه الصلاة والسلام- فقد افتتحت الصلاة من قيام؛ لأنه
افتتحها أبو بكر من قيام، فلا يسوغ لهم أن يجلسوا، ما القول الراجح؟ القول
بالنسخ مريح، خلاص صلوا خلفه من قعود، هو قاعد وهم قيام وانتهى الإشكال،
وهذا مرض موت اللي ما بعده شيء، وهذا الحديث في مرضه الذي لما سقط فجحش شقه
الأيمن، متقدم على ذلك، فالشافعية والحنفية ما عندهم إشكال، تصح الصلاة،
لكن من قيام، فهل نقول بالنسخ وهو واضح لأن النص متأخر وهذا متقدم؟ لكن إذا
تصورنا أن النسخ إلغاء للنص، ورفع للحكم بالكلية، وبما ذكره الحنابلة يتم
الجمع والتوفيق بين هذه النصوص، وإذا أمكن الجمع تعين، ما المرجح؟ يعني هل
العلة انتفت مشابهة فارس والروم، نقول: ارتفع الحكم؟ انتفت العلة أو ما
انتفت؟ العلة باقية، مشابهة فارس والروم التي هي سبب الأمر بالجلوس باقية،
فهل نقول بقول الحنابلة: إن العلة باقية، والنص صحيح صريح؟ والنص الآخر
يمكن حمله على صورة معينة، وما عداها يصلون من جلوس، وله وجه، والإمام إنما
جعل ليؤتم به، الآن تنازلت عن ركن وهو القيام، هل له نظير في الصلاة أن
يتنازل عن ركن من أجل الإمام في الصلاة؟ من أجل الإمام تنازل عن ركن؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
خوف، نعم في صلاة الخوف يتنازل عن مبطلات، قراءة الفاتحة إذا جاء والإمام
راكع من أجل متابعة الإمام، تنازل عن هذا الركن، المقصود أن الاقتداء
بالإمام له شأن، وأكد عليه في النصوص، فقول الحنابلة له وجه، ولو قيل
بالنسخ لما بعد؛ لأنه متأخر، والمسألة اجتهادية.
الطالب:. . . . . . . . .
نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
يعني فعلها الصحابة من بعده، فعله، لكن على قلة، ما هو بمنتشر، الصحابة
الكبار لما حصل لهم ما أحصل أنابوا، عمر -رضي الله عنه- لما طعن أناب صهيب
ليصلي بالناس، استخلف ما كمل، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري -رضي
الله عنه- قال: حدثني البراء وهو غير كذوب، قال: كان رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهر حتى يقع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ساجداً، ثم نقع سجوداً بعده.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن يزيد الخطمي" من الأنصار -رضي الله تعالى عنه- قال: "حدثني
البراء وهو غير كذوب" يصف الصحابي بأنه غير كذوب، أيهما أولى أن يوصف
الصحابي بأنه غير كذوب أو غير كاذب؟ غير كاذب؛ لأن وصفه بأنه غير كذوب لا
ينفي أن يكون كاذباً؛ لأن المنفي عنه المبالغة، لكن هذا مراد أنه ينفي
المبالغة، ويثبت ما دونها، لا، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}
[(46) سورة فصلت] نفي المبالغة في مثل هذا لا يقتضي إثبات ما دونها، {إِنَّ
اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [(40) سورة النساء] يعني مقتضى
الصيغة إذا نفينا المبالغة، مقتضاها أن نثبت ما دونها، إذا قال: غير كذوب
لا يمنع أن يكون كاذب؛ لكنه لا يستحق الوصف بالمبالغة، وإن استحق أصل الوصف
بالصفة، لكن هذا غير مراد، ليثبت صدق الصحابي، مع أن الصحابي ليس بحاجة إلى
مثل هذا التنصيص؛ لأنهم كلهم عدول ثقات.
قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال" هذا ديدنه، (كان) تدل
على الاستمرار "إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره" يعني لم
يتهيأ أحد للسجود، بل يستمر قائم "لم يحنِ أحد منا ظهره حتى يقع -صلى الله
عليه وسلم- ساجداً" يعني لا يسجد أحدهم قبله ولا يوافقه في السجود، بل إذا
وقع -عليه الصلاة والسلام- ساجداً ثم نقع سجوداً بعده، إذا شرع في السجود
وباشر السجود ووصل إلى الأرض سجدنا، قال: سمع الله لمن حمده، بعض الناس
بمجرد ما يقول: سمع الله لمن حمده يهوي إلى السجود، وتزول بذلك الطمأنينة
التي نص عليها في كل ركن من أركان الصلاة في حديث المسيء، كما سيأتي، فلا
يجوز للمأموم أن يهوي إلى السجود حتى يقع إمامه على الأرض، إذا اطمأن على
الأرض يحني ظهره، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه
تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إذا أمن الإمام فأمنوا)) " أمن يعني قال: آمين، ومعنى آمين: اللهم استجب،
وهي بالمد آمين، وتقرأ، بالقصر: أمين، ويروى عن جعفر الصادق التشديد:
آمّين، قاصدين، لكن هكذا ضبطها عند جمهور أهل اللغة وغريب الحديث: آمين،
والتأمين سنة في الصلاة وخارج الصلاة، إذا انتهى القارئ من قراءة الفاتحة،
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يجهر بها، ويرفع بها صوته، وكذلك
المأمومون، ويرتج المسجد من اجتماع اختلاط أصواتهم، إذا أمن الإمام مقتضاه
أن الإمام يؤمن فيقول: آمين، وش معنى إذا أمن الإمام فأمنوا؟ التأمين في
الصلاة، ما هو بالتأمين المعروف هذا، نعم ليس مقتضى الحديث أن يستدل على
التأمين على الحياة أو الصحي أو الحوادث لا، قد .. ، أنتم باعتباركم أهل
علم شرعي وكذا، لكن أهل الأهواء الذين يقولون: ويل للمصلين، يبي يقولون:
جاء في الحديث الصحيح ((إذا أمن فأمنوا)) إذا أمن الإمام فأمنوا، أنتم
تبعاً لإمامكم، وقيل به، إذا رآه الإمام ولي الأمر ساغ، سمعنا من يقول
بهذا، على كل حال المقصود بالتأمين، لا تختلفون في المراد به، لكن لئلا
يأتي مفتون فيستدل بجزء من الحديث، وينطلي على عوام الناس.
هنا ((إذا أمن الإمام)) يعني قال: آمين،
ومقتضاه أن الإمام يؤمن، جاء في الأحاديث الصحيحة وهي تبعاً للأحاديث
السابقة ((إذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين)) فمفهومه أن الإمام لا يقول:
آمين، لكن الإمام مسكوت عنه، منصوص على أنه يقول: ولا الضالين، أما بالنسبة
للتأمين فمسكوت عنه، فقولوا: آمين، لكن مقتضى هذا أن المأموم يقع تأمينه
بعد فراغ الإمام من ولا الضالين، لا يعني أنه يقع قوله: آمين بعد فراغ
الإمام من قول: آمين، كما هنا: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) يعني إذا انتهى
من التأمين فأمنوا؟ لا، يفسرها الرواية الصحيحة ((فإذا قال: ولا الضالين
فقولوا: آمين)) ليتفق تأمين الإمام مع تأمين المأموم مع تأمين الملائكة.
((إذا أمن فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من
ذنبه)) فليحرص الإنسان على موافقة تأمين الملائكة، بما تكون الموافقة؟ لا
تتقدم على الإمام، ولا تتأخر عنه، وأيضاً مد التأمين بقدر مده، وأحرص على
أن يكون تأمينك بحضور قلب؛ لأن المؤَمِن في حكم الداعي، والله -جل وعلا- لا
يستجيب لقلب غافل، لا يكون قولك: آمين عادة، لا، أنت تؤمن على جمل دعائية،
فأنت داعٍ في الحقيقة، فأحضر قلبك؛ ليوافق تأمينك تأمين الملائكة، فيغفر لك
ما تقدم من ذنبك، يعني إذا أمن فأمنوا، يعني إذا قال كما في الرواية
الأخرى: ولا الضالين آمين، فمقتضى هذا أن الإمام بالنص الذي معنا يؤمن،
والنص الثاني مسكوت عن الإمام، كما في قوله: وإذا قال: سمع الله لمن حمده
فقولوا: ربنا ولك الحمد، هل الإمام يقول: ربنا ولك الحمد؟ نعم؟ إذا قال:
سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، مسكوت عنه، ما في نص عليه، في
هذا النص الإمام مسكوت عليه، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
يقولها، لكن من الأئمة من يقول: أبداً
الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، هذا معروف
عند الحنفية الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد، هذه من وظائف المأموم، لكن
هذه ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام-، نستحضر أنها ثبتت عنه -عليه الصلاة
والسلام-، والمأموم وإن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- صفته صفة إمام،
لكنها لا تخالف ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة
والسلام- يقول: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والإمام هنا في هذا النص مسكوت
عنه، كما في قوله: ((إذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين)) مسكوت عنه، فسرت
النصوص الأخرى كما معنا إذا أمن فالإمام يؤمن.
((ما تقدم من ذنبه)) مقتضى كلام أهل العلم أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه من
الصغائر، وإن كان الذنب مفرد مضاف يقتضي العموم، لكن الكبائر ينص أهل العلم
أنه لا بد لها من توبة، ولذا جاء في النصوص في الخصال المكفرة جاء فيها:
((ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنب الكبائر)) {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ
مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] إلى غير ذلك، فالكبائر لا بد
لها من توبة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا
صلى أحدكم بنفسه فليطول ما شاء)).
وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا،
قال: فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب في موعظة قط أشد مما غضب
يومئذٍ، فقال: ((يا أيها الناس إن منكم منفرين، وأيكم أم الناس فليوجز، فإن
من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم للناس)) " للناس ((قوموا فلأصلي
لكم)) "صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" واللام هنا منهم من يقول:
تعليلية، يعني من أجلنا ((إذا صلى أحدكم للناس)) يعني لأجل الناس، إماماً
بهم، فبعض تصرفات الإمام لا تلزمه لو كان منفرداً، لكنه من أجلهم يفعل هذه
الأفعال، فبعض صلاته من أجلهم، تقدمه أمامهم من أجلهم، فيصدق عليه أن يصلي
للناس، ومنهم من يقول: إن اللام هنا بمعنى الباء، إذا صلى أحدكم بالناس،
يعني إماماً ((فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة)) أصحاب الأعذار
فيهم، وليس في هذا حجة للنقارين، وقد جاء النهي عن مشابهة الحيوانات، ومنها
نقر كنقر الغراب، والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، فالقراءة لا بد منها
((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف)) والتخفيف والتطويل أمور نسبية، لا شك أن
قراءة سورة آل عمران لمن يقرأ سورة البقرة تخفيف، وهكذا، فالذي أمر
بالتخفيف ((فليخفف)) ((فليجز)) الذي أمر بهذا صلى بقاف واقتربت والصافات
والطور وسبح والغاشية والجمعة والمنافقون، لكن لو قرأ بالطور قالوا: طول،
وصلى بالأعراف في الركعتين، المغرب، لكن لا يكون هذا ديدن وعادة، يكون شأنه
الرفق بالمأمومين ((فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة)) الذي لا يستطيع
متابعة القيام مشغول بحاجته، لا يستطيع لضعفه، لا يستطيع لمرضه.
((فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء))
يقرأ ما شاء، ومقتضاه أنه يجوز أن يصلي بما شاء من القرآن، فهل له أن يخرج
الصلاة عن وقتها بتطويل القراءة؟ طلع الفجر فصلى لنفسه وهو منفرد، ما حوله
جماعة ولا يسمع أذان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فإذا صلى أحدكم
لنفسه فليطول ما شاء)) صلى أحدهم لنفسه فقرأ في الركعة الأولى البقرة وآل
عمران والنساء، وقرأ في الثانية المائدة والأنعام والأعراف، لما التفت إذا
الشمس مرتفعة، لما دخل في الصلاة في أول وقتها، لكن لما سلم؟ هل له أن يطول
لنفسه ما شاء حتى يخرج الوقت؟ ليس له أن يخرج الوقت قبل تمام الركعة
الأولى؛ لأن مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أدرك ركعة من صلاة
الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) ومقتضى عموم هذا الحديث: ((من
صلى لنفسه فليطول ما شاء)) يقرأ ما شاء، فإذا أدرك الوقت فالقدر الزائد على
الإدراك له، أردك ركعة؛ وليحرص أن تكون صلاته كلها في الوقت، لماذا؟ لأن
العلماء يختلفون في الركعة الثانية المدركة بعد خروج الوقت هل هي قضاء وإلا
أداء؟ يعني إذا كان هناك عذر، واستيقظ من النوم قبل طلوع الشمس بخمس دقائق،
توضأ وضوءاً خفيفاً وأدرك الركعة الأولى، ثم طلعت الشمس، الركعة الثانية
قضاء وإلا أداء؟ حديث: ((فقد أدرك الصبح)) نعم مقتضاه أن تكون أداء، صلاته
كلها أداء، ومنهم من يقول: لا، ما أدركه من وقته أداء، وما أدركه خارج
الوقت قضاء، فعلى هذا لا ينبغي له أن يطول تطويلاً يفوت الوقت، وإن قال
بعضهم بجوازه، ما دام شرع في الصلاة في الوقت، والنص ((إذا صلى أحدكم لنفسه
فليطول ما شاء)).
"وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري
الأنصاري" نسبة إلى بدر، والجمهور على أنه لم يشهد بدراً، وإنما سكن بدراً،
ونزل فيها، فنسب إليها "قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا" يطيل بهم، يقرأ
البقرة مثلاً، وفي الثانية آل عمران "فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم-
غضب في موعظة أشد مما غضب يومئذٍ" لأن المطلوب من الإمام أن يتألف الناس،
الداعية مطلوب منه أن يتألف الناس، العالم مطلوب منه أن يتألف الناس،
الإمام يتألف الناس على هذه الصلاة، لا ينفر الناس، لا يكون سبباً لترك
الناس لهذه الشعيرة العظيمة، فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما رأيت
النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب في موعظة أشد مما غضب يومئذٍ، النبي -عليه
الصلاة والسلام- جاءه من يطلب النصيحة، فقال له النبي -عليه الصلاة
والسلام-: ((لا تغضب)) فكرر عليه فقال: ((لا تغضب)) فكرر عليه قال: ((لا
تغضب)) نعم إذا انتهكت محارم الله غضب، ولا شك أن هذا الصنيع يؤدي إلى
الانتهاك، وما يؤدي ويؤول إلى الشيء حكمه حكمه "فما رأيت النبي -صلى الله
عليه وسلم- غضب في موعظة أشد مما غضب يومئذٍ، فقال: ((يا أيها الناس إن
منكم منفرين)) " ما قال: يا فلان، فليس من عادته التشهير بالأفراد، بل ينفر
من العمل الذي تقع فيه المخالفة، وأما بالنسبة للمخالف إن أمكن نصحه سراً
فهذا هو المطلوب، وإن لم يمكن إلا جهراً فليعمم، وإذا رأى الإمام تعميم
النصيحة بهذه المخالفة لأنها ظاهرة، أو يخشى أن تكون ظاهرة يعمم في الكلام
((ما بال أقوام)) وهنا: ((يا أيها الناس إن منكم منفرين)) ما قال: فلان
وفلان المنفر الفاعل التارك، وعلى هذا يتحرى في مثل الخطب والمواعظ
والتوجيه للناس أن يكون فيه شيء من التعميم، بحيث لا يحرج من وقع في خطأ،
والنصيحة كل ما أمكن أن تكون سراً هو الأصل؛ لأنها أدعى إلى القبول، وقد
يترتب على الجهل بالإنكار مفسدة أعظم مما يترتب عليه من المصلحة، لكن
البيان لا بد منه، لكن بالطرق المناسبة.
((يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم
الناس فليوجز)) الإيجاز الأصل فيه أنه للكلام، يقابله الإطناب، الإيجاز
تقليل الكلام مع كثرة المعاني، والإطناب يقابله، وهنا أطلق في إيجاز الفعل
وتقليله نسبياً، يأتي من يقرأ يكون ديدنه في صلاة الصبح قراءة سورة العصر،
وسورة الإخلاص، بل وجد من يقسم سورة الإخلاص في الركعتين، وجد، امتثالاً
لقوله: ((فليوجز)) ((فليخفف)) هل هذه حجة لمثل هذا؟ أبداً، فالذي قال:
((فليوجز)) ((فليخفف)) أم الناس بالصافات، وأمهم بالطور، وأمهم بـ (ق)
واقتربت، فالإيجاز نسبي، والناس ما لهم نهاية ترى، يعني لو تصلي بهم بقصار
السور اشرأبت نفوسهم إلى ما هو أقل من ذلك، ولا شك أن الذي يتعامل مع الله
-جل وعلا- هو القلب، القلب هو الذي يتعامل، تجد شخص يناهز المائة وعنده
استعداد يقف في الصلاة ساعة، وتجد شاب في الثلاثين في الثالثة والثلاثين
التي هو قوة الشبان، ما عنده استعداد يصلي خمس دقائق، فالذي يتعامل القلب،
تجد هذا الشاب في مواطن أخرى عنده استعداد يقف ساعة ساعتين، وإذا جاء إلى
الصف، يذكر عن شخص أنه من عشرين سنة يصلي جالس، كبير في السن عمره فوق
الثمانين يصلي جالس، والناس يشوفونه يدخل بالعصا يمشي، لكن عاذرينه، ثمانين
سنة، لكن لما صارت العرضة يوم العيد ساعتين يعرض وهو واقف، فالذي يتعامل مع
الله -جل وعلا- هو القلب، وعرفنا شخص زاد عمره عن المائة، ويصلي خلف شخص في
هذه البلاد في بريدة خلف شخص صلاة التهجد وصوته ما هو بالأصوات بعد المشجعة
التي يقول الإنسان: إنه ينسى نفسه، لا، فهذا الإمام يصلي في الليل خمسة
أجزاء، في ليلة من الليالي سمع مسجد يؤذن، والعادة أنه إذا أذن فالصلاة
انتهت، فخفف في الركعة الأخيرة من صلاة التهجد، لما سلم استلمه هذا الشيخ
الكبير، الذي زاد أو يناهز المائة، يا فلان لما جاء وقت اللزوم خففت، نعم
مائة سنة، الله المستعان، لو يصلي الإمام .. ، الآن يصلى صلاة التهجد بورقة
واحدة، كان الناس أقل ما يقرأ نصف جزء، قد يقول قائل: إن كيفية القراءة
اختلفت، من أول الناس يسرعون، الآن بدءوا يرتلون، صحيح، لكن أمور نسبية،
تصلي بورقة يا أخي؟! مطلوب إسماع الناس القرآن، كانوا يختمون
ثلاث بل وجد من يختم أربع في رمضان، الآن
يعني بدون مبالغة واحد وقف على الأعراف، ليلة تسعة وعشرين، وش قرأ للناس
هذا؟ يعني ربع القرآن، ربع ختمة، طول رمضان كله بتراويح عشرين ليلة، وتهجد
وتراويح عشر ليال، يعني التساهل إلى هذا الحد، نعم التنفير مرفوض، لكن يبقى
أن المسألة تسديد ومقاربة، مسألة تسديد، ولا بد من إسماع الناس، ولا بد من
تذكير الناس بالقرآن، يعني إذا كان الناس يضيق عليهم، ولا يلاحظون في بعض
الأوقات من أجل إيش؟ لا يتخولون بالموعظة، وإذا جاء القرآن نقوم نخفف
{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] التذكير بالقرآن من أعظم الأمور،
هذا الذي غفل عنه كثير من الناس، وهيئ الناس على هذا، شم بعض الناس أن
القرآن لمجرد تصحيح الصلاة، ولذلك لا تجد باكياً طول ليالي رمضان إلا
القليل النادر، فإذا جاء ليلة الختمة تجدهم يتجهزون بالبكاء قبل أن يشرعوا
في الصلاة، الناس هيئوا لهذا، فما يصلح، الأصل أن القرآن هو الذي يحرك
القلوب، هو كلام الله -جل وعلا-، لكن يؤدى على طريقة يستفيد منها الناس،
ويتأثر بها الناس، ولا يقول قائل: إن التأثير يكون للصوت، لا، أبداً،
التأثير إنما هو للقرآن المؤدى بهذا الصوت، بدليل لو أن هذا الصوت لو قرئ
به غير القرآن ما بكى الناس، ولا تأثروا، فالتأثير للقرآن المؤدى بالصوت
الجميل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: بما أن المسجد مسجد يصلى فيه على الجنائز هل يجوز أن يعلن في
المساجد الأخرى أن فلاناً مات، وسوف يصلى عليه في الوقت الفلاني؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث
الصحيح نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، يعني أخبر بموته، وخرج بهم إلى
المصلى فصلى عليه، فالنعي هنا مجرد الإخبار، فإذا كان الإخبار ليكثر الجمع
عليه، ويصلي عليه خيار الناس، ويجتمع أهله وأقاربه ومحبوه لمجرد الإخبار
فلا بأس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي، يعني أخبرهم بموته،
وأما إذا كان من باب التفاخر، وذكر المحاسن، ورفع الأصوات بالأسواق وغيرها
كالجرايد مثلاً للمباهاة والتفاخر فهذا هو النعي المنهي عنه.
يقول: كيف تقضى صلاة الجنازة؟
تقضى على صفتها، وما يدركه المسبوق هو أول صلاته، فيكبر ويقرأ الفاتحة، ثم
يكبر ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يكبر فيدعو للميت، ثم يكبر
الرابعة ثم يسلم، لكن إن خشي أن ترفع الجنازة قبل أن يدعو لها، نقول له:
يتابع التكبير ثم يسلم، لكن إن تيسر أن يأتي بشيء من الدعاء الذي من أجله
شرعت صلاة الجنازة لنفع الميت فهو أولى.
يقول: لماذا خصص المنافقين بالثقل؟
الثقل بالنسبة للمنافقين غير الثقل بالنسبة لكثير من المسلمين، هذا يختلف،
الثقل الذي يتصف به المنافقون من أجل أنهم يراءون الناس، فلولا الناس ما
صلوا، وأما بالنسبة لما يتصف به بعض المسلمين، وإن كان فيهم مشابهة
للمنافقين من وجه إلا أنهم يصلون من غير مرآءة لأحد، فلو لم يرهم أحد
لصلوا.
يقول: هل يمكن إعادة أقوال أهل العلم في إمامة الجالس؟
المالكية لا يرون صحة إمامة الجالس، لا تصح
إمامة الجالس، ولا تصح الصلاة خلفه، لا من قيام ولا من قعود، هذا رأي
المالكية، وعند الشافعية والحنفية قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وإذا صلى
جالساً صلوا جلوساً أجمعين)) هذا منسوخ بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-
في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- الذي مات فيه صلى جالساً، والناس من
ورائه قياماً، والحنابلة يحملون هذا على صورة، والأصل أن من صلى جالساً
يصلى خلفه من جلوس، لكن بالقيود التي ذكروها، إذا ابتدأ إمام الحي ابتدئ
الصلاة جالساً، وإمامته -عليه الصلاة والسلام- في مرض موته إنما ابتدأت من
قيام، لا من جلوس، ابتدأها أبو بكر -رضي الله عنه-، أن يكون إمام الحي،
وليس أي إمام يؤتى به مقعد يقال: صل بالناس، وأيضاً لا بد أن يكون لمرض
يرجى برؤه، ما يؤتى بإمام قطعت رجلاه، ثم يقال: تقدم للناس فصل بهم، ويصلي
الناس وراءك قعود، لا، هذه قيود جعلها الحنابلة ليعملوا بجميع النصوص.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا
كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي
أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول: ((اللهم باعد بيني
وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى
الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-
عني أهل العلم ببيان صفة صلاة النبي -عليه
الصلاة والسلام- على ضوء ما ثبت عنه ليتحقق للقارئ امتثال الأمر: ((صلوا
كما رأيتموني أصلي)) ولولا عناية أهل العلم بمثل هذا الباب ما تيسر لنا أن
نصلي كما صلى -عليه الصلاة والسلام-، فنقلت صلاته بالأسانيد الصحيحة
الثابتة المتصلة إلى يومنا هذا، ليتم امتثال الأمر، وأنه هو القدوة، وهو
الأسوة، والصلاة وجميع العبادات لا يدخلها الاجتهاد، العبادات توقيفية،
فتذكر صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها بيان لما أجمل في القرآن،
جاء الأمر بإقامة الصلاة والمحافظة على الصلاة، لكن كيف تؤدى هذه الصلاة؟
تؤدى اقتداء بالأسوة، اقتداء بالقدوة المبين عن الله -جل وعلا-، المفسر
للقرآن، الموضح له، وهكذا يقال مثل هذا في بقية العبادات، كلها لا بد أن
تكون موافقة لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا بد أن يتحقق
الشرط الثاني بعد الإخلاص، أن تكون على ضوء ما جاء عنه -عليه الصلاة
والسلام-، ولذا عقد مثل هذا الباب، باب صفة صلاة النبي -عليه الصلاة
والسلام-، ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة"
(كان) هذه تدل على الاستمرار، وقد تدل على وقوع الفعل مرة أو أكثر، لكن
الصيغة صيغة استمرار، هذا الأصل فيها "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
إذا كبر في الصلاة" تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة،
لا تصح إلا بها، ولا تصح إلا بهذا اللفظ: الله أكبر، هذا هو المنقول عنه
-عليه الصلاة والسلام-، ولم يحفظ عنه أنه قال غير هذا اللفظ، فلا يقوم
مقامه غيره، كـ (الله الأعز، الله الأجل، الله الأكرم، الله الأعظم) كل هذا
ما يجزئ، وإن قال به بعض الأئمة، لكن لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-
أنه كبر بغير هذا اللفظ، افتتح الصلاة بغير هذا اللفظ، يقول لو قال: الله
الكبير كفى، لكن الصواب ما جاء عنه، وما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام-،
ولو كان غيره يقوم مقامه لنقل ولو مرة واحدة لبيان الجواز، لكن لما لم يكن
غير هذا اللفظ مجزئاً عنه لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كبر من
غير هذا.
تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة عند
الجمهور، ويرى الحنفية أنها شرط من شروط الصلاة، وش الفرق بين القولين؟ ما
الفرق بين القولين؟ بينهما فرق أو ما فيه؟ الآن من أي ناحية الفرق؟ يعني لو
صلى ناسياً بغير طهارة، أو صلى ناسياً بغير تكبيرة إحرام، في فرق؟ الصلاة
تنعقد أو ما تنعقد؟ لا تنعقد، وش الفرق بينهما؟ الشرط لا يسقط، إلا مع
العجز والركن كذلك.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا أنا أريد الفرق بين الركن والشرط،
الجمهور يقولون: ركن، والحنفية يقولون: شرط، وش الفرق بينهما؟ نعم يعني
الركن داخل الماهية، والشرط خارج الماهية، وش اللي ترتب على هذا من فائدة؟
يعني يمكن أن يقول: الله أكبر وهو لم يدخل في الصلاة، يعني هل معنى قول
الحنفية: إنها الشرط أنه يمكن أن يكبر في البيت مثل ما يتوضأ في البيت ويجي
يصلي؟ نعم؟ هم يقولون: شرط مقارن، لا بد أن يكون مقارن لأول جزء من الصلاة،
لكنه شرط وليس بركن، فيه فائدة الخلاف أو ما فيه فائدة؟ يعني لو كبر وهو
حامل نجاسة هذا متنجس، ثم قال: الله أكبر، يعني وضعه مع نهاية الراء، وضع
هذا المتنجس مع نهاية الراء، صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ صحيحة عند من؟ عند
الحنفية؛ لأنه لم يشرع في الصلاة، حمل النجاسة خارج الصلاة، وأما عند
الجمهور فصلاته باطلة؛ لأنه حمل النجاسة داخل الصلاة، مثل أيضاً لو غير
نيته مع نهاية التكبير يصح عند الحنفية بخلاف الجمهور، مسائل كثيرة مترتبة
على مثل هذا الخلاف، فلا بد من الانتباه لمثل هذا. "إذا كبر في الصلاة" جنس
في الصلاة سكت هنيهة، وهو يقول في هذا السكوت دعاء الاستفتاح، في الصلاة
والمراد بالصلاة الجنس، فهل يستفتح في صلاة الجنازة مثلاً؟ في صلاة الخسوف؟
في صلاة العيد؟ في صلاة قيام الليل؟ في النافلة؟ في الفريضة؟ هناك "في
الصلاة" جنس، يستفتح أو ما يستفتح؟ لأن الصلاة جنس تشمل جميع الصلوات، قد
يقول قائل: المراد الصلاة التي يتبين فيها هذا السكوت، أما الصلاة التي لا
يتبين فيها سكوت قد لا تكون داخلة في السؤال؛ لأنه بعد التكبير ساكت
باستمرار، وصلاة الجنازة من هذا النوع، لكن يرد عليه صلاة الظهر والعصر
مثلاً، نعم، فهل نقول: إن صلاة الجنازة يستفتح فيها استدلالاً بعموم الخبر:
"في الصلاة"؟
هذا يقول: ما قول الحنفية في تكبيرة الإحرام أهي شرط أم ركن؟
عرفنا قول الحنفية أنها شرط، والجمهور على أنها ركن، وعرفنا الفائدة
المترتبة على هذا الخلاف.
صلاة الجنازة فيها استفتاح وإلا ما فيها
استفتاح؟ بدليل؟ إذا قلنا: إذا كبر في الصلاة سكت، في الصلاة جنس الصلاة،
وعلى هذا سجود التلاوة عند من يقول: إنه صلاة يستفتح وإلا ما يستفتح؟ جنس،
يستفتح على هذا، لكن هل المراد بـ (أل) هنا الجنس أو العهد؟ نعم؟ العهد،
والصلاة المعهودة هي الصلوات الخمس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المفروضة؟
النوافل ما فيها استفتاح؟ أو المراد بها الصلاة ذات الركوع والسجود؟ وهي
الصلاة المعهودة خلاف الصلوات الطارئة؟ نعم يا إخوان؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المعهودة التي هي الصلوات الخمس، وما في حكمها، أما الصلوات غير المعهودة،
ما الذي يخرج غير صلاة الجنازة؟ هو ما في غيرها، في غير صلاة الجنازة ليس
فيها ركوع ولا سجود؟
طالب:. . . . . . . . .
السجود، سجود عند من يقول: إنه صلاة، سجود التلاوة وسجود الشكر لا يدخل إذا
قلنا: المراد بالصلاة المعهودة المعروفة بقيامها وركوعها وسجودها، فتخرج
صلاة الجنازة فتحتاج إلى دليل خاص ولا دليل، اللهم إلا إذا قيل بأن (أل)
هنا للجنس، فيشمل جميع الصلوات، فتدخل صلاة الجنازة.
"سكت هنيهة قبل أن يقرأ" والإشكال لو قلنا: إنه في ما يمكن السؤال عنه
والذي يمكن السؤال عنه هو الصلاة الجهرية التي يتصور فيها السكوت، يرد
علينا الصلوات السرية من المفروضات.
"سكت هنيهة" وفي رواية: هنية، والمراد زمناً يسيراً، بدليل التصغير، هنيهة،
هنية، في هذا دليل على أنه لا يجمع بين أدعية الاستفتاح؛ لأنه يترتب على
الجمع بينها أن تكون السكتة طويلة.
"فقلت: يا رسول الله" هذا أبو هريرة، وحريص
على الخير، عُرف أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- بالحرص على الخير؛ لما سأل
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((قد علمت من حرصك على الخير)) يعني علمت
أنك تسأل هذا السؤال من حرصك على الخير، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-
"فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي" يعني يفديه بأبيه وأمه، والتفدية جائزة
عند أهل العلم، حصلت منه وله -عليه الصلاة والسلام-، سمع ولم ينكر "أرأيت"
يعني أخبرني "سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " يعني هذا الوقت الذي
تسكت فيه بعد تكبيرة الإحرام ماذا تقول فيه؟ "قال: ((أقول: اللهم باعد بيني
وبين خطاياي)) " المباعدة هنا يعني قبل وقوعها أو بعد وقوعها؟ قبل وقوعها
إذاً كيف يقول: خطاياي؟ كيف ينسبها إلى نفسه وهي لم تقع منه؟
الطالب:. . . . . . . . .
يعني باعد يعني قبل وقوعها، إذاً كيف ينسبها إليه؟ كيف صارت خطاياه وهي لم
تقع؟ أنه خطاء، يعني الأخطاء المتوقعة، وهذا تعليم للأمة، وإلا فالنبي
-عليه الصلاة والسلام- معصوم، وقد يكون فعله لخلاف الأولى بالنسبة له كخطأ
غيره، وقد عوتب في ذلك ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) يعني اعصمني من
الوقوع في الخطأ، هذا قبل وقوعها، وإذا وقعت فامح أثرها بالتنقية الآتية
((كما باعدت بين المشرق والمغرب)) هذه مبالغة في الحيلولة بينه وبين وقوع
الخطأ، وهذا تعليم لأمته -عليه الصلاة والسلام- ((اللهم نقني)) من التنقية،
((من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) يعني إذا وقعت نقني منها كما
ينقى الثوب الأبيض من الدنس، والثوب الأبيض هو الذي يظهر فيه الدنس، وهو
الذي يفيد فيه التنقية والتنظيف أكثر من غيره، كما ينقى الثوب الأبيض من
الدنس من الوسخ.
((اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج
والبرد)) أيهما أولى البداءة بالتنقية أو بالغسل؟ يعني لو قدم قال: اللهم
اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى
الثوب الأبيض من الدنس؟ يعني كما في دعاء؟ نعم الجنازة، الجنازة مثل هذا
وإلا فيه تقديم وتأخير؟ فيه تقديم وتأخير، أيهما أولى أن يقدم التنقية أو
يقدم الغسل؟ يقدم إيش؟ التنقية، لماذا؟ لأن؟ نعم، لو قدم الغسل اقتضى بقاء
شيء يحتاج إلى تنقية، لو قدم الغسل، ولذا يقولون: التخلية قبل التحلية،
فإذا نقي وتتبعت مواطن الوسخ، وأزيلت، ثم غسل الجميع غسلاً تاماً كاملاً ما
بقي شيء، لكن لو غسل قبل ثم نقيت لاحتمل أن يبقى شيء، ولذا الدعاء في هذا
الموضع يقولون: أبلغ من الدعاء في الجنازة، ولعل من يدرك سر في تقديم الغسل
على التنقية في الجنازة، والعكس هنا هذا هو الأصل؛ لأنه تتبع المواطن
-مواطن الوسخ- فتغسل، تنقى، ثم بعد ذلك يغسل الثوب، لا شك أن هذه تخلية
أولاً ثم تحلية، أنت الآن الجدار هذا فيه بقع، لو أردت أن تصبغه صبغ أبيض
فوق هذه اللون، وفيه البقع، احتمال يظهر أثر هذه البقع بعد الصبغ، لكن لو
أزلت هذه البقع ثم صبغته بالأبيض انتهى الإشكال، ومن هذا إزالة النجاسة من
أعضاء الوضوء قبل غسلها، تزال النجاسة إذا وجدت، تزال الأوساخ إذا وجدت قبل
الوضوء؛ لأن التخلية قبل التحلية، هذا أمر معروف عندهم، وفي حديث الدعاء
للميت: ((اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا)) قد
يقول قائل: إنه بحاجة إلى غسل؛ لأن الموت موجب للغسل، بحاجة للغسل، ثم بعد
ذلك ينقى من ذنوبه بدعاء إخوانه له، فعلى كل حال النصوص هذه ليس لأحد أن
يعترض عليها، لكن إذا وجد تعليلها وتوجيهها هذا هو المطلوب؛ لئلا يبقى أدنى
إشكال في ذهن الطالب والمتعلم.
((اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب
الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطايا بالماء والثلج والبرد)) أيهما أفضل
للتنظيف الماء الحار أو الماء البارد؟ البارد بدلالة النص أو الواقع؟ هو
إذا كان الحار يكون سبباً في تليين بعض الأوساخ وإزالتها صار له دور، وإذا
كان البارد سبب في تجميد بعض الأوساخ صار الحار أفضل، لكن بالتجربة الحار
في الغالب ينبو عن البدن، وأما البارد لأن البدن إذا جاءه البارد ينقبض،
ويصير فيه شيء من الخشونة التي تكون في الغسل أبلغ، هذا ملاحظ وإلا مو
ملاحظ؟ يعني البارد لما تغسل بماء حار مثلاً مرور الماء الحار على البدن لا
يؤثر على البدن تأثير الماء البارد الذي يجعل البدن ينكمش معه فيصير فيه
تجاعيد؛ لأن الشيء الأملس تنظيفه أشق أو أسهل من الخشن؟ لأن الماء البارد
حينما يرد على اليد مثلاً ما في شك أنها تنكمش يصير فيها شيء من الخشونة،
ما هي بمثل الماء الساخن الذي يمر ولا يؤثر، ولذا حتى في التجربة يقولون:
إن البارد أقوى في التنظيف من الحار، وقد التمس هنا مناسبة أن الذنوب لها
حرارة، وحرارتها يناسب تنظيفها بهذا الأشياء البادرة، بالماء والثلج
والبرد، وإذا توالت هذه المنظفات أكثر من منظف، ثلاثة منظفات هل يبقى من
الدرن شيء؟ ....
|